4

موقعنا أمام الله

الثقافة والرياضة في الإسلام

979
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1428

التاريخ 1428/09/05

جلسات المجموعة(7 جلسة)

التوضيح

تتناول هذه المحاضرة محورين:
الأول: العبوديّة ويجيب فيه عن أسئلة أهمّها: ما هو موقعنا الحقيقيّ أمام الله؟ وكيف يجب أن يكون دعاؤنا وخطابنا له؟ وما هي آداب العبوديّة؟
الثاني: الثقافة والرياضة ويجيب فيه عن أسئلة أهمّها: ما هي أولويّات الثقافة الإسلاميّة وأنواع الرياضة التي يجب أن يربّى عليها المجتمع الإسلاميّ لملء أوقات الفراغ؟ وما هو الموقف من شدّة الاهتمام بكرة القدم وبذل الأوقات والأموال الطائلة عليها؟ كيف يجب أن يقدّم المجتمع الإسلاميّ نفسه إلى سائر المجتمعات؟
كما تتعرّض أثناء بيان ذلك إلى موقف العرفاء من الحروب الدفاعيّة.

/۱۷
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

موقعنا أمام الله - الثقافة والرياضة في الإسلام

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • موقعنا أمام الله

  • الثقافة والرياضة في الإسلام

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثماليّ - سنة ۱٤٢۸ هـ. ق - الجلسة الرابعة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني 

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

  •  

موقعنا أمام الله - الثقافة والرياضة في الإسلام

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللَه مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيم‌

  • بِسمِ اللَه الرَّحمَنِ الرَّحيم‌

  • وصلَّى اللَه عَلَى سيّدنا و نبيّنا أبي القاسم مُحَمّدٍ

  • وعلى آله الطّيّبين الطّاهرين و اللعنة عَلَى أعدائِهِم أجمَعينَ‌

  •  

  •  

  • «أدعوك یا سیّدي بلسان قد أخرسه ذنبه، ربّ أناجيك بقلب قد أوبقه جرمه».

  • يا سيّدي ومولاي أدعوك وأطلب منك وأستلفت نظرك إليّ وأنا على أيّة حال وفي أيّ وضع؟ بلسان جعله ذنبه ألكن ـ فهكذا أدعوك ـ وقد أخرسه ذنبه. وهو في حالة أسوأ من اللكنة، فالخرس يعني توقّف اللسان عن العمل، لقد توقّف لساني عن العمل، وأنا أدعوك في هذه الحالة. 

  • ليس لنا على الله حقّ

  • وهذه النقطة لا بدّ من الالتفات إليها وأنّنا عندما ندعو ونقرأ القرآن ونذكر الله علينا أن نكون ملتفتين أنّنا ليس لنا حقّ على الله فلا نقول: لقد قمنا نصلّي ونقرأ القرآن فعليك أن تجيبنا يا الله! كلاّ بل علينا أن نلتفت جيّدًا إلى أنفسنا وإلى وضعنا، وإن شاء الله يُحتمل أن نتحدّث حول ذلك في الليالي القادمة أن لا قدّر الله أن ننسى واقعنا عند مواجهتنا لله، ولا ننسى أوضاعنا وحالاتنا وأفكارنا وأعمالنا، وأن لا نجعل أنفسنا دائنين لله وأصحاب حقّ عليه ونتعامل معه على أنّه هو مدين لنا، كلاّ! ولننظر ماذا يعلّمنا الإمام السجّاد؟ فالإمام يعلّمنا كيفيّة الدعاء، ومن هؤلاء علينا نحن أن نتعلّم فإلى أين نذهب؟! 

  • يقول الإمام: «أدعوك يا سيّدي بلسان قد أخرسه ذنبه». لقد تذكّرت اليوم عصرًا ولا أذكر بأيّة مناسبة دعاء أبي حمزة الثماليّ هذا ومضامينه…

  • أهميّة قراءة دعاء أبي حمزة وكيفيّتها

  • وليقرأ الرفقاء أيضًا هذا الدعاء في ليالي شهر رمضان، فقد كان المرحوم العلاّمة يوصي به، فإن لم تقرؤوه كلّه فاقرؤوا على الأقلّ صفحتين منه أو ثلاث مع الالتفات إلى المعنى، لا أن تقرؤوا هكذا وتتقدّموا إلى الأمام، فالقراءة وطيّ الصفحات هكذا لا فائدة منها، وعلى الإنسان أن يلتفت إلى معاني الدعاء، أو فائدتها قليلة ولا أقول لا فائدة منها. عندما قال المرحوم الحدّاد لي قم بهذا العمل قال: عليك أن تلتفت في كلّ فقرة إلى المعنى، يمكن أن يؤثّر وإن كان عن غفلة فهو ليس بلا أيّ تأثير، كانت عبارته هكذا: ليس بلا أيّ تأثير، ففي النهاية التلفّظ بذكر الله خير من الأغنية والأنشودة فهو يختلف عنهما قليلاً. 

موقعنا أمام الله - الثقافة والرياضة في الإسلام

3
  • قلّة اهتمام الناس بالثقافة الإسلاميّة

  • ولكنّ الناس يلتفتون الآن إلى كلّ شيء سوى هذا الكلام، يهتمّون بكلّ شيء سوى هذه الأمور، فهل يجرون الآن مسابقة في التلفاز ويسألون الناس عن دعاء أبي حمزة الثمالي عمّن هو؟! أستبعد من عدد سكّان إيران البالغ سبعين مليونًا أن يكون هناك خمسون ألفًا يقولون إنّه للإمام السجّاد، أستبعد ذلك! ربّما يكون هناك ألف يعلمون ذلك! أمّا لو قالوا إنّ لاعب كرة القدم فلان من أيّ دولة؟ فإنّ تسعين مليونًا من السبعين مليونًا يقولون: من دولة كذا. فهل التفتّم؟!

  • لقد كنت ذات يوم في مكان… وحقًّا إنّه لأمر مضحك وما هو الضحك؟! بل مثير للقهقهة بسبب هذا الحال التعيس الضعيف الذي وصل إليه هذا البلد الذي يعدّ نفسه من شيعة وأتباع أمير المؤمنين وأتباع إمام الزمان وهو يحتفظ في ذاكرته بأسماء رقّاصات الدنيا ويحسب حسابًا لممثّلي الدنيا وللذين يركضون وراء الكرة أينما تحرّكت. 

  • أنواع الرياضة المطلوبة في الإسلام وضرورة إتقان فنون القتال من قبل الجميع

  • فيا أيّها التعيس أنت مع أنّ طولك يبلغ المترين لماذا تجري وراء الكرة؟! فالكرة بهذا الحجم لا أكثر، وأينما تحرّكتْ يجري وراءها، على الكرة أن تجري وراءك فلماذا تجري أنت وراءها أيّها المسكين؟! والأكثر منك تعاسة هم الذين يجلسون ويشاهدون، والأكثر منك مسكنة هم الذين يشجّعونك ويصدرون حول ذلك البيانات، فهذا صار عملنا، وهذه صارت ثقافتنا. 

  • لقد ورد في الإسلام الرياضة لا اللعب بالكرة والرقص والتمثيل وأمثال هذه الأمور المثيرة للسخرية، ورد ركوب الخيل، والضرب بالسيف وفنون القتال بما يناسب العصر وبما يناسب الزمان، وعلينا جميعًا أن نكون على خبرة بفنون القتال ومعرفة بالسلاح، والذين هم جالسون منّا الآن هنا ولا خبرة لهم بفنون القتال وبالسلاح هم مخطئون ومجرمون، وعلى الجميع في الحكومة الإسلاميّة أن يكونوا على خبرة بالقتال، وعلى الجميع أن يدافعوا، على الجميع أن يكونوا على علم بما يلزم لحفظ كيان الإسلام وحدوده وثغوره، ولا اختصاص لذلك بعمر دون عمر، ابتداء من الشابّ وحتّى الكبير في السنّ، غاية الأمر أنّ كلّ إنسان بما يناسب وضعه واختصاصه وسائر أحواله. نعم لا يجب أن يكون الجميع ومن قوّاد الطائرات، فقيادة الطائرة تحتاج إلى دورة خاصّة ووقت خاصّ، ولا يجب على الجميع أن يكونوا من قوّاد السفن والملاّحين ولكن في النهاية يمكنهم أن يمسكوا بالبندقيّة، فهذا المقدار يمكنهم أن يقوموا به، حتّى النساء أيضًا يجب أن تكون على خبرة بفنون القتال في الحكومة الإسلاميّة. 

