3

معنى هلاك القلب وأسبابه

مجالسة أهل الدنيا وتناول أطعمة المطاعم

845
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1428

التاريخ 1428/09/04

جلسات المجموعة(3 جلسة)

التوضيح

ما معنى هلاك القلب في دعاء الإمام السجّاد عليه السلام وهل يدعو إلى اليأس ويعني الختم على القلب أم يدعو إلى اغتنام الفرصة والإقبال على الله ما دام هناك إمكانيّة للدعاء؟ ما هي علامات هلاك القلب وما أسبابه وفي أيّ ظروف يعرف ذلك وهل يحصل دفعة واحدة أم تدريجًا؟
تجدون الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها في المحاضرة التالية.

/۱٩
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

معنى هلاك القلب وأسبابه - مجالسة أهل الدنيا وتناول أطعمة المطاعم

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • معنى هلاك القلب وأسبابه

  • مجالسة أهل الدنيا وتناول أطعمة المطاعم

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثماليّ - سنة ۱٤٢۸ هـ. ق - الجلسة الثالثة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني 

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

معنى هلاك القلب وأسبابه - مجالسة أهل الدنيا وتناول أطعمة المطاعم

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِالله مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيم‌

  • بِسمِ الله الرَّحمَنِ الرَّحيم‌

  • وصلَّى اللهُ عَلَى سيّدنا و نبيّنا أبي ‌القاسم مُحَمّدٍ

  • وعلى آله الطّيّبين الطّاهرين و اللعنة عَلَى أعدائِهِم أجمَعينَ‌

  •  

  •  

  • «أدعوك يا سيّدي بلسان قد أخرسه ذنبه، ربّ أناجيك بقلب قد أوبقه جرمه».

  • أدعوك يا إلهي ويا مولاي بلسان قد جعله الذنب ألكن أخرس، وأناجيك بقلب أوقفه الجرم والجناية عن العمل، وجعلاه يبتلى بالهلاك والبوار والعدم.

  • ما معنى هلاك القلب؟

  • تقدّم للرفقاء في الجلسة السابقة أنّ المراد من انعدام القلب وبواره هو انعدام نور القلب وبصيرته، وهذا ما يجعل القلب في اتّجاه وتوجّهات أخرى وفي رؤية للمسائل المختلفة تجعله حائرًا ولا أباليًّا وسكران ويفقد استقلاله في المسير، ويصبح راسخًا في طريق الباطل، وإذا ما حدثت أحداث الباطل مال إليها، وإذا ما حدثت أحداث الحقّ مال عنها. ما إن يتحدّث متحدّث فيقال: فلان يتحدّث. وهو يتحدّث بالباطل، فإنّ هذا يأنس بكلامه ويمدحه ويمجّده، ويقول: سنذهب إليه غدًا وبعد غد وحتّى نهاية شهر رمضان أيضًا سنذهب، ولكن إن كان هناك مَن هو مِن أهل الصفاء وأهل الصدق وأهل الإخلاص ولديه مجلس ثمّ يدعى ذلك الرجل إلى مجلسه فيذهب ويقول: مَن هذا؟ أصلاً لم أدرك ماذا قال! أيّ كلام هذا الذي قاله؟! هل هو يعي ما يقول؟! ينفر قلبه ويُظهر الاشمئزاز، فمن أين يأتي هذا النفور والاشمئزاز ؟ من أين يأتي؟ كيف كان صديقه الذي جاء معه وجلس هنا يدرك وكلاهما يمتلكان آذانًا وآذانهم تعمل جيّدًا، وعندما ذهبا إلى الطبيب، طبيب الأذن والأنف والحنجرة وأجرى لهما اختبارًا قال: كلاهما يسمعان، وهذه الأعصاب والعظام ذات الشكل الحلزوني والدائريّ والطويلة وذلك السائل الموجود في الأذن حتّى ينتهي إلى ذلك العصب والجهاز العصبي والمخيخ الذي هو على الجانب الأيسر من الدماغ، هذا الطبيب يقول: كلّها تعمل.

  • من معاجز الإمام الرضا عليه السلام إبصار العين رغم جفاف العصب

  • نقل لي أحدهم رحمة الله عليه وكان من أولياء نعمتي فقال إنّ أحد أقاربه ـ والذي يفترض أنّه لا يزال حيًّا الآن ولا يزال يعيش في إحدى المحافظات ويفترض أن يكون قد بلغ سنّ الشيخوخة ـ قد ابتلي بمرض في العين وبعد مدّة عمي بصره، أي إنّ العصب الذي هو داخل العين قد توقّف كليًّا وجفّ ولم يعد له أيّ نوع من النشاط، فإذا جفّ العصب لا يعمل، تموت الخلايا وتجمد ولا يكون لها أيّ نوع من النشاط العصبيّ، فهي جافّة وجامدة. فيتوسّل هذا بالإمام الرضا عليه السلام، ويتوسّل توسّلاً شديدًا بحيث يتوجّه إلى الإمام الرضا بشدّة فيشفيه الإمام وتصبح عيناه مبصرتين، وعندما يعاينه الطبيب يقول: والله رأينا أنّ الإمام الرضا وغيره يشفون والعين تشفى، ولكن لم نر حتّى يومنا هذا عصبًا جافًّا يبصر، فهذا العصب جافّ ولا يعمل أبدًا، ولكنّ هذا الرجل يرى الآن، ونحن لم نرَ معجزة كهذه حتّى هذه اللحظة، عصب لا نشاط فيه ومع ذلك يرى. حسنًا فإذا أراد الإمام الرضا فعل، فهذا بيده في النهاية. 

معنى هلاك القلب وأسبابه - مجالسة أهل الدنيا وتناول أطعمة المطاعم

3
  • والآن يفترض أن يكون هذا الرجل على قيد الحياة ولكنّه متقدّم في السنّ. 

  • حسنًا فذاك الرجل أذنه تسمع بشكل جيّد ويدرك المعلومات بشكل جيّد ويشعر بحلاوة ولذّة في قلبه من هذه المعلومات لا تتركه أبدًا، وهذا الذي يجلس إلى جانبه سمع هذا الكلام بعينه أيضًا ولكنّه قام هكذا يقول: نحن لم ندرك أصلاً وقد جاء هذا وتكلّم بكلمات وأمور فهل فهمت شيئًا من كلامه؟! كلاّ يا عزيزي لن آتي غدًا ولا طاقة لي على ذلك! فما حقيقة الأمر؟ من أين تنشأ هذه المسألة؟

  • هل الدجّال شخص أم حركة؟ 

  • تحدث أمور معيّنة... ولدينا حول الدجّال روايات عجيبة، مع غضّ النظر عن أنّ الدجّال أيّ موجود هو؟! وهل هو إنسان أم لا؟ فهناك من يرى أنّه ذو بعد رمزيّ ويشير إلى حركة فاسدة ومنحرفة ولا وجود له كفرد، ولكن ليس الأمر هكذا، ووفق الروايات التي هي ليست باليسيرة فإنّ وجوده هو وجود حقيقيّ، أي إنّه فرد يمتلك هذا الفكر وهذه الأمور وهذه الأشياء، ولديه الخصوصيّات الماديّة لسائر الناس، وعلى كلّ حال لا نريد أن نقف عند هذا الأمر. ولكنّ كلامنا هو في أنّه لدينا في الرواية أنّه عندما ينادي قبل ظهور الإمام ليجمع الناس والمؤيّدين والمرتبطين به وهؤلاء الذين في قلوبهم مرض وطمع وهؤلاء الذين خمد نور البصيرة ونور الحقيقة في قلوبهم فإنّهم يتّبعون هذه الصيحة ويأتون، ونداؤه لا يقول أيّها الناس تعالوا إليّ، كلاّ ليس هذا نداؤه، بل نداؤه يعني تيّارًا حيث يقدّم طرحًا ونظريّة ورؤية يميل إليها هؤلاء الذين في قلوبهم مرض والذين هم أصحاب أطماع والذين سدّت منافذ قلوبهم فيتوجّهون إليه. فهؤلاء يرون هذه الحركة مقبولة ويرون أنفسهم منسجمين معها فيسيرون معها ويجتمعون حوله، ثمّ تأتي حركة أخرى ويأتي نداء آخر يجذب إليه المؤمنين.

  • سبب الاستدراج هو إهمال القلب

  • وهذا الأمر عجيب جدًّا! كيف يقلّ التوجّه إلى الحقّ والميل إليه تدريجيًّا لدى قلب الإنسان بواسطة الابتعاد عن الأعمال المقرّبة وبواسطة الأعمال المبعدة، وهذا ما يعبّر عنه بالاستدراج، فالأمر في الاستدراج لا يحصل دفعة واحدة بل بالتدريج، ففي البداية يكون لدى الإنسان نوع من البصيرة ونوع من الرؤية ونوع من الميل ونوع من الحميّة والعصبيّة والغيرة بالنسبة إلى مسألة معيّنة، ثمّ وبواسطة الاستدراج والنسيان التدريجيّ لتلك الأمور التي تؤدّي إلى تقوية هذا الموقف يضعف موقفه هذا ثمّ يتحوّل إلى اللامبالاة ثمّ إلى الوقوف في النقطة المقابلة ونعوذ بالله من أن يصل الإنسان إلى هذا اليوم، نعوذ بالله!

معنى هلاك القلب وأسبابه - مجالسة أهل الدنيا وتناول أطعمة المطاعم

4
  • علّة النهي عن مجالسة أهل الدنيا حفظ القلب من الاستدراج

  • وقد كان أعاظم الطريق دائمًا يحذّرون السلاّك من مجالسة أهل الدنيا والذين يميلون إلى الدنيا. فلماذا كان ذلك؟ كانوا يقولون: لا تجالسوا أهل الدنيا فإنّه يحدث حادث ما فتتراجعون وتنقلبون وينتهي الأمر.

  • يذهب الإنسان إلى المخبز ليشتري الخبز فيضع المال ويأخذ رغيفًا من الخبز وينتهي الأمر، ولا يجلس ويسأله عن أحوال خالته وعمّته وخاله، انتهى الأمر. يذهب الإنسان إلى الملحمة ويشتري كيلوًّا من اللحم أو كيلوّين فيحاسب البائع ويشكره ويخرج وبهذا ينتهي الأمر.

  • ولهذا يقولون يجب الابتعاد عن الذين هم في ذكر وفكر لغير الله وإن كانوا في ذكر وفكر علميّين ـ والتفتوا جيّدًا ـ وإن كانوا في ذكر وفكر علميّين ومسائل علميّة ولكنّ اتّجاههم وهدفهم وأجواءهم في طريق إرادتهم الخاصّة فيجب عدم معاشرتهم وإنشاء العلاقة الحميمة معهم، لماذا؟ لأنّ هذه العلاقة معهم تبعد الإنسان ذرّة ذرّة لا كيلوًّا كيلوًّا ولا غرامًا غرامًا، فهكذا لا يلتفت الإنسان.

  • يقال إنّ برغوثة وقفت على شجرة وقالت: توقّفي فأنا سأطير.

  • فقالت: أنا لم ألتفت إلى مجيئك لألتفت إلى طيرانك، فإذا جاءت برغوثة إلى يدك فإنّك لا تشعر بها ما لم تلسعك، فإذا لسعتك تشعر بألم في موضع من بدنك كيدك أو جبينك. وأحيانًا يكون الإنسان نائمًا فيلتفت من صوت البرغوثة أنّها جاءت، وبعض البراغيث لا صوت لها، لا أدري هل ذكَرُها هو الذي لا صوت له أم أنثاها، يبدو أنّ أنثاها هي صاحبة الصوت، فكلّ الأصوات هي للأناثي، فقد قرأت في مكان ما أنّ ذكور البراغيث لا صوت لها وأنّ أناثيها لها صوت. فالإنسان يلتفت أنّه جاء ذكر برغوث لا أنثاه التي تصدر الضجيج من بعد أمتار وتخبر عن حضورها، فيأتي هذا الذكر ويجلس على يد الإنسان النائم فلا يلتفت، أرأيتم النائم لا يلتفت، وبعد مضيّ وقت يسير نلتفت إلى حريق لسعة في الجبين، والجلوس مع الذين هم مختلفون في الطريق ولهم أجواؤهم الخاصّة وإن كانوا يدّعون أنّهم من أتباع مدرسة وطريق، هو مثل مجيء البرغوث الذي لا تلتفتون إليه، ثمّ إذا ما لسع تستيقظ صباحًا فترى أنّ هذا الموضع من يدك قد ورم واحمرّ ويحتاج إلى حكّ، لم تكن ملتفتًا، جاء واستقرّ ولم تلتفت، لسع ولم تلتفت، فهناك بعض البراغيث إذا لسعت يختلف الأمر ولكنّ بعضها الآخر لا يختلف الأمر لديك عمّا إذا لم تلسع، ولا يدرك الإنسان خصوصًا إذا كان ثقيل النوم، لا يلتفت، فكم هذا الأمر دقيق، أحيانًا يكون الإنسان جالسًا فتأتي هرّة وتلقي بنفسها عليه، هرّة وزنها كيلو أو كيلوّان فيلتفت الإنسان أنّها على يده، أمّا البرغوثة التي لا تزن حتّى غرامًا واحدًا بل لا تزن حتّى نصف غرام بل ولا نسبة واحد من مائة من الغرام، فكم وزن البرغوثة؟! لكن تأتي الأولى فتلسع وتأتي الثانية فتلسع وتأتي الثالثة والرابعة شيئًا فشيئًا وشيئًا فشيئًا حتّى إذا كثر اللسع حتّى لا يعود الإنسان يشعر بالحاجة إلى الحكّ، يعتاد الجسد على هذا المرض فلا يشعر بالحكّ، ففي البداية يبدي البدن ردّة فعل ويواجه العدوّ المهاجم، ولكن كلّما ازداد وازداد يصبح هكذا بغير ردّة فعل. وقد كانوا في الطبّ القديم يقومون بأمثال هذه الأعمال لبعض المعالجات. لذلك قال الأعاظم عليكم دائمًا أن تلتفتوا إلى أصحابكم من أيّ نوع تختارونهم وماذا يقولون لكم وبماذا يحدّثونكم هل يحدّثونكم بكلام الدنيا أم بكلام الآخرة ؟ وعن أيّ أمور يتكلّمون وفي أيّ مضامين وماذا يطرحون ويتبادلون؟ والذين يأتون إلى الإنسان ويجلسون ويبدأون بالحديث عن هذا وذاك فاقطعوا كلامهم بشكل واضح وقولوا لهم لا تتكلّموا عن هذا وذاك كفى. الذين يأتون إلى الإنسان ويقولون له: ألديك علم بما فعل فلان؟ فما شأني أنا بذلك إن كان قد فعل ما فعل؟ كلاّ بل هو مريض ويريد أن يفتح باب الكلام ويبدأ بالغيبة والتهمة والنميمة وسيّئ الكلام والفتنة وأمثال ذلك، فما كلّ هذا؟ كلّ هذا خلاف الشرع وحرام وهو كالسمّ الذي يدخل البدن شيئًا فشيئًا مع كون الإنسان جاهلاً وفجأة يقتلعه من جذوره.

معنى هلاك القلب وأسبابه - مجالسة أهل الدنيا وتناول أطعمة المطاعم

5
  • آثار مجالسة الصالحين 

  • وهذا على النقيض من الوصيّة التي أوصينا بها من مصاحبة الصالحين والموثوقين والذين يقرّبون الإنسان من الله، فصحبة هؤلاء تشحن الإنسان، ومجالستهم تنقذ الإنسان من مستنقع الكثرة شيئًا ما، وقد ذكرت أمام المرحوم العلاّمة يومًا أنّي أشعر أنّ مجالسة أولياء الله بل حتّى غيرهم من أصحاب النفوس والقلوب الطاهرة والعزم الراسخ والصفاء تترك أثرها على نفس الإنسان حتّى وإن لم يتبادل معهم الحديث، وفي المقابل فإنّ الحديث مع الذين لا يتكلّمون إلا من الناحية العلميّة، أناس جيّدون لا أنّهم سيّئون ولكن مبادئهم تقتصر على المبادئ العلميّة والمهمّ عندهم هو طرح الكلام، وأحدهم دائمًا يتكلّم ودائمًا يتحدّث وإن كان يتكلّم بكلام جيّد أيضًا لا أنّ كلامه باطل، ولكن همّته ومقصده فقط هو الكلام العلميّ ورفع الشبهات ورفع الاعتراضات، فما يستفيده الإنسان من هؤلاء هو تلك المضامين العلميّة التي يسمعها منهم، ولكن لا تتجاوز هذه المضامين دائرة الكلام لتنفذ إلى النفس ولا ترسخ فيها.

  • فقال لي: نعم هكذا هي حقيقة الأمر، وقد فهم من هو الذي كنت أقصده ولكن لم أذكره.

  • أذكر أنّه دعا في إحدى السنوات خطيبًا إلى مسجد القائم [في ليالي شهر رمضان] ـ وقد كان المرحوم العلاّمة بنفسه يرتقي المنبر عند الظهر ـ رحمة الله عليه لا أدري إلى ما انتهى أمره وسمعت أنّه ابتلي ببعض الأمور دون أن أعرف مدى صحّة ذلك، وعلى كلّ حال الآن هو ليس على قيد الحياة، وقد كان هذا الرجل يزاول عمله الحرّ وكان معمّمًا وطبعًا كان يبدّل لباسه عند عمله الحرّ، وكان يشارك في المجالس والهيئات، وكان رجلاً فاضلاً وعالمًا وذا خبرة في الحقوق والقوانين المعاصرة، وكان لديه دكتوراه في الحقوق، وكانت محاضراته مفيدة، أي إنّه كان يحضّر لها جيّدًا ولم يكن يتكلّم بغير تحضير. وقد سمعت منه عبارة جميلة حول المرحوم العلاّمة وذلك في أواخر شهر رمضان، وفي إحدى الليالي في أواخر شهر رمضان المبارك وبينما كان يتكلّم في مسجد القائم في العهد السابق كان يقول: أنا لا أدري ما هو التأثير الذي تتركه مجالسة الأعاظم على الإنسان بحيث إنّهم حتّى لو لم يلفتوا نظر الإنسان ويصرّحوا حول أمر ما، فإنّ الإنسان يتغيّر بنفسه في أجوائهم ويتوجّه نحو طريقة تفكيرهم ونحو منهجهم ونحو النمط الذي يظهرون به، ثمّ قال: ومثال ذلك هذا السيّد الطهرانيّ الجالس هنا، وفجأة احمرّ لون المرحوم العلاّمة وانزعج كثيرًا بسبب ذكر اسمه على المنبر، كان قد حدث أمر ما وبمناسبته ذكر هو ذلك، وكان يقول أنا أتحدّث عن هذا الأمر، كان إنسانًا صريحًا جدًّا.

