7

النبيّ وأهل بيته خير أسوة في طريق لقاء الله

خطبة عيد الفطر لعام 1420 هـ

2352
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمالمناسبات الإسلامية

المجموعةعيد الفطر

التاريخ 1420/10/01


التوضيح

لماذا كان يوم عيد الفطر عيدًا؟ أيّ تحوّل في الوجود قد حصل فيه؟ وما هو مقصودنا ومرادنا من العيد؟
طرح المحاضر رضوان الله عليه هذه الأسئلة في مقدّمة محاضرته وأجاب عنها من خلال الإجابة على أسئلة أخرى:
النبيّ صلّى الله عليه وآله أسوة وقدوة لأيّة فئة من الناس؟
ما معنى لقاء الله والعمل الصالح والشرك في آية فمن كان يرجو لقاء ربّه...؟
بماذا امتاز سلمان عن الآخرين؟
ولماذا ارتدّ من كان يتبرّك بوضوء النبيّ صلّى الله عليه وآله؟
كيف يجب أن يكون التأسّي برسول الله؟
ليخلص إلى أنّ السرّ في كون عيد الفطر عيدًا هو الالتحاق برسول الله ومقام لقاء الله ومعرفته والتخلّص من الشرك والقيام بالعمل الصالح.
/۱۵
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

النبيّ وأهل بيته خير أسوة في طريق لقاء الله - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۰ هـ

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • النبيّ وأهل بيته خير أسوة في طريق لقاء الله

  • خطبة عيد الفطر لعام ۱٤٢۰ هـ

  •  

  • محاضرة ألقاها 

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  •  

النبيّ وأهل بيته خير أسوة في طريق لقاء الله - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۰ هـ

2
  •  

  • أعوذُ بِالله مِنَ الشَّیطانِ الرَّجیم

  • بسم الله الرّحمن الرّحیم 

  •  

  •  

  • الحمدُ لله الواصلِ‌ الحمدَ بالنِّعم و النِّعمَ بالشّكر. نَحمَدُه علیٰ آلائِه كمٰا نَحمَدُه علیٰ بَلائِه، و نَستَعینُه علیٰ هذه النّفوسِ البِطاءِ عمّا أُمِرَت به، السِّراعِ إلیٰ ما نُهِیَت عنه، و نَستَغفرُه ممّا أحاطَ به عِلمُه و أحصاهُ كتابُه؛ عِلمٌ غیرُ قاصرٍ و كتابٌ غیرُ مُغادرٍ، و نؤمنُ به ایمانَ مَن عایَنَ الغُیوبَ و وَقفَ علیٰ المَوعودِ؛ ایمانًا نفیٰ إخلاصُه الشّرك و یَقینُه الشّك، و نَشهَدُ أن لا إله إلّا الله [وَحده لا شَریك له] و أنّ محمّدًا [صلّی الله علیه و آله و سلّم] عبدُه و رسولُه؛ شهادتینِ تُصعِدانِ القولَ و تَرفَعانِ العملَ، لا یَخِفُّ میزانٌ توضَعانِ فیه و لا یثقُلُ میزانٌ تُرفَعانِ عنه.

  • اوصیكم عبادَ الله بتقویٰ الله الّتی هی الزّادُ و بها المَعاذُ [المعاد]؛ زادٌ مُبلِّغٌ و مَعاذٌ [معاد] مُنجِحٌ، دَعا إلیها أسمَعُ داعٍ و وَعاها خیرُ واعٍ؛ فأسمَعَ داعیها و فازَ واعیها.۱

  • أعوذُ بالله مِن الشّیطان الرّجیم

  • ﴿بِسۡمِ ٱللَهِ ٱلرَّحۡمٰنِ ٱلرَّحِيمِ ۱ قُلۡ هُوَ ٱللَهُ أَحَدٌ ٢ ٱللَهُ ٱلصَّمَدُ ٣ لَمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ ٤ وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ﴾٢

  • اللهمّ صلِّ و سلّم و زِد و بارِك علیٰ أوّل العددِ و صاحبِ الأمدِ الّذی روحُه نُسخةُ الأحدیّة فی اللاّهوت و جَسدُه صورةُ معانی المُلك و الملكوتِ، طاووسُ الكبریاءِ و حَمامُ الجبروتِ٣ العَبدِ المُؤیّد و الرّسولِ المُسدّد الّذی سُمِّیَ فی السّماء بأحمدَ، و فی الأرضِ أبی القاسمِ المصطفیٰ محمّد، و علیٰ أخیه و ابن عمّه و خلیفته و وَزیره قائدِ الغُرِّ المُحَجَّلینَ و یَعسوبِ الدّین و أمیرالمؤمنین آیتك العُظمیٰ و النّبإ العظیمِ علیّ بن أبي ‌طالب، و علیٰ الصّدیقةِ الطّاهرة الشّفیعةِ فی یومِ الجزاءِ و الدُّرّةِ البَیضاءِ فاطمة الزّهراء، و علیٰ السّبطینِ سیّدَیْ شبابِ أهل الجنّة الحسنِ و الحسینِ، و علیٰ الأئمة مِن وُلده حُجَجِك علیٰ خَلقِك و أُمنائك فی عبادِك علیّ بن الحسین ومحمّد بن علیٍّ و جعفر بن محمّدٍ و موسیٰ بن جعفرٍ و علیِّ بن موسیٰ و محمّد بن علیٍّ و علیّ بن محمّدٍ و الحسن بن علیٍّ و الحجّة القائم المهدیّ.

    1. نهج البلاغة (صبحي الصالح)، ص ١٦٩. 
    2. سورة الإخلاص (١١٢).
    3. مقتبس من ناسخ التواریخ، ج ٤، ص ١٧٥٥، كلام أمیرالمؤمنین علیه السلام الشريف عند دفن جثمان رسول اكرم صلّی الله علیه و آله و سلّم.

النبيّ وأهل بيته خير أسوة في طريق لقاء الله - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۰ هـ

3
  • اللهمّ إنا نَرغَبُ إلیك فی دَولةٍ كریمةٍ تُعزُّ بها الإسلامَ و أهلَه و تُذلُّ بها النّفاقَ و أهلَه و تَجعلُنا فیها مِن الدّاعینَ إلیٰ طاعتك و القادةِ فی سبیلك و تَرزُقُنا بها كرامةَ الدّنیا و الآخرة.۱

    1. مصباح المتهجّد، ج ٢، ص ٥٨١، مقطع من دعاء الافتتاح الشريف.

النبيّ وأهل بيته خير أسوة في طريق لقاء الله - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۰ هـ

4
  •  

  •  

  • أعوذُ بالله مِن الشّیطانِ الرّجیم

  • بسم الله الرّحمٰن الرّحیم

  • ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾.۱

  • اليوم يوم عيد، يوم سرور وانبساط، فلماذا اليوم يوم عيد؟ أيّ تحوّل في الوجود قد حصل؟ وما هو مقصودنا ومرادنا من العيد؟ ولماذا جعل الله هذا اليوم عيدًا؟ 

  • لمن يكون النبيّ أسوة وقدوة؟

  • يقول الله في هذه الآية الشريفة إن كان لا بدّ لكم ـ من أجل الوصول إلى لقاء الله وإدراك يوم الجزاء ـ من إنسان في هذا العالم تجعلونه أسوة لأعمالكم وسلوككم، فإنّ خير أسوة وخير مقتدى هو رسولي ونبيّي. 

  • وهذا التأسّي هو لمن؟ ومن هم الذين لديهم القابليّة لأن يجعلوا النبيّ مقتدى لهم؟ ومن هم الذين يوفّقون لأن يكونَ رسول الله وحده قدوة لهم من بين جميع هذه القدوات والأسوات وجميع الناس؟ 

  • إنّهم الذين لديهم أمل بالوصول إلى لقاء الله، فمن كان له أمل بلقاء الله فلا مفرّ له من أن يجعل النبيّ أسوة. 

  • الداعون للحقّ في هذه الدنيا والمبلّغون إلى الصراط المستقيم كثيرون جدًّا. الداعون إلى طرق مختلفة كثيرون في هذه الدنيا، فلكلّ فرد في هذه الدنيا أسوات عديدة، وكلّ إنسان في عالم خياله الخاصّ وعالم تصوّراته وعالم مدركاته يجعل إنسانًا ما أسوة ومرجعًا وإنسانًا يمكن أن يتّبع، وهو يختار ذلك الإنسان على أساس تصوّراته الخاصّة.

  • فمن كان من أتباع الباطل لا يمكن أن يجعل إنسان حقّ أسوة لنفسه، ومن كان من أتباع الحقّ لا يمكن أن يجعل إنسان باطل أسوة له. نعم يمكن أن يبتلى ليومين أو ثلاثة ببعض التصوّرات ولكن في النهاية وبالالتفات إلى الاختلاف والتطوّرات التي تحصل تتّضح حقيقة المسألة للطرفين، فيعيد النظر في أسوته. ومن كان لا يبحث عن لقاء الله فإنّه شاء أم أبى سينفصل يومًا عن رسول الله وعن مدرسته. من الممكن أن يتّبع النبيّ لبضعة أيّام من أجل بعض التصوّرات، وبالالتفات إلى بعض الأمور والغايات النافعة التي تشدّه، ولكن حيث إنّه لم يتمكّن في عالم الخيال وعالم التصوّر أن يحقّق عقيدة ذلك النبيّ في نفسه وأن يلتزم بلوازم التأسّي فإنّه سينفصل شاء أم أبى. 

    1. سورة الأحزاب (٣٣) الآیة ٢١.

النبيّ وأهل بيته خير أسوة في طريق لقاء الله - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۰ هـ

5
  • ماذا حصل بعد النبيّ؟! أين مضى أولئك الذين كانوا إذا دخل رسول الله يستقبلونه بحفاوة؟! وأولئك الذين كانوا يتسابقون على الاستشفاء والتبرّك بماء وضوء النبيّ۱ أين ذهبوا؟! وهؤلاء الذين كانوا دائمًا يتنطّحون في الصفّ الأوّل والثاني وإلى جانب رسول الله عن اليمين وعن الشمال أين ذهبوا؟! لماذا ذهب هؤلاء؟! ولماذا لم يستطيعوا أن يتّبعوا أمير المؤمنين عليه السلام؟! لأنّهم لم تكن غايتهم لقاء الله، لأنّهم لم تكن غايتهم الوصول إلى تلك الحقيقة المرّة والوصول إلى ذلك الواقع والذي يمكن أن يسبّب إدراكها للإنسان في كثير من الأوقات بعض المدّ والجزر والهبوط والصعود والأوج والحضيض والمتاعب والسهولات، ولكنّ شكل رسول الله وشمائله كانت قد أخذت بقلوبهم، وظاهر رسول الله كان قد جذبهم. كانت حروب رسول الله وانتصاراته والفتوحات التي قام بها قد أغرقهم في نواياهم، فلو كانت تلك الحروب جميعًا تنتهي إلى هزيمة في الظاهر فهل كان هؤلاء سيأتون مع النبيّ ويجاهدون الكفّار إلى جانبه؟! كلاّ أبدًا. 

  • علّة الأمر هو أنّ الطرق المقابلة للصراط المستقيم وصراط الحقّ كثيرة جدًّا، طريق الحقّ الذي لا شائبة فيه من الشرك والمزج بالأهواء والحالات والتعلّقات بالدنيا الدنيّة، وفي كثير من الموارد يمتزح الحقّ مع الشرك، والصحيح مع السقيم، من كان يبحث عن الطريق المستقيم الذي لا عوج فيه وهو مطابق لأهداف النبيّ بنسبة مائة في المائة، عليه أن يلتفت جيّدًا وأن يقيس في جميع الأحيان والأوقات كلّ أعماله وأقواله وخواطره على ذلك المعيار والميزان الكليّ، فلو ابتعد عن تلك الدائرة يسيرًا فإنّه لم يجعل النبيّ أسوة لنفسه بذلك المقدار.

  • ما معنى لقاء الله والعمل الصالح والشرك في آية فمن كان يرجو لقاء ربّه...؟

  • ما المراد من لقاء الله؟ إن كان المراد من لقاء الله لقاء ألطاف الله ونعمه، فلماذا لم يقل الله ذلك؟! ولو كان المراد من لقاء الله الوصول إلى الجنّة والفيوضات التي جعلها الله، كان بإمكان الله أن يبيّن ذلك. كما أنّه ليس المراد من الوصول إلى لقاء الله إدراك مراتب الصفات والأسماء الإلهيّة، لأنّ ذلك يختلف عن ذات الله. 

    1. راجع صحیح البخاري، ج ١، ص ٩٩.

النبيّ وأهل بيته خير أسوة في طريق لقاء الله - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۰ هـ

6
  • إنّه يقول: إن كان هناك إنسان لديه أمل بلقائي فعليه أوّلاً أن يعمل عملاً صالحًا.

  • معنى العمل الصالح

  • والعمل الصالح يختلف عن العمل الحسن. العمل الصالح هو العمل الراجح والملائم والواجب، العمل الذي لا يمكن تصوّر أفضل منه، لا أن يأتي بعمل جيّد، فنحن في طاعتنا للأمر بالصلاة، لو صلّينا بأيّ نحو مستوف للشروط الظاهريّة فقد أسقطنا التكليف، ولكنّه إسقاط للتكليف في مرتبة الظاهر، لا إسقاط له في مرتبة الباطن! 

  • الصلاة الحقيقيّة مثال العمل الصالح والفرق بينها وبين الصلاة الظاهريّة

  • الصلاة المكتوبة في الرسائل العمليّة هي صلاة لمجرّد رفع التكليف الظاهريّ، فأن يقوم الإنسان برعاية الآداب وترك المحرّمات ويحقّق شروط الصلاة فيكون لباسه طاهرًا وبدنه طاهرًا من الحدث والخبث، ويصلّي متوجّهًا إلى القبلة، ولا يتكلّم أثناء الصلاة بلفظ آخر غير لفظ الصلاة، فهذه الصلاة تسقط التكليف، صلاة لا تقضى بحسب الظاهر، صلاة جعلت لعامّة الناس في مرتبة الظاهر والحدّ الأدنى. 

  • ولكن هل هي تلك الصلاة التي هي معراج المؤمن والمقرّبة إلى الله؟! 

  • وهل هي الصلاة التي تسبّبب أن يصلّيها الإنسان وهو يفكّر في معنى آخر أمام الله بحيث لا يرى الله أثناءها أنّه في مقابله [ومنفصلاً عنه]، وتحصل له حالة أثناءها تجعل المصلّي والمقتدى واحدًا ولا يشعر بفرق بينهما؟ 

  • هل هذه الصلاة هي عين تلك التي يصلّيها الإمام الصادق وإذا وصل فيها إلى ﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ﴾۱ سقط مغشيًّا عليه ٢؟ أو هي تلك الصلاة التي كانت تحصل أثناءها لأمير المؤمنين حالة من الصعقة؟ هذه الصلاة تختلف كثيرًا! 

  • تلك الصلاة [الظاهريّة] ليس فيها رجاء لقاء الله، تلك الصلاة ليس فيها معنى للوصول إلى الفناء في الذات الأحديّة. إنّ الصلاة التي لها معنى والصلاة المقرّبة هي التي ينصرف فيها الذهن عن كلّ ما سوى الله تعالى. 

  • من هنا فإنّ مستويات الإدراك للهدف مختلفة بين الناس، وكلّ إنسان يبذل من الجهد بما يتناسب مع إدراكه للوصول إلى ذلك الهدف، لا أكثر. 

  • ﴿فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صٰلِحٗا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا﴾٣

  • معنى الشرك

  • من كان له أمل بلقائي فعليه أثناء العبادة والعبوديّة أن لا يشرك، وليس المراد من الشرك في هذه الآية الإشراك كالمشركين، لأنّ هذا خارج عن محلّ البحث، والبحث هو عن المؤمنين، على المؤمنين أن لا يشركوا، وأمّا المشركون فهم خارجون عن دائرة البحث. الإشراك هو بذلك المعنى الذي ذكره أمير المؤمنين عليه السلام في تلك الليلة التي ضرب فيها عندما أراد أن ينزل من المأذنة ويوقظ الناس للصلاة ويتوجّه إلى المحراب: 

    1. سورة الفاتحة (١) آیه ٥.
    2. فلاح السائل، ص ١٠٧.
    3. سورة الكهف (١٨)الآیة ١١٠.

النبيّ وأهل بيته خير أسوة في طريق لقاء الله - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۰ هـ

7
  • خَلُّوا سَبِیلَ الْجاهِدِ الْمُجاهِد***فی اللهِ ذِی الْكتُبِ و ذِی الْمَشاهِد
  • فی اللهِ لا یَعبُدُ غَیرَ الْواحِد***و یُوقِظُ النّاسَ إلَی المَساجِد۱
  • فهذا هو المراد من الشرك، لم يكن يقصد سوى الله طوال عمره، لم يكن يخطر في باله شيء سوى لقاء الله طوال عمره، لا أنّ المراد هو ذلك الشرك الذي هو عبادة الأوثان أو عبادة الأصنام، ذلك الشرك الذي لم يخطر في دائرة تخيّل عليّ أبدًا، بل هو عدم جعل غير الله معادلاً لله في جميع الأعمال وفي جميع الأفعال وعلى مدى العمر. فإذا تحقّق هذا المعنى وهذا الأمر في إنسان فلا شكّ أنّه سيصل إلى لقاء الله ولقاء ربّه، وبمقدار ما نتنازل عن ذلك وبمقدار ما نبذل ونخصّص من الهمّة نعطَى. وقد قالوا قديمًا: بمقدار ما تعطِي من المال تعطَى من الطعام. ٢ فالأمر يرتبط بالهمّة التي يبذلها كلّ إنسان، والطريق واضح والمسير محدّد، ولا يمكننا أن نخدع أنفسنا، لا يمكن لأحد أن يخدع نفسه. فالأمر واضح إلى درجة والقضايا واضحة إلى درجة بحيث لا يمكن لأحد أن يخدع نفسه. فلو خدع إنسان نفسه وظنّ أنّه قد خدع الله فليعلم أنّه خاسر وأنّ الله هو الرابح. 

  • الحاجة إلى الأسوة والقدوة في تشخيص العمل الصالح

  • نحن نريد الآن أن نعمل عملاً صالحًا، فما هو هذا العمل الصالح؟ هل يمكننا نحن أن نحيط بجميع الزوايا؟! هل يمكننا أن نهيّئ كلّ ما يلزم للقاء الله؟! [لا يمكننا] فإذن نحتاج إلى أسوة. نحتاج إلى من نتأسّى به، نحتاج إلى إنسان ذي خلوص في نيّته، وصفاء في باطنه، وعدم مزج بين الحقّ والباطل، وقد طوى هذا الطريق، ومن يكون أليق بذلك من النبيّ؟! من يمكن أن يكون أليق بذلك من النبيّ؟! ولو لم يكن لدينا رسول الله فماذا كنّا سنصنع؟! ولو لم تكن أوامر رسول الله فماذا كنّا سنصنع؟! هل فكّرنا في ذلك واقعًا؟! 

  • يقول في تلك الآية الشريفة: 

  • ﴿إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَهُ﴾؛٣ إن كنتم تحبّون الله وتريدون أن تبلغوا لقاءه فلا بدّ أن تطيعوني، لا بدّ أن تقتفوا أثري لكي يحبّكم الله أنتم أيضًا. 

    1. مناقب آل أبي طالب علیهم السلام، ج ٣، ص ٣١٠.
    2. امثال و حكم، ج ٣، ص ١٥٩: «هر چه پول بدهی آش می‌خوری.»
    3. سورة آل عمران (٣) الآیة ٣١.

النبيّ وأهل بيته خير أسوة في طريق لقاء الله - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۰ هـ

8
  • ومعنى ذلك هو أن تتركوا أهواءكم وتصوّراتكم الخاصّة جانبًا وتتّبعوني في كلّ لحظة، فإنّ المحبّة الإلهيّة لا تنفكّ عن اتّباع النبيّ وتقليده.

  • كلام العلاّمة الطباطبائي في أهميّة التأسّي بالنبيّ

  • يقول المرحوم العلاّمة الطباطبائي رضوان الله عليه: 

  • يجب أن يكون المسلم والمؤمن قويًّا في تأسّيه بالنبيّ الأكرم بحيث تكون أزرار لباسه كأزرار لباس النبيّ! 

  • يقول: لقد كانت أزرار لباس رسول الله إلى كتفه۱ فإن كنّا شيعة لرسول الله فيجب أن نلبس ثيابنا هكذا. 

  • وطبعًا ليس مراده أنّ على الإنسان أن يتّبع في كلّ خصوصيّة ولو كانت من مقتضيات بعض الأزمان، بل المراد هو أنّ محبّة رسول الله ومحبّة الله تمنع الإنسان من كثير من الأعمال، وتوقفه عند كثير من الأمور. 

  • المعنى الحقيقيّ لاتّباع النبيّ 

  • بمجرّد أن نكون أتباعًا لذلك النبيّ وشيعة له لا ينتهي الأمر، بل علينا أنّ نرى: ماذا فعل النبيّ طوال عمره؟ كيف كانت أخلاقه؟ كيف كانت علاقته بالناس؟ كيف كان يعمل في ما يواجهه من قضايا وأحداث؟ كيف كان يعمل في تطبيق الحقّ؟ وكيف كا يصنع في حياته الشخصيّة؟ من تمكّن من إدراك هذا الأمر وأنّ رسول الله لم يكن يفكّر طيلة عمره بغير الله فإنّه شاء أم أبى مجبور أن يشاهد دائمًا وفي جميع الأحوال إلى جانب أعماله الخاصّة الوجود الصوريّ والوجود البرزخيّ والمثالي لذلك النبيّ على الأقلّ.

  • بالالتفات إلى هذا الأمر فهل يمكن أن نفعل ما نريد؟! هل يمكننا أن نحكم كما نريد؟! هل يمكن أن نتجاوز عن بعض الأمور؟! هل يمكن أن نفعل هذه الأمور؟ لا يمكننا بعد ذلك!

  • تحمّل المصائب والمرارات هو طريق الوصول إلى لقاء الله حتّى بالنسبة إلى أهل البيت عليهم السلام

  • كيف كان النبيّ؟ أنتم تظنّون أنّ هذه المقامات التي أعطيت لرسول الله حصلت له بالمجّان؟! هل يمكن أن نتحمّل نحن يومًا واحدًا ممّا مضى على رسول الله؟! 

  • من هو الذي مع علمه بأنّ جميع هؤلاء الذين هم حوله ويحيطون به ويجتمعون حوله ويتنعّمون بنعمه سيأتي يوم يقفون فيه ضدّه ويرفضون كلامه حول خلافة ووصاية صهره أمير المؤمنين عليه السلام ويعرضون عنه، وبعد وفاته يهجمون على دار ابنته ويقطّعونها إربًا أمام عيني زوجها٢ ومع ذلك يصبر ويستمرّ على نهجه ولا يتجاوز خطوة واحدة ما كلّفه الله به من وظيفة، ولا يكشف الحقائق، ويتعامل مع الناس وكأنّه لا يعلم شيئًا من ذلك؟! إذا قال لنا أحد كلامًا ما فإنّا نتابع الأمر لسنوات! ولو أهاننا إنسان ما فإنّا لا ننسى الأمر لسنوات. 

    1. راجع سنن النبيّ صلّی الله علیه و آله و سلّم، العلاّمة الطباطبائي، ص ١٢١.
    2. الإمامة و السیاسة، ص ٣٠.

النبيّ وأهل بيته خير أسوة في طريق لقاء الله - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۰ هـ

9
  • هل تظنّون أنّ رسول الله وأمير المؤمنين وصلوا إلى هذا المقام هكذا؟! أبدًا! نحن نظنّ أنّ الإمام السجّاد وصل إلى الإمامة هكذا؟! هل وصل سيّد الشهداء إلى مقام الشفاعة الكبرى هكذا؟! هل وصل الإمام المجتبى عليه السلام إلى مقام الطهارة المطلقة الذاتية هكذا؟! كلاّ لم يكن الأمر كذلك! كيف كان الإمام المجتبى؟ لقد كان الإمام المجتبى في مظلوميّة لم يشاركه فيها أحد من المعصومين! ذلك الذي كان في مقام ومكانة من حيث الظاهر وما يهمّ الناس مساويًا لسيّد الشهداء إن لم يكن أكثر منه، هذا الإمام المجتبى عليه السلام عندما وصل إلى الإمامة فأوّل ما صنعه معه الناس هو أنّهم ضيّعوا كلّ الجهود التي بذلها أبوه طيلة ثمانية عشر شهرًا في القتال مع معاوية وتقديم كلّ أولئك الشهداء فيها في سبيل الإسلام، وهؤلاء الناس هم الذين أعرضوا عن الإمام، وإضافة إلى ذلك فإنّ أقرب أصحاب أبيه يعرضون عنه أيضًا ويهينونه ويقولون له مذلّ المؤمنين۱، أناس لا يمكنني أن آتي على ذكر أسمائهم، هذا الإمام المجتبى عليه السلام بعد أن رجع الناس لم يتّبعه أحد. 

  • أنتم تظنّون أنّ الله وضع تاج الكرامة وفخر الولاية على رؤوس الأئمّة هكذا بسهولة فجلسوا على العرش فأحاط بهم الملائكة عن اليمين والشمال يرفعونهم في الهواء؟! كلاّ لم يكن الأمر هكذا، في البداية عملوا بهذه الآية هم أنفسهم، فقد كانوا أوّل من جاء واحتمل مرارة المحبّة ومرارة الجهاد ومرارة التعلّق بالله وقالوا نحن هكذا. 

  • يقول أمير المؤمنين عليه السلام: 

  • ألا و إنّكم لا تَقدِرونَ علیٰ ذلك و لكن أعینونی بوَرعٍ و اجتهادٍ و عفّةٍ و سَدادٍ؛٢ 

  • ويقول أمير المؤمنين عليه السلام: و لقد كان فی رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم كافٍ لك فی الأُسوَة... فتأسَّ بنبيك الأطیَب الأطهَر، فإنّ فیه أُسوةً لمَن تأسّیٰ و عَزاءً لمَن تَعزّیٰ، أحبُّ العبادِ إلیٰ الله المُتأسّی بنبیّه و المُقتَصُّ لأثرِه... و لقد كان فی رسول الله [صلّی الله علیه و آله و سلّم] ما یدلّك علیٰ مَساوی الدّنیا و عُیوبها.٣

    1. تحف العقول، ص ٣٠٨.
    2. نهج البلاغة (صبحي الصالح)، ص ٤١٧.
    3. نهج البلاغة (صبحي الصالح)، ص ٢٢٦ ـ ٢٢٨. 

النبيّ وأهل بيته خير أسوة في طريق لقاء الله - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۰ هـ

10
  • يقول الإمام إنّ النبيّ يكفي لأن تتأسّى به، اجعل برنامجه نصب عينيك، تأمّل وتفكّر في تاريخ النبيّ، اسع إلى دراسة أحوال النبيّ وأفعاله وكيفيّة معاشرته للناس وخصوصيّاته ولا تنتظر أن تسمع العلم من هذا أو ذاك، بل أنت بنفسك اذهب وطالع الكتب وانظر كيف كان النبيّ يصنع في القضايا المختلفة فاصنع مثله. لماذا تنتظر أن يأتي أيّ إنسان ويفسّر لك الأمور ويوجّهها وفق سليقته الخاصّة؟! لماذا لا تذهب أنت بنفسك إلى المصادر فتحدّد الصحيح من السقيم؟! 

  • كاف لك في الأسوة... وأحب العباد إلى الله المتأسّي بنبيّه. 

  • وهنا تذكّرت هذا الأمر، لدينا في الرواية أنّه دخل رجل مسجد النبيّ ذات يوم وكان الطقس ممطرًا، فرأى أثر أقدام على الأرض، فلمّا وصل إلى المسجد رأى أمير المؤمنين عليه السلام وسلمان فيه، فقال: لقد رأيت أثر أقدام رجل واحد ولكنّما اثنان. فقال سلمان: أفيمكن أن أضع رجلي في غير موضع رجل عليّ؟! 

  • انظروا حتّى في موضع القدم يضع رجله موضع رجله، حينها يصبح سلمان! فهو لم يغدُ سلمان عبثًا! لا وجود لأحد في ذهن سلمان سوى عليّ۱ لم يكن في ذهن سلمان سوى النبيّ! فهو عند مواجهة الأمور يفكّر به أوّلاً ثمّ بعد ذلك يفكّر بغيره إن بقي، وعند الأحداث أوّل ما ينظر ينظر إليه، فإذا نظر إليه رأى ماذا عليه أن يصنع في علاقته معه. الله يلقي النور في قلب هذا الإنسان، أمّا إذا واجهنا أمرًا أو حدثًا فتصوّرنا في أذهاننا في البداية أمرين ومنشأين ومصدرين فعلينا أن نعلم أنّا خسرنا الصفقة! فهذا هو الشرك! هذا هو الخلط، هذا هو الجمع بين الحقّ والباطل! لا بدّ أولاً أن يأتي هو، فإذا جاء هو أوّلاً بعد ذلك جعل الإنسان أعماله على أساسه وطابقها وفق إرادته. 

  • أيّ إنسان كان أمير المؤمنين؟ وأيّ إنسان كان سلمان؟ لقد كان رسول الله هو الأول الأوّل بالنسبة إليهما، ثمّ بعد ذلك ننظر ماذا يريد الآخرون أن يقولوا، بعد ذلك ننظر ماذا علينا أن نفعل! إذا كان الإنسان هكذا، فإنّ الله أيضًا يجعل ذلك النور فيه ويجعل الهداية فيه، ويلقي إليه الطريقة التي ينبغي أن يعمل على أساسها، أمّا لو جعلنا من البداية مواءمة بين جهتين في أنفسنا وأخطرنا في أذهاننا الله ورعاية المصالح، الله ورعاية الجوانب والمنافع، الله وإلى جانبه الحياة بسلامة من دون تعرّض لأذى من المحيطين، فإنّ الله سيقول أيضًا: لا بأس فلتكن لك حياة بسلامة ولن أعطيك أكثر من ذلك في المقابل!. لذلك لا يمكن لأحد أن يخدع نفسه! 

    1. الأمالي، الشیخ الطوسي، ص ١٣٣:
      عن منصورٍ بُزُرجَ قال: قلتُ لأبي عبدالله الصّادق (علیه السلام): ما أكثرَ ما أسمَعُ منك یا سیّدی ذكرَ سلمانَ الفارِسی! 
      فقال: لا تقُل الفارِسی، و لكن قل سلمانَ المُحمّدی! أ تَدری ما كثرةُ ذِكری له؟“ 
      قلتُ: لا! 
      قال: ”لثلاثِ خِلالٍ: 
      أحدُها: إیثارُه هَویٰ أمیرالمؤمنینَ (علیه السلام) علیٰ هَویٰ نفسِه؛ 
      و الثّانیةُ: حُبّه للفُقراءِ و اختیارُه إیّاهُم علیٰ أهل الثّروةِ و العددِ؛ 
      و الثّالثةُ: حُبّه للعِلمِ و العُلماءِ! إنّ سلمانَ كان عَبدًا صالحًا حَنیفًا مُسلمًا و ما كان مِن المُشركین. (المحقق)

النبيّ وأهل بيته خير أسوة في طريق لقاء الله - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۰ هـ

11
  • يقول أمير المؤمنين عليه السلام: وأحبّ العباد إلى الله المتأسّي بنبيّه. والذي يقتفي أثره ويعمل عمله. 

  • ثمّ يقول أمير المؤمنين عليه السلام:

  • [و لقد كان فی رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلّم] ما یدلّك علیٰ مَساوی الدّنیا وعُیوبها؛ إذ جاعَ فیها معَ خاصّته، و زُویَت عنه زخارفها معَ عظیم زُلفته؛ فلْیَنظُر ناظرٌ بعَقله أكرم الله محمّدًا [بذلك] أم أهانه؟ فإن قالَ أهانه فقَد كذِب و اللهِ العَظیم بالإفك العظیم؛ و إن قال أكرَمَه فلْیَعلم أنّ الله قد أهان غیرَه حَیثُ بَسطَ الدّنیا له وزَواها عن أقرَب النّاس مِنه.۱

  • فقد كان النبيّ أفضل من بيّن مساوئ الدنيا لي ولك، فرغم ما له من خصوصيّة ومنزلة عند الله كان جائعًا، ورغم منزلته عند الله أُبعدت عنه زخارف الدنيا جميعًا! فتعال وفكّر وانظر بعقلك هل أكرم الله النبيّ بذلك أم أهانه؟ إن قلت إنّه أهانه فقد كذبتَ ونسبت إلى النبيّ وإلى الله إفكًا عظيمًا، وإن قلت إنّه أكرم النبيّ فلا بدّ أن يكون قد أهان من بسط له الدنيا وزخارفها فهذان الأمران لا يجتمعان. 

  • أيّ إنسان كان النبيّ؟ إنّه إنسان لم يكن له هدف من البداية حتّى النهاية سوى الله، ولم يكن يرى الدنيا سوى معبر. هكذا كان النبيّ! لم تكن حال النبيّ لتختلف ما بين البداية والنهاية، لم تكن الأمور وخصوصيّات الأحوال لتؤثّر على النبيّ، لم يكن اختلاف أحوال الدنيا بين مدّ وجزر ليشدّه عن صراطه المستقيم نحو هذا الجانب أو ذاك، لأنّه كان يرى جميع هذه الأمور في الهامش، وكان يرى جميع هذه الأمور والأحداث جانبًا، ولم يكن ينظر إلاّ إلى الله مهما حصل، إن كانت الحياة شاقّة فلتكن! وإن كانت في يسر فلتكن! إن كانت تسير مع بعض المزعجات الاجتماعيّة و الشخصيّة وتنتقص من شؤون الإنسان فلا بأس! فمن هو الأعلى من النبيّ؟! لقد كانوا يذرّون في وجهه التراب، وكانوا يرمونه بالحجارة، كانوا يسبّونه، كانوا يدعونه مجنونًا ومغشيًّا عليه٢ ولكن عندما يواجه النبيّ هؤلاء فإنّه يعفو عنهم جميعًا! ٣ واقعًا أيّة عظمة هذه وأيّة مروءة؟! نحن لا نريد أن نكون كالنبيّ ولن نكون، هيهات! ولكن على الأقلّ لنكن بالمقدار الذي يمكن أن نكون عليه وبالمقدار الذي يتأتّى منّا، ليكن لدينا مثقال ذرّة واحدة من الغيرة، ولنردّ إليه الجميل بمقدار مثقال واحد. 

    1. نهج البلاغة (صبحي الصالح)، ص ٢٢٨ و ٢٢٩.
    2. راجع السیرة النبویة، ج ١، ص ٣٥٤ ـ ٣٦٤.
    3. المصدر السابق، ج ٢، ص ٤١٢.

النبيّ وأهل بيته خير أسوة في طريق لقاء الله - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۰ هـ

12
  • ماذا قدّمنا لقاء تضحيات الإمام الحسين عليه السلام؟ 

  • أذكر أنّه في مثل هذا اليوم يوم عيد الفطر، كان المرحوم العلاّمة يخطب في مسجد القائم، وكان يطرح أمورًا عجيبة جدًّا وكان يتحدّث حول هذا الأمر وأنّ الشيعيّ والذي لا يريد أن يقضي عمره بالبطالة كيف يجب أن يتّبع النبيّ وكيف يجب أن يقفو أثره؟ ثمّ قال هذه الجملة: 

  • لو أنّ سيّد الشهداء عليه السلام جاء في يوم القيامة ماسكًا في إحدى يديه عليًّا الأكبر وفي الأخرى عليًّا الأصغر وقال: "لقد قدّمت أنا من أجل إحياء دين جدّي هذه الأعمال فماذا صنعتم أنتم؟!" فماذا لدينا من جواب؟! واقعًا ماذا لدينا من جواب؟! "لأجل من قدّمت أنا خير خلق الله ليقطّع إربًا إربًا؟ لأجلكم أنتم، لأجل هدايتكم أنتم أيّها المسلمون، لكي أوصل هذا الدين إليكم، لكي أسلّمكم سيرة النبيّ جدّي وديدنه! فماذا صنعتم أنتم؟ لا داعي لأن تقوموا أنتم بهذه الأعمال ولن تقوموا بها، ولكن على الأقلّ هل تنازلتم عن أقلّ منافعكم في طريق الحقّ؟! هل تركتم أموركم الشخصيّة جانبًا؟! هل دستم على بعض الأهواء لوجه الله؟! لا أريد منكم أن تقوموا بتلك الأعمال ولن تقوموا بها، فمن يمكنه ذلك؟! هذه هي الحقيقة. 

  • يقول أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة أخرى: 

  • و الله ما أسمَعَهم الرّسولُ شیئًا إلاّ و ها أنا ذا الیومَ مُسمِعُكموه.۱

  • أقسم بالله ليس هناك أيّ أمر قاله رسول الله في ذلك اليوم إلا وأنا أبيّنه لكم الآن، ليس هناك اختلاف كبير بينكم وبين الذين كانوا في زمان النبيّ، لقد كان بالأمس، فلا تفرّوا من المسؤوليّة، فهذا غلط، فالرؤية والسمع اللذان كانا في زمان رسول الله هما الآن موجودان، وما كان يطرحه النبيّ مطروح الآن. 

  • كيف نكون أتباعًا للنبيّ؟

  • كيف يمكن أن نكون أتباعًا للنبيّ؟ علينا أن نجعل النبيّ ذائبًا في وجودنا وأن نحضره، وبعبارة أخرى علينا أن نجعل وجودنا نحن ذائبًا في وجود النبيّ، أن نأتي برسول الله في حياته، أن نأتي بالنبيّ ونخصّص له واحدة من غرف هذا المنزل، ولا نغلق الباب في وجهه. أنا لا أقول اجعلوا رسول الله في جميع الأماكن وجميع المواقع، بل فقط غرفة واحدة من المنزل نخصّصها للنبيّ، نشعر أنّ النبيّ في هذا المنزل، إمام الزمان عليه السلام في هذا المنزل لكي يكون فينا هذا الشعور! أليس هو ناظرًا أليس مطّلعًا أليس مشرفًا؟! كيف كان النبيّ؟! ألم يكن هكذا؟ عندما بُعِثَ بالرسالة لم يتّبعه سوى ثلاثة: أمير المؤمنين عليه السلام والسيّدة خديجة وزيد٢، وعندما فارق الدنيا لم يكن يتّبعه سوى بضع رجال: أمير المؤمنين وسلمان وأبو ذرّ والمقداد٣ فأين كان الآخرون؟! ألم يوص النبيّ بالأمس القريب من على هذا المنبر قائلاً: إنّی تارك فیكم الثّقلینِ: كتابَ الله و عترَتی!٤ فلماذا قالوا: إنّ المرء ليهجر٥ إذن؟ ماذا حصل بوصيّة النبيّ؟! 

    1. نهج البلاغة (عبده)، ج ١، ص ١٥٧.
    2. راجع السیرة النبویة، ج ١، ص ٢٤٠ـ ٢٤٨.
    3. راجع الاختصاص، ص ٦.
    4. كفایة الأثر، ص ١٣٧.
    5. راجع الطرائف، ج ٢، ص ٤٣٢.

النبيّ وأهل بيته خير أسوة في طريق لقاء الله - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۰ هـ

13
  • هذا لأنّ رسول الله لم يكن يهتمّ إلا بجهة واحدة، دائمًا منذ أن بعِث بالرسالة إلى أن فارق الدنيا لم يكن له التفات إلاّ إلى مبدأ واحد رغم كلّ تلك التكاليف. لم تكن الاختلافات والتغيّرات تسبّب فيه اختلافًا وتغيّرًا، لقد جعل الاختلافات في دائرة خارج حدود توجّهه. يجب أن لا تسبب لنا أحداث المدّ والجزر أيّ ترديد، زيادة الناس وقلّتهم يجب أن لا تؤثّر على مسيرنا وصراطنا المستقيم وتجعله موضع تأمّل ونظر وتردّد. جميع الذين كانوا بعد وفاة النبيّ حول أمير المؤمنين كابن عبّاس وطلحة والزبير وحتّى أبي سفيان نفسه، كلّ واحد منهم كان قد جاء لمطلب خاصّ به، أمّا الذين كانوا حول أمير المؤمنين بعد وفاة رسول الله لأجل رسول الله فمن هم؟ فقط سلمان وأبو ذرّ والمقدار! لقد كان هؤلاء، ولم يكن اجتماع الناس وكثرتهم حوله أو وحدته لتؤثّر على أمير المؤمنين، سواء كان جميع الناس حول أمير المؤمنين أم لم يكن حوله أحد فالأمر لا يختلف، لأنّ الوجهة هي لقاء الله والتأسّي بأمير المؤمنين لا غير، فأينما كان عليّ هذا فالحقّ معه.۱ 

  • حالنا بعد انقضاء شهر رمضان

  • لقد مضى شهر من شهور رمضان، شهر كنّا أثناءه في ضيافة الله، الضيافة التي هي على خلاف سائر الضيافات التي تكدّر قلب الإنسان؛ لأنّ فيها غيبة، وفيها تهمة، وفيها ذكر لغير الله، وفيها مجالس لهو ولعب وكدورة وظلمة واستمتاع وتمتّع بالمتع الظاهريّة وأمتعة الدنيا. أمّا هذه الضيافة فهي ضيافة الجوع، وليس في هذه الضيافة أثر لمتاع الدنيا؛ لأنّها ضيافة إلهيّة. 

  • لقد انقضى شهر، شهر كانَ رسولُ الله یَدأبُ فی صیامِه و قیامِه فی لَیالیه و أیامه٢ كان رسول الله في هذا الشهر يتعب نفسه، كان يجدّ في الصيام وفي القيام، لكي يعي شيئًا ما، ولكي يدرك شيئًا ما فيكون نصيبه من تلك الضيافة أوفى وأوفر. 

  • لقد انقضى هذا الشهر، ونحن نتّخذ هذا اليوم عيدًا، والعيد يعني الخروج من الامتحان ومن تلك التجربة مرفوعي الرأس. وقد كان الأعاظم يتّخذون هذا اليوم عيدًا، وكانوا يتشرّفون فيه بزيارة المشاهد الشريفة٣ ونحن أيضًا تأسيًّا بهم علينا أن نقصد تلك المشاهد، فالذين هم في مشهد يزورون الإمام عليّ بن موسى الرضا عليهما السلام، والذين هم في قم يزورون السيّدة المعصومة سلام الله عليها، والذين هم في طهران يزورون السيّد عبد العظيم عليه السلام، ومن أمكنه أن يزور الثلاثة أو اثنين منهما فليفعل. 

    1. كفایة الأثر، ص ٢٠:
      تَنَفَّسَ ابنُ عَبّاسٍ وَ قالَ: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلّی الله علیه و آله و سلّم یَقولُ: عَلیٌّ مَعَ الحقِّ وَ الحقُّ مَعَ عَلیٍّ وَ هُوَ الإمامُ وَ الخَلیفَةُ مِن بَعدی فَمَن تَمسّك بِه فازَ وَ نَجا وَ مَن تَخَلَّفَ عَنهُ ضَلَّ وَ غَویٰ.
    2. مصباح المتهجد، ج ٢، ص ٨٢٩، مقطع من الصلوات الشعبانيّة.
    3. راجع الروح المجرّد، ص ٣٦

النبيّ وأهل بيته خير أسوة في طريق لقاء الله - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۰ هـ

14
  • وعلى أيّ حال، أداء الشكر هذا واجب علينا تأسّيًا بهم، أي يا الله نحن نقوم بشكرك لأنّك لم تخرجنا من الدنيا ووفقّقتنا لأداء العبادة في هذا الشهر. فلو أنّا فارقنا الدنيا قبل سنة، لفاتنا هذا الشهر، فهذا يستحقّ الشكر! وفّقتنا لأن يحدث فينا تحوّل في هذا الشهر. 

  • كان المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه يقول: "لا تظنّوا أنّ شهر رمضان قد انتهى، علينا أن نجعل شهر رمضان هذا مستمرًّا!" وليس ذلك بالصيام فقط، وطبعًا هو أمر جيّد جدًّا، ولكن اجعلوا حالتكم تستمرّ، هذه الخفّة التي حصلتم عليها في شهر رمضان في علاقتكم مع الناس وعدم كلامكم مع أيّ إنسان لا تخسروها، لا تخسروا هذه الحال بالهجوم على الأمتعة الظاهريّة، ابذلوا وسعكم كي لا تخسروا هذا الحال وهذا الصفاء وهذا الانبساط وهذا التجرّد الذي لديكم. 

  • ألا و إنّ لِربّكم فی أیّام دَهركم نَفحات، ألا فتَعرّضوا لها و لا تَعرَّضوا عنها!۱

  • لقد جعل الله طوال السنة أيّامًا للانجذاب ولدعوة عباده إليه ورجّحها على سائر الأيّام، وشهر رمضان واحد من تلك الأيّام. وهناك أيّام أخرى أيضًا تستقبلنا. وعلى الإنسان أن يغتنم كلّ وقت وكلّ موقع. 

  • أدعية العيد

  • في هذه الأدعية التي قرأناها في قنوت صلاة العيد كنّا نقرأ: 

  • أسئلُك بحقّ هذا الیومِ الّذی جَعلتَه للمُسلمینَ عیدًا و لمحمّدٍ صلّی الله علیه و آله ذُخرًا و شَرفًا [و كرامةً] و مَزیدًا.

  • علينا أن نعلم أنّ لله عناية بكلّ واحد منّا، وهذه العناية تأتي أوّلاً من ناحية رسول الله، ونحن لا نمتلك قابليّة لتلك العناية بمقدار رأس إبرة، كما أنّها لا تأتي من غير رسول الله بأيّ مقدار، لذلك كانت وصيّة المرحوم العلاّمة لتلامذته أنّه إذا أردتم في أيّ وقت أن تقوموا بعمل فأهدوا ثوابه إلى رسول الله، فإذا قرأتم القرآن فلرسول الله، وإذا صلّيتم فلرسول الله، وإذا طفتم فلرسول الله، قوموا بذلك لرسول الله، فإنّه يصل إلى الأئمّة أيضًا وإلى الأموات وإلى الأحياء وإلى الأولياء ولكن أنتم اجعلوه وحده هو المقصود لأنّه هو الأصل والحقيقة! 

  • أن تُصلّيَ علیٰ‌ محمّدٍ و آل ‌محمّدٍ و أن تُدخلَنی فی كلّ خیرٍ أدخلتَ فیه محمّدًا و آل ‌محمّدٍ

    1. المعجم الكبیر، الطبراني، ج ١٩، ص ٢٣٤؛ رسالة لبّ اللباب، ص ۱٩. باختلاف يسير في المصادر.

النبيّ وأهل بيته خير أسوة في طريق لقاء الله - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۰ هـ

15
  • فهل تعلمون أيّ دعاء هذا؟! لا يقول: أدخلنا في بعضها، بل يقول: في كلّ خير. وهذا ليس دعاء قليلاً! والله يقول: وأنا أعطيكم، إنّه يمكنني. أمّا النبيّ وآله في أيّ خير هم؟! فمن هذه الخيرات مراتب الصفات، ومن هذه الخيرات الوصول إلى إدراك مراتب الأسماء، وأعلى خير مرتبة البقاء التي تحصل بعد إدراك الذات والفناء في الذات! والله يقول: يا عبدي إذا ما تقدّمت وإذا ما طلبت لقائي وجعلته وحده أمام عينيك، فإنّي سأدخلك في ذلك الخير الذي أدخلت فيه النبيّ أيضًا. هو يقول ذلك. 

  • و أن تُخرجَنی مِن كلّ سوءٍ أخرجتَ منهُ محمّدًا و آل‌محمّدٍ؛

  • فما هو هذا السوء؟ كلّ ما يمنع الإنسان من الوصول إلى ذات الله ويردعه عن ذلك المقام الربوبيّ هو سوء. في جميع المراتب وجميع التجليّات وجميع المراحل ابتداء من مرتبة الظاهر وانتهاء إلى مرتبة الذات.

  • ثمّ ماذا نصنع؟ ندعو، ففي النهاية اليوم يوم عيد: 

  • اللهمّ إنی أسئلُك خیرَ ما سئلَك به عبادُك الصّالحونَ 

  • العباد الصالحون هم الذين قال الله عنهم في القرآن إنّه كان عبدًا صالحًا.۱

  • و أعوذُ بك ممّا استعاذَ منهُ عبادُك المُخلِصونَ؛٢

  • إنّه إغواء الشيطان ﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغۡوِيَنَّهُمۡ أَجۡمَعِينَ ، إِلَّا عِبَادَكَ مِنۡهُمُ ٱلۡمُخۡلَصِينَ﴾؛٣ يقسم أنّي سأغوي الجميع، إلا الذين وصلوا إلى مرتبة الإخلاص. 

  • جعل الله تعالى عيديّتنا في هذا اليوم الشريف وفي هذا اليوم المبارك تعجيل فرج وليّه ظاهرًا وباطنًا، وجعلنا من المنتظرين الحقيقيّين والذابّين عن حريمه، ولا فرّق الله بيننا وبين أهل البيت عليهم السلام طرفة عين أبدًا، وجعل مسيرنا مسير أوليائه، وأدخلنا في كلّ خير أدخلهم فيه وأخرجنا من كلّ سوء أخرجهم منه، ونصر وأعزّ الإسلام والمسلمين، وسدّد سماحة السيّد القائد في تأييد مباني الإسلام وحَفِظَهُ وصَانَه، وعامل الكفّار والمخالفين بصفات جلاله وقهره وضاعف من نصر الإسلام. 

  • لأرواح المؤمنين والمؤمنات وخصوصًا أموات هذا الجمع وجميع شيعة أمير المؤمنين عليه السلام صلّوا على محمّد وآل محمّد ثلاثًا.

  •  

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد.

    1. این عبارت اشاره به این آیات دارد: سوره آل عمران (٣) آیه ١١٤؛ سوره أنعام (٦) آیه ٨٥؛ سوره نحل (١٦) آیه ١٢٢؛ سوره أنبیاء (٢١) آیات ٧٢ و ٧٥ و ٨٦؛ سوره عنكبوت (٢٩) آیه ٢٧.
    2. إقبال الأعمال، ج ١، ص ٢٨٩.
    3. سوره ص (٣٨) آیه ٨٢ و ٨٣. ترجمه: امام شناسی، ج ٥، ص ٥٦:
      «شیطان به خدا گفت: سوگند به عزّت خودت كه من همۀ افراد بنی‌آدم را إغوا می‌كنم، مگر بندگان مخلص تو را.»