موقعنا أمام الله - الثقافة والرياضة في الإسلام

4
  • النساء وتعلّم فنون القتال

  • أحيانًا يكون العدوّ قويًّا ويأتي ولا يكفي إرسال الرجال إلى الجبهات، فمن الذي عليه أن يدافع؟ على النساء أن تدافع. يجب أن تكون المرأة على خبرة بفنون القتال ولديها اطّلاع على ذلك، فمن الذي قال إنّ هذا حرام؟! من قال إنّ في ذلك مشكلة؟! ففي زمان المرحوم العلاّمة أذكر أنّه سُمِع أنّهم يأخذون النساء لتعليمهنّ فنون القتال، فجاء أحد العلماء وقد توفّي الآن إلى منزل المرحوم العلاّمة وأذكر ذلك وكنت حاضرًا فكان يعترض ويقول: سيّدنا ما هذه الحكومة؟ وما هذه الدولة؟ إنّها تأخذ النساء…! فقال المرحوم العلاّمة: حسنًا فلتأخذهنّ يجب أن تأخذهنّ. فعلى النساء في الدولة الإسلاميّة أن يتعلّمن كالرجال فنون القتال والحرب ولا يختلف الأمر أبدًا، نعم ما دام إرسال الرجال إلى الحدود والثغور فيه الكفاية فلا ضرورة لإرسال النساء، وإلا فعلى النساء أن تعلم أنّهنّ أيضًا قد يجب عليهنّ الجهاد. وفي زمان النبيّ كانت النساء حاضرة أيضًا، وكان لهنّ اطّلاع على فنون القتال، وكنّ قادرات على الدفاع عن أنفسهنّ إذا ما هاجمهنّ العدوّ، وكنّ على اطّلاع على أمور التمريض، فكنّ يأتين إلى المعارك ويداوين الجرحى، وكنّ يفعلن ذلك أمام النبيّ. فمن الذي يقوم بهذه الأعمال؟ فما دام الرجل يقاتل فلا بدّ أن يأتي من يهتمّ بالجرحى، فهذا أمر طبيعيّ. فالإفراط خطأ وكذلك التفريط، كلاهما خطأ. 

  • موقف المرحوم العلاّمة من الحرب الدفاعيّة

  • والمضحك أنّي أتيت ذات يوم في ذاك الزمان ويبدو أنّه كان في شهر رمضان، وكنت قد تشرّفت بزيارة مشهد، وكان الوقت ليلاً فرأيت أنّ المرحوم العلاّمة يقول: جاء فلان وذكر اسمه وهو الآن ليس من الأحياء وانتقل إلى رحمة الله ـ وأودّ أن أبيّن طريقة التفكير لتروا أنّ البعض كيف يفكّرون حقًّا ـ فعندما كانت هناك حرب بين إيران والعراق وهجم البعثيّون على الأراضي الإسلاميّة، فجاء أحد العلماء المعروفين وكان لديه اعتراض يقوله للمرحوم العلاّمة أن: لماذا علينا أن نحاربهم؟! هذه حرب بين الإخوة! 

  • فقال المرحوم العلاّمة: فإن لم نقاتل فماذا نفعل؟! إن لم يقاتلوهم فماذا سيفعلون؟ 

موقعنا أمام الله - الثقافة والرياضة في الإسلام

5
  • قال: لا شيء يأتون ويستولون على البلد! فما هو الفرق بين الحالين؟ يجب أن لا يقتتل الإخوة! فليأخذوا هذا الشاطئ وذاك وتلك الأرض وتلك فلا إشكال في ذلك.

  • قال المرحوم العلاّمة: عجيب! أنت تجيز أن تأتي جماعة من الكفّار البعثيّين الذين لا دين لهم ولا وجدان ولا إنسانيّة ويحكموا أعراضنا وشرفنا في أرضنا وأنت تنظر؟! إنّ أوّل من يأتون إليه إن جاؤوا هو جنابك ونساؤك وأطفالك، أهكذا أنت تنفق من جيب غيرك؟! فهل التفتّم؟

  • ضرورة الاهتمام بالرياضات المفيدة وفنون القتال

  • فلا بدّ من الاهتمام بهذه الأمور، نعم هذه الأمور صحيحة، فلا بدّ من إيجاد الرياضة بين الناس في الفنون المفيدة في حفظ الدولة وفي حماية الحدود والثغور من تصرّف الأجانب ومن تصرّف الكفّار ومن اعتداء المعاندين الذين هم موجودون على الدوام. فمنذ أن خلق الله تعالى جدّينا آدم وحوّاء بدأت الحرب بين هاتين النقطتين وحتّى زماننا هذا وحتّى ظهور الإمام، وفقط في زمان ظهور الإمام تنتهي هذه الحروب، وتأتي الحكومة الحقّة وتسير بالناس على أساس الفطرة، وعلى أساس الحقّ وعلى أساس الوجدان، ولا يعود هناك معنى للحرب، وهناك لا معنى لأنت وأنا، والظهور هناك هو ظهور الولاية، والولاية تهضم في داخلها وتحت سيطرتها الولائيّة جميع الشعوب والفروع وجميع الجوانب، يأتي الكبير فتقبل به، ويأتي الصغير فتقبل به، تأتي المرأة فتقبلها ويأتي الرجل فتقبله، يأتي الجاهل فتقبله ويأتي العالم فتقبله، يأتي الرئيس فتقبله ويأتي المرؤوس فتقبله، تقبل الجميع وتنظر بعين واحدة إلى الجميع فمن الذي يريد أن يحارب؟! ومع من ستكون هناك مشكلة؟!

  • وأمّا الاهتمام بالأمور الأخرى والفنون الأخرى من هذه الأشياء التي يشاهَد في الدنيا الآن كيف أوقعت يد الاستعمار الجميع فيها كألعاب مثيرة للسخرية وأعمال لغو لا تساوي شيئًا وليس فيها إلا إتلاف النفوس وإتلاف رأس المال، فرؤوس الأموال التي يجب أن تصرف في عمارة البلاد والتي يجب أن تصرف على الفقراء والتي يجب أن تصرف في الزراعة والتي يجب أن تصرف في تطوير القوّة والقدرة، القدرة الدفاعيّة للدولة، والتي يجب أن تصرف في الرقيّ العلميّ والصحّي للدول، نجد أنّ الاستعمار كيف صرفها في الكرة: هذه كرة! هذه كرة! فاركض خلفها وخذها! لقد طارت إلى تلك الجهة فاركض خلفها وخذها ولا تفوّتها! ثمّ ارم بها هنا في داخل الهدف! وهذه أمور ترجع بنسبة ثمانين في المائة منها إلى الحظّ والنصيب وعشرون بالمائة منها إلى المهارة، والناس يجلسون ويصفّقون أن ماذا؟ أن أصابت الكرة الهدف المؤلّف من أربعة أعمدة، تعال أنت أصب عشرة أهداف! فعندما صرنا نشجّع أن اضرب الكرة لتصيب اضربها مائة مرّة! صفّق لأنّ الكرة أصابت الهدف! صارت أفكارنا هكذا… حقًّا إنّه لمؤسف!

