8

البصيرة ميزة دعوة النبيّ وأتباعه

خطبة عيد الفطر لعام 1421 هـ

2310
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمالمناسبات الإسلامية

المجموعةعيد الفطر

التاريخ 1421/10/01


التوضيح

ما معنى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتّبعني؟
وما معنى البصيرة؟
وهل الدعوة إلى الله خاصّة بأهل الحقّ أم أنّ الجميع يدعون إلى الله؟
لماذا لا يخدع أولياء الله ولا ينحرفون عن مسيرهم ويعرفون الداعي إلى الله من غيره؟
وما معنى قصم ظهري اثنان جاهل متنسّك وعالم متهتّك؟
ما هو حبل الله في قوله واعتصموا بحبل الله؟
يجيب سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسيني الطهراني رضوان الله عليه في هذه المحاضرة عن هذه الأسئلة من خلال تفسيره لعدد من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة.
/۱٩
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

البصيرة ميزة دعوة النبيّ وأتباعه - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۱ هـ

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • البصيرة ميزة دعوة النبيّ وأتباعه

  • خطبة عيد الفطر لعام ۱٤٢۱ هـ

  •  

  • محاضرة ألقاها 

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

البصيرة ميزة دعوة النبيّ وأتباعه - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۱ هـ

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِالله مِنَ الشَّیطانِ الرَّجیم

  • بسم الله الرّحمن الرّحیم 

  •  

  •  

  • الحَمدُ للَّهِ الْواصِلِ الحَمدَ بِالنِّعَمِ و النِّعَمَ بِالشُّكرِ. نَحمَدُهُ عَلیٰ آلائِهِ كما نَحمَدُهُ عَلیٰ بَلائِهِ. و نَستَعِینُهُ عَلیٰ هذه النُّفوسِ البِطاءِ عمّا أُمِرَت بِه، السِّراعِ إلیٰ ما نُهِیَت عَنهُ. و نَستَغفِرُهُ ممّا أحاطَ بِهِ عِلمُهُ و أحصاهُ كتابُهُ؛ عِلمٌ غیرُ قاصِرٍ و كتابٌ غیرُ مُغادِرٍ. و نُؤمِنُ بِه إیمانَ مَن عایَنَ الغُیُوبَ و وَقَفَ عَلَی المَوعُودِ؛ إیمانًا نَفیٰ إخلاصُهُ الشِّرك و یقینُهُ الشّك و نَشهَدُ أن لا إلهَ إلّا الله [وَحدَهُ لا شَرِیك لَه] و أنَّ محمّدًا [صلّی الله عَلَیهِ و آلِه و سلّم] عَبدُهُ و رَسُولُهُ؛ شَهادَتینِ تُصعِدانِ القَولَ و تَرفَعانِ العَمَلَ، لا یَخِفُّ مِیزانٌ تُوضَعانِ فیه و لا یثقُلُ مِیزانٌ تُرفَعانِ عنه.

  • أُوصِیكم عِبادَ الله (و إیّای) بِتَقوَی الله الّتِی هیَ الزّادُ و بِها المَعاذُ [المعاد]؛ زادٌ مُبلِّغٌ و مَعاذٌ [معاد] مُنجِحٌ. دَعا إلَیها أسمَعُ داعٍ و وَعاها خَیرُ واعٍ؛ فَأسمَعَ داعِیها و فازَ واعِیها.۱

  • ﴿بِسۡمِ ٱللَهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ۱ قُلۡ هُوَ ٱللَهُ أَحَدٌ ٢ ٱللَهُ ٱلصَّمَدُ ٣ لَمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ ٤ وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ﴾.٢

    1. نهج البلاغة (صبحي الصالح)، ص ١٦٩.
    2. سورة الإخلاص (١١٢).

البصيرة ميزة دعوة النبيّ وأتباعه - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۱ هـ

3
  •  

  •  

  • أعوذُ باللهِ مِن الشّیطان الرّجیم

  • بسمِ الله الرّحمٰن الرّحیم

  • ﴿قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي وَسُبۡحَٰنَ ٱللَهِ وَمَآ أَنَا۠مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ﴾.۱

  • لتعجيل فرج إمام الزمان عليه السلام بقيّة الله في الأرض جعلنا الله لتراب مقدمه الفداء صلّوا على محمّد وآل محمّد. 

  • دعوة النبيّ إلى الله على بصيرة

  • يخاطب الله في هذه الآية الشريفة النبيّ أن يا رسولي قل للناس هذا هو طريقي ومسيري، ممشاي وطريقي هكذا كما بُيّن لكم في القرآن، وأنا المبيّن والمفسّر والموضّح له والمطبّق والمنفّذ لتلك الأحكام والقوانين في الأمّة. 

  • الطريق الذي أمامي هو طريق إلى الله ﴿أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَهِ﴾؛ فأنا أدعو إلى الله لا إلى النفس وشهوات الدنيا. ودعوتي هذه هي ﴿عَلَىٰ بَصِيرَةٍ﴾. وهنا في هذه الكلمة بيت القصيد وموضع الأسرار، فالدعوة التي أدعو بها ليست عن عماء وجهالة وسفه وهوى نفس، بل ﴿عَلَىٰ بَصِيرَةٍ﴾، إنّ دعوتي تستند إلى رؤية وبصيرة. 

  • ﴿أَنَا۠وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي﴾؛ فأنا أعمل على أساس البصيرة، وأسير على أساس البصيرة، وهكذا كلّ من يتّبعني وينقاد إلى أوامري ونواهيّ. 

  • ﴿سُبۡحَٰنَ ٱللَهِ وَمَآ أَنَا۠مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ﴾؛ منزّه هو الله عن حمدنا وتوصيفنا وإنّي لن أكون من المشركين. 

  • ماذا يريد النبيّ في هذه الآية؟ وماذا يريد الله من خطاب النبيّ في هذه الآية؟ ﴿أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ﴾ وفي هذه النقطة يكمن كامل المراد من هذه الآية، فالدعوات والادّعاءات كثيرة، وجميع الناس مدّعون للدعوة إلى الله والتوحيد والرسالة ومبادئ الإسلام. ولكن هل دعوتهم ﴿عَلَىٰ بَصِيرَةٍ﴾، وعلى أساس رؤية صحيحة؟! 

  • دور الجهالة في الانحراف عن مسير الحقّ

  • هناك أمران كانا ولا يزالان في العالم الإسلاميّ وهكذا في الأديان الأخرى من الأمور الملفتة في موضوع الانحراف في ذلك الدين وتلك الشريعة: 

  • الأمر الأوّل: الجهالة

  • فالجاهل وعديم العلم يطلقان على الجاهل بالعقيدة والمذهب ولا اطّلاع له ولا تخصّص ولم يتلقّ دراسة، أو أنّ الله تعالى لم يُشرب قلبه بالعلوم اللدنيّة. وهؤلاء الناس هم جاهلون وكما يقول أمير المؤمنين عليه السلام: قَصَمَ ظَهری صنفان: جاهلٌ مُتَنَسِّك و عالمٌ مُتَهَتِّك٢ فالجاهل المتنسّك يطلق على من جهل الأحكام والأصول والقضايا، ولديه خيالات وهو من خلالها يتصوّر أنّه يمكنه أن يطوي الطريق الصائب. وهذا الجاهل على قسمين: 

    1. سورة یوسف (١٢) الآیة ١٠٨.
    2. معدن الجواهر، ص ٢٦، مع تفاوت يسير. 

البصيرة ميزة دعوة النبيّ وأتباعه - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۱ هـ

4
  • القسم الأوّل: الجاهل عديم العلم ولكنّه في مقام التربية وقد جعل نفسه تحت التربية. وهذا الإنسان سيهتدي ويسير في الطريق ويصل إلى مطلوبه على يد الإنسان العالم والواصل، وهو يرتوي أيضًا من تلك العلوم التي قد ارتوى منها ذلك العالم. 

  • القسم الثاني: الجاهل الذي لا علم له بجهله، ولا يدري أنّه جاهل، أي إنّ تصوّر الاحتياج والفقر فيه قد مات ولا وجود له عنده، ويرى نفسه عالمًا في الأمور التي ترد. 

  • فالخليفة الثاني في صلح الحديبيّة خالف النبيّ الأكرم، وعندما أمر رسول الله أن يحلق المسلمون رؤوسهم، امتنع بعضهم من امتثال أمره وقالوا: كيف نحلق رؤوسنا ونحن لم نحجّ ونرجع إلى أهلنا وعشيرتنا في المدينة فلا ندري ماذا نجيبهم؟! يقولون لنا: أنتم لم تحجّوا فلماذا حلقتم رؤوسكم؟! فلم يطيعوا أمر النبيّ ولم يحلقوا رؤوسهم.۱ وعمر بن الخطاب الخليفة الثاني كان يقول: ما شككت في رسالتك شكّي في هذا اليوم. ٢لقد كان من البداية يخطئ وقد سُمعتْ منه أمور حول ذلك حيث كان يقول مرارًا: أنا زَمیلُ محمّد٣ فكما يوحى إليه هو فأنا أيضًا أدرك الأمور، الأمور التي يقولها النبيّ الأكرم يقولها من الوحي، ويدي قاصرة عن ذلك، وأمّا الأمور التي يقولها من نفسه فأنا شريك فيها في هذا المجال. 

