9

محوريّة العقل في السير والسلوك

المحور الأهمّ في العبادة والقرب من الله

39
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمالمرأة والأسرة

المجموعةالمرأة والأسرة - طهران

التاريخ 1421/11/30

جلسات المجموعة(8 جلسة)

التوضيح

ما هي مكانة العقل في عمليّة السلوك إلى الله عزّ وجلّ؟ وهل من ضرورة للعقل المتّصل بالغيب في تولّي المسؤوليّات الاجتماعيّة؟ ولماذا لا يجوز التعويل على المكاشفات والمنامات في عالم العرفان؟ وما أهمّيّة مراعاة الدقّة والإتقان في التعلّم والعمل؟ ومتى يشكّل العلم الظاهري خطرًا على الإنسان؟
سعت هذه المحاضرة للإجابة على هذه الأسئلة من خلال الحديث الشريف: «يا علي إذا تقرّب العباد إلى خالقهم بالبرّ فتقرّب إليه بالعقل تسبقهم».

/۲۳
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

محوريّة العقل في السير والسلوك - المحور الأهمّ في العبادة والقرب من الله

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • محوريّة العقل في السير والسلوك 

  • المحور الأهمّ في العبادة والقرب من الله

  •  

  • المرأة والأسرة - طهران - الجلسة التاسعة 

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

محوريّة العقل في السير والسلوك - المحور الأهمّ في العبادة والقرب من الله

2
  •  

  •  

  • أعوذُ باللَهِ من الشيطانِ الرجيم

  • بسمِ اللَهِ الرحمنِ الرحيم

  • والصلاةُ والسلامُ على سيّدنا ونبيّنا 

  • وحبيبِ قلوبنا وطبيبِ نفوسنا أبي القاسمِ محمّدٍ 

  • صلّى الله عليه وآله اللَّهُمَّ صلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّدٍ 

  • وعلى آلهِ الطيّبينَ الطّاهرينَ، لا سيّما بقيّةِ اللهِ في الأرضينَ عليه السلام

  • أرواحُنا لِتُرابِ مَقدمِهِ الفِداء ولعنةُ اللهِ على أعدائِهم أجمعين.

  •  

  •  

  • وأنا في طريقي إلى هنا، فكّرتُ وقلتُ في نفسي: ما هو الموضوع الذي سأتكلّم به مع الأصدقاء؟ فقلت: لو كان هذا المجلس مجلسَ سؤالٍ وجوابٍ، فلعلّه سيكون أفضل، فليُطرَح سؤالٌ في أيّ مجالٍ كان؛ سواءٌ كان ذلك في المجال العائليّ أو السلوكيّ أو العلميّ - عدا المسائل الفقهيّة بالطبع؛ فالبحثُ عن تلك المسائل إنّما هو في مكانٍ آخر - بل حتّى وإن كانت المسألة التي يُسأل عنها فقهيّةً ولكن هي من تلك المسائل التي يعاني منها عامّة الناس. فعلى أيّة حال، ما دام لدينا الوقت اللازم، فليتمّ طرح مسألةٍ أو أيّة مشكلةٍ عالقةٍ في الذهن، ليتمّ الحديث عنها بشكلٍ شفّاف.

  • ولكن وقبل البدء بطرح الأسئلة والإجابة عليها، أرى من المناسب أن أتكلّم لعدّة دقائق عن ملاك العقل وعن المِلاك الذي تتّبعه سائر الفِرَق والمدارس.

  • أهمّيّة العقل في تحصيل القرب من الله عزّ وجلّ

  • قال النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام: «يَا عَلِيُّ إِذَا رَأَيْتَ النَّاسَ يَتَقَرَّبُونَ إِلَى خَالِقِهِمْ بِأَنْوَاعِ الْبِرِّ فَتَقَرَّبْ إِلَيْهِ أَنْتَ بِأَنْوَاعِ الْعَقْلِ تَسْبِقْهُمْ».۱

  • أي: إذا رأيتَ الناسَ تطلبُ القربَ إلى الله بأنواع الأعمال الظاهريّة من قبيل النوافل والأعمال المستحبّة والعبادات والإنفاق، فتقرّب إليه أنتَ بواسطة عقلك واطوِ الطريق إليه بالعقل، تَسبِقْهُم.

  • لمّا كان العملُ الذي يقوم به الإنسانُ من حيث الصحّة والبطلان، ومن حيث كونه ذا قيمةٍ أو لا، إنّما يكون تابعًا لنيّة الإنسان وهدفه من القيام به؛ أي: قد يقوم أحدهم بعملٍ لا تكون النيّةُ من وراء القيام به نيّةً صالحةً مع كون العمل عملًا مناسبًا من حيث الظاهر، فسوف لن يكون لمثل هذا العمل أيّةُ قيمةٍ لدى الله، ولا يكون له وزنٌ عند ملائكته؛ وذلك لكون الباطن باطنًا غير صحيح، بل هو باطنٌ مَعيب. فبناءً على هذا، سيكون العمل الذي يقوم به الإنسانُ مقرِّبًا إلى الله متى ما كان متطابقًا مع الموازين.

    1. بحار الأنوار، ج ۱، ص ٢۰۷ - مع اختلاف يسير.

محوريّة العقل في السير والسلوك - المحور الأهمّ في العبادة والقرب من الله

3
  • ترى كيف أنَّ لبعض الناس صيتًا وشهرةً ومظهرًا جذّابًا جدًا، ويتردّد الناس عليهم، كما أنَّ سمعتهم بين الناس سمعةٌ جيّدةٌ جدًا، والناسُ تنظر إليهم بإعجابٍ وتقول: كم أنَّ هذا الإنسان نشطٌ؟ وكم هو فعّالٌ في عمله؟ وكم يبذل من جهدٍ؟ وكم يضحّي براحته من أجل الناس؟! فها قد وضع بيته وكلّ ما يملك من إمكاناتٍ تحت تصرّف عامّة الناس، غير أنَّه من الممكن أن لا يكون باطنه وحقيقته ونفسه متطابقًا مع ظاهر العمل الذي يقوم به. إنَّ الأمر المهمّ الذي يجب على الإنسان أن يعرفه في مثل هذه الحالات هو المِلاك الذي يبتني عليه عمل الإنسان، فما هو المِلاك الذي يعمل على أساسه هذا الإنسان؟ هل أنَّه قد أدرك كُنه المسألة؟ وهل لديه القابليّة على الإشراف على كافّة الزوايا أم لا؟

  • ثورة المشروطة والدروس المستفادة منها

  • لاحظوا كيف أنَّ ما حصل في ثورة المشروطة هو أمرٌ مهمٌّ جدًا؛ فقد شارك فيها الكبار من رجال الشيعة وفقهائهم ومراجعهم من أمثال الآخوند الخراساني رحمه الله والآخوند الملاّ صالح المازندراني رحمه الله وكذلك الشيخ فضل الله النوري رحمه الله في بداية الأمر، فقد شاركوا في أحداث المشروطة وكانوا يُشرفون على أحداثها ويتابعونها. غير أنَّ السؤال المطروح هنا هو: هل كان لدى هؤلاء الناس المشاركين فيها الرؤية والبصيرة الكافية والكفيلة بمعرفة الأهداف التي كان يُراد تنفيذها من وراء إيجاد هذه القضيّة؟ هل كانوا يعرفون ذلك؟ وهل كانوا يستشعرون بأنَّ الأيادي التي كانت تُدير تلك الأحداث هي أيادٍ استعماريّة، وهي التي أوجدتها؟ وأنَّ الأحداث كانت تُنفَّذ وفقًا لبرنامجٍ محسوبٍ وكان مبنيّاً على أساسٍ دينيٍّ بشكلٍ عجيبٍ جدًا؟

  • إنَّ كافّة البرامج التي كانت تُنفَّذ من أجل استغفال الناس في أحداث المشروطة، هي برامج دينيّة. إنَّ ما كان يحصل من ظلمٍ، فهو أمرٌ واضح، وإنَّ ضرورة تحقيق العدل هو أمرٌ بيّنٌ أيضًا، وما كان يحصل من تعدٍّ على حقوق الناس من قِبَل الحكّام القاجاريّين هو واضحٌ وبيّن، ولكنّ السؤال أنّه مَنْ هو الذي يحترق قلبه لأجل الشعب الإيرانيّ؟ هل هم الإنجليز؟ هل هم الروس؟ لو مضى الوضع على ما هو عليه لألف سنةٍ لما احترقت قلوبهم لذلك! ومن تكونون كي تأتوا وتقرّروا مصير إيران وشعبها؟ إن كان الحكّام القاجاريّين يظلمون الناس، فما هي علاقتكم أنتم بذلك؟

محوريّة العقل في السير والسلوك - المحور الأهمّ في العبادة والقرب من الله

4
  • إنَّ عباد الله أولئك ورغم ما كانوا يمتلكونه من ذخيرةٍ علميّة، ورغم ما لديهم من إمكانات، ومع ما كانوا يتمتّعون به من مكانةٍ اجتماعيّة، لم يتنبّهوا لهذا الأمر ووقعوا في الفخّ الذي نصبه لهم الإنجليز وفي ما رسمته الأيادي الاستعماريّة، فتورّطوا وورّطوا بقيّة الناس معهم، فهل تلاحظون؟!

  • عندما نهض الناس، وتطوّرت الأمور وسارت على ما يُرام، إذا بباقر خان وستّار خان وفلان وفلان يأتون ويستلمون زمام الأمور ويحقّقون أهدافهم، ثمّ يقومون بإعدام الشيخ فضل الله النوري رحمه الله لوقوفه في وجههم، وعندها فقط تنبّه الآخوند الخراساني - وبعد فوات الأوان - إلى أنَّه قد خُدِع...