موقعنا أمام الله - الثقافة والرياضة في الإسلام

6
  • سهرة عائليّة حول كرة القدم

  • لقد شاركت ذات ليلة في مجلس لأقاربنا، مثلاً كان مجلس صلة رحم مثلاً مع غضّ النظر عن الكلام الفارغ الذي كان في ذلك المجلس والذي كان يتلف الوقت، ولا أدري هل ذكرت للرفقاء هذا الأمر أم لا؟ يرجع ذلك إلى زمان بعيد، قبل سنوات، وكانت ليلة ماطرة، وبسبب إصرار بعض الأقارب ذهبت ولم أكن قد شاركت فيه حتّى تلك الليلة، فقالوا لي: تعال تعال، على الأقلّ تعال مرّة واحدة، ففي كلّ شهر تعقد هذه الجلسة مرّة واحدة فتعال، وكانت الأيّام قريبة من النصف من شعبان ولم يكن يفصلنا عنه إلا بضعة أيّام، وكانت ليلة ماطرة يهطل المطر فيها بشدّة، أظنّ أنّها كانت قبل أربع أو خمس سنوات، وكانت ليلتها مباراة بين إيران وإحدى الدول العربيّة، مباراة في كرة القدم، اللعب بالكرة اللعب بالكرة! اللعب كالأطفال! لقد كان كلّ همّ المجلس تلك الليلة والذي يتضمّن طبقات مختلفة من العلماء والمعمّمين وكان أكثر الحاضرين منهم وإن لم نقل أكثرهم فنصفهم من العلماء والمعمّمين وأئمّة الجماعات والمساجد وأمثال ذلك، فمضى المجلس كلّه حول هذه المباراة، من ربح؟ وكلّما جاء أحد سأل ما الأخبار؟ من سجّل هدفًا؟ من ربح؟ وجاء أحدهم وكان في السبعين من عمره فأضحكني كثيرًا حيث كان يقول: نعم يا عزيزي كنت حتّى هذه اللحظة أتابع عبر راديو السيّارة وكنت أتابع خطوة بخطوة ولم يسجّل أيّ هدف! وكنت أنا أنظر مصدومًا، لم أكن أنظر إلى هؤلاء بل كنت أنظر إلى الجدران والأبواب كيف احتضنت جماعة كهؤلاء… كنت أنظر إلى هذا الجدار أمّا هؤلاء فلمن أنظر منهم؟! وقد تأسّفت كثيرًا تلك الليلة، وعندها كان هناك أحد المعمّمين الذي كان عجيبًا جدًّا في كلامه، فعندما رآني هكذا بدأ بالقول: ماذا تقول أنت؟! إنّ مسألة كرة القدم الآن صارت مسألة عالميّة، والدنيا تبذل عليها المبالغ وكذا وكذا، وقد أسّسوا الآن في إيطاليا وزارة تدعى وزارة كرة القدم. ولا أدري ما إن كانوا حقًّا قد أسّسوا ذلك أم لا؟ فقلت: عجيب عجيب! كم نحن غافلون! نحن لسنا في هذه الدنيا أصلاً! أصلاً لا اطّلاع لدينا أنّ هناك وزارة باسم وزارة اللعب بالكرة إلى جانب وزارة الدفاع وإلى جانب وزارة العلوم وإلى جانب وزارة الصحّة، هناك وزارة الكرة، الكرة! الكرة! هناك وزارة الأمور الفارغة، وزارة السخرية وأمثال ذلك! فانظروا ماذا صنع الاستعمار، تعالوا وانظروا لتدركوا أنّه ليس مزاحًا حين يقال إنّهم خدعونا نحن المسلمين، خدعونا خدعة كبيرة جدًّا انغمسنا بها من أخمص أقدامنا إلى رؤوسنا. ثمّ بدأ هذا الرجل بذكر أسماء لاعبي إيرلندا والأرجنتين واحدًا واحدًا، وأسماء آبائهم وأمّهاتهم وأحفادهم والهرّة والكلب اللذين في بويتهم، بدأ بكلام جعلني أكاد تنبت لي قرون من عجبي! فلو أنّه بدلاً من كلّ هذه المعلومات حول هؤلاء قرأ كتبًا لصار أبقراط وأفلاطون، ولتفوّق عليهما.

موقعنا أمام الله - الثقافة والرياضة في الإسلام

7
  • فكم يجب أن تبلغ الحماقة! فانظروا كان هذا رجلاً معمّمًا لا أيّ إنسان، أفيجب أن يصرف الوقت في هذه الأمور؟! حقًّا هذا مبك وليس مضحكًا، عندما أُرسِلَتِ الرسائل إلى المرحوم الوالد أنّك ذهبت وسلّمت نفسك إلى هؤلاء الصوفيّة والدراويش، فاترك هذه الأمور وتعال واهتمّ بأمور أكثر أهميّة، فمن الذي أرسل هذه الرسائل؟ هم هؤلاء الذين كانوا يقولون هذا الكلام تلك الليلة فهل التفتّم؟! فقال في جوابهم في رسالة: اذهبوا والعبوا بالجوز. أو أنّه أرسل إليهم بحبّتي جوز ورسالة في ظرف ـ ويبدو أنّه فعل هذا ـ وقال لهم: فلتلهوا الآن بهذه حتّى نرى لاحقًا ماذا سيجري! أذكر أنّه أرسل الجوز أيضًا، فقد اشترى بضع حبّات من الجوز من الدكّان ووضعها في كيس وأرسلها، هكذا على ما أذكر، ولكن لا شكّ لديّ بالرسالة. فهؤلاء هم الذين كانوا هكذا. 

  • ذلك الذي يترك مسجده، ويعطّل درسه في التفسير، ويقول للنّاس: اذهبوا اليوم باكرًا إلى المنازل لتشاهدوا ذاك المسلسل التمثيليّ وذلك الفيلم والممثّلين الأجانب واليابانيّين وأمثال ذلك… اذهبوا وشاهدوا ذلك فما هذا يا عزيزي؟! إنّه يد الاستعمار. ما هذا؟ إنّه إلهاء لأذهان الناس بالأمور الفارغة والخاوية والمزخرفة.

  • ما معنى زخرف القول؟

  • هل تعرفون ما معنى {زخرف القول}۱ يعني الكلام الفارغ والكلام اللغو. يأتي مجنون إلى هنا ويجلس ويبدأ بالكلام مع نفسه، فهذا ما يسمّى زخرف القول، يجلس هكذا دائمًا يتحدّث مع نفسه، المجنون مسكين فهو مجنون، يبدأ بالحديث مع نفسه ويتابع فما هذا؟ إنّه زخرف القول، الكلام المزخرف يعني الكلام الذي لا محتوى له، الكلام اللغو الذي لا فائدة منه.

  • وقد كنت في تلك الليلة أشكر الله أن لك الشكر يا إلهي لك الشكر يا إلهي لك الشكر يا إلهي، لولا أنّك أخذت بيدي وعرّفتني على هذه المدرسة لكنت واحدًا من هؤلاء، همّي أنّ فلانًا من هو أبوه ومن هي جدّته ومن هي عمّته وكم مترًا طوله؟ وكم كيلو وزنه؟ كم لديه من الشعر؟ وكم لديه وكم لديه…؟ في هذا الحدّ في التخيّلات والتوهّمات…

  • بماذا يجب أن تُملأ أوقات الفراغ؟ 

    1. جاء في سورة الأنعام (٦) الآية ۱۱٢: {وَ كَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطينَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ يُوحي‌ بَعْضُهُمْ إِلى‌ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَ ما يَفْتَرُونَ}.

موقعنا أمام الله - الثقافة والرياضة في الإسلام

8
  • الأوقات التي يجب أن نحمل فيها كتابًا ونطالعه ونتعلّم منه المعارف ونسمع رواية عن الإمام الصادق، ونسمع حكاية مفيدة عن أولياء الله والأعاظم والتي تملأ كتب التراجم وكتب التاريخ والكتب المدوّنة في هذا الموضوع، فأنا لا أقول اقرؤوا كتب المرحوم الوالد فقط، كلاّ بل اذهبوا واقرؤوا كتبًا أخرى، طالعوا كتب حكايات الأعاظم وقصصهم، طالعوا كتب العرفاء والأولياء، طالعوا كتب هؤلاء الذين يؤدّي كلامهم إلى إشراق وإضاءة النوافذ وفتح الطرق، اذهبوا وطالعوا كتب هؤلاء، فربّما تنقدح شرارة لدى الإنسان عند قراءة قصّة فيغيّر طريقه ويغيّر طريقة تفكيره. يحدث هذا وكثيرًا ما يحدث، وإنّه مهمّ جدًّا جدًّا، وأقتصر على إخباركم أيّها الرفقاء والأصدقاء بأنّ هذه الرؤية وهذه البصيرة التي لديّ وهي موجودة عند لّ واحد في كلّ مرتبة، قد حصلت لي فيما يتعلّق بوضعي وبطريقي وبأموري بسبب قراءة حادثة واحدة وحكاية واحدة حول إنسان معيّن، فغيّرت طريقة تفكيري حول الأمور بشكل كامل، حادثة واحدة أحيانًا تؤثّر إلى هذا الحدّ. 

  • يقول أمير المؤمنين عليّ عليه السلام إذا مللتم من القراءة والمطالعة والعبادة فالجؤوا إلى الحكايات المفيدة.۱ فالنفس تميل أكثر إلى تلقّي الحقائق الأخلاقيّة التي هي في قالب حادثة تاريخيّة، حادثة، حادثة تاريخيّة، لماذا أوصي الرفقاء كثيرًا إذا خطبوا على المنبر أن لا يجعلوا كلامهم جافًّا إلى هذه الدرجة، ولا يقتصروا على تكرار قراءة الروايات ثمّ ترجمتها وتفسيرها… كلاّ بل ليستفيدوا من كلمات الأعاظم ومن كلمات أولياء الله، وليكثروا من الحكايات والقصص التي في هذا المجال، لماذا كلّ ذلك؟ لأنّ النفس أكثر ميلاً إلى تلك الأمور المشهودة والخارجيّة والملموسة منها إلى الأمور العلميّة الظاهريّة وذات البعد الظاهريّ، فتلك الأمور تأتي وتتجسّد وتكون أوقع في النفس وتستقرّ فيها أكثر. 

  • آثار الاهتمام بكرة القدم وأمثالها من أنواع الرياضة

  • فتلك الأعمال الرياضيّة المفيدة لا بدّ أن تكون، أمّا الأعمال الفارغة فلا قيمة لها ولا فائدة ولا تستوجب الفخر! ففي سنة معيّنة يتصدّر بلد ما المرتبة الأولى فليكن، فماذا حصل؟ كم زادت معلومات أبنائه؟ كم زادت قيمتهم؟! كم حصلت لديهم من الأمور المعنويّة في ربحهم هذا؟! وها نحن نرى ماذا هناك في البلدان! ماذا هناك؟ كيف هي الأحوال؟ هل أخلاق ذلك البلد تزداد بواسطة الربح في هذه الألعاب أم أنّ غروره هو الذي يتضاعف؟ هل تزداد ثقافته أم أنّه يبتلى بالأوهام أكثر فأكثر؟!

    1. نهج البلاغة، ص ٤٢۱، الحكمة ۸٩: «إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ تَمَلُّ كَمَا تَمَلُّ الْأَبْدَانُ فَابْتَغُوا لَهَا طَرَائِفَ الْحِكَمِ».

موقعنا أمام الله - الثقافة والرياضة في الإسلام

9
  • لقد كنت بنفسي في مكان ما في منزل أحد الأقارب في طهران وذلك السنة الماضية، وكان تلفازه مشغّلاً يعرض مباراة كرة قدم بين إيران وإحدى الدول ـ اللعب بالكرة! ـ فخسرت فيها إيران، فرأيت بنفسي أنّ المذيع يبكي مثل الثكلى، فقلت الويل لك، أنت تسمّى إنسانًا! بدأ بالبكاء آه آه آه، الويل لك، هل تسمّى أنت إنسانًا؟! أتعجّب لماذا يعرضون ذلك للنّاس؟ ما معنى ذلك؟ طوله ثلاثة أمتار! الآن خسرت فلتخسر، إلى هذه الدرجة يكون الإنسان عديم القيمة والثقافة والمتانة والوزن؟! الآن خسرت فهي لعبة أحدهم يربح والآخر يخسر ولا تحتاج إلى لطم على الرؤوس والبكاء كالثكلى وهذا النوع من الأعمال أن ماذا نصنع؟ فإلى هذه الدرجة نحن ضعفاء؟! أهكذا يجب أن نكون؟! هل يجب أن ينتهي بنا الأمر إلى هذا المستوى؟ 

  • الأهداف التي ينبغي أن تسعى إليها الأمة الإسلاميّة في إيران

  • علينا أن نلطم على رؤوسنا لأنّ أخلاقنا وثقافتنا وكلامنا ومستوانا العلميّ في المسائل المختلفة والفنون المختلفة بهذه الحال، هل هذا ما يتوقّع من الأمّة التي تعدّ نفيها قائدة وفي صدارة الثقافة والحضارة الإنسانيّة وتعدّ نفسها تابعة لمدرسة رسول الله وسنّته ومدرسة التشيّع، فهل وصلنا إلى هذا المستوى؟ لهذا علينا أن نضرب على رؤوسنا أن هل وصلنا إلى ذلك المستوى الذي تتوقّعه منّا الدنيا بعنوان أمّة أخلاقيّة وعلميّة صاحبة ثقافة ويمكن الاقتداء بها وجعلها قدوة واتّباعها على أساس الصدق وعلى أساس الحقّ وعلى أساس الدين وعلى أساس الشفافيّة وعلى أساس الوضوح مع الشعوب والمجتمعات الإسلاميّة وغير الإسلاميّة من المسيحيّة واليهوديّة وأمثالهما، فهل وصلنا إلى تلك النقطة أم لا؟ علينا أن نفكّر بهذه الأمور، الآن خسرنا لعبة فليكن ليس مهمًّا أصلاً، فهي من الأساس أمر خاطئ فكيف بالخسارة فيها أو الربح؟!

  • مكارم الأخلاق وتطبيق القانون في مدرسة النبيّ صلّى الله عليه وآله و سلّم

  • لدينا كلّ هذه الآيات في القرآن حول مكارم الأخلاق، وقد روي عن رسول الله: بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق.۱ حيث يقول النبيّ إنّي بعثت لأوصل معارف الأخلاق إلى أوجها، فما كان في الأمم السابقة هو أنا ومدرستي وطريقي ومنهجي، فانظروا إليّ وتعلّموا الحياة، انظروا إليّ وتعلّموا الأخلاق، انظروا إليّ وتعلّموا الصدق وكيف أمرت الجلاّد أن يقطع يد ابنة عمّي أمام عينيّ عندما سرقت، فتعلّموا هذا. تعلّموا من ابن عمّي عليّ بن أبي طالب الذي عندما جاء إليه أخوه عند اشتداد الفقر والفاقة والمصيبة وطلب منه زيادة أدنى منه حديدة محماة، فتعلّموا هذا. تعلّموا من ابنه الحسين بن عليّ عندما اقترض من بيت المال عسلاً زيادة على ما له عنّفه بشدّة وهدّده أن إذا رأيت منك ذلك مرّة أخرى لأعاقبنّك أشدّ العقاب. فتعلّموا هذا، تعالوا وتعلّموا منّي محبّة النوع والوحدة وكيفيّة التعامل مع الناس، تعالوا وتعلّموا أنّي عندما أكون جالسًا بين الناس أجلس بطريقة بحيث إذا دخل أحد من الخارج لم يميّز بيني وبين الجالسين معي، فتعالوا وتعلّموا هذا، لا أنّي أجلس وأجعل لنفسيّ كرسيًّا ومنبرًا في حين يجلس الآخرون على الأرض، كلاّ بل على الجميع أن يجلسوا متساوين، على الجميع أن يجلسوا بطريقة واحدة، على الجميع في المجلس أن يكونوا بنحو واحد.

    1. مكارم الأخلاق، ص ٨.

موقعنا أمام الله - الثقافة والرياضة في الإسلام

10
  • كان المرحوم العلاّمة يقول: انظروا إلى هذا المجلس الآن هل الذين يجلسون مستندين على الجدار هم جميعهم من العلماء والفضلاء؟ كلاّ! فبينهم غير معمّمين وبينهم من غير العلماء كما أنّ بينهم من الفضلاء والأصدقاء، بل أكثر هؤلاء يجلسون في وسط المجلس، فانظروا بأنفسكم، كان المرحوم العلاّمة يقول: مجلسنا مجلس ليس فيه اختلاف بين الطبقات بحيث إنّه لا بدّ أن يجلس جماعة من الناس في جانب والآخرون في جانب. كلاّ، بل أينما كان هناك مجلس خال جاؤوا وجلسوا، وإن لم يكن هناك مجلس خال يذهبون جانبًا ويجلسون، وليس من الضروريّ أن يجلس عدد إلى جانب الجدار، وأن يملأ هذا الجانب جماعة معيّنة، فمن كان رئيسًا وإن كان لا يملك شيئًا من العلم ولكن بمجرّد أن صار رئيسًا فلا بدّ أن يجلس إلى جانب فاضل ومعمّم لأنّ لديه مسؤوليّة معيّنة، حسنًا فليذهب إلى الوسط وليجلس هناك ولا داعي لأن يجلس في مكان آخر، إن كنت رئيسًا في مكان ما فلتكن، جلست على كرسيّ فسيقولون لك بعد أربع سنوات اذهب من هنا واجلس في بيتك، فهذه ليست بشيء إذن. أليس كذلك؟! فلو أنّنا بدلاً من إطلاق الشعارات والصراع والضجيج قمنا بالالتزام بأعمال النبيّ هذه فنجلس كما كان النبيّ يجلس أليس ذلك أفضل؟ أيّهما أفضل؟ حقًّا! جرّبوا إن كان مجلسنا هكذا، إن كان لأجل الناس فلننظر ألا يمتدحون هذا أكثر أم لا؟ إن كان للنّاس. أمّا إن كان لله فهذا لا يحتاج إلى بيان فهذه أمور واضحة أنّها ترضي الله. فلو عملنا بهذه الأمور فإنّ الله يوفّق ويحقّق لنا مصالح أخرى.

  • فمن كان يأتي ويجلس في أيّ موضع يجده من المجلس فإنّه بلا شكّ يستفيد أكثر، ولكنّ من يأتي وينظر أوّلاً إلى هذه الجهة وإلى تلك ويعيّن مكانًا له بين الناس، وبين المشهورين، يا عزيزي الأمر واضح من البداية فلا داعي لأن تشارك فمجلس العزاء هذا لم يعد مجلس سيّد الشهداء، سيكون هذا مجلس استعراض، ويا له من استعراض!

  • ضرورة أن نقدّم مجتمعنا كقدوة لسائر المجتمعات

موقعنا أمام الله - الثقافة والرياضة في الإسلام

11
  • ولهذا كان المرحوم العلاّمة في الزمان السابق يقول مرارًا: إنّ ما نتوقّعه من الشعوب الأخرى من أن يلتفتوا إلينا ويحترمونا ويدافعوا عنّا ويساندونا ويعدّونا أمّة مثلى في قرارة أنفسهم وفي مخيّلتهم وأفكارهم ويقبلون بنا فهل قدّمنا من أنفسنا أنموذجًا كهذا لنتوقّع هذا التوقّع؟! فالناس لم يأكلوا التبن والعلف، الناس يدركون جيّدًا، أهل العالم يميّزون جيّدًا، يميّزون الصدق كما تميّزونه أنتم تمامًا، فهم أيضًا لديهم عقل ولديهم دماغ ويميّزون الكذب ويميّزون الباطل، خصوصًا مع كلّ هذه الوسائل التي يمتلكونها فيدهم العليا في ذلك، فمن حيث جمع المعلومات لديهم اليد العليا، ومن حيث التفوّق العلميّ لديهم اليد العليا، ومن حيث الفهم والشعور ففي النهاية الجميع لديهم مستوى معيّن من الفهم والشعور. وهنا تغدو المسؤوليّة ثقيلة جدًّا، تغدو المسؤوليّة ثقيلة جدًّا، فإذا ما عرفها الإنسان، فلا أعتقد أنّه يمكنه أن يجلس هادئًا ويتجاوز عنها بسهولة، فالأمر مهمّ جدًّا والمسألة مشكلة جدًّا. فلو أنّ إنسانًا كان في وظيفة معيّنة وارتكب مخالفة معيّنة في نقطة من نقاط الأرض، فإنّه يقال: هناك الكثير من الذين يرتكبون المخالفات فلتكن أنت واحدًا منهم أيضًا، فليس الأمر مهمًّا، المهمّ هو أنّ المخالفة ترتكب هنا، وهنا يختلف الأمر. 

  • موقعنا الحقيقيّ أمام الله تعالى 

  • يقول الإمام السجّاد عليه السلام: «إلهي أدعوك بلسان قد أخرسه ذنبه» وأوقفه عن الكلام وأناجيك بقلب قد أوبقه جرمه وأهلكه، فهكذا آتي إليك. 

  • كنت أتحدّث حول هذه النقطة وفجأة لا أدري إلى أين مضينا. عندما كنت أفكّر في دعاء أبي حمزة هذا عصر اليوم رأيت حقًّا أنّ الإمام السجّاد عليه السلام ينبّهنا أن إلى أين أنتم ذاهبون؟! وماذا تفعلون؟! هل أدركتم من أنتم أساسًا؟! هل عرفتم موقعكم؟! أفحسبتم أنّ أمركم قد انتهى لمجرّد أنّكم مسلمون؟! أوحسبتم أنّ أمركم انتهى لمجرّد أنّكم شيعة؟! كلاّ أيّها الأعزّة! تعالوا وانظروا إلى وضعكم وواقعكم عند مناجاتكم لربّكم كيف هو. كم مرّ من الأفكار الخاطئة في أذهاننا ويمرّ وسيمرّ؟ بيننا وبين الله إلى أيّ حدّ تقدّمنا نحو الحقائق؟ إلى أيّ حدّ دنونا بأنفسنا إلى الحقائق الواقعيّة؟ كم تخلّينا عن أنفسنا وتوجّهنا نحو الحقائق أي تركنا أنفسنا جانبًا؟ كم قمنا بهذا حتّى الآن؟ كم سعينا في هذه المسألة؟ كم التفتنا إلى كلام الأعاظم؟ كم عملنا بالبرامج والأوامر؟ كم عملنا؟! كم استطاعت هذه المجالس أن تقهر قوانا النفسيّة وأنانيّتنا وتجعل بدلاً منها قوى ملكوتيّة وتقوّي فينا إحساس العبوديّة؟ كم عملنا من أجل ذلك؟ نقيم جلسة معيّنة أو مجلسًا فنفاجأ بعدها بأنّ كلامًا يطرح هنا وهناك: هل شاركت أنت في هذا المجلس أم لم تشارك؟ حسنًا إن شاء الله سيوفّقك الله أنت أيضًا، لقد دعينا نحن إليه، لقد دعانا السيّد، وإن شاء الله سيدعوكم يومًا من الأيّام. فإذا كانت سنة أخرى ولم ندعه ودعونا غيره يقول: لم يعد السيّد ينظر إلينا هذه السنة! ماذا حصل؟ وماذا هناك؟ هل يجب أن تدعى أنت كلّ عام؟ أمّا الآخرون فليس من البشر؟ الآخرون ليسوا مثلك رفاقًا؟ ليس للآخرين نصيب مثلك؟! ليس لهم حظّ كحظّك؟ نعم؟ حينها ماذا يصبح ذلك المجلس؟ عرض وتظاهر ومجاملة والإحساس بالفخر والاستكبار! الاستكبار! فما نتيجته؟ وما أثره؟ وما فائدته؟ هل يكون هذا المجلس حينها مجلس رسول الله؟ هل يكون مجلسًا يتّبع فيه رسول الله؟ لا بدّ أن ينال فيه الثواب ولكن بدلاً منه تأتي أمور أخرى، مجاملات تظاهر، أهكذا يجب أن يكون؟ كم اقتربنا بأنفسنا؟ كم التفتنا إلى ما أوصى به الأعاظم؟ كم التفتنا؟ فلنبحث ونحقّق في ذلك. 

