15

معرفة الله متوقفة على تحقق السنخية بين العبد والله

كيف تمنع الأنانيّةُ المعرفةَ الإلهيّة؟

27
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1428

التاريخ 1428/09/16


التوضيح

كيف يمكن للعبد المذنب أن يناجي الله سبحانه وتعالى؟ ما هي السنخيّة المطلوبة بين المخلوق والخالق لتحقيق المعرفة والمناجاة الحقيقيّة؟ ولماذا يُعتبر التواضع الحقيقيّ، كتواضع الأولياء أمثال السيّد الحداد والسيّد القاضي رضوان الله عليهما، شرطًا أساسيًّا لهذه السنخيّة، بينما تقف الأنانيّة والكبرياء، سواء تجلّت في بناء الأصنام الحجريّة كأهرامات الفراعنة أو الأصنام المعنويّة في نفوس مدّعي العلم، حاجزًا منيعًا لا يكسره إلا مطرقة الموت؟ وكيف تكون زيارة الآثار التاريخيّة سبيلًا للعبرة لا للمباهاة القوميّة الزائفة؟ تجيبك هذه المحاضرة، التي ألقاها آية الله السيد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ رضوان الله عليه عن هذه التساؤلات العميقة في مسير السلوك إلى الله.

/۱۳
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

معرفة الله متوقفة على تحقق السنخية بين العبد والله - كيف تمنع الأنانيّةُ المعرفةَ الإلهيّة؟

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • معرفة الله متوقفة على تحقق السنخية بين العبد والله

  • كيف تمنع الأنانيّةُ المعرفةَ الإلهيّة؟

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢۸ هـ - الجلسة الخامسة عشرة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني

  • قدس الله سرّه

  •  

  •  

معرفة الله متوقفة على تحقق السنخية بين العبد والله - كيف تمنع الأنانيّةُ المعرفةَ الإلهيّة؟

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللَه مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيم‌

  • بِسمِ اللَه الرَّحمَنِ الرَّحيم

  • ‌ وصلَّى اللَه عَلَى سيّدنا ونبيّنا أبي ‌القاسم مُحَمّدٍ

  • وعلى آله الطّيبين الطّاهرين واللعنة عَلَى أعدائِهِم أجمَعينَ‌

  •  

  •  

  • «أَدْعُوک يا سَيدِي بِلِسَانٍ قَدْ أَخْرَسَهُ ذَنْبُهُ، رَبِّ أُنَاجِيک بِقَلْبٍ قَدْ أَوْبَقَهُ جُرْمُ» إلهي ومولاي وسيّدي! أدعوك بلسانٍ أخرسه ذنبُه، وأناجيك بقلبٍ أوبقه جرمُه، فلم يعد يملك القوّة والقدرة على مناجاتك.

  • شرط المعرفة والمناجاة: هل السنخية بين العبد والله ممكنة؟

  • لقد ذكرنا أنّ هذا الأمر يتحقّق، وهذه الرؤية للحقّ والتوحيد تحصل، عندما تكون هناك سنخيّةٌ رُتبيّة بين الرائي والمرئي، بين المتكلّم والمخاطَب، بين المناجي ومَن يناجيه. وما لم تحصل هذه السنخيّة، لا يستطيع الإنسان أنْ يخاطب الطرف الآخر وأنْ يتحاور معه، ويطرح عليه الأمر، ما لم تحصل السنخيّة، لا يعرف الإنسانُ مخاطَبَه، فكيف يطلب منه؟ كيف يسأله شيئًا؟!

  • فالجاهل عندما يواجه العالِم، هو لا يطّلع على مستوى فهم العالم، ولا يدري في أيّ أفق هو، وما هو مدى مدركاته؟ وإلى أين انتهت مرتبة مدارجه العالية في الفهم والمعرفة؟ لا يعلم شيئًا من هذا، ويكتفي بالتحاور معه والتحدّث إليه بفهمه الناقص ومستوى شعوره ذاك، فيضحك منه العالِم، إنْ لم يضحك في الظاهر، يضحك في الباطن، ولكنّه لا يُظهر شيئًا، ولا يطرح أمرًا يؤدّي إلى انزعاجه.

  • قصة السيد الحدّاد: غربة الأولياء واتهامات الخصوم

  • رحم الله السيّد الحدّاد، عندما تشرّف بزيارة إيران، كان الهدف الأوّل لمجيئه كما كان يقول هو مرارًا للوالد رحمه الله، هو أنّنا لم نزر بعد المرقد المطهّر لعلي بن موسى الرضا عليه السلام، وقد زرنا جميع الأئمّة المعصومين عليهم السلام ولم يبقَ إلا هذا الإمام، ويجب أنْ نأتي لزيارته. في حين كانوا يقولون عن رجل كهذا ـ [أي عن السيّد الحدّاد]ـ إنّه ضدّ الولاية! وإنّه ذهب لزيارة قبر أبي حنيفة في بغداد! لا قدّر الله يومًا يُسلب فيه التوفيق من الإنسان، وإلا فإنّ هذا الإنسانَ ذا القدمين ينغمس في الحيوانيّة والشيطنة والبهيميّة بحيث لا يصل أيّ حيوان إلى مستواه، فلا يجد لإسقاط خصمه والتغلّب عليه سبيلًا سوى الافتراء والكذب! كانوا يقولون عن السيّد الحدّاد رحمه الله إنّه ذهب لزيارة قبر أبي حنيفة في بغداد، أبو حنيفة! هل انقرضت الرجولة في الدنيا! هذا الرجل هو العدوّ الأوّل للإمام الصادق عليه السلام! أفيأتي أحدٌ ليزور قبره؟! ويقولون إنّه لا يقرأ في منزله مجالس العزاء، وليس لديه توسّلٌ، وليس لديه تولٍّ وتبرٍّ، ويقرأ فقط دعاء الجوشن، ويقرأ فقط أشعار ابن الفارض وكلمات محيي الدين! كنتُ أنا بنفسي حاضرًا في الأيام العشرة من عاشوراء في كربلاء في منزله، فكان يأمر كلّ يوم بقراءة زيارة عاشوراء، وكان هو يبكي حتى تتساقط الدّموع من عينيه كالميزاب. يقولون إنّ الكذب لا يحتاج إلى عدّاد، فقل ما تشاء، فهو لا يسجّل أرقامًا، كلّ ما خرج من فمه يقوله. لقد كان رجلًا لم أسمعه مرّةً واحدة يقوم دون أن يقول "يا صاحب الزمان"، كلّ مرّة يريد أن يقوم، كان ذِكرُ قيامه "يا صاحب الزمان". حينئذٍ يُعتَبَر ضدّ الولاية والبقيّة هم أهل الولاية!

معرفة الله متوقفة على تحقق السنخية بين العبد والله - كيف تمنع الأنانيّةُ المعرفةَ الإلهيّة؟

3
  • التزام السيد الحداد بالعبادة والزيارة

  • كان يصلّي صلاة الصبح كلّ يوم في حرم سيّد الشهداء عليه السلام، ما عدا الأوقات التي يكون لديه ضيوف، ومثلًا كان المرحوم العلّامة قد ذهب إلى هناك للزيارة، كان يصلّي صلاة الصبح عادةً في الحرم في سائر الأوقات، أو إذا لم يصلِّ هناك، كان يتشرّف بزيارة الحرم بعد الصلاة. نادرًا جدًّا ما كان يحدث أنْ يكون مريضًا أو يطرأ أمر يمنعه من التشرّف بالحرم بين الطلوعين. ثمّ يأتي إلى حرم حضرة أبي الفضل عليه السلام، ثمّ يأتي إلى المنزل. كان هذا عمله كلّ يوم. أولياء الله يجب أن يكونوا دائمًا في غربة، والمثير للاهتمام أنّهم يجب أن يكونوا في غربة حتّى من أمثالنا! العوام لا شأن لهم، فهم لهم حساباتهم الخاصّة، لا سمح الله أن يكون هؤلاء في ظلم وغربة من أمثالنا! فهذا صعبٌ جدًّا، أمّا العوام فلا، ليس لديهم مشكلة، ولكنْ إذا كان الأمر على أنْ يُتجاهَل عن علمٍ، فهذا من الموارد التي لا تسكت فيها عصا جبّاريّة الله وقهّاريّته، وسيأتي تأديبُ الله وسيأخذُ الظالمين. 

  • كان قد جاء لزيارة علي بن موسى الرضا عليهما السلام، ثم لزيارة الرفقاء. وكان الرفقاء يصرّون كثيرًا على أنْ يأتي إلى إيران، وكانوا يريدون إبقاءه، ثمّ اعتذر بأنّ الوضع هناك يضطرب ولا يمكنني، وخلاصة القول أنّ وضعه الداخلي وأقاربه كانوا متعلّقين به، ولم يكن ممكنًا له البقاء في إيران، فعاد.

  • قصة سفر السيد الحداد إلى أصفهان: بين محبة الرفقاء وزهد العارف

  • أتذكّر في إحدى هذه السَفْرات التي كنّا في خدمته، ذهبنا إلى أصفهان. هناك كان الرفقاء والأصدقاء الأصفهانيّون يريدون التعبير عن محبّتهم له. وفي أصفهان أماكن تاريخيّة وأثريّة متنوّعة، مضى عليها زمان، ولها آثارها وخصوصيّاتها. فكنّا نخرج ويأخذوننا في بعض الأيّام إلى مسجد الشاه وعالي قابو، ومكان آخر، ساحةٌ كبيرة لا أدري، يسمّونها چهل سُتُون (الأربعين عمودًا)، ما اسمها؟ چهل ستون؟ أتذكّر أنّنا ذهبنا إلى هناك، وكان السيّد الحدّاد رحمه الله ينظر ويتفرّج. فكانوا يقولون هذا ليس كل المكان، يجب أن نصعد للأعلى. فقال: حسنًا، أعلاه مثل ذاك أيضًا. حسنًا، ماذا يقول هذا الرجل العجوز المسكين؟ حسنًا، لو ركّبتموه طائرة هليكوبتر لكان أفضل لتأخذوه فوق أصفهان ويشاهدها من الأعلى! كانوا يريدون التعبير عن المحبّة، مساكين! ذهبنا إلى مسجد الشاه، ومسجد الشيخ لطف الله، ومنار جنبان (المنارة المتحرّكة)، لكن ليس إلى أعلاها، بل هنا في الأسفل! طبعًا أنا صعدت إلى الأعلى، كان عمري اثني عشر عامًا، وذلك الشيء الذي يهتزّ حرّكته أيضًا، ولم تبقَ هذه الأمنية في قلوبنا. وذات ليلةٍ ذهبنا للصلاة خلف المرحوم الحاج آقا رحيم أرباب، رحمه الله، فقد كان رجلًا فاضلًا وعالمًا جدًّا، وكان تلميذ المرحوم الآخوند الكاشي. وأتذكّر أنّه كان الوقت عند الغروب ، فكان يصلّي هناك على سطح المنزل، ولم يكن يرتدي عمامة، بل كان يضع على رأسه قبّعة من الجلد، وكان يرتدي عباءة وقباءً. ثمّ أتذكّر أنّه عندما أردنا المجيء، التفتَ إلى المرحوم العلامة وقال: لقد صلّى صلاةً جيّدة. أتذكّر هذه العبارة منه: صلّى صلاة جيّدة. كنّا نجلس في الخلف عند الجدار، وهو لم يكن يقول شيئًا. وكنّا نعلم في أيّ عوالم هو، في عالم طفولتنا كنّا نفهم شيئًا وندرك أنّه يأتي ولكنّه لا يرى شيئًا، وإدراكه ليس لهذه الكثرات. 

معرفة الله متوقفة على تحقق السنخية بين العبد والله - كيف تمنع الأنانيّةُ المعرفةَ الإلهيّة؟

4
  • لقد ذهبنا إلى قبر المجلسيّين، الأب والابن، في مسجد الجمعة بأصفهان نفسها، ولزيارة أهل القبور. ذهبنا إلى تخت فولاد، وقبر مير فندرسكي، وكان أيضًا يمدحه، وقبر المرحوم البيدآبادي. أتذكّر كلّ هذا تمامًا وكأنّه فيلم أمام عينيّ. مَدَحَ المرحوم البيدآبادي، المرحوم الحاج آقا محمد البيدآبادي، وقال إنّ له قبّة منوّرة. ذهبنا إلى مير فندرسكي، وهناك أيضًا مدحه. وبشكل عامّ، مدح أجواء أصفهان، وقال إنّ لياليها جيّدة. وبالمجمل، أعجبته هذه السفرة، أيْ من هذا الحال والجوّ، ولكن هذه الأماكن التي كان يأخذنا إليها هؤلاء المساكين [فكانت لها أجواء أخرى]

  • مكانة المرأة العالمة العارفة في الماضي والحاضر

  • لقد ذهبوا إلى مجلس لم أكن فيه، مجلس لقاء مع تلك المرأة المخدّرة الأصفهانيّة التي كانت امرأة عفيفة وتقيّة ومجتهدة ونورانيّة وصاحبة مكاشفات ولها نَفَس معنوي، وكانت امرأة جليلة جدًّا. في هذا الزمان، لا يرى الإنسان إلا في المنام مثل هؤلاء النساء والأفراد. في يد من أصبحت المجالس الآن؟ وفي يد أيّ أفراد أصبحت هذه الأحاديث والمحاضرات؟ ومن هم الذين يقدّمون أنفسهم كرافعي لواء العلم والمعرفة! حقًا، هل يستطيع الإنسان أن يجد ظفرًا من نساء ذلك الزمان؟! لم أكن في ذلك المجلس، ولكن عندما عادوا، أتذكّر أنّهم كانوا جالسين في غرفة، وقال المرحوم السيّد الحدّاد بضعَ جملٍ، لا أعرف العبارة الدقيقة، "مجلّلة" بهذا المعنى، بهذه التعبيرات سمعت منه، أنّه استخدموا مثل هذه التعبيرات عن تلك السيّدة المحترمة. 

