12

الرجوع إلى الله وآثاره

خطبة عيد الفطر لعام 1425هـ

2067
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمالمناسبات الإسلامية

المجموعةعيد الفطر

التاريخ 1425/10/01


التوضيح

ما هي أنواع الناس بالنسبة إلى العمل الصالح؟ وكيف يتعامل الله مع كلّ نوع منهم؟ وما هو المعيار في قبول الأعمال؟ وما هو أثر ولاية أهل البيت وشفاعتهم في ذلك؟
يتناول سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسيني الطهراني هذه المحاور في تفسيره لآية وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيئًا، مستشهدًا برواية تفترق أمّتي بعدي ثلاث فرق، ورواية من أقبل على الله بكلّه.
/۱۲
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

الرجوع إلى الله وآثاره - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۵هـ

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • الرجوع إلى الله وآثاره 

  • خطبة عيد الفطر لعام ۱٤٢٥هـ

  •  

  • محاضرة ألقاها 

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  •  

الرجوع إلى الله وآثاره - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۵هـ

2
  •  

  • أعوذُ بِالله مِنَ الشَّیطانِ الرَّجیم

  • بسم الله الرّحمن الرّحیم 

  •  

  •  

  • الحَمدُ لِلَّهِ الواصِلِ الحَمدَ بِالنِّعَمِ و النِّعَمَ بِالشُّكرِ. نَحمَدُهُ عَلَی آلائِهِ كما نَحمَدُهُ عَلَی بَلائِهِ. و نَستَعینُهُ عَلَی هذه النُّفوسِ البِطاءِ عمّا أُمِرَت بِهِ، السِّراعِ إلَی ما نُهیَت عَنهُ. و نَستَغفِرُهُ عمّا أحاطَ بِهِ عِلمُهُ و أحصاهُ كتابُهُ؛ عِلمٌ غیرُ قاصِرٍ و كتابٌ غیرُ مُغادِرٍ. و نُؤمِنُ بِه إیمانَ مَن عایَنَ الغُیوبَ و وَقَفَ عَلَی المَوعودِ؛ إیمانًا نفی إخلاصُه الشّرك و یقینُه الشَّك و نَشهَدُ أن لا إله إلّا الله [وَحدَهُ لا شَریك لَهُ] و أنَّ محمّدًا [صلّی الله عَلَیهِ و آله و سلّم عَبدُهُ و] رَسولُهُ؛ شهادتینِ تُصعِدانِ القَولَ و تَرفَعانِ العَمَلَ، لا یَخِفُّ میزانٌ توضَعانِ فیه و لا یثقُلُ میزانٌ تُرفَعانِ عنه.

  • أوصیكم عِبادَ الله [و نفسی] بِتَقوَی الله الَّتی هی الزّادُ و بِها المَعاذُ [المعاد]؛ زادٌ مُبلِّغٌ و مَعاذٌ [معاد] مُنجِحٌ. دَعا إلَیها خیر داعٍ و وَعاها خَیرُ واعٍ؛ فَأسمَعَ داعیها و فازَ واعیها.۱

  • أعوذ بالله من الشیّطان الرّجیم

  • ﴿بِسۡمِ ٱللَهِ ٱلرَّحۡمٰنِ ٱلرَّحِيمِ ۱ قُلۡ هُوَ ٱللَهُ أَحَدٌ ٢ ٱللَهُ ٱلصَّمَدُ ٣ لَمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ ٤ وَلَمۡيَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ﴾.٢

  • اللهمّ صلّ و سلّم و زِدْ و بارِك علی رسولِك و نبیِّك و خاتمِ رُسُلِك و مُبَلِّغِ رسالاتِك الرّسولِ النّبیِّ المَكیِّ المَدَنیِّ التّهامیِّ القُرَشیّ صاحبِ لواءِ الحمدِ و المقامِ المحمودِ أبی‌القاسمِ محمّدٍ الحمیدِ المحمودِ. و علی أخیه و وصیِّه و صهرِه و ابنِ عمّه و خلیفتِه مِن بعدِه قائدِ الغُرِّ المُحَجَّلین و یَعسوبِ الدّین و إمامِ المُتّقین أمیرِالمؤمنین علیِّ بن أبي ‌طالبٍ علیه السّلام. و علی ابنتِه الإنسیّةِ الحوراءِ المرضیّةِ الشفیعةِ یومَ الجزاءِ فاطمة الزهراء سلامُ الله علیها. و علی سِبطَیِ الرّحمةِ و إمامَیِ الهُدیٰ و سیّدَیْ شَبابِ أهلِ الجَنّة الحسنِ و الحسینِ و علی علیِّ بنِ الحسین و محمّدِ بن علیّ و جعفرِ بن محمّد و موسی بن جعفر و علیِّ بن موسی و محمّدِ بن علیّ و علیِّ بن محمّد و الحسنِ بن علی و الحجةِ القائمِ المنتظرِ المهدي، حُجَجِك علَی عِبادِك و أُمنائِك فی بِلادِك. اللهمّ سَهِّلْ منهَجَهم و عَجِّلْ في فَرَجِهم و ارْزُقْنا شَفاعَتَهم و اجْعَلْنا مِن شیعَتَهم و موالیهم و الذّابّین عنهم.

    1. نهج البلاغة (صبحي الصالح)، ص ١٦٩. 
    2. سورة الإخلاص (١١٢).

الرجوع إلى الله وآثاره - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۵هـ

4
  •  

  •  

  • أعوذ بالله من الشّیطان الرّجیم

  • بسم الله الرّحمٰن الرّحیم

  • ﴿وَءَاخَرُونَ ٱعۡتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمۡ خَلَطُواْ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَءَاخَرَ سَيِّئًا عَسَى ٱللَهُ أَن يَتُوبَ عَلَيۡهِمۡ إِنَّ ٱللَهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ﴾.۱

  • شمول عفو الله ومغفرته للمعترفين بالذنوب 

  • يقول الله في هذه الآية التي تبيّن حالنا وتشرح أوضاعنا وسلوكنا: هناك فئة أخرى من المؤمنين، المسلمين، المحبّين والملتزمين خلطوا عملاً صالحًا بالعمل غير الصالح ومزجوهما معًا. 

