المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسممباني الإسلام
المجموعةتوصيات الحج وأحكامه
التوضيح
وهي محاضرة ألقاها سماحة آية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني قدس سره، أمام بعض من أراد التشرف بحج بيت الله الحرام في سنة 1426 هجرية وتناول فيها ضرورة الاهتمام بيوم عرفة، وعدم الاشتغال بالأمور الدنيوية هناك، ووجوب التواضع أمام الحجاج وأن لا يحسب الإنسان لنفسه حساباً، وضرورة الالتفات إلى الله وعدم الالتفات إلى غيره، وأشار إلى ضرورة خروج الحاج عن الاعتبارات المحيطة به، لافتاً إلى سهولة الحج الآن قياساً للأزمنة السابقة، وضرورة اغتنام الفرصة في التوفيق لزيارة بيت الله، وختم بالإجابة على بعض الأسئلة.
هو العليم
الحجّ و آثاره الملكوتيّة - الجلسة الرابعة
وهي عبارة عن جلسة عُقدت في مدينة قم
مع بعض الإخوة الذين تشرفوا بالحج عام ۱٤٢٦ هـ ق
محاضرة ألقاها
آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
عندما أخبرت أنّ لبعض الإخوان رغبة في أن يكون هناك لقاء حول موضوع الحج فإنّي سررت بذلك،وعلى كلّ حال فهذا مجلس يغتنم وزيارة زوّار بيت الله تستحقّ أن يبذل الإنسان وقته في سبيلها، وزيارة الناس هي فرصة سعيدة بالنسبة للحقير، إلاّ أنّي ذكرت لفضيلة الشيخ حائري أنّ المطالب التي ينبغي أن تذكر قد ذكرت للإخوان، ولكن إن كان هناك سؤال حول الحجّ سواء من حيث جوانبه المعنويّة والباطنيّة أو الشرعيّة فالحقير في جاهزللإجابة عنها بما يقتضيه نظري القاصر، وعلى أساس ما نتذكره من ذلك النهجالذي رأيناه لدى الأولياء العظام. ويبدو أنّ الأسئلة الموجودة بين أيدينا تتعلّق بأحكام الحجّ.
وبداية وكمقدّمة للورود في الأحكام أودّ أن ألفت انتباهكم إلى ضرورة أن نغتنم فرصة التوفيق إلى زيارة بيت الله، فمسألة زيارة بيت الله وقبله أو بعده زيارة المعصومين في المدينة هي موهبة إلهيّة يختصّ بها الله تعالى بعض عباده، وكم هو مهمّ أن نلتفت إلى أنّ الله تعالى شاء أن يوقظنا بمقدار ما، وأن يخرجنا إلى حدّ ما من التوهّمات والأفكار الاعتباريّة، وأن يأخذنا ولو لمرّة إلى أماكن أخرى، لنرى أنّ هناك أشياء أخرى وليست الحياة هي فقط ما نتصوّره نحن عنها من اقتصارها على الخروج صباحاً إلى العمل والعودة عند الظهر للأنس بالأهل والعيال والشركاء والأصدقاء وقضاء الحياة على ذلك النحو، إلىجانب أداء الصلاة والصيام كشيء من أدوارها، لا فالمسألة ليست تقتصر على ذلك! بل هناك أشياء أخَر.. هناك عوالم أخرى.. هناك حقائق أخرى يريد الله تعالى أن يبلّغنا إدراكها من خلال هذا التغيير والتحوّل، لأنّا إن بقينا على حالنا لما أمكن أن نفهم منها شيئاً، ففي كلّ يوم نخرج إلى مقرّ عملنا من متجر أو مصنع أو مكتب أو مؤسسة وكلّ ما يجري من حولنا هي مسائل تعزّز فينا حالة الغفلة والنسيان،وترمي بنا بعيداً عن تلك المسألة الحقيقيّة، فمن منّا يمكنه الالتفات إلى تلك الحقيقة مع انشغاله بهذه المشاغل؟ ومن الذي يمكنه حمل هذين الحملين في يد واحدة؟ ومن يمكنه أن يجمع بين حال الوحدة والأنس وحال الانشغال بتلك الأمور؟ أين يوجد مثل هذا الإنسان؟! لذا فإنّ الله جعل لنا طريقاً لنخرج به أنفسنا عمّا أنسناه، فيكون ذلك الانفصال الظاهريّ مقدّمة للتغيير وإجراء التحوّلات، ولنخرج من حياتنا المعتادة وندخل في حال جديدة.. ندخل في ذلك الجوّ الذي ورد فيه أنبياء الله.وهذا النحو من الأوضاع والتسهيلات ومن وسائل العيش ومن العادات وأنحاء الضيافة المتوفّرة في هذا الزمان لم تكن فيما مضى من الزمان، فلو رجعنا إلى ثلاثمائة أو مائتي عام لماوجدنا شيئاً من وسائل الراحة متوفّراً، تذكّروا حرارة مكّة ذات الدرجات الستين ومع ذلك لم تكن لتجد جهاز تكييف بسيط، تذكّروا الأمطار والرياح التي كانت ومع ذلك لم يكن وسائل نقلمما نعهد الآن، فلم يكونوا يقطعون المسافة بين مكّة والمدينة بالسيارة بل كانوا يجتازونها على الحمار أو الجمل أو سيراً على الأقدام، الآن تغيّرت الوسائل، وصارت بهذه السهولة، كلّ مصاعب الحجّ الآن تنحصر في تلك الأيّام الثلاثة التي يقضيها في عرفات والمشعر ومنى، ومع ذلك تتعالى منّا الصيحات والآهات أن ماذا حدث بنا؟! وماذا أصابنا؟! وعلى أيّة حال صرنا، والحال أنّ عرفات لم تكن كما هي الآن حيث لم يكن فيها أشجار ولا ماء ولا تنظيم، وكذا المشعر وكذا منى، نحن علينا أنّ نفكّر في هذه المسألة، وهي أنّ الله جاء بنا إلى مكان كان يأتي إليه الأنبياء مع ما هم عليه من المراتب، ومع ما هم عليه من المعرفة والدرجة، ومع ذلك كانوا يأتون إلى هذه الأماكن، ومع ذلك كانوا يأتون ويطوفون، الإمام الحسن عليه السلام حجّ خمساً وعشرين حجّة ماشياً في معظمها، فقد كان يمشي عليه السلام من المدينة إلى مكّة مع أنّ المركب يمشي أمامه، فما هو الشعور الذي يشعر به الإمام؟ ولماذا يعيش هذه الحالات؟ الإمام السجّاد عليه السلام كان يذهب ماشياً إلى مكّة، موسى بن جعفر كان يقصد مكّة ماشياً، وكذا الإمام الرضا عليه السلام وسائر الأئمة وحتى النبيّ صلى الله عليه وآله مع أنّه كان يقول بما أنّ أهل مكّة أخرجوني منها فلا يمكنني أن أتخذ فيها مسكناً ولكن لا يمكنني أن أنسلخ عن الكعبة، فكم مرّة حجّ النبيّ بعد هجرته إلى المدينة! فقد حجّ مرّات عديدة وكان آخرها حجّة الوداع التي أمر فيها بنصب أمير المؤمنين في منصب الولاية. جيّد! الآن وفّقنا الله تعالى أن نتشرّف بزيارة مكان كهذا، فأول ما ينبغي الاهتمام به هو أنّ نحرّر فكرنا من الارتباط بهذا المحيط الذي نحن فيه، وكلّما كان خروجنا أشدّ كان ربحنا أكثر، وإلا فلو قمنا بالاتصالات الهاتفية صباحاً وعصراً ثمّ مساءً ثمّ صباحاً فهذا يؤدّي إلى خروجنا عن الحالات التي ينبغ أن نكون عليها، أنا لا أقول أنّ على الإنسان أن ينقطع عن أهله، لا،فلا مانع من الاتصال، فإنّه يوجب سرور الأهل وانبساط أساريرهم، غير أنّ الفكر لا بدّ أن يكون حراً، فالله لا يحبّ من زائر بيته أن يكون مشغول الفكر بالتعلّقات، وأن يستحضرها معه ويطوف برفقتها، عندما نخرج من المنزل ينبغي أن نقول: لقد تخلّينا عن كلّ ما لدينا، لقد انفصلنا عن كلّ ما يرتبط بنا، ولباس الإحرام يعبّر عن هذه الحالة، فليس لباس الإحرام مجرّد تبديل للثياب بهذا اللباس، كان بإمكان الله أن يقول: يمكنكم أن تأتوا بهذه الثياب المعتادة من القميص والسروال، أو العباءة والجبّة والمهمّ هو النيّة، لا بل مراد الله تعالى أن نأتي منتصرين واقعاً.. وأن ننفصل واقعاً.. أن نرمي بثيابنا جانباً.. هذه الثياب لا تفيد في هذا المكان، ولو كان يمكن للإنسان أن يلبّي عارياً لكان هذا هو الإحرام الذي يقبله الله، نفس هذا الإحرام هو الذي يقبل، ولكن هذا لا يمكن، ولذا فالله هنا نزع كلّ التعلّقات، على الرجل أن يلبس ثوبي الإحرام، أما المرأة فلباس إحرامها يختلف، جمال المرأة وزينتها في وجهها، ويجب أن يبقى هذا الوجه مكشوفاً ولا يجوز ستره في الإحرام، بعض المتزمّتات المدّعيات للتديّن تذهب إلى ذلك المكان وتغطّي وجهها، لا فهذا اشتباه وهذا عمل باطل، المرأة يجب أن يكون وجهها بادياً، ويحرم على الرجل أن ينظر، وبعض النساء تضع شيئاً أمام وجهها بحيث لا يمكن تشخيص وجهها، وهذا أيضاً باطل، لا مجال هنا للتزمّت، وعلى الإنسان أن يختار الدين الذي اختاره الله له، وينبغي أن لا نكون ملوكيين أكثر من الملك، هو أراد أن تكشف المرأة وجهها، وعلى الرجل أن لا ينظر وإذا نظر ارتكب محرّماً، نعم يمكن للمرأة أن تدير بوجهها أو تطأطئ رأسها إذا شعرت أنّ أحداً ينظر إليها، أما أن تغطّي وجهها فليس صحيحاً، والخلاصة أنّ الله هنا يقول لا تخترع ديناً من عند نفسك، الدين هو ما أمرتك به فالتزم به. هناك من حرّم الطواف المستحبّ وقد قرأت ذلك في بعض الرسائل العمليّة، فبما أنّ في الطواف تماساً بين المرأة والرجل وهو حرام فالطواف المستحبّ باطل وينبغي الاكتفاء بالطواف الواجب. لا فهذه الفتوى باطلة، ولا أصل شرعيّ لها وهي من المخترعات، هناك يجب على الإنسان أن يطوف، ولو كان الطواف حراماً فلا يختلف الأمر بين الطواف الواجب والمحرّم، ينبغي أن نطوف الطواف المستحبّ ألف مرّة.. عشرة آلاف مرّة.. مائة ألف مرّة، إن حصل تماس بين الرجل والمرأة فلا إشكال وإن لم يحصل فهو المطلوب، على الإنسان أن يحتاط قدر الإمكان فلا يجعل نفسه في معرض التماس، والقول بأنّ المرأة وحدها هي التي ينبغي أن تحتاط ليس صحيحاً فلا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، فكما أنّ الاختلاط محرّم على المرأة فهو محرّم على الرجل أيضاً، بلا أيّ اختلاف، من المسائل التي تحدّث عنها المرحوم العلاّمة الفصل بين الرجال والنساء في حرم الإمام الرضا عليه السلام، وقال أنّ هذا العمل هو اشتباه، ينبغي أن يطوف الناس حول حرم الإمام الرضا سواء حصل اختلاط أم لم يحصل، ينبغي أن لا يكون هناك التفات إلى هذه المسائل، لا أن يقسم الحرم بنحو يمنع عن الطواف، هل التفتّم؟ من الذي يدرك حقيقة ذلك؟ إنّه وليّ الله الذي يدرك ما في هذه البقعة، إن كان هنا وجود للشيطان فله وجود كذلك في المسجد الحرام، فهؤلاء السرّاق الذين يسلبون الناس هم أتباع من؟ إنّهم أتباع الشيطان، تلك النظرة التي يمكن أن تقع على المرأة الأجنبيّة هي من الشيطان، فلا تقل بما أنّي في حرم الإمام الرضا فليس هنا شيطان، لا في الشيطان يأتي حتّى إلى حرم الإمام الرضا ويعلن وجوده بشكل رسمي، وكذلك عند الكعبة وفي المسجد الحرام وفي مسجد النبي صلى الله عليه وآله، يأتي الشيطان ويشرع بالصلاة والجميع يقتدي به، أليس كذلك؟ أن يأتي المعاند وعدوّ أمير المؤمنين عليه السلام ويجعل من نفسه إمام جماعة ألا يكون شيطاناً؟ هو شيطان وتترشّح الشيطنة من هيئته بوضوح، قد لفّت الظلمة والكدورة وجودهم ولا تكاد تجد عنده سوى لقلقة اللسان، كلّ ذلك لأنّ أيديهم قاصرة عن الارتباط بأمير المؤمنين وبالولاية، ويسعون وراء أهواء الدنيا فيشترون شقاء الدنيا والآخرون، لذا على الإنسان أن لا يلتفت إلى المعاصي والمحرّمات، ويمكن له أن يؤدّي الطواف في أيّ وقت شاء بلا فرق بين الواجب والمستحبّ، غاية ما في الأمر أنّ عليه أن لا يلتفت، فالإنسان في الطواف يشغل نفسه بالذكروينظر إلى الكعبة ويتوجّه إلى الله، ولا يخطر في ذهنه من الذي قربه ومن الذي أمامه ومن الذي خلفه، ومع من يطوف، هذه المطالب ينبغي أن لا تخطر إلى الذهن أبداً.
جيّد؟فالمسألة الأساسيّة هي أن نخرج من جميع الأفكار، ولا داعي لأنّ نتكلّف التفكير بالله، بل أن يكفي أن لا نفكّر في سواه وهو بنفسه يأتي، أما أن تجلس وتفكّر في الله فلا فائدة من ذلك، فمن نكون نحن لنفكّر في الله نحن لا نملك شيئاً، الله يقول لك أخرج نفسك من التعلّقات وأنا أرد قلبك بدلاً منها. وهناك في مكّة وأثناءأداء الأعمال في الأماكن المختلفة تختلف الحالات من مكان إلى آخر كما ذكرنا فيما سبق وعلى الإخوان أن يلتفتوا إلى ذلك، وإن كان هناك أيّ فكرة يرغبون في طرحها تعليقاً على المحاضرات فليطرحوها، فما هو مهمّ عند الإحرام وعند الطواف وفي المسجد الحرام ولأيّ حاج بصورة عامّة هو أن لا يحسب هناك لنفسه حساباً، تلك الحسابات التي اعتادها في الدنيا، وتلك التوقّعات التي ربّاها في نفسه وعاش على أساسها، يتوقّع أن يسلَّم عليه.. يتوقّع أن يُحترم.. يتوقّع أن يقوم الناس من أماكنهم ويجلسوه مكانهم.. يتوقّع أن يفتحوا له الطريق حينما يقبل، كلّ هذه التوقّعات الخياليّة والوهميّة التي لا قيمة لها ينبغي أن يضعها جانباً، لقد كان هناك أولياء لله.. سلاّك.. زائرون حقيقيّون لبيت الله لا يعرفهم أحد، ففي تلك الحجّة التي حجّ فيها المرحوم الشيخ محمد البهاري كان يتعامل بنحو لم يستطع أحد من الحجّاج في الموكب أن يعرف أنّه الشيخ محمد البهاري، كان يخدم الزوار.. يقدّم الشاي لهم، فالمرحوم الشيخ محمد هو من التلامذة المعروفين للآخوند الملا حسين قلي الهمداني، في تمام المدّة التي قضاها في مكّة لم يعرف أحد، كان يرتدي الملابس العربيّة المعروفة هناك كسائر الناس بغير عمامة، كيلا يلتفت إليه أحد، كان يأتي بالماء للحجّاج، ويعمل معهم ويساعدهم، وجميع الحجّاج كانوا يظنّون أنّهم مثل سائر الناس، يريد أن يخدم تقرّباً إلى الله، وعندما انتهت أعمال الحجّ ولبس العمامة أصيب بعض الحجّاج بالدهشة، كيف لم يلتفتوا طوال هذه المدّة إلى هذه الشخصيّة؟ انظروا هكذا ينبغي أن نعقد الإحرام، الله يريد هذا النوع من الزوّار، أما إذا أراد الإنسان أن يحجّ مع تلك التوقّعات والتوهّمات فإنّ نصيبه سيكون قليلاً.
على الرفقاء أن لا يكثروا من الكلام مع الناس، الناس غارقون في أفكارهم، وسترون أنّهم في مكّة ماذا يتحدّثون؟ وفي أيّ المسائل يشغلون أنفسهم ويختلفون؟ وواقعاً مؤسف جدّاً أن يصرف الإنسان تلك الأيام المعدودة في الحديث مع الأغيار، فيسبّب لنفسه المشكلات ويقلّل من نصيب نفسه، وإذا أردتم أن تتحدّثوا فتحدّثوا فيما بينكم، ولا ضرورة للحديث عن الشؤون المختلفة والأحداث المتنوعة والمسائل الاجتماعيّة وغيرها، ليكن اهتمامكم منصبّاً على عملكم، واستفيدوا من تلك الفرص التي سنحت لكم، هل انتم ملتفتون إلى ما أريد؟ اعرفوا قيمة ليلة عرفة، وإذا أصبح الصباح فلتذهبوا إلى مكان خاصّ ولتعتزلوا في ناحية، فيوم عرفة مفيد جدّاً للذنوب والأخطاء والزلاّت، فاختاروا لأنفسكم زاوية تبتعدون فيها عن الكلام مع فلان وفلان فيسلب وقتكم وحالكم، يجب أن تهيئوا أنفسكم لما بعد ظهر عرفة من صباح ذلك اليوم، ولا تدعوا الأفكار المشتتة تخرجكم عن أجوائه، فذلك اليوم مهمّ جداً، يوم عرفة هو كلّ شيء "الحجّ عرفة"۱، وينبغي أن نلتفت إلى حساسيّة الحال والزمان والمكان، ويمكن للإنسان أن يشتغل بالأدعيّة الواردة في تلك الأماكن، وإن لم يكن لديه حال تساعد على الدعاء فليجلس ويتفكّر وليتأمّل في نفسه، ولينظر إلى رحمة الله وعظمته، ولينظر إلى ضعفه وفقره، لينظر إلى آلامه ومصائبه التي جرّها على نفسه أو جرّت عليه، إلهي أنا أريد الخروج منها.. وعندما أرجع من سفري هذا فلن أكون على النحو الذي كنت عليه، أريد أن أكون شخصاً آخر وبروحيّة أخرى، حينها الله يساعده، لنكن صادقين والله يساعدنا، ألم يقل الله تعالى في الحديث القدسي: من تقرّب إلي شبراً تقرّبت إلي ذراعاً.٢من يقبل علينا نقبل عليه، ومن لم يقبل علينا فلا نقبل عليه، نحن خلقنا الكثيرين ممن نقبل عليهم ونأخذ بأيديهم، فلا ينبغي أن نتصوّر نحن أنّا إذا لم نقبل على الله فسيصاب سوقه بالكساد، لا بل سوقه مزدهر ولا يحتاج إلينا أبداً، هو يقول لنا: ليذهب مائة ألف من أمثالكم لا أنظر إليكم ولو نصف نظرة، لا، فهناك من يقبل علينا ونحن في المقابل نقبل عليهم بتمام وجودنا، صحيح؟ هؤلاء موجودون، وعلينا نحن أن نستحضر هذا المعنى في يوم عرفة فلا نجعل لأنفسنا موقعيّة أمام الله ولا نفتح متجراً لحسابنا الخاص، ولا نعلن مدرسة خاصة، هناك لا يشترون منّا سوى بضاعة الفقر والعدم، متاع العبوديّة، متاع الندامة متاع التوبة، أما إذا أردنا أن نصطحب معنا شيئاً فليس هناك من مشتر، هناك لا مشتر لأمتعتنا، وكم ترى هناك من الأفراد ذوي الشأن حتّى من أصحاب العناوين الدينية والإلهية ولا تجد أحداً يعتني بهم هناك ولا يلتفت إليهم، فالمعايير هناك تختلف. فإذاً الإخوة الذين اطلعوا على مدرسة أولياء الله العظام هم يعرفون أنّ من يقصّر فهو خاسر، وبما أنّا فهمنا وأدركنا الحقيقةفلا معنى لأن نضيع وقتنا هنا وهناك ولقاء هذا ولقاء ذاك، والكلام الفارغ حول المسائل اليوميّة والأحداث الاجتماعيّة، لقد صنع ذلك الآخرون ورأوا نتيجته، ومرّت مئات السنين والتاريخ لا يزال يمضي بنا، فالذكي والكيّس والفطن هو الذي لا يكرّر التجارب الفاشلة للخاسرين، بل يمتثل بما تفضّل به أولياء الله ليحصد النتيجة بنفسه، وما يبيّنونه لنا هو مؤيّد لهذه المسألة.
والآن ننظر في الأسئلة التي تفضّل بها الإخوان وإذا ما خطر في البال مسألة مهمّة نشير إليها.
سؤال ۱: فيما يتعلّق بسنّ اليأس أيّ سنّ هو؟
الجواب: سنّ اليأس يختلف بين الهاشميّة وغيرها، فالهاشميّة ستون، وغيرها خمسون، ولكن إذا ما طرأ مرض أو اقتضت طبيعة الجسم أن تتوقّف العادّة فحينها تكون المرأة قد بلغت سنّ اليأس ولو كانت في الثلاثين من العمر، أو الأربعين، وإن كان المتعارف هو الخمسين للعاميّة والستين للهاشمية، إلا أن إذا تمّ تأخير هذا السنّ من خلال تناول بعض الأقراص وتقوية بعض الغدد، فيتأخّر هذا السنّ، على كلّ حال حدّه المتعارف هو ما تقدّم، وهو يتأثّر بمزاج الجسم والأدوية وما يعرض للجسم من متغيّرات.
سؤال ٢: إذا رأت اليائسة دماً في أيّام الحجّ فما هو حكمها؟
الجواب: تعمل أعمال المستحاضة وطوافها وصلاتها صحيحان، ويمكن أن تدخل المسجد الحرام، غاية ما في الأمر عليها أن تراعي أحكام الاستحاضة القليلة والمتوسّطة و الكثيرة.
سؤال ٣: بعض الحملات لا تجيز للنساء أن تنزل من الأتوبوس وتقوم بجمع الحصى من المشعر فما هو تكليفهنّ؟
الجواب: إن كان هناك محرم لهنّ فيمكن أن يطلبن منه جمع الحصى من المشعر، وفي اليوم التالي تأخذنها وتقمن بالرجم بأنفسهن إن أمكنهنّ وإلا رجم عنها نيابة زوجها أو أخوها أو أحد المحارم، وحتّى يمكن أن يجمع الحصى لهنّ أحد الرجال الذين تعرفهم من غير المحارم، جمع الحصى من المشعر مستحبّ مؤكّد، وينبغي للرفقاء أن لا يتركوه، والآن هناك من يقول اجمعوا الحصى من مكّة، ولكن اعلموا أنّ إخراج الحصى التي تجمع من مكّة فيه إشكال لأنّه لا يجوز إخراج حصى الحرم منه، وإن كان سيعيده إلى منى، فهؤلاء يقولون اجمعوا الحصى من جبال مكّة المجاورة للشوارع وحتّى يقولون اكسروها، وهو مكروه فينبغي أن لا تكون الحصى التي ترمى بها الجمرات مكسّرة، بل ينبغي أن تكون سالمة، ويكفي أن يكون حجمها بمقدار حبّة الحمّص لا أكبر فتؤدّي إلى إيذاء الآخرين، ومن الأفضل أن تكون الأحجار مرقّشة، وأن تكون من المشعر، ولا يجوز إخراجها إلى عرفات لأنّ عرفات خارج الحرم. فإذن ليلتفت الإخوان أن لا يجمعوا الحصى من مكّة بل من المشعر، وحتّى يمكن أن تجمع من منى، إلا أنّه يشترط أن لا تكون مستعملة قبل ذلك في الرمي، فتجمع من صحارى منى، ولكنّ الأفضل أن تكون من المشعر ولا بأسبأن يكلّف الحاج أحداً بجمعها له.
سؤال ٤: بالنسبة للنساء المعذورة، أنتم تفضّلتم أنّه يمكن لهنّ أن يعبرن من المسجد فيدخلن من باب ويخرجن من آخر، ولكن نظراً للازدحام الموجود في المسجد قد لا يتيسّر لهنّ العبور،وربّما يحدث توقّف أثناءه، فما هو حكم ذلك؟
الجواب: لا يبلغ الأمر إلى هذا الحدّ ويمكن للإنسان أن يعبر، ولم يتّفق لحدّ الآن أن بلغ الازدحام ذلك، وعلى كلّ حال إذا حصل ذلك فيكفي الإحرام من محيط مسجد الشجرة، فيمكن للنساء المعذورات أن تحرم من محيطه، لأنّه ليس من شروط الإحرام التوقّف في خصوص هذا المكان بل تكفي محاذاته.
سؤال ٥: بالنسبة للصلاة الواجبة ذكرتم أنّها تصلّى فرادى، ولكن ضمن صفوف الجماعة، فهل الأفضل في نظركم هو الصلاة فرادى وحدنا بدون الصفوف، أم بهذا النحو الذي ذكرتم؟
الجواب: إذا كنتم وقت الصلاة في المسجد فالأفضل هو الصلاة وفق النحو المتقدّم، فتصلّون فرادى دون نيّة الاقتداء وتقرؤون الحمد والسورة بهدوء دون مخالفة للتقيّة وتركعون وتسجدون معهم.
سؤال ٦: هل يمكننا أن نصلّي في المسجد الحرام ومسجد النبيّ بعض الصلوات المستحبّة كصلاة أمير المؤمنين أو صلاة فاطمة عليهما السلام أم نقتصر على الصلاة اليوميّة الواجبة؟
الجواب: لا إشكال يمكن أن تصلّى أيّة صلاة.
سؤال ۷: هل يمكن أن نصلّي النوافل في تلك الأماكن أيضاً؟
الجواب: نعم يمكن، وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ التخيير بين القصر والتمام هو في كلّ مكّة والمدينة، ولا اختصاص له بالمسجدين، سواء في المدينة القديمة أو الجديدة مهما اتّسعت، وخصوصاً مكّة وهذه المسألة مهمّة بالنسبة إلى الإحرام فبعضهم يحتاط ويحرم من مكّة القديمة ممّا جاور الحرم، جيّد ولكن إذا لم يكن فلا إشكال، فالصلاة في كافّة نقاط مكّة تامّة وإن أمكن القصر أيضاً، وكذا في المدينة فلا اختصاص للتمام بمسجد النبيّ صلّى الله عليه وآله، وهناك خصوصيّة لمكّة وهي أنّه لا إشكال في تقدّم المرأة على الرجل أو مساواتهما أثناء الصلاة، لذا يمكن الصلاة في المسجد الحرام بدون التفات إلى التقدّم والتأخّر والمساواة سواء في الصلاة الواجبة أم المستحبّة، وهذا الحكم خاصّ بمكّة ولا يشمل المدينة.
سؤال ۸: هناك تأكيد على قراءة القرآن، فهل نقرأه مع الالتفات إلى المعنى حيث يمكن أن يتطلّب مزيداً من الوقت بحيث لا يمكن أن نقرأ أكثر من جزء واحد، أم نقرأ بدون ذلك؟ أيهما أفضل؟
الجواب: لا، لا يحصل تكلّف في الالتفات إلى المعنى فالملاك هناك هو نفس قراءة القرآن، فقراءة القرآن هناك تختلف عن قراءته اليوميّة التي يقوم بها الإخوان.
سؤال ٩: هل ينبغي أن نقرأ إذن الدخول قبل زيارة النبيّ والأئمّة المعصومين عليهم الصلاة والسلام؟
الجواب: نعم الأفضل قراءته.
سؤال ۱۰: ما هو الذكر المفضّل عندرؤية الكعبة؟
الجواب: لا شيء خاصاًلذلك، ويمكن أن نقول لا إله إلا الله والله أكبر.
سؤال ۱۱: ما هو حكم استعمال المراهم والمساحيق المعدّة لعلاج الأمراض الجلدية أثناء الإحرام؟
الجواب: الأفضل عدم استعمال المساحيق المعطّرة، وإذا ما كان ذلك ضرورياً فيحسن أن يذبح فدواً سواء في الحج أو عند رجوعه.
سؤال ۱٢: هل يغني غسل الطواف عن الوضوء؟
الجواب: نعم يغني.
سؤال ۱٣: ما هو حكم الصعود إلى جبل عرفاتوهل هو مستحبّ؟
الجواب: لا ليس مستحباً، بل هو مكروه عندنا، والسنّة هم من يرون استحبابه، والأفضل هو الجلوس باتّجاه القبلة عن يسار الجبل وقراءة دعاء عرفة، والمهمّهو أنيعظّم الإخوان شأن هذا اليوم.
سؤال ۱٤: ما حكم زيارة غار حراء؟ وهل هي ممدوحة؟
الجواب: نعم هي جيّدة جداً، وإذا تمكّن الإنسان أن يزور ذلك المكان فإنّه مكان النبيّ، والبقعة التي يتذكّر فيها الإنسان حالات النبيّ وخصوصيّاته، والأفضل أن يزوره قبل الفجر وقبل الازدحام.
سؤال ۱٥: إذا شكّ أثناء الطواف في عدد الأشواط فما هو التكليف؟
الجواب: يبني على القدر المتيقّن، نعم إذا كان شكّه قبل أن ينهي ثلاثة أشواط ونصف عليه أن يعيد الطواف من البداية، وإذا كان بعد ذلك اكتفى بالقدر المتيقّن.
سؤال ۱٦: هل يمكن أن ينوَى نوايا متعدّدة في غسل واحد؟
الجواب: نعم لا إشكال في ذلك.
سؤال ۱۷: هل من الممكن أن تتفضّلوا علينا ببعض التوضيحات حول الأذكار وكذا آية سورة البقرة التي أشرتم إليها في المحاضرات السابقة.
الجواب: بالنسبة للأذكار فقد تقدّم بيانها في العديد من المحاضرات، وهي أذكار النبيّ موسى عليه السلام وهي لا إله إلا الله، وغيرها مما أورده في مفاتيح الجنان، فلا إشكال بالالتزام بما ذكره من أذكار في هذا المجال.
سؤال ۱۸: هل الأفضل أن نكون يوم الغدير في مكّة أم في المدينة وما هي أعمال هذا اليوم؟
الجواب: لا فرق في ذلك، والمطلوب هو أن يكون في الأماكن المباركة.
سؤال ۱٩: هل يمكن القيام بأعمال طواف النساء قبل الذهاب إلى عرفات أي في خصوص اليومين الخامس والسادس من ذي الحجّة، وذلك احترازاً من طروء طارئ عليه؟
الجواب: لا يمكن ذلك، بل لا بدّ من الانتظار حتّى الانتهاء من سائر الأعمال، ولا يجوز تقديمه.
سؤال ٢۰: هل يمكن أن توضّحوا لنا نظركم الشريف في تناول النساء للأقراص المانعة للعادة الشهريّة؟
الجواب: لا حاجة إلى تناول هذه الأقراص، والأفضل للمرأة أن تقوم بالتكليف وفق ما قدّر الله لها، والعبد الحقير يضمن أنّ الأجر والثواب لن ينقص بمقدار ذرّة، فلماذا يريد الإنسان أن يخرج عن المسير الطبيعي الذي قدّره الله له؟! ولماذا يريد أن يصنع لنفسه تكليفاً جديداً؟ ولماذا يصنع ما يحبّ هو وما يريد؟ لقد أراد الله أن يكون تكليف المرأة بهذا النحو، فالإحرام لا يحتاج إلى طهارة، والسعي بين الصفا والمروة لا يحتاج إلى طهارة، وكذا الوقوففي عرفات، وكذا المشعر ومنى، فقط ما يحتاج إلى الطهارة هو الطواف وصلاته، وأما سائر الأمور فلا، ويمكن أن يؤخَّر الطواف إلى وقت الطهر، وإن لم تتمكّن المرأة من ذلك استنابت، فعلى كلّ حال ما دام الأمر بهذه البساطة فلماذا يريد أن يجعله صعباً؟ ومن هنا فلا داعي لتناول الأقراص، وعلى الإنسان أن يرضى بما قدّر الله له، وإن كان هناك عناية من الله ورحمة فلا بدّ أن توكل الأمور إليه ليمكن الاستفادة منها بأقصى حدّ ممكن.
سؤال ٢۱: لقد أمرني زوجي أن أشرع بتناول أقراص منع الحمل قبل موعد أعمال الحجّ الواجب.
الجواب: رضا الله تعالى مقدّم على رضا الزوج.
سؤال ٢٢: ماذا نصنع عندما تقام صلاة الميّت في المسجد الحرام أو مسجد المدينة؟
الجواب: يمكن أن تصلّوا هذه الصلاة مع المصلّين.
سؤال ٢٣: لا بدّ أن يؤدّى الطواف وسائر الأعمال قربة إلى الله تعالى، ولا بدّ من الابتعاد عن الرياء، ولكن إذا لم يكن قصدنا من الطواف هو الرياء بل كان الشعور بالخوف من الرياء مرافقاً لنا أثناء القيام به، أو قد نقوم بالاستعجال به خوفاً من الوقوع في الرياء.
الجواب: نفس هذا التصوّر في أثناء الطواف هو شيطان، يعني بمحض أن نتصوّر ونفكّر بأن لا يكون العمل رياء فهذا التصوّر هو شيطان، فهوإذن باطل، والاستعجال بالطوافباطل، وكلّ ما يصدر عنه من ذلك هو باطل في باطل في باطل. فبمجرّد أن يتصوّر أن لا يكون هذا العمل رياء فهذا التصوّر هو ممّا ألقاه الشيطان، وينبغي عدم الالتفات إليه والمضي في العمل.
سؤال ٢٤: هل يجب في كلّ عمل من أعمال الحجّ نقوم به من الطواف والسعي وغيرهما أنّ نجعل همّنا في التفكير في أسراره الباطنيّة، أم يكفي أن نتوجّه إلى الله؟
الجواب: لقد تقدّم أنّ من غير المستحسن أن يصبّ الإنسان اهتمامه على ذلك، نعم إن كان يعرفها فجيّد، فهذه المطالب هي موجودة في ذهنه، أمّا أن يجلس ويشغل نفسه بهذه المسائل، فليس لدينا تكليف بذلك.
سؤال ٢٥: تفضّلتم أنّ على الإنسان بعد حجّته أن يحافظ على حالات الحجّ، فما هو العمل في علاقاتنا والتي مهما قلّت فلا يمكن التخلّي عن بعضها كالعلاقة مع الوالدين واللذين قد يقترفان الغيبة في مجالسهما، وإذا ما نبِّها على ذلك يتأذّيان؟
الجواب: الحقير ليس متعهّداً بعلاقات الأفراد، وتطبيق ما أقوله بحسب نظري القاصر هو ليس في عهدتي ولا عهدة أمثالي. على الإنسان أن يحافظ على حالته، واللقاء بالأبوين هو واجب أيضاً، وإذا كانا يرتكبان الغيبة فليس من الواجب أن آنس بها معهما، فإذا ما اغتابا في مجلس فهو يجلس معهما ويسلّم عليهما ثمّ يستأذن، أما الجلوس والتلوّن بلون المجلس والأنس به فهو ما يؤدّي إلى الكدورة، ويمكن للإنسان أن يرتّب بعض الترتيبات التي تقلّل من تعرّضه إلى مثل هذه المسائل. وعلى كلّ حال، على الإنسان أن يعرف قيمة هذه الحالات ولا يفرّط بها سريعاً وبغير ثمن.
سؤال ٢٦: ما هو حكم الصلاة في ليلة عرفة، وكذا في يومها هل هي قصر أم تمام؟
الجواب: ما رأيته يصنع فعلاً هو الصلاة تامّة، وذلك بلحاظ أنّا حينما نأتي إلى مكّة فإنّا نقصد الإقامة فيها وفي جوارها بعنوان واحد، وبما أنّا سنبقى لعشرة أيّام فعرفات هو داخل في قصد إقامتنا. ولكن ذلك ليس صحيحاً، فمن يقصد الإقامة في مكان ما حتّى وإن بقي فيه لعشرة أيام، إذا خرج منه ليلة واحدة انكسر قصده للإقامة ـ وهذا ليس متّفقاً عليه عند الجميع ـ وبناء على ذلك فالصلاة ليلة عرفة تامّة، وذلك لأنّه لا يزال على قصد الإقامة في مكّة، وأما إذا خرجنا ليلة واحدة قصرت الصلاة في اليوم التالي، ولذا فصلاة الظهر والعصر قصر وصلاة المشعر قصر وكذا في منى.
سؤال ٢۷: هل القيام بالذبح بأنفسنا مؤثّر في الوصول إلى السرّ الواقعي للحجّ؟
الجواب: ليس ذلك مؤثّراً، نعم مستحبّ أن يذبح الحاج بنفسه وإذا لم يستطع يضع يده على يد الذابح، وهو ينتخب الذبيحة بنفسه، ولا يستنيب، ولكن الآن ضمن الظروف المفروضة لا مفرّ من الاستنابة، ولذا فمن المستحسن أن لا يلتفت الإنسان إلى ذلك ولا يصرّ عليه، فالمسائل الآن تختلف.
سؤال ٢۸: تفضّلتم أنّه إذا أمكن دفع المال والحصول على إجازة في الحج وجب ذلك، دون انتظار النوبة۱. والسؤال هو: أليس في ذلك تفويت حقّ من حقوق الآخرين أم أنّ المسألة تختلف؟
الجواب: تفويت حقّ أيّ إنسان هو عمل باطل بأيّ نحو كان، وإذا كان الحجّ بواسطة ذلك فهو باطل أيضاً، فإذا حجّ أحد الآن خارج نوبته سواء بوساطة وتوصية أو بغيرها بأيّ نحو كان من أنحاء تفويت حقّ الآخرين ونوبتهم فحجّه باطل، نعم، إذا كان هناك شخص متمكّناً مالياً وبإمكانه أن يحصل على نوبة في الحجّ بغير الطريق المتعارف دون تفويت حقّ غيره، فعليه أن يدفع كلفة ذلك ولو بلغت مائة مليون، هذا هو مرادي من ذلك الكلام الذي تقدّم، فالمتمكّن لا يجوز له التأخير وانتظار نوبته وفق الطرق المتعارفة،ولو اضطرّ إلى دفع مليارلا بدّ أن يذهب، واستطاعته تقتضي ذلك. أما من لم يمكنه ذلك وأمكنه الطريق المتعارف عبر تسجيل اسمه فهو المتعيّن، ولا يجوز له تضييع حقّ الآخرين وإذا فعل فحجّه باطل، ولا بدّ أن يصبر حتّى تصل نوبته.
سؤال ٢٩: هل تصلّى صلاة زيارة أئمّة البقيع بعد الزيارة أم قبلها؟
الجواب: صلاة الزيارة بعدها، ويمكن أن تصلّى في أيّ مكان، ولا يحسن أن تصلّى في نفس البقيع حيث توجب المشكلات والكلام والازدحام والحقّ معهم في المنع منها هناك.
سؤال ٣۰: الحزام الذي يشدّ به ثوب الإحرام هل فيه إشكال إذا كان من النوع اللاصق؟
الجواب: لا ليس فيه إشكال.
سؤال ٣۱: إذا كانت المرأة في الميقات حائضاً وتعلم أنّها لن تطهر حتّى نهاية أعمال عمرة التمتّع بأيّة نيّة تعقد الإحرام؟
الجواب: النيّة لا تختلف بين حال الحيض وغيره، فهي تحرِم كما يحرِم سائر الناس.
سؤال ٣٢: إذا كانت المرأة في زمان الحجّ معذورة فكيف تكون نيّتها؟
الجواب: يتبدّل ذلك الإحرام إلى إحرام الحجّ بغير نيّة جديدة، ثمّ تذهب إلى عرفة والمشعر ومنى وتؤدّي أعمالها فيها، ثمّ تأتي بأعمال تلك العمرة إضافة إلى أعمال الحجّ، ولا إشكال في ذلك أبداً.
سؤال ٣٣: هل يكفي أن تطهُر المرأة بحسب الظاهر بعد سبعة أيّام بحيث لا يتلوّث الثوب أم لا بدّ من التحقّق والاختبار بعد الطهر؟
الجواب: إذا كانت عادتها وقتيّة يكفي أن تنقضي سبعة أيّام ولا حاجة إلى الفحص.
سؤال ٣٤: إذا صلّينا في مكّة في الفندق فهل تكون صلاتنا تامّة أم قصراً؟ وهل يمكن أن نصوم أيضاً؟
الجواب: تقدّم أنّ الصلاة في أيّ موضع من مكّة أو المدينة يمكن أن تكون تامّة. أمّا الصوم فلا بدّ فيه من نيّة إقامة عشرة أيّام، فالصوم يختلف عن الصلاة.
سؤال ٣٥: ما هو رأيكم في ما يجري من أعمال الاستقبال والتزيين والذبح بعد عودة الحاج؟
الجواب: لا مانع من ذلك ولكن في هذه الأيام اتخذت شكلاً من الاعتبارات والتفاخر، وكلّما كانت الزينة أكثر وكلّما كان الذبح أكثر... لا مانع منها إذا كانت بغرض الإعلان عن وصول الحاج، ولكن ينبغي أن لا تتحوّل إلى نحو يجرّها نحو ذلك الاتجاه، والحقير لم ير في زمان المرحوم العلاّمة توصيّة منه بذلك، ولذا يحسن بنا نحن أيضاً أن نتركها.
سؤال ٣٦: هل تعاد صلاة الطواف إذا شككنا بصحّتها؟
الجواب: لا تعاد وهذا الشكّ هو من وسوسة الشيطان؛ فالشكّ بعد الصلاة لا يعتنى به كما هو الحال في صلواتنا اليوميّة، وعلى الإخوان أن يعلموا أنّه لا فرق بين صلاة الطواف وصلاة الصبح، فكما تصلّون صلاة الصبح وتتعاملون مع الشكوك فيها فكذا هو الحال في صلاة الطواف، إذا صلّيتم صلاة الصبح هل تشكّون فيها وتصابون بالوسواس؟ لا بل تصلّون وتمضون لتناول الفطور، أو تشرعون بتلاوة سورة يس ودعاء الصباح وما شابه، والأمر هو كذلك في صلاة الطواف بلا أيّ اختلاف، أما أنّ نصنع منها غولاً مرعباً ونجعل لها أهميّة خاصّة، فهذا كلّه هراء في هراء.. أقولها لكم بصراحة! كلّ ذلك هو خطأ؛ فصلاة الطواف هي كصلاة الصبح، حمدها وسورتها تماماً كما في صلاة الصبح، ولا داعي إلى الضغط على أنفسكم، ولا داعي للمبالغة في الاهتمام بالمخارج، فكلّ ذلك يبعدكم عن الله، فعلينا في الصلاة أن نتوجّه إلى الله، ألم تقرؤوا ما تفضّل به المرحوم العلاّمة في الروح المجرّد؟ فهذا بعينه جار في صلاة الطواف، لا تهتمّوا بحرف العين فيها ولا بحرف الضادّ ولا بحرف الطاء۱ ولا بمدّ ولا الضالّين والترنّم بها، كلّ ذلك... نعم علينا أن نهتمّ بتصحيح تلفّظنا للحروف في الصلاة سواء كانت صلاة صبح أو صلاة طواف، ولكن تصحيح القراءة شيء والانصراف عن المعنى وعن التوجّه إلى الله والاهتمام باللفظ بدلاً عنه هو شيء آخر، فهذا باطل وذاك واجب، على الإنسان أن يعمل على تصحيح مخارج الحروف والألفاظ، ولكن لا أن يتذكّر ذلك في مكّة فقط بدافع من المسائل الأخرى المترتّبة على ذلك، فالآن علينا أن نصحّح تلفّظنا وتجويدنا وأن نعرف مخارج الحروف، كلّ ذلك لا بدّ منه في الصلاة، ولكن صلاة الطواف لا تختلف بشيء عن غيرها، فعندما نصلّيها علينا أن نتوجّه إلى الله فقط، أما كيف قرأت الحمد وكيف وكيف...؟؟ فكلّ ذلك من وساوس الشيطان. وكلّما كانت الصلاة أطول فهي أفضل فلنقرأ السور الطوال إن أمكن وتوفّر مكان هادئ وإلا فالازدحام لا يدع مجالاً حتّى للسور القصار، ولكن على كلّ حال إذا تيسّر ذلك، وينبغي أن يكون القنوت طويلاً وأن ندعو بما مما نريد من الأدعيّة، وبحالة من الانبساط، والتوجّه فقط إلى الله بغير تشويش وبغير وسوسة وترديد، فكلّ ذلك يبعدكم عن الله بدلاً من أن يقرّبكم، وهذه هي حقيقة المسألة.
سؤال ٣۷: هل يمكن في الوضوء أن نجعل يدنا تحت ماء الأنبوب ونمسحها بدلاً من أن نسكب الماء بيدنا الأخرى عليها؟
الجواب: لا إشكال في ذلك.
سؤال ٣۸: أنا مدين بمبلغ من الحقوق الشرعية فبعد أن أحسبها متى ينبغي أن أدفعها؟
الجواب: كل مكلّف يعرف تكليفه في ذلك.
سؤال ٣٩: ما هو أفضل الأعمال للوالدين اللذين انتقلا من دار الدنيا؟
الجواب: أفضل الأعمال هو أن يشركهما الإنسان في عمله، وذلك بأن يقول: إلهي بلّغ ثواباً من عملي هذا إليهما أيضاً، ومن الجيّد أن يدعو لهما وينفق عنهما ويساعد الفقراء ويصلّي ويطوف، فإن ثواب هذه الأعمال سيصل إليهم.
سؤال ٤۰: لو تمّ ذبح الأضحية عبر الآلات فما هو حكمها؟
الجواب: لا إشكال فيها إن تمّت التسمية عليها.
سؤال ٤۱: لو أنّ امرأة محرمة دخلت في العذر الشرعي وكان لديها وقت لأن تؤدي أعمالها بنفسها، فهل يمكنها أن تستنيب نظراً لصعوبة الإحرام أم الأفضل أن تصبر وتقوم بالأعمال بنفسها؟
الجواب: أصلاً لا يجوز أن تستنيب، فما دام بمقدور المكلّف أن يصبر فعليه أن يصبر، والإحرام ليس أمراً صعباً؛ فلباس النساء يبقى كما هو المعتاد من العباءة وأمثالها مما يرتدين عادة، وعلينا أن نعلم أنّ الإحرام كلّما طال أكثر كلّما ازداد نصيب الإنسان من الفيض، لأنّ الإنسان يرى نفسه في محضر الله، فبمجرّد أن يحرم الإنسان ألا يشعر بالتحوّل الحاصل في نفسه والذي يجعله يختلف عمّا كان عليه قبل نصف ساعة مثلاً؟ فكلّما طالت مدّة هذا التحوّل كلّما عظم نصيب الإنسان. فإذن لا بدّ للنساء أن ينتظرن ارتفاع العذر ليحرمن. وكم هي فرصة قيّمة للإنسان أن يطيل الله له مدّة هذا الإحرام.
سؤال ٤٢: لو كان لامرأة عادة متغيّرة وتيقّنت من أنّ مدّة عذرها قد انقضت، فمثلاً في اليوم الثامن من عادتها قامت بأعمالها، وفي اليوم التالي رأت الدم مجدداً فما هي وظيفتها؟
الجواب: إن كانت على يقين من أنّ اليوم التاسع هو من أيام العادة فلا بدّ من إعادة الأعمال.
سؤال ٤٣: لو كان الإنسان معتاداً على كلام معيّن وكان يعدّ فحشاً عند الناس، فهل يجب عليه ذبح شاة إذا ما سبق إلى لسانه بغير اختيار منه؟
الجواب: لا يجب عليه شاة، ولكن عليه أن يغيّر عادته في هذا الكلام بالمراقبة.
سؤال ٤٤: أنا من أهل طهران وزوجي سيذهب إلى الحجّ هذا العام وسيحجّ نيابة عن أبيه، والذي كان قد توفي العام الماضي، وهذه السنة حصل زوجي على تعرفة للسفر برفقة زوجته، وهو يريد أن يجعل حجّته هذه عن والده، فما هو تكليفه؟
الجواب: إن كان الحجّ واجباً عليه فلا يجوز له أن يحجّ نيابة عن أبيه، بل عليه أولاً أن يحجّ عن نفسه، ولا يجوز له الحجّ عن الغير إلا في إحدى صورتين: أن لا يكون هو مستطيعاً، أو أن يكون قد حجّ سابقاً، فإن كان هذه السنة مستطيعاً، لا يمكنه أن يحجّ عن أبيه، ولو حجّ كان الحجّ باطلاً عن أبيه وعن نفسه. فإن كان هذا هو مراد السؤال فلا يصح.
سؤال ٤٥: تفضّلوا علينا ببيان أدب الحضور في عرفات ومنى وآداب زيارة حرم رسول الله صلى الله عليه وآله.
الجواب: تقدّمت هذه المطالب، ولا حاجة إلى الإعادة.
سؤال ٤٦: هل يمكن لهذه الأعين الحسيّة أن تحظى بجمال الحجّة بن الحسن؟
الجواب: اللقاء بالحجّة بن الحسن ليس أمراً باختيارنا نحن، بل هو يرجع إلى نفسه عليه السلام، فإن هو أرادأظهر نفسه للبعض، ولا يجب على الإنسان أن يسعى هناك إلى رؤية الإمام عليه السلام؛ فقد ذكرنا أنّ على الإنسان هناك أن يتوجّه إلى التوحيد، والإمام يريد منّا ذلك أيضاً، ولو فرضنا أنّا التقينا بالإمام عليه السلام هناك فماذا يعني ذلك؟ ولو جئنا الآن بصورة الإمام وأريناها للجميع فماذا بعد ذلك؟ هل نريد شيئاً آخر منه عليه السلام؟ أم لا فقط نريد أن نراه؟ ها قد رأيناه فرضاً. الإمام عليه السلام يريد من شيعته هناك أن يسعوا إلى الكون تحت ولايته من أجل التكامل والترقّي، فهذا هو الأمر الذي أمرنا به، أن نتوجّه إلى الولاية التي هي عين التوحيد، أمّا رؤية ظاهر الإمام فهذا أمر نتركه إلى الإمام نفسه، فإن هو لطف بن وشملنا بعنايته فسيرينا نفسه إما في اليقظة أو في النوم أو بأيّة وسيلة أخرى، فهناك آلاف الطرق، وإن لم يرد فلا علاقة لذلك بفساد حجّنا وتوفيقنا وقبول عملنا، بل هي مصلحة هو يراها.
سؤال ٤۷: هل المداومة على ذكر يا عزيز يا عليم يساعدنا في تلك المسألة(اللقاء بالإمام عليه السلام)؟
الجواب: لا اطلاع لي على ذلك.
سؤال ٤۸: الشعر الذي يحلق في منى هل يدفن هناك؟
الجواب: نعم يستحبّ ذلك.
سؤال ٤٩: ما هو الذكر الذي ينبغي أن يقال عندما ننظر إلى الحجر الأسود؟
الجواب: تقدّم أنّ الذكر هو ذكر لا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوّة إلا بالله، ، كلّ ذلك من الأذكار التوحيديّة وكذا الصلاة على النبيّ والأئمة عليهم السلام هي من الأذكار التي أذكر أنّها تقال في هذا المقام، والتوجّه الأصلي كما تقدّم هو أن نحصر توجّهنا إلى ذات الله المقدّسة، وكما تقدّم فالأمر في المدينة يختلف عما هو عليه في مكّة، بل حتّى سمعت من المرحوم العلاّمة أنّه كان يقول أنّ الطواف الذي تقوم به يهدى إلى النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله، فإنّ نيّة ذلك تعطي لمن نهديه من غير النبيّ المزيد من الثواب، ولذا ينبغي أن تكون نيّتنا في الطواف والصلوات هي الإهداء إلى رسول الله، فهناك التوجّه فقط إلى الله، والثواب يهدى إلى رسوله، هذا خير ما كان يوصي به الأولياء العظام.
نسأل الله تعالى أن يوفّق جميع الإخوان لأن يسيروا إلى تلك الديار بهذه النيّة وبهذه الخصوصيّات، وأن يردوا هذا البحر ويصلوا إلى الموضع الذي هو يريده، وأن لا يخافوا ولا يتصوّروا أنّ هذا المكان هو محلّ لزيارة العظماء والأولياء، وأنّه لا مجال لنا نحن فيسيطر عليهم الخوف، وأنا لا طريق لنا إلى هذه المراتب، ولسنا أهلاً لها، لا، بل ليتركوا أنفسهم كي تهطل عليها النعم الإلهيّة، ويستفيدوا أكثر فأكثر، ويضاعفوا من سعتهم وقدرتهم على اجتذاب الجذبات والأنوار، ولا يتصوّروا أنّ هذه الحالات والجذبات والجلوات هي خاصّة بفئة معيّنة، لا فالله تعالى جعلها للجميع، وفتح الطريق للجميع، وعلى الإنسان أن يلقي بنفسه في خضمّ هذا البحر ويتركها لكي يتمكّن بذلك من الحصول على طائر الوصال، والذي لم يجعل الله تعالى هذه العبادة إلى للحصول عليه.
وحين العودة، علينا أن نراقب أنفسنا ونلتفت جيّداً ونسعى في حفظ تلك الحالات والأجواء، وأن نخفف من علاقاتنا وارتباطاتنا، ومن الكلام حتى المباح، لأنّ نفس الكلام ينقص من رأسمال الإنسان، ولو كان مباحاً. علينا أن نفكّر بمسائل الحجّ وبالأحوال التي حصلنا عليها هناك، وعندما نأوي إلى فراش النوم فلنكن على تلك الأحوال، كلّ ذلك يجعل من تأثيرات الحجّ ومن البارقات والجاذبات التي خصّ الله بها زواره أكثر استقراراً في النفوس.
اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد.