المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
المجموعةسنة 1428
التاريخ 1428/09/17
التوضيح
كيف نتجاوز قراءة الأدعية إلى فهمها والعمل بها؟ لماذا يناجي الإمام المعصوم بلسان المذنبين؟ كيف تُدحض أعذار المقصرين يوم تشهد الجوارح؟ تتناول هذه المحاضرة الثالثة عشرة من سلسلة شرح دعاء أبي حمزة الثمالي للسيد محمد محسن الحسينيّ الطهرانيّ رضوان الله عليه، هذه الأسئلة، داعيةً للتدبّر في مضامين الأدعية وسيرة الأولياء، ونبذ السطحيّة والنفاق، والتأكيد على مسؤوليّة السعي نحو الحق والاستعداد ليوم الحساب.
هو العليم
لزوم التدبّر في أدعية الأولياء وسيرتهم لفهم حقيقة المسؤوليّة أمام الله
ألم تكن أرض الله واسعة؟
شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢۸ هـ - الجلسة الثالثة عشرة
محاضرة القاها
آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدّس الله سره
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على سيدنا ونبينا أبي القاسم مُحمّدٍ
وعلى آله الطّيبين الطّاهرين
واللعنة على أعدائِهم أجمَعينَ
«أدْعُوک يَا سَيِّدِي بِلِسَانٍ قَدْ أَخْرَسَهُ ذَنْبُهُ، رَبِّ أُنَاجِيكَ بِقَلْبٍ قَدْ أَوْبَقَهُ جُرْمُه»
مولاي! إنّي أدعوك بلسانٍ قد أسكته ذنبه عن ندائك، وأناجيك بقلبٍ قد أهلكه جرمه. إنّي أخاطبك وأنا في هذه الحال.
فالدعاء الظاهري يكون باللسان، والدعاء الباطني يكون بالقلب؛ وحالي في كلا الأمرين على هذا النحو، فلا قلبَ سليمًا أمتلك، ولا لسانًا ناطقًا للطلب ولبيان حاجتي.
ما وراء قراءة الأدعية: أهميّة الفهم والتدبّر
هذه الفقرات وسائر الفقرات، كلّها -كما ذكرتُ- لتذكيرنا اليومي. لقد جرت العادة الآن على قراءة دعاء أبي حمزة في شهر رمضان فقط، ولكن دعاء أبي حمزة لا يختصّ بشهر رمضان، بل يجب على الإنسان أن يقرأه دائمًا وأن يكون متنبّهًا دائمًا. أو دعاء كميل الذي جرت العادة على قراءته في ليالي الجمعة والإحياء، واستحبابه مرتبط بتلك الأوقات، ولكن لا يعني هذا أن ينسى الإنسان دعاء كميل من أسبوع لآخر، ثم يأتي الأسبوع التالي ليقرأ دعاء كميل، وذلك أيضًا بتلك الأساليب والتصرفات والكيفيات التي فيها كل شيء إلا الدعاء. الدعاء يجب أن يكون دائمًا، وتذكّره للإنسان دائمٌ. أنا لا أقول أن يقرأ الإنسان الدعاء من الصباح إلى المساء، فهذا أيضًا لا طائل منه ولا فائدة فيه. ذكرتُ مرّة للرفقاء أنّ كثرة القراءة لا توصل أحدًا إلى مبتغاه. إنّ الفهم هو الذي يسبّب حركة الإنسان وتغيّره، ويؤدي إلى انفتاح فهمه. فلو قرأتُ عليكم الآن تعويذةً سحريّة، لن يفهم أحدٌ ما معناها وما خاصيّتها. أو إذا قُرئ لشخصٍ كلامٌ بلغة أخرى وهو لا يعرف تلك اللغة، فماذا يفهم؟ ماذا يدرك؟ ومع ذلك، لا ينبغي إنكار الحقّ، فالحُسن الذي تتمتّع به آيات القرآن وأدعية المعصومين عليهم السلام هو أنّ نفس قراءة العبارات التي صدرت من تلك الألسنة ومن تلك القلوب، هي بحدّ ذاتها سبب للبركة والنور. وهذه مسألة ذكر فيها الأعاظم أيضًا أمورًا، ولدينا روايات أيضًا بهذا الخصوص. ففي النهاية، لا علاقة أبدًا بين الكلام الذي هو إنشاء الله تعالى والكلام الذي هو إنشاء إنسان عادي وأفكاره محصورة في نطاق الأفكار العادية.
بين الوحي والأدب: نقد الفهم السطحي للنصوص الدينيّة
إنّ قراءة عبارةٍ تنبع من كلام المعصوم ومن نفسه القدسيّة والمطهّرة ـ وهي نفسها نزول لمراتب أسماء وصفات الله تعالى من نافذة نفس المعصوم، فلا فرق إطلاقًا ـ تختلف كثيرًا عن قراءة حكاية من گلستان أو بوستان سعدي. سمعتُ من رجل جاهل وأحمق أنه قال: لا فرق بين أن تقرأ القرآن أو بوستان سعدي، أليس بوستان سعدي هو نفسه القرآن! كم يجب أن يكون الإنسان أحمق لينطق بمثل هذه السخافة! يا لهذا الجاهل! لقد اقتبس سعدي القرآن من نافذة فهمه هو، وسعدي رجلٌ عادي أدبه وبلاغته جيّدة، ولم يأتِ مثله في صياغة الكلمات والتعابير، وفي قرض الغزل والأمور الحكميّة التي لديه، والتي أخذها من الروايات ونسبها كلّها لنفسه! فهذا جيّد جدًّا، لقد أخذ كلّ كلام النبيّ والأعاظم ولم يقل أصلاً من أين أتى به. أين سعدي وأين حافظ؟ إنّ الفاصلة بينهما كالفاصلة بين الأرض وعرش الله، لا بين الأرض والمجرّة وزحل. كان سعدي يمشي على التراب، وكان حافظ يحلّق في العرش، وكان مولانا جلال الدين الرومي يتحرّك في العرش، كان العرفاء يمشون في حرم الله ويسيرون هناك. لا ينبغي للإنسان أن يعطي قيمةً أكثر من اللازم لمن يأتي بتلك السخافات في آخر "البوستان" و"الكليّات". فالإفراط خطأ والتفريط خطأ، يجب على الإنسان في التقييم أن يأخذ بنظر الاعتبار جوانب الأمر؛ يعني باعتقاد جنابكم، هل ستعطي قراءة "البوستان" بدلاً من القرآن في شهر رمضان نفس الثواب! يا لك من أحمق! وكلّ هذا بسبب هذه العقول المتأثّرة بالغرب التي أتت لتنظر إلى القرآن من منظورها الباطل والدنيويّ والنفسانيّ. ذلك المنظور الذي يأتي ليصوّر حافظًا على أنّه رجلٌ مدمن للخمر ومُلاحِقٌ للمعشوقات، فهل تتوقعون منه أن يأتي ليكتب لكم دعاء كميل؟ ليس لديهم إلا الضحك والاستهزاء والفراغ، ومبلغ علمهم هو هذا: ﴿ذَٰلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ﴾۱ إنّ قراءة القرآن والروايات وأدعية الأئمة المعصومين ـ ليس الروايات التي ينقلها الأفراد، لا! بل الأدعية التي صدرت من لسان الإمام نفسه وسجّلها وضبطها أصحابه ـ مؤثّرة. كان المرحوم السيّد الحدّاد يقول لي: الذكر الفلاني يجب أن يُقال بهذه الكيفيّة وبهذا المعنى. وإن كان الإنسان يقول الذكر بدون هذا المعنى فهو مفيد أيضًا، ولكن أين أثر ذاك وأين أثر هذا؟
هل يكفي الدعاء في رمضان؟ لزوم الاستمراريّة في الذكر والتذكّر
وهذا أمرٌ مهم جدًّا أن نعلم أنّ هذه الأمور هي لنا وتتعلّق بحياتنا ومعاشنا، وأنّ كل إنسان في أي وضع كان، وفي أي مجال ومكانة كان، يجب أن يطبّق نفسه مع هذه الأمور قدر الإمكان، وأن يضع نفسه حقًا في مثل هذه المكانة. ولا نكتفي بمجرّد الاغتباط بأنّ شهر رمضان يأتي مرّة في السنة ونجلس في الليالي نقرأ دعاء الافتتاح ونتحدّث معًا ويكون هناك ألفة وأنس. لقد كنتُ شاهدًا بنفسي كيف أنّ الأعاظم كانوا يضعون دعاء أبي حمزة على مكاتبهم طوال حياتهم ويقرأونه، وكانوا يقرأون دعاء الافتتاح وسائر الأدعية. عندما كان المرحوم العلامة يطلب بأن يطالع الإنسان رواية عنوان البصريّ الشريفة مرّتين في الأسبوع، فهذا ليس عبثًا، لأنّ كلّ مرة هي بمثابة مطرقة وتنبيه وإيقاظ. نرى اليوم القضايا التي تحدث؛ يقيمون مناسبات بأنواع مختلفة ليبقوا ذكراها حية؛ شخصٌ مات قبل خمسين عامًا، يقيمون له ذكرى سنويّة، عظامه قد تلاشت، لا بل تبخّرت وتصاعدت في الهواء، فلماذا إقامة هذه المراسم؟ لكي تشحن الأذهان وتُشنّ حملة إعلاميّة. المجلس الذي لا علاقة له بالموضوع، نذهب ونقيمه فيه مجلسًا يُذكر فيه الأئمة، حسنًا، أقيموه في البيت المجاور! لا، نقيمه في المكان الفلاني، لماذا؟ لم تحترق قلوبنا على الأئمة، بل تحترق قلوبنا على أنفسنا وعلى مكانتنا. بعد شهرين نضع شيئًا آخر وسط الصحراء ومسجد جمكران وجبل الخضر! لماذا؟ نريد أن نجد ذريعة بهذه المجالس للوصول إلى نيّاتنا. بالطبع، يجب على الإنسان أن يتذكّر الأعاظم، ويجب في الحياة توفير الوسائل التي تؤدّي إلى تذكّرهم.
وسائل التذكّر: أثر صور الأولياء في إيقاظ القلب
كان المرحوم العلامة يقول: ضعوا صور الأئمة في بيوتكم، قبّة الإمام، ضريح الإمام، وكتابات بشكل جميل، لا بأس، لتكن أنيقة جدًّا بحيث تجذب الانتباه. إذا كان هناك فرد من العائلة يذكّر الإنسان بالآخرة عند تذكّره، فما أجمل أن تكون صورته موجودة. عالمٌ يكون التوجّه إليه مفيدًا للإنسان. ربما قلّما يمرّ يومٌ عليّ وأنا في المنزل في الطابق الذي أسكن فيه ـ لأنه لا توجد صور في المكان الذي أتواجد فيه، بل هي في غرفة أخرى ـ دون أن آتي مرّة أو مرّتين في اليوم وأنظر إلى صور هؤلاء الأعاظم. قلّما حدث ذلك، وكلّ مرّة فعلت ذلك، استمددتُ قوّة. والآن، بدلاً من أن يضع الإنسان صور هؤلاء، يضع صورًا لا تنفع دنيا الإنسان ولا آخرته. كان المرحوم العلامة يقول: إذا لم تضعوا هذه الصور في منازلكم، فستوضع صور أخرى هنا. فالجدار يحتاج إلى إطار، ولا أحد يقبل الجدار الأبيض، يجب أن يُعلّق شيء على الجدار ويجب أن يوضع شيء على الرفّ. فإما أن تكون صور أفراد ومواقف تذكّر الإنسان بالله والقيامة والمعتقدات ووضعه هو، أو توضع صور الممثّلين، وتوضع التماثيل؛ تماثيل الكلاب والقطط و... والأشياء القديمة، ففي النهاية، يجب أن يكون هناك جذب للانتباه إلى المظهر في المنزل وفي المحيط. من الجيّد أن يخطّط الإنسان آيات القرآن بشكل جميل ويضعها في إطارات جميلة، وأن يختار جملاً من الأدعية الواردة عن الأئمة، وأن تكون لها ترجمة۱ أيضًا ليفهمها الإنسان. فالدعاء نفسه فيه بركة، ولكن أن يفهم الإنسان الترجمة أيضًا ويتعمّق في نفسه قليلاً، فهذا أفضل.
لماذا يناجي الإمام المعصوم بلسان المذنبين؟
هؤلاء الذين قالوا هذه الأمور، قد حزموا أمتعتهم ولا يحتاجون أن نجلس نحن ونقرأ دعاء أبي حمزة للإمام السجّاد عليه السلام؛ فالإمام السجّاد عليه السلام حزم أمتعته وذهب إلى مكان لا أفهمه أنا وأمثالي أصلاً، فكيف يذهب! وكل من يتحدّث، يتحدّث فقط في حدود أفكاره هو. كنتُ شاهدًا بنفسي، كنّا في محضر المرحوم العلامة، وكان أحد أكبر العلماء والفلاسفة وأهل العرفان الظاهري قد جاء لزيارته وكان يتحدّث عن دعاء أبي حمزة الثمالي هذا، وكان لديه اعتراض ويقول: ألسنا نقول بعصمة الإمام السجّاد عليه السلام؟! ـ وهو لا يزال حيًّا الآن ـ فهل يرتكب الإمام السجاد عليه السلام ذنبًا؟! يضحك الإنسان، كيف يقول الإمام السجّاد عليه السلام هذه الأمور وهو في مثل هذه الحال؟ هناك الكثير من هذه الأمور في دعاء أبي حمزة هذا، فعلى سبيل المثال: «أَدْعُوک يَا سَيِّدِي بِلِسَانٍ قَدْ أَخْرَسَهُ ذَنْبُهُ، رَبِّ أُنَاجِيكَ بِقَلْبٍ قَدْ أَوْبَقَهُ جُرْمُهُ» فهل اتّهم الإمام السجّاد عليه السلام أحدًا أو اغتاب أحدًا؟ ما هي ذنوب اللسان؟! الاتّهام والغيبة والسبّ وشهادة الزور والكذب و...، فهذه هي ذنوب اللسان. فهل شهد الإمام السجاد عليه السلام زورًا في محكمة قطّ؟! هل طُلب منه شيءٌ فقال باطلاً؟ الإمام السجاد عليه السلام الذي يقول: لو أنّ السيف الذي قُتل به أبي أُودِع عندي أمانةً، لأعدتُ الأمانة في وقتها. هل من يقول هذه الكلمات، يأتي ليتّهم أحدًا؟
المظاهر الخادعة: حين يحلّ النفاق محلّ التقوى
هذه الكلمات لنا نحن الذين نتّهم في مواضع الاتهام، ونتظاهر بلباس الدين ولكنّنا نغتاب ونتّهم ونشهد بالكذب ونسمّي ذلك هداية وإرشادًا.
كنتُ حاضرًا بنفسي ورأيتُ بهاتين العينين، كنا في مجلس وعندما وُجِّهت تهمة، قلتُ: هذا المتّهم لم يفعل هذا الأمر. قالوا: لا، ولكن من المصلحة أن يُقال ذلك. في إحدى الصحف أتذكّر أنه وُجِّهت تهمة لشخص بريء ـ وقد توفّي ذلك الرجل أيضًا، كان أحد أئمة الجماعة في أصفهان، رأيته مرة واحدة فقط في سفر، كان في قطارنا وفي مقصورتنا، كان رجلاً طاعنًا في السنّ، كان صالحًا ومنشغلاً بنفسه ـ في وقت وزمان ما بعد الثورة، وُجِّهت إليه تهمة في إحدى الصحف. والذي تابع هذه القضيّة بنفسه نقل لي مباشرة فقال: قلتُ للمسؤول نفسه: إنّكم اتّهمتم هذا الرجل، وأنا أعرفه. يقولون: لا، هل يعقل؟ أفرادنا، مبعوثونا، محقّقونا، لا يتكلّمون عبثًا، وصحيفتنا ليست صحيفة تتحدّث دون تحقيق. قال: أرسلوا شخصًا من أفراد مكتبكم معي وعلى نفقتي، نذهب إلى هناك ونحقّق ونقدّم تقريرًا بالنتيجة. قالوا: حسنًا جدًا. وأرسلوا شخصًا ذهب مع ذلك الرجل وحققوا هناك وعادوا، فتبيّن أنه كذبٌ محض؛ كان لدى مجموعة من الناس حسابات معه، فجاءوا وخلقوا جوًّا ثمّ انعكست القضيّة في الصحيفة. قال: جئنا مع ذلك الشخص وشرحنا القضيّة للمسؤول، وهذا السيّد شهد أيضًا بأنّ الأمر هكذا. قال المسؤول: نحن لا نخرّب صحيفتنا، صحيفتنا لها اعتبار! فهل هذا دين!؟ اتهام المؤمن لا بأس به، اتهام رجل الدين لا بأس به، تشويه سمعة مؤمن في المدينة لا إشكال فيه، ولكنّ اعتبار الصحيفة يجب ألّا يُمَسّ! نعوذ بالله! ثمّ نكون نحن مبلّغين للنبيّ صلّى الله عليه وآله!.
قصّة تكميم الأفواه: عندما يُرفض الرأي الآخر في الأوساط العلمية!
والآن أيضًا الحال كذلك؛ في إحدى المجلات التي توزع في الحوزة، جاءوا وكتبوا مقالاً عن "الروح المجرّد"، وهو بالعربية أيضًا، كتبوا هُراءً ثمّ ادّعى أولئك أنفسهم أنّ المسألة إذا كانت باطلة وقدم أحدٌ شيئًا لتصحيحها، فسننشره. قُدِّم مقالٌ لينشروه، فقالوا: لا ننشره!.
ـ ألم تقولوا أنتم؟!
وإلى الآن لم يُنشر. فهذه الأمور موجودة وفي كلّ مكان وفي كلّ لباس. فليسمع الناس، لقد قيل كلامٌ حول هذه المسألة، ورآه الجميع وقرأوه، وكُتب هناك أيضًا أنّ هذا السيّد الطهراني لا يعرف العربيّة أصلاً وأنتم جئتم وقدّمتم شخصًا فقد قواه العقليّة على أنه عارف! في قضيّة الحافلة وعدّ الأفراد... فهل يمكن لإنسان أن يعرف سبعة أو ثمانية أفراد ولا يعرف نفسه؟! فهذا فقَد قواه العقليّة! بهذا التعبير عبّروا، ليذهب أهل العلم والأصدقاء والفضلاء وليروا إلى أي حدٍّ كلامنا مقرون بالصحة. قلنا: حسنًا، هذا رأيكم، والآن اطبعوا الرأي المخالف أيضًا! وحتّى هذه الليلة، وهي الليلة الرابعة والعشرون، لم يُنشر. وقد مضت سنوات على هذه القضيّة.
البكاء والتباكي دون تفكّر: هل نخدع أنفسنا؟
نأتي في الليالي ونقرأ دعاء الافتتاح، ونقرأ دعاء أبي حمزة ونبكي أو نتباكى، ونقيم المجالس والقرآن! فأيّ مجلس وأيّ دعاء؟! وبمن تسخرون؟! بمن تتلاعبون؟! تقرأ دعاء أبي حمزة؟! لو فكّرنا دقيقتين في دعاء أبي حمزة هذا بدلاً من هذه الأعمال، لهربنا إلى جبل قاف من الأعمال التي قمنا بها في هذه الدنيا، لهِمنا على وجوهنا في الصحاري من الأعمال التي نرتكبها. لو فكّرنا دقيقتين فقط، لا أن نقرأ مثل جهاز التسجيل ونصل إلى هناك وندير رؤوسنا ونتظاهر بالبكاء، والناس يقولون: قد خرج من عيوننا مَنٌّ من الدموع! لا! ليس الأمر هكذا.
كيف كان الأعاظم يتفاعلون مع الدعاء؟
كان الأعاظم يجلسون ويضعون هذه الأدعية أمامهم، يقيّمون مكانتهم، يقيّمون وضعهم. وعندما يقول الإمام السجاد عليه السلام: «أَدْعُوک يَا سَيِّدِي بِلِسَانٍ قَدْ أَخْرَسَهُ ذَنْبُهُ، رَبِّ أُنَاجِيكَ بِقَلْبٍ قَدْ أَوْبَقَهُ جُرْمُهُ»، كانوا يعزمون على أن يغلقوا ألسنتهم حتّى صباح الغد، ليوم واحد فقط، على الأقل. «رَبِّ أُنَاجِيكَ بِقَلْبٍ قَدْ أَوْبَقَهُ جُرْمُهُ»، كانوا يعزمون على ألّا يخطر في قلوبهم سوءٌ تجاه مؤمن، ألّا يكون في قلوبهم تصوّر باطل، ألّا يكون فيها تعدّ على أحد، ألّا تكون فيها نيّة سيّئة تجاه أحد، ألّا يكون فيها خداعٌ لأحد، من هذه الأمور التي تدفع الإنسان إلى الكثرات وتبعده عن الأصل والمبدأ والتوحيد.
نفسك تشهد عليك الآن: حقيقة الشهادة الباطنية
هذان الجانبان اللذان ذُكرا للرفقاء۱، يجب أن يلتقيا. الجانب الأول الذي ذُكر هو جانبنا التوحيدي، ذلك الجانب هو جانبٌ يبقى على صفائه، يبقى على نوريّته، لا فرق فيه بين كافر ومؤمن. ذلك الجانب الذي هو جانب الربط وحقيقة التوحيد ومظهر تجلّي التوحيد، وهو نفسه الذي يشهد يوم القيامة ويشهد الآن كما ذكرت للرفقاء الليلة الماضية. إنّه يشهد الآن تمامًا، لكنّنا لا ندرك شهادته، آذاننا لا تسمعه الآن ولكن العارف يدركه، العارف يميّز، العارف عندما ينظر إلى شخص يفهم من عينيه هل نظر نظرة باطلة اليوم أم لا. لا يحتاج إلى الآخرة. العارف عندما ينظر إلى فرد يدرك هل سمعت أذنه الحرام اليوم أم لا. لا أنّ العارف يخلق من عنده ويصنع، لا! تلك الأذن تشهد الآن، أنا لا أسمع وهو يسمع، الفرق بيننا هذا فقط. هذه العين تشهد، أنا لا أرى وهو يرى، لم يتغيّر شيء، المسألة فقط مسألة رؤية وعدم رؤية، مسألة قدرة على الرؤية لا أنها خلق جديد. ليست ظاهرة جديدة، ذلك البدن يشهد، هل عبدتُ الله اليوم أم لم أعبده، القلب يشهد، الفكر يشهد.
قصّة آية كشفت نيّة خفيّة: بصيرة العارف
كنتُ يومًا في محضر المرحوم العلامة، كان يكتب شيئًا وكنتُ أنا بجانبه مشغولاً بالمطالعة، كان هو منشغلاً بعمله وأنا منشغلاً بعملي ولم نكن نتحدّث أيضًا. فقال: ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾٢ أنت أمام أعيننا، فماذا كانت القضيّة؟ كنت قد نويتُ الليلة الفائتة ودون أن أخبر أحدًا، أن أقوم بعمل دون أن يعلم هو؛ لم يكن العمل باطلاً ولكن كان يجب أن يكون هو على علم به. قلتُ إذا علم قد يمنعني، فلن أخبره وسأقوم به. وفي صباح الغد وضع الأمر واضحًا أمامي ثمّ تابع عمله وقرأ هذه الآية فقط. فمن أين علم؟! القلب يشهد، هو يرى وأنا الذي خطرت هذه النية ببالي لا أرى، نسيت. وبالصدفة، عدلتُ عن الأمر لاحقًا ولم أقم به، فقط نويته. عندما نويتَ انتهى الأمر وبقي. في الغد يأتي من يجب أن يرى ويقدم تقرير العمل، فانتبه! العمل الذي تريد أن تقوم به أخبرني به. ثمّ قال عصرًا: فيما يتعلق بالأمور التي تظنون أنكم تستطيعون القيام بها وحدكم، ضعوني في الصورة. قال هذا وذهب. وهذا هو الثاني! إلى متى لا نفهم؟ فلنفهم إذن! عزيزي، كيف يأتون ليقولوا؟ لقد سجّلتَ الليلة الماضية! هل أقول في أي ساعة؟ لا! لا يقولون هكذا أيضًا، ولا يقولون مباشرة، بل يوصلون الأمر بالإشارة، ويجب التقاط الإشارة. وقد حدث كثيرًا جدًّا أن كنّا في محضر الأعاظم، في محضر السيّد الحداد رحمه الله، فكانوا يتعامل بهذا الشكل.
لا كلمة عبثيّة: ضرورة التيقّظ في محضر الأولياء
لقد نقلتُ حكايات للرفقاء والأصدقاء في هذا المجال؛ عملٌ قمنا به، أشاروا إليه ضمن حكاية. لذلك كان المرحوم العلامة يقول: عندما يكون الإنسان مع الأعاظم، يجب أن يكون حذرًا تمامًا، ليرى أين تصبّ هذه الأمور. الرجل العظيم، ومن كان من أهل التوحيد، لا يقول كلمة عبثيّة أبدًا، ولا يروي قصّة وحكاية، ولا يضرب مثلاً عبثًا؛ في عباراتهم أمور، لكن على الإنسان أن يركّز جيّدًا ليدركها.
شهادة الجوارح والجوانح في الدنيا
في هذه الدنيا نفسها يشهد البدن، في هذه الدنيا نفسها، تشهد القوى الجوارحيّة والجوانحيّة بكلا وعيها، وتُظهر وتُبيّن ما مرّ عليها. لكنّ رؤية تلك الأمور تحتاج إلى عين أخرى، سماع تلك الأمور يتطلّب أذنًا أخرى، إدراك تلك النوايا يقتضي قلبًا آخر، وهذا له محلّه؛ الإمام عليه السلام ينبهنا إلى هذه النقطة. الجانب الآخر يبقى للحديث عنه لاحقًا. أما الجانب السابق، وهو الجانب التوحيدي، فكلّ هذه الشهادات للأعضاء هي بسبب تلك الحقيقة الربطيّة، وفي يوم القيامة، هذه الحقيقة الربطيّة نفسها تُظهر كلّ الوقائع والحوادث التي سجّلتْهَا في نفسها.
المرحلة الأولى في الحساب: محاولات الاعتذار الواهية
لذا يوجد هنا مقامان؛ المقام الأول هو مقام الاعتذار، وهو مقام يريد فيه الإنسان التملّص من المسؤوليّة والفرار منها. ظنّوا أنّ الآخرة مثل هذه الدنيا ويمكنهم تبديل الملفّات، فيصبح الظالم مظلومًا والمظلوم ظالمًا. هنا يفعلون هذه الأعمال كثيرًا، إلى ما شاء الله، ولكن هناك ليس الأمر كذلك. لقد اعتادوا على هذه الأعمال في هذه الدنيا، فيقولون في الآخرة أيضًا: يا إلهي! لا وجود لهذه الأعمال، لم نكن نحن الفاعلين، كنّا مظلومين ولم يكن لنا ذنب. ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ ۖ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ ۚ بَلَىٰ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾۱.يقولون: كنّا مستضعفين وهذه الأعمال التي قمنا بها كانت عن جهل، هذه المخالفات التي ارتكبناها لم نكن نعلم بها. وظنوا أنهم يستطيعون خداع الله أيضًا! لم تتّضح لهم القضيّة بعد ولم يُرفع الحجاب، فيقولون: كنا مستضعفين ولم تصل إلينا المعلومات، وهذه المخالفات التي ارتكبناها، وعبادة الأصنام والشرك وهذه الأمور الباطلة التي فعلناها على الأرض، كانت بسبب أننا لم ندرس ولم نكن مجتهدين ولم نقرأ "قال الصادق وقال الباقر" ولم نكن نعرف التفسير. حسنًا، خالفنا، فما المشكلة في ذلك؟
الردّ الإلهي: ﴿أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّـهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا﴾؟
فتردّ الملائكة: ألم تكن أرض الله واسعة؟ لم يسجنوكم ويغلقوا الباب عليكم، لا! لقد عشتم في هذه المدينة باختياركم، وبسبب وجودكم في هذه المدينة كانت أعينكم تقع على غير المحارم. كانت مدينة كلّ نسائها متبرّجات، سافرات، عاريات. كنتم تخرجون من البيت فتقع أعينكم على النساء المتبرّجات، وبطبيعة الحال، كنتم تقعون في ذنوب أخرى. كان عليكم أن تخرجوا من تلك المدينة.
هل البيئة مبرّر للانحراف؟ نقد لمنطق "يجب أن أُبنى في المجتمع الفاسد!"
من قال لكم أن تعيشوا في كاليفورنيا؟ من قال لكم أن تعيشوا في أوروبا؟ من قال لكم أن تعيشوا في بلاد الكفر؟ تعالوا إلى إيران والعراق والبلاد الإسلاميّة، انظروا أين حجاب النساء أفضل وتحفّظهنّ أفضل وأين تُراعى الأحكام أكثر، فاذهبوا وعيشوا هناك. ستجدون رزقًا وقوتًا لأنفسكم، والله سيرسل لكم الرزق والقوت أيضًا، وليس من الضروري أن تبنوا قصورًا وأبراجًا. عيشوا وستبقى زوجاتكم وأطفالكم وأنفسكم وأفكاركم محفوظة. في الزمن السابق، زمن الشاه، عندما كنّا نخرج من البيت، لم نكن نستطيع النظر إلى أيّ مكان، كان الجوّ كلّه ملوّثًا ومكدّرًا وظلمانيًّا. ماذا كان على واجهات المسارح ودور السينما؟ أصلاً في ذلك الوقت لم يكن بالإمكان القول إنّ هذه دولة إسلامية. قال المرحوم العلامة مرّة: بدلاً من تسمية طهران بطهران، ليسموها باريس، فما الفرق بينهما؟ اذهبوا إلى بيروت التي معظم سكّانها مسلمون والبلد بلد مسلم، هل ترون بيروت مدينة مسلمة؟! مسلموها أسوأ من النصارى. اذهبوا إلى صور التي لا يوجد فيها نصارى، في مدن لبنان انظروا ما الخبر؟! أسوأ من الخارج، أسوأ من...! هل الإنسان مجبر؟! هل ربطوا يدي الإنسان ورجليه؟! نحن ارتكبنا الذنوب لأنّ وضع البيئة والمجتمع كان يقتضي ذلك، والإنسان يجب أن يُبنى في المجتمع! احذر أن يبنوك هم! هل هو بناء سكني ليُبنى؟ ترمي نفسك في ألف مستنقع وتتوقع ألّا تتنجّس؟! اذهب عند المصابين بالجذام والوباء، إن كنت صادقًا قل هناك: الوباء يخطئ إذا جاء إليّ، هل يستطيع أن يأتي؟! يجب أن أبني نفسي مع جرثومة الوباء هذه، يجب أن أواجهها. ستصرعك على الأرض بحيث تذهب إلى العالم الآخر في غضون يومين! اذهب إلى مكان فيه مرض معدٍ، انظر هل تستطيع أم لا؟ كلّ هذا فيه إشكال، ولكن فقط هنا، حين ترتبط المسألة بالدين فلا إشكال!
هنا يُبنى الإنسان! يخرج ويقول: يجب على الإنسان أن يبني نفسه، يجب على الإنسان أصلاً أن يكون في هذه البيئة لينمو، يجب أن يذهب إلى وسط البيت الفلاني ومركز الفساد.
هل يكفي اتّباع الجموع؟ المساءلة عن ترك الاسترشاد
كم واحدًا من هؤلاء أصبحوا سلمان الفارسي؟ أيّها الأحمق! قل لي كم واحدًا أصبح سلمان وعمّارًا والمقداد وأصحاب الأئمة وأولياء الله؟ قولوا! كلّ من ذهب رأينا عاقبته، كلّ من كان لديه هذا المنطق فوضعه معروف، وهو فقط للفرار من المسؤوليّة واللامبالاة. المنطق هو منطق اللامبالاة وانعدام الدين. يوم القيامة، تقول الملائكة: اخرس! اجلس في مكانك! كنت تظنّ في الدنيا أنّ اثنين أبلهين يصدّقان كلامك، فهل نحن أيضًا أكلنا التبن مثلهم؟ أظننت أنّ هذا العالم هو الدنيا أيضًا! تقول الملائكة: هل تظن أننا مثل هذين الأحمقين اللذين تضلّلهما بكلامك المعسول؟ نحن ملائكة كان العالم بأيدينا، كلّ سجلّك بأيدينا، تحمّل العواقب! كان عليك أن تقوم وتأتي لتعيش في مدينة أخرى وبلد آخر، لتحافظ على زوجتك وأطفالك وتحفظهم. هذه الأمانات الإلهيّة التي وضعها الله في يدك، بأيّ حق وضعتها في بلاد الكفر التي لا يحكمها إلا الانحراف واللادينيّة والفساد؟ أنت لم تجنِ على نفسك فحسب، بل جنيت على زوجتك وأطفالك أيضًا. قم، تعال لتحاسب! وكما ذكرتُ للرفقاء في الليالي الماضية ألم تكن المجالس متوفّرة؟ كان بإمكانك أن تذهب من مجلس إلى آخر لترى ماذا يقولون هناك وما هو منطقهم ولا تكتفي بمكان واحد وتستمع إلى كلّ الآراء. الله الذي أعطاك قدمًا، كان بإمكانك أن تستخدم هذه القدم. الله الذي أعطاك هاتفًا، كان بإمكانك أن تستخدمه. الله الذي أعطاك سيّارة، كأن بإمكانك أن تركب السيّارة وتذهب إلى مدينة أخرى لتسأل وتستوضح الحق. هذا هو المهمّ، فغدًا سيأتون إلينا نحن أيضًا. أنتم الذين تقومون بهذه الأعمال وتقولون هذا الكلام، كان عليكم أن تسمعوا الكلام المخالف أيضًا، ثمّ تحكموا هذا الحكم وتقولوا هذا الكلام. لا أن تقولوا لأنّ فلانًا قال فنحن نقول أيضًا؛ إذا قال فلان هذا، فالآخر يقول خلافه. إذا كان الأمر بقول فلان، فالآخر يقول خلافه. وهكذا هناك عدد من الناس، ونحن لا شأن لنا بأحد. إذا كان هناك عدّة من الناس، فهناك عدّة آخرون هنا أيضًا يفعلون خلاف ما يفعل أولئك. فهذه الجماعة تسير بهذا النحو ونحن نسير أيضًا، ولا شأن لنا بهم! في الزمان السابق عندما كان المرحوم العلامة في طهران، وقعت أحداث وكان أحد الرفقاء قد سار خلف هذه الجماعة. فقلت له: بأي دليل إذن سرت خلف هذه الجماعة؟ هل هذه الجماعة التي رأيتها تسير وتمرّ بجانب منزلك هي على حقّ أم تسير على باطل؟! قال: رأينا جماعة، هؤلاء مسلمون وهم نفس الذين يأتون إلى المساجد.
قلت: ألم يكن لديك أستاذ ومرشد؟! إذن لأي وقت يكون المرشد؟! فقط لتقبّل يده وتصلّي خلفه؟! إذن متى يكون دور الأستاذ والخبير والدليل؟!
قال: حسنًا، فعلنا وانتهى الأمر.
قلت: انتظر العواقب أيضًا. ومن العجيب أنني قرأت له هذه الآية نفسها؛ ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ...﴾ ولكن ذلك المسكين لم يفهم ما أقول، لأنه لم يكن متعلمًا. قال: ما معناها؟ قلت: اذهب واسأل عن معناها! ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ﴾ أولئك الذين يموتون وهم ظالمون لأنفسهم، ماذا كنتم تقولون وماذا كنتم تفعلون؟! لماذا تدخّلتم في الحدث الفلاني؟ ﴿قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ﴾ لم نكن نعلم، رأينا مجموعة من المسلمين يذهبون فسرنا خلفهم.
عبرة من كربلاء: مسؤوليّة المشاركة في سواد جيش الباطل
في واقعة عاشوراء، لا تظنوا أنّ كلّ الذين جاءوا إلى كربلاء ضربوا الإمام الحسين عليه السلام بالسيف! لا، لم يكن الأمر كذلك. تجرّأ بعضهم، وكثيرون لم يأتوا، أي أنّهم أشغلوا أنفسهم في الخلف؛ كانوا جزءًا من جيش عمر بن سعد وكانوا يتقاضون الأجور، وجاءوا مقابل عشرة أو عشرين أو مئة دينار لقتل ابن بنت رسول الله! انطلقوا مقابل كيسين من القمح! فهل يسمّى هذا إنسانًا! حتّى لو لم يكن مسلمًا، هل أنت إنسان! يعطونك كيسين من القمح ويقولون اذهب وارمِ ابن بنت رسول الله بسهم! أصلاً لو لم يكن ابن بنت رسول الله، ارمِ إنسانًا بسهم. يعطونك مائة ألف تومان، ويقولون ارمِ هذه القطة، هذا الكلب في الشارع بسهم! من يطاوعه قلبه أن يرمي؟ إنّه حيوان الله، فلماذا يرميه؟ إذا كان مؤذيًا فالأمر مختلف. أن يرمي حمامة ويجعل كائنًا حيًّا بلا حياة؛ لذلك، صيد الحيوانات بقصد التلذّذ حرام. لا يحقّ للإنسان أن يرمي الحمامة إذا كان قصده التسلية. إذا كان هناك حاجة وضرورة ولم يجد لحمًا، يقولون: بقدر الضرورة، وإلا فلا يحقّ للإنسان أن يرمي أيّ حيوان، أن يرمي وعلاً في الجبل، يرمي العصافير و...، كلّ هذا فيه إشكال، ما عدا صيد البحر كالسمك وما شابهه، فمسألته مختلفة. ولكنّ الحيوانات البريّة لا بأس بها فقط للضرورة أو للاستفادة أو لمن كانت مهنته هذه فقط ويتكسّب منها، وإلا فلو كانت للتسلية فكل هذا فيه إشكال. يعطون شخصًا مائة تومان، ويقولون: اذهب واقطع رأس ابن بنت رسول الله، فينطلق هو! وكان فيهم أفرادٌ يبتعدون بأنفسهم ويكتفون بركوب خيولهم، ولم تعد قلوبهم تطاوعهم على الاقتراب. قرأت في التاريخ أنّ أحدهم رأى النبيّ صلّى الله عليه وآله في المنام في ليلة الحادي عشر، رأى ملائكة العذاب والذهاب والإياب وجهنم وهذه الأمور. يأتي النبي صلّى الله عليه وآله ويمر، فيقول: يا رسول الله! أدركني. فيلتفت إليه النبيّ صلّى الله عليه وآله ويقول: ألستَ أنت الذي سرت لقتل ابني؟ يقول: يا رسول الله! لقد سرتُ ولكن يدي لم تتلطّخ بالدم. فقال النبي صلّى الله عليه وآله: ألم ترع قلوب أبنائي بمجيئك إلى جيش عمر بن سعد؟! ألم تكن سببًا في سواد الجيش وكثرة عدده أيضًا؟ فما كان منه إلا أن تضرّع وتوسّل وأناب وتاب، وأصبح فيما بعد من الذين قاموا للانتقام من قتلة الإمام عليه السلام، ثم قُتل في تلك المعارك. هؤلاء قاموا للأخذ بثأر سيّد الشهداء عليه السلام. مجرّد مجيئك في هذا الصف وهذا الجيش يُحسب عليك. القيام بالعمل أمر، والمجيء في هذا الصف أمر آخر. ﴿كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ﴾ كنا مستضعفين، نظرنا إلى هؤلاء الأفراد ورأيناهم أفرادًا جيّدين فسرنا خلفهم! لا! ﴿أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّـهِ...﴾ ألم يكن لديك قدمان؟ لم تكن المسافة من بيتك إلى بيت السيّد أربعة كيلومترات. كان بإمكانك أن تأتي وتطرق الباب وتقول: يا سيّدي، هل أذهب في هذه الأحداث أم لا أذهب؟ إما يقول لك اذهب أو يقول لا تذهب، انتهى. فلماذا لم تفعل؟!
لماذا أُعطينا العقل؟ ضرورة التفكير والتحقيق
لم يربطوا يديك ليأتوا بك ويضعوك في وسط هذا التيّار. كنت تخرج عقلك قليلاً من جموده وتحرّكه وتفكّر ولا تنطلق هكذا باندفاع أعمى! لم يخلق الله الدماغ عبثًا. هذا الدماغ الذي يزن سبعمائة أو ثمانمائة غرام، يريد منه عملاً! وإلا لكان بإمكانه أن يجعله بحجم حبة الجوز، فقط بالقدر الذي يشغّل القلب والرئة ويعطي الأوامر للأعضاء والجوارح. كونه أكبر قليلاً هو لهذا السبب، لتجلس قليلاً وتفكّر في عملك وسلوكك، لا تقبل فورًا كلّ كلام يقوله أيّ إنسان، تعال وضع الأمور واحدة تلو الأخرى جنبًا إلى جنب. حتّى لو أخطأت، سيكتب لك الله حسنة وثوابًا. لم يخلقنا الله معصومين، نحن بشر عاديّون، ونحن مكلّفون فقط بالقدر الذي لدينا من فكر وعقل وإمكانيّات، لا أكثر. هؤلاء يريدون يوم القيامة أن يخدعوا الملائكة! يقولون: كنّا مستضعفين، لم تكن الأمور بأيدينا، رأينا المجالس هكذا وكلّ الأفراد جيّدون، قالوا: وقّع هذا ووقّع ذاك، فذهبنا وتحرّكنا. ﴿أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّـهِ وَاسِعَةً﴾ ألم تكن الإمكانيّات والكتب والكتب الأخرى موجودة؟ لماذا قرأت كتابًا واحدًا فقط وتوجهت إلى جهة واحدة وذهبت إلى قسم واحد؟ نحن في مدينتك نفسها أقمنا لك مجالس متعددة، كان بإمكانك أن تذهب ليلة واحدة إلى أحدها لترى ما الخبر وماذا يقولون. هل ذهبت ولم ترغب أو أنك قلت أنا لا أضع قدمي في تلك الأماكن أبدًا، هذه الأماكن تخصّ السيّد الطهراني! أتحدّث عن الزمن السابق، لأنّني كنتُ في مجريات أحداثه. في السابق كانوا يقولون: لا تذهب إلى تلك المجالس! مجالسهم فيها إشكال أصلاً! كان بإمكانك أن تسمع كلام ذلك العظيم مرّة واحدة وتقرأ كتابه، ومرّة واحدة تضع الحقد جانبًا بإخلاص، وتقرأ الأمور التي قيلت. ليس فقط أمور سماحته، بل للأعاظم والعرفاء كتب كثيرة في هذا المجال، لم يأتِ قليلٌ من الأعاظم والعرفاء، أم أنّك لا، أغمضت عينيك من البداية وقلت هذا فقط هو الصحيح وكل من يقول غير هذا فهو مخطئ. أُشهد الله.
كيف يتعاطى الأئمّة عليهم السلام وأولياء الله مع من ينتقدهم؟
لم يحدث حتّى الآن أن جاء أحد لينتقد المرحوم الوالد أو الأساتذة أمامي ولم أستمع إليه، ولم أقل له من البداية اذهب وانصرف، لا أستمع إليك، وإذا كنتُ أعلم، أجيب، وإلا، أذهب وأتحقق وأقول المسألة هكذا. لم يحدث حتى هذه الليلة، مع أنني متأكد مائة بالمائة، واطمئناني ليس اطمئنانًا هشًّا! إنّه اطمئنان ناتج عن كوننا في هذا البرنامج وقرأنا كلمتين، وإن لم يكن ما قرأناه أكثر من الآخرين، فهو ليس بأقلّ. في حدود معلوماتنا، قرأنا صفحتين ولدينا تجربة ونعلم شيئًا ما. ومع ذلك، إن كان لدى أحد شبهة ما أو أمر أو رأي، فنحن نستمع، وليس هذا الآن فقط، بل كان في زمان المرحوم العلاّمة أيضًا، وقد جاء أحد الأقارب وأورد إشكالاً عليه، بأنّه قال في القضيّة الفلانيّة الكلام الفلانيّ ونحن سمعنا خلافه. قلت: ليس لديّ علم بالقضيّة الفلانيّة وسأذهب وأتحقّق منها، لم أقل له: هل تتكلّم عن والدي؟! ومضيت وجئت إلى مشهد وسألته. فقال: لم تكن المسألة بهذه الكيفيّة، كانت القضيّة هكذا، وفي ذلك الوقت قلتُ ذلك الكلام، لم أكن في مجريات هذه القضيّة ثم قلتُ ذلك الكلام. ذهبتُ إلى آخر كان له دور أيضًا في هذه القضية وسألت عن رأيه. وعندما اتضح لي الأمر، ذهبتُ بعلم وقلت لذلك الرجل: كانت المسألة بهذه الكيفيّة. وإذا كان هناك أمرٌ ما، فلم يكن الخطأ منه، بل المسألة تتعلّق بأفراد آخرين جاءوا وأبدوا رأيًا نيابة عنه. الآن، هل هذا أفضل أم أن أقول هذه الكلمات؟! على الإنسان ألّا يكون لديه جمود ولا تعصّب. فلماذا يتعصّب الإنسان؟ هل لدينا خوف لنتعصّب؟ يكون التعصّب دائمًا حيث يوجد الخوف. التجمّد والدوغمائية دائمًا حيث تكون يد الإنسان فارغة. الإنسان الممتلئ اليد لا يتعصّب. إن كان لديك شيء فقل! أمّا من كانت يده فارغة، فهو يضمّ قبضته ولا يفتحها، لأنّه إذا فتحها فلا شيء فيها. يضمّ قبضته ويقول: لا يحقّ لأحد أن يتكلّم، لا ينبغي لأحد أن ينتقد. الأمر هكذا! سنضربكم على رؤوسكم! سنقتل ونضرب بالعصيّ وننفي، صراخ وضجيج! لماذا؟ لأنّه فارغ، لأنه لا يوجد لديه شيء، لا شيء لديه، فعندما لا يستطيع الإنسان أن يكون مجيبًا، يواجه هذه القضيّة من المرّة الأولى ويقطع علاقته بالمخاطب حتى لا يتقدّم، فإذا تقدّم افتضح. يقطع العلاقة من البداية، هذا في جانب وذاك في جانب آخر! في مدرسة الأئمة كانوا يقولون: تعال وقل كلامك! أيٌّ من الأئمة جاء وقال: إذا تكلّمت سأضربك على رأسك؟ إذا أريتموني هذا الكلام في التاريخ فسأعطيكم جائزة جيدة. أن يأتي شخص إلى الأئمة ويقول كلامًا فيقولون له: اخرس! اذهب وانصرف! اسكت! أنت لا تفهم! أنت لا تعلم شيئًا! أنت لستَ إنسانًا أصلاً لأتكلم معك، من أنت أصلاً لأتحدّث معك. كلّما قام إنسان قالوا: تعال! كان يقوم أمام منبر أمير المؤمنين عليه السلام ويقول: هذا الكلام الذي قلته، هل قلته من عندك أم هو كلام الله؟ وعندما كان الأصحاب يغضبون، كان الإمام عليه السلام يقول: لقد قال كلامًا، فليسمع جوابه الآن. كانوا يقومون في وجه النبي صلّى الله عليه وآله ويسبّون. كان الخوارج يقومون ويقولون: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّه﴾۱. لم يكن أمير المؤمنين عليه السلام يقوم ليقول: لقد سبّوني، فأعدموهم، اشنقوهم، وليأتِ الجميع للمشاهدة؛ لا! بل قال الإمام عليه السلام: «كلمة حق يُراد بها باطل»٢. يريدون الباطل، كلامهم حق وهو للّه، لكنّهم لا يعلمون أنّ ما أقوله هو أيضًا كلام الله وأنني لا أتكلّم من عندي. هو يراني في قالب الحاكم ويسبّني، بينما كلامي هو كلامه تعالى. لم يكن هناك إعدام، ولا سبّ، ولا مواجهة، لم يكن هناك شيء، لأنّ الحكم والمنطق كان حكم ومنطق الأئمة.
في منطق الإمام الجواد عليه السلام يقول: ليأتِ الجميع، ليأتِ يحيى بن أكثم أيضًا، ومن يريد فليأتِ. لا أن نقوم ونهرب عندما يأتي بعضهم، ونقول: أنا متعب الآن، أريد أن أستريح. كان يجلس ويُفحمهم جميعًا؛ إنّه إمام ويده ممتلئة، ولا تفرغ أبدًا، لا تفرغ هذه اليد أبدًا على مرّ الدهر، لماذا؟ لأنّ يد الإمام هي يد الله، ويد الله لا تفرغ أبدًا.
بمجرّد أن يقولوا هذا الكلام، تجيب الملائكة: ﴿أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّـهِ وَاسِعَةً﴾ هل كانت الإمكانيّات محدودة؟ ألم تكن الحقائق منشورة؟ ﴿أَرْضُ اللَّـهِ وَاسِعَةً﴾ بمعناها الأوسع تعني هذا؛ هل كان المنطق منحصرًا في المنطق الفلاني والتيار الفلاني؟ لا! كل أنواع التفكير والقدرات، كلّ المدن والمجالس والأفراد، كانوا جميعًا موجودين. حينها ستأتي هذه المسألة لنا نحن أيضًا، لأولئك الذين يدّعون السير والسلوك، أولئك الذين يريدون أن يسيروا في طريق باطل، ﴿أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّـهِ وَاسِعَةً﴾. تأتي الملائكة وتقف في وجههم مباشرة وتحبس أنفاس الإنسان. هذه مرحلة. بمجرّد أن يقولوا هذا الكلام، تبدأ المرحلة التالية.
المرحلة الثانية في الحساب: عندما تتكلّم الجوارح وتُكشف الحقائق
يوم تشهد عليهم أسماعهم وأبصارهم وجلودهم۱. هذه للمرحلة التالية، تبدأ وتتجلى تلك الحقيقة التوحيديّة على النفس، وعندما تتجلّى، يرى الإنسان كلّ الأعمال والسلوكيّات التي قام بها في الدنيا. الآن من يريد أن يخدع؟! أنتم الذين تجلسون أمامي، هل أستطيع أن أقول أين أنتم؟! أعينكم ترى أنّكم بجانب العمود...، لا أستطيع أن أنكر بعد الآن، إذا أنكرت، سيقول لي من بجانبكم: مجنون! المسألة واضحة. بمجرد أن يقولوا هذا الكلام، يرتفع ذلك الغطاء والحجاب فجأة؛ ﴿فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾ يأتي إلى الأمام. ﴿لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾٢. يرتفع الحجاب وتظهر كلّ الأعمال والسلوكيّات التي مرّت علينا في هذه الدنيا، سواء كانت قولاً أو فعلاً أو نيّة. الأذن تقدّم شهادتها، والعين تقدّم شهادتها، وشهادتهما عبارة عن نفس حضور الحوادث عند الإنسان، ليس النظر إليها. نفس الواقعة التي قام بها الإنسان، يشعر بنفسه في تلك الواقعة؛ تمامًا كما أتحدّث الآن، هل أشاهد فيلمًا الآن؟ هل أرى صورة حديثي؟ لا! هذا الإحساس الذي لديّ الآن تجاه حديثي، هل هو إحساس حقيقي وخارجي أم تخيّلي؟ إنّه إحساس حقيقيّ. أنتم الذين تجلسون الآن وتنظرون إليّ واحدًا تلو الآخر وتنتبهون وتستمعون، هل ترون صورة؟ هل وضع أحدٌ أمامكم شريطًا أو تسجيلاً أم لا؟ ترون الآن نفس الوجود بالعلم الحضوري لا بالعلم الحصولي. لاحقًا إذا أرادوا تسجيل هذا، يصبح علمًا حصوليًّا، أي تذكيرًا. يصورون هذا المجلس فيلمًا، نفس هذه الأشرطة الموجودة الآن، بعد شهر أو شهرين، قولوا نريد أن نراجع هذه الأشرطة. بمجرد المراجعة، تمر كل الأمور في أذهانكم؛ هذا يسمّى علمًا حصوليًّا. ولكنّ هذه الحقيقة التي أنتم فيها الآن، هي الشهادة بنفس هذا النحو يوم القيامة. لا أن يضعوا شريطًا، فالملائكة ليس لديهم كلّ هذه الأرشيفات! يضعون الإنسان في نفس وجود الحوادث عينيًّا. حينها أين يريد أن يأتي بعذر؟ وأيّ قاضٍ يريد أن يخدعه؟ أيّ مخاطب يريد أن يضلّه؟ أبدًا أبدًا! حينما تتّضح هذه المسألة، حينها يأتي هذا الأمر.
ما معنى ﴿وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾؟
﴿وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾۱. لا يؤذن لهم حتّى يعتذروا. كونهم لا يؤذن لهم، ليس معناه أن يُقال لهم لا تتكلّموا. عندما تتجلّى لهم هذه الواقعة، يُرفع الإذن، هذا معناه. أحيانًا يريد إنسان أن يأتي ويدافع عن نفسه في محكمة. إذا أراد أن يدافع، سيُدان القاضي. القاضي قد وقّع على الملف مسبقًا، قبل أن يُجلب هذا المسكين إلى المحكمة وقبل أن تكون هناك شهادة أو محامٍ، على فرض أنه سيكون هناك محامٍ وهو غير موجود. إذا أراد أن يكون، فالملف قد وُقّع قبل ذلك. ثمّ تكون هناك أمور شكليّة...! بمجرّد أن يريد التحدّث، يقول: سيّدي! لقد جئتم وأصدرتم الحكم، دعوني أتكلّم كلمتين. يقولون: قم، اذهب! ماذا تريد أن تقول؟ هل تريد أن تأخذ وقت المحكمة؟ هل نحن عاطلون عن العمل؟! يأتي ألف رجل مثلك إلى هنا يوميًا. فقم، اذهب! ليس لدينا وقت. لديهم عذر ولكن لا يُسمح لهم بالاعتذار: ﴿وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾، أما في يوم القيامة فالأمر ليس كذلك. لماذا لا يسمح الله؟ هل لدى الله حسابات مع أحد؟ إذا كان لدى أحد عذر فليأتِ وليقل عذره؛ أنا لم أصلِّ لهذا السبب، كذبتُ هذه الكذبة لهذا السبب. يد الله ليست مقيّدة ليخاف؛ لا! قوله تعالى: ﴿هَـٰذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾٢، معناه أنّ مجال العذر يُرفع ولا يعود بإمكان أحد أن يأتي بعذر. عندما يرى الإنسان نفسه في نفس الواقعة، فماذا يريد أن يقول بعد ذلك؟ هناك ينعقد لسانه ويقول: لقد فعلتُ هذه الأعمال؛ أي أنّ أساس العذر وجذره يزول كليًّا.
الحجّة البالغة: كيف يُدان المذنب علمًا وخارجًا؟
إذن، تجلّي التوحيد على النَّفْس ومشاهدة النفس في جميع مراحل الوجود، في عالم الدنيا، يأتي بعد الاعتذار الذي يأتون به ويقدّمون الأعذار والأدلة والذرائع ويريدون أن يظهروا الأمور مقلوبة. فتقول لهم الملائكة: ﴿أَرْضُ اللَّـهِ وَاسِعَةً﴾. هذا من الناحية العلميّة. ثمّ تجلّي التوحيد على النفس ومشاهدة الحقائق من الناحية الخارجيّة. إذن، تقام الحجّة على جميع المذنبين والمخطئين وعلى جميع أولئك الذين أرادوا في هذه الدنيا أن يجعلوا الأمور شكليّة لأنفسهم ويديروا الحوادث والقضايا وفقًا لأهوائهم، وفي الوقت نفسه يجدون لأنفسهم ذريعة، فتقام عليهم الحجّة من الناحيتين العلميّة والخارجيّة؛ من الناحية العلمية: ﴿أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّـهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا﴾٣. ومن الناحية الخارجيّة؛ مشاهدة جميع حقائق وحوادث عالم الوجود والإحساس الحقيقيّ بالعلم الحضوري؛ أي بنفس الوجود في تلك الواقعة، وينتهي الأمر. إن شاء الله، تتمّة الكلام للجلسة القادمة بحول الله وقوّته.
اللّهم صلّ على محمد وآل محمد.