  • التفتوا جيّدًا وانظروا إلى الأمور الشائعة في زماننا، حيث يقسّمون كلام رسول الله إلى قسمين: قسم هو وحي، وقسم آخر هو وليد أفكاره. ففي قسم الوحي لا حقّ لهم في التصرّف والتدخّل. وفي ذلك الجانب الذي هو وليد أفكاره له تدخّل وله مدخليّة وربّما يرى نفسه أولى وأحقّ وأبصر وأعلم بالأمر، غافلاً عن أنّ كلام رسول الله كلام واحد والفكر الذي يظهر من نفس النبيّ المباركة ملهم من عند الله. فتلك النفس لم تعد أسيرة نفسها، وقد حرّرت نفسها من نفسها. 

  • فما يتنزّل على نفس النبيّ الأكرم من أفكار وقضايا [هو من الله] سواء كان على شكل الوحي والمرسِل ومبلّغه جبرائيل أمين الوحي، أو على شكل إلهامات نفسيّة لفكر النبيّ وصدره، فالتفصيل بين هذين الأمرين وتقسيم كلام رسول الله إلى قسمين سيكون كفرًا محضًا وشركًا محضًا.

    1. راجع المغازي، الواقدي، ج ٢، ص ٦٠٩؛ تفسیر القمي، ج ٢، ص ٣١٤.
    2. تاریخ الإسلام، الذهبي، ج ٢، ص ٣٧١.
    3. تاریخ الطّبري، ج ٤، ص ٢٢٥.

البصيرة ميزة دعوة النبيّ وأتباعه - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۱ هـ

5
  • وهذا الأمر شائع الآن وهناك جهلاء عديمو العلم يتصوّرون أنّ بإمكانهم أن يصلوا إلى ما وصل إليه رسول الله وما وصل إليه أئمّة الهدى والأولياء، فكما كان هؤلاء يعلمون الأمور، هم يعلمونها أيضًا، وكما كان أولئك لهم إشراف على القضايا، يكون لهم إشراف أيضًا. فهذا الجاهل هو جاهل متنسّك، الجاهل الذي يظهر بلباس التقوى والنسك والزهد، ويواجه ويعارض رسول الله وأئمّة الهدى ومنطق الدين بخيالاته الخام وأفكاره الجاهلة. فهذا قِسم. 

  • والقسم الآخر: هم العلماء والمطّلعون على المسائل، ولكنّهم للأسف مبتلون بهوى النفس، ويوظّفون هذه المعلومات والعلوم في طريق هوى النفس. وكما قال أمير المؤمنين: عالم متهتّك. فالعالم الذي لا يبالي في بيانه للأمور، ولا تقوى لديه ونفسه متورّطة وأسيرة في الأهواء والميول الدنيويّة الدنيئة. فهذا الرجل يقصم ظهر أمير المؤمنين عليه السلام، لأنّ بيده حربة وسلاحًا، وقد تعلّم بضع كلمات وراح يجذب بها قلوب العوامّ الجاهلين نحو غير الله. فهذا لا بصيرة له. 

  • هل تستند الدعوة إلى الله إلى الحقّ أم الميول النفسيّة؟

  • فإذن ليست أيّة دعوة إلى الله دعوة إلى الله الحقيقيّ وإلى عالم الواقع ونفس الأمر والحقائق. جميع الناس يدّعون الدعوة إلى الله، بل يجعلون هذه الدعوة إلى الله وسيلة للاكتساب والوصول إلى الغايات النفسيّة والأهواء والميول والمنافع الشخصيّة. مجرّد الدعوة إلى الله يمكن أن تتأتّى من جميع الناس، من خلفاء الجور ومن الظلمة والحكّام الظالمين للدين والظالمين لأمّة رسول الله، وهم يحرفون الناس عن ذلك المسير بحربة الدين وحربة الدعوة إلى الله، فالحجّاج بن يوسف الثقفي بواسطة هذه الآيات القرآنيّة والاستشهاد بها وعدِّ نفسه من أولي الأمر، استطاع أن يرتكب كلّ تلك الجرائم، وكان يستدلّ على أنّه مأمور من قبل الله وأنّه وال. والخلفاء الراشدون والخلفاء الثلاثة الأوائل كانوا يحرفون الناس من خلال الدعوة إلى الله، ولو أنّهم كانوا يدعون إلى عبادة الأصنام وإلى أنفسهم لما رضي بهم أحد، فكانوا يدعون إلى الله وتحت عنوان الدعوة إلى الله وتحت هذا النقاب وصلوا إلى مطامعهم الدنيويّة. وخلفاء بني العبّاس حكموا الناس بعنوان الدعوة إلى الله هذا. 

البصيرة ميزة دعوة النبيّ وأتباعه - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۱ هـ

6
  • فإذن مسألة الدعوة إلى الله مسألة عامّة، يمكن أن تكون على أساس الحقّ والحقيقة والتوحيد، ويمكن أن تكون على أساس الميول النفسيّة. فالآية الشريفة تقول: ﴿قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي﴾۱ قل يا رسول الله طريقي ومسيري هو هذا الذي أبيّنه لكم وأوضّحه، طريقي هو على أساس البصيرة، فلا أنا جاهل بالجهل البسيط لأنّ هاديّ كان جبرائيل الأمين. ولا جاهل بالجهل المركّب لأنّ أساس الجهل منتف. ولا أنا عالم بعلم لا ينفع، يجعل علمه هذا في خدمة منافعه الشخصيّة بواسطة الأهواء والميول النفسيّة؛ لأنّي تجاوزت نفسي وخرجت منها وصارت نفسي طاهرة مطهّرة، وصار فكري وذهني شيئًا آخر. قد خرجتُ من القالب البشريّ في صورته النفسيّة، جسمي هو كسائر الأجسام، ولكنّ روحي وخصوصيّاتي النفسيّة تميّزت عن سائر النفوس، فأنا شريك لسائر الناس في الجسم، وأمّا في الروح والنفس والملكات والصفات الحسنة والتخلّص من الصفات الرذيلة فأنا أختلف عن الناس. وعلى هذا الأساس يختلف كلامي عن كلامهم، وحديثي عن حديثهم، فقد صار كلامي كلام الوحي، ولا أقول من تلقاء نفسي، وكلامي كلام الله وهو لا ينشأ من تلقاء نفسي ومن ناحيتها. هذه الخصوصيّات التي حصلتُ عليها أعطتني بصيرة في الدين. 

  • وهذا النحو من البصيرة يجعله يدعو إلى الله ويختلف عن الآخرين. تلك البصيرة التي تجاوز صاحبها عن النفس لا أنّه تعلّم معادلتين وقرأ كتابين ثمّ صار يعدّ نفسه صاحب نظر في الأمور، وراح يغوي الخلق في غير طريق الحقّ، كلاّ، بل البصيرة هي النور. 

  • معنى نورانيّة رسول الله وأئمّة الهدى وأولياء الله

  • ﴿قَدۡ جَآءَكُم مِّنَ ٱللَهِ نُورٞ وَكِتَٰبٞ مُّبِينٞ ، يَهۡدِي بِهِ ٱللَهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَٰنَهُۥ سُبُلَ ٱلسَّلَٰمِ وَيُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِهِۦ وَيَهۡدِيهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ﴾٢

  • أيّها الناس، لقد جاءكم نور من عند الله، والنور يعني الضياء، فهل يمكن أن يكون هناك ظلام في الضياء؟َ! هل يمكن أن يكون هناك نور مشوب بالظلمة؟! هل يمكن أن تكون هناك كدورة في النور؟! هل يمكن أن يكشف النور عن غير الواقع؟! أبدًا! إنّ وظيفة النور هي بيان الواقع وما هو في عالم الخارج وليس له شيء من نفسه، ولا شأن له في طبيعة الشيء الذي يكشف عنه. دقّقوا جيّدًا! فالنور لا يهتمّ إلا بوظيفته ولا مسؤوليّة له عمّا يقع في الخارج قائلاً: وظيفتي هي أن أظهر الخارج وعالم الواقع، أمّا أنّه ماذا في عالم الواقع فلا صلة لي، هذا هو النور. 

    1. سورة یوسف (١٢)الآیة ١٠٨.
    2. سورة المائدة (٥) الآیة ١٥ و ١٦.

البصيرة ميزة دعوة النبيّ وأتباعه - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۱ هـ

7
  • لقد كان رسول الله نورًا في بيانه للمسائل والأحكام، وأئمّة الهدى هم نور في بيان الأمور وفي كلامهم وممشاهم ومنهاجهم وعلاقتهم مع الناس. وأولياء الله الذين تخلّوا عن نفوسهم وتجاوزوها ليس في منهاجهم وممشاهم وكلامهم حيثيّة نفسيّة وحيثيّة منافع شخصيّة، بل لديهم مسؤوليّة النورانيّة ولا شأن لهم بما يحدث في العالم أو ما لا يحدث، ورسول الله وظيفته فقط هي بيان الواقع، ولا شأن له بعملهم به أو عدم عملهم به، وبتقبّلهم للكلام أو عدم تقبّلهم له، وظيفة رسول الله وأئمّة الهدى عليهم السلام وأولياء الله هي فقط بيان الأمر وبيان الحق. أمّا أنّ ا لناس ماذا يفعلون؟ وهل يمكنهم أن يوائموا بين أنفسهم وبين هذا الحقّ؟ فليس ذلك في عهدته. وهذا الطريق منحصر بمن وصل إضافة إلى اكتساب العلوم الرسميّة والفيوضات الظاهريّة إلى مراتب من الخروج من النفس وخرج قلبه وسرّه من عالم الأهواء وعالم الميول وعالم الخيالات وعالم التصوّرات. فهؤلاء هم الذين يمكنهم أن ينسجموا مع هذه العقيدة وهذه الآية وهذا الطريق الذي يقول: ﴿أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ﴾۱ أو على الأقل يجعلوا أنفسهم قريبين من ذلك. وهذا يختصّ بالنبيّ الأكرم وأئمّة الهدى والأولياء. 