  • انخداع أكبر مراجع الشيعة بألاعيب الإنجليز

  • إنَّ الأمور كانت تسير بشكلٍ دقيقٍ وحسّاسٍ وظريفٍ بحيث تمّ خداع أكبر مرجعٍ من مراجع الشيعة؛ فالآخوند الخراساني رحمه الله كان أكبر مرجعٍ للشيعة، وقد خدعوه، وعندما انتبه - بعد أن حصل ما حصل - إلى أنَّه قد خُدِع، أعلن الجهاد ضدّ الاستعمار وتحرّك مع الناس من النجف ليذهب إلى إيران، وعند توقّفه في الكوفة دسّوا له السمّ في القهوة، وتُوفّي في اليوم التالي، فعرفوا عندها بأنَّ الخادم الذي يصنع له القهوة جاسوسٌ إنجليزيّ، فوصل إلى سُدّة الحكم تقي زاده وأمثاله وأنهوا الأمر لصالحهم.

  • فمن الذي خسر في هذا المجال؟ ومن الذي ربح؟ إنَّ الذي ربح هو مَن كان يرى بأنَّ ثمّة يدًا خفيّة وراء ما يحصل من هذه الأعمال الظاهريّة، ووراء ما يُنشر في الصحف والمقالات!

  • رأي السيّد مرتضى الكشميري رحمه الله في قضيّة المشروطة

  • سُئِل السيّد مرتضى الكشميري رحمه الله الذي كان معاصرًا لتلك الأحداث: «مع أيّ طرفٍ تقف؟ فهل أنتَ مع أتباع المشروطة؟ أم مع الداعين إلى المستبدّة؟» قال: «أنا لستُ مع هذا الطرف ولا مع ذاك»، ثمّ قال: «لقد اقتتلت مجموعةٌ من الذئاب والحيوانات مستغلّين اسم الدين، ومتّخذين من الدفاع عن الدين وعن الشعب شعارًا لهم، وها هم يسحقون الناس بعملهم هذا».

  • ضرورة اتّصال المتولّي لقيادة المجتمع بعالم الغيب

  • هل اتّضح لكم الأمر؟! لقد اتّضح جيّدًا من خلال أحداث المشروطة بأنَّ قيادة المجتمع يجب أن تكون بيد شخصٍ متّصلٍ بعالم الغيب؛ فقد اتّضح هذا الأمر بشكلٍ جيّدٍ هناك، وإلّا فبغير ذلك، فسيقع المتصدّي في مصيدة الشيطان قطعًا ومن دون أيّ شكٍّ أو شبهة، وسيُبتلى بذلك، وكما كان المرحوم العلاّمة يردّد هذا الكلام لمرّاتٍ عديدة فيقول: «إنَّ التصدّي لمثل هذه المسائل من دون الاتّكاء على إمام الزمان عليه السلام، أو الوليّ الحيّ الذي يكون تحت مظلّة إمام الزمان عليه السلام والذي يكون مشرفًا ومطّلعًا على ما يجري من أوضاعٍ وقضايا، سوف لن يجني غير الهلاك». نعم، فقد كان يكرّر هذا الكلام لمرّاتٍ عديدة. لماذا؟ ذلك لكون تشخيصنا للقضايا محدودًا؛ فهو يقع ضمن دائرةٍ محدودة، ولا يمكننا أن نطّلع على المسائل والمصالح الكليّة التي نريد أن نتحرّك ضمنها.

محوريّة العقل في السير والسلوك - المحور الأهمّ في العبادة والقرب من الله

5
  • أهمّيّة العقل في التصدّي لمكائد الشيطان

  • إنَّ الناس تنظر إلى ظواهر الأمور فقط؛ فهم ينظرون إلى ما يصدر من الإنسان من عمل، وينظرون إلى مسبحته الطويلة وإلى الآثار الظاهرة على جبينه من أثر السجود، أمّا ما يتعلّق بمقدار ما يتمتّع به من عقلٍ وفهمٍ صحيحٍ للدين، فلا اطّلاع لهم على مثل هذا الأمر، على أنَّ الشيطان يَرِدُ بكلّ دقّةٍ من هذا الطريق بالذات؛ أي إنَّه يَرِدُ من الجانب الذي يكون فيه الإنسانُ مُعرَّضًا للزَلّة والخطر والانحراف؛ نعم، إنَّه يَرِدُ من ذلك الطريق الذي يكون مفتوحًا له؛ إذ إنَّ النقطة الوحيدة التي لا يستطيع الشيطان أن يدخل منها، والتي تكون مسدودةً في وجهه هي جانب العقل.

  • علينا أن نشير هنا إلى أنَّ المقصود من العقل هو ذلك النور وتلك الهداية الباطنيّة وقوّة التشخيص التي منحها الله تعالى لكلّ عبدٍ من عباده، والتي يؤاخَذُ عليها العبدُ بذلك المقدار الذي منحه منها؛ وبحسب ما جاء في الرواية المنقولة عن المعصوم عليه السلام، فالله يُثيب الإنسان بمقدار ما منحه من عقل، ويعاتبه ويؤاخذه بنفس هذا المقدار، لا بما يمتلك من عقلٍ ظاهريّ؛ الذي هو عبارةٌ عن العقل الدنيويّ الذي يمارس بواسطته المكرَ والحيلة والخداع، فهذا ليس من العقل، بل إنَّ العقل هو عبارةٌ عن القابليّة التي يمتلكها الإنسان والتي تمكّنه من التفريق بين الحقّ والباطل.

  • فتنة الشيطان لأصحاب النبيّ صلّى الله عليه وآله

  • لقد دخل الشيطان من نفس هذا الطريق على الأصحاب الذين كانوا يحيطون بالنبيّ صلّى الله عليه وآله؛ من أولئك الذين لم يكونوا يُجيدون سوى الجلوس حول النبيّ صلّى الله عليه وآله وكتابة ما كان يقوله من كلام، وبعد ارتحال النبيّ صلّى الله عليه وآله، كان الناس يقولون عنهم بأنَّهم من أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وآله وممّن كان يكتب الحديث عنه؛ حيث كان أبو هريرة واحدًا منهم؛ فكان يحضر مجالس النبيّ صلّى الله عليه وآله، وكان يكتب عنه، الأمر الذي جعله يبدو في نظر الآخرين أنَّه موردُ اعتماد؛ فقد كان الرجل يحضر مسجد النبيّ صلّى الله عليه وآله يوميًّا، وكان يكتب كافّة خطب النبيّ صلّى الله عليه وآله، وكان ملازمًا له، فمثلُ هذا الإنسان سيكون موردَ اعتماد الناس، غير أنَّه لم يكن كذلك في واقع الأمر؛ فلم يكن سوى قلمٍ يجري على الورق، ولكن هل تعلمون ما الذي يجري في قلبه؟!

محوريّة العقل في السير والسلوك - المحور الأهمّ في العبادة والقرب من الله

6
  • ولقد جاء أبو بكرٍ مع النبيّ صلّى الله عليه وآله إلى المدينة، فقد أخذه النبيّ صلّى الله عليه وآله معه إلى الغار ثمّ إلى المدينة. إنَّ إحدى المسائل التي يتمسّك بها أهل السُنّة هي كون أبي بكرٍ صاحبَ النبيّ صلّى الله عليه وآله في الغار. إن كان هو صاحب النبيّ صلّى الله عليه وآله الذي في الغار، فأيّ دليلٍ يدلّ على أنَّه كان رجلًا صالحًا؟ يقولون: لو لم يكن صالحًا، ما كان النبيّ صلّى الله عليه وآله ليأخذه معه! أيّ دليلٍ هذا؟! هل يمكن للعقل أن يقبل بهذا الأمر كدليلٍ؟ أتلاحظون؟! فلعلّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قد أخذه معه لكي يأمن شرّه في مكّة، لماذا لا تقولون بمثل هذا الشيء؟!

  • انخداع عوامّ الناس بالمظاهر الخارجيّة

  • إنَّ هذا هو ما ابتُلينا به بعينه في فترة ما بعد المرحوم العلاّمة؛ فقد كان هنالك مظهرٌ وأحداثٌ ظاهريّة يمكن أن يعتمدها عوامّ الناس، وهي موارد تثير الانتباه، غير أنَّ تلك المسائل وعندما يتمّ عرضها على العقل وعلى المِلاك، نرى كيف أنَّها لا تصمد أمامه؛ فالأمر يدعو للتعجّب وفيه كلام، وهو محلّ بحثٍ! نعم، إنَّه محلّ بحثٍ!

  • إنَّ الناس وعندما ترى الزيّ الذي يظهر به فلانٌ من الناس، تقول بصحّة ممشاه، وعندما يرون الطريقة التي يضع فيها العمامة على رأسه أو كيفيّة لبسه للنعلين، وأسلوب تعامله مع الآخرين، يقولون: «إنَّ طريقه صحيحٌ». إنَّنا لم نسعَ يومًا لمعرفة المِلاك اللازم للاتّباع! فهل هو يتمثّل بطول اللحية وحجم العمامة؟! إن كان الأمر كذلك، فيستطيع أيّ إنسانٍ أن يُطيل لحيته، ويكبّر عمامته، ويظهر بالمظهر الذي يجلب اهتمام الناس، فترى كيف أنَّ قلوب عددٍ من الناس تنجذب نحوه وتميل إليه.

  • عدم جواز التعويل على المكاشفات والمنامات في مدرسة العلاّمة الطهراني

  • كانت بعض المسائل تُطرح من قِبَل المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه لعشرات المرّات؛ فكان يقول: «لا يمكن التعويل على المنام أو المكاشفة في طريق السلوك وفي الطريق إلى الله». لماذا؟ ذلك لكون الإنسان وبنفس الطريقة التي يستطيع فيها الاطّلاع على بعض ما يجري في عالم البرزخ والمثال والحقائق الواقعيّة، فمن الممكن في نفس هذا الوقت أن تقوم نفسه بصناعة صُوَر، وتقوم بقولبة بعض أمانيه بقالب الصُوَر وعرضها عليه، ولا بدَّ هنا من امتلاك الإنسان لما يستطيع أن يميّز به بين الحقّ والباطل، ولا بدَّ أن تكون له قوّةٌ تشخيصيّةٌ تفرّق بين الأمرين، وهو ما لا يستطيع أن يمتلكه كائنٌ مَن يكون من الناس.