معنى هلاك القلب وأسبابه - مجالسة أهل الدنيا وتناول أطعمة المطاعم

6
  • كان يقول: عندما جئت إلى هذا المسجد في البداية كانت لي أحوال وأجواء خاصّة. وكان الأمر واضحًا وكان وضعه معلومًا، ففي البداية عندما كان يأتي كان يتردّد على المسجد بقميص، ولم يكن يلبس جبّة، بل كان يلبس عمامة، ثمّ وبعد ما يقارب الأسبوع أو الأسبوعين رأينا شيئًا فشيئًا أنّه صار يلبس جبّة، كانت لحيته مثلاً قصيرة ثمّ بعد مدّة رأينه أنّها طالت، كان كلامه في البداية في أجواء معيّنة ثمّ بعد أسبوع أو أسبوعين رأينا أنّها تحوّلت في مضامينها، لقد كان عين ذاك الرجل، ولكنّه كان رجلاً ذكيًّا، كان رجلاً ذكيًّا ويقظًا فأدرك من أين تأتي هذه المعاني، فقال: بعضهم شاء الإنسان أم أبى يؤثّرون عليه مثل السيّد الطهراني وأشار إلى يساره حيث يجلس المرحوم العلاّمة، كان يقول: أنا بنفسي أشعر أنّي كلّما نزلت عن المنبر وجلست قربه حصل لديّ شعور مختلف وأجواء خاصّة وأحببت أن تطول دقائق هذه المجالسة والمرافقة وتستمرّ رغم أنّها تمضي بسكوت.

  • لقد كان دَيدَن المرحوم العلاّمة في شهر رمضان أنّه كان يضع القرآن وكان الناس يقرأون القرآن مدّة ربع ساعة، وكان هو نفسه يقرأ أيضًا، ثمّ يوكل يمضي ويوكل الأمر إلى غيره، وكذلك كانت هناك عند الظهر تلاوة للقرآن ولكن لم يكن هو يجلس، أمّا في الليل فقد كان يجلس، كان يجلس بنفسه في جلسة القرآن ويقرأ القرآن مدّة نصف ساعة أو ثلاثة أرباع الساعة، بعد دعاء الافتتاح، ففي البداية كان يُقرأ دعاء الافتتاح ثمّ القرآن. 

  • فذاك التأثّر هو لأجل هذا، فالذين هم أصحاب استعداد فإنّهم يتأثّرون، وحقًّا إنه لعجيب جدًّا، حقًّا إنّه لعجيب، فأحيانًا يلتقي الإنسان بأفراد في بعض المجالس لا يمكنه أن ينظر إلى وجوههم فكيف إذا أراد أن يجلس معهم ويتحدّث إليهم، فهذه النفس متعلّقة بالمادّة والماديّات وفي الشهوات وفي الكثرات وفي مشاكل الدنيا وفي الرئاسات بحيث امتزج وجوده الشهوديّ والظاهريّ بوجوده الغيبيّ والباطنيّ والبرزخيّ والمثالي، وتلك الكدورة النفسيّة جاءت وتركت أثرها السيّئ على وجهه. وهذا يرجع إلى مسألة العمى حيث تعمى النفس وتعمى، فإذا عميت فلن تلتفت بعد ذلك إلى الحقّ ولا تحبّه، نفتح القرآن فيبدأ بالكلام مع رفيقه، هذا إن لم يقل أغلق القرآن، فيبدأ بالكلام ويقول: ما أخبارك؟ وأمثال هذا الكلام، وكأنّ القرآن جريدة، أحدهم يقرأ القرآن هنا فيبدأ هو بالكلام، ولو فتحت الموسيقى فإنّه بدلاً من أذنيه هاتين يفتح ستّة آذان أخرى ليرى ماذا يقول، ولكن إذا ما تحدّث أحد عن الله وعن النبيّ والقيامة فإنّه يأخذ بالمسبحة ويدور بها في يده ويشغل ذهنه بذلك، أمّا إذا جاء من يتكلّم بالهراء فإنّ عينيه تحدّقان وتتّسعان أن ماذا يقول هذا وعن أيّ أمر يتحدّث؟! 

معنى هلاك القلب وأسبابه - مجالسة أهل الدنيا وتناول أطعمة المطاعم

7
  • سبب النفور من الحقّ وأهله والميل إلى الباطل وأهله

  • ما سبب كلّ ذلك؟ سببه أنّ ذلك القلب الذي كان يملك نوافذ لورود الأنوار بواسطة الارتباط بالمبدأ، قد أغلقت أنواره بسبب الكدورة التي صارت لديه، وصار الآن موضع دخول الشياطين وجنود الأبالسة وصار ميله إلى الجهة المخالفة، واللذّة التي ينالها إنّما ينالها في الارتباط بهم، والمحبّة التي لديه صارت لهؤلاء، وإذا أراد أن يختار حزبًا فإنّه يختار ذلك الحزب، والجلساء الذين يجالسهم جميعهم من هذا النوع، يقفز مع هؤلاء الذين هم في هذه الأجواء، يمرح مع الذين هم هكذا غارقون في الدنيا والكثرات والشهوات وأمثال ذلك، يجالس هؤلاء الذين يدعونه إلى الدنيا والشهوات والأهواء والرئاسات وأمثال ذلك، يدعو إلى هؤلاء.

  • ذهبنا يومًا إلى مكان ما وكان هناك كلام، وكان هناك عدد من الأفراد جالسين وكانوا أفرادًا متنوّعي المشارب وكان الحديث يدور حول الأمور السياسيّة وأمثال ذلك من الأمور المتعارفة والبسيطة، مضت مدّة فرأيت أنّ الأمر قد صار فاضحًا، فأخذت بالكلام وأعدت توجيهه وخرجت من ذلك الموضوع وتوجّهت إلى ناحية أخرى وجانب آخر، فرأيت أنّ هؤلاء الذين لا يبالون كثيرًا بهذه المسائل قد ملّوا شيئًا فشيئًا ولم يكن في المجلس أكثر من عشر رجال أو خمسة عشر رجلاً، أمّا أولئك الذين لا ينزعجون كثيرًا من ذلك فرأيت أنّهم يصغون، وبعضهم يقول في نفسه: لننظر ماذا يقول هذا الرجل، وكانوا بين بين، فبعضهم كانوا يسَرّون وبعضهم كانوا بين بين، وبعضهم ملّوا ورغبوا في أن يعود الكلام إلى ما كان عليه. 

  • شدّة تعلّق الناس بالعناوين والاعتبارات

  • هكذا هم الناس يا عزيزي! فالناس هكذا، الناس هم أكثر تراخيًا عن الحقائق مقارنة بالأمور الظاهريّة، هم مقصّرون بالنسبة إلى قبول الحقائق العالية والراقية والنورانيّة، مقصّرون جدًّا بالمقارنة باهتمامهم بالأملاك والأهواء والضجيج وأمثال ذلك، ما يحرّكهم هو الأملاك والأهواء لا تلك الحقائق التي خلف الستار. فذلك الذي لم يكن يلتفت إليه حتّى الأمس أحد في الشارع ولم يكن لكلامه قيمة عند الناس، ينال مقامًا معيّنًا فيجتمع لاستماع كلامه ملياران أو ثلاثة مليارات! فما هذا؟ فرؤساء الجمهوريّة الذين ينتخبون في الخارج وفي مختلف البلدان وفي تلك النواحي أو هذه لا تظنّوا أنّ جميع أمورهم على أسس ومعايير علميّة، كلاّ بل بعضهم من أصحاب الأعمال المستهجنة والفنّ وأمثال ذلك، وليسوا بتلك الدرجة من القدرة، فأحدهم يريد أن يصبح رئيس جمهوريّة ويريد أن يحكم دولة واسعة فلا بدّ أن يكون ذا قدرة علميّة وقدرة غير علميّة وقدرة ظاهريّة، فهذه المسائل موجودة، فهذا قبل أن يكون رئيسًا للجمهوريّة لا أحد يلتفت إليه، ولا يرونه إلاّ في الألعاب وأمثالها، وما إن يصبح رئيسًا للجمهوريّة فجأة تصبح جميع الأنظار منصبّة عليه، وإذا أراد أن يتكلّم فإنّ جميع الآذان تصبو إليه أن ماذا يريد أن يقول؟ وأيّ كلمات جوهريّة ستجري على لسانه؟ إنّه هو نفسه يا عزيزي الذي كان ممثّلاً بالأمس، كان يمثّل في الأفلام، ألم يكن الرؤساء هكذا؟ ألم يكن رئيس جمهوريّة أميركا وغيرها هكذا؟ فبعضهم كان ممثّلاً، فرؤساء الجمهوريّات عادة هم هكذا! 

معنى هلاك القلب وأسبابه - مجالسة أهل الدنيا وتناول أطعمة المطاعم

8
  • بما أنّه صار رئيسًا فإنّه إذا ما نطق بكلام فإنّ الدنيا كلّها تصغي إليه، إذا أراد أن يتكلّم فإنّ الجميع يصغون إليه، والويل عندما يريد أن يتحدّث بكلام أخلاقيّ وبكلام علميّ وأمثال ذلك! أفهل يعي هؤلاء معنى الأخلاق؟! إذا أراد أن يتكلّم بكلام أخلاقيّ أو علميّ أو اجتماعيّ... نعم، وطبعًا عادة ما يضع هؤلاء أمامهم ورقة كيلا يفسدوا كثيرًا، فهؤلاء لا يحسنون الكلام، ولكن ماذا حصل بحيث أنّه بمجرّد أن صارت له صفة تغيّرت النظرة إليه وما سبب ذلك؟! بسبب أنّ نظرة المخاطبين نظرة ناقصة ومعيبة وليست سليمة، وإلاّ فإنّه حتّى يوم أمس لم يكن أحد يجيب سلامه، والآن صار رئيس الجمهوريّة فإذا أراد أن يتكلّم لا بدّ أن يصغي إليه الإنسان؟ يقال له: اذهب يا عزيزي إنّه عين ذاك السابق! لم ينزل عليه جبرائيل ابتداء من اليوم، كلاّ بل أعطوه مقامًا ثمّ سيأخذون منه هذا المقام، بعد يومين يأخذونه منه. رؤيتنا للأمور ليست نورانيّة، نظرتنا ليست حقيقيّة، تفكيرنا في الأمور والمسائل ليس مستقيمًا، لو كان التفكير مستقيمًا فإنّه ينظر أوّلاً إلى جوانب استقامة الإنسان قبل أن ينظر إلى الجوانب الاعتباريّة والمجازيّة والفارغة للإنسان. 

  • خطورة المطاعم وبعض الأطعمة الحديثة 

  • أفتدرون ما هو الشيء الفارغ؟ هو الذي يحتوي فراغًا، هذا هو الذي يسمّى فارغًا، فمن أكل منكم المقرمشات الفارغة فليرفع يده! أنا أتوقّع أن ترفعوا أيديكم جميعًا أو من الأفضل أن نقول إنّنا جميعًا أكلنا منها، فهي تحتوي على الفراغ، هي فارغة تتضمّن هواء، وهي أطعمة مضرّة ينبغي للأطفال أن لا يتناولوها، فهي مضرّة جدًّا وقد نهي عنها في هذا الزمان، خصوصًا إذا لاحظنا الطريقة التي تصنع بها. ولا أدري أيّ بلاء قد أصاب الناس منذ أن صار هذا النوع من الأطعمة من مصنوعات هذه المصانع؟! من غير المعلوم أنّه تراعى فيها النظافة والتقوى والطهارة، فافتقدت ذلك الصفاء الذي كان سابقًا وتلك البركة وتلك النورانيّة السابقة التي كانت تحصل عند طبخ الطعام في المنزل ولم تكن أيدي الأغيار تصل إلى هذا الطعام، فعند فتح هذه المطاعم وهذه المصانع التي تعدّ الموادّ الغذائيّة أيّ أناس يتصدّون لذلك؟ وأيّ أناس يعدّونه؟ وبأيّة نوايا يعدّونه وما هي أحوالهم؟ والخلاصة أنّ الحديث عن هذه الأمور في هذا الزمان هو أشبه بالمزاح والتسلية، يقولون: ماذا تقول أنت؟! لقد صارت هذه الأمور من المسائل الضروريّة للحياة، أفيمكن أن لا نأكل من ذاك المكان المعيّن مثلاً؟! أو لا نخرج ليلاً ولا نأكل من ذاك الطعام؟! فهذه الأمور صارت ضروريّة، ولكنّ حقيقة الأمر أيّها الرفقاء أنّه ما لم تكن هناك ضرورة فلا تأكلوا من هذه الأطعمة المعدّة في الخارج، فإنّه من غير المعلوم ما هو أصلها ونسبها من الناحية الصحيّة ومن ناحية وضعها وحالتها وأمثال ذلك، والأخبار التي تتناهى إلينا هي في كلّ يوم أفضل وأفضل!

معنى هلاك القلب وأسبابه - مجالسة أهل الدنيا وتناول أطعمة المطاعم

9
  • من آداب الطبخ والعمل في المطبخ

  • وفي الزمان السابق لم يكن الأمر هكذا، بل كانوا يعدّون الطعام في المنزل ويعدّونه بادئين بـ «بسم الله الرحمن الرحيم»، وكانت تلك المرأة وذلك الرجل اللذان يدخلان المطبخ يتوضّآن وكان لذلك آداب، وقد نسيت تلك الآداب بشكل كامل، وأنا أذكر أنّي عندما كنت طفلاً سمعت من بعض النساء أنّهنّ كنّ يقلن أنّهنّ لم يطبخن طعامًا قطّ وهنّ على غير وضوء، فانظروا كم لهذا الطعام من البركة والنور والروحانيّة، ثمّ قارنوا ذلك بالمطاعم التي تضع لك الكراسي، وهذا الذي يصنع لك الطعام كيف وضعه؟! أصلاً هل هو طاهر أم غير طاهر؟ دعنا من الحديث عن كونه متوضّئًا أم غير متوضّئ هل طاهر أم غير طاهر؟ هل هو على جنابة أم لا؟ هذا هو الأمر المهمّ في أيّة حالة هو؟ وهل يراعي الأمور الأخلاقيّة أم لا؟ لا علم بكلّ ذلك، فقط يأتون ويضعون أمامك الطعام ويقولون: تفضّل. أمّا ماذا جرى وراء الستار وماذا جرى على هذا الطعام فلا اطّلاع لديك ولا علم. 

  • يقول بعضهم: ذهبت إلى بعض المطاعم لأتناول الغداء وكان الوقت ظهرًا ـ فذهبت لأغسل يدي ولن أذكر ماذا رأى ـ فلمّا نظرت ماذا هناك عرفت كيف هي الأوضاع فرجعت وخرجت من المطعم رغم أنّه معروف جدًّا، وأصابتني حالة من التهوّع ممّا رأيت فيه!

  • الفرق بين النظرة الغربية إلى الطعام والنظرة الإسلاميّة

  • وقد تغيّر كلّ ذلك الآن، وهذا من بركات الثقافة الغربيّة التي جاءت إلينا لأنّ هؤلاء يتعاملون هكذا مع الطعام ولا يصرفون وقتهم عليه، يخرجون ويأكلون شيئًا ما، وغالبًا ما يكون من الأطعمة التي تعدّ بسرعة فائقة والتي تسمّى بالأطعمة الجاهزة، فيتناولون منها ويقولون إنّ على الإنسان أن لا يهتمّ بالطعام ويصرف عمره عليه. 

  • كلاّ ليس الأمر هكذا، فهناك في الإسلام حساب وكتاب للطعام والغذاء، وأمور الإنسان لا ينفصل بعضها عن بعض، والطعام الذي تتناولونه في المنزل ما هو تأثيره؟ قارنوه مع تأثير الطعام الذي تأكلونه خارج المنزل وانظروا ما هو تأثيره على النفس، وانظروا أيّة كدورة تحصل لنا من ذلك النوع من الأطعمة؟! وأيّة حالة تحصل لنا من الطعام الذي يعدّ في المنزل؟ فستجدون أنّه مختلف تمامًا. 

معنى هلاك القلب وأسبابه - مجالسة أهل الدنيا وتناول أطعمة المطاعم

10
  • حسنًا كان هذا خارجًا عن موضوع بحثنا وكان موضوعًا يستحقّ التنبيه عليه. 

  • معنى الجرم الذي يوبق القلب

  • فهذا القلب تغلق نوافذه بواسطة المجالسة وبواسطة السلوك وبواسطة العمل وبواسطة تلك الأمور التي تبعد الإنسان عن الطريق، والتي يعبّر عنها الإمام السجّاد عليه السلام بالجرم، وهو يعني العمل المخالف للصواب والذي يسبّب الضرر والجناية لجهة ما، فهذا ما يسمّى جرمًا، فهو يسبّب الضرر، وهو العمل الباطل الذي يسبّب ضررًا سواء للإنسان نفسه أو للآخرين، وقلب الإنسان يُمحق بواسطة الجرم وبواسطة العمل الباطل ولا تعود فيه آثار الحياة. 

  • علامات حياة القلب وآثارها (أصحاب الحسين عليه السلام وأعداؤه نموذجًا)

  • وما هي آثار الحياة؟ يعني إذا سمع الإنسان أمرًا ما ورأى حركة ما ورأى حادثة ما، فكيف يجد نفسه أمامها؟ كيف يرى نفسه أمام هذه الحادثة؟

  • عندما يقول سيّد الشهداء عليه السلام في يوم عاشوراء: «استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله»۱ فهؤلاء الذين وقفوا أمام سيّد الشهداء يوم عاشوراء كيف يقيّمون أنفسهم أمام هذه الواقعة؟ فهؤلاء أناس مختلفون كان بينهم الحرّ بن يزيد الرياحيّ أيضًا الذي ساير الإمام الحسين حتّى وصل إلى كربلاء وكان قائدًا على ألف مقاتل، كان هناك ألف مقاتل تحت إمرته، جاء عمر بن سعد أيضًا، والشمر وخولي وسنان أيضًا، فهؤلاء جاؤوا جميعًا، وجاء عبد الله بن أبجر أيضًا، فقد شارك في هذه الحادثة من أرسل بنفسه رسالة إلى سيّد الشهداء، وقد جاء الإمام الحسين يوم عاشوراء بذلك الكيس الذي فيه الرسائل فأفرغها كلّها على الأرض، فقال: ألست عبد الله بن أبجر؟ وهذه رسالتك بين هذه! تعال وانظر إليها! من الذي قال لي: أقدم إلى الكوفة فقد أينعت الثمار واخضرّ الجناب وأمثال ذلك، ونحن جميعًا في خدمتك وسيوفنا جاهزة لمساعدتك! فمن الذي كتب هذا الكلام إليّ أن تعال؟!٢ فمن كتب هذه الرسالة لم يكن هكذا قادرًا من البداية على مواجهة الإمام وقتاله، كلاّ، وربّما كان عندما كتب تلك الرسالة في قلبه نسبة ثلاثين في المائة من الصدق، ثلاثين بالمائة لا أكثر، لا أربعون ولا خمسون، ولكنّه لم يصبح هكذا دفعة واحدة في يوم عاشوراء، فلم يكن يوم عاشوراء هو اليوم التالي لكتابة الرسالة، بل طال الأمر بضعة أشهر، وأثناء هذه الأشهر كان هذا القلب مشغولاً بالجرم والجناية، فيأتي عبيد الله بن زياد وأمثاله فيدعونه إلى مائدة يقولون له: تفضّل إلى العشاء معنا، ويعدونه بآلاف الوعود، انظروا، شيئًا فشيئًا، وربّما عندما ذهب أوّل مرّة كان متأذّيًا قليلاً خجولاً أنّي كتبت قبل شهرين رسالة، كلاّ لن أفعل هذا، فقد كتبت قبل شهر رسالة، والآن يقولون لي: تعال وقاتل. يقطّب حاجبيه ويحزن وإذا ما ذهب ليلاً إلى بيته لا يستطيع النوم، فماذا يقول لي هذا الرجل؟ ماذا يقول هذا الحقير أن قم واقتل الإمام الحسين؟! فما معنى ذلك؟! ما هذا الكلام؟! ولكن إذا حلّ اليوم التالي يرسلون رجلاً إلى باب داره، ينظر فيجد هديّة من جناب الأمير: 

    1. سورة المجادلة (٥۸)، الآية ۱٩، وقد اقتبس منها الإمام الحسين عليه السلام في خطبة له يوم عاشوراء فقال: «لَقَدِ استَحوَذَ عَلَيكُمُ الشَّيطَانُ فَأنساكُم ذِكرَ اللهِ العَظيمِ! فَتَباًّ لَكُم وَ لِمَا تُريِدُون‌» مقتل محمد بن أبي طالب، بناء على نقل المُقَرَّم في مقتل الحسين عليه السلام ص ٢٥٤ و ص ٢٥٥ (نور ملكوت قرآن، ج‌۱، ص: ٢٥۰)
    2. لمعات الحسين، ص: ٣۸: ثمّ قال لهم الحسين عليه‌السلام: «فإنْ كنتم في شكٍّ من هذا أفتشكّون أَنّي ابن بنت نبيّكم؟ فواللهِ ما بينَ المشرقِ و المغربِ ابنُ بنتِ نَبيّ غَيري فيكم و لا في غيركم. وَيْحَكُمْ أتطلبوني بقتيلٍ منكمْ قتلتُه؟ أو مالٍ لكم استهلكتُه؟ أو بقصاصِ جراحةٍ؟»
      فأخذوا لا يكلّمونه؛ فنادى: «يا شبث بن ربعيّ! و يا حجّار بن أبجر! و يا قيس بن الأشعث! و يا يزيد بن الحارث! ألم تكتبوا إليّ: أنْ قدْ أينعت الثمارُ واخضرَّ الجنابُ، و إنّما تَقْدَمُ عَلى جُندٍ لَكَ مُجَنَّدَةٍ»؟!
      فقال له قيسُ بن الأشعثِ: ما ندري ما تقول؛ و لكن انْزِل على حُكم بَني عمّكَ، فَإنّهم لن يُرُوك إلّا ما تحبّ.
      فَقَالَ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا وَاللهِ لَا أُعْطِيكُمْ بِيَدِي إعْطَاءَ الذَّلِيلِ؛ وَ لَا أُقِرُّ لَكُمْ إقْرَارَ الْعَبِيد...»

معنى هلاك القلب وأسبابه - مجالسة أهل الدنيا وتناول أطعمة المطاعم

11
  • ـ مبلغ لا يليق بشأنك، فليكن هذا عندك الآن، هديّة تعطى للأكابر، نحن لا نريد منك شيئًا، ولتنس أنت ما طلبناه منك، واقبل الآن هذه الهديّة. 

  • فيقول: من قال انس ما طلبناه منك؟! 

  • ويأخذ النقود وهي نقود جيّدة تلمع! كان عليه أن يردّ هذه الهديّة بمجرّد أن جاءت، فأنت لم تأكل التبن وتعلم لماذا وصلت هذه الهديّة، تدرك لماذا جاءت. 

  • ولكنّهم يقولون له: نحن لا ننظر إلى كلامك ذاك، خذ الهدية الآن، واقبلها. 

  • ما إن رأيت الهديّة عليك أن تردّها، فإن رددتها يتوقّف قلبك، ذاك القلب الذي كتبت به رسالة لسيّد الشهداء يتوقّف عند مكانه، ويتوقّف بشكل ثابت، وتلك الثلاثون بالمائة كم تصبح؟ تصبح أربعين وتزداد عشرة في المائة، أو تصبح ستّين في المائة. 

  • وقد ذكرت للرفقاء أنّ ولاية الإمام لا تبقى جالسة هكذا بلا عمل، ما إن يرى أنّك رددت هذه الهديّة فإنّه يأتي وماذا يفعل؟ يقوّيك ويفتح لك نافذة، ويوسّع لك موضع دخول النور، فلا تتصوّر أنّ المسألة كانت مجرّد ردّ وانتهى الأمر، كلاّ! بل تأتي أمور أخرى خلفها، تأتي مقوّيات بعدها وتضاف عليها، ولكنّه أخذ وبمجرّد أن أخذ فإنّ تلك الدائرة التي يدخل منها النور تغيّر قطرها من عشرة سانتيمترات إلى أربعة سانتيمترات، ذهبت منها ستّة سانتيمترات، ولم يبق إلا أربعة سانتيمترات. وبدعوة غداء أخرى واحتفال آخر وبرنامج آخر تزول تلك السانتيمترات الأربعة أيضًا، فكم يبقى له؟ يبقى له صفر. فإذا صارت النافذة بمقدار صفر يقال له: قم الآن إلى قتال الحسين بن عليّ. 

  • فيقول: أذهب لا إشكال في ذلك، أقوم وأذهب، وآخذ معي أربعة آلاف رام، وأغلق شريعة الفرات أيضًا، وإذا جاء أبو الفضل إلى نهر الفرات آمر برميه. فانظروا إلى أين ينتهي الأمر! هذا عين من كتب رسالة إلى سيّد الشهداء، كتب أن أقبل إلينا. أمّا الآن فلم يعد هناك مكان، حتّى قال الإمام: «استحوذ عليهم الشيطان». تسلّط عليهم الشيطان، سيطر على قلوبهم، فماذا أقول بعد ذلك؟ أأقرأ عليهم آية من القرآن؟! أيّ شيء أقول؟! أأحدّثهم عن جدّي النبيّ؟! ماذا أقول لهم؟ أأحدّثهم عن جدّي عليّ؟! وهذا الأمر يستحقّ الدقّة كثيرًا! يستحقّ الدقّة كثيرًا. 

معنى هلاك القلب وأسبابه - مجالسة أهل الدنيا وتناول أطعمة المطاعم

12
  • المراقبة عمود خيمة السلوك

  • وهذه الوصيّة التي دائمًا أوصِينا بها حول المراقبة حيث كان المرحوم العلاّمة يقول دائمًا وقد سمعتها منه مرارًا: إنّ عمود خيمة السلوك هو المراقبة، فإذا نزعتم هذه المراقبة فإنّ السلوك يهبط، وهذه الخيام والأقمشة تنام، تنام فوق الأرض. هذه هي المراقبة، وهذا معنى المراقبة، فهي تعني الالتفات وانتظار صوت الجرس، انتظار صوت الجرس، هذا الكلام الذي يقال له رائحة، هذه الدعوى التي ادّعيت لها رائحة، هذا الشيء الذي نشاهده الآن له رائحة، هذا الطلب الذي طلب منّا الآن حول هذا الأمر له رائحة. تلك المراقبة بقلب لم تغلق نوافذه ولديه اتّصال يدرك ذلك، يدرك ذلك، فإذا أدركنا ذلك يقف الإنسان، يقف بشكل جيّد، ويتجاوز، لا يرضى، وفي الموضع الذي يجب أن يرضى فإنّه يرضى، يبدأ بماذا؟ يبدأ بالتقوية، يبدأ بالاقتراب شيئًا فشيئًا. 

  • كان السيّد الحدّاد يقول ذلك، وذلك في إحدى زيارات المرحوم العلاّمة لكربلاء حيث كان يأخذ برنامجًا لأحد الذين كانوا يتردّدون على مسجد القائم وكانت الثورة قد وقعت وحصلت تلك الأحداث، فأعطاه المرحوم العلاّمة ذلك البرنامج فبدأ بالعمل به وبدأت أحواله وأوضاعه تتغيّر، وصارت تتغيّر شيئًا فشيئًا وتغيّرت حياته وأوضاعه، وفي تلك الأثناء بعد أن أمضى أربعينيّة واحدة أو أربعينيّتين التقى بأحد مخالفي السيّد الحدّاد، ولكن حيث إنّه كان من أرحامه فإنّ ذاك المخالف للسيّد الحدّاد بدأ بمعاملته بلطف، فالتفت المرحوم العلاّمة وحذّره ولكنّه لم يصغ وقال: أنا تلميذ السيّد الحدّاد، وهذا الرجل الآن على علاقة بي فليكن فهو لا يضرّني في شيء.

  • إن كان على علاقة به فلا إشكال ولكنّه غافل عن أنّ هذا الكلام وهذه العلاقة تأتي وتقلّل وتضعف أساس المسألة، فيترك الذكر ويترك البرامج. كان يأتي إلى مسجد القائم، ينظر المرحوم العلاّمة إليه فيدرك أنّ الأمر قد تغيّر. وقد كنت هناك فسمعته يقول: لا أدري ماذا يجري هناك حتّى أنّ الإنسان يصبح كطائر الحمام ما إن ينبت له جناح ليحلّق به يبتلى بشيطان يفسد أمره ويلقي به في الأرض ويكسر أجنحته، ألا يعلم هؤلاء أنّ الشرط الأوّل هو تطبيق التعاليم والاهتمام بالقواعد والحقائق التي نبيّنها لهم؟ هؤلاء لا يعلمون أنّنا عندما نقول لهم: لا تتعاملوا مع أيّ إنسان. فإنّنا لا نقول هزلاً؟! كان المرحوم العلاّمة منزعجًا جدًّا ويتكلّم بهذا الكلام منزعجًا وكان لونه قد احمرّ. ألا يعلم هؤلاء أنّ الشيطان يكمن للسائرين إلى الله وقد جاء بأنواع الأدوات والوسائل وأنواع الحيل والشباك والأفخاخ ينتظر أن يدخل من طريق ما ويفعل ما يريد. 

معنى هلاك القلب وأسبابه - مجالسة أهل الدنيا وتناول أطعمة المطاعم

13
  • وهذا الأمر عجيب جدًّا، وقد كنت أرى ذلك رأي العين بعد زمان المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه، وكان هذا الأمر محسوسًا وملموسًا عندي. فقد كنت أدركت من منهجه ومذهبه شيئًا آخر وحقيقة أخرى وأنّ على المؤمن أن يكون صادقًا في طريقه وأن يكون حرًّا في طريقه، يجب أن لا يكون في طريقه غشّ وحقد، بل يسير ويتقدّم إلى الأمام ولا يعتني بشيء آخر، ولا ينظر ماذا جرى هنا وماذا جرى هناك، ولكنّا كنّا نرى أنّهم كانوا يرسلون إلى هذا ويرسلون إلى ذاك ليأتوا ويتكلّموا، فبما أنّ بعضهم يذهبون إلى بعض البيوت ويتكلّمون فليأت أحدهم إلى بيتنا ويتكلّم معنا! فيجلس ويتحدّث عن هذا وعن ذاك وعمّا جرى، فلان فعل كذا وكذا وارتكب تلك المحرّمات وارتكب تلك الذنوب، فلان كان كذا وكذا، وكلامًا لا طائل تحته... 

  • يا عزيزي لماذا قبل سنة عندما كان المرحوم العلاّمة حيًّا لم يكن هناك شيء من ذلك؟! ماذا جرى حتّى صار كلّ هؤلاء مذنبين في هذا العالم بمجرّد أن وضع المرحوم العلاّمة رأسه على الأرض؟ صار الجميع فسقة؟ صار الجميع فجرة؟ في حين أنّه حين كان المرحوم العلاّمة حيًّا كان يمشي ويذهب ويتكلّم مع هذا ويتكلّم مع ذاك ويدعو هذا ويدعو ذاك، وكان يتكلّم هنا وهناك مع هذا وذاك. ثمّ بعد ذلك يأتون ويقولون: إنّ فلانًا ذهب إلى منزل فلان، وفلانًا جاء إلى منزل أحدهم وتكلّم. حسنًا فليكن، كان بإمكانه أن لا يفتح له الباب، وبما أنّه فتح له فليجلس وليصغ إلى كلامه. قالوا: حسنًا إن كنت لا تريد أنت فأرسل أحدًا ليتكلّم معه؟ 

  • قلت: ما شأني أنا بذلك؟! إن كان هو لم يأكل العلف والتبن فسيدرك. فما شأني أنا بكون المسألة من أيّ المسائل هي؟! 

  • ـ لقد غيّر فلان معتقداته. 

  • قلت: اعتقاده بماذا؟! ماذا حصل له؟! عن أيّ اعتقاد تتكلّم؟! أصلاً هل يجب أن يكون هناك اعتقاد حتّى يضعف الآن أو يقوى أو يتراخى؟! فأنا لا أدرك أصلاً ما تقول؟ ما هذا الكلام؟!

  • ـ لقد قال فلان هذا الكلام فأرسل أنت أحدًا يكلّمه. 

معنى هلاك القلب وأسبابه - مجالسة أهل الدنيا وتناول أطعمة المطاعم

14
  • قلت: هو نفسه لديه عين وأذن وعقل ودماغ وفكر، وهو يعرف مصلحته فما شأني أنا حتّى أرسل أحدًا؟! هل تلتفتون؟! إذا ما اتّضحت المعايير عندنا واتّضحت القواعد والأسس فعلى الإنسان أن يلتزم بها بنفسه، فإن لم يلتزم فسيصبح مثل الذي قال عنه السيّد الحدّاد إنّه ترك كلّ شيء جانبًا بعد ثلاثة أربعينيّات، أو أنّه على الأقلّ يأنس ببعض التخيّلات والتصوّرات ويعيش فيها لا أكثر. لم يعد يحلّق ولم يعد يرتقي، لا يضيف في النوافذ، لا يحصّل لنفسه رؤية، كلاّ بل يبقى على حاله. ما سبب ذلك؟ سببه ذلك القلب الذي انتهى وأوبقه جرمه. 

  • نقطة الأمل في دعاء الإمام السجّاد عليه السلام

  • ولكنّ نقطة الأمل التي هنا هي أنّ الله مع الإنسان أينما كان، فبمجرّد أن يشعر في قلبه وبمجرّد أن يشعر في نفسه وبمجرّد أن يشعر في بصيرته أنّه انتهى فليغتنم ذلك ولا يخسره، بمجرّد أنّه يشعر أنّه يمكن أن يكون لديه طريق، بمجرّد أنّه يشعر أنّه يمكنه أن يقول: يا الله، بمجرّد أنّه يشعر أنّه يحبّ أهل الصلاح وإن لم يكن منهم، بمجرّد أنّه يشعر أنّ هناك شيئًا ما، بمجرّد أنّه يشعر أنّ هناك قلبًا طاهرًا وراء هذه الحقائق، فليغتم ذلك وليتابع وليبحث، فيجد شيئًا فشيئًا أنّه يزداد، الرغبة تزداد والشوق يزداد والإرادة تزداد، لم تكن له حتّى تلك اللحظة إرادة لأمر ما، ولكنّه الآن يريده ويقوم به بكلّ سهولة، كان حتّى الآن صعبًا عليه، ولكنّه الآن يقوم به بسهولة، فهذه السهولة تعني أنّ الإرادة قد قويت، والهمّة قد ارتفعت، والحميّة قد اشتدّت، وتلك النافذة التي في القلب قد فتحت شيئًا ما. 

  • فإذن عندما يقول الإمام: «أدعوك يا ربّ بلسان قد أخرسه ذنبه ربّ أناجيك بقلب قد أوبقه جرمه» قد أهلكه الجرم، وليس مراد الإمام أنّ الهلاك يعني أنّه انتهى وختم عليه، وجرى عليه قوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلى‌ قُلُوبِهِمْ وَ عَلى‌ سَمْعِهِمْ وَ عَلى‌ أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ}۱ فلو أنّ الله ختم لما أمكنك أن تقول يا الله وأن تقول يا ربّ، فكونك تستغيث بالله الآن ماذا يعني؟ يعني أنّ عملي فاسد، بما أنّك لست مثلي فلا تنظر إلى فساد عملي، بل انظر إلى صلاحك، وكما كان الحاج هادي الأبهري رحمه الله يقول: إن أعطيتنا يا الله ما نطلب منك فبيتك عامر، كان يقول: بيتك عامر! أي إنّك دائمًا ستكون موجودًا وسيكون بيتك عامرًا، وإن لم تعطنا فماذا نفعل؟! ما باليد حيلة، لا يتأتّى منّا أيّ شيء. رحمة الله عليه كان صاحب قلب صاف، صاحب قلب طاهر، كان له قلب نورانيّ، قلب ذو صفاء. وقد كان من جملة هؤلاء الذين أحاط بهم الخنّاسون والشياطين ـ وليس تعبير الشياطين منّي أنا، بل هو تعبير المرحوم العلاّمة ـ واستغلّوا صفاءه وبساطته، وأبعدوه عن السيّد الحدّاد وجعلوه ينظر إليه نظرة سيّئة! فماذا تستفيد أنت؟ أيّة فائدة تجني إذ تفعل هذا وتفصل واحدًا كالحاج هادي الأبهريّ عن السيّد الحدّاد بحيث يزور كربلاء ويرجع ولا يلتقي به! نعم لا يلتقي به، وهذا مهمّ جدًّا مهمّ جدًّا. 

    1. سورة البقرة (٢)، الآية ۷. 

معنى هلاك القلب وأسبابه - مجالسة أهل الدنيا وتناول أطعمة المطاعم

15
  • الحاج هادي الأبهري وتأثير المحيطين به عليه

  • أذكر أنّي كنت صغيرًا وكان لي من العمر اثنتا عشرة سنة عندما تشرّفت بزيارة العتبات المقدّسة لأوّل مرّة ـ رحم الله الحاج هادي الأبهري فقد كانت له حجرة في النجف لا أذكر في أيّة مدرسة من هذه المدارس العلميّة، كانت له حجرة ولا أدري بأيّ عنوان كان قد أخذها، هل كان له رفيق أو صاحب أو أنّه أعطى مالاً للخادم؟ وعلى كلّ حال كانت له حجرة وأذكر أنّي ذهبت برفقة المرحوم العلاّمة لزيارته، وكان المرحوم العلاّمة يتحدّث معه حول هذا الموضوع ويقول له: أتدري أيّها الحاج أنّ هذه العتبات المشرّفة التي جئت إليها هي لا شيء دون اللقاء بالسيّد الحدّاد؟! وأنّ تلك العتبات ستكون عتبات مجرّدة عن الولاية؟! فأيّ كلام هذا الذي يقوله له؟! وهو لم يلتفت ولم يدرك ورجع ولم يلتق بالسيّد الحدّاد! وقد رأينا من أمثال هذه الأمور! رأينا من أمثالها، وكانوا قد ملؤوا ذهنه بشكل عجيب جدًّا، حيث أحاطوا به وبدأوا يخبرونه كذبًا واتّهامًا أنّ هذا كذا وكذا، وأنّ هذا السيّد زار قبر أبي حنيفة في بغداد، وأنّه ليس من أهل الولاية، وأنّه لا يقيم مجلس عزاء في بيته، ولا يقرأ سوى دعاء الجوشن، وهل رأيته أصلاً يذهب لزيارة الإمام الحسين؟ وأمورًا عجيبة! 

  • أنت إذ تقول هذا الكلام فلا بدّ أن تجيب يوم القيامة! وأنت إذ تتّهم وليّ الله ستسأل غدًا، فلو أنّ أعيننا تفتح على ذلك العالم لرأينا كم يقضي أوقاتًا سعيدة! ما شاء الله ما شاء الله! يا له من مكان دافئ! هنيئًا! كم هي درجة حرارة الشمس؟! يقال إنّها ستون ألف درجة! فقد أعدّ له مكان دافئ وناعم، في البداية كان خشنًا ولكنّه الآن صار ناعمًا، فيا له من مكان دافئ وناعم الآن! يسألونك عن كلّ كلمة من كلماتك ويقولون لك: لماذا اتّهمت هذا السيّد؟! لماذا اتّهمته؟! 

  • اهتمام طيّب الحاج رضائي بنوافذ قلبه حتّى بلغ ما بلغ

  • لقد كان طيّب، طيّب الحاج رضائي رجلاً من هؤلاء الأوباش، من أصحاب المقاهي وأمثال ذلك، وقد كتب عنه المرحوم العلاّمة في كتبه، وكان يرتكب المحرّمات ويشرب الخمر وما شابه، ولكن كلّ ما كان لديه هو أنّه كان في قلبه شيء ما، كانت فيه فتوّة وشهامة وحريّة، كانت قد لوّثته هذه الذنوب الظاهرة، ولكن كان لديه باطن، عندما قبضوا عليه قالوا: عليك أن تتّهم السيّد الخميني، عليك أن تقول إنّي قبضت منه مالاً، وذلك في أحداث سنة اثنتين وأربعين هجريّة شمسيّة، فقال: أنا لا أتّهم السيّد، وما دمت لم آخذ منه مالاً فأنا لم آخذ فلماذا أتّهمه؟! قالوا: نقتلك! والقتل سهل، وليتهم قتلوه فحسب، بل صبّوا عليه أنواع العذاب في ذاك الزمان، عذّبوه بأنواع العذاب والأذى ولكنّه قال: لا أقوم بهذا الظلم. فانظروا الأمر ليس بالذي يرتبط بالسيّد الخميني وغير السيّد الخمينيّ، بل بأيّ إنسان كان، فلو قالوا: اتّهم هذا الجار فلا يختلف الأمر، فليس المهمّ من هو الإنسان المكذوب عليه، المهمّ هو الكذب والاتّهام الباطل، المهمّ هو أنّ هناك ظلمًا وباطلاً يظلم به إنسان ما. 

معنى هلاك القلب وأسبابه - مجالسة أهل الدنيا وتناول أطعمة المطاعم

16
  • قال أمير المؤمنين عليه السلام: أنا لا آخذ حبّة قمح أو شعير من فم نملة ظلمًا۱، لا يختلف الأمر عند أمير المؤمنين بين النملة ورسول الله عندما كان يقول هذا الكلام، فهل التفتّم؟! عندما كان أمير المؤمنين يقول هذا سواء كان يتحدّث عن رسول الله فإنّه يقول: أنا لا آخذ منه ذلك الشيء الذي في يده ظلمًا، أو كان يتحدّث عن نملة، المهمّ عند أمير المؤمنين هو أنّ الأخذ على وجه الظلم، هذا هو المهمّ، فسواء كان أمامه نملة أم هرّة أم أسد أم فيل لا يختلف الأمر لديه. الموارد تختلف ولكنّ أصل المسألة واحد.

  • وهذا أيضًا جاء وقال: سواء كان السيّد أم غير السيّد، أيّا كان فليكن فإنّي لا أتّهمه. 

  • قالوا: نقتلك. 

  • قال: اقتلوني. فقتلوه. وعمله الوحيد هذا أدّى أن يقول عنه المرحوم العلاّمة إنّه صار من أولياء الله، هذا العمل الواحد فقط، فماذا حصل؟ لقد كان من أهل المعاصي. هل تصوّرتم أنّ النظام الإلهيّ هكذا يدور بغير حساب؟! هل كان طيّب يؤدّي ذكر السجدة اليونسيّة أربعمة مرّة في اليوم؟! هل كان يقول لا إله إلا الله أربعة آلاف مرّة في اليوم؟! هل كان لديه شيء من هذا القبيل؟! لم يكن يعرف اليونسيّة على أيّ شيء تطلق من الأساس! لم يكن يعرف كيف تكتب كلمة يونسيّة بالسين أم بالصاد. ولكن ماذا كان؟ طريق الله ليس بالذكر، طريق الله ليس بالورد، طريق الله بالحريّة والتحرّر واتّباع الحقّ أينما كان. 

  • وقد قلت للرفقاء لو أنّكم تتّبعون إمام الزمان بعنوان أنّه إمام الزمان ولديه سيطرة وأمثال ذلك فلا فائدة من ذلك أصلاً، أمّا لو اتّبعتم طفلاً في الخامسة من عمره لأنّكم أدركتم أنّه حقّ فحينها ستكونون قد اتّبعتم إمام الزمان، حينها. 

  • لقد قال المرحوم العلاّمة إنّه صار من أولياء الله، وكان تعبيره هكذا: لقد طوى طيّب سلوكه في السجن منذ أن قبضوا عليه حتّى استشهاده. فماذا جرى في تلك المدّة؟ بدأ بالسلوك، بدأ بالتغيّر وبدأ بالتحوّل، سار وسار وارتفع وارتفع ثمّ ماذا حصل؟ في النهاية نال الشهادة، هنيئًا له هنيئًا له السعادة! فأحيانًا يكون التوفيق رفيقًا لإنسان ما، وهذا مصداقه. وفي المقابل تنظر فتجد تعيس حظّ مسكينًا عديم التوفيق محرومًا من الألطاف الإلهيّة، كلّ شيء في يده رأى المرحوم العلاّمة وحضر لسنوات متمادية تحت منبره وشارك في ليالي الثلاثاء، وتحدّث معه وضحك وقام وقعد، كان له كلّ ذلك ولكن فجأة ماذا يحصل؟ يأتي امتحان إلهيّ فتنظر فجأة فتراه بدأ بالاتّهام! الاتّهام! لماذا تقول هذا الكلام يا عزيزي؟! لماذا تفعل هذا يا عزيزي؟! لماذا...؟ 

    1.  نهج البلاغة ص ٢٦٥: «وَ اللَّهِ لَوْ أُعْطِيتُ الْأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلَاكِهَا عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللَّهَ فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جِلْبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُهُ وَ إِنَّ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لَأَهْوَنُ مِنْ وَرَقَةٍ فِي فَمِ جَرَادَةٍ تَقْضمُهَا مَا لِعَلِيٍّ وَ لَنَعِيمٍ يَفْنَى وَ لَذَّةٍ لَا تَبْقَى نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سُبَاتِ الْعَقْلِ وَ قُبْحِ الزَّلَلِ وَ بِهِ نَسْتَعِينُ».

معنى هلاك القلب وأسبابه - مجالسة أهل الدنيا وتناول أطعمة المطاعم

17
  • يقول: نحن لا ندرك حقيقة هذا الكلام لا ندرك. 

  • حينها ماذا يجري؟ وهل يصحّ أن يقال إنّ هذا سالك؟! هل يمكن تسمية هذا الإنسان سالكًا؟! اذهب وقل ذكر اليونسيّة أربعة آلاف مرّة بدلاً من أربعمائة مرّة! التراب في فيك! اذهب وقل لا إله إلا الله عشرة آلاف مرّة بدلاً من ألف مرّة، فإنّ الملائكة ستلعنك عشرة آلاف مرّة، كلّ لا إله إلا الله تضرب في رأسك. 

  • لدينا في الرواية أنّه عندما يصلّي المصلّي صلاة ويجعل غير الله فيها شريكًا، يصلّي فيجد أنّ عدد المصلّين خلفه كبير فيمدّ بقوله: ولا الضالّين أربعة مدّات أو أكثر، وبدلاً من الأربعة يمدّها اثنتى عشرة مدّة، يضيف عليها ويضيف ويمدّها ويقولها بشكل جيّد وبطمأنينة، أمّا في البيت فلا يقولها هكذا بل يقفز قفزتين أثناء الصلاة أيضًا، أمّا أمام الناس فيقولها بشكل جيّد، لدينا في الرواية أنّ من يصلّي ويشرك بي غيري فإنّ الملائكة لا يرفعون هذه الصلاة، لا أدري إلى أيّة سماء يرفعونها فقط، ونحن نقول إنّها لا تصل حتّى إلى السقف، يقولون: لقد جئنا بهذه الصلاة. فيقول الله: إنّه جعل غيري شريكًا في هذه الصلاة، وكان يرتّب عباءته أثناءها بدلاً من أن يتوجّه إليّ، وكان ينظر في هذه الصلاة ما إن كانوا يصوّرونه بشكل جيّد ويلتقطون لصلاته فيلمًا! عندما تصعد الملائكة بها يقول الله: لقد جعل لي شريكًا، وأنا خير شريك أهب نصيبي إلى أولئك الشركاء۱، فاذهبوا بصلاته هذه واضربوا بها رأسه٢ فإنّه هو الذي يليق بهذه الصلاة. كان أحدهم يقول: أنا عندما أصلّي أفرّ سريعًا بعد الصلاة من مكاني وأجلس جانبًا حتّى إذا جاء الملائكة ليضربوا بها رأسي وقعت على السجّادة وأكون أنا قد فررت. فهكذا هو الله وهذا الأمر موجود.

  • ومع كلّ ذلك يسمّي ذاك الرجل نفسه سالكًا ويسير في الطريق إلى الله وأمثال ذلك، فما فائدة هذا؟! لا فائدة، وهذا يأتي من أجل صدقه ومن أجل حريّته ولكي يجعل نفسه في الطريق... فقد جعل نفسه في الطريق، فقد كان في قلبه نوافذ فاستفاد منها واغتنم الفرصة فأخذ بها وقال: لا أتّهم. وبما أنّك تقول: لا أتّهم فإنّهم لا يقولون لك اذهب خارجًا، بل عليك أن تثبت عند الخطوة الثانية لذلك، فتأتي المساعدة للثبات عند الخطوة الثانية، فبأيّ عذاب عذّبوه في السجن وبأيّ تعذيب! ولكن من الذي ثبّته؟! إنّها تلك الولاية، فإنّه حينما سار بصدق في البداية فماذا تصنع له الولاية في الخطوات اللاحقة؟ تحفظه، فهو يحافظ على الخطوة الأولى ولكن باختياره، فهو نفسه اختار، فيفتح الله له الطريق على الدرجات اللاحقة وهكذا، وفجأة يصل. 

    1.  المحاسن للبرقي، ج۱، ص ٢٥٢: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ : «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَنَا خَيْرُ شَرِيكٍ فَمَنْ عَمِلَ لِي وَ لِغَيْرِي فَهُوَ لِمَنْ عَمِلَهُ غَيْرِي».
    2.  من لا يحضره الفقيه، ج‌۱، ص: ٢۰٩‌: قَالَ الصادق عليه السلام: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا صَلَّى الصَّلَاةَ فِي وَقْتِهَا وَ حَافَظَ عَلَيْهَا ارْتَفَعَتْ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً تَقُولُ حَفِظْتَنِي حَفِظَكَ اللَّهُ وَ إِذَا لَمْ يُصَلِّهَا لِوَقْتِهَا وَ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا ارْتَفَعَتْ سَوْدَاءَ مُظْلِمَةً تَقُولُ ضَيَّعْتَنِي ضَيَّعَكَ اللَّهُ»

معنى هلاك القلب وأسبابه - مجالسة أهل الدنيا وتناول أطعمة المطاعم

18
  • أذكر أنّا عندما كنّا نتشرّف بزيارة السيّد عبد العظيم في ذاك الزمان ـ وإذا ما تشرّف الرفقاء بزيارته فليزوروه ـ فإنّا كنّا في كلّ مرّة لا بل في أغلب المرّات نزور قبر طيّب، فعندما كنت أتشرّف بالزيارة برفقة المرحوم العلاّمة كان يزوره كثيرًا وكنّا نرافقه في زيارته فكان يقرأ له الفاتحة، فلماذا كان يفعل ذلك؟ لأنّه كان يرى بينه وبينه وحدة، فقد كان يرى وحدة بينه وبينه في تلك الأحداث التي وقعت، فوليّ الله لا يمكنه أن ينسى، لا يمكن لوليّ الله أن ينسى حقّ الآخرين، لا يمكنه، وليس الأمر بيده، فعندما يذهب لزيارة السيّد عبد العظيم فإنّ ذلك القلب الذي ذهب إلى تلك الزيارة هو نفسه يشدّك نحو طيّب لينال فيضًا آخر ـ وطبعًا هذا تعبيري أنا، وقد كان هو يقول: نحن كنّا نطلب منه الشفاعة، ولكن نحن نتكلّم من وجهة نظرنا وهو يتكلّم من وجهة نظره، وكلتاهما صحيحتان إن شاء الله، وجهة نظره لا شكّ أنّها صحيحة، أمّا وجهة نظرنا فلا ـ فقد كان يذهب إلى قبره ويعمل على إمداده ويطلب له الرحمة ويقرأ له الحمد وقل هو الله ويقول له: نحن هنا، نحن معك ونحبّك ولم نتركك. فانظروا. 

  • ولكن الإنسان يرى من كان مع المرحوم العلاّمة في تلك القضايا وتلك المسائل ثمّ ولأيّ أسباب انفصلوا عنه، فقد كان هؤلاء يسيرون على أساس أحوال وأجواء خاصّة، وعلى أساس تخيّلات معيّنة. فهناك حادثة واحدة وفي هذه الحادثة الواحدة هناك حقّ كما أنّ هناك أفكارًا أخرى، فلكلّ شيء حسابه الخاصّ.

  • يسير رسول الله، وفي جيش رسول الله هذا أفراد على الحقّ، كما أنّ هناك عمرًا وأبا بكر وعثمان، وكلّ منهم يقوم بعمله الخاصّ ويسير في طريقه الخاصّ، ففي حركة واحدة يسير الحقّ كما يسير الباطل. ويسير سيّد الشهداء وما لم يصل يوم عاشوراء فإنّه كان معه أهل حقّ كما كان معه أهل باطل كلاهما يسيران معًا، ثمّ يوم عاشوراء ينفصلان ويختلف الأمر. وهذا أيضًا هكذا. كلّ هذا بسبب ماذا؟ بسبب هذا التوفيق الذي يوفّق الله به الإنسان فلا يدع هذا القلب ينتهي إلى مرتبة الختم، لذلك يقول الإمام الحسين عليه السلام: «استحوذ عليهم الشيطان». وأنشب فيهم الشيطان أظفاره فأنا الإمام الحسين ابن رسول الله لم يعد كلامي يؤثّر فيهم ولم تعد هناك فائدة، والإمام السجّاد يقول ـ وقد مضى نصف ساعة على الفرصة التي كانت لنا ـ يقول: أدعوك يا ربّ بهذا القلب الذي لا يزال لديه رغبة بدعائك ولم تمت تلك الرغبة لديه ولو ماتت لما دعا. 

معنى هلاك القلب وأسبابه - مجالسة أهل الدنيا وتناول أطعمة المطاعم

19
  • أمّا من هو الإمام السجّاد وماذا دعا؟ فهذا كلّه حقائق لا بدّ أن نذكرها في الليالي اللاحقة، ونبيّن أيّ نوع من الخطاب هذا، هل كان الإمام السجّاد يقول هذا الكلام واقعًا أم أنّه قال هذا الكلام من أجلنا نحن؟ ففي النهاية هل يقول الإمام السجّاد: أدعوك بقلب ميّت؟ إنّه إمام، فلو قلنا نحن ذلك فهو كلام حقّ، وهو حقيقيّ ولا بدّ أن يكون هكذا، ولنترك الحديث عن ذلك الآن، ولكن الإمام السجّاد يريد أن يقول على الأقلّ إنّ علينا أن لا نيأس، فرغم أنّ ألسنتنا لكناء خرساء بسبب الذنوب ولكن يكفي أنّها تتكلّم يا إلهي. ورغم أنّ قلوبنا قد سدّت نوافذ النور فيها بواسطة الجرائم والجنايات، ولكنّ هذا المقدار الباقي فيها والذي يجعلها تلتفت يقول الإمام السجّاد إنّ علينا أن نتمسّك به ونجعله وسيلة لكي يشملنا الله بلطفه وعنايته. وإن شاء الله إذا وفّق الله نترك سائر الكلام إلى الجلسة اللاحقة. 

  •  

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد.