9

متابعة الأعمال لرضا الله من عوامل الهداية والسعادة

خطبة عيد الفطر لعام 1422 هـ

7061
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمالمناسبات الإسلامية

المجموعةعيد الفطر

التاريخ 1422/10/01


التوضيح

خطبة عيد الفطر لعام ما معنى ﴿يَهدِي بِهِ ٱللَهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضوٰنَهُۥ﴾ ولماذا لا يهدي الله بالقرآن إلا من اتّبع رضوانه؟
وما معنى اتّباع رضوان الله؟ وما علاقة ذلك بالولاية؟
ما السبب في علوّ منزلة أويس القرني رضوان الله عليه؟
لماذا كان قاتل الزبير في النار؟ وماذا كان موقف أمير المؤمنين من قتله؟
ما هو الخير المطلوب في قنوت العيد؟ وماذا يحدث في عيد الفطر؟ ولمن هو عيد في الدرجة الأولى؟ ومتى سيكون عيدُنا الحقيقيّ؟
يفسّر سماحة المرحوم السيّد محمّد محسن الطهراني رضوان الله عليه في هذه المحاضرة قوله تعالى: ﴿قَد جَآءَكُم مِّنَ ٱللَهِ نُور وَكِتٰب مُّبِين * يَهدِي بِهِ ٱللَهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضوٰنَهُۥ سُبُلَ ٱلسَّلٰمِ وَيُخرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذنِهِ﴾
موضّحًا المراد من اتّباع رضوان الله ودور الولاية في تحقيق ذلك وأنّه لا قيمة في العمل نفسه ما لم يكن في سياق محو الأنا والفرعونيّة وهذا ما يقوم به الوليّ، مستشهدًا بمواقف من تاريخ الإسلام لعمّار بن ياسر وأويس القرني رضوان الله عليهما، والزبير وقاتله، رابطًا ذلك بما يجري في يوم العيد ولماذا هو عيد للنبيّ والأئمّة عليهم السلام.

/۱٤
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

متابعة الأعمال لرضا الله من عوامل الهداية والسعادة - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۲ هـ

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • متابعة الأعمال لرضا الله من عوامل الهداية والسعادة

  • خطبة عيد الفطر لعام ۱٤٢٢ هـ

  •  

  • محاضرة ألقاها 

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

متابعة الأعمال لرضا الله من عوامل الهداية والسعادة - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۲ هـ

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِالله مِنَ الشَّیطانِ الرَّجیم

  • بسم الله الرّحمن الرّحیم 

  •  

  •  

  • الحمدُ لله الواصلِ الحمدَ بالنّعَم و النّعَمَ بالشّكر. نَحمَدُه علیٰ آلائِه كمٰا نَحمدُه علیٰ بلائهِ، و نَستَعینُه علیٰ هذه النّفوسِ البِطاءِ عمّا أُمرَت به، السِّراعِ إلیٰ ما نُهیَت عنه، و نَستَغفِرُه ممّا أحاطَ بِه عِلمُه و أحصاهُ كتابُه؛ عِلمٌ غیرُ قاصِرٍ و كتابٌ غیرُ مُغادِرٍ! و نُؤمنُ به إیمانَ مَن عایَنَ الغُیوبَ و وَقَفَ علیٰ المَوعودِ؛ ایمانًا نفیٰ إخلاصُه الشّرك و یَقینُه الشّك! و نَشهَد أن لا إلهَ إلّا الله [وَحدهُ لا شَریك له] و أنّ محمّدًا [صلّی الله علَیه و آله و سلّم] عَبدُه و رَسولُه؛ شهادتینِ تُصعِدانِ القَولَ و تَرفَعانِ العَملَ، لا یَخِفُّ میزانٌ توضَعانِ فیه و لا یثقُلُ میزانٌ تُرفَعانِ عنه.

  • أوصیكم عِبادَ الله بِتَقویٰ الله الّتی هی الزّادُ و بِها المَعاذُ [المعاد]؛ زادٌ مُبلِّغٌ و مَعاذٌ [معاد] مُنجِحٌ، دعٰا إلَیها خیرُ داعٍ و وَعاها خَیرُ واعٍ؛ فَأسمَعَ داعیها و فازَ واعیها.۱

  • ﴿بِسۡمِ ٱللَهِ ٱلرَّحۡمٰنِ ٱلرَّحِيمِ ۱ قُلۡ هُوَ ٱللَهُ أَحَدٌ ٢ ٱللَهُ ٱلصَّمَدُ ٣ لَمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ ٤ وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ﴾.٢

  • اللهمّ صلّ و سلّم و زِد و بارِك علیٰ رسولِك و نبیّك و خیرتِك فی خلقِك و حافظِ سِرّك و مُبلِّغِ رسالاتِك، و علیٰ أخیه و وصیّه و صِهره و خلیفته مِن بعده قائدِ الغُرّ المُحَجّلینَ و یَعسوب الدّین و إمام المتّقینَ علیّ بن أبی‌طالب أمیرالمؤمنینَ، و علیٰ الصّدیقة الحوراء الإنسیّة العذراء و الشّفیعة یوم الجزاء فاطمة الزّهرا سلام الله علیها، و علیٰ سبطَیِ الرّحمة و سیّدَیْ شَبابِ أهل الجنّة الحسنِ و الحسینِ، اللهمّ صلّ علیٰ أئمة المُسلمینَ علیِّ بن الحسینِ و محمّد بن علیٍّ و جعفرِ بن محمّدٍ و موسیٰ بن جعفرٍ و علیّ بن موسیٰ و محمّد بن علیٍّ و علیِّ بن محمّدٍ و الحسنِ بن علیٍّ و الحُجّة القائمِ المُنتظَر المَهدی حُجَجِك علیٰ خلقِك و أُمَنائك فی بلادِك.

  • اللهمّ إنّا نَرغَبُ إلیك فی دَولةٍ كریمةٍ تُعِزُّ بها الإسلامَ و أهلَه و تُذِلُّ بها النّفاقَ و أهلَه و تَجعلُنا فیها مِن الدُّعاة إلیٰ طاعتِك و القادةِ إلیٰ سبیلِك و تَرزُقُنا بها كرامةَ الدّنیا و الآخرة.٣

    1. نهج البلاغة (صبحي الصالح)، ص ١٦٩. 
    2. سورة الإخلاص (١١٢). 
    3. مصباح المتهجّد، ج ٢، ص ٥٨١، فقرة من دعاء الافتتاح. 

متابعة الأعمال لرضا الله من عوامل الهداية والسعادة - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۲ هـ

4
  •  

  •  

  • أعوذُ بالله مِن الشّیطان الرّجیم

  • بسم الله الرّحمٰن الرّحیم

  • ﴿يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتٰبِ قَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمۡ كَثِيرٗا مِّمَّا كُنتُمۡ تُخۡفُونَ مِنَ ٱلۡكِتٰبِ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٖ قَدۡ جَآءَكُم مِّنَ ٱللَهِ نُورٞ وَكِتٰبٞ مُّبِينٞ ، يَهۡدِي بِهِ ٱللَهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوٰنَهُۥ سُبُلَ ٱلسَّلٰمِ وَيُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِهِۦ وَيَهۡدِيهِمۡ إِلَىٰ صِرٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ﴾.۱

  • أهمّية موافقة أعمال الإنسان لرضا الله 

  • الأمر الشديد الأهميّة الذي ركّزت عليه هذه الآية الشريفة هو كيفيّة العمل وموافقته لما يرضي الله، فرغم أنّ الخطاب فيها هو لأهل الكتاب والمعتقدين بالأديان السابقة، فإنّها تشمل جميع المؤمنين وجميع الذين يسيرون في طريق الهدف المقصود والوصول إلى الأهداف الإنسانيّة العالية. 

  • يقول: يا أهل الكتاب قد جاءكم رسول من عندنا يبيّن لكم كثيرًا من الأمور التي لا تبيّنونها من كتبكم، يضع بين أيديكم كيفيّة طريق السعادة، وتلك الأعمال التي تؤدّي إلى صعود النفس وخروجها من مرتبة الأنانيّة والفرعونيّة إلى عالم النور والبهاء.

  • ﴿قَدۡ جَآءَكُم مِّنَ ٱللَهِ نُورٞ وَكِتٰبٞ مُّبِينٞ﴾ قد جاء من عند الله نور وكتاب مبيّن، كتاب يبيّن الحقائق، ويطرح الخصوصيّات، وينبّه على النقائص، وبصورة عامّة، في هذا الكتاب كلّ ما يلزم لأجل السعادة. وهداية هذا الكتاب ستكون شاملة للذين يتّبعونه لأجل الوصول إلى رضوان الله وما هو مورد رضاه. فإذا عمل به إنسان هكذا بحيث يكون المقصود من العمل بالكتاب الوصول إلى رضا الله، فإنّ هذا الكتاب يهديه إلى سبل السلام وطرق الأمن والسكينة والاطمئنان. 

  • الحقائق المستفادة من هذه الآية كثيرة جدًّا، سنشير اليوم إلى بعضها. 

  • ما هو العمل الهادي إلى سبل السلام؟

  • من الواضح أنّ أهل الكتاب أناس يعملون بتكاليفهم إلى حدّ ما، يؤدّون العبادات، يعملون بالمقرّرات والقوانين الواردة في كتبهم وهم متعهّدون وملتزمون بهذه الأمور، ولولا ذلك لما عملوا، ولكنّ الهداية إلى سبل السلام في هذه الآية الشريفة معتمدة على اتّباع رضوان الله. 

  • تريد هذه الآية هنا أن تقول إنّ مجرّد العمل لا يكفي للهداية إلى سبل السلام، مجرّد الانشغال بالعبادات لا يكفي للوصول إلى الصراط المستقيم، بل العمل الممضى والمرضيّ والمختار هو ما كان فيه رضوان الله. 

    1. سورة المائدة (٥) الآیة ١٥ و ١٦.

متابعة الأعمال لرضا الله من عوامل الهداية والسعادة - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۲ هـ

5
  • فلندقّق جيّدًا، ليس كلّ عمل مرضيًّا، وليس معلومًا أنّ كلّ ما يؤدّيه الإنسان كعبادة مرضيّ عند الله، وليس معلومًا أنّ كلّ ما يقوم به الإنسان على أنّه مأمور به هو مُجاز ومرضيّ عند الله. على الإنسان أن يبحث في أعماله وسلوكه عن رضوان الله، وأن يتّبع ذلك ويجعله نصب عينيه، لا مجرّد العمل، ولا مجرّد الالتزام الأعمى وبدون هدف ولمجرّد الأنس والقيام بالمسؤوليّة وأداء التكليف وبراءة الذمّة! فالعمل الذي لا رضوان لله فيه لا فائدة فيه. 

  • تقول الآية: 

  • ﴿قُلۡ هَلۡ نُنَبِّئُكُم بِٱلۡأَخۡسَرِينَ أَعۡمٰلًا ، ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعۡيُهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ يَحۡسَبُونَ أَنَّهُمۡ يُحۡسِنُونَ صُنۡعًا﴾.۱

  • قل للنّاس يا رسولنا: هل أخبركم من هم أكثر الناس بينكم خسرانًا وأسوأهم نصيبًا وأشدّهم مسكنة وأسوأهم عاقبة وأعلاهم صوتًا بنداء يا وحسرتاه يوم القيامة؟ هؤلاء هم الذين كانوا في الدنيا يعملون بعض الأعمال وفق ميولهم ورغباتهم، ولكنّ هذه الأعمال لم تكن بإذن منّا وبرضانا! تقوم نفوسهم ببعض الأعمال والعبادات لإخفاء نواياها، في حين أنّا لم نأمر بتلك العبادات، ولم نكلّف بها، وما كلّفنا به هو شيء آخر. ولكن فرارًا من ذلك التكليف يقومون بهذه العبادات، لأجل الفرار من تلك العبادة التي هي مورد رضانا يختارون عبادة أخرى على أساس رغبتهم الخاصّة، ولكي يتركوا رضانا وما لا يوافق أهواءهم النفسيّة، ومن جهة أخرى لكي يؤنسوا قلوبهم بأنّهم مهتمّون ويقومون بعمل ما، يقومون بعمل ما ولو بالظاهر في مقابل مرضاتي وفي مقابل رضواني. هؤلاء هم الأخسرون، لأنّ الذين لم يعملوا شيئًا لا يمكنهم أن يطالبوا الله يوم القيامة ولا يرى إلا جزاء أعماله، ولكنّ المسكين وتعيس الحظّ هو من قضى عمرًا في هذه الحياة الدنيا بالعبادة والأعمال الحسنة الظاهر، والأمور والبرامج التي تسمّى عبادة، ولكن إذا ذهب إلى ذلك العالم وأعطي كتاب أعماله لا يرى فيه شيئًا، وعلّة ذلك أنّه لم يقم بهذه الأعمال بداعي الأمر والتكليف، بل قام بها من تلقاء نفسه، ولو أنّه أُمِرَ بها لما قام بها. 

  • اختلاف طرق الشيطان لإغواء الناس

  • للشيطان حيل وشراك مختلفة في إغواء بني آدم، فبعضهم يوقعهم بواسطة الأعمال الباطلة، وبعضهم يخرجهم من الطريق بواسطة الوساوس، وبعضهم بواسطة القيام بأمور تظهر في الظاهر بصورة العبادة، ولكن حيث إنّها ليست في سياق التكليف، فإنّها تصبح أكبر فخّ وأكبر مانع لهم عن مرضاة الله. 

    1. سورة الكهف (١٨) الآیة ١٠٣ و ١٠٤. 

متابعة الأعمال لرضا الله من عوامل الهداية والسعادة - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۲ هـ

6
  • لا تتصوّروا أنّ الذين كانوا يبعدون الناس عن أمير المؤمنين ويجذبونهم إلى أنفسهم في صدر الإسلام كانوا يتظاهرون بالفسق والعمل المحرّم بين الناس، وأنّ عملهم كان بصورة تسقطهم من أعين الناس! كلاّ بل كانوا على تلك الحالة التي كان عليها الصالحون وشيعة أمير المؤمنين عليه السلام، كانوا يعتمرون عمامة كما يعتمرون، ويصلّون كما يصلّون، ويصومون كما يصومون، وهكذا تمكّنوا من خداع العوامّ والبسطاء عن الولاية والمحور الأساس في عالم التشريع والتكوين. لا تتصوّروا أنّ هؤلاء كانوا يشربون الخمر أمام الناس، فلو أنّهم كانوا كذلك بين الناس لما تبعهم أحد. 

  • كلام عمّار بن ياسر في معركة صفّين لتشخيص الحقّ

  • يروي نصر بن مزاحم في كتابه وقعة صفّين عن أسماء بن الحكم الفزاريّ: 

  • كُنَّا بِصِفِّينَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ تَحْتَ رَايَةِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ ارْتِفَاعَ الضُّحَى اسْتَظْلَلْنَا بِبُرْدٍ أَحْمَرَ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ يَسْتَقْرِي الصَّفَّ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْنَا فَقَالَ: أَيُّكُمْ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ؟ 

  • فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ: هَذَا عَمَّارٌ.

  • قَالَ: أَبُو الْيَقْظَانِ؟ 

  • قَالَ: نَعَمْ. 

  • قَالَ: إِنَّ لِي حَاجَةً إِلَيْكَ، فَأَنْطِقُ بِهَا عَلَانِيَةً أَوْ سِرّاً؟

  • قَالَ: اخْتَرْ لِنَفْسِكَ أَيَّ ذَلِكَ شِئْتَ.

  • قَالَ: لَا بَلْ عَلَانِيَةً. 

  • قَالَ: فَانْطِقْ.

  • قَالَ: إِنِّي خَرَجْتُ مِنْ أَهْلِي مُسْتَبْصِراً فِي الْحَقِّ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ لَا أَشُكُّ فِي ضَلَالَةِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ وَ أَنَّهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ، فَلَمْ أَزَلْ عَلَى ذَلِكَ مُسْتَبْصِراً حَتَّى كَانَ لَيْلَتِي هَذِهِ صَبَاحَ يَوْمِنَا هَذَا، فَتَقَدَّمَ مُنَادِينَا فَشَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، وَ نَادَى بِالصَّلَاةِ، فَنَادَى مُنَادِيهِمْ بِمِثْلِ ذَلِكَ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّيْنَا صَلَاةً وَاحِدَةً، وَ دَعَوْنَا دَعْوَةً وَاحِدَةً، وَ تَلَوْنَا كِتَاباً وَاحِداً، وَرَسُولُنَا وَاحِدٌ، فَأَدْرَكَنِي الشَّكُّ فِي لَيْلَتِي هَذِهِ، فَبِتُّ بِلَيْلَةٍ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ حَتَّى أَصْبَحْتُ فَأَتَيْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: «هَلْ لَقِيتَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ؟» قُلْتُ: لَا قَالَ: «فَالْقَهُ فَانْظُرْ مَا يَقُولُ لَكَ فَاتَّبِعْهُ» فَجِئْتُكَ لِذَلِكَ.

  • قَالَ لَهُ عَمَّارٌ: هَلْ تَعْرِفُ صَاحِبَ الرَّايَةِ السَّوْدَاءِ الْمُقَابِلَتِي۱؟ فَإِنَّهَا رَايَةُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَاتَلْتُهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وآله ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَ هَذِهِ الرَّابِعَةُ، مَا هِيَ بِخَيْرِهِنَّ وَ لَا أَبَرِّهِنَّ بَلْ هِيَ شَرُّهُنَّ وَ أَفْجَرُهُنَّ. أَشَهِدْتَ بَدْراً وَ أُحُداً وَ حُنَيْناً أَوْ شَهِدَهَا لَكَ أَبٌ فَيُخْبِرَكَ عَنْهَا؟ 

    1. في بعض المصادر: المقابلة لي. 

متابعة الأعمال لرضا الله من عوامل الهداية والسعادة - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۲ هـ

7
  • قَالَ: لَا.

  • قَالَ: فَإِنَّ مَرَاكِزَنَا عَلَى مَرَاكِزِ رَايَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه آله يَوْمَ بَدْرٍ وَ يَوْمَ أُحُدٍ وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَ إِنَّ هَؤُلَاءِ عَلَى مَرَاكِزِ رَايَاتِ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْأَحْزَابِ... أَتَرَانِي بَيَّنْتُ لَكَ؟ 

  • قَالَ: قَدْ بَيَّنْتَ لِي...۱ 

  • الكون تحت الولاية وأمر الوليّ شرط قبول العبادات

  • الصلاة وقراءة القرآن والصيام إنّما تكون ممضاة إذا كانت تحت نظر الولاية وأمرها، إن كانت هذه الصلاة بأمر أمير المؤمنين فهي مقبولة، وإلا فهي باطلة، وليتها باطلة فحسب، بل مانعة وسدّ، أي إنّ هذا البطلان يسدّ الطريق أمام المنافذ التي يمكن أن يلتفت أهل الباطل من خلالها إلى الحقّ، وهذه الأعمال وهذا السلوك يسدّ جميع المنافذ أمام الأنوار، إنّ عمل هؤلاء أصعب من الذين لا يؤدّون هذا النوع من العبادة، فالذي لا يقوم بعبادةٍ ما دائمًا تؤاخذه نفسه اللوامة ودائمًا يرى طريقًا بينه وبين الحقّ في الباطن، أمّا من ينشغل بهذه العبادات ويمتنع عن التكليف الأساسيّ، فإنّ عبادته هذه بعينها تلتفّ عليه كحجاب وغِشاء فلا يتمكّن من الوصول إلى المطلوب. إنّ هذا الأمر على درجة كبيرة من الأهميّة. 

  • وقد كنّا نرى في زمان المرحوم العلاّمة الكثير من هذه الأمور، حيث كان هناك أفراد يقومون ببعض العبادات من تلقاء أنفسهم وخلافًا لما أمرهم به، رغم أنّه كان قد أمرهم بصراحة أن يعملوا وفق ما يطلب منهم فحسب، ولكن في المقابل كانوا يتهرّبون بلطائف الحيل من بعض التكاليف التي يطلبها المرحوم العلاّمة منهم، وكانوا يتركون تلك التكاليف ويسلّون قلوبهم بأنّهم يقومون بأعمال عباديّة أكثر، وكانت نفوسهم تشعر بحالة من المكانة المرضيّة الخياليّة والتصوّريّة، غافلين عن أنّ جميع هذه العبادات والأوراد والأذكار إنّما تكون عبادة وإنّما تكون قادرة على العبور بالإنسان إذا كانت في سياق خروج النفس من عالم الأهواء وعالم السلائق، فلو لم تتمكّن العبادة من ذلك ولم تقم بهذا الدور فهي أعظم مهلكة ووسيلة وآلة للدخول في مهالك النفس، المهالك التي ابتلي بها خوارج النهروان وكثير من الناس على أثر التمرّد. 

  • فمن جهة لا تتمكّن النفس من العمل بالتكليف وبما طلب منها وما هو موضع رضا الله، لأنّه مخالف للنفس والهوى، ومن جهة أخرى فإنّ جهة اللواميّة والتأنيب التي هي أحد مراتب النفس لا تسمح للنفس أن تهدأ وتلومها دائمًا وتقول لها: لقد خالفتِ هنا! لقد عثرتِ على طريق لعدم العمل هنا! لقد تذرّعت بتلك الذريعة هنا! ولكي تقومي بما ترغبين به سلكتِ طرقًا وتذرّعتِ بذرائع! وهذا الأمر ـ والذي هو غير خاف على الوجدان ووجدان الإنسان شاهد عليه ـ يسبّب أن ترى النفس من جهة أنّها في مقام التمرّد عاجزة عن القيام بالتكاليف، ومن جهة أخرى ولكي تخفي هذا الجانب وتسلّي خاطرها وتهدأ اعتبارًا ومجازًا، تقوم بمجموعة من الأعمال والعبادت تريح بها الوجدان، وليس لهذه العبادة أيّة قيمة ولا فائدة. أتقف في مواجهة أمير المؤمنين عليه السلام ثمّ تصلّي؟! تقف في مواجهة أمير المؤمنين ثمّ تصوم؟! تقف في مقابل أمير المؤمنين عليه السلام ثمّ تعمل على فتح البلدان؟! ما قيمة ذلك؟! 

    1. وقعة صفّين، ص ٣٢۱.

متابعة الأعمال لرضا الله من عوامل الهداية والسعادة - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۲ هـ

8
  • منزلة أويس القرني وسببها

  • ذات يوم جاء أويس القرني من اليمن إلى المدينة فاجتمع الناس من حوله؛ لأنّهم سمعوا عنه من النبيّ أمورًا ومديحًا، فمن كلمات النبيّ في حقّ أويس أنّ له من سعة الصدر وسعة الرحمة ما يمكّنه من الشفاعة لمثل ربيعة و مضر.۱

  • فقد كان لقبيلة مضر خدم وأغنام كثيرة، لذلك كانت العرب إذا أرادت أن تضرب المثل في كثرة الناس قالت مثل قبيلة مضر وحشمها، ولأويس يوم القيامة من سعة الرحمة وقوّة الشفاعة ما يمكّنه من الشفاعة لهذا العدد من الناس، لذلك كان الناس يرغبون في لقائه. ولمّا جاء رأى الناس أنّه إنسان لا يلبس تلك الثياب الفاخرة بل هي بسيطة جدًّا ورثّة. اجتمع الناس حوله، وفي تلك الأثناء أُخبِر عمر بن الخطّاب خليفة المسلمين أنّ أويسًا قد جاء، فأرسل إليه عمر ودعاه إلى دار الخلافة، فقال أويس: من كان يريدني لأمر ما فليأتني إلى هنا، أمّا أنا فلست أريد شيئًا من أحد. فجاء عمر ووقف بين الجمع وألقى نظرة على حال أويس وقال له: ادع لي يا أويس. 

  • فقال أويس: أنا أدعو للمؤمنين والمؤمنات في صلاتي، فإن كنت منهم فإنّ دعائي سيشملك، وإن لم تكن منهم فإنّي لن أضيع دعائي! 

  • فانظروا كم هو حرّ هذا الرجل وكم هو شهم! لأنّه تابع لأمير المؤمنين، فممّ يخاف إذن؟! من كان تابعًا لأمير المؤمنين فلا خوف عليه، لا في الظاهر يخاف ولا في الباطن! لقد وصل إلى الينبوع، خلافًا للناس الذين يرزحون في التخيّلات والاعتبارات، بعد أن اطّلع على حقيقة أمير المؤمنين فلو أنّ الأفلاك والأملاك مضت في اتّجاه لا يبالي! هو حرّ مرتاح، لا شكّ لديه ولا اضطراب ولا قلق. 

  • قال عمر: من يشتري منّي هذه الخلافة بقرصين؟ 

  • لقد سيطرت عليه حالة من التظاهر بالقداسة وبشدّة. فقال له أويس. 

  • أحمق من يفعل ذلك! لأنّه إن كانت الخلافة حقًّا لك، فلا حقّ لك أن تعطيها لغيرك، وإن اشتراها منك أحد فقد غصبها، وإن لم تكن الخلافة حقًّا لك فلتتركها وتذهب وشأنك ليأخذها من هو لها أهل. ٢ 

    1. الفضائل، ابن‌ شاذان، ص ١٠٧. بحار الأنوار، ج٤٢، ص ۱٥٥: يَدخُلُ الجَنَّة فى شَفاعَتِهِ مِثلُ رَبِيعَة و مُضَرَ.
    2. حلیة الأولیاء، ج ٢، ص ٨٢؛ تاریخ مدینة دمشق، ج ٩، ص ٤٢٤. باختلاف يسير في المصادر.

متابعة الأعمال لرضا الله من عوامل الهداية والسعادة - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۲ هـ

9
  • انظروا هذا تلميذ أمير المؤمنين وقد اقتدى بأمير المؤمنين! كان لأويس أمّ في اليمن لم يكن لها ولد غيره، سمعتم كلّكم أنّه لم يكن قد التقى بالنبيّ وكان يستأذن أمّه مرارًا لكي يأتي إلى المدينة، ولكنّ أمّه لم تكن تسمح له، إلى أن سمحت له بنصف يوم ليذهب ويلتقي بالنبيّ، فلمّا جاء إلى المدينة لم يجد النبيّ فيها. ۱ لم يبدأ بالتبرير والتوجيه! لم يقل: بما أنّي لم أر النبيّ فعليّ أن أصبر! بما أنّي لم ألتق بالنبيّ فعليّ أن أنتظر! أقول لأمّي:" إنّ سفري طال قليلاً"، أبيّن الأمر لأمّي بنحو من الأنحاء، مثلاً أقول :"إنّ الراحلة ضاعت، أو أنّي مرضت أثناء السفر". لم يقل أيًّا من هذا الكلام، والحال أنّ رؤية النبيّ كانت منتهى أمله، فلو أنّهم أعطوه الدنيا بدلاً عن لحظة من النظر إلى وجه رسول الله لما قبل، فقد كان له حال كهذا. 

  • لقد كان ارتباط أويس بالنبيّ عميقًا إلى درجة أنّه عندما انكسرت رباعيّة النبيّ في معركة أحد، في الوقت نفسه جاء حجر ووقع على رباعيّة أويس في اليمن فكسره. ٢ لقد كان ارتباطه بالنبيّ قويًّا إلى درجة أنّه كلّما أفاق النبيّ من النوم أفاق هو أيضًا في اليمن من نومه، لقد كان هكذا! 

  • فعندما جاء إلى المدينة ورأى أنّ النبيّ ليس بين الناس وقد سافر خارجها، أمسك العهد الذي قطعه مع أمّه بعنق وجدانه، فمن جهة النفس راغبة بلقاء رسول الله، ومن جهة أخرى هناك عهد قطعه مع أمّه، وهنا يُختبر اتّباع رضوان الله، وهنا تتنزّل تلك العبادة الظاهريّة أي رؤية رسول الله من صورة الحقيقة إلى عالم الاعتبار، وهنا تتجلّى رؤية خير الناس في العالم لهذا الإنسان على هيئة أمر مخالف لرضا الله ومخالف لأمره، ويخرجه الحرمان من رؤية النبيّ ولقائه كعسل ممزوج بنوع من المرارة والمراقبة للنفس والمجاهدة لها ولتخيلاتها من عالم الاعتبار ورؤية الظاهر التي كان مبتلى بها! لو أنّ أويسًا في ذلك الزمان كان قد رأى النبيّ لربّما لم يخرج من هذه المرتبة من النفس. فلله تعالى مظاهر مختلفة وتجليّات متنوّعة ولا تقتصر المسألة على العبادة ونوع خاصّ من الأعمال. 

    1. الإصابة، ج ١، ص ٣٥٩؛ تذكرة الأولیاء، ص ١٨.
    2. راجع تذكرة الأولیاء، ص ٢٠.

متابعة الأعمال لرضا الله من عوامل الهداية والسعادة - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۲ هـ

10
  • ما هو الخير المطلوب في قنوت صلاة العيد

  • في دعاء القنوت اليوم كنّا نقرأ: 

  • وأن تدخلني في كلّ خير أدخلت فيه محمّدًا وآل محمّد

  • فما هو الخير؟ كلّ ما يحقّق سعادتي ويسبّب دخولي في عالم النور فهو خير. الخير هو أن يخرج الإنسان من نفسه، من الاعتبارات والتخيّلات، الخير هو أن يرى الإنسانُ بشكل صحيح، ويدرك الأمور الواقعيّة ويلمس الحقائق. الخير والرحمة هما الدخول في عالم الأنوار والخروج من عالم الأهواء.

  • و أن تُخرجَنی مِن كلّ سوءٍ؛۱

  • وهذا الخروج لا يحدث من دون علّة ومن دون سبب، هذا الخروج لا بدّ أن يكون مستندًا إلى الولاية، هذا الدخول في عالم الأنوار لا بدّ أن يكون مستندًا إلى الولاية. 

  • قصّة الزبير وأمير المؤمنين عليه السلام في معركة الجمل

  • قال النبيّ الأكرم: قاتل الزبير في النار. ٢ وفي معركة الجمل نادى أمير المؤمنين عليه السلام الزبير لمحاجّته فجاء إليه فقال له الإمام: أما تذكر يومًا كنت مقبلاً عليّ بالمدينة تحدّثني إذ خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله فرآك معي وأنت تبسم إلي، فقال لك: يا زبير أتحبّ عليًّا؟ فقلت: وكيف لا أحبّه وبيني وبينه من النسب والمودّة في الله ما ليس لغيره؟! فقال: إنّك ستقاتله وأنت له ظالم. فقلت أعوذ بالله من ذلك؟ 

  • فنكس الزبير رأسه ثمّ قال: إنّي نسيت هذا المقام. (وواقعًا كان صادقًا، كان قد نسي) ثمّ قال: لا جرم والله لا قاتلتك.

  • فتنحّى جانبًا وامتنع عن القتال، وطبعًا لم يدخل في جيش أمير المؤمنين، ولكنّه لم يقاتله. لذلك تنحّى جانبًا ليستريح فاغتنم أحد أصحاب أمير المؤمنين الفرصة وقتله وهو نائم! ولمّا علم أمير المؤمنين تأسّف كثيرًا وقال له بأمر من قتلت الزبير؟ هل أمرتك بذلك؟! فقال ذلك الرجل إن لم نقتله يقولون: لماذا لم تقتله؟! وإن قتلناه يقولون: لماذا قتلته؟ ٣ ثمّ أخذ السيف وقتل نفسه. فدخل قاتل الزبير النار. ٤ 

  • فهنا ليس المهمّ مجرّد قتل الزبير، بل قتله بأمر من أمير المؤمنين هو المهمّ، الزبير وأمثال الزبير هنا لا فائدة منهم، فهم ليسوا بشيء، ولكن عندما يكون هناك حرب نحن نقول لا بدّ من الصلح. 

    1. إقبال الأعمال، ج ١، ص ٢٨٩.
    2. تاریخ مدینة دمشق، ج ١٨، ص ٤٢١.
    3. راجع الأخبار الطّوال، ص ١٤٧ ـ ١٤٩.
    4. تجدر الإشارة إلى أنّ في كيفيّة قتل عمرو بن جرموز خلاف بين المؤرّخين، فبعضهم نقلاً عن ابن الأثير يقولون إنّه بعد بشارة أمير المؤمنين له بالنار قتل نفسه*، وبعضهم كابن الأثير يقول إنّه بقي حيًّا إلى زمان مصعب بن الزبير وقد ألقى القبض عليه**، وبعضهم كابن أبي الحديد يقولون إنّه كان من الخوارج في النهروان فقتله أمير المؤمنين فيها مع الخوارج*** . 
      *. أسدالغابة، ج ٢، ص ١٠٠.
      **. المصدر السابق.
      ***. شرح نهج البلاغة، ابن ‌أبي ‌الحدید، ج ١، ص ٢٣٦.

متابعة الأعمال لرضا الله من عوامل الهداية والسعادة - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۲ هـ

11
  • العمل وفق رضوان الله هو الطريق الوحيد إلى السعادة

  • فالعمل الوحيد الذي يمكن أن يخرج بالإنسان من مرتبة الأنانيّة والتفرعن هو العمل الذي يكون مورد رضوان الله، الصلاة وحدها لا تكفي، إحياء الليالي ووضع القرآن على الرأس من الليل حتّى الصباح لا يفيد، الصيام لا يفيد، الحجّ لا يفيد، إلا إذا كانت هذه الأعمال كلّها واحدًا واحدًا بطريقة معيّنة وبكيفيّة خاصّة تحت نظر الولاية، حينها تكون له أهميّة ويكون مُخرِجًا ويخرج النفس. وهذا العمل عمل يرضاه الله. 

  • أمّا إذا أراد الإنسان أن يقوم بالأعمال من تلقاء نفسه، فإذا قالوا له: اذهب من هذا الطريق، يقول: أنا أذهب إلى هذا المكان بعينه من طريق آخر. يقولون: قم بهذا العمل بهذا المقدار. يقول: أنا لا أقوم به وأقوم بدلاً عنه بعمل آخر. يقولون: سر بهذه الطريقة. يقول: أنا لا أسير بهذه الطريقة وأسير على أساس تفكيري الخاص بطريقة أخرى. فهذا كلّه لا فائدة منه ولا قيمه وسيكون الإنسان معه مصداقًا لآية: ﴿هَلۡ نُنَبِّئُكُم بِٱلۡأَخۡسَرِينَ أَعۡمٰلًا﴾۱ 

  • ضرورة استمرار أحوال وأجواء شهر رمضان المبارك في سائر الأيّام

  • على كلّ حال فقد انقضى شهر رمضان، الشهر الذي كنّا خلاله في ضيافة الله، وفي هذا الشهر بحمد الله كلّ واحد من الأصداقاء والرفقاء ـ وطبعًا أنا أعلم أنّ وضعكم كان خيرًا من وضعي، فأنا أعلم بأحوالي وخصوصيّاتي ـ قد صام كما يرضي الله، وبحمد الله لم تكن في هذا الشهر غيبة ومجالس لهو ولعب وكلام ونميمة وأمثال ذلك وتمضية للوقت بكلام الدنيا، وبحمد الله قضينا هذا الشهر كما يريد الله. لذا فمن المناسب أن نستمرّ على ذلك، هذه الحالة التي حصلت في شهر رمضان، هذه النورانيّة والبهجة التي نشعر بها في أنفسنا، هذا الإحساس بالبهاء الذي لدينا، هذا الإحساس الذي لدنيا بالرَّوح ممّا يجعلنا نرى فارقًا بين هذا الشهر وسائر الشهور، فلنستمرّ على ذلك ولنكن على هذه الحال، فإن لمسنا نتيجة ذلك فبها، وإن لم نلمس نتيجته فلنرجع ولنقم بعمل آخر. وعلى كلّ حال، الأمر واضح جدًّا. 

  • شرح رواية النبيّ حول تكثير الكلام وتمريج القلوب

    1. سورة الكهف (١٨) الآیة ١٠٣.

متابعة الأعمال لرضا الله من عوامل الهداية والسعادة - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۲ هـ

12
  • يروي العامّة والخاصّة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال: 

  • لولا تكثیرٌ فی كلامكم و تمریجٌ فی قلوبكم لَرأیتُم ما أریٰ و لَسَمِعتُم ما أسمَع.۱

  • لولا وجود كثرة الكلام بينكم ولولا وجود التذبذب والتشويش في باطنكم لرأيتم ما أرى ولسمعتم ما أسمع.

  • فكون الإنسان في حالة من القلق وأنّه ماذا سيحصل اليوم؟ وماذا سيحصل غدًا؟ وماذا عليّ أن أفعل في هذا الأمر؟ وماذا عليّ أن أفعل في ذاك؟ لقد تكلّم فلان عنّي، فبماذا أجيبه؟ وبماذا أجيب عن ذاك الأمر؟ وهل أقول هذا الأمر لفلان؟ وماذا أقول عن فلان؟ يقول رسول الله لو لم تكونوا هكذا لرأيتم ما أرى ولسمعتم ما أسمع. 

  • ليس الأمر مزاحًا، وليس الأمر سهلاً! فلنعزم أن نكون واقعًا هكذا لأربعين يومًا، وبعدها لننظر أنشعر في وجودنا بتغيير أم لا؟ لنقرّر أن نترك نقل الكلام لأربعين يومًا! لنقرّر أن لا نرى لأربعين يومًا أحدًا سوى أنفسنا ولنفترض أنّه ليس هناك أحد غيرنا، لنفترض أنّه لا وجود للآخرين، بل فقط نحن وأنفسنا، ولنشتغل بأنفسنا. 

  • أهميّة الاشتغال برفع عيوب النفس 

  • كم اهتمّ المرحوم العلاّمة طوال حياته بهذا الأمر! كفیٰ بالمَرء أن یَشتغلَ بعُیوبه عَن عیوبِ النّاسِ٢ وكانت عبارة المرحوم العلاّمة هكذا: ذلك السالك الذي لديه ألف مشكلة وعلّة لا ينظر إلى الناس ولا يبالي بأعمالهم! لا يلتفت أصلاً إلى أنّه ماذا فعل فلان وماذا قال وماذا قيل عنه، فنحن إذا أردنا أن نعالج هذه المشاكل والعلل والنقائص والموانع التي أمام طريقنا سنرى أنّنا نصرف جميع أوقاتنا في ما يخالف هذا الطريق، نصرف جميع أوقاتنا بأمور هنا وهناك وما نغفل عنه هو أنفسنا. 

  • شرح رواية الإمام الصادق عليه السلام في التوجّه إلى حضور الله

  • يقول الإمام الصادق عليه السلام لإسحاق بن عمّار: 

  • یا إسحٰق، خفِ الله كأنّك تَراه، وإن كنتَ لا تراهُ فإنّه یَراك، فإن كنتَ تریٰ أنّه لا یراك فقَد كفرتَ، و إن كنتَ تعلم أنّه یراك ثمّ برزتَ له بالمعصیة فقَد جعلتَه مِن أهوَن النّاظرینَ إليك.٣

  • يا إسحاق خف الله كأنّك تراه وتشاهده، وعندما يرى الإنسان الله ويحسّ بوجوده فلا يرتكب ذنبًا ولا خطأ! فإن لم تكن لك تلك القدرة لأن تكون لك هذه الحالة فاعلم على الأقلّ أنّه هو يراك ويشاهدك، وإن كنت تتصوّر أنّه لا يراك فقد كفرت! وإن كنت تعلم أنّه يراك ومع ذلك تبادر إلى المعصية والخطأ والاشتباه فقد جعلت الله من أهون الناظرين إليك. 

    1. المیزان، ج ٥، ص ٢٧٠؛ مسند أحمد، ج ٥، ص ٢٦٦، باختلاف يسير.
    2. تحف العقول، ص ٢٨٢؛ نهج البلاغة (صبحي الصالح)، ص ٢٥٥. باختلاف يسير.
    3. الكافي، ج ٢، ص ٦٨.

متابعة الأعمال لرضا الله من عوامل الهداية والسعادة - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۲ هـ

13
  • لو كنّا في مكانٍ وكان إلى جانبنا واحد من الناس الذين في الأزقّة والشوارع فهل نرتكب النذب ونحن إلى جانبه؟! 

  • هل نرتكب ذلك الذنب الذي يجعلنا نشعر بالحياء والخجل؟! فهذا العمل وهذه الحالة التي لا نرى الله فيها وحتّى لا نجعله كواحد من الناس هي غاية التعاسة التي يمكن أن تصيب إنسانًا! وعلى كلّ حال علينا أن نستمرّ بحالة المراقبة هذه. 

  • ماذا يحدث في عيد الفطر؟ ولمن هو عيد في الدرجة الأولى؟ ومتى سيكون عيدُنا الحقيقيّ؟ 

  • اليوم يوم عيد، اليوم الذي جعله الله عيدًا للجميع، يعني عيد الثواب، فالله اليوم يثبّت تلك الآثار التي كسبناها طوال شهر رمضان، ويدخلها إلى القلب وينحتها فيه، العيد يعني الثواب، يعني أنّ ذلك العمل الذي قمت به، وذلك الامتناع الذي قمت به، وهذه المراقبة التي قمت بها طوال شهر لها آثار، وهذه الآثار استقرّت في نفوسكم، فنحن اليوم نغلق هذا السجلّ، وننحت هذا الأثر في القلب، هذا المعنى هو معنى الثواب والهديّة، فاليوم قبلَنا الله تعالى وجعلنا محلاًّ لنظره، وقبل منّا صيامنا هذا بلطفه وعنايته. 

  • اليوم هو عيد لمن؟ لنا نحن، وبنحو أهمّ وفي الدرجة الأولى هو عيد لرسول الله وللأئمّة، لأنّ كلّ ما يصلنا إنّما يصلنا من خلالهم! إنّ شرف عالم الوجود هو إمام الزمان عليه السلام، وحقيقة حياة العبادة هي ولاية إمام الزمان عليه السلام، ونفس ذلك الإمام هي التي تهب الحياة لعبادتنا هذه، وتجعل أعمالنا هذه سببًا للترقّي. فأفضل عمل اليوم هو الدعاء والصدقة من أجل سلامة إمام الزمان عليه السلام. علينا أن نطلب من الله أن يعجّل ظهور ذلك الإمام، وأن يرفع موانع ظهوره، فعيدنا هو ذلك اليوم، يوم تتنوّر عيوننا الرمداء بنور لقاء إمامنا، ويوم نصلّي هذه الصلاة خلفه، فذلك اليوم هو يوم عيدنا

  • وَ عِندی عیدی كلُّ یومٍ أریٰ بِهِ***جَمالَ مُحَیّاها بِعَینٍ قَریرَة
  • وَ كلُّ اللَّیالی لَیلَةُ القَدرِ إن دَنَت***كما كلُّ أیامِ اللِّقا یومُ جُمعة۱
  • يقول إنّ ذلك اليوم الذي أراه فيه وأصل إلى لقائه فيه هو العيد بالنسبة إليّ وذلك اليوم الذي يسبّب لي القرب فهو العيد عندي. 

    1. دیوان ابن ‌فارض، ص ٥٢.

متابعة الأعمال لرضا الله من عوامل الهداية والسعادة - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۲ هـ

14
  • ما هي هديّة العيد الأفضل لنا؟

  • لذا فإنّنا بجميع شراشر وجودنا وبجميع أمنياتنا، نسأل الله تعالى ونطلب هديّة عيدنا من الله هكذا: 

  • يا ربّ إدراكنا ناقص، فنحن لا نملك إدراك أوليائك، ونحن لا نملك إدراك الأئمّة والأعاظم، ولكن شملنا لطفك حتّى فهمنا بهذا المقدار وأدركنا أنّ حياتنا هي حياة إمام الزمان، وعبادتنا هي عبادة إمام الزمان، ووجودنا قائم بإمام الزمان، وأنفاسنا التي نتنفّسها متّصلة بأنفاس إمام الزمان، وجميع طرفات عيوننا مستندة إلى إرادة إمام الزمان، وبدون إرادته نحن محض بطلان، وبدون عنايته نحن عدم! 

  • فبما أنّك وفّقتنا لمثل هذا الإدراك، وعرّفتنا هذا المقدار من مقام الولاية كحدّ أدنى، فوفّقنا إلى أن نجد طريقًا إلى باطنه، واجعلنا ولايته في وجودنا أكثر فأكثر، واجعلنا أكثر فأكثر موضع اهتمامه، ولا تحل بيننا وبينه، واجعلنا من المنتظرين الحقيقيّين له، وعجّل في فرجه. 

  • ولأجل إدخال السرور على روح إمام الزمان عليه السلام وجميع شيعته الأحياء منهم والأموات الذين فارقوا دار الفناء وتشرّفوا بدار البقاء صلّوا على محمّد وآله ثلاثًا. 

  •  

  • اللهمّ صلّ علی محمّد و آل محمّد