محوريّة العقل في السير والسلوك - المحور الأهمّ في العبادة والقرب من الله

7
  • نموذجٌ من المكاشفات الشيطانيّة

  • رآني قبل فترةٍ أحدُ الرفقاء السابقين للمرحوم العلاّمة، وهو رجلٌ لطيف، فقال لي: «يقول فلانٌ عنّي وعنك وعن شخصٍ ثالثٍ أمرًا»، قلتُ له: «وما الذي قاله؟» قال: «قال لي: إنَّني أرى قلوب ثلاثة أشخاصٍ سوداء؛ أحدهم أحدُ أبناء المرحوم العلاّمة - ويقصدك أنت - والآخران هما أنتَ وابنُك». قلتُ له [والكلام لسماحة السيّد محسن]: «أمّا بالنسبة لي، فصحيحٌ ما يقول، ولكن لماذا أنتما أيضًا؟ فبالنسبة لي، أنا أدري بأنَّ وضعي سيّء، وأنا على اطّلاعٍ بأمر نفسي، ولكن لماذا يقول ذلك عنكما؟» أتلاحظون؟!

  • ثمّ وبعد مدّةٍ يُبتلى قائل هذا الكلام بفضيحة، دعونا منها. فما السبب وراء ذلك؟ إنَّ ذلك الإنسان وعندما قال: «إنَّني أرى قلوبهم سوداء»، فقد قال شيئًا صحيحًا ولم يكذب، فهو يراها سوداء حقًّا، ولكنّ السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل إنَّه كان يرى حقيقة الأمر، أم أنَّه كان يرى قلبه؟!

  • الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله كالمرآة

  • كان رسول الله صلّى الله عليه وآله جالسًا يومًا، فمرّ به رجلٌ وقال: «كم أنت جميلٌ يا رسول الله؟! فأنا لم أرَ في حياتي مَن هو بجمالك، إلى درجة أنّه لا يشبع أحدُنا من النظر إليك، ولا يسأم منك أحدٌ أبدًا». فقال له النبيّ صلّى الله عليه وآله: «صدقتَ». وبعد فترةٍ جاء رجلٌ آخر وقال: «لماذا أنتَ بهذا القبح يا رسول الله؟! ولماذا أنتَ كريهُ المنظر؟! ولماذا أنتَ باعثٌ على الاشمئزاز إلى هذه الدرجة؟!» فقال له النبيّ صلّى الله عليه وآله: «صدقتَ، فالأمر كما تقول».

  • بعدها سأل أحدُ الحاضرين النبيَّ صلّى الله عليه وآله عن سبب الإجابة الواحدة عن هاتين الحالتين المتفاوتتين! فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله: «لقد صدق الرجلان؛ فأنا بمثابة المرآة، والمرآة لا تعكس إلّا وجه الإنسان الذي يقف أمامها؛ فالأوّل كان قد رأى حقيقة نفسه فيَّ، فلمّا كان إنسانًا طاهرًا، رآني طاهرًا؛ نعم، لقد رأى نفسه فيَّ، فرآني جميلًا، ولمّا كان الآخر ذا نفسٍ خبيثةٍ وكَدِرة، فعندما وقع بصره عليَّ، رأى نفسه، فلمّا كنتُ صافيًا، انعكست له صورة نفسه، فرآني كريهَ المنظر، فصحيحٌ ما قال». إنَّ كليهما لم يقولا شيئًا غير الذي رأياه، فهما قد قالا ما رأياه، وكان مطابقًا للواقع، غير أنَّ الكلام في هذا وهو: أيّ النظرتين كانت متطابقةً مع واقع الأمر؟

محوريّة العقل في السير والسلوك - المحور الأهمّ في العبادة والقرب من الله

8
  • إنَّ الشيطان يَرِدُ من هذا الطريق، فيعمل على تغيير الصُوَر في نفس الإنسان، ويبدّل وضع الإنسان من مرتبةٍ إلى مرتبةٍ أخرى، ولمّا كان هذا المسكين غير قادرٍ على التمييز، فهو يتصوّر بأنَّ ما رآه هو الحقّ وهو واقع الأمر. هنا نحن بحاجةٍ إلى المِلاك والمبنى الصحيح لكي يتمّ من خلاله تقييم الموضوع الذي تمّت مشاهدته. وقد كنتُ قلتُ للأصدقاء ورفقاء الطريق لمرّاتٍ ومرّاتٍ بعدم جواز العمل بناءً على الصورة التي يرونها والشيء الذي يشاهدونه، ولا يمكن لهم الاستدلال والاحتجاج به؛ فلعلّ هذه الصورة التي تمّت مشاهدتها لم تكن صورةً رحمانيّة.

  • قصّةٌ حول ابتلاء أحد السُلّاك بالمكاشفات الشيطانيّة

  • حصلت قبل فترةٍ قضيّةٌ معيّنة، ولقد لعب فيها الشيطان دورًا عجيبًا جدًّا؛ حيث كانت صُوَر الأئمّة والخمسة أهل الكساء عليهم السلام مشهودةً فيها، وكانت الأوامر تصدر عنهم؛ حيث كان بعضها صحيحًا، والبعض الآخر منها لم يكن كذلك، فكان يتمّ تصوير بعض المسائل في ذهن ذلك الإنسان على أنَّها حقّ. عندما كان الرجل ينقل لي مشاهداته، كنتُ أنظر إليها بشكٍّ وترديد.

  • لقد نقل لي في إحدى المرّات قضيّةً ما، فقلتُ له: «إنَّ ذلك هو الشيطان»، فقال لي: «ما هو دليلك على هذا؟!» لقد كانت تلك القضيّة بالشكل التالي: فقد صُوِّر له بأنَّ أمير المؤمنين عليه السلام يقول له: «لا تقل لي يا أمير المؤمنين، بل قل: يا عليّ بن أبي طالب»، وكان يعتبر هذا الأمر من باب التواضع. قلتُ له: «كان ذلك هو الشيطان»، قال: «كيف تقول مثل هذا الكلام؟» قلت: «لا يمكن حتّى لأمير المؤمنين عليه السلام أن يقول: لا تقولوا لي: يا أمير المؤمنين؛ وذلك لكون هذا اللقب قد مُنِح له من قِبَل النبيّ صلّى الله عليه وآله، ونفس أمير المؤمنين عليه السلام مكلَّفٌ بإفشاء هذا اللقب بين الناس، لا بإخفائه، فبناءً على هذا سيكون هذا الشخص الذي قال لك: قل لي: يا عليّ بن أبي طالب هو الشيطان». فقال: «لا، ليس الأمر هكذا، بل هو يريد أن يكون متواضعًا». قلتُ له: «إنَّ الأمر كما قلتُ لك».

محوريّة العقل في السير والسلوك - المحور الأهمّ في العبادة والقرب من الله

9
  • ثمّ انكشفت الحقيقة فيما بعد، وقد شمله اللطف الإلهيّ ودفع عنه بعض القضايا التي كانت ستحصل، واتّضحت له حقيقة الأمر لكونه إنسانًا صافيًا، فاتّضح له بأنَّ جميع تلك القضايا من أوّلها إلى آخرها كانت قضايا شيطانيّة. كان الشيطان يُريه ثمانيةَ أمورٍ صحيحة، ثمّ يضرب ضربته في التاسعة، وكان يُريه تسعةَ قضايا حقيقيّة من أجل أن يوجّه له الضربة في العاشرة. فهل عرفتم الآن كم الأمر دقيقٌ؟! مَن يستطيع أن يُشخّص صحّة أو سُقم الأمر؟! إنَّ هذا لا يعني بأنَّني قادرٌ على التشخيص، فمَن أكون أنا؟! إنَّ الشيطان أذكى منَّا كثيرًا، وهو أكثر خبرةً منَّا، وأنا لستُ سوى فردٍ عاديّ، ولكنَّني لمّا كنتُ أمتلك المِلاك الذي تعلّمته من العظماء، وهو ما قد تمّ بيانه في الروايات، إذ قد تعلّمته عن هذا الطريق... كما وأنَّ الله يُبيّن حقيقة الأمر للإنسان ويوضّحها له.

  • قدرات الشيطان الفائقة على الإغواء

  • إنَّ للشيطان القدرة على إخبار الإنسان بما يجري في نفسه، فهل يوجد ما هو أكبر من هذا؟ فيرى الإنسان صحّة ما أُخبِر به، فيقول: «لا بدَّ وأن يكون هذا إمامٌ أو مَلَكٌ من الملائكة، فلا يوجد ما هو أوضح من هذا الأمر، فها هو يُخبر الإنسان بما يجري في قلبه!»، هذا في الوقت الذي يكون فيه الشيطان مطّلعاً على نفس الإنسان وهو متسلّطٌ على أفكاره الخاصّة؛ فهو يستغلّ كلّ ذلك من أجل أن يضرب ضربته في القضيّة العاشرة. هل عرفتم الآن كم أنَّ الأمر دقيقٌ وحسّاسٌ، ولا يمكن معه الوثوق بأيّ شيءٍ يحصل؟ إنَّ ذلك يحدث لكون الطُرُق التي يسلكها الشيطان ليست على نمطٍ واحدٍ أو نمطين، بل إنَّ طُرُقه هي بعدد الناس؛ فهو متسلّطٌ ومحيطٌ بهم؛ وهو يتعامل مع كلّ فردٍ بما يتناسب مع نفسه، وطبقًا لما يمتلك من قوىً يستغلّها في إغواء الناس وإضلالهم.

  • خطورة عدم رعاية الدقّة في تنفيذ الأوامر السلوكيّة

  • قال النبيّ صلّى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام: «لا تهتمّ كثيرًا بالأعمال الظاهريّة». إنَّني لا أُريد أن أقول هنا بعدم ضرورة الإتيان بالعبادات، كلّا، بل لا بدَّ من الإتيان بالعبادة والنوافل والأذكار، غير أنَّ ذلك يجب أن لا يكون هو الهدف بحدّ ذاته، بل يجب أن يكون الهدف هو الفهم الصحيح والوصول إلى مغزى العبادات.

محوريّة العقل في السير والسلوك - المحور الأهمّ في العبادة والقرب من الله

10
  • كان المرحوم العلاّمة قد أعطى أحد أقاربه برنامجًا، ثمّ إنَّني سمعتُ يومًا عن هذا الإنسان قوله: «إنَّ أخي قد أعطاني برنامجًا، في الوقت الذي أرى فيه بأنَّ لديّ الحال الذي يمكّنني من الإتيان بثلاثة أضعافه!»، فقلت: «أيّ كلامٍ هذا؟! فكلّ شيءٍ محسوبٌ وله حساب، وهذا الموضوع موضوعٌ دقيق، فما معنى الإتيان بثلاثة أضعافه؟! أما كان بإمكانه هو أن يأمرك بهذا؟!» وكان هذا الإنسان يترك عمله وسبيل كسبه ويجلس في البيت يأتي بالأذكار.

  • إنَّ هذا التصرّف هو ليس من السلوك في شيء، بل إنَّ السلوك يعني القيام بكافّة التكاليف كلٌّ في محلّه الخاصّ به؛ فيتمكّن السالك من العمل والكسب وبالنحو الذي يستطيع فيه تأمين معيشته، ويتمكّن من إدارة أموره العائليّة والاعتناء بأولاده ورعاية زوجته وأبنائه، وبالنسبة إلى المرأة تتمكّن من رعاية شؤون زوجها، فيجب على المرء أن يقوم بهذه الأعمال واحدًا واحدًا، ولا يقصّر في أيٍّ منها، فإن قصّر في إحداها، فسيظهر الأثر في مكانٍ آخر. على السالك أن يراعي الدقّة في كافّة أموره الشخصيّة والاجتماعيّة.

  • قصّةٌ تبيّن مستوى دقّة العلاّمة الطهراني في ملاحظته للأمور

  • كان المرحوم العلاّمة إنسانًا دقيقًا جدًّا في حياته، حتّى أنَّه كان مضربًا للأمثال بين الآخرين في دقّته في مجال اختصاصه الهندسيّ. كان أحد أصدقائه يحاول تثبيت خشبة تعليق الملابس على الجدار يومًا، فكان يثقب الجدار بالمثقاب من أجل ذلك، وكنتُ حاضرًا هناك، فجاء المرحوم العلاّمة وهو يضع عمامةً خضراء على رأسه - وكان ذلك قد حصل لسنواتٍ قليلةٍ قبل ارتحاله - فأمسك بخشبة التعليق ومرّر يده على المسامير، فقال: «إنَّ المسمار بارزٌ قليلًا وقد يؤذي اليد، وإنَّ هذا الثقب لا يسع المسمار، فيجب عليك أن تزيد من قُطر الثقب قليلًا؛ لكي يأخذ المسمار مكانه في الثقب بشكلٍ جيّد».

  • أتلاحظون! ثمّ نأتي نحن ونقول: وهل على وليّ الله أن يتابع حتّى مثل هذه الأمور؟! فما هي علاقته باستعمال المثقاب؟! كلّا، فالأمر ليس كما نعتقد، بل لا بدَّ للمسمار من أن يثبت في مكانه بشكلٍ دقيق، فإن لم يقُم ذلك الإنسان بعمله بهذه الدقّة، فسيحصل خللٌ في موردٍ من موارد سلوكه. نعم، هكذا هو الأمر، فهو مهمٌّ وحسّاسٌ إلى هذا الحدّ، هذا في الوقت الذي ترانا فيه لا نُعير لمثل هذه الأمور أهمّيّةً في سيرنا؛ فها نحن نركل أحدهم في هذه المرّة، وآخرَ في مرّةٍ أخرى، ونُسمِع هذا وذاك كلامًا غير مناسب، ولا نبالي بهذا وذاك، ولا نبالي فيما إن تسبّبنا في إيذاء هذا الإنسان أو كسرِ قلب ذاك، ولا في انتهاك حُرمة هذا وإلحاق ضررٍ بسُمعة ذاك. كيف يمكن أن يتناسب هذا مع السير في الطريق إلى الله؟! كيف ينبغي أن يكون طريق الله؟! إنَّ هذا لا يمثّل طريق الله.

محوريّة العقل في السير والسلوك - المحور الأهمّ في العبادة والقرب من الله

11
  • ضرورة مراعاة السير الصحيح ودقّة العمل في طريق الله

  • إنَّ طريق الله يتمثّل في السير الصحيح وفي الدقّة في العمل والمواظبة عليه، وعدم المبالاة بما يقوله الغير. كنتُ قد سمعتُ هذا الكلام من المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه مرارًا، فقد كان يقول: «إنَّ لدى السالك من المشاكل وممّا يجب عليه القيام به ما لا يدع له فرصةً للبحث عن عيوب الآخرين».

  • لاحظوا كم الطريق دقيقٌ ومُتقَنٌ ومُحكَمٌ، فيجب أن يأخذ كلّ شيءٍ مكانه الخاصّ به، فلا ينبغي أن يقصّر في شيء، ولا أن يُفرِّط في شيء، ويجب أن تكون علاقته مع الآخرين علاقةً مُتقَنة؛ فكما يجب عليه أن يغضّ النظر عن بعض المسائل، ينبغي عليه أن يقف بصلابةٍ بوجه مسائل أخرى، وأن لا يثنيه عنها ما يُنقَل له من هنا وهناك، ولا يجب أن يُبعِده عن واقع الأمر وجهاتُ نظر الآخرين وأذواقهم، سواءً كان ذلك بالنسبة إلى الرجل أو المرأة؛ فبعضُ الكلام وبعضُ المواقف تجعل الإنسان ينثني عن مواقفه، فينبغي عليه أن يقف بصلابةٍ في تلك المواقف التي يراها صحيحة، ومثلُ هكذا موقفٍ سيكون أهمّ له من أيّ شيءٍ آخر.

  • إنَّنا نرى كيف أنَّ ذلك الإنسان الذي كان يعمل بخلاف ما يستلمه من برنامج؛ نراه يترك عمله ويترك زوجته وأبناءه في ضيقٍ من العيش وفي عُسرٍ وحَرَج، ويشتغل بالأوراد. هل إنَّ الله راضٍ عن هذا الذكر؟ وهل سيدفع بك هذا الذكر إلى الأمام؟ نعم، إنَّه سيجعلك تتحرّك، ولكن تلك الحركة ستكون بالاتّجاه المعاكس، وفي الاتّجاه المغاير للحقّ؛ فهو يُريك صُوَرًا ومكاشفاتٍ ومسائل أخرى، وكلّ ذلك هو عبارةٌ عن تقدّم، غير أنَّ هذه المكاشفات في أيّ اتّجاهٍ ستكون؟ إنَّها ستكون في غير طريق الحقّ؛ فهي تجلب لك إمامَ زمانٍ خادعًا ومن صُنع وهمك.

  • قال لي هذا الإنسان يومًا: «لو أصبح أحدهم على اتّصالٍ بإمام الزمان عليه السلام، فهل يجب عليه أن يستمرّ في متابعة الأستاذ، أم لا؟!» قلتُ له: «لو أنَّ البرنامج الذي يعطيه إمامُ الزمان هذا مخالفٌ لأوامر الأستاذ، فلا فائدة من هكذا إمامِ زمانٍ، وإن كان برنامجه هو نفس برنامج الأستاذ، فما معنى الاثنَينيّة هنا، وما معنى ترك متابعة الأستاذ؟!» كان هذا الإنسان يرى إمام الزمان عليه السلام، ولكن أيَّ إمامِ زمانٍ هذا الذي يراه؟ إنَّه إمامُ زمانٍ من صنع الخِداع والكذب والتخيّل. نعم، لقد كان كلّ ما يراه من باب التخيّل. ما هو الدليل على هذا الكلام؟ سأقدّم لكم الدليل، وسأضع المِلاك بين أيديكم.

محوريّة العقل في السير والسلوك - المحور الأهمّ في العبادة والقرب من الله

12
  • حصلت مناسبة زفاف إحدى أخواتي - ويبدو أنَّها كانت الأخت الصغرى منهنَّ - فأرسلني المرحوم العلاّمة إلى هذا الإنسان الذي هو عمّي وأدعوه للحضور. فذهبتُ ودعوته. كانت المناسبة هي مناسبة زواج، وكان قد تمّ إحضار الفاكهة وطعام العشاء. كان من عادة هذا الإنسان أنَّه وعندما تتمّ دعوته لمناسبةٍ من المناسبات أن يجلس جانبًا ولا يمدّ يده إلى المائدة، فهل هذا التصرّف أمرٌ صحيح؟ إنَّه غير صحيحٍ حتمًا، فلا يوجد مثل هذا الشيء في الشريعة. إن كنتَ لا تريد أن تتناول الطعام، فلا تحضر المجلس واعتذر عن الحضور، أمّا أن يحضر أحدهم ولا يمدّ يده إلى الطعام، فإنَّ هذا التصرّف هو بمثابة عدم احترامٍ لصاحب البيت، كيف يمكن لإمام الزمان عليه السلام أن يأمر بمثل هذا؟

  • إن كان الإنسان على يقينٍ من أنَّ مال صاحب الدعوة مالٌ مشبوهٌ أو كان يشكّ في ذلك على أقلّ تقدير، فعليه أن يعتذر عن الأكل منه بشكلٍ أو بآخر، أو أن يأكل منه ثم يقوم بدفع مقدارٍ من المال بعنوان صدقةٍ إلى أحد الفقراء، فهذه الصدقة تعمل على رفع الكُدورة الحاصلة من تناوله. إنَّ كلامنا الآن مع ذلك الإنسان في أنّه: هل يمكن أن تكون المائدة التي يُقيمها أخوك السيّد محمّد حسين الطهراني، الذي هو العلاّمة الطهراني، من نوع المائدة التي فيها شُبهة؟!

  • فذهبتُ إليه؛ إذ إنَّ المرحوم العلاّمة كان قد أوصاني بإيصال هذه الرسالة له وهي: «إن كنتَ ناويًا عدم التناول من سُفرة الطعام، فلا تأتِ. إن أتيتَ، فعليك أن تأكل من السُفرة وكما يفعل البشر، فستكون مدعوّاً للحضور في مثل هذه الحالة، فتفضّل على اسم الله، وإلّا فإن كنتَ تريد القيام ببعض الألاعيب،[فلا تأت]»

  • ذهبتُ إليه، ومازحتُه قليلًا - فقد كان المجلس مجلسَ أُنسٍ - وأوصلتُ إليه الرسالة بأسلوبٍ لطيفٍ جدًّا، وباستعمال كلماتٍ ملائمة، فلا يمكنني أن أقول له: «إن لم تأكل من المائدة، فلا تحضر»، فأيّة طريقةٍ للدعوة ستكون تلك؟ فقلتُ له: «إنَّك أنتَ صاحب المجلس، فأنت رجلٌ كبير، وفيك تتمثّل بركة المجلس، والناس ينظرون إليك بتجليل، ويريدونك أن تكون إلى جنبهم، وما شابه ذلك من كلام، ولكن عدم تناولك للطعام قد يتسبّب في إيجاد شُبهةٍ لبعض الناس، فيتساءل الناس ويقولون: هل إنَّ هذا الطعام مشبوه؟! هل يُسبّب في تكدّر النفس؟ لذا نرجو منك أن تتناول لُقيماتٍ معدودة».

محوريّة العقل في السير والسلوك - المحور الأهمّ في العبادة والقرب من الله

13
  • عندما قلتُ له هذا الكلام، أطرق برأسه إلى الأرض، وغاص في فكره - وبحسب ما يعتقده هو، فيكون قد اتّصل بإمام الزمان عليه السلام، فأنا أعلم بما يجري - ثمّ رفع رأسه بعد فترةٍ وقال: «لا أستطيع ذلك، فلم يُؤذَن لي». قلتُ له: «ومَن يكون هذا الذي لم يأذن لك؟» قال: «إنَّه إمام الزمان عليه السلام؟» قلتُ له: «هل يمكن لكم أن توصلوا سلامنا إلى إمام زمانكم هذا، وتطلبوا منه أن يسمح لكم بأن تتملّصوا من هذه التوصية في هذه المرّة؟» [يضحك سماحة السيّد والحاضرون] «ثمّ ليحصل مثله في المرّات القادمة!»

  • فمازحتُه بهذا الشكل. لقد تغيّر حاله ورأى بأنَّني قد أهنتُ إمام زمانه، الأمر الذي لا ينبغي أن يحصل، ورأى بأنَّه إن قال شيئًا آخرًا، فسوف أُجيبه بجوابٍ مماثل. ثمّ ذهب في فكره مرّةً أخرى، ثمّ قال: «كلّا، فهو لم يسمح بذلك أيضًا». فقلت: «يبدو بأنَّ إمام الزمان هذا لا يتعاون معنا، فبناءً على هذا ومن أجل أن لا يحصل تشويشٌ في أذهان الآخرين، فنحن نعتذر أن نكون في خدمتكم وأن نستفيد من وجودكم». نعم، ختمتُ كلامي معه بشكلٍ مؤدّبٍ وحسنٍ جدًا.

  • لاحظوا كيف أنَّني وعندما طرحتُ عليكم هذه الحكاية، فقد ضحكتم بأجمعكم، وعرفتم بأنَّ ما يحصل له هو أمرٌ مخادعٌ وكاذب. كيف يكون ذلك؟ أولًا؛ لكون هذا لا يتماشى مع نهج الأئمّة بأن يلبّوا دعوة مَن يدعوهم، ثمّ يمتنعوا عن تناول طعامه، فليس هذا من نهجهم. إنَّ نهج العظماء ليس بهذا الشكل؛ فهم إمّا أن يمتنعوا عن الذهاب بالمرّة ويعتذروا عن الحضور بحصول مانع، وإمّا أنَّ يذهبوا ويأكلوا من طعام الآخرين. ألم يكن رسول الله صلّى الله عليه وآله يذهب إلى بيوت الأصحاب؟! نعم، لقد كان يذهب إلى بيوتهم، ويأكل من طعامهم، ويختلط بهم.

  • ألم يكن هذا هو نهج أمير المؤمنين عليه السلام أيضًا؟ جاء أحد الأصحاب ودعا أمير المؤمنين عليه السلام إلى بيته۱ - وكان أمير المؤمنين عليه السلام كثير المزاح، فبنفس ما كان لديه من الهيبة والقهّاريّة والجلال، كان لديه من الجمال بنفس ذلك المقدار، وكان كثير المزاح - جاء أحد أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ودعاه للحضور إلى بيته، فقال الإمام عليه السلام: «سأحضر ولكن بثلاثة شروط: الأوّل هو أن لا تشقّ على زوجتك وتسبّب لها الحَرَج»، فقال الرجل: «حسنًا سأفعل». «والثاني هو أن لا تجلب شيئًا من خارج البيت، فتأتينا بما هو موجودٌ في البيت». «والثالث هو أن لا تُخفي علينا شيئًا ممّا هو موجودٌ عندك في البيت، فأْتِنا بكلّ ما لديك». إنَّ الإمام عليه السلام قد جمع بين المزاح والواقع في كلامه هذا، فليس لدينا خفاء؛ إنَّه كلامٌ يجمع الحكمة بالمزاح، ولدى أمير المؤمنين عليه السلام الكثير من مثل هذه الكلمات.

    1. عن عليّ عليه أنّه دعاه رجل فقال له عليّ عليه السلام :«على أن تضمن لي ثلاث خصال قال: وما هي يا أمير المؤمنين قال: لا تدخل علينا شيئا من خارج ولا تدخر عنا شيئا في البيت ولا تجحف بالعيال» قال: ذلك لك فاجابه علي بن أبي طالب عليه السلام. رواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام ج٢ص٢٣٥.

محوريّة العقل في السير والسلوك - المحور الأهمّ في العبادة والقرب من الله

14
  • ضرورة عرض المكاشفات على المباني الأصيلة وقياس مدى انسجامها معها

  • إذن فلم يكن ذلك من دأب الإمام عليه السلام، ولا من دأب العظماء. فإن جاء إمام الزمان عليه السلام - نعوذ بالله أن نقول عنه بأنَّه إمام الزمان عليه السلام - بل يجب أن نقول إن جاءنا رجل على هيئة إمام الزمان عليه السلام وأمر الإنسان بمثل ذلك الأمر، فعلى الإنسان أن يقيس ذلك بالمباني. أليس كذلك؟ ألم يقل رسول الله صلّى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام: «يا علي إذا رأيتَ الناس تتقرّب إلى الله بأنواع النوافل...»؟ فما الذي يفعله هؤلاء وأمثالهم؟ إنَّهم يشتغلون دائمًا بالأذكار. إنَّ للذكر حدًا محدودًا يا عزيزي. كما ويشتغلون بالصلاة؛ مع أنَّ للصلاة حدًّا معلومًا، فلكلّ شيءٍ حساب. كما ويشتغلون بقراءة القرآن؛ وللقرآن حسابه وحدّه الخاصّ به.

  • إنَّك تريد أن تصل إلى الله عن طريق الذكر، هذا في الوقت الذي تتخلّى فيه عن أمر أستاذك الذي أوصاك بالإتيان بالذكر بهذا العدد، فهل تتوقّع بأنَّك ستصل مع كلّ هذا؟ بل إنَّ ذلك سيقطعك عن الطريق. إنَّ من شأن ذلك النهج أن يوصلك إلى إمام الزمان الواقعيّ، أمّا نهجك هذا، فسيوصلك إلى الإمام غير الواقعيّ والمجازيّ والكاذب؛ فيعمل إمام الزمان هذا على سلبك كافّة مشاعرك وسلبك نباهتك وعقلك، ثمّ سيمسك بيده بكافّة رأس مالك الإلهيّ الموهوب لك ويأخذك معه إلى أيّ اتّجاهٍ يريد. لماذا؟ وذلك لأنَّك أردتَ أن تسير وفقًا لتخيّلاتك لا بما يتوافق مع الأمر المُعطى لك.

  • إنَّني أرى بأنَّ فيما حصل من قضايا للأصدقاء هو خيرٌ لهم وفيه مصلحتهم؛ إنَّني أرى ذلك في بعض المسائل بوضوح وأرى أنَّ هناك أيدٍ خفيّة وراء ما يحصل، على أنَّ الإنسان لا يستطيع أن يقول كلّ ما يعلم، فللكلام مكانه وحدّه الخاصّ به، فيجب أن يستلم أحدكم الإشارة ويعمل بموجبها، على أنَّني قد تجاوزت مرحلة الإشارة إلى التصريح، ومع هذا فلا يزال البعض لا يراعون حالي؛ فيرسلون لي رسائل يطلبون فيها منِّي إعادتهم إلى وضعهم السابق. ليعلم هؤلاء بأنَّهم لم يتقدّموا في سلوكهم، فها قد صرّحتُ بهذا الأمر.

محوريّة العقل في السير والسلوك - المحور الأهمّ في العبادة والقرب من الله

15
  • إن قام الإنسان بالعمل من تلقاء نفسه، فهذا الأمر متروكٌ له، ما الذي سينالني إن حصل تبدّلٌ من هذا الحال إلى ذاك؟ وما الذي سينقصني ممّا يحصل؟ لا شيء من هذا أو ذاك. أمّا إن أراد أحدهم أن يعمل وفقًا لأفكاره وتخيّلاته الخاصّة به، فعليه أن يعلم بأنَّ تصوّراته قد تكون صحيحةً وقد تكون باطلة.

  • ها هي ستّ سنواتٍ تمضي على ارتحال المرحوم العلاّمة، وقد حصل خلال هذه السنوات الستّ الكثير من الأمور؛ والتي يعرف الكثير من الأصدقاء الكرام أيّة أحداثٍ قد حصلت فيها، وأيّة مصاعب واجهتُ فيها وأيّة أوضاع مرّت عليّ. وبعد مضيّ ستّ سنوات، وفي سفري الأخير هذا الذي حصل قبل ليلتين والذي تشرّفتُ فيه بتقبيل عتبة الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام، رأيتُ كيف أنَّ البعض يعترفون الآن بأنَّهم أخطأوا، أيحصل مثل هذا بعد ستّ سنوات وبعد كلّ الذي حصل؟! وبعد كلّ تلك المشاكل؟! وبعد كلّ ذلك التشنّج؟! وبعد كلّ تلك الفضائح؟! هل من الصحيح أن يحصل مثل هذا؟! على الإنسان أن يستفيد من تجارب الآخرين. فبعد أن قمتُ بنصيحة زعماء القوم بعد ارتحال المرحوم العلاّمة، وقلتُ لهم: «علينا أن لا نتخطّى مرام ونهج ومباني مدرسة المرحوم العلاّمة»، لم يقبلوا منَّي ذلك الكلام، وتصوّروا بأنَّني قد قمتُ بخياطة قَباءٍ خاصٍّ بي، ووضعتُ رداءً لي على كتفيّ!

  • ولكن ما الذي كنتُ أقصده من وراء ذلك الكلام؟ كنتُ أقصد هداية الناس، وتنوير أفكارهم وتوضيح الطريق لهم. ولكن كيف تمّ التعامل مع هذه الأمور؟! لقد تمّ التعامل معها من خلال منظارٍ غير صحيح! فقالوا: «إنَّ فلانًا يعمل على نثر الحبوب من أجل أن يستغلّها للصيد في وقتٍ لاحق!» و«إنَّ فلانًا يعمل على جمع الآخرين حوله!» و«يعمل كذا وكذا». ولقد وصل الأمر إلى الحدّ الذي جعل أحد أقرب الأقربين لي يقول لي الليلة ما قبل الماضية: «لقد أصبح من المسلَّم لي بأنَّ الله ومع أنَّه قد فصلك عن عددٍ من الناس، غير أنَّ ما أراه الآن هو أنَّ الله قد وفّقك، ومنحك رفقاء فهيمين». فقلت: «هكذا هو الأمر».

محوريّة العقل في السير والسلوك - المحور الأهمّ في العبادة والقرب من الله

16
  • إن كان على الإنسان أن يعيش يومين في هذه الدنيا، فعليه أن يعيش ويتعامل مع أفرادٍ من المناسب أن يصرف وقته معهم. مَن منكم نال شرف لقاء المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه في حياته؟! أعتقد بأنَّ القليل منكم قد حصل له ذلك، ولكن انظروا كيف أنَّ المرحوم العلاّمة موجودٌ في نفوسكم وفي بيوتكم وأفكاركم، وها هو يجذبكم ويسيّركم معه، كيف يحصل كلّ ذلك؟ إنَّ ذلك يجري عن طريق الباطن. وفي مقابل هذا، فها نحن نرى كيف أنَّ البعض ممّن كان قد صاحب المرحوم العلاّمة لمدّة خمس عشرة سنةً في ليله ونهاره، نراهم كيف يتكلّمون بكلامٍ يتعجّب الإنسان من سماعه منهم! لقد صاحبتَ المرحوم العلاّمة خمس عشرة سنة، واستمعتَ إليه مدّة خمس عشرة سنة، فما هي نتيجة ذلك؟!

  • إنَّ ذلك السيّد الذي كان دقيقًا في حياته إلى الدرجة التي تجعله يتفحّص المسمار الذي ثُبِّتت به اللوحة الخشبيّة لئلّا يكون بارزًا، ما الذي تعلّمته منه من خلال هذه الدقّة؟! وما الذي تعلّمته منه من إحكامه للأمور؟! إن أردتَ أن تصلّي والحال هذه، فسوف لن يكون لمثل هذه الصلاة فائدةٌ لك، وإن أردتَ أن تصلّي صلاة الليل، فسوف لن تفيدك صلاتك هذه بشيء!

  • يقظة الناس بفضل دماء سيّد الشهداء عليه السلام

  • حصلت بين الناس ضجّةٌ بعد مقتل سيّد الشهداء عليه السلام، وفي واقع الحال، فإنَّ سيّد الشهداء عليه السلام قد أضرم النار في البارود بشهادته، وأضرم النار في تلك المشاعر المغلوبة بالأهواء وفي تلك العقول المدفونة تحت أطنانٍ من تراب الجهل، فقام سيّد الشهداء عليه السلام بإضرام النار بها بشهادته. قال الناس حينها: «يمكننا أن نجد تبريرًا لما كان يقوم به يزيد بن معاوية من كونه يلعب بالكلاب وبشربه للخمر ولعبه للقمار والشطرنج - كان يلعب بالقمار والشطرنج خلافًا للنصّ الصريح - ولعبه بالقردة؛ فقد كان له قردٌ يُجلسه إلى جانبه ويأنس به». قالت الناس: «إن أمكننا أن نجد تبريرًا لكلّ ذلك، فكيف يمكننا أن نبرّر قتله لابن بنت النبيّ صلّى الله عليه وآله؟!»

  • فذلك ممّا لا يمكن تبريره، ولا يمكن تحمّله؛ فبدأ الناس يتحدّثون عن هذا الموضوع، وبدأت تحصل بلبلة، وتناقلٌ لهذا الحديث بين الناس في المجالس والمساجد، وكانت الجواسيس تنقل ذلك إلى يزيد؛ فكانوا يقولون: «إنَّ الناس يجلسون جماعاتٍ جماعات؛ من أربعة أو خمسة أفرادٍ يتكلّمون بهذا»، خصوصًا بعد فضحهم من قِبَل الإمام السجّاد والسيّدة زينب عليهما السلام في الشام والكوفة، وبعد تلك الخُطَب التي خطبوها هناك، فتزلزلت أوضاع السلطة وفشلت خُطَطُهم بذلك.

محوريّة العقل في السير والسلوك - المحور الأهمّ في العبادة والقرب من الله

17
  • قضيّة تقسيم القرآن إلى ثلاثين جزءًا

  • أخبروا يزيد بما يحصل، فجمع أصحابه حوله للتناقش فيما يجب فعله، وفي الطريقة التي يتمّ فيها إلهاء الناس وإشغالهم. فاقترحوا تقسيم القرآن وتقطيعه إلى ثلاثين جزءًا، فتقسيم القرآن بهذا الشكل الذي نراه الآن يعود إلى ذلك الزمان. فأينما وجدوا جماعةً من الناس يتحدّثون، كانوا يعطونهم جزءًا من القرآن، ويقولون لهم: «عليكم بقراءة القرآن بدلًا من التكلّم»، ويقولون لهم: «سنعود ونأخذه منكم لنرى كم قرأتم منه»، وهكذا كانوا يقومون بمثل هذا العمل هنا وهناك. فيجلس هؤلاء المساكين ويشتغلون بالقراءة، ومن غير المعلوم فيما إن كانوا يقرءون القرآن بالفعل أم لا.

  • مدى خفاء مكر الشيطان وطريقة إغوائه

  • انظروا كيف يستغلّون القرآن من أجل هدم القرآن، ويستغلّون القرآن من أجل إخفاء نوره، ويستغلّون الإسلام من أجل محو الإسلام! وهكذا نرى كيف يستغلّ الشيطان السلوك من أجل محوه وتدميره.

  • لا يقوم الشيطان في يومٍ من الأيام بدعوتكم إلى شرب الخمر؛ وذلك لأنَّه يعلم بأنَّ أحدًا سوف لن يطيعه في ذلك، ثمّ لا يوجد مَن يمكن أن يستمع إليه - ولا علم لي فيما إن كان هنالك مَن يطيعه في ذلك، فلم أسمع بمثل هذا الشيء [من باب المزاح] - ولا يقوم الشيطان في وقتٍ من الأوقات بالوسوسة [للسالكين] بالسرقة؛ لعلمه بعدم وجود مَن يطيعه في ذلك، كما وأنَّه لا يدعو الإنسان إلى ارتكاب العمل الحرام الظاهر والبيّن؛ وذلك لعلمه بأنَّ المقابل سيستوحش من استماع هكذا دعوة، ولا يعمل على تنفيذها، لذا تراه يَرِدُ الميدان من طريقه الخاصّ به؛ فيقول للإنسان: «تعالَ وقُم بهذا العمل ففيه الصلاح»، و«من المستحسن أن تقوم بهذا العمل الذي من شأنه أن يجمع الناس حولك»، و«علينا أن نبتعد عن ذلك الإنسان الذي يجلب لنا التكدّر».

  • إنَّ هذا هو ما حصل بصراحةٍ بعد ارتحال المرحوم العلاّمة؛ فها هم يقولون ولحدّ الآن بأنَّ السلام على [مخالفيهم] يبعث على التكدّر، ولهذا السبب تراهم لا يسلّمون على بعض الناس! يا للعجب! فهل يوجب السلام على الآخرين الكدورة؟! كما ويقولون بأنَّ صلة الرحم تجلب الكدورة، فعليكم بالامتناع عن صلة الرحم! لأيّ شيءٍ أُوصيَ بصلة الرحم؟ لأيّ شيءٍ أُوصيَ بصلة الرحم التي تجلب النور وتطيل العمر وتقطع يد الشيطان؟! نعم لأيّ شيءٍ أُوصيَ بها؟!

محوريّة العقل في السير والسلوك - المحور الأهمّ في العبادة والقرب من الله

18
  • كيف يتعامل السالك مع أبيه الشيوعيّ؟

  • جاء إلى المرحوم العلاّمة أحدُ تلامذته يومًا وقال له: «إنَّ أبي شيوعيّ؛ فهو لا يؤمن بالله من الأساس، فكيف ينبغي عليَّ أن أتعامل معه؟!» فقال له المرحوم العلاّمة: «عليك أن تتعامل معه وكأنَّه شيعيٌّ من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام، بل وأكثر من ذلك!» لماذا؟ لأنَّ الأب هو مفتاح الطريق. إنَّ ما يتعلّق بما يجري في باطنه، فذلك يكون بينه وبين ربّه، وأمّا ما يتعلّق بتكاليفنا، فهو شيءٌ آخر، فيجب علينا أن نعمل وفقًا لما نحن مكلَّفون به. إنَّ الأمّ هي مفتاح الطريق، فيحرُم إهانتها والتقصير في حقّها؛ إذ إنَّ ذلك يعمل على سدّ الطريق بوجه الإنسان وقطعه عليه. إنَّ من شأن إهانة الأب والتقصير في حقّه أن يعمل على قطع طريق الإنسان إلى الله. إنَّني لا أقول هذا الكلام من عندي، بل المرحوم العلاّمة هو الذي قال بأنَّ من شأن ذلك العمل أن يسدَّ الطريق بوجه الإنسان.

  • ومع هذا نرى كيف يُصدرون أمرًا سلوكيّاً يقضي بالامتناع عن صلة الرحم! يا للعجب! كيف يمكن أن يحصل شيءٌ كهذا؟! وها هم ينسبون مثل هذا إلى نهج السيّد العلاّمة ومدرسته! إنَّ هذا يصدر عمّن تخلّى عن العقل وعن المنطق؛ فعندما يُترَك العقل والمنطق، يصبح العلم هو الحجاب الأكبر.

  • كنتُ قد كتبتُ رسالةً مفتوحة، وبعد مضيّ أربع سنوات، ها هم يقولون بأنَّني قد قلتُ أشياء غير لائقة، وقد كِلتُ التُهَمَّ للغير فيها، وأنَّني عملتُ على تفكيك العوائل، وذكرتُ فيها ما هو مخالفٌ لواقع الأمر. دعونا نتكلّم الآن بمقدار رُبع ساعةٍ بشكلٍ صحيح؛ فأنا قلتُ في تلك الرسالة المفتوحة - والتي لا أعلم فيما إن كانت السيّدات قد قرأنها أم لا - كنتُ قد طلبتُ المناظرة في مكانين منها، وقد ذكرتُ الأمر بأسلوبٍ مؤدّب، فكتبتُ "التباحث" [بدلًا عن المناظرة]، أيّ شيءٍ في هذه الكلمة؟! فأنا قلتُ لنتباحث أو لنتناظر. [تراهم يقولون] «ليس من المصلحة أن تتمّ المناظرة، وهذا أمرٌ غير صحيح، فهو يعمل على إسعاد الأعداء». يا للعجب! هل إنَّ الأمر لم يصل إلى مسامع أحدٍ لحدّ الآن، وهو سيصل إلى مسامعهم عن طريق المناظرة فقط؟! إنَّ كلّ ذلك هو عبارةٌ عن خداعٍ للنفس؛ فيعمل الإنسان على خداع نفسه بذلك، ويفرّ من الواقع.

محوريّة العقل في السير والسلوك - المحور الأهمّ في العبادة والقرب من الله

19
  • طريقة دعوة العلاّمة الطهراني أحد أصدقائه للتلمّذ عند السيّد الحدّاد قدّس سرّه

  • كنتُ مع الوالدة قبل ليلتين في نفس ذلك المنزل، فتحدّثتُ معها وذكّرتُها ببعض المسائل - كما أنَّني قد ذكرتُ هذه الحكاية لبعض الأصدقاء هذا اليوم أيضًا - ومن ضمن ما قلته لها: «لاحظي ما جاء في كتاب "الروح المجرّد"، فلاحظي كيف أنَّ المرحوم الوالد رضوان الله عليه وعندما كان يُرسل أحدهم إلى السيّد الحدّاد رحمه الله، فلم يكن يقول له: اذهب إليه، وستعرف فيما بعد، أو: إنَّك ستعرف مكانته بعد خمسين سنةً، أو أنَّه كان يُطلق سهمًا في الظلام على العمياء، بل كان يقول له: اذهب وتباحث معه واعرف حقيقته بما لديك من عقلٍ وعلمٍ ودراية، وقم بتشخيص الأمر بنفسك، فأنا سوف لن أحضر معك».

  • هل قال يومًا: «تعالَ إلى هذا الطريق، وستعرف حقيقته فيما بعد!» أو «ستصل فيما بعد!» أو «ستصل إلى اليقين فيما بعد!»؟ أين ومتىقال مثل هذا؟

  • كان المرحوم العلاّمة قال لأحد أصدقائه القدامى والذي ذُكِر اسمه في كتاب "الروح المجرّد" - وهو سيّدٌ كبيرٌ يُصلّي الجماعة في أحد مساجد شِميران على ما يبدو، وهو لا يزال على قيد الحياة، إنَّه رجلٌ قديرٌ للغاية، ورجلٌ لطيف، غير أنَّه لم يحصل على سهمٍ ونصيبٍ من السيّد الحدّاد رحمه الله - فقال له المرحوم العلاّمة: «تعالَ وتباحث مع السيّد الحدّاد».

  • قلتُ للوالدة: «هل كان ذلك الإنسان من أصحاب المكاشفات؟ هل كان على اطّلاعٍ على الغيب؟ أم أنَّه كان يمتلك من هذه العلوم المتعارفة فقط؟» فلم يكن يرى منامًا أو مكاشفة، ولم يكن له اطّلاعٌ على الغيب، ولا أيٌّ من هذه المسائل، فقال المرحوم العلاّمة قد قال له: «تعالَ وتباحث معه بما تمتلك من هذه العلوم التي درستها، وبهذه العلوم الإسلاميّة والدروس الحوزويّة وبما تمتلك من منطقٍ وما لديك من علمٍ في ذهنك».

  • ثمّ قلتُ للوالدة، ها أنا أسألكِ هذا السؤال وهو: «لو أنَّ ذلك الإنسان ذهب وتباحث مع السيّد الحدّاد رحمه الله وأفحمه، بمَ كان المرحوم العلاّمة سيجيبه؟!» فالأمر لا يتجاوز إحدى الحالتين وهما: إمّا أن يجعله السيّد الحدّاد رحمه الله يعي الأمر، أو أنَّه سيتباحث معه حول موضوعٍ من قبيل الأسماء الإلهيّة، وكيفيّة نزول الاسم الكلّيّ في الجزئيّ - فهنالك الكثير من المسائل المختلفة - أو أن يتكلّم معه عن الفناء الذاتيّ أو الأعيان الثابتة أو أيّ موضوعٍ آخر كأن يفتح مع السيّد الحدّاد رحمه الله بحثًا علميّاً. فكان الوالد قد قال له: «اذهب وتباحث معه». فلو أنَّه تباحث معه وأفحَم هذا الرجلُ السيّدَ الحدّاد رحمه الله، أما كان الرجل سيقول له: «تفضّل يا سيّد محمد حسين فهذا هو مولاك الذي عرّفته لي!»؟ نعم، إنَّه كان سيقول له مثل هذا الكلام. لماذا لم يقل ذلك؟ من المعلوم بأنَّ السيّد الحدّاد رحمه الله لا يمكن أن يُفحَم.

محوريّة العقل في السير والسلوك - المحور الأهمّ في العبادة والقرب من الله

20
  • كيفيّة لقاء الشيخ مطهّري رحمه الله مع السيّد الحدّاد قدّس سرّه

  • كما وكان المرحوم العلاّمة يقول هذا الشيء نفسه للشيخ المطهّري رحمه الله، وأنا شاهدٌ على ذلك؛ فقد كان عمري بحدود الأحد عشر عامًا عندما أتى السيّد الحدّاد رحمه الله إلى طهران، كنتُ شاهدًا على قدوم الشيخ المطهّري رحمه الله لمنزلنا الواقع في شارع آهنك، وكان له مجلسٌ مع السيّد الحدّاد رحمه الله وكان يتحدّث معه.

  • قلتُ للوالدة: «كان المرحوم العلاّمة يقول للشيخ المطهّري رحمه الله - وهذا الأمر مذكورٌ في كتاب "الروح المجرّد" -: اجلس مع السيّد الحدّاد رحمه الله وتحدّث معه وسوف لن أدخل معكما الغرفة - فلم يكن السيّد الحدّاد رحمه الله بحاجةٍ إلى المساعدة - فاجلس معه بنفسك وتكلّم معه واطرح عليه ما لديك من مسائل». فكان يذهب ويجلس معه في تلك الغرفة الموجودة على سطح الدار ويتحدّث معه، ثمّ ينزل بعدها ويلتفت إلى المرحوم العلاّمة ويقول له: «يا سيّد محمد حسين، إنَّ هذا السيّد هو سيّدٌ مُحيي!». لو كان قد تحدّث إليه، ولم يستطع السيّد الحدّاد رحمه الله الإجابة، فما الذي كان سيحصل؟ سينتهي كلّ شيءٍ إذن! [كان سيقول:] «إنَّني قد جلستُ مع هذا الرجل الذي عرّفته لي وتحدّثتُ معه، وطرحتُ عليه هذه الأمور، فلم يستطع الإجابة عليها، فكيف يمكن لي أن أرجع إليه والحال هذه؟!»

  • ثمّ تحدّثتُ مع الوالدة بشأن بعض الأمور وخرجت. من عادتي وقبل خلودي إلى النوم أن أمسك بكتاب "الروح المجرّد" فأقرأ منه قليلًا، بمقدار خمس أو عشر دقائق عادةً؛ فأقرأ منه مقطعًا صغيرًا قبل أن أنام. فأخذتُ كتاب "الروح المجرّد" من الرّف وذهبتُ إلى الحسينية الواقعة هناك لأنام فيها، وفتحتُ الكتاب، فكانت هذه الصفحة التي قال فيها المرحوم العلاّمة للشيخ المطهّري رحمه الله: «اذهب وتحدّث مع السيّد الحدّاد رحمه الله وعليك أن تُقيّم بنفسك ما الذي يقوله لك».

  • ما الذي يدلّ عليه هذا؟ إنَّه هو الذي قام ببيانه، وهو الذي أوضح الطريق. فإن كان من المقرّر أن يأتي مسيرٌ آخر مخالفٌ لهذا المسير ومخالفٌ لهذه المباني، فيقول: «عليك أن تُغمض عينيك، وتسدّ أذنيك، وتُغلق فمك، ولا تتكلّم بشيء، تعالَ معنا وستفهم فيما بعد»، فأيّ مسيرٍ سيكون هذا؟! إنَّه سيكون طريق أبي بكرٍ لا طريق عليّ عليه السلام؛ فعليٌّ عليه السلام يقول: «تعالَ واستمع لما يُقال، فإن لم يعجبك، فلا تقبله».

محوريّة العقل في السير والسلوك - المحور الأهمّ في العبادة والقرب من الله

21
  • مدرسة الإمام الصادق عليه السلام مدرسة البحث والتعقّل

  • كان الإمام الصادق عليه السلام يدعو الناس للحضور للتباحث، فباب بيته كان مفتوحًا؛ وكان يدعو اليهود للتباحث. إنَّ مدرسة الإمام الصادق عليه السلام هي مدرسة البحث، فمتى كان الإمام الصادق عليه السلام يدعو إلى التخلّي عن العقل والعلم؟!

  • تراهم اليوم يقولون: «إنَّ العلم هو الحجاب الأكبر، فلمّا كان علم فلانٍ كثيرًا، لذا فقد أصبح حجابًا له». قلت: «إن كان الأمر كذلك، فسيكون ذلك من تقصير والدي الذي أرسلني إلى الحوزة، ويكون المتسبّب في كلّ هذا البلاء هو والدي؛ فهو الذي ابتلاني بهذا الحجاب الأكبر، وإلّا فقد كنتُ إنسانًا بسيطًا عاميّاً وجاهلاً، وعلى أساس انعدام الفهم والبساطة التي أعيشها، لم أستطع أن أصل إلى مكانةٍ ما. فكلّ التقصير يترتّب عليه عندما أرسلني إلى قُم وطلب منِّي أن أدرس وأن لا أضيّع حتّى ساعةً من وقتي في غير الدراسة». وعندما كنتُ أرافقه في ذهابه إلى هذا المكان أو ذاك عندما كنتُ في مشهد، كان يقول لي: «إن طلبتُ منك أن ترافقني وكان لديك بحثٌ أو درسٌ أو مطالعة، فأخبِرني بذلك ولا تأتِ معي، أمّا إن لم يكن لديك ما يشغلك، فتعالَ معي». أتلاحظون إلى أيّ حدٍّ كان يدقّق في موضوع العلم والفهم، ويؤكّد عليه؟!

  • وصيّة السيّد الحدّاد رحمه الله للسيّد محسن الطهراني بضرورة إتقان الدرس الحوزويّ

  • في سفر الحجّ الذي كان عمري فيه سبع عشرة سنة، والذي زرنا فيه العراق مع والدي وأخي، كان لي مجلسان مع السيّد الحدّاد رحمه الله تحدّث فيهما معي. ما الموضوع الذي تتوقّعون أن يتحدّث فيه وليٌّ إلهيٌّ مثل السيّد الحدّاد رحمه الله الذي يمتلك ذلك المقام مع أنَّه لم يدرس في الحوزة؟ لا بدّ وأن تتوقّعوا بأنَّه سيحثّني على القيام لصلاة الليل والإتيان بالأذكار!

  • إنَّه لم يتكلّم معي بشأن أيٍّ من هذه المواضيع، بل كان الموضوع الوحيد الذي تكلّم معي بشأنه خلال هاتين الساعتين - أي: مرّتين لمدّة ساعةٍ واحدةٍ في كلّ مرّة - فكان الموضوع الذي يركّز عليه هو أن قال لي: «ارفع من مكانتك العلميّة يا فلان، وأتقِن دروسك». كان هذا الرجل الذي لم يكن قد درس هذه الدروس، ولم يكن قد أتمّ حتّى فصل الصرف من كتاب "جامع المقدّمات"، كان يؤكّد على إتقان الدروس! لقد تحدّث معي عن مسائل أخرى من هنا وهناك، غير أنَّ تركيزه في الكلام كان ينصبّ على الدراسة.

محوريّة العقل في السير والسلوك - المحور الأهمّ في العبادة والقرب من الله

22
  • فهل هذه الدروس وهذا العلم الذي اكتسبته والذي أستطيع أن أشخّص من خلاله الآن طريقي الذي أسير فيه، هل أصبح هذا العلم حجاباً أكبر لي ولغيري؟ [إن كان الأمر كذلك] فسيكونون هم المقصّرين في ذلك. نعم، سيكون المقصّرون هم أولئك العظماء والعياذ بالله!

  • أتلاحظون كيف أنَّهم يتّهمونمباني العرفان ومدرسة العرفاء؟! وكيف يقومون بحرف أفكار الناس عن ذلك المبنى؟ وكيف يقومون باستغلال العبارات التي أُريد منها شيءٌ آخر، إنَّهم يستغلّونها في غير محلّها باستخدام عباراتٍ خادعة؟! مَثَلُ ذلك، مَثَلُ ما كانوا يسمّون خلفاء بني أُميّة وخلفاء بني العباس بلقب "أمير المؤمنين"، ألم يكونوا يسمّونهم بذلك؟! كانوا يدخلون عليهم فيقولون: «السلام عليك يا أمير المؤمنين»، هذا في الوقت الذي كان فيه النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله قد خصّ شخص أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالبٍ عليه السلام فقط بهذا اللقب، وهو لا ينطبق حتّى على الإمام الحسن عليه السلام والإمام الحسين عليه السلام والإمام السجّاد عليه السلام وإلى إمام الزمان عليه السلام أرواحنا فداه. فلا يجوز لنا الآن أن نلقّب إمام الزمان عليه السلام بلقب "أمير المؤمنين"، بل إنَّ هذا العمل هو عملٌ حرام؛ وذلك لكون هذا اللقب خاصًّا بعليّ ابن أبي طالب عليه السلام. وها نحن الآن نرى وللعجب كيف ينسب خلفاء بني أُميّة وبني العباس هذا اللقب لأنفسهم! إنَّ هذا لقب، ولكنَّه يخصّ مَنْ؟ إنَّه يخصّ عليّ ابن أبي طالب عليه السلام. وها نحن نرى الآن وللعجب كيف يستغلّون العبارات في غير مكانها!

  • خطورة العلم فيما إذا وقف صاحبه في وجه الحقّ

  • من الممكن أن يكون العلم حجاباً أكبر، غير أنَّ ذلك يكون عندما يقف به صاحبه في مقابل الأوامر الإلهيّة، لا عند استعماله في إيضاح الطريق، ولا من أجل أن لا يبقى الإنسان جاهلًا ومثل الحمار لا يفهم شيئًا، وهو لا يستفيد من هذا العلم في طيّ الطريق. يا له من جهل، ويا لها من درجةٍ كبيرةٍ من انعدام الفهم! ما الذي أدَّى إلى كلّ هذا؟! إنَّ السبب وراء ذلك هو اشتغالنا بالأمور الظاهريّة، ونسياننا للأمر الواقع المتمثّل في ضرورة إدراك المِلاك الصحيح والتعقّل؛ فنكون قد وضعنا العقل جانبًا.

محوريّة العقل في السير والسلوك - المحور الأهمّ في العبادة والقرب من الله

23
  • پای استدلالیان چوبین***بود پای چوبین سخت بی‌تمكین بود 
  • يقول: إنَّ رِجل الذين يسلكون منهج الاستدلال فقط هي رِجلٌ خشبية، حيث لا تمكّن الرجل الخشبية صاحبها من الوصول إلى هدفه» 

  • إنَّ لتلك العبارة مقامًا آخر، فجئنا لنستخدمها في هذا المقام ؛ فاستعملنا عبارة كون العلم هو الحجاب الأكبر في هذا المجال [الذي هو ليس مجال الاستدلال بها]. كما ويقولون: «إنَّ اليقين ليس مستحسنًا في جميع الأحوال». فمتى يكون مستحسنًا إذن؟! ويقولون: «ليس من اللازم أن يفكّر أحدهم بشأن هذه الأمور، بل ستأتيه فيما بعد!». بإمكان هذا العبد أن يأتي إلى هنا ويقول: «ليس من اللازم أن نفكّر بالأمر الفلانيّ أيضاً»، فلماذا سيكون هذا الأمر راجحًا على ذاك؟! ثمّ تعالوا أنتم وقولوا: «ليس من الضروريّ أن تفكّروا!» فيقوم كلّ واحدٍ بجمع عددٍ من الناس حوله وعندما يُسأل عن دليله، يقول: «لا حاجة إلى دليل، بل تعالَ إلى هنا، وسترى لاحقًا». [إن حصل مثل هذا الشيء] فسترى عندها أيّة فوضى ستعمّ، وسوف لن يستقرّ حجرٌ على حجر.

  • نسأل الله تعالى أن يُثبّت أقدامنا على صراطه الذي هو صراط الأئمّة عليهم السلام، وأن يُصحّح أفكارنا، وأن يجعل طريقنا مستقيماً، وأن لا يميل بنا إلى هذا الطرف أو ذاك عمّا نحن مكلَّفون به.

  • إن كان لدى الأصدقاء سؤالٌ يتعلّق بهذه المواضيع أو كان لديهم أمرٌ يريدون أن يطرحوه، وبما يقتضيه وقت المجلس، فيمكنني الإجابة على سؤالٍ أو سؤالين منها.

  •  

  • اللَّهُمَّ صلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّد.