17

ما هو مقام معرفة الله؟

العرفان المزيّف

43
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1428

التاريخ 1428/09/29


التوضيح

ما هي مخاطرُ العرفانِ المزيّفِ؟ كيف تتبدّل أحوال السالكِ وعلاقاته أثناء السيرِ إلى اللهِ؟ ما هي حقيقةُ التكليمِ الإلهيِّ؟ هل توجد أيّة ضرورة لاحترامِ جميعِ الكائناتِ؟ وما هو خطرُ الظلمِ وإبطالِ الحقوقِ؟ ما هو المقام الذي بلغه الأولياء من حيث إدراكاتهم؟ كيف ينبغي للسالكينَ إلى اللهِ اغتنام النفحاتِ الإلهيّة؟ هل هناك علاقة بين محبّةِ الإنسان للصالحين ونجاته؟
هي أسئلة في ضمن أسئلة أخرى سعى سماحة آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ قدّس الله سرّه للإجابة عنها في هذه المحاضرة التي عقدها لشرح فقرة «أَدْعُوكَ يَا سَيِّدِي بِلِسَانٍ قَدْ أَخْرَسَهُ ذَنْبُهُ رَبِّ أُنَاجِيكَ بِقَلْبٍ قَدْ أَوْبَقَهُ جُرْمُه« من حديث عنوان البصريّ.

/۲۰
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

ما هو مقام معرفة الله؟ - العرفان المزيّف

1
  •  

  • هوالعليم

  •  

  • ما هو مقام معرفة الله؟ 

  • العرفان المزيّف

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي، ـ سنة ۱٤٢۸ هـ ـ الجلسة السابعة عشرة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

ما هو مقام معرفة الله؟ - العرفان المزيّف

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللَه مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيم

  • بِسمِ اللَه الرَّحمَنِ الرَّحيم

  • وصلّى‌ اللَه عَلَى سيّدنا ونبيّنا أبي ‌القاسم مُحَمّدٍ

  • وعلى آله الطيّبين الطّاهرين واللعنة عَلَى أعدائِهِم أجمَعينَ

  •  

  •  

  • مخاطرُ العرفانِ المزيّفِ وادّعاءاتُ الكمالِ الروحيِّ

  • »أَدْعُوكَ يَا سَيِّدِي بِلِسَانٍ قَدْ أَخْرَسَهُ ذَنْبُهُ رَبِّ أُنَاجِيكَ بِقَلْبٍ قَدْ أَوْبَقَهُ جُرْمُه«۱

  • ذُكر سابقًا في الليالي الماضية أن النظرة التوحيديّة بالنسبة لعالم الوجود تحصل للإنسان عندما يكون هذا الإنسان ـ من حيث هويته ونحو تعيّنه ـ قد وجد سنخيّةً مع ذلك الوجود المطلق والبسيط.

  • مسألة إيجاد السنخيّة هذه مسألة لا تحصل بالمطالعة والقراءة والكتاب، ولا توجد للإنسان بالدرس والتدريس، ولا تتحقق له بسماع الخطب والاستماع إلى الأحاديث والمنابر والنصائح. هذه المسألة تحصل بالمجاهدات السلوكيّة والخضوع للضوابط الشرعيّة والاستناد إلى أصحاب الولاية.. الأئمّة المعصومين عليهم السلام بتوسّط إنسان خبير وعارف بالسَّيرِ، وبصير بعوالم الغيب، ومسيطر على الطرق السماوية، والذي يُدرك مصالح الإنسان ومفاسده بإدراكه الملكوتيّ، لا بالمطالعة، ولا بالمسموعات، ولا بالتجارب اليوميّة التي يمكن أن تحصل لأي احد. 

  • فقد يقوم الإنسان بواسطة المسموعات والمطالعات، وقراءة هذا الكتاب وذاك، وهذه الجريدة وتلك، وهذه المقالة وتلك... 

  • هر کسی از ظنّ خود شد یار من...***٢ 
  • وبواسطة أيِّ هراءٍ كتبه، أن يُركّب مجموعة من المطالب ،ويُلحق بها بضع قصص وحكايات، ويجمعها، ويُلحق بها قصيدتين وصوتًا جميلاً، ويُقيم مجلسًا حماسيًّا ورائعًا، وعلى حدّ تعبيرهم: "أخّاذ"، ويجرّ قومًا منكوبين وحيارى ومذهولين إلى هنا وهناك. 

  • رأيت ذات مرّة رجل في طهران كان قد جاء لزيارة المرحوم العلامة بصحبة أحد السادة المعروفين الموجودين الآن في هذه المدينة، وهو مسؤول عن إحدى الحوزات العلميّة هناك، وهو إنسان جيّد وصادق ومخلص، ولكن على أيّ حال، تختلف مستويات إدراك الإنسان، رأيته يحترمه كثيرًا، كانا قد جاءا إلى منزل المرحوم العلامة في طهران، ولا أعرف لأيّة مناسبة جاءا. نعم! كان هذا الشخص يرتدي طاقية نوم وقَباءً قصيرًا ويضع عباءةً على كتفه.

  • لم تعجبني كثيرًا الأحاديث التي كان يتكلّم بها، لم تكن تُعجبنا كثيرًا. كان يتكلّم عن نفسه باستمرار، أي كان يقول: «أنا دعوتُ له، وأنا أدعو لهذا، وإن شاء الله ندعو له أن تُحلّ مشكلته»، ومثل هذه المسرحيّات. ثم مرّت هذه القضيّة، حتى تشرّف المرحوم العلامة بالمجيء إلى مشهد، وذات يوم جاء إليه أحد أصدقائه وهو لا يزال الآن في مشهد وهو معمّم، وقال له بحالة من الابتهاج والإعزاز والإكرام والاحترام الشديد: «يا سيّدي، فلان قد جاء إلى هنا»، ثمّ قال لي: «خذ لي موعدًا من المرحوم العلامة لنأتي إلى المنزل». قلت: «هل والدنا عاطلٌ عن العمل ـ وقد استخدمت تعبيرًا لا أقوله الآن ـ حتى تُحضر أنت أيّ إنسان؟!». فجأةً، احمرّ وجهه وتأجّج، حيث إنّني أتّصف بالصراحة، فقلت له: «يا رجن هل إنّ... ؟!». قال: «حسنًا، اذهب وقل ذلك للمرحوم العلاّمة»، قلت: «حسنًا، بما أنك تأمر، سأذهب وأقول له». فذهبت وقلت: «إنّ فلانًا يقول إنّ السيّد فلان قد جاء، وخلاصة القول: يريدان القدوم للزيارة».

    1. بحار الأنوار، ج ٩٥، ص ۸٢.
    2. [يقول: كلّ شخص صار رفيقي بناءً على ظنه وحاله وهواه]. *** 

ما هو مقام معرفة الله؟ - العرفان المزيّف

3
  • فكّر مليًّا وقال: «حسنًا، قل له أن يأتي قبل الغروب بساعة، إلى تلك الغرفة السفليّة بجانب القبو»، حيث كان الناس يأتون إلى هناك في ذلك الوقت، ولم يكن ذلك المنزل قد تم شراؤه بعد. فجاءا إلى هناك وجلست أنا أيضًا، وكان هذا السيد جالسًا وبدأ يتحدث. 

  • فمع أنّه رجل جاهل لا يفهم شيئًا، ولا يُميّز بين الخطأ والصواب، إلاّ أنّ بدأ يقول: «نعم فلان في لحظة الوفاة، وحين الموت، بدل أن يقول "لا إله إلا الله"، كان يقول "يا عليّ"، وكان ينادي "يا عليّ"؛ لأنّ مقام عظمة جبروت الإله أعلى من أن يأتي الإنسان على ذكره». فقال المرحوم العلامة: «لو كان يعرف عليًّا لكان قوله يا علي هو يا الله؛ إنّه لم يعرف عليًا ولم يعرف الله!». بمجرد أن قال هذا، سعى ذلك الشخص إلى ضبط نفسه فجأة. فقلت: يبدو أن هذا المجلس اليوم هو من تلك المفيدة، فلأجلس وأرى إلى أين تنتهي هذه القضية وهذا المجلس الذي أرجو أن يختمه الله تعالى بخير.

  • بعد فترة، رأى هذا الضيف أن الأمر ساء كثيرًا، وكما يقولون: أصبح مُحرِجًا، حيث كان قد جاء إلى هنا ليقدم بضاعته، فرأى أنّه: لا يا رجل، لقد ضربوا بضاعته ضربةً ألقته وبضاعته معًا في البئر. فقد أوشك أن... . مضى قليلٌ من الوقت، واستُؤنف الحديث وقال: «الأئمة عليهم السلام لم يكن يعرض لهم الحدث مطلقًا، هم لم يعرض لهم الحدث... وجودهم كان مختلفًا تمامًا».

  • قال المرحوم العلامة: «كلاّ! هذا من الأباطيل. هم أيضًا كان يعرض لهم الحدث، وكان عليهم أيضًا أن يتطهروا لرفع الحدث وإلا كانت صلاتهم باطلة». هذا هي الضربة الثانية! هل أنت مريض يا رجل؟! اجلس صامتًا؛ إذ على كل إنسان أن يتحدّث بقدر لسانه. اجلس! فرأى أيضًا أنّ هذا أمر عجيب. 

  • يعني انظروا، فحتّى الآن يوجد أمثال هؤلاء الحمقى. هل لأنه إمام لا يحتاج إلى وضوء؟! لا يا سيدي! الإمام هو إمام في مقامه ولديه مراتبه، وهو واسطة عالم الوجود أيضًا، وهو أعلى مما تتخيل، لا تتصور أنك عرفت الإمام الآن، لا! هو أعلى ممّا تتخيّل بآلاف المرات، بحيث إنّك لم تفهم مَن هو الإمام بمقدار ظفره! ولكن مع ذلك، الإمام أيضًا يحدث له الحدث، والإمام أيضًا يجب أن يتوضّأ لرفع الحدث، ويجب أن يغتسل، يجب أن يغتسل، لا أنّ هذا الغسل مستحبّ بالنسبة إليه، وواجب بالنسبة للآخرين، وهو تمثيل و.... ما هذا الكلام؟!

ما هو مقام معرفة الله؟ - العرفان المزيّف

4
  • كل هذا الكلام هراء، وكل هذا من كلام الأفراد الذين أصبحوا "ملكيّين أكثر من الملك"! والذين جاءوا ليضعوا قوانين للدين والشريعة، كلاّ! فالشرع كما هو تكليف لنا وواجب علينا أداؤه، فهو للإمام بنفس الكيفيّة من دون أيّ فرق. فصلاتنا ركعتان وصلاة الإمام ركعتان، وصلاة المغرب عندنا ثلاث ركعات، فلو صلّى الآن الإمام المهدي عليه السلام صلاة المغرب ـالتي هي ثلاث ركعات ـ عمدًا أربع ركعات، فصلاته باطلة. ولو صلى ركعتين بدل ثلاث ركعات، فصلاته باطلة ويُعاقب على أنّه: لماذا صلى ركعتين؟!

  • الإمام عليه السلام ألزمُ الناسِ بتعاليم الشرع، وهو أعلم وأبصر وأكثر طاعة وانقيادًا من كل الناس. من قال إن الإمام عليه السلام ليس له حدث؟! ما هذا الكلام؟! ما هذا الهراء؟! ما معنى: الإمام عليه السلام ليس له حدث، الإمام عليه السلام دائمًا في حال طهارة، الإمام عليه السلام، النبي صلّى الله عليه وآله، كذا؟! أجل، كانوا يتميّزون عن غيرهم ببعض الخصائص، وهذه مسألة في محلّها. فمثلاً، لم يكن للنبيّ صلّى الله عليه وآله له ظل. حسنًا، هذه مسألة وهي لا تتعلق بهذا الموضوع. نعم، لدينا فقط رواية عن نوم رسول الله صلّى الله عليه وآله، حيث قال عليه السلام: لا تأخذني سنة ولا نوم. حسنًا، هذا أمر آخر.

  • قد يكون في بعض الحالات التي تحصل لنا فيها حالة غفلة ونسيان بسبب ذلك الانفصال عن المسائل المحيطة، ممّا قد يؤدي إلى إبطال الطهارة، فهذا المقدار قد لا يحصل للإمام. أما الأسباب الأخرى لإبطال الطهارة، أليست موجودة؟ فالإمام أيضًا كبقية الناس، والنبيّ صلّى الله عليه وآله أيضًا كسائر الناس، ولا يختلف عنهم.

  • مرّت فترة ـ وهذه المسألة كانت مدهشة حقًا ـ فقال: «الحمد لله، الشكر لله، أنني أرى نفسي في وضع لا يصدر مني ذنب. الشكر لله»، ورفع يديه أيضًا. بمجرد أن قال هذا الكلام، قال المرحوم العلامة: «مجرد رؤية نفسك في هذه الحالة هو أسوأ ذنب يمكن أن يرتكبه الإنسان. هذا ذنب لا علاج له، هذا ذنب لا توبة منه بعد ذلك». هذا المسكين ذهب، ذهب إلى حيث يجب أن يذهب. من هم هؤلاء الآن؟! انظروا! أقصى مرتبة المعرفة عند هذا السيد هي أن يجمع الناس حوله، ويشغلهم ليأتوا، ويقرأوا العزاء، ويجلسوا معًا في الليل، ويُقدّموا طعامًا، ويُصبح هذا مسؤولاً عن الخبز، والآخر يذهب ليشتري البصل... ما هذا؟! إنّها ألاعيب، هذه ألاعيب...!! وبعد ذلك، نجد ثمرة هذا الأمر هي قولكم: «الإمام ليس له حدث». يا رجل! في أي كتاب شرعي، في أي كتاب فقهي، في أي كتاب عرفاني، في أيّ كتاب قرأت هذا؟ أنت لا تملك مثقال ذرة علم، ووضعُ طاقيةِ نومٍ على رأسك وعباءةٍ على كتفك لا يجعلك عالمًا ولا تحصل بواسطته على العلم.

ما هو مقام معرفة الله؟ - العرفان المزيّف

5
  • مثل ذلك الرجل الذي كان يقيم مجالس في طهران، ويقول عن ﴿الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ﴾۱: الإلحاق شيء جيد جدًا، الإلحاق. أيهّا الأحمق! الْحَاقَّةُ ليست إلحاقًا، الْحَاقَّةُ بمعنى القارعة، بمعنى التهشيم، وهي عن يوم القيامة. الإلحاق جيد شيء! الإنسان يُلحَق! يُلحَق! انظروا بأيدي من صارت الأمور، ومن أصبحوا قادة التربية وقادة التزكية وقادة النصح والإرشاد! وهكذا دواليك.

  • تبدُّلُ أحوالِ السالكِ وعلاقاتِهِ ثمرةُ السيرِ إلى اللهِ

  • هؤلاء أفراد [أي الأولياء] يجب أن يُحدثوا تغييرًا في نفوس الناس عن طريق الشرع وبواسطة التربية والتزكية، بحيث تتغيّر بسبب هذا التغيير الأفكارُ وتتبدّل الصفات، وبالتبع، تقترب الآثار الوجودية من ذلك الاتّجاه، ونحو التجرّد والتوحيد. فإذا حدثت هذه المسألة، سيتحقق ذلك الأمر بطبيعة الحال، وتُفتح عينا الإنسان، وتسمع أذناه أشياء لم يسمعها من قبل، ويُدرك قلبه أمورًا لم يُدركها من قبل، في حين أنّ إدراكاته كانت في السابق بشكل آخر، وكانت استنتاجاته بشكل آخر، وكانت توجهاته في الأمور مختلفة.

  • أن نذهب إلى بيت هذا ولا نذهب إلى بيت ذاك، أن تكون لنا علاقة بهذا ولا تكون لنا علاقة بذاك، كان بناءً على الهوى، وكان بناءً على الشهوة، وكان بناءً على الإحساس. الآن يقول: «يجب أن نذهب إلى البيت الذي لم نكن نذهب إليه»؛ وذلك لأنّ توجهاته قد تغيّرت. فمع هذا التغيير في الموقف، فإنّ الشخص الذي كان قد قطع علاقته به، صار الآن يتواصل معه، والشخص الذي كان يتواصل معه، قطع علاقته به!

  • ذات يوم، قال المرحوم العلامة: كنتُ في محضر العلامة الطباطبائي رضوان الله عليه، وعرضتُ عليه هذا المطلب وقلت له: «يا سيّدي، يُواجه الإنسان أحيانًا كثيرًا من هؤلاء الأفراد، وتكون هذه المواجهة صعبةً جدًّا، وتُؤثّر في حاله لدرجة أنّه يفضل قطع علاقته بهم، وأن يقول ذلك الشخص ما يشاء من ورائه، ويتقبّل هذا الكلام بكلّ جوارحه، على ألاّ يقيم علاقة معه»؛ يعني يقول: «قل ما شئت عني من ورائي جزاك الله خيرًا ولكن لا تقترب منّي، ومن على بعد عشرين مترًا، من على بعد ثلاثين مترًا، اشتم، سُبّ، اكتب رسائل، لا أعرف، قل ما شئت، نحن في خدمتك، ونًقبّل يدك ولكن...».

    1. سورة الحاقّة، الآيتان ۱ و٢.

ما هو مقام معرفة الله؟ - العرفان المزيّف

6
  • قال المرحوم العلامة: «نعم، هكذا هو الأمر». ويبدو أنّه كان مبتلى بهذه القضيّة والمشكلة أيضًا. قال: «نعم، نعم، المسألة هكذا». فيرى أنه لا تُعد هناك أيّة سنخيّة مع الذين كان يتواصل معهم حتى الآن، ولا يستطيع مطلقًا، لا يمكنه بأيّ حال من الأحوال أن يقيم علاقة معهم.

  • فبالأمس كان يتشوّق لرؤيته، ويُظهر الشوق لذلك، ويعتبره رفيقه، يعتبره رفيقه، وكان يجلس معه ويتبادلان الحديث ويتكلّمان، من أجل... . ولكن، يرى من الآن فصاعدًا أنّ الجلوس معه يُضايقه ولا يستطيع، ولا يستطيع التحمّل بعد الآن، يثقل عليه، نفسه لم تعد ترضى به، لم تعد تقبله، يهرب منه هنا وهناك ببعض الوسائل، حتّى لا يلتقي به. وإنه لأمر عجيب حقًا! عجيب حقًا! لا يستطيع؛ إذ لم يعد بإمكان ذلك الحال الذي يعيشه أن يُوجد له الظروف الماضية.

  • كان المرحوم السيّد الحدّاد يقول: «أنا مستعدٌّ لأن أدفع أربعة آلاف دينار كي لا أراجع إحدى هذه الدوائر الحكوميّة»؛ ومراده من ذلك الذهاب إلى هذه الدوائر ـ ولا بدّ أن مقصوده كان الدوائر الموجودة بالعراق في زمن حكم البعثيّين وهؤلاء ـ والتحدّث مع هؤلاء الأفراد، والتحدّث مع أهل الدنيا ـ والآن هذا مثال، فهناك أمور أخرى ـ والتردّد هنا وهناك، من هذا المكتب إلى ذاك المكتب، من هذه الغرفة إلى تلك الغرفة، من هذا الشيء إلى ذاك الشيء، أصلاً هذا... هذا الكلام يفهمه من أُعطيَ ذرةً مما أُعطي له، من أُعطيَ جزءًا من مليون مما أُعطي له. عندها، سنرى هل يمكنه أن يخرج من بيته أو لا يخرج، فهذا يفهم ذلك، أمّا الذي إذا لم يتحدّث مع أحد، وإذا لم يخرج، وإذا لم يتحدث مع هذا وذاك من الصباح حتى المساء، فكأنما قضى ذلك اليوم في الموت، وإذا جلس في أي مكان ولم يتحرّك ذقنه، فكأنّما الموت قد أخذه، فلا يفهم هذه الأمور.

  • هل رأيتم بعض الذين يحضرون المجالس، ويكون من المفروض عليهم أن يتحدّثوا، بحيث إذا لم يتحدّثوا فكأنّه لا فائدة من هذا المجلس، ولا يكون مجلسًا بتاتًا، ويكون من الواجب أن يُقال شيء، وأن يُتحدث بحديث؟! فهذا في الأساس مرض، وهذا بحد ذاته مرض!

ما هو مقام معرفة الله؟ - العرفان المزيّف

7
  • ما يُعطى للإنسان من الصمت لا يُعطى له من الكلام، ولا يحصل عليه منه. فإذا تحدّث إنسان بقدر كتاب من عشرة أجزاء، فإنّ ذلك لن يُفيده بقدر كلمة واحدة يسمعها ويعمل بها من دون أن يتحدّث.. أجل، ولو تُليت عليه عشرة كتب! خذوا هذا القرآن واقرأوه من الأوّل إلى الآخر.. أليس في القرآن ستة آلاف وستمائة ونيّف آية؟ بدلاً من أن تقرأه من الأوّل إلى الآخر، خذ آية واحدة منه، واذهب وفكّر فيها، وقرّر أن تعمل بها من اليوم. أثر هذه الآية الواحدة أكبر من قراءة القرآن من الأول إلى الآخر. فبالكلام لا يحصل الإنسان على شيء. 

  • لكنّ هذا الإنسان الذي يجب أن ينقضي عمره بالتواصل مع الناس، وحياته يجب أن تمرّ فقط بالحديث مع هذا وذاك والذهاب إلى المجالس والضحك بصوت عالٍ، وينقضي ليله بـ... 

  • وقد يظفرون أيضًا بليلة من ليالي شهر رمضان، حيث ينبغي على الإنسان إحياء هذه الليالي، فيقولون إنّ المرحوم القاضي كان يُحيي الليالي أيضًا، فينهضون ويذهبون ويجلسون هنا وهناك حتّى قُبيل السحر، وقبل ساعتين قبل الأذان، يتحدّثون باستمرار عن هذه المسألة وتلك، ويضحكون، ثمّ ينهضون ويذهبون. يمرّ مائة عام، ولا يتقدّمون بمقدار رأس إبرة، ومثل الحيوانات، يتقلّبون في الوحل في نفس مرتبتهم. أمّا الذي ينهض ويذهب ويفكر، نعم! هذا الذي يفهم، هذا الشخص يفهم. إذا تغيّر الحال قليلاً، وإذا خرج الإنسان قليلاً من هذه التعلّقات، وإذا حصل له قليل من تلك اللذّة، حينئذٍ سيفهم ماذا كان يقول أولئك العظماء وماذا كان يحدث لهم عندما كانوا يجدون أنفسهم في وضع غير مناسب لحالهم ومزاجهم.

  • حقيقةُ التكليمِ الإلهيِّ ومظاهرُ المحبّةِ التوحيديّةِ

  • يفهم هذا المطلب من يفهم قول رسول الله صلّى الله عليه وآله عند أذان الظهر حينما كان يتحدّث مع الناس في مسجد المدينة، حيث كان يقول: «أرحني يا بلال». هؤلاء هم أنفسهم الذين يقول عنهم أمير المؤمنين عليه السلام: «عباد ناجاهم في فكرهم».. «وما برحت لله عزت آلائه في البرهة بعد البرهة وفي أزمان الفترات عباد ناجاهم في فكرهم وكَلَّمَهُمْ فِي ذَاتِ عُقُولِهم».۱

    1. نهج البلاغة، من كلام له عليه السلام، الخطبة رقم ٢١٧ أو ٢٢٢ حسب الطبعة.

ما هو مقام معرفة الله؟ - العرفان المزيّف

8
  • ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ﴾۱، جاء يسأله: ما الذي في يدك؟ ﴿قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ﴾٢، إنها عصا في يدي، أتكئ عليها، أستخدمها في المشي، وأُحرّك بها غنمي، ولي فيها منافع أخرى.... هكذا أراد موسى أن يطيل الحديث، لا! الأمر أسمى من هذا الكلام. أسمى من هذا الكلام. 

  • تحدّثت ذات مرة مع المرحوم العلامة عن أحد الذين يعرفون العلامة الطباطبائي رضوان الله عليه، قال إنه سأله في أواخر عمره: يا سيّد، في أي مقام أنت؟ فأجاب: أنا في مقام التكليم، ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا﴾٣،قال المرحوم العلامة: إن هذا لم يكن مقامًا للمرحوم العلامة الطباطبائي. 

  • انظروا! إلى أين يصل الإنسان فجأة ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا﴾يقول إنّ هذا لم يكن مقامًا له. حسنًا، لا بد أنّهم لم يكونوا يعلمون في أي مقام كانوا يسيرون. هذا لم يكن مقامًا.

  • «وكَلَّمَهُمْ فِي ذَاتِ عُقُولِهم». ذلك التكليم ليس تكليمًا يأتي باللسان؛ ففي العلاقة التي بين العاشق والمعشوق، هل رأيت العاشق عندما يجلس بجانب المعشوق يبدأ بالحديث باستمرار، ويقول باستمرار ماذا قالت الصحف؟! اذهب يا رجل إلى عملك. جئت إلي وتقول ماذا كتبت الصحف اليوم؟! هل أنت عاشقي؟! هل أنت محبي؟! جئتَ إليّ وتقول: «كنتِ في المكان الفلاني، ما أخبار ابنة عمتك؟! ما أخبار عمتك؟! ما أخبار خالتك؟! » ما هذا؟!  جئت تجلس هنا وتسأل عن عمة... ما شأنك بابنة عمتي؟ إنّها متزوّجة يا رجل، لا شأن لك بها، اطمئنّ!  ما شأنك بابنة خالتي؟! أنا جئت إلى هنا، وجلست أمامك وأتحدّث معك، اذهب وأشغل نفسك بأعمالك الخاصّة! 

  • تلك المطالب التي ذكرتها لكم ذات ليلة عن قيس بن عامر وليلى كانت من هذا القبيل. إلا أن مرتبتها لم تكن مرتبة توحيدية؛ يعني كان التوحيد يحمل فيها لون الكثرة، ثمّ تحول، كما يحكون. ولكن بما أنه كان صافيًا ونقيًا، ظهرت فيه آثار المحبّة التوحيديّة، حيث نلحظ ظهور آثار محبّة الله ومحبّة الحضرة الإلهية في هذه الإشارات والرموز وفي هذه الأسرار. إنها أشعار عجيبة جدًا. أعتقد أنه من المناسب جدًا للرفقاء من أهل الفضل والفضلاء والأصدقاء أن يطالعوا ديوان قيس بن عامر. 

    1. سورة طه، الآية ۱۷.
    2. سورة طه، الآية ۱۸.
    3. سورة النساء، الآية ۱٦٤.

ما هو مقام معرفة الله؟ - العرفان المزيّف

9
  • لقد قرأتها ذات مرة. أتذكّر أنّ ذلك كان قبل ثلاثين أو خمسة وثلاثين عامًا، لقد طالعتها بأكملها. إنّها أشعار ذات معانٍ عميقة ومليئة بالمضامين الراقية. وعلى أيّ حال، فإنّها تحتوي على مجموعة من الحقائق.

  • في النهاية، مظاهر الإله لا تختلف، والله تعالى له ظهور من كل نافذة، ولا يفرق عنده، حيث تأتي نملة وتقف أمام حضرة سليمان وتقول: ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾۱ يا أيّها النمل ادخلوا مساكنكم، لا يحطمنّكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون أنّ لنا حياة، أنّ لنا روحًا؛ وإن كنّا صغارًا، ولكن على الأقلّ لدينا روح. فنجد البعض يأتي ويقول: «الآن بما أنّ هذا صغير، ضع قدمك عليه وامضِ»؛ لا يعلمون أنّني كالنملة لديّ نصيبي وحصّتي من عالم الوجود بقدر ما لديك أنت.

  • ولكن لو كان أمير المؤمنين قد مرّ من هنا لما قالت هذا، لما قالت: ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾. لماذا؟ بالطبع لم تقل ذلك عن حضرة سليمان، أستغفر الله، قالت ذلك عن جيشه، لا ينبغي أن ننسب ذلك إلى نبي الله، ولكنّ مقام الولاية يقتضي ألاّ تقول هذا بتاتًا؛ لأنّ هذه الولاية وهذه القضيّة تختلف. هنا أمير المؤمنين عليه السلام، وحسابه يختلف. ذلك أمير المؤمنين الذي يقول: لو أعطيتُ جميع السماوات السبع بما فيها من كواكب، »لو أُعطيتُ أقاليمَ السبع بما فيها على أن آخذ شعيرةً حبةً في فم نملةٍ لا أفعلها«.٢ لو أعطوني الأقاليم السبعة كلّها، أي السماوات السبع كلها، بالإضافة إلى جميع المجرات وجميع الكواكب، لآخذ حبة قمح، حبة شعير، من فم نملة، لا أفعل ذلك.

  • ضرورةُ احترامِ جميعِ الكائناتِ وخطرُ الظلمِ وإبطالِ الحقوقِ

  • هذا له حساب آخر. هذا الذي يقول هذا الكلام قد وصل إلى حقيقة هذه المسألة، وأنّ لكلّ وجود في العالم حسابه الخاص. هذه المسألة عجيبة جدًا يا رفقاء! انتبهوا! ولنجعلها دائمًا موضوع اهتمام كأحد البرامج السلوكيّة. كل ما في العالم له حسابه... إيّاكم أن تنظروا إلى شيء بعين الاحتقار، إيّاكم أن تنظروا إلى موجود بعين الاستصغار والضآلة.

    1. سورة النمل، الآية ۱۸.
    2. نهج البلاغة، من كلام له عليه السلام، الخطبة رقم ٢٢٤: «لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملةٍ أسلبها جلب شعيرة ما فعلتُ». المعرّب

ما هو مقام معرفة الله؟ - العرفان المزيّف

10
  • أحد الرفقاء ـ رحمه الله، رحمه الله ـ المرحوم السيّد مرتضى الرضويّ كان من الرفقاء الجيّدين جدًا، الصلبين، الثابتين، نعم! وكان من الذين ـ كما يقول المرحوم العلامة ـ يصمدون حتى النهاية. قليلون من هؤلاء، قليلون من هؤلاء. ولكنّه كان كذلك، حيث حمل معه متاعه سالمًا إلى ذلك المنزل.. رحمة الله تعالى عليه، فقد ذكرناه الآن في آخر ليلة من شهر رمضان.

  • ذات يوم، حكى لي قصّة قال فيها: «ذهبت إلى مكان، إلى منزل»، حسنًا، يُستحبّ أن يقتل الإنسان الوزغ وأبو بريص حينما يراه في المنزل. وبالمناسبة، لدينا رواية تقول إنّ ... . أجل، هذا، إذا كان على اليد أو الرجل، لا أن يضرب الإنسان أيّ شيء يجده فورًا؛ فهو في حدّ ذاته حيوان، ومسكين.. كلاّ! ولهذا، يُقال: عندما يمرّ على يد الإنسان أو رجله، يجب عليه أن يقضي عليه.

  • قال: «ذات مرّة، رأيت أحدهم على جدار المنزل، فقلت: حسنًا لأنهض وأقتله»؛ فهو أيضًا كان قد سمع الرواية التي تتحدّث عن قتله. ولا يخفى أنّني لم أبحث في هذا الأمر كثيرًا. من المسموعات يتبيّن أنّ الأمر هكذا؛ الآن ربما تكون المسألة غير ذلك أيضًا؛ قلت لكم إنّني لم أبحث فيها، سأبحث وأُخبر الرفقاء هل الرواية صحيحة أم غير صحيحة، هل لها سند أم لا، لا أعرف، ما هو معروف هو هذا.

  • قال: «ذهبت وأخذت الحذاء وذهبت لأضربه». قال: «لم أضربه، وقلت في نفسي: سأضغط عليه لأرى ماذا سيحدث. وكأنّني لم أستطع أن أضربه فجأة وأفعل كذا وكذا». الآن هكذا خطر بباله. ربما ألقى الله في قلبه ألا يقتله مثلاً. قال: «ضغطت على هذا الحيوان، فقاوم قليلاً، قاوم». ولا يخفى أنّ أحوال السيّد مرتضى كانت المعنويّة جيّدة، فقال: «فجأة رأيت عندما يئس هذا الحيوان وانقطع أمله من كلّ مكان، فتح فمه، وخرجت من فمه آهة هزّت كياني كلّه. سقط الحذاء من يدي وسقطت أنا على الأرض. سقطت على الأرض وذهب، ذهب في سبيله بعد ذلك». قال: «في تلك اللحظة، أدركت أنّني لو ضربته لدمّرتُ نفسي! لا نفسي فقط!». يعني أنّ هذه المسألة موجودة أيضًا، والأمر يختلف بحسب اختلاف الحالات. فبمجّرد أن... . مثلاً، قد يكون هذا الأمر مسموحًا للإنسان في بعض الحالات، ولكن في بعض الحالات الأخرى قد تختلف القضيّة؛ فلا يستطيع الإنسان أن يُطبّق قانونًا واحدًا في كلّ مكان وبكل كيفيّة. وحتّى أنّه قال: «إنّني أُلهمت بأنّه في تلك اللحظة، وبهذا الحال الذي كان ذلك الحيوان فيه، كان يُمكنه أن يهزّ عرش الله». انظروا إلى أين يُمكن لهذه القضيّة أن تصل!

ما هو مقام معرفة الله؟ - العرفان المزيّف

11
  • الآن، تجدنا ننظر هكذا، فنرى حيوانًا يسير لحاله، [فنقول:] «إنّه حيوان، يا رجل حيوان! اضربه واركله واقتله، فما عساه أن يكون؟!». فلو مرّ ألف واحد من هؤلاء على أيدينا وأقدامنا... لا يأتي الله بذلك اليوم للإنسان! إنه لأمر عجيب حقًا!! أن يريد الإنسان أن ينظر إلى بني نوعه بنفس هذه النظرة التي ينظر بها إلى هذه الكائنات، إلى بني نوعه! لقد مات ألف! فليموتوا، دعهم! لقد مات عشرة آلاف! فليموتوا! وانتبهوا فإنّ هذا يحدث! فكيف يُمكن أن يصل الإنسان إلى هذا الحال؟!

  • فهذا الحيوان بهذا الصغر يرتبط بالله إلى هذا الحدّ. فلهذا السبب يُقال: إذا لطمت طفلاً يتيمًا على أذنه يهتزّ عرش الله؛ لأنّ الطفل اليتيم هو طفل، ونفسه متّصلة بالعرش. وهكذا أيضًا: أن يظلم الإنسان، وأن يُبطل حقًّا، أن يبطل حقًّا... .

  • هناك رواية عجيبة جدًّا، رواية عجيبة جدًّا مفادها أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال: (سأذكرها باختصار شديد) بعض الناس في سكرات الموت تستغيث جهنّم من عذابهم، تستغيث جهنّم من عذابهم، [وتقول:] من هم هؤلاء؟! والملائكة وعزرائيل لا يقبضون أرواحهم، بل يُحضر عزرائيل معه سفودين من نار جهنّم ـ يأتي بالمعدّات وليس هكذا ـ ويُدخل هذين السفودين في بدن ذلك الشخص، ويُقطّعه إربًا إربًا؛ يعني يقطعون تلك النفس من هذا البدن إربًا إربًا، ليس أنّه يقبض الروح، بل يقطع هذا البدن إربًا، ويُسمع صراخ ذلك الشخص حتى تستغيث جهنّم. انظروا ماذا يحدث؛ هل تعلمون من هذا؟ إنّه ذلك القاضي الذي يُبطل حقًّا. هذا واحد منهم، أحد الفئات الثلاثة

  • ومن تكون الفئة الثانية؟ تختصّ بالذي يأتي عند صغارٍ شخص مات، ويأخذ أموالهم، ويستولي عليها.. أموال الطفل اليتيم. هذا هو الذي ينتمي إلى الفئة الثانية.

  • الفئة الثالثة: حاكم يعمل بالظلم بين الرعيّة. يا ويلي!! انظروا إلى أين يصل الأمر! فهذه الفئات الثلاثة هي التي تستغيث جهنّم من صوت أنينها في لحظة قبض الروح.. هؤلاء الأفراد الثلاثة.

  • لدينا [في الروايات] أنّ الإنسان إذا صفع يتيمًا على أذنه يهتزّ عرش الله. هذا هو! فنفس الطفل ليست صغيرة لنتخيّلها كذلك، ولنتجاهلها، ونقول: «هذا لا يفهم، عمره سنتان، ثلاث سنوات، ليس له فهم». كلاّ! انظر إلى الجانب الآخر، وانظر كم القيمة التي تُعطى إليه، ولا تنظر إلى كم يبدو لك في عينيك؛ انظر إلى الجانب الآخر، وانظر إلى القيمة التي يعطيها الموجودون في ذلك العالم إليه، وكم يُقدّرونه، لا أنت! فحينما تنظر إليه أنت، فإنّك ترى مثلاً أنّ طوله متر، سبعون سنتيمترًا، فتقول: «ماذا يفهم؟! هذا ليس له فهم بتاتًا، وليس عنده شيء؛ فخذ الآن [أمواله]، وكُلها، فلن يوجد من سيسألك عنها!». هذه هي المسألة. 

ما هو مقام معرفة الله؟ - العرفان المزيّف

12
  • علوُّ مقامِ الأولياءِ وإدراكاتُهمُ الربّانيّةُ

  • هؤلاء هم العباد الذين يتحدّث الله معهم في ذات عقولهم، وهؤلاء قد تجاوزوا مقام الصورة، وهذا التكليم قد تجاوز مقام الصورة، وتجاوز مقام المعنى، وتجاوز مقام الكلام النفسيّ؛ فهم خاضعون لحيثيّة ربطيّة، وواقعون في تعلقّ نفسيّ وارتباط سرّي، لدرجة أنّه لم يُوضع لفظ لهذه المرتبة بتاتًا. ولماذا لم يُوضع لها لفظ؟ لأنّ واضع اللغة لا يفهم هذا الكلام حتّى يضع له ألفاظًا! فما عساه أن يفهم هو! 

  • [وهنا يأتي] ذلك الكلام الذي لا أدري هل كتبته في الجزء الأوّل من أسرار الملكوت أو الثاني، عن المرحوم العلامة، وعن ذاك الذي قال له: «إنّك لم تصلِّ صلاة الليل»، لكن لا بشكل صريح بل تلميحًا؛ فهو في الأساس لا يفهم معنى التكليم بالسرّ، ولا يُدركه بتاتًا، وهو في الأساس لا يُدرك معنى «كَلَّمَهُمْ فِي ذَاتِ عُقُولِهِم»؛ لأنّه لم يتجاوز [عالم] المثال، وحتّى ذلك المثال، أيّ مثال هو؟! ستّة من مُدركاته خاطئة وواحدة صحيحة، وحتّى هذا الواحد الصحيح... فهو في الأساس لا يفهم، لا يفهم أن وليّ الله نائم، ولكنّه يتواجد في مرتبةٍ من مقام السرّ لا يبلغها أعلى مقام، ولا تصل إليها أعلى مرتبة في عالم التشريع بتاتًا.

  • فالتشريع يختصّ بالواجبات الظاهريّة، لا بالارتباطات الواقعة في مقام السرّ؛ فهناك لا تشريع أصلاً، وهناك لا يكون للتكليف أيّ معنى بتاتًا. التكليف يتعلّق بمقام التوجّه إلى النفس في هذا العالم، كالصلاة وكذا وأمثال ذلك؛ ولكن في تلك المرتبة، يكون المقام هو مقام التعلقّ بعينه، وفي مقام التعلّق ذاك لا يوجد تعيّنٌ، حتّى يتعلّق به تكليفٌ مثل تكليف صلاة الليل. نعم، إذا حصل له في نفس تلك الحالة توجّه والتفات، فإنّه سينهض، ويُصلّي صلاة الليل أيضًا.

  • المرحوم السيّد الحدّاد رضوان الله عليه... كان أمير المؤمنين عليه السلام يذهب إلى بساتين النخيل ويقضي الليل في العبادة، وبعد ذلك، يُغشى عليه ويسقط. وهذا الأمر موجود لدينا، والأحاديث الواردة بشأنه يعرفها الرفقاء. يقول أبو الدرداء: «جئت ونظرت، فرأيت عليًّا بدأ بالمناجاة والمناجاة، وبعد ذلك انقطع الصوت فجأة، فقلت لا بدّ أنّه قد انتهى، إنّه يستعد لصلاة الصبح. ذهبت قريبًا فرأيت لا! لا يتحرك. لمستُه، لا يتحرك. نظرتُ فرأيت أنّه قد فارق الحياة، جئت مسرعًا إلى باب منزل حضرة الزهراء عليها السلام، وطرقت الباب؛ طرقت الباب بعجلة، تعالوا انظروا، عليّ قد فارق الحياة، قد فعل كذا وكذا. قالت حضرة الزهراء عليها السلام: كيف حصل هذه القضية؟ فقلت:... قالت: هذا عمله كل ليلة، عمل كل ليلة».

ما هو مقام معرفة الله؟ - العرفان المزيّف

13
  • جاءوا، اجتمعوا ليفعلوا شيئًا. الآن وقت الصلاة، لقد أصبح الصباح، لنوقظ عليًا ليصلي صلاة الصبح. رشّوا الماء على وجه الإمام وأخرجوه من تلك الحالة حتى يعود إلى وعيه ويصلي صلاة الصبح. عباد الله، إنه في حالة أعلى من آلاف آلاف صلواتي وصلواتك، أعلى من آلاف آلاف الصلوات. إنّه الآن واقع في حقيقة من الارتباط، لدرجة أنّ بدنه لم يعد يتحمّل هذه الجذبة، فسقط. لقد اختطفته الجذبات الجماليّة لدرجة أنّه لم تعُد لديه قوّة. أرأيتم بعض الناس عندما يأتيهم خبر سارّ، يسقطون فجأة، ولا يتحمّلون؟! فتصلهم أخبار سارّة مهما كانت هذه الأخبار.

  • كنت ذاهبًا إلى المدرسة ذات مرّة، ورأيت فجأة أنّهم وضعوا شيئًا، ماذا يُسمّون هذا الشيء الذي يضعونه؟ من هذه التي تُوضع للأموات.

  • المستمعون: حَجَلة.۱

  • سماحة السيّد: حَجَلة؟! اسمها حَجَلة؟! ما علاقة الحجلة بالميّت؟!

  • المستمعون: يضعونها للشباب.

  • سماحة السيّد: لا يا رجل، هذا كان عجوزًا، فوضعوا لأجله هذه الأشياء. تعجّبتُ، ماذا؟! هذا الذي كان هنا بالأمس، مسكين كان حمّالاً يعمل.

  • قالوا: بالأمس ـ كان ذلك في زمن الشاه ـ ، كان قد اشترى بطاقة يانصيب؛ وفجأة، قالوا له: «يا سيّدي، لقد فزت!»، ولا أدري مائة ألف تومان، كم كان في ذلك الوقت. وبمجرّد أن سمع الخبر، سقط ومات فورًا. هذا كان نصيبه إذن؛ فالخبر كان سارًّا. هل رأيتم بعض الناس يكونون بهذا النحو؟! فلا يقدرون على تحمّل الأخبار السارّة؛ إذ ينبغي للإنسان أن يكون مستعدًّا [لسماعه].

  • الجذبات الإلهيّة الجماليّة هي من هذا الباب؛ فعندما تأتي، تكون عجيبة جدًّا، وعلى درجة بالغة من الجمال والجاذبيّة، بحيث إنّ النفس لا تعود قادرةً على تحمّلها. وفجأةً، يختلّ الجهاز العصبيّ للبدن، ويسقط الإنسان على الأرض ويُغشى عليه.

  • المرحوم السيّد الحدّاد كانت له مثل هذه الحالات أيضًا؛ فكان ينهض في الليل لأداء صلاة الليل، وفجأة بين الطريق وهو يتوضّأ، يسقط حتّى الصباح، ولم يكن أحد يعلم أنّ هذه المسألة قد حدثت. كنّا ذات يوم في خدمة المرحوم العلامة، وسأله أحد الأقارب، وكان قريب جدًّا، وكان أكبر منّي، فسأل المرحوم العلامة: «يا سيّدي، هل حدث له يومًا أن فاتته صلاة الصبح مثلاً ؟»، فقال: «لا أعرف، ربّما مثلاً... طبعًا، الناس كانوا يأتون ويذهبون؛ وفي الصباح عندما كانوا ينهضون للصلاة ويرون هذا الوضع، طبعًا كانوا يفعلون شيئًا ليخرج من هذه الحالة».

    1. الحَجَلَة: ساترٌ كالقُبّة يُزَيَّن بالثِّياب والستُور للعَروس. المعرّب

ما هو مقام معرفة الله؟ - العرفان المزيّف

14
  • بعد ذلك، قال ذلك الشخص: «على أيّ حال، الصلاة لا شيء بعد ذلك»، فقال [المرحوم العلامة]: «حسنًا، إذا كان الإنسان فاقدًا للوعي، فليس عليه تكليف. إنّه فاقد للوعي إذن، وعندما يكون الشخص فاقدًا للوعي، ليس عليه تكليف».

  • بعد ذلك قال هذه المسألة بهدوء: «إنّه ـ في الأساس ـ في مقام تكون الصلاة فيه مجرد مقدّمة، وإنّه في مقام ـ كانت عبارته هكذا ـ آلاف صلواتنا لا تبلغه، ولا يكون فيه أيّ محلّ لمثل هذا السؤال»؛ فعن ماذا تسأل؟! ما الذي يحدث لصلاته الآن؟!

  • أوّلاً: من ناحية التكليف الشرعي هو قد سقط فاقدًا للوعي، ولا تكليف شرعًا على النائم، فكيف بمن غُشي عليه. حسنًا، هذا أوّلاً.

  • ثانيًا: بعد ذلك، الآن استيقظ، فليُؤدّي الصلاة؛ وعلى فرض أن الشمس قد طلعت، فسيقضيها لاحقًا، فلا تعود هناك أيّة مشكلة. وبعد ذلك، درجة أعلى، أعلى قليلاً، نعم! الإنسان... فهناك مسائل أخرى أيضًا، هناك أمور أخرى هنا أيضًا، وما هي: 

  • هذ ما يسمّونه بـ: "تكلّم في ذات عقولهم". ففي هذا المقام، لا يعود الله يتحدّث مع مثالهم، ولا يتحدّث مع ملكوتهم بعد الآن، ولا يتعامل معهم بالعبارات بعد الآن، ولا يتحدّث معهم بالمعاني بعد الآن؛ فهذا التكليم بين العبد والإله يتم بالسرّ ويحصل للإنسان من خلال مقام السرّ. وهؤلاء هم الذين تصبح عيونهم عيونًا توحيديّة، وهؤلاء هم: «عبادٌ ناجاهم في فكرهم وكَلَّمَهُمْ فِي ذَاتِ عُقُولِهِم»، ونتيجةً لذلك: «فَاسْتَصْبَحُوا بِنُورٍ يَقْظَةٍ فِي الْأَبْصَارِ وَالْأَسْمَاعِ وَالْأَفْئِدَةِ». وذلك الوعي واليقظة الخاصّين لم يعودا كتابيّين، ولا تجريبيّين، ولا سياسييّن، ولا اجتماعيّين، حيث يظهر ذلك الوعي الخاصّ في عيونهم؛ وحينما ينظرون، يطّلعون على قعر المسألة. ويظهر ذلك الوعي في آذانهم؛ وحينما يسمعون الصوت؛ يفهمون إلى أين يصل هذا الصوت، ومن أين جاء، وما هي آثاره وما هي مسائله؛ وهل هو صوت نفاق، أم صوت إخلاص أم صوت صدق.. يفهمون كل ذلك.

  • قال المرحوم العلامة: أولئك الذين هم أهل الإدراك، يستطيعون من صوت الشخص تحديد مستواه السلوكي في أي مرتبة هو. نعم! هذا الصوت! هذا الكلام الذي يقوله: «يا سيّدي، أحضر الماء والخبز، واذهب إلى هناك واذهب إلى هناك». من نبرة الصوت يُمكنهم التعرّف على مستوى المرتبة المعنويّة للشخص. طبعًا، هذا من الناحية الظاهريّة، وإلاّ فهم لا يحتاجون إلى الصوت.

ما هو مقام معرفة الله؟ - العرفان المزيّف

15
  • «فَاسْتَصْبَحُوا بِنُورٍ يَقْظَةٍ»، يقظون، واعون، مطّلعون، وخبراء. الصحف لم تعد تستطيع خداعهم. الجماهير تهتف... ملايين، تحرّكوا نحو كذا، اذهب يا رجل! فحتّى لو بلغوا عشرة أضعاف، فإنّهم يتحرّكون على بُعد متر واحد، أو مترين من الأرض فقط. ففي النهاية، يبلغ طول الإنسان مترًا وتسعين، فتكون حركتهم في مسافة متر وتسعين حركتهم، وحينئذ، كم ستكون الفاصلة بين حركتهم وبين من يتحرّك في اللانهاية وفي العرش؟! هم يتحرّكون في متر وثمانين على الأرض، وأولئك يتحرّكون في العرش؛ ومسافة متر وثمانون ومتر وتسعون لا تصل إليه.

  • يعرفون مآل هذه الجماهير، ويُدركون الأيادي الخفّية وراء هذه التحرّكات، ويعرفون الخطط التي وُضعت، كلّ هذه الخطط يعرفونها، المسائل يعرفونها كلّها، يعرفون كل شيء؛ لماذا؟ لأنّهم، «اسْتَصْبَحُوا بِنُورٍ يَقْظَةٍ فِي الْأَبْصَارِ وَالْأَسْمَاعِ وَالْأَفْئِدَةِ»؛ فقلوبهم أشرقت بذلك النور.. هنيئًا لمن ارتبط بهم!

  • سبيلُ السالكينَ إلى اللهِ بالتضرّعِ واغتنامِ النفحاتِ الإلهيّة 

  • «يُذكّرون بِأيّامِ اللهِ، ويُخوّفون مَقامَه».۱ هؤلاء يُخوّفون، يُنذرون، يُصوّرون للإنسان الخوف من مقام جلال الله وقهّاريته، ويُصوّرون له الفرح مع الخوف والوجل، كلاهما، حتى يتّحرك في هذين الاتجاهين المتوازيين. «من أخذ الطريق هدي إليه سبيله».٢

  • حسنًا، هنيئًا لهؤلاء؛ الآن ماذا نفعل نحن؟ ماذا نفعل ونحن في مثل هذا الوضع؟ ماذا نفعل ونحن في هذا الموقف؟ لسانُنا أخرس، وقلبُنا ميّت، وسمعُنا سمع حيوانيٌّ، وبصرُنا بصر شهوانيٌّ وأحول، وأذُنُنا عاجزةٌ عن سماع همسات الملكوت، ماذا نفعل؟ يجب أن نُربّى، يجب أن نتضرّع، يجب أن نتوجّه، يجب أن نذرف دمعة، يجب أن نئنّ حتّى نجذب قلب المحبوب إلينا شيئًا فشيئًا، فيفتح لنا طريقًا إلى تلك الجهة.

  • كان المرحوم العلامة يقرأ هذا الغزل لحافظ كثيرًا، هذا الغزل لحافظ الذي جاء فيه: 

  • حافظ ز دیده دانه اشکی همی فشان...***٣ 
  • وكان يقول: هذا الشعر عجيب جدًا. 

  • حافظ ز دیده دانه اشکی همی فشان***باشد که مرغ وصل کند قصد دام ما 
  • حافظ، انثر من عينك حبّات الدموع *** عسى أن يقصد طائر الوصل شباكنا

  • عندما يبكي الإنسان ويتضرّع، فإنّ هذه الدموع تكون مثل الحبّات التي يأتي إليها طائر الوصل طمعًا فيها، فيستقرّ في حضن الإنسان. ماذا يقول في أوّل هذه الأبيات؟ أوّلاً يقول: «ساقی به نور باده برافروز جان ما».٤

    1. بحار الأنوار، ج ٦٦، ص ٣٢٥.
    2. «من أخذ القصد حمدوا إليه طريقه».
    3. يقول: حافظ، انثر من عينك حبّات الدموع.
    4. يقول: يا ساقي أضيء بنور المدام روحنا.

ما هو مقام معرفة الله؟ - العرفان المزيّف

16
  • ما شاء الله، رحمة الله عليه، رحمة الله تعالى عليه! حقًّ، الشعر إن كان شعرًا فهو هذه الأشعار، والحقيقة إن كانت حقيقة فهي في هذا الكلام، في هذا الكلام!

  • ساقی به نور باده برافروز جان ما***مطرب بگو که کار جهان شد به کام ما 
  • يقول: أيّها الساقي أضيء بنور المدام روحنا *** ويا مُطرب قُل: قد صار أمر العالم وفق مرادنا

  • أو في بعض النسخ: جام ما (كأسنا)، ولكن "جان ما" (روحنا) أفضل.. هنيئًا له، فقد انتهى عمله!

  • ما در پیاله عکس رخ یار دیده‌ایم***ای بی‌خبر ...
  • يقول: لقد رأينا في الكأس صورة وجه الحبيب *** أيّها الجاهل بـ ... 

  • اذهب، أيّها المسكين الذي... استمرّ في كتابة المقالات، استمرّ في تصنيف الكتب، استمرّ في القول: «إنّ هذا الكلام هراء»، استمرّ في القول: «إنّ هذه المسائل لا أساس لها»، أيها البائس! نحن في الكأس ـ يعني في قلب وجودنا ـ رأينا صورته، رأينا صورة وجه الحبيب.

  • ...***ای بیخبر ز لذت شرب مدام ما 
  • يقول: ..... *** أيّها الجاهل بلذّة شربنا الدائم

  • فاذهب وأقم العزاء على نفسك!

  • طوطیان در شکرستان کامرانی می‌کنند***وز تحسر دست بر سر می‌زند مسکین مگس 
  • يقول: الببغاوات في أرض السكر تنعم بالمراد *** ويلطم الذباب المسكين على رأسه حسرةً

  • أرأيتم كيف أنّ الذباب يلطم على رأسه باستمرار، في حين أنّ الببغاوات تنعم هناك.

  • نحن في الكأس رأينا صورة وجه الحبيب... كان المرحوم القاضي يقول: «أيّها المسكين، أربعون عامًا وأنا في الوحدة، وأنت تسألني هل هذه الأمور صحيحة؟! وهل هذا الكلام الذي تقوله صحيح؟! أربعون عامًا وأنا معه، أربعون عامًا وعيني تراه، وأذني تسمعه، وقلبي يناجيه، ثمّ تأتي أنت وتقول: ما هذا الكلام؟!». المرحوم القاضي لم يكن بائع لفت أو بائع لبن!

  • ما در پیاله عکس رخ یار دیده‌ایم***ای بی خبر ز لذت شرب مدام ما 
  • يقول: لقد رأينا في الكأس صورة وجه الحبيب *** أيّها الجاهل بلذة شربنا الدائم

  • بدلاً من إهدار الورق وطبع الكتب باستمرار، تخلّ قليلاً عن تلك الأنانيّة والأمور النفسانيّة، انهض وتعال واستمع إلى ما يقولون؛ حينئذٍ، لن تحتاج إلى أن تتعب نفسك كثيرًا، لن تعود بحاجة إلى ذلك.

ما هو مقام معرفة الله؟ - العرفان المزيّف

17
  • هرگز نمیرد آنکه دلش زنده شد به عشق***ثبت است برجریده عالم دوام ما 
  • حافظ ز دیده دانه اشکی همی فشان***باشد که مرغ وصل کند قصد دام ما
  • يقول: لن يموت أبدًا من أحيا قلبه بالحبّ *** مسجّل على صحيفة العالم بقاؤنا 

  • حافظ، انثر من عينك حبّات الدموع *** عسى أن يقصد طائر الوصل شباكنا

  • ولا يخفى أنّ أبيات هذه القصيدة كثيرة.

  • لحافظ قصيدة تسمى "ساقي نامه"۱ كان المرحوم العلامة يقول عنها: «إنّ هذه القصيدة لحافظ جيّدة جدًّا»، وكان يُحبّها كثيرًا، ويطلب من رفقائه أن يقرؤوها له. سمعت... نعم؛

  • بیا ساقی آن می که حال آورد***....
  • يقول: أحضر أيّها الساقي تلك المدام التي تجلب الحال...

  • وهي مفصّلة جدًا، حتّى يصل إلى هنا ويقول:

  • چنینم هست یاد از پیر دانا***فراموشم نشد هرگز همانا 
  • که روزی رهروی در سرزمینی***به لطفش گفت رندی رهنشینی 
  • که ای صوفی چه در انبانه داری***بیا دامی بنه گر دانه داری 
  • جوابش داد گفتا دام دارم***ولی سیمرغ می باید شکارم 
  • يقول: لا أزال أذكر نصيحة لشيخ عارف لا أنساها أبدًا 

  • أنَّ سالكًا حاذقًا وواصلاً قال لأحد السلّاك: 

  • ما الذي يحتويه جرابك أيّها الصوفي؟ أقم وانصب فخًّا إن كان فيه حَبًّا 

  • أجابه قائلاً لديّ فخٌّ، ولكن أروم صيد العنقاء]

  • أنا ذاهبٌ لصيد العنقاء. قال: ما هو فخّك؟ ماذا تريد أن تفعل؟ إلى أين تريد أن تذهب؟ قال: أريد أن أضع الفخّ وأصطاد به العنقاء، وأريد أن أضع الله في هذا الفخّ، لأصطاده!!

  • بگفتا چون بدست آری نشانش***که از ما بی‌نشان است آشیانش 
  • يقول: فقال: كيف السبيل إلى ذلك *** مع أنّه لا أثر لعشّها؟

  • قال: إلى أين تريد أن تذهب؟! أين تريد أن تبحث؟! لا أحد لديه أثر من تلك العنقاء. قال: لا! هناك طريق، هناك طريق. ما هو الطريق إلى ذلك؟ كان المرحوم العلامة يقول: يُشير حافظ في هذه الأشعار إلى هذا الطريق:

  • چو آن سرو روان شد کاروانی***چو شاخ سرو می‌کن دیده‌بانی 
    1. رسالة الساقي.

ما هو مقام معرفة الله؟ - العرفان المزيّف

18
  • يقول: بما أنّ شجرة السرو تلك [إشارة إلى قامة المعشوق‌] قد صارت قافلةً، فلتجعل من غصنها حارسًا.

  • فنجده هنا يُشير إلى هذا الطريق، حيث يقول: «ألا وإنّ لله في أيّام دهركم نفحات، ألا فتعرّضوا لها ولا تُعرضوا عنها».۱ هذا هو نفسه، هذه الأبيات هي معنى هذا الحديث.

  • «لله نفحات في أيّام دهركم»: شهر رجب جعله لكم، شهر شعبان، وشهر رمضان الذي انتهى الآن، وأيّام أخرى انقضت؛ نظير شهر ذي الحجّة، والنصف من شعبان، وأيّام ولادات الأئمّة عليهم السلام؛ هذه كلّها نفحات جعلها الله في أيام خاصّة ليلطف بعباده. ولادات الأئمّة والمبعث والعشرة الأولى من محرّم وأيام شهادة سيّد الشهداء عليه السلام، وهي أفضل وسيلة للإنسان من أجل التوسّل؛ فهذه كلّها أيّام جعلها الله، جعلها الله.

  • لقد جعل الله لكم أيّامًا، جعل نفحات في أيّام فتعرضوا لها، اجعلوا أنفسكم في معرضها ولا تغفلوا، وانتبهوا لكي يُصيبكم نسيم الصباح الذي يهبّ، لا تذهبوا إلى البيوت وتغلقوا الأبواب؛ لأنّ النسيم سيأتي ويمرّ؛ حينئذٍ لن تكونوا قد عرّضتم أنفسكم له.

  • «ألا فتعرّضوا لها ولا تُعرضوا عنها»: لا تبتعدوا بأنفسكم، لا تبتعدوا بتخيّلاتكم، لا تبتعدوا عن التعرّض بالانغماس في الذنوب، لا تبتعدوا بالانغماس في أعمال الدنيا ـ يعني أعمال اللهو واللعب لا أعمال الكسب، لا هذه جيّدة ـ لا تفصلوا أنفسكم عنها، «فتعرّضوا لها». حافظ أيضًا يقول هذا:

  • چو آن سرو روان شد کاروانی***چو شاخ سرو می‌کن دیده‌بانی 
  • يقول: بما أنّ شجرة السرو تلك [إشارة إلى قامة المعشوق‌] قد صارت قافلةً، فلتجعل من غصنها حارسًا.

  • انظر متى يأتي المحبوب، انظر، وتقدّم بنفسك إلى الأمام.

  • مده جام می وپای گل از دست***ولی غافل مباش از دهر سرمست 
  • يقول: لا تُفرّط في كأس الشراب وباقة الورد، لكن لا تغفل أيضًا عن سُكر الأيّام والدهر.

  • بينما أنت منشغل بالأعمال السلوكيّة، لا تُفرّط في كأس المدام والنشوة والجذبات، هذه الجذبات الجمالية، هذه الحالات السعيدة التي تأتي، لا تفرط فيها وانتبه، ولكن راعِ المسائل أيضًا، وخذ الظروف والجوانب في الاعتبار، واحفظ نفسك من مكر الزمان الخدّاع.

    1. بحار الأنوار، ج ٦۸، ص ٢٢۱؛ مع اختلاف في العبارة.

ما هو مقام معرفة الله؟ - العرفان المزيّف

19
  • لب سرچشمه‌ای وطرف جویی***نم اشکی وبا خود گفت وگویی 
  • نیاز من چه وزن آرد بدین ساز***که خورشید غنی شد کیسه پرداز 
  • يقول: على شفير عينٍ وبجانب جدولٍ *** بللُ دمعٍ وحديثٌ مع الذات 

  • أيُّ وزنٍ لحاجتي في هذا اللحنِ، والشمسُ الغنيّةُ قد غَدَت تُعطي من كيس (أي أصبح عطاؤها محسوبًا ومحدودًا)؟!]

  • الله لا يحتاج إلينا، الله لا يحتاج إلى بلل دموعنا هذا؛ كلاّ، ولكن علينا أن نقترب بأنفسنا، ويجب أن نلجأ إلى وسيلة.

  • چو نالان آیدت آب روان پیش***مدد بخشش ز آب دیده خویش 
  • به یاد رفتگان ودوستداران***موافق گرد با ابر بهاران 
  • يقول: عندما يأتيك الماء الجاري باكيًا *** أمدده بفيضِ دمعك

  • وفي ذكر الراحلين والأحباب *** كن رفيقًا لغيمِ الربيع

  • حافظ هنا يجعل التضرّع والابتهال في منتصف الليل والتوسّلات وسيلةً لإزالة الكثرات والذهاب إلى عالم القدس؛ هو نفسه يقول:

  • هر گنج سعادت که خدا داد به حافظ***از یمن دعای شب وورد سحری بود 
  • يقول: كلُّ كنزِ سعادةٍ أعطاهُ اللهُ لحافظ *** كان بِبَركةِ دُعاءِ الليلِ ووِرد السحر

  • أهميّةُ محبّةِ الصالحين وكونُها وسيلةً للنجاةِ

  • كان المرحوم العلامة يقول: حافظ هنا يُعلّم الإنسان طريق السلوك والوصول، فبناءً على ذلك يجب فعل هذا. يقول الإمام السجّاد عليه السلام: إلهي! أدعوك بلسانٍ قد أخرسه ذنبه.... حسنًا، هذا الكلام هو كلام الإمام السجّاد عليه السلام، وهو يصف حالنا. حسنًا، متى يصلح هذا اللسان؟ متى يخرج هذا القلب من الموت؟ عندما يسير في هذا الطريق، عندما يُطابق نفسه مع الموازين، عندما يطرح الأهواء التي تعرضه، عندما يريد الشيطان أن يخدعه، لا ينخدع، لا ينخدع، ولا يقول: «هذا لا بأس فيه»، كلاّ، بل فيه بأس! لا يقول: «هذا لا يتعلّق بي الآن»، كلاّ! إنّه يتعلّق بك؛ بمجرد أن يقول: «لا يتعلّق بي»، يضحك الشيطان قهقهة، ويقول: «لقد فعلتُ ما أريد».

  • الحمد لله الذي وضع حُبّ هؤلاء في قلوبنا على الأقلّ، على الرغم من أنّنا لسنا من أهل هذه الأمور، ولسنا من أهل هذه المسائل، ولم نكن أهلاً لهذه المسائل، ولكن الشكر لله الذي وضع حُبّ هؤلاء الأفراد في قلوبنا على الأقلّ. فالآن، الأفراد في الدنيا كثيرون، الجماعات كثيرة، الأشخاص كثيرون، المغريات الظاهريّة والماديّة كم هي كثيرة! هم أيضًا لديهم أفراد خاّصين بهم، هم أيضًا لديهم جماعات خاّصة بهم، وهم أيضًا لديهم طلاّب خاصّين بهم في هذه الدنيا.

ما هو مقام معرفة الله؟ - العرفان المزيّف

20
  • متاع کفر ودین بی‌مشتری نیست***گروهی این گروهی آن پسندند ۱
  • يقول: بضاعتا الكفر والدين ليستا بلا مشترٍ *** جماعة تُفضّل هذا وجماعة تُفضّل ذاك

  • يجب علينا أن نشكر الله أنّه على الرغم من أنّنا لسنا منهم، ولكنّنا طلاب لهم.

  • أحبّ الصالحين ولست منهم... لعلّ اللَه أن يرزقني الصلاح. أحبّ الصالحين وإن لم أكن منهم، لعل الله أن يرزق... الله يرزق الصلاح؛ فنحن نعيش على ذلك. قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «المرء مع من أحبّ».٢ الإنسان يُحشر مع من أحبّ. نأمل أن يجعلنا الله ببركة هذا الشهر من جملة مُحبّيهم، وإن لم نكن أهلاً لهم، فليحشرنا الله مع من.... 

  • حقًّا، فكّروا في الأمر: المرحوم السيّد الحدّاد عندما كان يحين يوم كهذا، يوم عيد الفطر، كان يذهب، ويبدأ بزيارة دوريّة شكرًا لله على الضيافة الإلهيّة؛ فيبدأ من النجف ويتشرّف بزيارة أمير المؤمنين عليه السلام، ثمّ سيّد الشهداء عليه السلام، ثمّ يذهب إلى الكاظميّة وسامراء، حيث كان يفعل هذا كشكر وتقدير. شتّان بيننا وبينهم؟! 

  • يقولون: إلهي، نشكرك لأنّنا عشنا هذا الشهر، وكتبته في تقديرنا، ووفّقتنا لإدراكه.

  • حسنًا، أمّا برنامجنا:

  • مجلس تمام گشت وبه آخر رسید عمر***ما همچنان در اول وصف تو مانده‌ایم 
  • يقول: انتهى المجلس ووصل العمر إلى آخره *** وما زلنا في بداية وصفك

  • نأمل أن يتجاوز الله ـ إن شاء تعالى ـ عن تقصيراتنا بحقّ مُطهّريه، وأن يُعاملنا بلطفه وكرمه ورحمته وفضله، لا أن يُعاملنا بعدله وقسطه، وأن يُديم ظلّ حضرة وليّ العصر عليه السلام على رؤوسنا، وأن يجعلنا من أنصاره والمنتظرين الحقيقيّين له، وأن لا يحرمنا في الدنيا من زيارته وفي الآخرة من شفاعته.

  •  

  • اللَهم صلّ على محمد وآل محمد.

    1. رباعيات بابا طاهر.
    2. الكافي، ج ٢، ص ۱٢۷.