  • على كلّ حال، كانت أصفهان سابقًا مهد التربية والتديّن، وكان أهلها أقوياء وجيّدين وراسخين في دينهم. الآن تغيّر كلّ شيء، وتبدّل كلّ شيء، وأصبحت كلّ الأماكن عرضةً لحضارة الغرب المدمِّرة التي تجذب الجميع نحوها، مثل من كان تحت تأثير المورفين، حيّ ومخدّر ومترنّح، لا يعرف شيئًا عن نفسه، نسي موقعه تمامًا، اتّجهنا جميعًا نحو أهوائهم، ونتحرّك جميعًا نحو تلك المقاصد المحدّدة مسبقًا لديهم، إلّا ما رحم ربّي.

  • تعليق السيد الحداد اللطيف: من كان في بيته صنم فما همّه إن لم يخرج؟

  • كان السيّد الحدّاد رحمه الله جالسًا يتحدّث، فالتفت إلى أحد هؤلاء الأفراد وقال: تأخذوننا كثيرًا إلى هنا وهناك. كان يقول الأمر بلطافة وظرافة ومراعاة. تأخذوننا إلى أماكن جيّدة جدًّا. ولكن حسنًا، دأب أولياء الله ورؤيتهم دائمًا هي التربية والتزكية والتنبيه والتذكير، ولكن في الوقت نفسه كانوا يقولون ما يريدون. أتذكّر هذه الجملة جيّدًا، كان يقول: 

معرفة الله متوقفة على تحقق السنخية بين العبد والله - كيف تمنع الأنانيّةُ المعرفةَ الإلهيّة؟

5
  • آنکه در خانه اش صنم دارد***گر نيايد برون چه غم دارد؟!
  • يقول: من كان في بيته صنم *** أيّ همٍّ عليه إن لم يخرج؟!

  • مع الشكر على هذا اللطف والضيافة وهذه الاستضافة، في الوقت نفسه قال ما يريد قوله، وهو أنّ الإنسان لا ينبغي أن يذهب وراء القاشاني (بلاط السيراميك المزين) وأعمال القاشاني والطوب وهذه الأمور. أحيانًا يذهب الإنسان للعبرة، وهذا جيّد، أخذ العبرة جيّد.

  • قيمة الآثار التاريخية: هل هي للعبرة أم للمباهاة؟

  • من الجيّد أنْ يذهب الإنسان إلى بعض الأماكن لأخذ العبرة. أتذكّر مرّة ذهبنا في ذلك الوقت إلى شيراز، في نفس الوقت الذي اغتال فيه المنافقون المرحوم دستغيب واستشهد. فكانت زيارتنا مشؤومة، فما إنْ دخلنا شيراز، وبعد ربعِ ساعة فجأة سمعنا صوتًا غريبًا، ورأينا النّاس قد خرجوا إلى الشارع يلطمون رؤوسهم ووجوههم ويقولون كذا وكذا. خلاصة القول، كانت زيارتنا مشؤومة ، وذهب المرحوم إلى لقاء الله.

  • مكانة الشهيد دستغيب وإخبار الشيخ الأنصاري بشهادته

  • رحم الله الشهيد دستغيب، كان إنسانًا جيّدًا جدًّا. المرحوم دستغيب كان من أولئك الرجال الذين لا يوجد لهم مثيل، كان عزيزًا جدًّا. والمرحوم الشيخ الأنصاري رحمه الله في حياته، عندما كان [دستغيب] جالسًا في زاوية الغرفة، التفت إلى شخص وقال: إنّ هذا السيّد عبد الحسين سيُستشهد، في حياته نفسها، وكان الرفقاء يترقّبون هذا الأمر. رحمه الله، كان يحبّ المرحوم العلامة كثيرًا أيضًا، وإن لم تكن بينهما علاقة كبيرة، قليلة جدًا، فكانوا يتحدّثون هاتفيًا ولكن علاقتهم كانت قليلة جدًّا. أنا الآن كلّما ضاق صدري، أستمع إلى هذه الخطب التي بقيت منه. أستمع إلى أحاديثه، لديّ أشرطته، وأستمع قليلًا، فصفاء حديثه يفتح قلوبنا. كان يتحدّث ببساطة شديدة، ولكن كان في حديثه نورانيّة وصفاء خاصّ، كأنّ الكلام ينبع من القلب. رحمه الله.

  • قصة زيارة تخت جمشيد (برسبوليس) وتعليق المرحوم العلامة

  • ذهبنا في سفرٍ إلى شيراز، وذات يوم ذهبنا مع الأفراد والأقارب الذين كنّا معهم إلى تخت جمشيد (برسبوليس). هذه التماثيل والأحجار. ثمّ ذهبنا إلى مشهد عند المرحوم العلامة. فقلنا إنّا ذهبنا إلى شيراز ووقعت هذه الأحداث وهذه الأمور، ولكن لم نقل إنّنا ذهبنا إلى تخت جمشيد. ثمّ فجأة قال: حسنًا، هل ذهبتم إلى تخت جمشيد أيضًا؟ فقلنا: نعم. فقال: جيّد أن يذهب الإنسان إلى مثل هذه الأماكن ويأخذ العبرة، لا أن يذهب وينظر إلى رؤوس الأعمدة هذه. فما قيمتها التاريخيّة؟ أهورا مزدا وكورش وداريوش؟ فهذه كلها لا قيمة لها، حجر فوق حجر، وضعوا رأس حمار عليه فأصبح تخت جمشيد! ما هذا الكلام؟ ماذا كانوا هم حتّى نفتخر بهم؟! ومن كانوا؟! لدينا تاريخنا! الآن لو عاد هؤلاء إلى الحياة، فأيّ نفع سيقدّمون لنا؟ لم يكونوا يعرفون شيئًا، حفنة من الناس الجهلة العوام... الذين كانوا في ذلك الوقت، لو أحييتهم الآن وجلسوا بجانبك، لكنت أنت أفلاطون وسقراط بجانبهم. كانوا فقط يطيلون شعورهم ويضعون طبقًا ويمسكون قطتين بأيديهم ويأتون إلى حضرة جلالة الملك، ولا شيء أكثر! ما هو منتهى إدراكهم وفهمهم؟! هل هذا الأمر مدعاة فخر لنا؟! أن لدينا تاريخ كذا ولدينا مثل هؤلاء الأفراد؟! حسنًا، كانوا موجودين، فماذا؟ الدببة والحمير والأبقار كانت موجودة أيضًا قبل عشرة آلاف وعشرين ألف سنة، حسنًا، فماذا حدث؟ وما هذه المسألة؟ فالذين كانوا في أماكن ودول أخرى كانوا أفضل بكثير من أقوامنا، ثقافتهم كانت أفضل أيضًا، من قال إننا زهرة الدنيا؟! نحن أيضًا من بني آدم، نحن بشر! لدينا تاريخ يمتدّ لألفين وخمسمائة عام، ليقم ذلك "أريامهر"۱ ويقيم احتفالات الألفين وخمسمائة عام! لأجل ماذا؟!

    1. .لَقَبٌ كان يُطلق على الشاه محمد رضا بهلوي، شاه إيران السابق. وهو یعني: "شمس الآريّين".

معرفة الله متوقفة على تحقق السنخية بين العبد والله - كيف تمنع الأنانيّةُ المعرفةَ الإلهيّة؟

6
  • هذا الإنسان الذي لا دين له جاء وحوّل التاريخ الإسلامي إلى تاريخ شاهنشاهي! حسنًا، ما هو الشاهنشاهي؟! وماذا يعني؟! أنت تضع الإسلام والنبيّ صلّى الله عليه وآله جانبًا، وبمن تأتي؟ بداريوش وكورش وخشايار؟! فمن هم هؤلاء؟! هل هم سوى حفنة من الظالمين والمتجبّرين وأعداء العدالة والبشرية والإنسانيّة، الذين قضوا كلّ حياتهم في شرب الخمر ومطاردة النساء ولعب القمار والانغماس في أنواع المعاصي والشهوات وهذه الأمور؟! أيّ تاج يملكون ليضعوه على رأس الإنسان؟! كم كلمة علم وعرفان واعتقاد تعرفها عن داريوش لتقولها؟ وكم عبارة علميّة واعتقاديّة تعرفها عن داريوش؟! عن خشايار هذا الذي تفتخرون به كثيرًا، فكم كلمة تستحقّ أن تطرح وتذطر تعرفها عنه؟ الآن، يقال بعض الأمور عن كورش، وهي أيضًا محلّ شكّ، ربما يختلف حسابه عن البقيّة. الساسانيّون والأشكانيون، ماذا فعلوا في هذا البلد غير الشهوة والبهيميّة والتجبّر والظلم؟ فهل هؤلاء الآن هم مدعاة فخرنا؟! حفنة من الملوك المتغطرسين جاؤوا وخطفوا بنات النّاس بالقوّة من بيوتهنّ ليأخذوهنّ إلى بيت حريم كسرى برويز وأنوشروان! نفس أنوشروان الذي يقال عنه عادل! هذه الكذبة التي اخترعوها: وُلدت في زمن الملك العادل! في زمن الملك العادل وُلدت! لماذا اخترعوا هذه الأكاذيب؟ كانَ أنوشروان من أظلم حكام وملوك الساسانيّين. كسرى برويز من مجرمي التاريخ من الدرجة الأولى! لقد ارتكب هذا من الجرائم لدرجة أنّ التاريخ يذكر أنّ الرجال والنساء كانوا يهربون إلى الجبال خوفًا من خطف بناتهم من يد هذا الرجل الشهواني الحيوان في صورة إنسان! كانوا يهربون إلى القرى، إلى الأماكن المهجورة!

  • عبرة إيوان كسرى: أين ذهبت تلك الشوكة والجلال؟

  • فاذهبوا الآن إلى المدائن، على بعد فراسخ قليلة من بغداد، انظروا إلى طاق كسرى ذاك، وانظروا ماذا بقي من كلّ تلك الشوكة والجلال؟ بقي طاق متصدّع ومتهدّم ومكسور. ذهب أمير المؤمنين عليه السلام إلى هناك وصلّى ركعتين وتلا هذه الآية من القرآن: ﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ، وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ، وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ﴾۱.ويُستحبّ للإنسان عندما يذهب إلى هناك أنْ يصلّي ركعتين ويرى قدرة الله ماذا فعلت بالظالمين، ويرى أنّ هذه الإرادة والمشيئة الإلهية بحكومةِ قهاريّته وجبّاريّته، لا تترك فردًا من الظالمين إلا وتمرّغ أنفه بالتراب. كلّ هؤلاء ذهبوا، والآنْ يقيمون لنا احتفالات الألفين وخمسمائة عام ويعيدون التاريخ الإسلامي إلى التاريخ الشاهنشاهي! لأجل ماذا؟ لأنّه في مثل هذا الوقت وضع كورش تاج الملك على رأسه؟! فليذهب ! ماذا أنجز؟! حسنًا، قبله وضع التاج ملك آخر على رأسه، وقبله ملك آخر. هذه التيجان تناقلتها الأيدي، وجاءت، وماذا كانت النهاية؟! هذا هو مستوى فهم الناس والبشريّة، هذا إذا لم نقل إنّ يد الاستعمار كانت في هذه القضيّة، وهي قطعًا كذلك. فهمهم أيضًا بهذا المقدار! لدينا تاريخ عريق! هل تعرف أصلًا من أين هو نَسْلُكَ؟ ربّما يكون نسلك أصلًا من قرود أستراليا، والآن جئت إلى هنا تقيم احتفال الألفين وخمسمائة عام؟! من أين تعرف؟! من قال هذا؟! هل لديك شجرة نَسَب؟! هل نِسبَتُك إلى كورش مكتوبة واحدًا تلو الآخر في شجرة النسب؟! فما هذا الكلام؟! ولماذا يفقد الإنسان مقامه وموقعه؟! لماذا؟!

    1. سورة الدخان (٤٤) الآيات ٢٥-٢۷.

معرفة الله متوقفة على تحقق السنخية بين العبد والله - كيف تمنع الأنانيّةُ المعرفةَ الإلهيّة؟

7
  • العبرة من زيارة الآثار والقبور: كيف نتفكر في الموت؟

  • نعم، الذهاب إلى مثل هذه الأماكن لأخذ العبرة جيّد، مثل الذهاب إلى المقبرة. كان المرحوم القاضي رحمه الله يقول: اذهبوا إلى المقبرة، بدلًا من أنْ تقرؤوا القرآن باستمرار، جزءًا أو جزأين، اقرؤوا فاتحة وسورة، واقرؤوا شيئًا من القرآن، واجلسوا صامتين، وفكّروا. أمضوا الوقت في السكوت، فكّروا في أحوال الموت والرحيل. مِن هذا الفكر يصل الإنسان إلى أشياء كثيرة. من كثرة القراءة ـ قلت مرارًا ـ لا يصل الإنسان. هذا الفكر هو الذي يغيّر الإنسان، كثرة القراءة مثل قراءة الصحف لا تشفي غليلًا. اذهبوا اجلسوا فكّروا في أحوال الموتى، وأنّنا غدًا سيوضع كلّ واحد منّا في أحد هذه القبور، غدًا سيدفن كلّ واحدٍ منّا في أحد هذه الأماكن. تلك الـ «لا إله إلا الله» التي نقولها لتشييع ميّتٍ، غدًا سيقولون نفس هذه الـ «لا إله إلا الله» لروحك العزيزة ولروحي، لأنفسنا. اطمئنّوا، هذا الأمر مؤكّد، فجنازتنا لن تبقى على الأرض، وإذا لم يشيّعها أحد، فالبلديّة سترفعها وتأخذها وتلقيها في مكان ما! نحن مطمئنون من هذه الناحية، وهذا الأمر وعد الله به، فأيَّ إنسان مهما كان وحيدًا، عندما يسقط في الشارع، سيجد من يرفعه ويدفنه. وهذه الـ «لا إله إلا الله» سيقولونها لنا أيضًا، فاطمئنّوا، وسيقرؤون الفاتحة لنا أيضًا. في هذا الأمر نفسه فليذهب الإنسان ويفكّر فيه.

  • أيهما أعظم: تخت جمشيد أم آثار بعلبك؟

  • قالوا: هل ذهبتم إلى تخت جمشيد أم لا؟ قلنا: نعم ذهبنا. ثم قالوا: جيّد أنْ يذهب الإنسان إلى مثل هذه الأماكن ويأخذ العبرة، لا أن يذهب وينظر إلى رؤوس الأعمدة هذه. فضلًا عن تخت جمشيد، لدينا ما هو أعظم منه في الدنيا، تخت جمشيد ليس فنًّا عظيمًا إلى هذا الحدّ! الآن في بعلبك في لبنان، يوجد مكان فيه قصر نيرون، ذهبنا إلى هناك أيضًا. رؤوس الأعمدة الموجودة هناك أكبر بعدّة أضعاف من تخت جمشيد. حسنًا، يجب عليهم هم أن يفخروا. الأحجار الموجودة في الأعلى أكبر بكثير، وهذه الأحداث التي وقعت بفعل مرور الزمن كلها منقوشة هناك، حتى آثار من زمن الخليفة عمر موجودة هناك. توجد أحجار هناك رأيت أحدها يزن سبعمائة طنّ، كان مكتوبًا عليه هذا الحجر سبعمائة طنّ، وقد وصل إلى باب القصر، وهناك لم يتمكّنوا من إدخاله، فتركوه في النهر نفسه. ولكنْ هناك أحجار أخرى مركّبة هناك تزن ستمائة طنّ، ستمائة طنّ!!! ليس ستمائة غرام، كانت هذه الأحجار خمسمائة طنّ وأربعمائة طنّ. أيٌّ من هذه موجود في تخت جمشيد؟ الآن هل يذهب الإنسان وينظر ويقول هذا كذا وهذا كذا، أم يذهب ويجلس ويتفكّر في هذه العظمة التي آلت إلى هذا الحال اليوم! في هذه التخيّلات التي أوصلت هذا المكان إلى هذا الموقع، والآن تعال وانظر أين صاحبه وإلى أيّ حالٍ آلت هذه الآثار!

معرفة الله متوقفة على تحقق السنخية بين العبد والله - كيف تمنع الأنانيّةُ المعرفةَ الإلهيّة؟

8
  • قصة زيارة أهرامات مصر وقبر ابن الفارض: عبرة الفرعونية والبحث عن العارف

  • أهرامات مصر، كم من الناس ماتوا وقدّموا أرواحهم في بناء هذه الأهرامات. فهذا الهرم بالقدر الذي ارتفع به إلى الأعلى، نزل بنفس القدر في الأرض. أي عندما يدخل الإنسان إلى الأهرامات، يجب عليه النزول إلى باطن الأرض بهذا الارتفاع. وقد كشفت هناك حديثًا قاعات وممرّات وغرف وأماكن واسعة، والمكان الذي يوضع فيه فرعون نفسه. كلّ هذا من أحجار كبيرة ذات قطعة واحدة! لماذا؟ هل لأنّهم يعلمون أنّهم سيموتون ويفنون يومًا ما؟ لا، بل يجب أن أبني هذا لتدرك الأجيال القادمة أيّة قوّةٍ كانت في هذه الدنيا؟ أنا! وأيُّ "أنا" كانت تحكم! يجب أنْ يدركوا عظمة نفسي ومُلكي وحكومتي وسلطنتي! فلو دفنوني في مترٍ من التراب، لن يعرف أحدٌ شيئًا، وأنّ هذا الفرعون قال في الدنيا ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ﴾۱. لقد سَخّرَ، استعبدَ، استحمرَ! ولم يعرفه أحد! فقال: الآن يجب أن أبني بناءً، يجعل الناس من بعدي يدركون عظمتي زمان حكمي، وأيّة شخصيّة كانت هذه! في سفرةٍ كنتُ برفقة أحد الأصدقاء، فذهبنا إلى هذه [الأهرامات]، لم نَبِت هناك سوى ليلة واحدة، حوالي ثماني عشرة ساعة. ذهبتُ إلى هناك وقلت لفلان: لا أريد الدخول، أريد فقط أن أجلس. كان ذلك قبل حوالي خمس أو ست سنوات، حيث توقّفنا في الطريق ليلةً واحدةً في القاهرة، فاغتنمنا الفرصة وذهبنا أوّلًا لزيارة السيّدة زينب عليها السلام، لأنّه بناءً على الخبر، فإنّ السيّدة زينب مدفونة هناك. ثم ذهبنا لزيارة قبر ابن الفارض (رضوان الله عليه) وكان عجيبًا جدًّا أنّني في طفولتي، في مجلسٍ ما، في مكان ما، كنت مع المرحوم العلاّمة، وكان عمري حوالي عشر سنوات، فكان أحد الأقارب يتحدّث أنّني ذهبت لزيارة قبر ابن الفارض في مكان يُدعى القلعة! بقي هذا في ذهني منذ ذلك الوقت ولسنوات. فقلت لهذا الرفيق فلنأخذ سيّارة أجرة ونذهب إلى قبره. فذهبنا وبعد زيارة السيّدة زينب عليها السلام، قلنا: إلى القلعة. فأخذونا إلى مكان آخر، قلنا ليس هذا هو المكان المطلوب. كلّ من سألناه عن ابن الفارض، عارف مصر، قالوا: لا نعرفه أصلًا ولا علم لنا به! لم يكونوا يعرفونه. فقلت: كيف لا تعرفون وأنتم مصريّون ونحن الإيرانيّون نعرف من هم مفاخركم؟! كيف لا تعرفون أنتم؟! خلاصة القول، كنّا واقفين في الباحة وخلق الله قد اجتمعوا حولنا يتساءلون ماذا يريد هؤلاء؟! فجأةً رأينا شيخًا كبيرًا جاء وقال: ما الأمر؟ قلنا: نريد القلعة، قبر ابن الفارض. قال: أنا أعرف أين هو. كان أمرًا عجيبًا جدًّا، قلنا: حتمًا هو نفسه أرسله. فقال لسيّارة الأجرة أن تتقدّم، وفهمنا أنّه يبعد كيلومترين عن المكان الذي كنّا واقفين فيه، في بداية مقبرة القاهرة هناك. وأحضرنا السائق إلى هناك ورأينا أنّ الباب مغلق، فنظرت من شقّ الباب فرأيت حجرًا وبناءً مكتوبًا عليه: هذا قبر سلطان العاشقين. ولكن قالوا إنّه يفتح ظهرًا. فقلت لابن الفارض: لو حدث ما حدث، لن أغادر من هنا حتّى أدخل. ليس لدينا وقت سوى حتّى الرابعة بعد الظهر. أنت تعلم، أنا هنا حتّى أدخل. فقال رفيقنا: لنذهب الآن لنرى الأهرامات في الساعات الثلاث أو الأربع المتاحة. فذهبنا، وبالفعل كان المكان واسعًا جدًّا، هناك يجب أنْ يأخذ الإنسان العبرة، لا في تخت جمشيد الذي لا يوجد فيه شيء. قلت: أريد أن أجلس هنا بجانبها. قال: لا، تعال ندخل. وبالفعل دخلنا، ماذا كان هناك! وماذا حلّ بنا! نصف ساعة ونحن ننظر إلى هذه الأهرامات والأحجار! كيف حملوا هذه الأحجار؟! أيّة قوة كانت هذه؟! كم بذلوا من جهد؟! وفي النهاية، لماذا؟! كنت أفكّر باستمرار في نفسي!

    1. سورة النازعات (۷٩) الآية ٢٤.

معرفة الله متوقفة على تحقق السنخية بين العبد والله - كيف تمنع الأنانيّةُ المعرفةَ الإلهيّة؟

9
  • لماذا يبني الإنسان الأهرامات؟ هل هو تبادلٌ مع الله؟

  • لماذا يجب أنْ يصل الإنسان إلى هذا الحدّ فيبدّل مكانه مع الله؟ كان هناك هرم عظيم، الهرم الأكبر، وهرم متوسّط. طبعًا يوجد عشرة أو عشرون هرمًا هناك، ولكنّ المشهورة هي هذه الثلاثة: واحد كبير، وواحد متوسّط، وواحد صغير. ذلك الصغير الذي ذهبنا إلىه، وحلّ بنا ما حلّ! فما بالك بالكبير! لقد جئنا لنبدّل مكاننا مع الله! تبادلنا الأدوار! هو يقول: الكبرياء لي، ونحن نبني بناءً لنقول: ماذا كنّا في هذه الدنيا؟! هو يقول: العظمة لي، ونحن نقول: تعالوا وانظروا كيف كنّا نحكم! هو يقول: القدرة لي، ونحن نقول: في أيّ وضع نحن؟! كان الناس جميعًا يطيعوننا! غافلين عن أنّ تلك الحقيقة التوحيديّة لو اتّضحت في ذلك الوقت لجناب فرعون نفسه الذي يبني هذه الأحجار فوق بعضها، لفهم أنّ كلّ هذا هو قدرة الله وإرادة الله، وأنّك لا تملك من نفسك قدرة وإرادة بمقدار رأس إبرة. ولكنّه لا يدرك هذا، فينسبه إلى نفسه. ولأنّه يرى نفسه عظيمًا، يريد أن تبقى هذه العظمة دائمة. ولأنّه يرى الموت حقيقيًّا، ولكن الموت لم يعد بيده.

  • هل يقدر أعظم الملوك مقاومة ملك الموت؟

  • عندما يشرّف جناب عزرائيل عليه السلام بالمجيء، فلا مجال للمزاح هناك مع أحد. سواء كان الإنسان فقيرًا أم غنيًّا، جاهلًا أم عالمًا، طالب علم مبتدئًا أم مرجعَ شيعةِ العالَم، حتّى لو كان آية الله في العالمَين، أي آية الله في الدنيا وآية الله في الآخرة، عندما يأتي جناب عزرائيل، لا يملك قدرة بمقدار ذبابة ليقاومه! ذبابة! بعوضة! هل تقاوم؟! تفضّل، بسم الله. نحن آية الله على الكرة الأرضيّة والقمر. هو نفسه يا سيّدي، نفس الهرم الذي كنتُ جالسًا بجانبه وأنظر إلىه وأهزّ رأسي، هو نفسه موجودٌ الآن!

  • الأهرامات التي نبنيها في نفوسنا: من هو فرعون العصر؟

  • أيُّ أهرامات بنيناها لأنفسنا؟! لو كانت لدينا القدرة لفعلنا هذا. ليست لدينا القدرة، الناس يسخرون منّا. لكنّ أولئك المساكين كانوا يرصّون الحجارة بالعصيّ والعقاب والضرب، الآن لا وجود لهذه الأمور، ولكنّنا بنينا ذلك الهرم في القلب، لا فرق أبدًا. بنينا ذلك الهرم في أنفسنا، ورسمنا "أبو الهول" ذاك في وجودنا! أنا الأعلم من الجميع، أنا الأعظم من الجميع، أنا الذي يغلب علمي على الجميع، أنا الذي يجب أن أكون الرئيس، وأنا الذي يجب على الجميع طاعتي، وأنا الذي يجب على الجميع تقليدي، وأنا الذي يجب أن يكون الجميع تحت حكومتي ورعايتي ورعيّتي، أنا، أنا، أنا. النقتةُ المهمّة هاهنا.

معرفة الله متوقفة على تحقق السنخية بين العبد والله - كيف تمنع الأنانيّةُ المعرفةَ الإلهيّة؟

10
  • هنا على الإنسان أن يذهب ويرى هذه الأماكن ويجلس ويتفكّر ويرى أيّ وضع هو فيه. لا يأتي يوم ويبني الإنسان هذه الأهرامات نفسَها في قلبه. وإلا، أقسم بحياتك الشريفة، ذات المناقب والآثار، نفس الكريّات التي كانت في بدن فرعون موجودة فينا أيضًا، الكريّات الحمراء والبيضاء هي نفسها، والجهاز العصبي والجلد والشعر والأعضاء والجوارح هي نفسها، وطريقة التفكير هي نفسها! ذلك المسكين وجد القدرة، ونحن لا نملكها، هذا هو فرقنا الوحيد. هو وجد القدرة، ومع ذلك فالله هو الذي أعطاه القدرة، ونحن لا نملك تلك القدرة. هذه الحروب التي تدور في الدنيا، هؤلاء رؤساء الجمهوريّات الموجودون في الدنيا، الذين يجرّون الجيوش باستمرار إلى هنا وهناك ليحتلّوا هذا المكان وذاك المكان، هل هذا غير الفرعونيّة؟ حسنًا، لديك سلطة على بلدك، وبلدُك فيه ثلاثون أو أربعون أو ثمانون أو مئةُ أو ثلاثمائةُ مليونِ نسمة، فكن قنوعًا! أنت تحكم، ويأتونك بأفضل الأطعمة، ويتزاحمون على خدمتك. فما القضيّة إذن؟! تجرّ الجيش إلى هنا وتجرّ الجيش إلى هناك، لنجعل الشعوب تعيسةً ونثير الفوضى. كم فرعون لدينا الآن؟! آلاف وملايين الفراعنة موجودون الآن. لكنّ الأرضيّة تهيّأت له فبنى هرمًا، والآن لو تهيّأت لي الأرضيّة لأحضرت البنادق والأسلحة وهاجمت الناس. هذه هي المسألة. لا فرق، النيّة والأمر واحد.

  • وصيّة العلامة الطهراني ودروسٌ في التواضع من قبور الأولياء

  • قال والدنا رحمه الله: عندما تدفنوني، ادفنوني عند قدمي الإمام الرضا عليه السلام. فإن كان هناك مكان، فذاك، وإن لم يكن، فأخرجوني خارج مشهد. حرام أن تدفنوني فوق رأس الإمام الرضا أو أمامه، وأنا لست راضيًا بأنْ يُفعل هذا. يجب أن يكون الأمر هكذا. أولياء الله والأعاظم كانوا هكذا. قبر المرحوم السيّد الحدّاد الآن في وادي الصفاء بكربلاء، كيف هو؟ في مكان وسط المقبرة، يجب أن تبحث كثيرًا حتّى تجده. المرّة الأولى التي ذهبنا فيها، بحثنا أكثر من ساعة، وفي النهاية لم نجده، فجاءوا وأرشدونا فوجدناه. أين قبر المرحوم القاضي رحمه الله؟ في وادي السلام بالنجف، بين كلّ القبور، يوجد حجر قبر، طبعًا الآن غيّروا حجره. يقول: أمام أمير المؤمنين عليه السلام يجب أن أكون تحت التراب، أمير المؤمنين يجب أن تكون له قبّة، لا أنا القاضي، ولا أنا الحدّاد، ولا أنا الطهراني! القبّة له، والعظمة له، والعظمة للإمام الرضا عليه السلام، العظمة للأئمّة عليهم السلام، الجلال لهم. نحن لا شيء، يجب أن نكون ترابًا، يجب أن نكون عند الأقدام، ويجب ألّا نكون محطّ اهتمامٍ أصلًا. وعمليًا يفعلون هذا، هذا هو الشيعي، شيعيّ عليٍّ عليه السلام هو هذا. هذا هو الذي يسير خلف أمير المؤمنين عليه السلام.

معرفة الله متوقفة على تحقق السنخية بين العبد والله - كيف تمنع الأنانيّةُ المعرفةَ الإلهيّة؟

11
  • حقيقة التواضع: كيف يكون التواضع الحقيقي لا المسرحي؟

  • أمير المؤمنين عليه السلام يقول: «أنا عبدٌ من عبيد محمّد»۱. أقسم بحياته كان صادقًا، أمير المؤمنين لا يكذب، أمير المؤمنين لا يمزح، وليس من أهل التواضع المزيّف والنفاق. لا، التواضع الذي حكم على وجوده بالفناء والعدم أمام عظمة الله تعالى، ذلك التواضع الحقيقيّ المختصّ بالكُمَّل من أولياء الله وهؤلاء. لا التواضع المزيّف والتواضع المسرحيّ، وتواضع النفاق، أمام الإنسان يخفضون رؤوسهم قليلًا، ولكن في الباطن لو وجدوا ألف سكّين لضربوا الإنسان ومزّقوه إربًا! تواضعُ هؤلاء مزيّف. عندما كان يقول أنا عبدٌ من عبيد النبيّ صلّى الله عليه وآله، كان في حاله وفي وجوده كما كان المرحوم القاضي رحمه الله يقول أنا تراب أمام مرقد أمير المؤمنين عليه السلام. هذا هو ذاك. لا فرق، وهذا هو ذاك. ولهذا السبب أصبح أميرُ المؤمنين أميرَ المؤمنين، وكلّ عالم الوجود يدور تحت ولايته وتحت خاتمه. هو نفسه، هو نفس الطريق، ونفس المسلك.

  • لماذا يستعصي أصحاب الغرور العلمي على النصح؟

  • نحن أحدثنا فرقًا بين مقام جبروتيّة الله تعالى ومقام فناء أنفسنا وعدمها، بدّلنا الأماكن. كان المرحوم العلامة يقول مرارًا: مع النّاس العاديّين، يستطيع الإنسان بأيّ شكلٍ أنْ يتعامل ويفهّمهم الأمر ويوجّههم إلى مسار أهل البيت عليهم السلام. ولكن من المستحيل أنْ يتمكّن الإنسان من إدخال جملةٍ واحدةٍ في رأسِ فردٍ من أهل العلم وأهل الرياضة والوجدان والمراتب العلميّة والاجتهاد وأمثال ذلك، مستحيل! لماذا؟ لأنّه بنى هرمًا في نفسه، والهرم لا ينهار بهذه السهولة. هل تستطيع أنت أن تهدّم هذا الهرم؟! هذه الأحجار المرصوصة الآن فوق بعضها، هل تستطيع أن ترفع هذه الأحجار واحدة واحدة وتضعها في مكانها؟! يستغرق الأمر أربعة آلاف سنة لرفع هرم واحد ونقله. هذا جاء بألف أمل، وأمضى عمره ونهاره وليله حتّى وصل إلى هذه المرتبة من الأنانيّة التي لا يستطيع جبرائيل عليه السلام أن ينزله منها، وفقط مطرقة عزرائيل عليه السلام تستطيع أن تحاسبه لا غير! لا جبرائيل يستطيع، ولا ميكائيل يستطيع. ملائكة العلم يأتون ويقولون هذا لا علم لديه، هذا لديه شيطنة ومكر، إنّ ما في قلبه وبدلاً من أن يكون مقرِّبًا هو مُبعِد، يدعو إلى الله ولكنّه يدعو إلى نفسه ويكذب على الناس. أين نستطيع أن نجد سنخيّةً معه ونعطيه من علومنا؟ جبرائيل وميكائيل عليهما السلام يعجزان أمام مقامه العلميّ هذا. فقط واحد من الملائكة في البين يقول: أنا أقدر عليه. من هو؟! جناب عزرائيل عليه السلام!

    1. كتاب «التوحيد» ص ۱۷٤، بإسناده عن أبي الحسن الموصلي، عن الإمام الصادق عليه السلام: «جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الأحبَارِ إلى أميرِالمؤمنينَ علَيْهِ السَّلامُ فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَالمؤمِنِين مَتَى كَانَ رَبُّكَ؟ فَقَالَ لَهُ: ثَكَلَتْكَ امُّكَ! وَ مَتَى لم يَكُنْ حَتَّى يُقَالَ: مَتَى كانَ.
      كَانَ رَبِّي قَبْلَ القَبلِ بِلَا قَبْلِ وَ يُكونُ بَعْدَ البَعْدِ بِلَا بَعْدٍ، وَ لَا غَايَةَ وَ لَا مُنتَهَى لِغَايَتِهِ؛ انقَطَعَتِ الغَايَاتُ عَنْهُ فَهُوَ مُنتَهَى كُلِّ غَايَةٍ.
      فَقَالَ: يَا أَمِيرَالمؤمِنِينَ فَنَبِيّ أَنتَ؟ فَقَالَ: وَيْلَكَ. إنَّمَا أنَا عَبْدٌ مِن عَبِيدِ محمّدٍ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلّم».

معرفة الله متوقفة على تحقق السنخية بين العبد والله - كيف تمنع الأنانيّةُ المعرفةَ الإلهيّة؟

12
  • مطرقة عزرائيل: نهاية الأنانيّة والعجب

  • يأتي ويضرب رأسه بتلك المطرقة بقوّة حتّى تتناثر منه مثل حجارة الأبابيل، كلّ الأنانيّات وكلّ هذه العوالم الاعتباريّة، يدمّرها كلّها ويحطّمها. عند الموت يأتي، كان المرحوم العلامة يقول إنّ عزرائيل يأتي إلى هؤلاء الأفراد بالمِنقاش. هل تعرفون ما هو المنقاش؟ تلك الأداة التي كانت عند الإسكافيّين سابقًا يسحبون بها المسمار من الحذاء. يأتي بها ويحاسب. في هذه الدنيا كنت تطلق نداء "أنا ربّكم" وهذه الأمور، وماذا كنت تفعل؟ سنضربك بتلك الأحجار التي بنيتها في نفسك واحدةً واحدةً على رأسك، حتّى تعلم أنّ الحُكم المستعار يختلف كثيرًا عن الحُكم الحقيقيّ و ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾۱ وآياتٍ أخرى. الملكيّة المستعارة والأمانة والتخيّل تختلف عن الملكيّة التكوينيّة التي تختصّ بذات الله تعالى، والعزّة التي تختصّ به ﴿إنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾٢. العزّة كلّها، لا جزءٌ صغير منها أو نسبة مئويّة يتركها للبقيّة. كلّ أنواع العزّة وكلّ أسباب وجذور العزّة ـ لأنّ للعزّة جذورًا مختلفة: عزّة تحصل بسبب العلم، وعزّة تحصل بسبب الجمال، وعزّة تحصل بسبب الكلام، وعزّة تحصل بسبب المواقع المختلفة للإنسان ـ كلّها تعود في جذورها إلى الله تعالى. لذلك تقول: ﴿إنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾، كلّها له، وجذور هذه العزّة كلّها تختصّ به. وأنت تأخذ هذه العزّة لنفسك وتنسبها لنفسك وتنسب هذا الأمر لنفسك؟

  • كيف تتحقق السنخيّة بين العبد والله؟

  • هنا يجب أن تُراعى مسألة السنخيّة في مقام التخاطب. أين تلك السنخيّة؟ متى يستطيع الإنسان أن يصل إلى تلك السنخيّة؟ إنّ لأمير المؤمنين عليه السلام كلامًا عجيبًا جدًّا في نهج البلاغة حول هؤلاء الذين يتمتّعون بمثل هذه المكانة، يقول عليه السلام: «وَمَا بَرِحَ لِلَّهِ عَزَّتْ آلَاؤُهُ فِي الْبُرْهَةِ بَعْدَ الْبُرْهَةِ وَفِي أَزْمَانِ الْفَتَرَاتِ عِبَادٌ نَاجَاهُمْ فِي فِكْرِهِمْ وَكَلَّمَهُمْ فِي ذَاتِ عُقُولِهِمْ...»٣. في كلّ برهة بعد برهة، وفي كلّ زمان، يبعث الله عبادًا لهم خصائص وأوصاف كهذه، خرجوا من أنفسهم، ونبذوا ظلمة الإمكان، وتحقّقوا بحقيقة الوجوب اللامتناهي. هذه الظلمة الإمكانيّة التي هي سبب وعلّة التوغّل في الكثرات، هم قد خرجوا منها، ورغم أنّهم مظاهر ممكنة للحقّ، إلا أنّ الجهة الإمكانيّة قد أفَلت فيهم، ولم يعد سوى تجلّي الحقّ هو الذي يتجلّى في الخارج بصورة شيء معيّن ومحدود. إنّه تجلّي الحقّ الذي يظهر في الخارج دون وساطةفي مقام إظهارالصفات والأسماء. ذلك التجلّي هو الذي يمكن أن يُظهر الذات، ذلك التجلّي هو الذي يمكن أن يُظهر النور، وذلك التجلّي هو الذي يمكن للإنسان أن يعتمد عليه ويعلم أنّه لم تعد فيه شائبة كثرة.

    1. سورة المائدة (٥) الآية ۱۷.
    2. _سورة يونس (۱۰) الآية ٦٥.
    3. .هج البلاغة، الشريف الرضيّ، محمّد بن حسين، ص: ٣٤٢. 

معرفة الله متوقفة على تحقق السنخية بين العبد والله - كيف تمنع الأنانيّةُ المعرفةَ الإلهيّة؟

13
  • انتهى الوقت، إن شاء الله، هذا شرح مختصر لهذه الفقرة وبقيّة المواضيع إذا أراد الله للجلسة القادمة.

  •  

  • اللَّهُمَّ صلِّ على محمَّدٍ وآلِ محمَّد