  • الدعوة إلى الله من قبل خلفاء الجور على أساس الميول النفسيّة

  • وأمّا سائر الناس فعلى أيّ منهاج يجب أن يسيروا؟ ومنهجهم كيف ينبغي أن يكون؟ وإلى من ينبغي أن يذهبوا لأجل التربية والتعليم؟ هل إلى كلّ من يدعو إلى الله؟! فالخلفاء الثلاثة أيضًا كانوا يدعون إلى الله، وبنو أميّة أيضًا كانوا يدعون إلى الله، وبنو العبّاس أيضًا كانوا يدعون إلى الله. ألم يكن حكّام وأمراء بني أميّة يغدون إلى صلاة عيدي الفطر والأضحى؟! ألم تكن لهم صلاة جمعة؟! جميعهم كانوا يدعون الناس إلى الله، ولكن أيّ إله؟ الله الذي ينسجم مع الأهواء النفسيّة، الذي لا يخرّب عليهم أهواءهم ومنافعهم الشخصيّة والرئاسات والتصوّرات والتخيّلات الدنيويّة ويكون مسالمًا لها فقد كانوا يدعون إلى هكذا إله. أمّا الله الواقعيّ الحقّ الحقيقيّ الذي لا يريد للأمّة سوى حيثيّة النورانيّة ولا يريد سواها فلم يكونوا يدعون إليه. لماذا انصرف معاوية الثاني عن الخلافة؟ جدّه معاوية كان يحارب أمير المؤمنين عليه السلام، وفي النهاية انتصر من حيث الظاهر عليه بواسطة تلك الدسائس التي حدثت، وتغلّب على الإمام الحسن عليه السلام وأخذ الخلافة، وجاء بعده يزيد وارتكب تلك الجرائم وكلّ ذلك باسم الإسلام. ولكنّ ابنه معاوية الثاني يأتي فيرى أنّ الدعوة التي كان أبوه وآباؤه يدعونها لم تكن ﴿إِلَى ٱللَهِ﴾ و ﴿عَلَىٰ بَصِيرَةٍ﴾، بل كانت تلك الدعوة على أساس الميول النفسيّة، وكانوا يريدون الرئاسة على أساس الرغبات النفسيّة.٢

    1. سورة یوسف (١٢) الآیة ١٠٨.
    2. راجع تاریخ الیعقوبي، ج ٢، ص ٢٥٤؛ مروج الذّهب، ج ٣، ص ٧٢.

البصيرة ميزة دعوة النبيّ وأتباعه - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۱ هـ

8
  • عندما تغلّب معاوية على الإمام الحسن عليه السلام وكتب ذلك العهد جاء إلى الكوفة ورقي المنبر وجعل ذلك العهد والصلح تحت قدميه وقال: إنّی وَاللهِ ما قاتَلتكم لِتُصَلّوا و لا لِتَصوموا ولا لِتَحُجّوا وَ لا لِتُزَكوا؛ إنّكم لَتَفعَلونَ ذَلك! ولكنّی [إنّما] قَاتَلتكم لِأتَأمَّر علَيكم وَ قد أعطانِیَ اللهُ ذَلك و أنتُم كارِهونَ.۱

  • هذه الحكومة هي حكومة الظاهر غاية الأمر أنّ معاوية هذا يذهب إلى المسجد إبقاء لهذه الحكومة ويعظ الناس من على المنبر، لكي يقتنع الناس بهذا الظاهر، فالناس لا عقل لهم ولا كمال حقيقيّ، بل ينظرون إلى الظاهر الجذّاب والخادع وينتهي الأمر عندهم، فهم لا اطّلاع لديهم على نفس ذلك الإنسان وأنّه على أيّ أساس قام بهذا العمل وما غايته وما داعيه إليه، إن كان لأجل الرئاسة فهو لا يساوي شيئًا، وإن كان لأجل الله فالأمر يختلف. ولو أنّ أعين الناس قد فتحت ولو أنّ الله فتح أعين الناس وأعطاهم بصيرة إدراك الواقع والعبور من الظاهر إلى الباطن والعبور من الأفعال والأعمال الظاهريّة والوصول إلى أسرار الناس ونفوسهم لرأيتم أنّ أحدًا لا يتّبع أحدًا، وأحدًا لا يسير خلف أحد، فلأنّ الناس لا اطّلاع لديهم ولا يعلمون، يسمعون صوتًا ويظنّون أنّ هذا الصوت صوت التوحيد، يسمعون نداء ويتخيّلون أنّ هذا النداء نداء التوحيد، لو كانت لديهم بصيرة لرأوا باطن الأمر وواقع القضيّة. 

  • البصيرة علّة استقامة أولياء الله في مسير الحق

  • لماذا لا يخدع أولياء الله؟ لأنّ أولياء الله لا يحتاجون إلى أمور الظاهر هذه، ولا يحتاجون إلى رؤية الأعمال الظاهريّة وأفعال الناس. وعلى حدّ قول المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه: 

  • نحن ننظر إلى الأصل، وهذا كلّه صورة ونسخة، نحن ننظر إلى حقيقة الأمر. 

  • عندما يأتي إنسان ويقف أمام وليّ الله فلا حاجة إلى أن يقوم بأمر ما لكي يعرفه ذلك الوليّ، ولا حاجة أن يقوم بعمل ما حتّى ينكشف الستار عن أسراره، وبمجرّد أن تقع عينه عليه تتّضح له جميع الأمور، بل حتّى لو لم تقع عينه عليه، فإنّ الأمر واضح له. كان الناس يأتون إلى رسول الله بألسنة حسان وكلمات عذبة ومحبّبة فيقولون: يا رسول الله نحن كذا ونحن كذا نحن هكذا وهكذا. ولكن إذا مضوا إلى تلك المنازل والأماكن الخاصّة تكلّموا ضدّ رسول الله وتآمروا على المسلمين و ﴿سلقوكم بألسنة حداد﴾٢، فهؤلاء يأتون ويظنّون أنّ النبيّ لا يعرفهم ولا اطّلاع له على أعمالهم، كلا يا عزيزي! إن كنت في المنزل فرسول الله يعلم وكأنّك هنا ولا يحتاج إلى أن تتكلّم: ﴿وَاللَهُ يَشۡهَدُ إِنَّهم لَكَٰذِبُونَ﴾.٣

    1. الإرشاد، ج ٢، ص ١٤. امام شناسی، ج ٨، ص ٢٦٥.
    2. سورة الأحزاب (٣٣) الآیة ١٩.
    3. سورة التوبة (٩) الآیة ١٠٧؛ سورة الحشر (٥٩) الآیة ١١.

البصيرة ميزة دعوة النبيّ وأتباعه - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۱ هـ

9
  • ﴿إِذَا جَآءَكَ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ قَالُواْ نَشۡهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَهِ وَٱللَهُ يَعۡلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُۥ وَٱللَهُ يَشۡهَدُ إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَكَٰذِبُونَ﴾۱

  • كلامهم ليس كاذبًا، ولكنهّه ليس مطابقًا لباطنهم، لا أنّ لديهم كذبًا في كلامهم، بل كلامهم غير مطابق لما في نفوسهم، نفوسهم خبيثة، كلامهم مزيّن وسرّهم ظلمة، وجوههم منبسطة ومحبّبة وجذّابة، وباطنهم كفر، ظاهرهم جذّاب وخادع. 

  • الصراع الدائم بين الجاهل والعالم

  • على هذا الأساس فإنّ هذا الأمر كان منذ آدم على نبيّنا وآله وعليه السلام إلى زمان رسول الله وإلى زماننا هذا وهو مستمرّ. فدائمًا الإسلام وسائر الأديان والطرق إلى الله هي في صراع من قبل فئتين وجماعتين: 

  • الفئة الأولى: فئة الجاهل الذي لا يعي كلام الحقّ. علم شيئًا وغابت عنه أشياء، يتخيّل أنّ طريقه صحيح فيسير فيه. مهما ذُكِّر لا يبالي ومهما نبّه يستمرّ في طريقه. فهذه فئة. 

  • الفئة الثانية: فئة العلماء المطّلعين على الأمور، ولكنّ نفوسهم وميولهم غير إلهيّة، نفوسهم ليست ربوبيّة، ليست نفوسهم بالتي تسلّم. هم يسيرون بالناس في طريقهم الذي يرضونه معتمدين لطائف الحيل والآداب والرموز والوسائل والطرق. يختارون من بين الآيات والروايات والمأثورات ما له وجوه مختلفة ومعنى عام، بحيث يمكنهم من خلال هذا المعنى العام أن يجدوا مصداقًا لطريقهم ومنهجهم. وينتخبون من بين الآيات ما تشابه منها، ومن بين الروايات ما يؤيّدهم، فهذا شيء من أمرهم، والأمر الآخر هو أنّهم لا يطرحون الصريح ولا يحسبون حسابًا للدقيق ويمرّون عليه مرور الكرام، وإن لم يستطيعوا ذلك عملوا على تأويله وتوجيهه بألف طريق وطريق، وفي النتيجة يشتبه الأمر على الناس ويحرمون من الوصول إلى الحقّ. فهذه هي الفئة الثانية. 

  • يقول الإمام السجّاد عليه السلام كما في رواية الإمام الرضا عليه السلام: 

  • إذَا رَأيْتُمُ الرَّجُلُ قَدْ حَسُنَ سَمْتُهُ وَ هَدْيُهُ وَ تَمَاوَتَ في مَنْطِقِهِ وَ تَخَاضَعَ في حَرَكَاتِهِ فَرُوَيْدًا لَا يَغُرَّنَّكُمْ.

  • فَمَا أكْثَرَ مَنْ يُعْجِزُهُ تَنَاوُلُ الدُّنْيَا وَ رُكُوبُ الحَرَامِ مِنْهَا لِضَعْفِ نِيَّتِهِ وَ مَهَانَتِهِ وَ جُبْنِ قَلْبِهِ، فَنَصَبَ الدِّينَ فَخًّا لَهَا فَهُوَ لَا يَزَالُ يَخْتُلُ النَّاسَ بِظَاهِرِهِ، فَإنْ تَمَكَّنَ مِنْ حَرَامٍ اقْتَحَمَهُ…٢

    1. سورة المنافقون (٦٣) الآیة ١.
    2. رجوع شود به الاحتجاج، ج ٢، ص ٣٢٠.

البصيرة ميزة دعوة النبيّ وأتباعه - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۱ هـ

10
  • هناك الكثير من الناس ذوو ظاهر مزيّن، ولكنّهم يستعملون هذا الظاهر لأجل الوصول إلى المنافع، هم في حال من التواضع والخضوع والخشوع ولكنّهم يستفيدون من هذا الخضوع والخشوع للترفّع والوصول إلى مقاصدهم وليسوا خاضعين في الواقع. إذا استطاعوا أن يصلوا إلى ميول الدنيا لم يقصّروا. فالإمام السجّاد يريد أن يقول أمرًا مهمًّا وهو أنّكم إذا رأيتم إنسانًا ذا ظاهر أنيق لا يأبه بمسائل الدنيا فرويدًا لا يغّرنّكم لأنّ شهوات الخلق متفاوتة، كثير من الناس لا يرغبون بما يرغب به العوامّ من لذّات الدنيا المتعارفة، فعمر بن الخطّاب كان من الذين يقال إنّ طعامهم الخبز والخلّ، فغالبًا ما كان يأكل الخبز والخلّ ويأبى تناول الخبز والتمر أيضًا.۱ وطبعًا يتناول الخبز والخلّ و... أمام الناس! وممّا يطرحه أهل السنّة الآن من فضائله هذا الأمر فيقولون: الخليفة الذي يأكل الخبز والخلّ لا شكّ أنّه لا يبالي بأمور الدنيا. إن كان الأمر هكذا، وكان هذا الزهد وهذه التقوى في الطريق إلى الله والدعوة إليه فلماذا يتغاضى في مكان آخر وحالات أخرى ويطرح الأمر بنحو آخر؟ لماذا لا يعطي الحقّ لأهله؟! 

  • لقد سمع الناس من النبيّ الأكرم الكثير عن أويس وسمعوا مدحه منه، فقد قال النبيّ عنه بأنّ له من سعة الصدر وسعة الرحمة بما يجعله يشفع في مثل ربيعة ومضر .٢

  • فمن شدّة الكثرة... فهذا يضرب به المثل للكثرة، فهو يشفع يوم القيامة بمقدار وله قدرة روحيّة وسعة وجوديّة في يوم القيامة بما يمكّنه من أن يشفع بمقدار غنم قبيلتي ربيعة ومضر. حالاته كذا وكذا وقد تحدّث عنه النبيّ مرارًا للناس بما فيهم عمر. ٣ويقال إنّه بعد وفاة رسول الله وفي عهد عمر جاء هذا الرجل إلى المدينة، فاجتمع الناس حوله وسألوه، وفي هذه الأثناء دخل عمر فسأل ما الأمر؟ فقالوا له: إنّه الصحابيّ الجليل الذي سمعنا مدحه من النبيّ وقد جاء إلى المدينة الآن. فيأتي إليه فيجده ذا عباءة مندرسة ولباس بال، لا يملك شيئًا، يحمل صرّة فيها قليل من الخبز جاء به معه إلى المدينة. فلمّا رآه قال له: من يعطيني بهذه الخلافة قرصين من الطعام؟ فنظر إليه أويس وقال: 

    1. راجع تاریخ المدینة، النمیري، ج ٢، ص ٦٩٥.
    2. الفضائل، ابن‌شاذان، ص ١٠٧؛ بحار الأنوار، ٤٢، ص ۱٥٥: تَفُوحُ رَوائِحُ الجَنَّة مِن قِبَلِ قَرَنٍ. واشَوقاهْ! إلَيكَ يا اوَيسُ القَرَنِىُّ! ألا و مَن لَقِيَهُ فَليُقرِئهُ مِنِّى السّلامَ! فَقِيلَ: يا رَسُولَ اللهِ! و مَن اوَيسٌ القَرَنِىُّ؟ قالَ صلّى الله عليه و آله: إن غابَ عَنكُم لَم تَفتَقِدُوهُ، و إن ظَهَرَ لَكُم لَم تَكتَرِثُوا بِهِ يَدخُلُ الجَنَّة فى شَفاعَتِهِ مِثلُ رَبِيعَة و مُضَرَ، يُؤمِنُ بِى و لا يَرانِى، و يُقتَلُ بَينَ يَدَىْ خَلِيفَتِى أمِيرِالمُؤمِنِينَ عَلِىِّ بنِ أبِى‌طالِبٍ عليه السّلام فى صِفِّينَ. 
      وفي معرفة الإمام ج۱٢ ص ٣۰ عن الإرشاد ص ۱۷٤، الطبعة الحجريّة: قال [عليّ] عليه ‌السلام بذي قار و هو جالس لأخذ البيعة: يَأتِيكُمْ مِنْ قِبَلِ الكُوفَةِ ألْفُ رَجُلٍ لَا يَزِيدُونَ رَجُلًا ولَا يَنقُصُونَ رَجُلًا يُبَايُعوني عَلَى المَوْتِ.
      قال ابن عبّاس: فجزعتُ لذلك و خفتُ أن ينقص القوم عن العدد أو يزيدوا عليه فيفسد الأمر علينا. و لم أزل مهموماً دأبي إحصاء القوم، حتى ورد أوائلهم، فجعلت احصيهم، فاستوفيت عددهم تسعمائة رجل و تسعة و تسعين رجلًا. ثمّ انقطع مجي‌ء القوم، فقلتُ: إنَّا لِلَّهِ وَ إنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ. ماذا حمله على ما قال؟
      فبينا أنا مفكّر في ذلك إذ رأيت شخصاً قد أقبل، حتى إذا دنا، فإذا هو راجل عليه قباء صوف، معه سيفه و تُرسه و إداوته، فقرب من‌ أميرالمؤمنين عليه‌السلام فقال له: امدُدْ يَدَكَ ابَايِعْكَ.
      فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام: عَلَامَ تُبَايِعُنِي؟
      قال: عَلَى السَّمْعِ وَ الطَّاعَةِ وَ القِتَالِ بَيْنَ يَدَيْكَ حتى أمُوتَ أوْ يَفْتَحَ اللهُ عَلَيْكَ.
      فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام: ما اسمك؟
      قال: اوَيْس. 
      قال: أنْتَ اوَيْسُ القَرَنِيّ؟ 
      قال: نعم.
      قال أميرالمؤمنين عليه السلام: اللهُ أكْبَرُ، أخْبَرَنِي حَبِيبِي رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: أنِّي ادْرِكُ رَجُلًا مِنْ امَّتِهِ يُقَالُ لَهُ: اوَيْسٌ القَرَنِيّ، يَكُونُ مِنْ حِزْبِ اللهِ وَ رَسُولِهِ، يَمُوتُ عَلَى الشَّهَادَةِ، يَدْخُلُ في شَفَاعَتِهِ مِثْلُ رَبِيعَةَ وَ مُضَرَ، اللهُ أكْبَرُ. 
    3. راجع سفینة البحار، ج ١، ص ١٩٩.

البصيرة ميزة دعوة النبيّ وأتباعه - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۱ هـ

11
  • إن لم تكن الخلافة من حقّك فأنت مخطئ إذ تتصدّى لها، فلتتركها لأهلها، فهي ليست لك، دع أهلها يأتون يقومون بأمرها. وإن كانت الخلافة لك فلا حقّ لأحد أن يأخذها منك. 

  • فقال لأويس: ادع لي. 

  • فقال أويس: أنا دائمًا للمؤمنين والمؤمنات، فإن كنت من زمرتهم فأنت مشمول لدعائي وإلا فلا. ۱

  • هذا رجل نوّر الله قلبه وأعطاه بصيرة وأعطاه حريّة في الفكر وحريّة في الروح، حريّة في النفس وسعة وجوديّة وهذه الأمور لا أهميّة لها عنده. 

  • يقول الإمام السجّاد عليه السلام: فَإنَّ فِى النَّاسِ مَنْ ﴿خَسِرَ الدُّنْيَا وَ الآخِرَةَ﴾٢؛ يَتْرُكُ الدُّنْيَا لِلدُّنْيَا وَ يَرَى أنَّ لَذَّةَ الرِّيَاسَةِ الْبَاطِلَةِ أَفْضَلُ مِنْ لَذَّةِ الامْوَالِ وَ النّعَمِ الْمُبَاحَةِ الْمُحَلَّةِ، فَيَتْرُكُ ذَلِكَ أَجْمَعَ طَلَبًا لِلرِّيَاسَةِ حَتَّى إِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَ لَبِئْسَ الْمِهَادُ.

  • فهؤلاء لا دنيا لهم ولا آخرة، لا دنيا لهم لأنّهم تركوها لأجل الرئاسات والترفّع والأمور الأخرى التي ترغب بها النفس وهي لديها أرجح، فالرئاسات بالنسبة إليه أرجح. فعليكم أن لا تنظروا إلى الزاهد؛ لأنّ من الممكن أن تكون في الباطن ووراء هذا الزهد أمور أخرى ولذّات أخرى هي ألذّ للنفس بكثير من هذه اللذّات العاديّة الظاهريّة، والنفس بها أرغب، ثمّ يقول الإمام السجّاد عليه السلام: 

  • فَإذَا وَجَدْتُمُوهُ يَعِفٌ عَنْ ذَلِكَ، فَرُوَيْدًا لَا يَغُرَّنَّكُمْ حَتَّى تَنْظُرُوا مَا عُقْدَةُ عَقْلِهِ، فَمَا أَكْثَرَ مَنْ تَرَكَ ذَلِكَ أَجْمَعَ ثُمَّ لَا يَرْجِعُ إلَى عَقْلٍ مَتِينٍ، فَيَكُونُ مَا يُفْسِدُهُ بِجَهْلِهِ‌ أَكْثَرَ مِمَّا يُصْلِحُهُ بعَقْلِهِ.

  • فَإذَا وَجَدْتُمْ عَقْلَهُ مَتِينًا، فَرُويَدًا لَا يَغُرَّنَّكُمْ حَتَّى تَنْظُرُوا أَمَعَ هَوَاهُ يَكُونُ عَلَى عَقْلِهِ أَمْ يَكُونُ مَعَ عَقْلِهِ عَلَى هَوَاهُ، وَ كَيْفَ مَحَبَّتُهُ لِلرِّيَاسَاتِ الْبَاطِلَةِ وَ زُهْدُهُ فِيهَا، فَإنَّ فِى النَّاسِ مَنْ خَسِرَ الدُّنْيَا وَ الآخِرَةَ؛ يَتْرُكُ الدُّنْيَا لِلدُّنْيَا وَ يَرَى أنَّ لَذَّةَ الرِّيَاسَةِ الْبَاطِلَةِ أَفْضَلُ مِنْ لَذَّةِ الأمْوَالِ وَ النّعَمِ الْمُبَاحَةِ الْمُحَلَّةِ، فَيَتْرُكُ ذَلِكَ أَجْمَعَ طَلَبًا لِلرِّيَاسَةِ حَتَّى إِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَ لَبِئْسَ الْمِهَادُ.

  • فَهُوَ يَخْبطُ خَبْطَ عَشْوَآءُ يَقُودُهُ أَوَّلُ بَاطِلٍ إلَى أَبْعَدِ غَايَاتِ الْخَسَارَةِ.

    1. راجع حلیة الأولیاء، ج ٢، ص ٨٢؛ تاریخ مدینة دمشق، ج ٩، ص ٤٢٤. 
    2. سوره حج (٢٢) آیه ١١. نور ملکوت قرآن، ج ٤، ص ٣١٣:
      «هم دنیایش به خسارت زیانبار شده، هم آخرتش. این است آن خسران با حسرت آشکار.»

البصيرة ميزة دعوة النبيّ وأتباعه - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۱ هـ

12
  • وَ يَمَدُّهُ رَبُّهُ بَعْدَ طَلَبِهِ لِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فِى طُغْيَانِهِ؛ فَهُوَ يُحِلُّ مَا حَرَّمَ اللَهُ وَ يُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَهُ، لَا يُبَالِى مَا فَاتَ مِنْ دِينِهِ إذَا سَلُمَتْ لَهُ رَيَاسَتُهُ الَّتِى قَدْ شَقِيَ مِنْ أَجْلِهَا.

  • فَأْولَئِكَ الَّذِينَ غَضِبَ اللَهُ عَلَيْهِمْ وَ لَعَنَهُمْ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا.

  • وَ لَكِنَّ الرَّجُلَ كُلَّ الرَّجُلِ نعم الرَّجُلُ هُوَ الَّذِى جَعَلَ هُوَاهُ تَبَعًا لِامْرِ اللَهِ وَ قُوَاهُ مَبْذُولَةً فِي رِضَا اللَهِ؛ يَرَى الذُّلَّ مَعَ الْحَقِّ أَقْرَبَ إلَى عِزِّ الأبَدِ مِنَ الْعِزِّ فِى الْبَاطِلِ. وَ يَعْلَمُ أَنَّ قَلِيلَ مَا يَحْتَمِلُهُ مُنْ ضَرَّآئِهَا يُؤَدِّيهِ إلى دَوَامِ النَّعِيمِ‌ فِى دَارٍ لَا تَبيدُ وَ لَا تَنْفَدُ وَ أَنَّ كَثِيرَ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ سَرَّآئِهَا إنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ يُؤَدِّيهِ إلَى عَذَابٍ لَا انْقِطَاعَ لَهُ وَ لَا يَزُولُ.

  • فَذَلِكُمُ الرَّجُلُ نِعْمَ الرَّجُلُ، فَبهِ فَتَمَسَّكُوا وَ بسُنَّتِهِ فَاقْتَدُوا وَ إلَى رَبِّكُمْ بِهِ فَتَوَسَّلُوا، فَإنَّهُ لَا تُرَّدَ لَهُ دَعْوَةُ وَ لَا يُخَيَّبُ لَهُ طَلِبَة.

  • وهذا الأمر معقّد جدًّا وشديد الأهميّة، فما كان منذ القدم إلى الآن من تاريخ الإسلام ودين النبيّ وأئمّة الهدى مصدر خطر هو موضوع النفاق، فالذين هم معروفون للناس أمرهم واضح، أمّا في موضوع النفاق فيظهر الإنسان بين الناس بوجه إلهيّ وبظاهر عطوف ومخلص ووراء الستار أمور خافية، ووراء هذا الظاهر نفس فاسدة مفسدة، إلى درجة أنّها مستعدّة أن تفنى ولكن لا تخضع للحقّ. ألم يكن هؤلاء في زمان رسول الله؟! ألم يكن هناك منافقون في زمان رسول الله؟! ألم يبنوا مسجد ضرار في زمان رسول الله ويتآمروا على رسول الله والناس؟! ألم يكونوا على ارتباط بالأعداء؟! هؤلاء هم الذين كانوا يقفون في الصفّ الأوّل من صلاة الجماعة خلف النبيّ، ظاهرهم بين الناس هكذا كان، بنوا مسجدًا يدعى مسجد ضرارٍ واجتمعوا فيه۱، كانوا يجتمعون ولكن هل كانوا يتحدّثون عن الله؟! هل كان حديثهم عن طاعة رسول الله؟! هل كان الحديث عن العمل بأهداف النبيّ؟! هل كان عن تطبيق أوامر رسول الله على النفس؟! هل كان الحديث عن ذلك؟! ﴿وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسۡجِدٗا ضِرَارٗا وَكُفۡرٗا وَتَفۡرِيقَۢا بَيۡنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَإِرۡصَادٗا لِّمَنۡ حَارَبَ ٱللَهَ وَرَسُولَهُۥ مِن قَبۡلُ وَلَيَحۡلِفُنَّ إِنۡ أَرَدۡنَآ إِلَّا ٱلۡحُسۡنَىٰ وَٱللَهُ يَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ﴾.٢

    1. راجع تفسیر القمي، ج ١، ص ٣٠٥.
    2. سورة التوبة (٩)الأیة ١٠٧. 

البصيرة ميزة دعوة النبيّ وأتباعه - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۱ هـ

13
  • كانوا يمشون بين المؤمنين بالفرقة والشبهة، فينسبون إلى رسول الله ما لا صلة له به، فيضعفون بذلك مكانة النبيّ بين الناس، وكانوا يضعفون دين بعض الناس ممّن لم يكن لهم اطّلاع كاف على الأمور ﴿وَتَفۡرِيقَۢا بَيۡنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ كانوا يفرّقون بين المؤمنين ﴿وَإِرۡصَادٗا لِّمَنۡ حَارَبَ ٱللَهَ وَرَسُولَهُۥ مِن قَبۡلُ﴾ كان مكانًا للذين حاربوا النبيّ فيما سبق ﴿وَلَيَحۡلِفُنَّ إِنۡ أَرَدۡنَآ إِلَّا ٱلۡحُسۡنَىٰ﴾ إذا جاؤوا إلى النبيّ وسائر الأصحاب كانوا يحلفون بأنّ عملنا عمل جيّد وجميل، فنحن نقوم به من أجل الله، هذه الجلسات التي لدينا هي لأجل الله، هذه الجلسات التي لدينا هي جلسات ذكر، وفي هذه الجلسات التي لدينا ندعو إلى الله ﴿وَٱللَهُ يَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ﴾ فجلوسهم وقيامهم لأجل حرف الناس عن الله، وحركتهم هي لأجل انحراف الناس. ﴿وَلَيَحۡلِفُنَّ إِنۡ أَرَدۡنَآ إِلَّا ٱلۡحُسۡنَىٰ﴾ يأتون ويقسمون أنّنا في خدمة الإسلام بكامل وجودنا، في الطريق إلى الله بكامل وجودنا وندعو إلى الله ونحن في خدمتكم بكامل وجودنا ﴿وَٱللَهُ يَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ﴾ والله إنّ هؤلاء كاذبون، إنّهم يعقدون هذه المجالس لأجل التفريق لا لأجل الطاعة والاتّباع. غايتهم من هذه المجالس التفريق بين المؤمنين، إيجاد ثلمة بين صفوفهم، إيجاد تباعد بين الأفراد وتفريق وحدة الكلمة تلك ويريدون أن يقضوا على وحدة الكملة تلك. يريدون بواسطة ميولهم النفسيّة أن يوجدوا الشكّ والتفرقة والانقسام والفئويّة بين الناس وبين المؤمنين وبين أصحاب النفوس الطاهرة، فمسير هؤلاء هو مسير الشيطان، وطريقهم طريق الإضلال والضلالة والإغواء والغواية ﴿وَلَيَحۡلِفُنَّ إِنۡ أَرَدۡنَآ إِلَّا ٱلۡحُسۡنَىٰ﴾ يحلفون إنّ عملنا عمل جميل وفعلنا جيّد. 

  • ثمّ يقول الله للنبيّ: ﴿لَا تَقُمۡ فِيهِ أَبَدٗا﴾؛۱ عليك أيّها النبيّ أن لا تشارك في هذا المسجد وفي هذه الجلسات! الجلسات التي لا يراد منها الذكر، بل هي للتفرقة وعدم وحدة الكلمة، الانفصال بين المؤمنين وإيجاد الفتنة بين الناس وتشويش القلوب وإلقاء التشويش والاضطراب بين الناس ﴿لَا تَقُمۡ فِيهِ أَبَدٗا﴾ فالله يقول لا تتردّد على هؤلاء الناس واجعل حياتك مستقلّة عن حياتهم، واعلم أنّ هؤلاء الناس يخادعونك، يغشّونك، يفسدونك، يفسدون اعتقادك الصحيح ويشوّشون عقيدتك الصحيحة. فافصل بين حسابك وحسابهم ومسيرك ومسيرهم، فهؤلاء منافقون نفذوا بين أتباعك وأصحابك وسبّبوا فساد القلوب وتشويش الأذهان ويتخيّلون أنّنا لا نعلم! 

    1. سورة التوبة (٩) الآیة ١٠٨.

البصيرة ميزة دعوة النبيّ وأتباعه - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۱ هـ

14
  • ﴿لَا تَقُمۡ فِيهِ أَبَدٗا لَّمَسۡجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقۡوَىٰ مِنۡ أَوَّلِ يَوۡمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٞ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَٱللَهُ يُحِبُّ ٱلۡمُطَّهِّرِينَ﴾.۱

  • المسجد الذي قام أساسه على التقوى، لا على إيجاد الانقسام والنفاق، المسجد الذي أساسه الدعوة إلى الله والخلوص والاجتماع، لا على أساس التحزّب والتعصّب والحزبيّة، ففي هذا المسجد فلتقم، وفي هذا المكان فلتحضر، ومع هؤلاء الناس فلتقم ولتقعد، لا الذين يدعون إلى التفرقة والانفصال ولا الذين إذا وصلوا إلى الإنسان يجعلون أنفسهم تحت اختياره وتحت أوامره بلسان عذب وكلام فصيح وبليغ، فإذا خرجوا من عنده بدأوا بتشويش الأذهان وتخريب القلوب وتخريب النفوس. يا رسول الله، ابتعد بطريقك عن هؤلاء!

  • تلك الحسينيّة التي فيها ذكر الإمام الحسين ولأجل تشويش القلوب والتفرقة ليست حسينيّة! ومجلس الإحياء الذي هو لأجل التفرقة هو دعوة إلى الشيطان، وتلك المجالس التي يرتفع منها نداء التفريق هي مجالس كفر ومجالس ضلال ومجالس شيطان، وينبغي أن يكون الطريق مستقلاًّ عنهم. 

  • ﴿لَّمَسۡجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقۡوَىٰ مِنۡ أَوَّلِ يَوۡمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ﴾ اذهب إلى مسجد يرتفع منه نداء التوحيد، لا نداء الاثنينيّة والانفصال والتفرقة، شارك في ذلك المسجد، واذهب إلى مجلس فيه نداء التوحيد ويرفع النقائص بدلاً من أن يوجد النقص والخلل. ﴿أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ﴾؛ يا رسول الله عليك أن تشارك في هذه المجالس ويجب أن يكون تواصلك مع هؤلاء الناس. 

  • ﴿فِيهِ رِجَالٞ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَٱللَهُ يُحِبُّ ٱلۡمُطَّهِّرِينَ﴾؛ في هذه المجالس أفراد يريدون أن يتطهّروا ويخرجوا من عالم النفس، لا أن يغوصوا فيها أكثر فأكثر ويعيشوا الأهواء أكثر فأكثر. مجالس يدعى فيها إلى الواقع يدعى فيها إلى الحقّ، يدعى فيها إلى التوحيد، يدعى فيها إلى الخروج من النفس، لا أن تكون مجالس تحقّق فيها تلك الأهداف تحت غطاء زيارة سيّد الشهداء وإحياء الذكر والعلم ومجالس أخرى وعناوين خادعة ومحبّبة ومرغوبة، فهذه مجالس يجب أن لا تقصد، بل يجب أن يقصد مكان ﴿فِيهِ رِجَالٞ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ﴾ ويتخلّصوا من ظلمات النفس ومن الكدورات، يريدون أن ينحّوا الاثنينيّة جانبًا وأن يحقّقوا في أنفسهم تلك الوحدة النوعيّة الإنسانيّة. هؤلاء قوم [في مكان] ﴿أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ﴾، يا رسول الله هؤلاء يليقون أن تكون معهم ﴿وَٱللَهُ يُحِبُّ ٱلۡمُطَّهِّرِينَ﴾ الذين يطلبون الطهارة ويبحثون عن الطهارة و النزاهة، لا يبحثون عن الأنانيّة والتفرعن والدعوة إلى النفس وصرف الناس عن ذلك الاجتماع وتلك الوحدة. لها ظاهر جميل جدًّا، الظاهر ظاهر إلهيّ، الدعوة إلى الله، الدعوة إلى النبيّ، الدعوة إلى الرسالة، الدعوة إلى القواعد والأصول، الدعوة إلى المعتقدات، ولكن علينا أن ننظر ماذا في باطنه؟ ما هو الهدف الكامن وراء هذا النقاب؟ 

    1. سورة التوبة (٩) الآیة ١٠٨.

البصيرة ميزة دعوة النبيّ وأتباعه - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۱ هـ

15
  • سبب نزول سأل سائل بعذاب واقع وقصّة الفهريّ

  • لقد كان المنافقون في زمان رسول الله يتوقّعون من الدسائس التي يقومون بها أن تصبح الأمور في أيديهم بعد رسول الله. يقول الإمام الصادق عليه السلام حول النعمان الفهري والذي نزلت في حقّه آية ﴿سَأَلَ سَآئِلُۢ بِعَذَابٖ وَاقِعٖ﴾۱ من القرآن على ما جاء في مجمع البيان: 

  • لما كان رسول الله بغدير خمّ، نادى الناس، فاجتمعوا، فأخذ بِيَدِ عليّ، فقال: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ. فشاع ذلك، و طار في البلاد، فبلغ الحرث بن النعمان الفَهريّ، فأتى رسول الله صلّى الله عليه و آله على ناقة له، حتّى أتى الأبطح، فنزل عن ناقته، فأناخها، فقال: يا مُحَمَّد! أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلّا الله، و أنّك رسول الله! فقبلناه! و أمرتنا أن نصلي خمساً، فقبلناه منك! و أمرتنا بالزكاة، فقبلنا! و أمرتنا أن نصوم شهرًا، فقبلنا! ثمّ لم ترض بهذا حتّى رفعت بضبعي ابن عمّك ففضّلته علينا، و قلت: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ.

  • فهذا شي‌ء منك، أم من الله عزّ و جلّ؟!

  • فقال‌[النبيّ]: والذي لا إله إلّا هو إنّ هذا من الله!

  • فولّى الحرث بن النعمان يريد راحلته و هو يقول: اللهُمَّ إنّ كَانَ مَا يَقُولُ مُحَمَّد حَقًّا فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَليم‌٢ 

  • فما وصل إليها حتّى رماه الله تعالى بحجر فسقط على هامته، و خرج من دُبُره، و قتله؛ وأنزل الله عزّ و جلّ: سَألَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ٣ الآيات. ٤

  • فهو مستعدّ أن يموت ويقف في وجه الحقّ! مستعدّ أن يزال من الوجود دون أن يسلّم إلى الحقّ! 

  • لماذا يكون هكذا؟! ما هو الأعزّ من وجودنا؟! لماذا لا نقدّر هذا الوجود؟! لماذا لا نقدّر هذا الاستعداد وهذه السعة التي وهبنا الله؟ 

  • لقد كان جميع هؤلاء حول رسول الله والله يعلم كم كان النبيّ يتأذّى منهم! إن لم ترد أن تقبل ولم ترد أن تسلّم فلا تأت من البداية، لم يرسل إليك أحد بدعوة خاصّة ولم يرسل إليك أحد رسالة يلتمس منك أن تأتي! تأتي وتظهر نفسك على أنّك متلبّس ومتزيّن ومن الأوفياء والتابعين والسالكين في هذا الطريق ثمّ تشرع بالمخالفة والتشويش! 

    1. سورة المعارج (٧٠) الآیة ١. 
    2. سورة الأنفال (۸)، الآية ٣٢. 
    3. سورة المعارج (۷۰) الآية ۱. 
    4. مجمع البیان، ج ١٠، ص ٥٣٠، معرفة الإمام ج۷، ص ۷٦؛ ج٩ ص ۱۰۱. 

البصيرة ميزة دعوة النبيّ وأتباعه - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۱ هـ

16
  • ﴿إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ﴾.۱

  • يا نساء النبيّ اللواتي يقمن بالنفاق والتشويش ويسبّبن الاختلاف في وحدة كلمة المسلمين اعلمن أنّكنّ إن رجعتنّ وتبتنّ ورجعتنّ إلى الله فإنّ قلوبكنّ ستكون طاهرة، وإلا فاعلمن أنّكنّ إن لم تقمن بذلك فإنّ طريق الله لن يتعطّل وهو مستمرّ في حاله، ولن ينتظر اثنين أو ثلاثة أو بضعة من المنافقين، فإن أردتنّ أن تخالفن رسول الله فإنّ مولاه هو الله وجبرائيل وصالح المؤمنين الذي هو أمير المؤمنين. 

  • فهذا واحد من الطرق. وأمّا الطريق الصحيح والطريق الذي بيّنه النبيّ فما هو؟ 

  • ﴿قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ﴾؛٢ يا رسول الله قل هذا الطريق طريقي، ﴿أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ﴾؛٣ فما هو هذا الطريق؟ إنّه طريق النبيّ وطريق الأئمّة عليهم السلام والذي هو طريق ﴿عَلَىٰ بَصِيرَةٍ﴾.

  • ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا﴾.٤ 

  • تعلّقوا بحبل الله، وتمسّكوا بولاية عليّ عليه السلام ومولى الموحّدين، فعمّ تبحثون بعد ذلك؟ وماذا تطلبون بعد ذلك؟! أنتم إذ اهتديتم إلى ولاية أمير المؤمنين عليه السلام واتّضح لكم الطريق فعن ماذا تريدون أن تبحثوا بعد ذلك؟! تذكّروا دائمًا النعمة الإلهيّة، إذ كان كلّ منّا في طريق، كلّ منّا يسير على سليقة خاصّة، ولكلّ منّا مسير خاصّ، حين كانت الاثنينيّة والبينونة والانفصال حاكمة علينا وكانت النفس والأهواء النفسيّة تشكّل كامل حياتنا، فجاء رسول الله ونحّى كلّ ذلك جانبًا وأبعد جميع الأمور النفسيّة والأهواء جانبًا وقال: هلمّوا واجتمعوا! العالم والجاهل والضعيف والغني والداني والعالي تعالوا جميعًا إلى مائدة واحدة، فالله واحد، إلهكم هو إلهي أنا أيضًا، وإلهي هو إلهكم أنتم أيضًا، القرآن واحد، الكعبة واحدة، وهذه الأمور التي جاءت من قبل الله انسبوها إليه، ولا تنسبوها إلى أنفسكم، وهذه الامتيازات أرجعوها إلى الأصل ولا تنسبوها إلى أنفسكم، فإذا أرجعت إلى الأصل، صارت الوحدة حاكمة. صاحب الثروة ثروته من الله، فالإنسان فقير إذن، والعالم علمه من الله، فالإنسان جاهل إذن، والرئيس رئاسته من الله: ﴿قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ﴾.٥

    1. سورة التحریم (٦٦) آلآیة ٤.
    2. سورة یوسف (١٢) الآیة ١٠٨.
    3. سورة یوسف (١٢) آلآیة ١٠٨.
    4. سورة آل‌عمران (٣) الآیة ١٠٣. 
    5. سورة آل‌ عمران (٣) الآیة ٢٦. 

البصيرة ميزة دعوة النبيّ وأتباعه - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۱ هـ

17
  • فالملك من عند الله، والإنسان عبد إذن، فإذا تنحّى كلّ ذلك جانبًا صار الإنسان عبدًا، كما يبيّن أمير المؤمنين عليه السلام: 

  • مولاي يا مولاي أنت الكبير وأنا الصغير... مولاي يا مولاي أنت الغنيّ وأنا الفقير... مولاي يا مولاي أنت المولى وأنا العبد... ۱

  • حبل الله هو حبل ولاية أمير المؤمنين

  • فجميع هذه الشوائب وجميع هذه الأمور تتنحّى جانبًا وتحلّ الوحدة، هذا هو حبل الله. فحبل الله هو عبارة عن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام، فهو نفسه يقول: 

  • فَإنّكم لَو قد عایَنتُمْ ما قَد عایَنَ مَن ماتَ مِنكم لَجَزِعتُم و وَهِلتُم و سَمِعتُم و أَطَعتُم؛ وَلكنْ مَحجوبٌ عَنكم ما قَد عایَنُوا و قَریبٌ ما یُطرَحُ الْحِجابُ.٢

  • أقسم بالله لو أنّكم رأيتم ما رآه الأموات منكم والذين ودّعوا الدار الفانية قبلكم ووصلوا في الدار الباقية إلى المشاهدات، لفزعتم ولما اطمأنّيتم لحظة واحدة ولأصغيتم إلى كلامي وعملتم به، ولكن هذا الأمر محجوب عنكم وهذه المعاينة محجوبة عنكم ولكن عن قريب سترون ما رأوا. 

  • قصّة الحارث الهمداني وبشارة أمير المؤمنين له وللشيعة

  • ولابن أبي الحديد في شرح هذه الفقرة بيان رائع يقول: 

  • و يمكن أن يعني به ما كان عليه السلام يقوله عن نفسه إنه لا يموت ميّت حتّى يشاهده عليه السلام حاضرًا عنده، والشيعة تذهب إلى هذا القول و تعتقده...٣ وهو لم يردّ هذا القول یقول٤

  • ذهب أمير المؤمنين٥ لعيادة الحارث الهمداني وكان مريضًا فرآه مضطربًا جدًّا وعليلاً في الفراش يغلب عليه الجزع والفزع، فقال له الإمام: ماذا جرى يا حارث؟ لماذا أنت على هذه الحال من الأذى؟ لماذا أنت جزع فزع؟! 

  • فقال: يا أمير المؤمنين إنّي راحل عن الدنيا وأرى نفسي صفر اليدين، لم أعمل عملاً، قضيت عمري بالبطالة، فماذا أصنع؟ فقال له: أتحبّني؟ 

  • فقال: نعم أحبّك. 

  • فقال له أمير المؤمنين: فلا تقلق إذن، لا تقلق، من كان مواليًا لنا آخذًا بحبل الله الذي هو ولايتنا فأنا أنجّيه يوم القيامة من جهنّم وأجعله في الجنّة .٦ 

  • قَولُ عَلیٍّ لِحارثٍ عَجَبٌ***كم ثَمَّ أُعجوبَةٍ لَهُ حَمَلا
    1. المزار الکبیر، ابن‌ المشهدي، ص ١٧٤ ـ ١٧٦، مناجات أمیرالمؤمنین علیه السلام في مسجد الکوفة.
    2. نهج البلاغة (صبحی صالح)، ص ٦٢.
    3. شرح نهج البلاغة، ج ١، ص ٢٩٩.
    4. لقد أشار ابن أبي الحديد إلى هذه الحادثة إشارة ونسب إلى الشيعة أنّهم ينسبون إلى أمير المؤمنين ذلك الشعر الذي هو للحميري نظمه في هذه الحادثة، وذكر سماحة السيّد الحادثة من مصادر أخرى، ولا يخفى أنّه عبّر عنها بأسلوبه الخاصّ بما يقتضيه مقام المحاضرة جامعًا بين مضامين الروايات والتي ذكرت في الهامش التالي. (م) 
    5. في المصادر أنّ الحارث دخل على أمير المؤمنين عليه السلام وكان الحارث مريضًا.
    6. في البحار ج٢۷ ص ۱٥۷ عن أمالي الطوسي: عن الحارث الهمداني قال: دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: ما جاء بك؟ فقلت: حبي لك يا أمير المؤمنين، فقال: يا حارث أتحبني؟ فقلت: نعم والله يا أمير المؤمنين، قال: أما لو بلغت نفسك الحلقوم رأيتني حيث تحب، ولو رأيتني وأنا أذود الرجال عن الحوض ذود غريبة الإبل لرأيتني حيث تحب، ولو رأيتني وأنا مار على الصراط بلواء الحمد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله لرأيتني حيث تحب. 
      وفيه البحار أيضًا ج۷ ص ۱۷۸ عن مجالس المفيد: دخل الحارث الهمداني على أمير المؤمنين علي عليه السلام في نفر من الشيعة وكنت فيهم، فجعل الحارث يتئد في مشيته ويخبط الأرض بمحجنه وكان مريضا، فأقبل عليه أمير المؤمنين عليه السلام - وكانت له منه منزلة - فقال: كيف تجدك يا حارث؟ فقال: نال الدهر يا أمير المؤمنين مني، وزادني أوبا غليلا اختصام أصحابك ببابك، قال: وفيم خصومتهم؟
      قال: فيك وفي الثلاثة من قبلك، فمن مفرط منهم غال، ومقتصد تال، ومن متردد مرتاب، لا يدري أيقدم أم يحجم؟! فقال: حسبك يا أخا همدان، ألا إن خير شيعتي النمط الأوسط، إليهم يرجع الغالي، وبهم يلحق التالي، فقال له الحارث: لو كشفت - فداك أبي وأمي - الرين عن قلوبنا وجعلتنا في ذلك على بصيرة من أمرنا، قال: قدك فإنك امرؤ ملبوس عليك، إن دين الله لا يعرف بالرجال بل بآية الحق، فاعرف الحق تعرف أهله.
      يا حارث إن الحق أحسن الحديث والصادع به مجاهد، وبالحق أخبرك فارعني سمعك، ثم خبر به من كانت له حصانة من أصحابك، ألا إني عبد الله، وأخو رسوله، وصديقه الأول قد صدقته وآدم بين الروح والجسد، ثم إني صديقة الأول في أمتكم حقا فنحن الأولون، ونحن الآخرون، ونحن خاصته يا حارث وخالصته وأنا صفوه ووصيه ووليه، وصاحب نجواه وسره، أوتيت فهم الكتاب، وفصل الخطاب وعلم القرون والأسباب، واستودعت ألف مفتاح يفتح كل مفتاح ألف باب، يفضي كل باب إلى ألف عهد، وأيدت واتخذت وأمددت بليلة القدر نفلا، وإن ذلك ليجري لي ولمن تحفظ من ذريتي ما جرى الليل والنهار حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وأبشرك يا حارث لتعرفني عند الممات، وعند الصراط، وعند الحوض، وعند المقاسمة.
      قال الحارث، وما المقاسمة؟ قال: مقاسمة النار أقاسمها قسمة صحيحة، أقول:
      هذا وليي فاتركيه، وهذا عدوي فخذيه. ثم أخذ أمير المؤمنين عليه السلام بيد الحارث فقال:
      يا حارث أخذت بيدك كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيدي، فقال لي - وقد شكوت إليه حسد قريش والمنافقين لي -: إنه إذا كان يوم القيامة أخذت بحبل الله وبحجزته - يعني عصمته - من ذي العرش تعالى، وأخذت أنت يا علي بحجزتي، وأخذ ذريتك بحجزتك وأخذ شيعتكم بحجزكم، فماذا يصنع الله بنبيه؟ وما يصنع نبيه بوصيه؟ خذها إليك يا حارث قصيرة من طويلة، أنت مع من أحببت ولك ما اكتسبت - يقولها ثلاثا - فقام الحارث يجر رداءه ويقول: ما أبالي بعدها متى لقيت الموت أو لقيني.

البصيرة ميزة دعوة النبيّ وأتباعه - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۱ هـ

18
  • يا حار همدان من يمت يرني***من مؤمن أو منافق قبلا
  • يا حارث الهمداني، سيراني كلّ من يومت سواء كان مؤمنًا أم منافقًا شيعيًّا أم كافرًا. 

  • يعرفني طرفه و أعرفه***بعينه و اسمه و ما فعلا
  • إنّه يظهر أمامي بكامل خصوصيّاته، وكلّ لحظاته منقوشة أمام ناظريّ، وأعرفه بجميع مزاياه باسمه وصفاته وأعماله وجميع ما قام به في الدنيا. 

  • و أنتَ عنـدَ الصـِراط تَعـرِفُنی***‌فَلا تَخَفْ عَثرَةً و لا زَلَلا۱
  • يا حارث أنت تعرفني عند الصراط (وجميع المؤمنين يعرفون أمير المؤمنين عند الصراط سواء كانوا كافرين أو غير كافرين، سواء كانوا منافقين أم غير منافقين)، فلا تخف من السقوط فأنا معك. 

  • فالصراط الذي يكون أمير المؤمنين مرافقًا فيه ليس صراطًا، ولا يخاف منه. فأمير المؤمنين هو نفسه خالق الصراط، أمير المؤمنين عليه السلام هو نفسه الجنّة والنار، أمير المؤمنين عليه السلام هو نفسه قسيم الجنّة والنار، فكيف يخاف من كان أمير المؤمنين معه؟! 

  • أقولُ لِلنّارِ حینَ تُوقَفُ***لِلْعَرضِ دَعیهِ لا تَقرَبِی الرَّجُلا٢
  • عندما تكون أنت في مقام العرض على الله أنا أخاطب النار أن دعيه، إنّه من شيعتي، لا تقربيه. 

  • دَعیهِ لا تَقرَبیهِ إنّ لَهُ***حَبلًا بِحَبلِ الوَصیِّ متّصلا٣
  • اتركيه فإنّ حبله متّصل بحبل الوصيّ. هذه هي المسألة. 

  • حالنا بعد شهر رمضان وأدعية العيد

  • لقد انقضى شهر الصيام شهر رمضان شهر العبادة وقد صمنا، رغم أنّا لا يمكننا أن نقدّم ما يجب أن يقدّم بين يدي الله، وليس في أيدينا شيء سوى العجز عن العبادة والفقر والعدم والاحتياج، ولكن رغم ذلك لدينا أمل بالله وبلطفه، ونطلب من الله أن تكون عيديّتنا اليوم الاتّصال بحبل الوصاية. 

  • كنّا نقرأ اليوم في دعاء القنوت أن اللهم إنّا نسألك ونطلب منك أن تدخلنا في كلّ خير قدّرته وأدخلت فيه أئمّتك وأولياءك. 

  • أن تدخلني في كلّ خير أدخلت فيه محمّدًا وآل محمّد 

  • المسألة رفيعة جدًّا: كلّ خير أدخلت فيه محمّدًا وآل محمّد ليست بالأمر البسيط والقليل. فالإمام لا يقول: اللهم ارزقنا خيرًا، اللهمّ اجعلنا سعداء، اجعل الفلاح والنجاح من نصيبنا، كلاّ يقول: أيّها الناس ارفعوا هممكم، فالمعطي هو شيء آخر، وهذه العطايا تأتي من ناحية أخرى! فلماذا نحن نجعل همّتنا دانية؟! أرفع همّة هي أن يعطينا الله ذلك الخير الذي أعطاه لمحمّد وآل محمّد. 

    1. في المصدر: 
      و أنت يا حار إن تمت ترني***فلا تخف عثرة و لا زللا
    2. في شرح ابن أبي الحديد: 
      أقول للنار و هي توقد للعرض***ذريه لا تقربي الرجلا
    3. الأمالی، شیخ مفید، ص ٧.

البصيرة ميزة دعوة النبيّ وأتباعه - خطبة عيد الفطر لعام ۱٤۲۱ هـ

19
  • وأخرجنا يا ألله من كلّ سوء في أيّ مرتبة من مراتب الوجود، في عالم الظاهر، سوء الظاهر، وسوء الباطن، الحجاب، الحجاب الظلماني، الحجاب النوراني، كلّ ما سلبته عن النبيّ الأكرم وأهل البيت وبرّأتهم وطهّرتهم منه فأوصلت نفوسهم وأسرارهم إلى الطهارة المطلقة، [طهّرنا وبرّئنا منه] وأوصلنا نحن أيضًا إلى تلك المرتبة. 

  • ثمّ: 

  • اللهمّ إنّي أسألك خير ما سألك عبادك الصالحون. 

  • وأعوذ بك ممّا استعاذ منه عبادك المخلصون. ۱

  • لتعجيل فرج إمام الزمان عليه السلام وإلى أرواح شيعة أمير المؤمنين عليه السلام الذين فارقوا هذه الدار الفانية وتشرّفوا بدار البقاء صلّوا على محمّد وآل محمّد ثلاثًا. 

  •  

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد.

    1. إقبال الأعمال، ج ١، ص ٢٨٩.