  • فهؤلاء لا عملهم صالح مائة في المائة، ولا هو غير صالح مائة في المائة، فأحيانًا يصدر عنهم في أعمالهم وسلوكهم خطأ وباطل جهلاً، ولكن لديهم إيمان ومحبّة واعتقاد ونيّة صالحة. ولكن حيث إنّ الإنسان جائز الخطأ فإنّه يرتكب أحيانًا الخطأ والاشتباه لغلبة الأحاسيس والتسامح والتساهل وضعف النفس، هؤلاء معترفون بقصورهم وتقصيرهم: ﴿ٱعۡتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمۡ﴾ فهم ليسوا في مقام الإنكار والمواجهة والجحود والعناد والأغراض الشخصيّة، بل يصدر عنهم ذنب وزلّة جهلاً وخطأ، وقد بشّر الله هذه الجماعة: ﴿خَلَطُواْ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَءَاخَرَ سَيِّئًا عَسَى ٱللَهُ أَن يَتُوبَ عَلَيۡهِمۡ﴾؛ فهناك أمل أن يعفو الله عنهم ويشملهم بعفوه ومغفرته. 

  • وطبعًا عندما يُقرأ هذا الكلام وتقال هذه المسألة فإنّنا جميعًا نرى أنفسنا مصداقًا لهذه الآية الشريفة، لأنّه ليس لأحد أن يدّعي أنّ جميع أعماله صالحة صحيحة ولتحصيل رضا الله ومطابقة للواقع بدقّة. نعم، الذين هم كذلك هم الذين صارت نفوسهم وذواتهم ونواياهم إلهيّة بنسبة مائة في المائة وصار كلامهم كلام الله ونيّتهم نيّة الله وفعلهم فعل الله. ولكن ما لم يصل الإنسان إلى هذه المرتبة فإنّه مبتلى بالخطأ والزلل بطبعه في نيّته وكلامه وفعله، تغلب عليه الإحساسات، ويستعجل في الحكم على الأمور، ولا يقيس الأمور بشكل جيّد، فتؤثّر في كيفيّة إرادته وكيفيّة فكره الأحداث المختلفة. فهذه أمور كلّنا مبتلون بها. 

  • إنّما الأعمال بالنيّات

  • العمل الذي يقوم به الإنسان يستند إلى النيّة، مهما كانت تلك النيّة، فعمل الإنسان ليس منفصلاً عنها، فإن كانت إلهيّة فإنّ عمل الإنسان سيعتمد عليها شاء أم أبى، أمّا لو لم يصفّ الإنسان تلك النيّة كما ينبغي ولم ينظّم إرادته على أساس النيّة الخالصة... وقد جعل هذا الأمر تحت تصرّفنا جميعًا، وكلّ إنسان يرجع إلى وجدانه وضميره فإنّه يدرك بسهولة ما إن كان قد أخلص نيّته لله مائة بالمائة وجعل جميع أعماله وأفعاله مطابقة لها، أم أنّه جعل لإرادته الخاصّة ومصالحه الشخصيّة والأسريّة الخاصّة مكانًا خاصًّا، هنا علينا أن نفكّر قليلاً ونتأمّل ونختبر أنفسنا بواسطة هذه الآية الشريفة ونرى إلى أيّ حدّ كنّا صادقين في نوايانا ولم يكن للأمور الخارجيّة والأحداث والجوانب والظروف تأثير فيها، ولو أنّ هذا الأمر وقع لغيرنا كيف كنّا نحكم عليه؟ فالأمر مهمّ جدًّا فلو أنّ هذا وقع لغيرنا كيف كنّا نتكلّم به بين الناس؟ هنا يأتي الله ويختبر الإنسان ويوضّح له الصحّة والسقم فيها. 

    1. سورة التوبة (٩) الآیة ١٠٢.

الرجوع إلى الله وآثاره - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۵هـ

5
  • لدينا في روايات عديدة ۱ وفي كلمات الأعاظم أنّ المرأ يطير بهمّته٢ والهمّة تعني النيّة، النيّة الصالحة والإرادة والجزم على أمر. فمن كان يعتقد بأمر ولكنّه لا يعمل به في مقام العمل ويضعف ويتكاسل فإنّه لا نيّة لديه، فمن يشخّص مرضًا ويدرك خطره وأذاه لا يجلس مكتوف اليدين، من كان لديه اهتمام بأمر ما لا يضع يدًا على أخرى، إذا شعرنا في وجداننا وضميرنا أنّ لدينا اعتقادًا بأمر ما وشهد على صحّته فكرنا وعقلنا وضميرنا ولكن لم نلتزم كما ينبغي بآثاره ولوازمه فعلينا أن نشكّ في نيّتنا وصحّتها. فبمقدار ما نسير نتقدّم لا أكثر ولا أقلّ. 

  • قصّة معروف الكرخي مع موعظة ابن السمّاك 

  • كان معروف الكرخي من أعاظم العرفاء وكان مسيحيًّا في طفولته، وكان والداه مسيحيّين وأسلم وهو طفل على يد علي بن موسى الرضا عليهما السلام وصار من أصحابه. وذات يوم كان يسير في السوق فرأى ابن السمّاك الواعظ المعروف يعظ الناس ويقول: 

  • لو أنّ أحدًا تقدّم إلى الله خطوة تقدّم الله إليه خطوة، ولو أنّ إنسانًا جعل وجوده لله جعل الله له وجوده، ولو جعل إنسان نصف وجوده لله جعل الله له أيضًا نصف وجوده ورزقه نصف السعادة والفلاح، ولو أنّ إنسانًا التفت إلى الله بكلّ وجوده التفت الله إليه بكامل وجوده. 

  • فجاء إلى الإمام علي بن موسى الرضا وقال: لقد سمعت اليوم من ابن السمّاك في السوق كذا وكذا، فقال الإمام إنّها نعم الموعظة. ثمّ صدّقها الإمام وقال: من أقبل على الله بكلّه أقبل الله عليه بكلّه٣. أي إنّه لا يوفّر عنه شيئًا، فجميع شراشر وجوده وجميع أعماله وأفعاله يتعهّدها الله. ولو أنّ إنسانًا قصّر قليلاً وراعى مصلحته وراعى في بعض الموارد بعض الأمور وبعض الخصوصيّات التي هو متعلّق بها فإنّ الله ينقص منه بذلك المقدار. فمن هو الخاسر إذن؟! 

  • ما دامت هناك مائدة من هذا النوع مبسوطة فلماذا لا يستفيد منها الإنسان؟! أليس من الخسارة أن لا يستفيد الإنسان من هذه المائدة المبسوطة ويبيع دنياه وآخرته بثمن بخس؟! لم يكن الأعاظم هكذا، لم يكن الأعاظم يمزجون الحقّ بالباطل، لم يكونوا يأخذون بمقدار من الحقّ وبمقدار من الباطل ويعملون على أساسه، بل كان الحقّ دائمًا أمام أعينهم، وكانوا يبيّنون الحقّ ولم يكونوا يلاحظون في ذلك شيئًا ولو أدّى إلى ضررهم وضرر منافعهم وعلاقاتهم. 

    1. راجع غرر الحكم: ص ١١٠، ٤٩٩، ٥٨٣، ٥٩٢، ٦٠٩، ٦١٤، ٧٨٣.
    2. الروح المجرّد، ص ٢٩۸. 
    3. وفیات الأعیان، ج ٥، ص ٢٣١ و ٢٣٢: كنت ماراً بالكوفة فوقفت على رجل يقال له ابن السماك وهو يعظ الناس، فقال في خلال كلامه: من أعرض عن الله بكليته أعرض عنه الله جملة، ومن أقبل على الله تعالى بقلبه أقبل الله تعالى برحمته عليه، وأقبل بوجوه الخلق إليه، ومن كان مرة ومرة فالله تعالى يرحمه وقتاً ما، فوقع كلامه في قلبي وأقبلت على الله تعالى وتركت جميع ما كنت عليه إلا خدمة مولاي علي بن موسى الرضا، وذكرت هذا الكلام لمولاي فقال: يكفيك هذا موعظة إن اتعظت.

الرجوع إلى الله وآثاره - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۵هـ

6
  • انقسام الأمّة إلى ثلاثة فرق في كلام رسول الله ووصفه لأهل الحقّ

  • نحن شيعة أمير المؤمنين، وقد كان أمير المؤمنين رجل الحقّ، لم يكن أمير المؤمنين يمزج الحقّ بالباطل، ولدينا روايات عديدة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: عليّ مع الحقّ، عليّ إمام الحقّ۱ حيث كان عليّ كان الحقّ، وحيث لا يكون عليّ فهناك الباطل. 

  • إنّه لعجيب أن يرى الإنسان هذه الأمور في كتب أهل السنّة ولكنّه يتعجّب من أنّهم غير ملتزمين بها. يروي ابن مردويه أحد كبار أهل السنّة بسنده المتّصل عن أبان عن مسلم أنّه سمع أبا ذرّ والمقداد وسلمان قالوا: 

  • كنّا عند رسول الله قعودًا إذ أقبل ثلاثة من المهاجرين فقال لنا رسول الله: ستفترق أمّتي [بعدي] ثلاث فرق: فرقة أهل حقّ لا يشوبونه بباطل. 

  • لا يأخذون نصفًا حقًّا ونصفًا باطلاً، فقط يجعلون الحقّ أمام أعينهم ولا يفكّرون بغيره. 

  • مثلهم كمثل الذهب كلّما فتنته النار ازداد جودة [وطيبًا]. 

  • فكلّما واجهوا المصائب فإنّها بدلاً من الفتور والضعف والكسل تسبّب لهم النور والبهاء والبهجة والوصول باستعداداتهم إلى الفعليّة. ومهما مارسوا البلايا فإنّها تسبّب صفاءهم وبلوغهم إلى الفعليّة أكثر، وظهور باطنهم وبروزه. 

  • وإمامهم هذا. 

  • مشيرًا إلى واحد من هؤلاء الثلاثة . 

  • وهو الذي أمره الله تعالى في كتابه وقال: ﴿إِمَامٗا وَرَحۡمَةً﴾؛٢

  • وفرقة أهل باطل لا يشوبونه بحقّ. 

  • نعوذ بالله فرقة أخرى هم باطل فحسب، لا يمزجونه بحقّ، فقد سلّموا للباطل تمام وجودهم وتمام أعمالهم ونواياهم، ويمارسون الأنانيّة أمام الله ويستعملون الاستكبار والكبرياء أمامه. أينما رأوا المصحلة الدنيويّة داسوا على الحقّ، وأينما رأوا في العلاقات أنّ من الممكن أن يكون هناك أمر مضرّ، تنازلوا عن الحقّ وانصرفوا. 

  • وإمامهم هذا. 

  • وأشار إلى واحد من هؤلاء القادمين. 

  • ومثلهم كمثل الحديد كلّما فتنته النار ازداد خبثًا. 

  • وطائفة أخرى لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء يميلون مع الريح أينما مالت، تارة يتّبعون الحقّ وتارة يتّبعون الباطل. وإمامهم هذا. وأشار إلى واحد من هؤلاء الثلاثة. 

  • يقول مسلم: سألتهم من هو إمام الحقّ الذي لم يكن يمزج الحقّ بالباطل؟ فقالوا: هذا واضح إنّه عليّ بن أبي طالب إمام أهل الحقّ والذي أمر القرآن باتّباعه وجعله إمامًا ورحمة. 

    1. كفایة الأثر، ص ٢٠.
    2. سورة هود (١١) الآیة ١٧.

الرجوع إلى الله وآثاره - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۵هـ

7
  • وسألتهم من هو إمام المذبذبين بين الطرفين؟ فقالوا: مراد النبيّ هو سعد بن أبي وقّاص الذي لم يقبل بخلافة أبي بكر بعد النبيّ وعندما وصلت الخلافة إلى أمير المؤمنين لم يقبلها أيضًا. فقد كان يعمل لنفسه، يأتي حين المصلحة ويتنحّى عند عدمها. 

  • وسألتهم من إمام أهل الباطل الذي لا يمزجه بالحقّ أبدًا؟ فلم يقولوا شيئًا! ومهما سألتهم لم يجيبوا ولكنّهم أومأوا إليّ بالإشارة والكناية من هو. ۱ 

  • ففي يوم القيامة من هو الإمام؟ يمكننا أن نختبر أنفسنا جيّدًا.

  • ﴿يَوۡمَ نَدۡعُواْ كُلَّ أُنَاسِۢ بِإِمَٰمِهِمۡ فَمَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ يَقۡرَءُونَ كِتَٰبَهُمۡ وَلَا يُظۡلَمُونَ فَتِيلٗا ، وَمَن كَانَ فِي هَٰذِهِۦٓ أَعۡمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ أَعۡمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلٗا﴾.٢

  • في اليوم الذي ندعو كلّ إنسان وكلّ جماعة بإمامهم قائلين: فليأت أتباع فلان، فليأت أتباع فلان، وليحضر أتباع فلان إلى صحراء المحشر، وليأت المطيعون والمنقادون لفلان إلى مقام الحساب ومقام المحاكمة. فالذين يعطون كتابهم بيمينهم فهم يقرأون كتابهم ضاحكين مسرورين مبتهجين ولن يظلم الله أحدًا منهم. ومن كان في هذه الدنيا أعمى يحشر يوم القيامة أعمى وطريقه طريق الضالّين والضلال والضياع. 

  • هذه الآية توضّح جيّدًا موقعنا وحالنا وأنّنا أيّ نوع من الناس؟ ومن هو إمامنا يوم القيامة؟ ومن هو قائدنا يوم القيامة وباسم من ندعى يوم القيامة؟! 

  • ولكن حيث إنّ رحمة الله واسعة جدًّا ومغفرته ورحمته شملت الجميع فإنّ المحبّين لأهل البيت وشيعة أمير المؤمنين عليه السلام هناك أمل في أن تشملهم شفاعة هؤلاء العظام، لقد ترك الله لنا موضع أمل ولم يغلق الطرق أمامنا، فرغم أنّنا مذنبون خاطئون فإنّ كرم الأعاظم وعفوهم ومقامهم المنيع والعزيز ومقام شفقتهم ومحبّتهم وودّهم لا يسمح أن يتركوا شيعتهم وسوف يأخذون بأيديهم. 

  • اتّباع أمير المؤمنين هو معيار الحقّ

  • لم يكن أبو حنيفة ليمزج الباطل بالحقّ وكان من الفئة الثالثة، وكان يقف في مواجهة الإمام الصادق عليه السلام وهو القائل: 

  • لقد خالفت جعفر بن محمّد في كلّ حكم، وحكمت بخلاف ما أفتى به حتّى في إغماض العين عند السجود. ٣ 

  • إنّه لم يكن ليمزج الباطل بالحقّ ، وأئمّته هم الغاصبون لخلافة أمير المؤمنين عليه السلام. إنسان مستكبر أنشأ مدرسة في مقابل مدرسة الولاية ومقابل مدرسة أهل البيت عليهم السلام، ورفع راية أمام مدرسة أهل البيت، وهذه الراية راية باطل ومحكومة بالبطلان وبالجور. 

    1. مناقب علیّ علیه السّلام، ابن‌ مردویه، ص ١٢٤؛ أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد السري بن يحيى التميمي، حدثنا المنذر بن محمد بن المنذر، حدثنا أبي، حدثنا عمي الحسين بن يوسف بن سعيد بن أبي الجهم، حدثني أبي، عن أبان بن تغلب، عن مسلم، قال:سمعت أبا ذر والمقداد بن الأسود وسلمان الفارسي، قالوا: كنا قعودا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما معنا غيرنا، إذ أقبل ثلاثة رهط من المهاجرين البدريين، فقال رسول الله: " تفترق أمتي بعدي ثلاث فرق، فرقة أهل حق لا يشوبونه بباطل، مثلهم كمثل الذهب كلما فتنته بالنار ازداد جودة وطيبا، وإمامهم هذا أحد الثلاثة، وهو الذي أمر الله به في كتابه (إماما ورحمة)، وفرقة أهل باطل لا يشوبونه بحق، مثلهم كمثل خبث الحديد، كلما فتنته بالنار ازداد خبثا، وإمامهم هذا أحد الثلاثة، وفرقة أهل ضلالة مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، وإمامهم هذا أحد الثلاثة ". قال: فسألته عن أهل الحق وإمامهم. فقال: " هذا علي بن أبي طالب، إمام المتقين "، وأمسك عن الاثنين فجهدت أن يسميهما فلم يفعل.
      وفي كتاب سُلیم، ج ٢، ص ٨٢٦:
      فَسَأَلْتُهُمْ عَنِ اَلثَّلاَثَةِ فَقَالُوا: إِمَامُ اَلْحَقِّ وَ اَلْهُدَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. وَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ إِمَامُ اَلْمُذَبْذَبِينَ وَ حَرَصْتُ [عَلَيْهِمْ] أَنْ يُسَمُّوا لِيَ اَلثَّالِثَ فَأَبَوْا عَلَيَّ وَ عَرَّضُوا لِي حَتَّى عَرَفْتُ مَنْ يَعْنُونَ بِهِ. قَالَ سُلَيْمٌ فَحَدَّثْتُ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِالْكُوفَةِ بِمَا حَدَّثَنِي بِهِ سَلْمَانُ وَ أَبُو ذَرٍّ وَ اَلْمِقْدَادُ [مِنْ] قَوْلِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ حِينَ رَأَى اَلثَّلاَثَةَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ مِنَ اَلْمُهَاجِرِينَ مِنْ قُرَيْشٍ مُقْبِلِينَ قَالَ تَفْتَرِقُ أُمَّتِي بَعْدِي ثَلاَثَ فِرَقٍ فَسَمَّوْكَ وَ سَمَّوْا سَعْداً وَ اَلثَّالِثَ لَمْ يُسَمُّوا إِلاَّ بِالْمَعَارِيضِ حَتَّى عَلِمْتُ مَنْ عَنَوْا فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: لاَ تَلُمْهُمْ يَا سُلَيْمُ فَإِنَّ اَلْأُمَّةَ قَدْ أُشْرِبَتْ قُلُوبُهُمْ حُبَّهُ كَمَا أُشْرِبَتْ قُلُوبُ بَنِي إِسْرَائِيلَ حُبَّ اَلْعِجْلِ يَا سُلَيْمُ أَفِي شَكٍّ أَنْتَ فِيهِ مَنْ هُوَ؟ قَالَ: قُلْتُ: وَ لَكِنْ أُحِبُّ أَنْ تُسَمِّيَهُ لِي وَ أَسْمَعَهُ مِنْكَ فَأَزْدَادَ يَقِيناً. قَالَ: هُوَ عَتِيقٌ. إِنَّ هَذَا اَلْأَمْرَ اَلَّذِي عَرَّفَكُمُ اَللَّهُ وَ مَنَّ بِهِ عَلَيْكُمْ أَشَدُّ خُبْرِيَّةً مِنَ اَلذَّهَبِ وَ اَلْفِضَّةِ، وَ أَقَلُّ اَلْأُمَّةِ اَلَّذِينَ يَعْرِفُونَهُ وَ لَقَدْ مَاتَتْ أُمُّ أَيْمَنَ وَ إِنَّهَا لَمِنْ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ وَ مَا كَانَتْ تَعْرِفُ مَا عَرَّفَكَ اَللَّهُ. فَاحْمَدِ اَللَّهَ وَ خُذْ مَا أَعْطَاكَ اَللَّهُ وَ خَصَّكَ بِهِ بِشُكْرٍ. وَ اِعْلَمْ أَنَّ اَللَّهَ تَعَالَى يُعْطِي اَلدُّنْيَا اَلْبَرَّ وَ اَلْفَاجِرَ. وَ إِنَّ هَذَا اَلْأَمْرَ اَلَّذِي أَنْتَ فِيهِ إِنَّمَا يُعْطِيهِ اَللَّهُ صَفْوَتَهُ مِنْ خَلْقِهِ. إِنَّ أَمْرَنَا لاَ يَعْرِفُهُ إِلاَّ ثَلاَثَةٌ مِنَ اَلْخَلْقِ: مَلَكٌ مُقَرَّبٌ أَوْ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ أَوْ عَبْدٌ اِمْتَحَنَ اَللَّهُ قَلْبَهُ لِلْإِيمَانِ. يَا سُلَيْمُ إِنَّ مِلاَكَ هَذَا اَلْأَمْرِ اَلْوَرَعُ لِأَنَّهُ لاَ يُنَالُ وَلاَيَتُنَا إِلاَّ بِالْوَرَعِ .
    2. سورة الإسراء (١٧) الآیتان ٧١ و ٧٢.
    3. راجع: زهر الربیع، ص ٥٢٢؛ الكشكول، یوسف البحراني، ج ٣، ص ٤٦؛ الانتصار للصحب و الآل، ج ١، ص ٦٧.

الرجوع إلى الله وآثاره - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۵هـ

8
  • نقرأ في بعض الكتابات۱ أنّهم يقولون: إنّ هذا الرجل في زمان أحد الخلفاء كان من الذين ثاروا عليه وسجن ومات في سجن المنصور،٢ هذا ليس فخرًا ولا افتخارًا له. هناك كثيرون يثورون على نظام الجور، فخوارج النهروان أيضًا كانوا يحاربون معاوية وحكومة بني العاص وبني معاوية، معيار الحقّ هو اتّباع أمير المؤمنين عليه السلام. هذا هو المعيار لنا، فقد جعل رسول اتّباع عليّ وأولاده هو المعيار. هذا هو معنى العبوديّة، التسليم أمام إرادة إمام الزمان وإمام الوقت وجعله المعيار في كلّ أمر، وجعله ميزانًا في كلّ أمر، هذا المعنى هو معنى الإسلام والتسليم. فأن أصلّي من تلقاء نفسي صلاة الركعتين خمس ركعات فالله لا يقبلها، أنا أقول: يا ربّ لقد أضفت ثلاث ركعات أنا أيضًا لأجلك! يقول: عبثًا صلّيت! لقد أمرتك بركعتين وعليك أن تصلّي ركعتين. يقول: أمرتك أن تصلّي أربع ركعات، فلماذا صلّيتها ستًّا؟! يجب أن يكون الانقياد والتسليم على أساس رضا الله، لا أن يقوم كلّ إنسان بما شاء من تلقاء نفسه وبألف داع نفسانيّ، فهذا أبو حنيفة.٣ 

  • حوار الإمام الصادق عليه السلام مع أبي حنيفة واعترافه بجهله 

  • يقول الإمام الصادق عليه السلام لأبي حنيفة يا أبا حنيفة ماذا تقول وماذا تصنع؟! وما هو المذهب الذي اتّخذته لنفسك؟! ولماذا تقوم بإضلال الخلق؟ أخبرني عن معنى هذه الآية الشريفة التي تقول: ﴿سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ﴾؛٤ 

  • فقال المراد ما بين مكّة والمدينة. 

  • فقال الإمام: ألم يكن ما بين مكّة والمدينة كلّ هؤلاء القطّاع للطرق؟! وكلّ هؤلاء الناس، وكلّ هذا القتل والإغارة بين مكّة والمدينة فهل هذا معنى الأمن؟ هل هذا معنى الهدوء؟! 

  • فلم يجب. 

  • فقال الإمام: أخبرني ما معنى هذه الآية: ﴿وَمَن دَخَلَهُۥ كَانَ ءَامِنٗا﴾؛٥؟

  • فقال: المراد مكّة وهذا المسجد الحرام. 

  • فقال الإمام: ألم يأت إلى هذا المسجد الحرام الحجّاج بن يوسف بأمر من عبد الملك بن مروان وضربه بالمنجنيق وقتل فيه آلاف الناس وهدم الكعبة بالمنجنيق؟! أفهذا معنى الأمن؟!

  • حينها قال الإمام: المراد من الأمن ولايتنا أهل البيت، والمراد من الحرم الآمن نحن أهل البيت المراد من ﴿سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ﴾، البيعة لقائمنا آل محمّد وأنّ كلّ من بايعه بيعة حقيقيّة وسلّم نفسه له واعتقد بمعتقده ولم يسمح لغيره بالدخول إلى مخيّلته فهو مع ذلك الإمام في الدنيا والآخرة وهو في خيمة ذلك الإمام وفسطاطه، فهذا هو معنى تلك الآيات. ٦

    1. اسلام ومقتضيات زمان، ص ۱۰٤؛ مجموعه آثار شهيد مطهّري، ج ٢۱، ص ۸۱؛ وفي الترجمة العربيّة: الإسلام ومقتضيات العصر؛ ص ۷۱.
    2. راجع: تاریخ بغداد، ج ١٣، ص ٣٢٩؛ تاریخ الخلفاء، السیوطي، ص ٢٨٣.
    3. حول مزيد من البحث حول شخصيّة أبي حنيفة وانحرافاتها راجع للمحاضر نفسه أسرار الملكوت ج٣ ص ۱٩ فما بعد.
    4. سورة سبأ (٣٤) الآیة ١٨.
    5. سوره آل عمران (٣) آیه ٩٧.
    6. تجدر الإشارة إلى أنّ سماحة السيّد رضوان الله عليه نقل الحوار بالمعنى مع شرح وإضافة وبما يناسب لغة الحوار المتعارفة في اللغة المعاصرة ولم يكن في صدد نقل عين كلام الإمام. وسننقل المقطع المشار إليه من الحديث عن كتاب أسرار الملكوت ج٣ ص ٤۸ عن بحار الأنوار، ج ٢، ص ٢٩٢- ٢٩٤: 
      قال الصادق عليه السلام لأبي حنيفة: أنت فقيه أهل العراق؟! 
      قال: نعم. 
      قال: فبما تفتيهم؟ 
      قال: بكتاب الله وسنّة نبيّه. 
      قال: يا أبا حنيفة تعرف كتاب الله حقّ معرفته وتعرف الناسخ والمنسوخ؟ 
      قال: نعم.
      قال: يا أبا حنيفة ولقد ادّعيت علمًا، ويلك ما جعل الله ذلك إلا عند أهل الكتاب الذين أنزل عليهم، ويلك ولا هو إلا عند الخاص من ذريّة نبيّنا صلّى الله عليه وآله، وما ورّثك الله من كتابه حرفًا، فإن كنت كما تقول- ولست كما تقول- فأخبرني عن قول الله عز وجل: (سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَ أَيَّاماً آمِنِينَ) *. أين ذلك من الأرض؟
      قال: أحسبه ما بين مكّة والمدينة. 
      فالتفت أبو عبد الله عليه السلام إلى أصحابه فقال: تعلمون أنّ الناس يقطع عليهم بين المدينة ومكة فتؤخذ أموالهم ولا يأمنون على أنفسهم ويقتلون؟ 
      قالوا: نعم. 
      قال: فسكت أبو حنيفة.
      فقال: يا أبا حنيفة أخبرني عن قول الله عزّ وجل: (وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) **. أين ذلك من الأرض؟ 
      قال: الكعبة. 
      قال: أفتعلم أنّ الحجّاج بن يوسف حين وضع المنجنيق على ابن الزبير في الكعبة فقتله كان آمناً فيها؟ 
      قال: فسكت، 
      ثم قال: يا أبا حنيفة إذا ورد عليك شي‌ء ليس في كتاب الله ولم تأت به الآثار والسنّة كيف تصنع؟ 
      فقال: أصلحك الله أقيس وأعمل فيه برأيي.
      قال: يا أبا حنيفة إنّ أوّل من قاس إبليس الملعون، قاس على ربّنا تبارك وتعالى فقال: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) ***. فسكت أبو حنيفة.
      فقال: يا أبا حنيفة أيّما أرجس البول أو الجنابة؟ 
      فقال: البول. 
      فقال: الناس‌ يغتسلون من الجنابة ولا يغتسلون من البول، فسكت.
      فقال: يا أبا حنيفة أيّما أفضل الصلاة أم الصوم؟ 
      قال الصلاة. 
      فقال: فما بال الحائض تقضي صومها ولا تقضي صلاتها؟ فسكت.....
      فقال أبو بكر الحضرمي: جعلت فداك الجواب في المسألتين الأولتين؟ 
      فقال: يا أبا بكر (سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَ أَيَّاماً آمِنِينَ). فقال: مع قائمنا أهل البيت. وأمّا قوله: (وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً)، فمن بايعه ودخل معه ومسح على يده ودخل في عقد أصحابه كان آمنًا.
      * الآية ۱۸، من السورة ٣٤: سبأ.
      ** الآية ٩۷، من السورة ٣: آل عمران‌
      *** الآية ۱٢ من السورة ۷ الأعراف.

الرجوع إلى الله وآثاره - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۵هـ

9
  • حديث رسول الله لَوْ لاَ أَنَّكُمْ تُذْنِبُونَ فَتَسْتَغْفِرُونَ اَللَّهَ لَخَلَقَ اَللَّهُ خَلْقاً حَتَّى يُذْنِبُوا

  • وقد تذكّرت الآن رواية ومن المناسب أن أذكرها هنا، ففي يوم من الأيّام كان رسول الله يخطب ويتحدّث عن التقوى والابتعاد عن الذنب والإيمان بالله والعمل وفق ما يقتضيه، فاستوحش الأصحاب كثيرًا حيث لم يجدوا في أنفسهم ما تحدّث به رسول الله ولم يتمكّنوا من تطبيقه على أنفسهم، فقالوا: يا رسول الله إنّ ما تقوله لا ينطبق علينا، فنحن نعصي، أفتخاف علينا النفاق؟ هل نحن منافقون؟ أي أنّنا إذا لم نعمل بما نوينا هل نكون منافقين؟ فنحن بشر نحبّك، ونحبّ الله، ونحبّ طريق الوصول إليه، ونحبّ الجنّة ونبغض الذنوب، ولكنّنا نزلّ في بعض الموارد ونقع. فهل هذا نفاق؟

  • الرواية تحيي فينا الأمل وتجعله يقوى فينا. 

  • قال النبيّ كلاّ هذا ليس نفاقًا، هذا خطأ وزلل يصدر من كلّ إنسان، فالإنسان ضعيف، الإنسان ممكن الخطأ، الإنسان يشتبه وإن استغفر وتاب قبل الله توبته وإنابته. 

  • وفي ختام الرواية يقول النبيّ جملة عجيبة: 

  • لو لم يكن هناك من يعصي ويتوب لخلق الله قومًا يعصون ثمّ يتوبون. ۱

  • إنّه لعجيب جدًّا ففي هذه الرواية يريد رسول الله أن يقول: المهمّ بالنسبة إلى الله وما يحبّه الله هو التوبة والإنابة والرجوع إليه، فالله لا ينظر إلى زلاّتنا وعثراتنا، فهي أمر طبيعيّ، الله لا يضع يده على الذنوب التي نرتكبها ولا يسلّط الضوء عليها، بل يقول: هؤلاء بشر وممكنو الخطأ، ولكنّ الله ينظر إلى رجوعنا، إلى إنابتنا، إلى التفاتنا، التفاتنا إليه، وأنّ عبدًا قد التفت إليه وأقبل عليه، لذلك فإنّه يأخذ هذا ويحمل عليه وينمّيه ويأتي به عند الحساب، فانظروا كم التوبة والإنابة مهمّة إذن في المقام! 

  • قصّة السيّد ابن طاووس وسماعه دعاء إمام الزمان الخاصّ للشيعة 

  • وليس الله وحده هكذا بل أولياؤه أيضًا كذلك. أنتم تتصوّرون أنّ إمام الزمان لا يقوم إلا برتق الأمور وفتقها وتدبيرها؟! جميع الأعمال والأفعال الحسنة التي نقوم بها كلّ ذرّة منها هي بعناية ومساعدة ذلك الإمام. 

  • لقد كان السيّد ابن طاووس يلتقي بالإمام في كثير من الأحيان وكان صوته مأنوسًا لديه. يقول: ذهبت يومًا إلى السرداب فسمعت صوت الإمام يأتي منه، لم أجرؤ أن أتقدّم أكثر وقفت جانبًا وسمعت صوت الإمام يناجي الله ويقول: 

    1. الرواية منقولة بالمعنى ومتنها كما في الكافي، ج ٢، ص ٤٢٤: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ وَ عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ وَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ جَمِيعاً عَنِ اِبْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلنُّعْمَانِ اَلْأَحْوَلِ عَنْ سَلاَّمِ بْنِ اَلْمُسْتَنِيرِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ حُمْرَانُ بْنُ أَعْيَنَ وَ سَأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ فَلَمَّا هَمَّ حُمْرَانُ بِالْقِيَامِ قَالَ لِأَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أُخْبِرُكَ أَطَالَ اَللَّهُ بَقَاءَكَ لَنَا وَ أَمْتَعَنَا بِكَ أَنَّا نَأْتِيكَ فَمَا نَخْرُجُ مِنْ عِنْدِكَ حَتَّى تَرِقَّ قُلُوبُنَا وَ تَسْلُوَ أَنْفُسُنَا عَنِ اَلدُّنْيَا وَ يَهُونَ عَلَيْنَا مَا فِي أَيْدِي اَلنَّاسِ مِنْ هَذِهِ اَلْأَمْوَالِ ثُمَّ نَخْرُجُ مِنْ عِنْدِكَ فَإِذَا صِرْنَا مَعَ اَلنَّاسِ وَ اَلتُّجَّارِ أَحْبَبْنَا اَلدُّنْيَا قَالَ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: إِنَّمَا هِيَ اَلْقُلُوبُ مَرَّةً تَصْعُبُ وَ مَرَّةً تَسْهُلُ ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: أَمَا إِنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اَللَّهِ نَخَافُ عَلَيْنَا اَلنِّفَاقَ قَالَ فَقَالَ وَ لِمَ تَخَافُونَ ذَلِكَ قَالُوا إِذَا كُنَّا عِنْدَكَ فَذَكَّرْتَنَا وَ رَغَّبْتَنَا وَجِلْنَا وَ نَسِينَا اَلدُّنْيَا وَ زَهِدْنَا حَتَّى كَأَنَّا نُعَايِنُ اَلْآخِرَةَ وَ اَلْجَنَّةَ وَ اَلنَّارَ وَ نَحْنُ عِنْدَكَ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ وَ دَخَلْنَا هَذِهِ اَلْبُيُوتَ وَ شَمِمْنَا اَلْأَوْلاَدَ وَ رَأَيْنَا اَلْعِيَالَ وَ اَلْأَهْلَ يَكَادُ أَنْ نُحَوَّلَ عَنِ اَلْحَالِ اَلَّتِي كُنَّا عَلَيْهَا عِنْدَكَ وَ حَتَّى كَأَنَّا لَمْ نَكُنْ عَلَى شَيْءٍ أَ فَتَخَافُ عَلَيْنَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ نِفَاقاً فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ كَلاَّ إِنَّ هَذِهِ خُطُوَاتُ اَلشَّيْطَانِ فَيُرَغِّبُكُمْ فِي اَلدُّنْيَا وَ اَللَّهِ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى اَلْحَالَةِ اَلَّتِي وَصَفْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِهَا لَصَافَحَتْكُمُ اَلْمَلاَئِكَةُ وَ مَشَيْتُمْ عَلَى اَلْمَاءِ وَ لَوْ لاَ أَنَّكُمْ تُذْنِبُونَ فَتَسْتَغْفِرُونَ اَللَّهَ لَخَلَقَ اَللَّهُ خَلْقاً حَتَّى يُذْنِبُوا ثُمَّ يَسْتَغْفِرُوا اَللَّهَ فَيَغْفِرَ اَللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اَلْمُؤْمِنَ مُفَتَّنٌ تَوَّابٌ أَ مَا سَمِعْتَ قَوْلَ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّإِنَّ اَللّٰهَ يُحِبُّ اَلتَّوّٰابِينَ وَ يُحِبُّ اَلْمُتَطَهِّرِينَ. وقَالَ: اِسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ .

الرجوع إلى الله وآثاره - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۵هـ

10
  • اللهمّ إنّ شیعَتَنا مِنّا، خُلِقوا مِن فاضِلِ طینَتِنا و عُجِنوا بماءِ ولایتِنا...۱

  • يا ربّ إنّ شيعتنا منّا وأنت خلقتهم من ماء فطرتنا وطينتنا ورويتهم بماء ولايتنا وأذقتهم محبّتنا وهم محبّون لنا، إنّهم يعصون أحيانًا ويزلّون ـ ويا لها من عبارة يقولها الإمام ـ إلهي هؤلاء ضعفاء وإرادتهم ضعيفة ولا يمكنهم أن يعملوا صالحًا مائة بالمائة وأن يطابقوا رضاك بالكامل، فخذ من ثوابي وامح سيّئاتهم، خذ من ثواب ما أقوم به، خذ من صحيفة أعمالي واجعلها في صحائف أعمالهم. 

  • فانظروا أيّ إمام لدينا! إنّه يشفع لشيعته في هذه الدنيا، في هذه الدنيا يطلب من الله المغفرة لذنوبنا ولا يؤجّل ذلك إلى القيامة. فنحن لدينا إمام كهذا! فمع وجود هكذا حقيقة أيّ همّ وغم سيكون لدينا؟! فلو صدرت منّا زلّة أو خطأ فإنّ لدينا محبّة لأهل البيت ونأمل أن نكون موضع شفاعتهم ومساعدتهم، ولنسع ما استطعنا أن نقرّب أنفسنا من مذهبهم ومدرستهم، فكلّما تحقّق ذلك أكثر كانت مساعدة إمام الزمان عليه السلام أكثر. 

  • قال ابن السمّاك: كلّ من تقدّم خطوة نحو الولاية فإنّ الإمام عليه السلام يتقدّم إليه خطوة أيضًا. من كان كامل وجوده تحت اختيار الإمام عليه السلام فإنّ الإمام سيأتي إليه بكامل وجوده. 

  • أن تكون تحت تصرّف الإمام يعني أن يكون سلوكك وعملك طبق ما يريده الإمام وما يعتقده، فلو فرضنا أنّ إمام الزمان حضر في هذا المجلس فكيف ستكون حالنا؟ ولو فرضنا أنّ إمام الزمان جاء إلى منزلنا فهل نذنب بعد ذلك؟ أفهل لإمام الزمان حضور وغياب؟! هل لإمام الزمان شهود وغيب؟ فالإمام الذي يختلف شهوده وغيابه ليس إمامنا، نحن نقبل بإمام أقرب إلينا من أنفسنا ومن نيّتنا، وقبل وجودنا وجوده وولايته، وهذا الوجود وهذه الولاية على النفس تنبع من عنده. هذا هو إمام الزمان. فكيف يمكن بعد ذلك أن ينسى الإنسان هذا الأمر؟! 

  • كيف نحافظ على أجواء شهر رمضان المبارك ونستمر بها في سائر الأيّام؟

  • وعلى كلّ حال فقد انقضى أحد أشهر رمضان، وقد صمنا وقد وفّقنا الله تعالى في هذا الشهر أن يزداد لدينا التوجّه قليلاً ولا أقول أنّه حصل بشكل كامل، وقد قّلت في هذا الشهر الأعمال والأفعال التي كنّا نقوم بها في سائر الشهور. 

    1. بحار الأنوار، ج ٥٣، ص ٣٠٣: اللهم إن شيعتنا منا خلقوا من فاضل طينتنا ، وعجنوا بماء ولايتنا اللهم اغفر لهم من الذنوب ما فعلوه اتكالاً على حبّنا وولائنا يوم القيامة ، ولا تؤاخذهم بما اقترفوه من السيئات إكرامًا لنا ، ولا تقاصهم يوم القيامة مقابل أعدائنا فإن خففت موازينهم فثقلها بفاضل حسناتنا.

الرجوع إلى الله وآثاره - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۵هـ

11
  • إنّ آثار رحمة الله ونورانيّة هذا الشهر مشهودة في الوجوه، فلنسع أن نستمرّ بهذه الآثار والبركات التي نزلت علينا بواسطة هذا الشهر، ولا نسمح لها أن تزول بسرعة هكذا. لا نسمح لمشاغل الدنيا أن تأخذ منّا بسرعة تلك الأمور التي حصلنا عليها، ولنحاول قدر المستطاع أن نحافظ على هذه الحالة إلى مدّة أكثر. 

  • لقد كنت أقول للرفقاء ذات مرّة: لا أدري لماذا جعل الله شهر رمضان مرّة في السنة؟ لماذا لم يجعله ثلاثة أو أربعة أشهر؟! أو لماذا لم يجعله كلّ شهرين مرّة؟ 

  • على كلّ حال لهذا الشهر آثار بركاتها واضحة. تمامًا كالذي يتشرّف بالذهاب إلى الحج كيف يكون عندما يرجع مختلفًا عمّا كان عليه قبل أن يذهب! كان المرحوم العلاّمة يقول: 

  • على الذين يتشرّفون بالذهاب إلى الحجّ أن لا يخسروا حالتهم بسرعة، وليحاولوا أن يحافظوا على تلك الحال والأحوال التي كانت لديهم هناك، ويستمرّوا بها في أنفسهم، ويحفظوها في نفوسهم، ولا يسمحوا لشواغل الدنيا ومشاغلها أن تسيطر على أذهانهم وأفكارهم ويخرجهم عن تلك الأحوال. كلا بل ليستمرّوا عليها. 

  • إنّ أمر شهر رمضان هو هكذا أيضًا، فاسعوا أن تداوموا على تلك الحال والأجواء، إذا أمكن أن تصوموا كلّ أسبوع يومًا، والذين يمكنهم أن يصوموا يومين في الأسبوع، والذين لا يضرّ الصيام بصحّتهم فليصوموا يومًا كلّ ثلاثة أو أربعة أيّام وليكونوا في أجواء شهر رمضان. لا يصيبهم شيء ولا ينالهم أذى إذا فعلوا ذلك. نعم كان هناك أعاظم يصومون لأشهر، وبعض الناس يصومون طوال السنة، وكان رسول الله يصل رجب وشعبان ورمضان بالصيام. ۱كان يصوم لأسابيع، و كان يصوم أيامًا متمادية في الأشهر المختلفة. ٢

  • لماذا كان ذلك وما الغاية منه؟ ما هي اللذّة التي كانوا يشعرون بها حتّى يستمرّوا بذلك؟ فهذه بركات يأتينا بها الله في هذا المجال. هذه البركات لا نجدها في الطعام، هذه البركات لا نجدها في الجلسات المختلفة، هذه البركات لا تحصل في العلاقات المختلفة والأعمال اليوميّة المتعارفة، فما المشكلة في أن يصوم الإنسان يومًا في الأسبوع أو يومين؟ إن لم يكن يضرّ بصحّته ويسبّب له الضعف فما المشكلة؟! إنّه جيّد جدًّا! فإذن علينا أن نسعى أن نحافظ على هذه الأجواء والأحوال التي حصلت لدينا بواسطة هذا الصيام والشهر المبارك. 

    1. دعائم الإسلام، ج ١، ص ٢٨٤.
    2. المصدر السابق. 

الرجوع إلى الله وآثاره - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۵هـ

12
  • نسأل الله تعلى أن يجعل عيديّتنا اليوم تجلّي ولاية صاحبنا ومنجينا ومولانا الإمام بقيّة الله في قلوبنا ونفوسنا وأن يعجّل ظهوره في الظاهر! 

  • أعوذُ بالله مِن الشّیطانِ الرّجیم

  • ﴿بِسۡمِ ٱللَهِ ٱلرَّحۡمٰنِ ٱلرَّحِيمِ ۱ إِذَا جَآءَ نَصۡرُ ٱللَهِ وَٱلۡفَتۡحُ ٢ وَرَأَيۡتَ ٱلنَّاسَ يَدۡخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَهِ أَفۡوَاجٗا ٣ فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَٱسۡتَغۡفِرۡهُ إِنَّهُۥ كَانَ تَوَّابَۢا﴾.۱

  • لإدخال السرور على أرواح المؤمنين والمؤمنات من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام الذين ودّعوا دار الفناء إلى دار البقاء، ولتعجيل ظهور الإمام بقيّة الله أرواحنا فداه ورفع البلاء عن بلاد المسلمين وتأييد الإسلام وزعماء الإسلام صلّوا على محمّد وآل محمّد ثلاثًا. 

  •  

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد.

    1. سورة النصر (١١٠).