موقعنا أمام الله - الثقافة والرياضة في الإسلام

12
  • ليالي شهر رمضان أيضًا تأتي وتمضي، ونحن متحمّسون ونأتي ونشارك في الجلسات، هذا كلّه جيّد ـ وإنّما أقول هذا الكلام لأنّي أعلم أنّ الرفقاء يتوقّعون منّي ذلك، الرفقاء لا يتوقّعون منّي البطّيخ والشمّام، ولا يتوقّعون منّي رفع مستوى الأنانيّة ورفع مستوى التخيّلات، أليس كذلك؟ الرفقاء يتوقّعون منّي الصدق ويتوقّعون منّي الأمانة ويتوقّعون منّي كلامًا ألقي من قبل الأعاظم، ويمكن أن يكون فيما بينهم من هم وسطاء يوصلون الحقائق إلى المستعدّين، فهذا ما يتوقّعونه منّي في النهاية، وإلا فيمكن أن آتي وأمدحكم وأمجّدكم وأقول لكم ليس على الأرض لكم مثيل، وطول كلّ منكم متران، فتصطدم رؤوسكم بالسقف! حسنًا هذا يمكن أن نجده في مكان آخر، ففي الأماكن الأخرى من أمثال هذا الكلام وأفضل منه أيضًا بكثير، والعمل الذي لم يقوموا به يقال لهم إنّهم قاموا به، فكيف إذا أراد أن يقوم هذا المسكين بعمل ما. 

  • المتوقّع هو مطابقة الأحوال مع المدرسة التي نقلت عن الأعاظم، وعلى كلّ إنسان هنا أن يحاسب نفسه حسابًا دقيقًا، وأن يلتفت إليها ويراقبها ويقارنها مع ما هو مطلوب منها، ويستفيد تلك الاستفادة المطلوبة. ويجب أن لا يتوقّع الإنسان ويقول: لقد جئنا إلى هنا وحتمًا لا بدّ أن تتحمّلوا مسؤوليّة ذلك الأمر المعيّن! 

  • ـ كلاّ أنا لست مسؤولاً عن هذا الأمر، اذهب إلى مكان آخر ليتحمّلوا مسؤوليّته، فلا معنى لهذا الكلام. 

  • ـ لقد جئنا إلى هذا المكان وتركنا مكانًا آخر، فتعال وخصّص لنا وقتًا. 

  • ـ كلاّ! ليس لديّ وقت كهذا، ورفقائي ليس لهم وقت كهذا، فإن كنت تحبّ أن تذهب إلى مكان آخر فلا مانع، ليس لدينا وقت كهذا. فأن نتعامل مع الموضوع وكأنّنا أصحاب حقّ فهذا نوع، أمّا أن نتعامل على أنّنا ملتمسون عاجزون فهذا ما يريده الإمام السجّاد.

  • «إلهي أدعوك بلسان قد أخرسه…» إلهي لا أتعامل معك على أنّ لي عليك حقًّا وأقول: إلهي أنا أمسك بتلابيبك فقد صلّيت لك صلاة الليل فيجب أن تسهّل أمري غدًا في المعاملة التي لديّ، ويجب أن تجعل لي هذا المقدار من الربح، وهذا المقدار من رأس المال وهذا المقدار من الفوائد وإلاّ فلن أصلّي غدًا صلاة الليل! 

موقعنا أمام الله - الثقافة والرياضة في الإسلام

13
  • ـ حسنًا لا تصلّها ما دمت حيًّا وإلى جهنّم! 

  • بكلّ صراحة هكذا، فإذا أردتم أن تسمعوا كلام الله الآن مباشرة فأنا أقوله لكم. صلّوا صلاة الليل ليلة ما وبعدها تكلّموا بكلام كهذا، وقولوا: إلهي لقد صلّيت صلاة الليل مرّة فأبلغني ما أتوقّع منك، فإن كنت أريد أن أتزوّج فأرسل إليّ الزوج الذي أريده غدًا ليطلبني من بيتي، وإن كنت أريد زوجة فإذا ذهبت غدًا لأخطب اجعلهم يوافقون على الفور، وإن كان عليّ قرض فيجب أن يسدّ غدًا وإلا فلن أصلّي صلاة الليل غدًا. 

  • ـ لا تصلّ صلاة الليل لشهر ولسنة وحتّى آخر عمرك ولمائة سنة فأنا لا أرديها منك، أصلاً لا أريد أن أرى وجهك لا أريد أن أرى وجهك، لا أريد أن أرى شكلك! أتريد أن ترسم لي مخطّطًا لأسير عليه وتقول: إلهي أريد أن أصلّي صلاة الليل لأجل هذا. سأقوم بعمل الخير هذا لأجل هذا الأمر. فليس هنا مكان الدلال ولكن مكان أيّ شيء؟

  • رحم الله حافظًا، ما شاء الله ما شاء الله! فهؤلاء هم الذين جاؤوا وتكلّموا فصرنا نمتلك فلسًا أو فلسين، وذلك من كلام حافظ ومولانا والعرفاء وأولياء الله، وإلا فلا خبر عن ذلك في مكان آخر. فحافظ هو الذي فهم حقيقة الأمر حيث يقول: 

  • آه جانسوز ما را نیارد در خیال***آن که کشتی راند بر خون قتیل
  • والمعنى: لن يتخيّل آهنا المحرقة من كان يقود سفينته على دم القتيل

  • أنت تقوم في صلاة الليل وتصرخ آه يا إلهي ثمّ تعتدّ بها، إنّه من آلاف الناس الذين يبحثون عنه وقد أراقوا بحارًا من الدم ويقودون السفينة في بحر من الدم ولا يبالون! 

  • موقف من مدّع

  • كان هناك رجل في زمان حياة المرحوم العلاّمة يتعامل بقلّة حياء ويتجاوز حدّه كثيرًا، ويظنّ أنّه على شيء، كانت لديه مكاشفة وأمثال ذلك فكان يقصّها عليّ، وكان يقوم بأعمال معيّنة، ويقول: رأيت أثناء السجود كذا وكذا، وقد أروني واقعة كربلاء أثناء سجودي للسجدة اليونسيّة، وعندما أستيقظ من نومي أسمع من أوراق الأشجار لا إله إلا الله… وأمثال هذه الأمور وكنت أنا أنظر إليه هكذا وأقول: عجيب عجيب، فلا أضحك ولا أبدي شيئًا، وكان هو يظنّ أنّه عثر على مستمع جيّد سيفشي، فكان يتحدّث ويقول. وقد رأيت أنّه ليس في عمق ذلك شيء، لا شيء، بل كنت أرى في باطن كلّ ذلك ـ وكنت في مرحلة الطفولة ـ نوعًا من الأنانيّة، نوعًا من الأنانيّة؛ حيث كان يراها من نفسه لا من الله، كان ينسب هذه الأمور إلى نفسه، كان يقول: هذا توفيق من الله، ولكن كان ذلك كذبًا، فقوله توفيق من الله كان كذبًا أيضًا. فلو أنّك تقول له حينها: نعم صحيح هو توفيق من الله وأنت لا دور لك فيه فإنّ لونه سنقلب أحمر ويقول: ماذا يا عزيزي؟! ماذا قلت؟ أنا لا دور لي؟! فرغم أنّي قلت هذا توفيق من الله ولكن… فحتّى لو لم يقل ذلك فإنّ باطنه يقوله، فكيف إذا ما قلنا له جملتان من هذه الجمل أعرض عنّا وأغلق سجلّي من عنده حتّى نهاية العمر؟! ألم تقل أنت بنفسك إنّه توفيق من الله؟! فقد قلت أنا أيضًا ذلك ولم أضف عليه، قلت إنّك لست بشيء كلّ ما لديك هو توفيق من الله. فلماذا تبدّلت أحوالك. ولمّا تبدّلت الأحوال فإنّ هذا الرجل الذي كان يرانا في المكاشفة على تلك الصورة تغيّرت مكاشفاته وتغيّرت مناماته، فيا عجبًا فأنا لم أتغيّر بل أنت تغيّرت، أنا على ما كنت عليه، لا تزال لديّ عين تلك الأفكار التي كانت قبل ذلك، ولا زلت أصلّي عين تلك الصلاة التي كنت أصلّيها، ولا يزال لديّ ذلك الاعتقاد الذي كان لديّ، فماذا حصل في تلك المكاشفة التي تحوّلت ۱۸۰ درجة؟ كنت تراني في أعلى عليّين والآن تراني في أسفل سافلين؟ فيا عزيزي لا تلك صحيحة ولا هذه، فأنا في الوسط، فلتتّخذ الخط الأوسط! فتغيّر وتغيّرت الأمور وتغيّرت العبارات، يا عزيزي نحن لا نبالي بهذه الأمور… فبدأ بإشاعة بعض الأمور التي يشاهدها، كان بعضها صحيحًا وكان بعضها خاطئًا، ولكن ليس كلّ ما يعلم يقال. 

موقعنا أمام الله - الثقافة والرياضة في الإسلام

14
  • ضرورة حفظ الأسرار 

  • فوفق تعاليم هذه المدرسة ليس كلّ ما يراه الإنسان يخبر عنه ولو كان حقًّا، أفهل يجب الكلام بكلّ حقّ؟! يمكن للأذهان أن لا تكون لديها القدرة الكافية لتلقّي الأمر ولا تستطيع تقبّله، ولا بدَّ من تهيئة الأمور ليصل الإنسان إلى أمر ما، وسأضرب لكم الآن مثالاً، انظروا جميعًا إلى هذا السقف ما هو؟ إنّه أبيض اللون، لون الجصّ أبيض، فآتي وأقول إنّ هذا الجصّ الذي ترونه هو أسود اللون، وأنتم مخطئون فما هي الحالة التي تصيبكم؟ ما هي؟ من جهة تقولون: إنّ أعيننا ترى هذا أبيض فكيف يقول هو إنّه أسود؟ ومن جهة أخرى أنتم تثقون بي وتقولون: هذا الكلام الذي يقوله لا يقوله عبثًا. فهاتان قضيّتان. المشاهدة بالعين والثقة بي، فتؤدّي إلى نزاع وتصادم وصدام نفسيّ فتختلّ نفوسكم، فإمّا أن تضربوا رؤوسكم أو تضربوا موضعًا آخر. أو أن تصابوا باضطراب في أبدانكم… وهذا مثال صغير ومختصر، ترتبط بشخصيّة أو بحركة معيّنة أو بقضيّة معيّنة، يكون لديكم وجهة نظر علميّة ويقينيّة، وفجأة تطرحون كلامًا يخالفها بنسبة ۱۸۰ درجة فأيّة حالة تحصل بسبب ذلك؟ وتارة يطرح هذا إنسان يسير في الأزقّة والأسواق، فتمضون وشأنكم غير مبالين. وتارة تسمعون هذا من مصدر ومنشأ لا يسهل عليكم ردّه، حينها أيّ اضطراب وتلاطم سيحصل في النفس؟ بعض النفوس لديها استعداد خاصّ لتجاوز الأمر وهضمه، وهؤلاء لا مشكلة لديهم، ولكن كثير من النفوس لا يمتلكون ذلك الاستعداد، فيمكن أن يصابوا بالاضطراب فجأة، وتوصية الأعاظم بكتمان السرّ، وكتمان السرّ وكتمان السرّ وأن لا تخبروا الآخرين بما ترون، لا تخبروا رفيقكم بما تشاهدون، واحتفظوا بالأمر لأنفسكم، ويمكن أن تطرحوا ذلك فقط على الإنسان الذي أمركم فقط لا الآخرين، فما ترونه في المنام أحيانًا وما يكشف لكم عنه الغطاء، وتنكشف لكم حادثة ما بصورة معيّنة، وتتّضح لكم أخلاق وسلوكيّات معينّة وينكشف لكم باطن إنسان معيّن، فلا يجوز لكم أن تتحدّثوا، لا يمكنكم أن تتحدّثوا، فلعلّ من انكشف لكم حاله يتغيّر غدًا ويصبح أعلى منكم، أفهل يجب أن يبقى الجميع على حال واحد؟! كلاّ! الآن ظهرت لكم حالته باطلة وكان ما رأيتموه صحيحًا، ولكن يمكن أن يتغيّر غدًا، يمكن أن يتغيّر في الأسبوع القادم، يمكن أن يتغيّر بعد شهر، فيعمل ويعمل على إصلاح نفسه ويتفوّق عليك، حينها سيراك هو على تلك الحالة التي رأيتها عليه، لقد كنت حتّى الآن تراه أنت على تلك الحالة، ومن الآن فصاعدًا سيراك هو على تلك الحالة. لذلك على الإنسان أن يسكت عمّا لا يستطيع رفيقه أن يتحمّله، وعليه أن لا يتكلّم. 

موقعنا أمام الله - الثقافة والرياضة في الإسلام

15
  • لقد كان الحلاّج يقول كلامًا، وكان كلامه صحيحًا، فقد كان يطرح حقائق ومسائل توحيديّة وحقائق عرفانيّة، الآن كثير من الناس ينقلون لي عين ذلك الكلام، ولكنّ الفرق بينه وبينهم هو أنّ هؤلاء فقط يشاهدون الأمر ولا يخرجونه عن أنفسهم، أمّا هو فقد كان يقول ذلك ويفشه فماذا كانت نتيجة ذلك؟ كانت نتيجة ذلك أنّه قدّم رأسه للمشنقة والموت. قال، أعني أستاذه ذلك الأستاذ الشيخ قال:

  • گفت آن يار كزو گشت سر دار بلند***جرمش این بود که اسرار هویدا می کرد
  • والمعنى: قال الشيخ: إنّ ذلك الحبيب الذي شمخت المشنقة عندما علِّق هو عليها كان خطؤه أنّه يفشي الأسرار. 

  • لم يكن يقول كذبًا، ولم تكن مكاشفته باطلة، ولو كانت كذلك لقال إنّه كان يكذب، كان يقول باطلاً، لم يكن الأمر هكذا، كلاّ بل كان أمره صحيحًا وكان كلامه صحيحًا، ولكنّه كان يفشي الأسرار، ولم يكن باستطاعتهم تحمّلها. 

  • والسرّ يعني الحقيقة التي لا يمكن بيانها وليس الكذب، فلو كان كذبًا لما كان سرًّا، فللكذب مفهوم، وللسرّ مفهوم آخر، السرّ يعني الخفاء، فلو كان لديكم خاتم قيّم للغاية فإنّكم لا تضعونه في أيديكم، لأنّكم لو جعلتموه في أيديكم لأمكن أن يأتي من يسرقه، فتجعلونه في صندوق وتغلقون بابه، فهذا هو السرّ، هذا هو السرّ. ذلك الخاتم يغدو سرًّا، حقيقة ولكنّها ليست بالتي تقال للجميع، حقيقة تجعل في صندوق، شيء قيّم، وصلك من آبائك ولا تريد أن يقع في يد أيّ إنسان، فتجعله في صندوق، حقيقة ولكن لا تجعل له بروازًا وتضعه في الغرفة لينظر إليه من أراد، فتجعله في صندوق حتّى لا يراه أحد، ولا يكون لأحد غيرك اطّلاع عليه، فهذا هو السرّ. 

  • لقد كانت مشكلة الحلاّج أنّ الكلام الذي كان ينقله إلى من كان يصل؟ إلى ذلك الرجل الذي لا علم له بشيء، مسكين لا اطّلاع له أصلاً، فكان يقول: إنّه يقول هذا الكلام، وهذا كفر. ولكن لو خضع ذلك الرجل للتربية ـ على نحو القضيّة الشرطيّة ـ ولو خضع للمراقبة وللذكر والأوراد، وللتزكية لوصل إلى هنا، إلى حيث يدرك جيّدًا ما يقوله الحلاّج ولما كان بالنسبة إليه سرًّا، ولكنّه لم يفعل ذلك، بل شغل نفسه بالعلوم الظاهريّة فصار عالمًا، عالمًا ظاهريًّا، لا خبر له عن شيء من الأسرار. 

موقعنا أمام الله - الثقافة والرياضة في الإسلام

16
  • يقال إنّ رجلاً جاء إلى أحد العلماء وقد توفّي الآن وكان من المراجع فقال له: لقد رأيت هذا المنام. فقال له: أنا لست مفسّر أحلام. وهو يقول الحقّ، فهو لا يفسّر الأحلام، فما قرأه لم يكن فيه تفسير الأحلام. ففسّره أحد الحاضرين في ذلك البيت وقال له: إنّ فلانًا يريد أن يهاجمك، فأنت لديك هذا العدوّ فكن حذرًا. فجاء إليّ فقلت له: إنّ منامك هذا لا علاقة له بذلك، هذه الرؤيا تحكي عن نفسك أنت، أنت تقوم بهذا العمل وعليك من الغد أن تتركه! فاختطف لونه. قلت له: انظر ما صلته بذاك؟ ما علاقته بهذا الأمر؟ هذه المسألة مسألة نفسيّة. فهي لم تكتب في وسائل الشيعة، لا في كتاب الحجّ ولا كتاب الصلاة ولا كتاب الزكاة للمرحوم الشيخ آقا رضا الهمداني وصاحب الجواهر، لقد جاء هؤلاء بالروايات، روايات الأحكام جزاهم الله خيرًا، ورفع درجاتهم، وذاك فنّ وهذا فنّ آخر، ولا صلة بينهما أصلا. فلو طرحت على صاحب الجواهر أمرًا كهذا فماذا سيقول لك؟ سيقول لك: أنت كافر ومرتدّ، وهو يقول حقًّا في النهاية، لا يدرك ما تقول، لم يكن ذلك فنّه الخاصّ، لا يفهمه، لم يكن من تخصّصه، كان على الحلاّج أن يقول كلامه ذاك لمن؟ كان عليه أن يتوجّه نحو المتخصّص في هذا الفنّ، والذي خطا خطوات واسعة فيه، بذل فيه مهجة قلبه، أمضى سنوات طوال في البكاء والمناجاة والابتهال وبالعمل بالبرامج، وجعل نفسه تحت تربية الأعاظم ومراقبة الأولياء وسلّم لهم، سلّم لهم حتّى أضاءت نافذة المعنى على قلبه وصار قلبه مستنيرًا يدرك الحقائق التي لم يكن يدركها قبل ذلك، فأخبره بالسرّ فإذا أخبرته به لم يجده سرًّا بل كان أمرًا معتادًا. الآن ماذا يحتوي هذا الكوب؟ إنّه ماء، وهذا ليس سرًّا والجميع يعلمه، وليس بالأمر الذي يستحقّ أن يكتم. 

  • كيف يجب نخاطب الله؟ 

  • يقول الإمام السجّاد عليه السلام: هل أدركتم الآن الواقع الذي أنتم فيه؟ هل أدركتم الآن الواقع الذي نحن فيه؟ وهل عرفت كيف تقف بين يدي الله إذا أردت أن تخاطبه؟ لا تخاطبه على أنّك صاحب حقّ، بل «بلسان قد أخرسه ذنبه»، اعلم أنّك تتكلّم مع الله بلسان قد كذب آلاف الكذبات، فاحذر! تقول: لم يكذب. يأتي الله ويقول لك: أنت تدعوني بلسان عندما تريد أن تتكلّم مع الزبون فإنّك توجّهه إلى ما تريد أن تبيعه إيّاه من البضائع، أتقول لا؟! يقول الله لك: أنت تدعو الله بلسان عندما تريد أن تتكلّم مع رفيقك تتكلّم بطريقة بعيدة عن الواقع! تتكلّم بطريقة تحفظ موقعك عن الخطر، بهذا الكلام تدعو الله! لا بذلك اللسان الذي هو من ألسنة الذين كشفت عنهم الحجب العميّة۱ والتي ينبغي الحديث عنها يومًا ما إن شاء الله، فحقًّا عجيبة تلك القلوب التي كشفتَ يا الله عن أعينها الحجب وهم يكلّمونك بأسرار وجودك وبحقيقتك الربطيّة التي لم يعد يمكن لغطاء الكثرة أن يخرجها من صفائها ونقائها وعالم طهارتها، فهذا كلام أمير المؤمنين. 

    1. بحار الأنوار، ج ٢٥، ص ٣۰، نقلًا عن إثبات الوصيّة للمسعودي: سبحانك أيّ عين تقوم نصب بهاء نورك و ترقى إلى نور ضياء قدرتك؟ و أيّ فهم يفهم ما دون ذلك؟ إلّا أبصارٌ كشفتَ عنها الأغطية وهتكت عنها الحجب العميّة، فَرَقَتْ أرواحها إلى أطراف أجنحة الأرواح فناجَوك في أركانك و ولجوا بين أنوار بهائك، و نظروا من مرتقى التربة إلى مستوى كبريائك، فسمّاهم أهل الملكوت زوّارًا، ودعاهم أهل الجبروت عمّارًا. 

موقعنا أمام الله - الثقافة والرياضة في الإسلام

17
  • أمّا نحن فلسنا هكذا، بل ندعو الله بلسان ـ ولا مزاح في هذا ـ لفّق الكلام ونقل الأمر على غير ما هو عليه، ونحن نكلّم الله بقلوب… والله يسرّ من اعترافنا ولا يُساء، فإذا اعترفت قبلك، أذنبت فلا بأس، فأنت عبدي تذنب وأنا أعفو في المقابل، فلمن جعلت أنا شهر رمضان؟! لمن جعلته؟! لمن جعلت الصيام؟ جعلته لك في النهاية، لك أنت. ذلك الصيام الذي كان النبيّ يصومه هو له، وذلك الصيام الذي كان الإمام السجّاد يصومه كان للإمام السجّاد والأولياء، وهذا صيامنا نحن. في النهاية لاحظنا الله نحن أيضًا ولم يكن مقتصرًا على النبيّ والأئمّة فقال: لا بأس تعال أنت أيضًا، ولكن أقرّ وتعال، لا تأت وأنت مدّع أنّك صاحب حقّ، تعال على حالة من العبوديّة، أنا أرضى، أصلح أمرك، لا مشكلة أبدًا. 

  • اتّفقنا أن لا نتجاوز الساعة، ولكن انظروا تجاوزناها بعشرة دقائق، ولذلك سأنهي الكلام هنا إن شاء الله. 

  • تعال بحالة عبوديّة: 

  • این درگه ما درگه نومیدی نیست***گر کافر و گبر و بت پرستی باز آی
  • يقول:

  • ليس محضرنا هذا محضر يأس *** إن كنت كافرًا أو مجوسيّا وعابد أوثان فتعال أيضًا. 

  • كلّنا أمل وببركة دعاء أولياء الله وصدق ضميرهم وباطنهم وصفاء قلوبهم وقلوب الأعاظم الذين كان لهم نفَس وأثر وهمّة وقلب مستنير في هذا الطريق، أن يخرجنا الله من نوم الغفلة وأن يرينا الطريق ويوصلنا إلى المقصد والمقصود. 

  •  

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد