4

ضرورة رعاية الاعتدال في السير والسلوك

المرأة والأسرة - طهران - الجلسة الرابعة

1320
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمالمرأة والأسرة

المجموعةالمرأة والأسرة - طهران

التاريخ 1420/05/09

جلسات المجموعة(6 جلسة)

التوضيح

توضيح:ما هو المعيار الذي تنال به الأمّة وسام خير أمّة أخرجت للناس؟ وما هي أهمّية الاعتدال والوسطيّة في عمليّة السير والسلوك إلى الله؟ وما الآثار الخطيرة لعدم رعاية هذا الأمر على السالك ؟
سعى آية الله السيّد محمّد محسن الطهراني رضوان الله عليه للإجابة على هذه الأسئلة في هذه المحاضرة من خلال بيان المعيار لخير الأمم، مبيّنا أهمّيّة الاعتدال والوسطيّة في السير والسلوك، وموضّحاً خطورة عدم مراعاة هذه المسألة على انحراف السالك من خلال ذكر عدّة نماذج وقع أفرادها في مزلقة الانحراف لعدم مراعاتهم هذا الأمر وعدم الالتزام الدقيق بأوامر الأولياء.

/۱۵
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

ضرورة رعاية الاعتدال في السير والسلوك - المرأة والأسرة - طهران - الجلسة الرابعة

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • ضرورة رعاية الاعتدال في السير والسلوك 

  •  

  • المرأة والأسرة - طهران - الجلسة الرابعة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني

  • قدّس الله سرّه

  •  

  •  

ضرورة رعاية الاعتدال في السير والسلوك - المرأة والأسرة - طهران - الجلسة الرابعة

2
  •  

  •  

  • أعوذ باللَه من الشيطان الرجيم‌

  • بسم اللَه الرحمن الرحيم‌

  • وصلّى اللَه على سيّدنا و نبيّنا وحبيب قلوبنا 

  • وطبيب نفوسنا أبي القاسم محمّد

  • اللّهمّ صلِّ على محمّد وآل محمد

  • وعلى آله الطيبين الطّاهرين

  • واللّعنة على أعدائهم أجمعين‌

  •  

  •  

  • الأمّة الوسط وضرورة رعاية الاعتدال في كافّة الأمور

  • ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾۱ أي: جعلكم الله خير أمّة وجماعة؛ فصرتم أسوة لبقيّة الناس لما فيكم من خصلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 

  • علينا أن ننتبه إلى المعنى الوارد في الآية وذلك عندما قال الله: ﴿خيرَ أمّةٍ﴾؛ لنعرف منه أنَّ خير أمّة وخير جماعة، هي تلك الجماعة التي يتمثّل مرامها ومنهجها وممشاها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. كما وقال الله في آية أخرى: ﴿وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً﴾٢؛ أي متّخذين لطريق الاعتدال. 

  • إنَّ الله تعالى خلق الإنسان متمتّعًا ببعض الخصال؛ وهي الخصال التي تعتبر بمثابة المقدّمة التي من شأنها أن توصله إلى الكمال وإلى مرحلة الفعليّة؛ فإن أهمل هذه الخصال ولم يعتنِ بها، فسوف لن يصل إلى الهدف المطلوب. فمهما سعى في هذا الجانب، فسوف لن يجدي سعيه نفعًا. لنأخذ وعلى سبيل المثال رجلًا يريد أن يعبد الله؛ فهو ومن أجل أن يعبد ويصلّي، لا بدَّ وأن تكون قواه البدنيّة عند حدّ الاعتدال، ولا بدَّ أن يكون سليمًا معافى. فإن مرِض الرجل وضعف، فسوف لن يتمكّن من العبادة في مثل هذه الحال؛ لأنَّ القيام للصلاة يتطلّب التمتّع بالصحّة والسلامة؛ فمن أهمل رعاية أمور الصحّة والسلامة، فسيمرض، والمريض يعجز عن أداء صلاة الليل بالطبع. إنَّ الصحّة والسلامة مبنيّة على رعاية مجموعة من الشروط، فإن أهملت تلك الشروط، فسوف لن تحصل له السلامة؛ لذا على الإنسان أن يراعي موازين الطعام واللباس والسلامة واللياقة البدنيّة، كما أنّ عليه أن يراعي قواعد الصحّة العامّة.

  • إنَّ من يغلب على طعامه الأطعمة التي ترفع من لزوجة الدم، فسيبقى على الدوام في حالٍ من الكسل والخمول والكدورة وانقباض القلب؛ و لن يتمتّع بالنشاط. ومن يُكثرْ ـ على سبيل المثال ـ من تناول الحلوى والمكسّرات والدهون التي تضرّ بالجهاز الهضمي، فستعمل هذه الأغذية على الرفع من لزوجة الدم، وتسلب الإنسان النشاط والانشراح؛ فهذه الأطعمة تؤثّر تأثيرًا سلبيّاً على الجهاز الهضمي وعلى بقيّة الأجهزة أيضاً، وقد تؤدّي بالإضافة لحصول المرض للجسم، إلى سلب الانشراح. لماذا يعتبر تناول الخلّ إحدى التوصيات الغذائيّة التي يُوصي بها العظماءُ تلامذتهم؟ ذلك لأنَّ الخلّ يعمل على زيادة حمضيّة الدم، لأنَّه أسيد، وحمضيّةُ الدم هذه تبعث على انشراح الروح والبهجة وتبعث على النشاط. لماذا يُقال بأنَّ الإكثار من تناول اللحوم يضرّ بالسالك؟ لماذا؟ لأنَّه يتسبّب في قسوة القلب؛ إنَّ الذين يُكثرون من تناول اللحوم لا يتمتّعون بقلوب رؤوفة ورحيمة، ولا يستطيعون أن يتجاوزوا بعض المواقف بسهولة، ولن يكونوا من أهل الإنفاق بشكل كامل، بل يتّصفون بالتعجرف والجمود. إنَّ كلّ ذلك ينشأ عن الإكثار من تناول اللحوم.

    1. سورة آل عمران (٣)، جزء من الآية ۱۱۰.
    2. سورة البقرة (٢)، جزء من الآية ۱٤٣.

ضرورة رعاية الاعتدال في السير والسلوك - المرأة والأسرة - طهران - الجلسة الرابعة

3
  • لقد كان المرحوم العلاّمة يوصي تلامذته بعدم أكل اللحم لأكثرَ من مرّتين في الأسبوع. على أنَّ هذا الأمر يشمل الأشخاص الذين يتمتّعون بصحّة جيّدة وقوّةٍ جسميّة جيّدة، أمّا من يعاني من مرض، فالأمر يختلف بالنسبة له. إنَّ تناول الحلوى والأطعمةِ المقلاّة والدهون المتنوّعة يبعث على زيادة لزوجة الدم، الأمر الذي يترك أثرًا سلبيًّا على نفس الإنسان، ويسلب منه النشاط. أمّا تناول الفاكهة، فهو على العكس من ذلك؛ إذ هو يفيد السالك كثيرًا؛ وخاصّةً تلك الفاكهة التي تبعث على البهجة والتي تعمل على تصفية الدم؛ فهي مفيدةٌ للإنسان كثيرًا. هذا فيما يتعلّق بموضوع سلامة البدن، فإن كان البدن سالمًا، فستترك سلامته أثرًا لها على سلامة الروح.

  • إن اتّبعنا جانب الإفراط في هذا الأمر؛ فعلى سبيل المثال، فإنَّنا وعندما نسمع بأنَّ تناول الخبز والخلّ مفيد لجسم الإنسان ولسلامته على الصعيد النفسي، فسنجعل من الآن فصاعدًا جميع وجباتنا تتمثّل بالخبز والخلّ. إن فَعلْنا هذا الشيء، فسنصاب بقرحة المعدة، وسيختلَّ وضعُنا بصورة عامّة، وستُتلفُ أعصابُنا، إذ إنَّ الخلّ يضرّ بالأعصاب. لماذا يختلّ وضع الحياة؟ لأنَّه سيكون قد خرج عن حدّ الاعتدال. فلو سمع أحدهم وعلى سبيل المثال أنَّ كثرة تناول اللحم يضرّ بحال الإنسان، فقام بالامتناع عن أكل اللحم دائمًا، فسيُصاب ببعض الأمراض، وقد يُصاب بأمراضٍ روحيّة ونفسيّة! كيف يحصل كلّ ذلك؟ لأنَّ المسألة قد خرجت عن حدّ الاعتدال.

  • وهكذا الحال بالنسبة إلى تناول الأدوية. إنَّ الدواء ضروريٌّ للإنسان، أمّا إن قام أحدُهم بأخذ الدواء من دون إذن الطبيب وبغير وصفةٍ طبّيةٍ، أو أنَّه أكثرَ من تناول الأدوية، فسيؤدّي هذا إلى إصابته ببعض الأمراض؛ فبالنسبة إلى أقراص الاستامينوفين [الباراسيتول] هذه التي يعرفها الجميع والتي يُستفاد منها في علاج الصداع وارتفاع حرارة البدن، فإن تناولَ أحدُهم كميّاتٍ كبيرةً منها وهو يقول: ما دمت مريضًا، فدعني أتناولْ عشرة أقراص أو عشرين منها مرّة واحدة، فسيبعث هذا الأمر على توقّف الكبد عن العمل بعد ساعتين من تناولها، وسيموت بعد أربع ساعات. لماذا؟ لأنَّ الأمر قد خرج بذلك عن حدّ الاعتدال. 

ضرورة رعاية الاعتدال في السير والسلوك - المرأة والأسرة - طهران - الجلسة الرابعة

4
  • لا بدَّ لكلّ شيءٍ من أن يُنجز على أساس الاعتدال لكي يكون مفيدًا، وبصورة عامّة فإنَّ نظام العالم مبنيٌّ على الاعتدال، وخروج هذا النظام عن أحد طرفي الاعتدال سيؤدّي إلى اضمحلال العالم بأكمله، وسيؤدّي إلى انعدامه بأسره. وفي مجال السلوك فإنَّ أهم ّمسألة تواجه السالك، هي مسألة الاعتدال؛ فإن قام السالك بترديد ذكر من الأذكار من تلقاء نفسه، ففي ذلك خطرٌ عليه، وإن تصرّف السالك بما يُوصَى به وعملَ بخلافه، وقام بالزيادة أو الإنقاص من بعض الأشياء، فسيَدخل في دائرة الخطر من جرّاء ذلك. 

  • نماذج من الانحراف السلوكي بسبب ترك الاعتدال وطاعة الأستاذ

  • اختلال أحوال امرأة بسبب زيادة الذكر

  • حَصَلتْ قبل عدّة سنوات لإحدى النساء الساكنات في مشهد وفي زمان المرحوم العلاّمة بعضُ الحالات، وعندما تكلّمتُ معها في إحدى المرّات، وبدأت بطرح بعض المواضيع، شعرتُ بأنَّ وضعها أخذ يخرجُ عن المسار الطبيعي تدريجيًّا، وأخذت حالاتها تتجّه نحو الانحراف. فالمسائل التي كانت تطرحها في بادئ الأمر، كانت جيدةً إلى حدّ ما. ثمّ شعرتُ بحصول تذبذبٍ في كلماتها. كنت أُخبر المرحوم العلاّمة بذلك. مضى على هذا الأمر عدّةُ أيّام، ثمّ وفي الأيام الأخيرة علمتُ ومن خلال ما كانت تنقل لي من أمور، بأنَّ وضعها قد تدهور، وهو يجرّها الآن باتّجاهٍ معيّن. بعد أن نقلتُ للمرحوم العلاّمة ما كنت قد شاهدته، وما حصل في اليومين أو الثلاث الأخيرة، التفتَ إليّ وقال: أتدري لماذا حصل لها ذلك يا فلان؟ إنَّه قد حصل بسبب تجاوزها للبرنامج الذي أعطيته لها، ولقيامِها بزيادة العدد من تلقاء نفسها. أتلاحظون!

  • هل تعرفون ذكرًا هو أعلى من ذكر لا إله إلّا اللَه، إنَّه ذكر الله في النهاية؛ فمع أنَّه ذكر الله، إلّا أنَّ زيادته توقعُ الإنسان في الخطر. ليس لدينا ذكرٌ هو أعلى من ذكر لا إله إلّا الله، ولا من ذكر اليونسيّة، ولا بدّ من الأذكار التوحيديّة. لا نستطيع أن نقول بأنَّ الذكر ليس جيّداً، بل إنَّ الذكر ذكرٌ، وهو عبارة عن التذكير بالله، وذكرُ الله يوجب الاطمئنان، ولكنّ الكلام في مدى قدرتنا ومقدار قابليّتنا، فكم نستطيع التحمّل رغم ما لدينا من نقائصَ ومن ضعفٍ، وما يجري في أنفسنا من أمورٍ باطلة، كم سنتمكّنُ من تحمّل هذا الذكر مع كلّ ذلك.؟!

ضرورة رعاية الاعتدال في السير والسلوك - المرأة والأسرة - طهران - الجلسة الرابعة

5
  • إنَّ التفاّحة الواحدة حلوةٌ جدًّا، ولها فوائدُ كثيرةٌ، وهي مفيدةٌ جدًّا للإنسان، ولكن من الذي يستطيع أن يأكلها؟ فمن كان عمرُه اثني عشر عامًا، أو خمسةَ عشر أو عشرين عامًا ولم يكن يعاني من مشكلة في المعدة، يستطيعُ أن يأكلها؛ فيستطيع الشخص السليم أن يأكلها، ولا بدَّ وأن تؤكل صباحًا. فإنّ لبعض الأطعمة والفاكهة فوائدُ كثيرةٌ إن تُنووِلَت صباحًا على الريق. كان يُقال في سابق الأيّام بأنَّ التفّاح ذهبٌ في الصباح، وفِضّةٌ في الظهر، ونحاسٌ في المساء. لقد كان يُقال مثل هذا الشيء، وهو كلامٌ صحيح؛ فللتفّاح فائدةٌ كبيرةٌ إن أُكل صباحًا، وله العديد من الميّزات؛ فهو مفيدٌ للكولسترول بشرط أن يؤكل على الريق. ولكن لو أنَّك أعطيتَ هذه التفّاحة لطفل رضيع يبلغ من العمر ستّة أشهر، وحشرتها في فمه، فسيختنق، وحتّى لو دَخلتْ معدته، فهي ستقتله. لماذا؟ لأنَّ معدة هذا الطفل غير مهيّأة لتناول التفّاح وأمثاله، بل هي مهيّأة لحليب الأم، وللأطعمة السهلةِ الهضمِ. إنَّ التفاح جيّدٌ، ولكنّ قابليّة هضمه غيرُ متوفّرة لدى الطرف الآخر.

  • لنعد إلى حكاية تلك المرأة، فلقد كان المرحوم العلاّمة قد أجاز لها الذكر بعدد معيّن، فقامت بزيادة العدد من تلقاء نفسها؛ وذلك لكون الذكر قد منحها حالًا جيّدًا، أو أنَّه أخذها إلى مسائلَ أخرى، فقالت: لأستمرّ به فأجعله ستّمائةً بدلًا عن الأربعمائة، وأجعل من السِتّمائة ثمانمائةً. ما الذي سيحصل لها؟! سيتبدّلُ الاعتدال النفسيّ عندها تدريجيًّا، فإن تبدّل، فسيخرج الوضع عن السيطرة ما لم يخضع الشخص إلى تربية خاصّة وظروفٍ خاصّة، وما لم يخضعْ إلى تنبيه لكي يستطيع العودة إلى ما كان عليه.

  • ارتباط أحد السلاّك بالجنّ على أنّه إمام الزمان بسبب تركه للتجارة وزيادته للذكر

  • وقد التفتّ في أحد الأيّام أنّ أحدَ أقاربِنا لا يذهبُ إلى محلّ عمله، وكان من أصدقاء ورفقاء طريق العلاّمة رضوان الله عليه في السابق، فكان محلّه إمّا مغلقاً أو أنَّه قد جعل أحد العمّال يجلس مكانه، أمّا هو، فكان يبقى في البيت ولا يخرج منه. كنت أذهب إليه وأتحدّث معه أحيانًا، فكنت أقول له: لماذا لا تجلس في محلّ عملك؟ ولماذا لا تعمل؟ فكان يقول: إنَّ العمل دائر فيه، قلت له: لا بدَّ أن تذهب بنفسك وأن تتعامل مع الزبائن، لا بدّ من ذلك. فكان يقول: أشعر بأنَّ هذا الوضع أفضلُ لي، وكان يتكلّم بما شابه ذلك من كلام، فكنت أتركه. مضى على هذا الأمر وقت، حتى رأيته ينقل في أحد الأيّام بعض الأمور التي لا يمكن أن تكون صحيحة؛ وهي تدلّ على حصول بعض الانحراف في أفكاره؛ فكان يدّعي بأنَّ له ارتباطاً بإمام الزمان بقيّة الله أرواحنا فداه، وكان ينقل بعض الأمور عن الإمام، ثمّ سألني قائلًا: ما دام لي مثل هذا الارتباط بالإمام، فهل سأكون والحالُ هذه محتاجًا إلى الارتباط بالسيّد العلّامة، أم لا؟ قلت له: هل أنت على يقين من أنَّ الذي ترتبط به هو الإمامُ نفسُه، وليس إنسانًا آخر؟! 

ضرورة رعاية الاعتدال في السير والسلوك - المرأة والأسرة - طهران - الجلسة الرابعة

6
  • ـ الأمر هكذا في النهاية. 

  • قلت له: اسأله في المرّة القادمة التي ستلتقي بها فيه وقل له: لو أنَّك أعطيتني برنامجاً، وأعطاني الأستاذُ برنامجاً مخالفًا له، فبأيّهما أعمل؟ إنَّ الرجل من أقاربنا الأقربين. 

  • وبعد مدّةٍ قال لي: لقد سألتُ الإمامَ ذلك السؤالَ، وقال لي: لا يجوز لك إطاعةُأستاذك. 

  • قلت له: فاعلم بأنَّه الشيطان! لقد أردتُ تنبيهَه هنا. 

  • قال: كيف؟ 

  • قلت: إنَّ الأمر لا يخرج عن إحدى حالتين وهما: إنَّ الأستاذ إمّا أن يكون أستاذًا واقعيّاً أو لا يكون، فإن كان أستاذًا واقعيّاً، فلا يمكن أن يتناقض برنامجه مع برنامج إمام الزمان، وأمّا إن لم يكن أستاذًا، فلا كلام لنا حول الموضوع في مثل هذه الحالة. فإنَّه لو لم يكن أستاذًا، فهذا يعني أنّك كنت في ضلالة خلال تلك الفترة التي قضيتَها معه، وهذا ممّا لا يمكنك أن تقول به، لأنَّك تعترف بنفسك بمكانته. فإن كان أستاذًا، فلا يمكن أن يختلف البرنامج الذي يعطيه عن برنامج إمام الزمان. وإن اختلف، فهذا يعني وجود طريقين ومسارين مختلفين، ولمّا كنت معتقدًا بأحقيّة الأستاذ الذي تتّبعه، فسيكون معلومًا بأنَّ ذلك الرجل هو الشيطان! هل ما أقوله صحيحٌ؟ وخلاصة الأمر، فقد قلت له هذا الكلام، ويبدو أنَّه قد تلقّى أمرًا بعد مدةّ بعدم جواز التحدّث مع فلان، فقلت: الحمد لله، فقد اتّضحت مسألتنا. 

  • إنَّ كلّ ما كان قد حصل، فهو إنّما قد حصل بسبب عدم الإصغاء إلى كلام المرحوم العلاّمة عندما كان يقول له: عليك أن تعمل وأن تذهب إلى محلّ عملك وأن تُمضيَ جزءًا من وقتك اليومي في العمل والكسب. إنَّه لم يستمع إلى كلام المرحوم العلاّمة، وكان بدلًا من أن يأتي بأحد الأذكار الموصى به بعدد خمسين أو مائة أو خمسمائة أو ألف مرّة أو أيّ عدد كان، كان يضيف إليه من تلقاء نفسه حتّى وصل به الأمر الآن إلى الارتباط مع الجنّ، وإلى قطع علاقته بالمرحوم العلاّمة بشكل تامّ، وأصبح ارتباطه [الدائم] هو مع الجنّ والشياطين، فانحرف عن المسير بالكامل. لماذا حصل له كلّ ذلك؟ إنَّه حصل بسبب الإفراط.

ضرورة رعاية الاعتدال في السير والسلوك - المرأة والأسرة - طهران - الجلسة الرابعة

7
  • إنَّ الأستاذ عندما يوصيك الآن بالإتيان بهذا العدد من الذكر، أفلا يريد مصلحتك في ذلك؟ ألا يريد تكاملكَ ومنفعتك؟ إنَّه يريد ذلك بالطبع. ما الذي كان سيضرّ الأستاذَ فيما إن قال لك عليك القيام بهذا العمل، ثمّ إنَّك أتيت بغيره ورفعك عملُك الذي قمت به إلى درجة أعلى؟ أيّ ضرر سيلحق به إن حصل مثل هذا الشيء؟ سوف لن يلحق به أيّ ضرر، بل سينتفع به في مثل هذه الحال.

  • لا فائدة من الذكر على حساب الأطفال والأسرة 

  • إنَّ مشكلتنا تتمثّل في أنَّنا ننظر دائمًا إلى هذا الجانب من العملة، ولا اطّلاع لنا على الآثار المترتّبة وما يحصل في الجانب الآخر؛ قد تكونين منشغلة بذكر من الأذكار في الوقت الذي يبكي فيه طفلك وأنت لا تعتنين ببكائه هذا، ففي مثل هذه الحالة، اعلمي أنّه سوف لن يجدي هذا الذكر أيّ نفعٍ، ليس هذا فقط، بل إنَّ بكاء الطفل يفعل فعلته من الباطن في هذه اللحظة؛ فهو يعمل الآن على هدم الأساس. يجب على المرأة في مثل هذه الحالة أن تعتني بطفلها أوّلًا، ولا تدعه يبكي ويتأذّى. إنَّ للطفل نفساً؛ وهي نفسٌ محترمة، ولأفراد الأسرة ولأولئك الذين يعيشون مع الإنسان في نفس المنزل مسؤوليّة ألقاها الله على عاتق الإنسان تجاههم، مَنْ الذي أقرّ مثل هذه المسؤولية؟ ومن الذي خلق الطفل؟ إنَّه وعندما خلقه، قد جعل تكفّله على عهدة الوالدين؟ أتلاحظون. يقول الله هنا: ألا تريد أن تتحرّك نحوي؟ ألا تريد أن تكون قريبًا منّي؟ هل تريد أن تفعل ذلك وفقًا لبرنامجٍ تضعُه أنت لنفسك؟! وهل تريد أن تخترع لك ذكرًا من تلقاء نفسك؟! وهل تريد أن تعبدني كما تريد أنت؟! أم يجب عليك أن تعمل وفقًا لتشخيصي أنا؟ أيُّ الأمرين هو الصحيح؟ إن كنتَ أنت أعرف بمصلحتك، فَلا بأس!!

  • قصّة امرأة تخالف الطبيب نقل لي أحدُ أصدقائنا الأطبّاء وأحد رفقائنا الذي يعمل في مستشفى القائم في مشهد والمتخصّص في أمراض الدم فقال: راجعتني إحدى النساء يومًا، وهي تشتكي من ألم في القلب، وعندما فحصتها، وجدتُ أنَّ مشكلتها ليست في القلب، بل في المعدة؛ غير أنَّ المعدة تضغط على الحجاب الحاجز وعلى القلب، فيظهر الألم في ناحية القلب، وإلّا فلا مشكلة لديها في القلب، ومشكلتها في معدتها، فكتبتُ لها دواءً للمعدة. وفي اليوم التالي ذهبتُ صدفة إلى صيدليّة تقع في الساحة التي هي جنب مستشفى الإمام الرضا لأشتري دواءً، فوجدت المرأة التي راجعتني بالأمس تتجادل مع الصيدلني، فناداني الصيدلي وقال لي: تعال يا دكتور، فهذه إحدى مراجِعاتك من المرضى وهذه قائمةُ الدواء التي كتبتَها لها، نظرتُ إليها، وقلت: نعم، لقد راجعتني يوم أمس. قال الصيدلي: تقول هذه المرأة: إنَّ الطبيب لم يعرف بأنَّني أعاني من مرض في القلب، فوصف لي دواءً للمعدة، فأريد منك أن تعطيني دواءً للقلب بدًاً عنه، فما الذي أفعله معها؟! قلت للمرأة: أنا طبيب أيّتها السيّدة، وتشخيصي هو أنَّك تعانين من مرض في المعدة وليس في القلب، ومع هذا فإن كنتِ تريدين أن تأخذي دواءً للقلب، فحسنًا، فهذه الرفوف التي ترينها أمامك مملوءةٌ من أعلاها إلى أسفلها بأدوية القلب، فاختاري لنفسك واحداً منها لكي أكتبَه لك، وخذي منه ما شئتِ أن تأخذي. إنَّ مشكلتنا تكمن هنا وهو أَّنا نريد أن نقوم بعملٍ ما من عند أنفسنا بأمل أن نتقدّم في سيرنا، في الوقت الذي لا يساعد فيه ذلك الشيء على تقدّمنا. عندما كنت اليوم في طريقي إليكم، فكّرت في نفسي وقلت: حول أيّ موضوع سأتكلّم اليوم؟ فخطر في ذهني أن أنقل لكم هذه الأمور.

ضرورة رعاية الاعتدال في السير والسلوك - المرأة والأسرة - طهران - الجلسة الرابعة

8
  • مسحة على رأس طفل خير من مجاورة الأئمّة

  • نقل لي ابنُ المرحوم الحاج الشيخ محمد جواد الأنصاري الذي هو أستاذ المرحوم العلاّمة، حيث تربطنا بابن المرحوم الشيخ قرابة ٌعائليّة. قال: كنت مسؤولًا عن إعالة الأولاد القاصرين للمرحوم الشيخ الأنصاري بعد وفاته؛ فعند وفاة الشيخ كان قد ترك أبناءً صغاراً بعمر السنتين والسنة الواحدة تقريبًا. ومع أنَّ ابنَ المرحوم لم يكن راغبًا في البقاء في همدان، وكان ناويًا السفر إلى مدن أخرى، غير أنَّه ولغرض رعاية هؤلاء الصغار وإعالتِهم، فقد بقي في همدان، حتى اتّفق له سفر لزيارة العتبات. لقد سمعت هذه الحكاية من المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه [أيضاً] عندما كان ينقلها إلى جدّي والد أمّي الذي تُوفّي هو الآخر كنوعٍ من التذكير. لقد كنت جالسًا أستمع. ذهب ذلك الرجل إلى زيارة العتبات وبقي فيها لأكثرَ من شهرين، فأخذته تلك الجذبةُ التي هبّت عليه من تلك الأماكن المقدّسة، وتلك الحالاتُ والوارداتُ الروحيّة، وهيمنت عليه بحيث جعلته يقرّر السكن والتوطّن في العتبات المقدّسة، ففكّر في العودة إلى إيران وحزم أمتعته، والعودةِ إلى العتبات والاستقرار فيها؛ فقرّر الإقامة في أيٍّ من الأماكن المقدّسة؛ سواءٌ في كربلاء أو النجف أو الكاظمين، نعم، لقد قرّر البقاء في هذه المناطق والسكن فيها، ثمّ قام بطرح هذا الموضوع على زوجته التي هي من أقاربنا ومن محارمنا وهي خالتي، فوافقتْه على هذا الأمر. وفي تلك الليلة يرى والدَه المرحوم الشيخ الأنصاري في المنام، وإلى جانبه أخوه الأصغر الذي كان عمره لا يتجاوز الخمس أو الستّ سنوات والذي كان اسمه محمود؛ فيخاطبه الشيخ وهو يمسح بيده على رأس ابنه ويقول له: إن مسحت مرّة واحدة على رأس محمود يا فلان، فسيكون ثواب ذلك عند الله أكثر من بقائك العمر كلّه في العتبات المقدّسة. نعم إنَّ مسحةً واحدة ً[تفعلُ مثل هذا الشيء]! كيف يكون مثلُ هذا الأمر قابلاً للهضم وقابلاً للتبرير بالنسبة لنا؟! فمسحةٌ واحدةٌ على رأس طفل يزيد ثوابُها على ثواب الإقامةِ مدّةَ عمرٍكامل في كربلاء والزيارةِ اليوميّةِ للإمام الحسين، والذهابِ إلى النجف لزيارة أمير المؤمنين، وزيارة الكاظمين وسامرّاء. نسأل الله أن يقسم لنا جميعًا زيارتهم، فقد وُفّقتُ العام الماضي للزيارة ونِبْتُ عن جميع الأصدقاء فيها.

ضرورة رعاية الاعتدال في السير والسلوك - المرأة والأسرة - طهران - الجلسة الرابعة

9
  • خلال سفري إلى العتبات الذي حصل العام الماضي، وعندما كنَّا في النجف قلتُ لزوجتي: أنا لا أكره الإقامة هنا، كنت قد قلتها عن جدّ أو مزاح، غير أنَّ الظروف إن سمحت، فسنجمع أغراضَنا ونأتي لنسكن في مدينة النجف ونُمضي بقيّة عمرنا فيها، ولا يُعلم ما الذي سيحصل في نهاية المطاف، غير أنَّ لتلك الأماكن جاذبيّةً عجيبةً، لا سيّما بالنسبة إلى النجف، فإنَّ تلك الجاذبيّة هي من القوّة بحيث لا يستطيع أحدٌ أن لا يتأثّر بها، ولكنّ الإنسان وعلى أيّة حالٍ مكلّفٌ بالعمل بموجب ما هو مكلّفٌ به، وعليه أن يكون راضيًا بما يريده الله له؛ فيمكن له أن يعيش في هذا المكان أو ذاك أو في أيّ مكانٍ آخر بشرط أن يكون عمله مُمضى من الله وموردَ رضاه عزّ وجلّ، فإن كان الأمر كذلك، فليتحقّقْ أينما أراد أن يتحقّق. فالصحيح هو هذا. إنَّ المسح على رأس طفل وتربيتَه ورعايةَ أموره هو الذي يدفع الإنسان إلى التطوّر والتكامل والسموّ نحو الأعلى. إنَّنا نتصوّر أنَّنا إن عشنا هناك، فستزدادُ سعتُنا، وسيزداد رقيّنا، وستتحسّنُ حالاتنا وتقوى وارداتُنا، غير أنَّ الأمر ليس بهذا الشكل، فأساس الحساب في ذلك العالم يختلف عنه في هذا العالم، ويتمّ تقييمُ الأمور هناك بشكلٍ مختلف. نعم، هكذا هو الأمر.

  • ضرورة الزواج للتكامل في السير والسلوك وأهمّ الوصايا لتحقيقه على أسس إسلاميّة 

  • إنَّ الله تعالى كلّفنا بتشكيل حياةٍ عائليّة، وأن يكون لنا سيرٌ وسلوكٌ على هذا الأساس. لو كان السير والسلوك أفضلَ وأكثرَ فائدةً للإنسان من دون تشكيل للأسرة، لما كان النبيّ قد أمر بالزواج. فلماذا وردت كلّ تلك الروايات التي تحثّ على الزواج؟ لأنَّ النبيّ يرى منافعَ لا يمكن أن تحصلَ للسالك بدون الزواج؛ فلا بدَّ للسالك أن يتزوّج، على أنَّ هذا الزواج يجب أن يكون مبنيّاً على أساس التعاليم الإسلاميّة، لا على أساس الرغبات الماديّة والدنيويّة، وإلّا فسيوجب كلُّ ذلك البُعدَ. ففي الزواج المبنيّ على أساس التعاليم الإسلامية، يجب على الزوجة إطاعة الزوج، ويجب على الزوج أن يعمل بموجب التكليف الشرعي المُكلّف به. إنَّ كلّ ذلك يصبّ في مجرى الاعتدال السلوكي للسالك، والذي من شأنه أن يدفع بالسالك إلى الأمام. إنَّ هذا هو المهمُّ في الأمر؛ فعلينا أن لا نقوم بعملٍ نظنُّ وبحسب ما نتخيّل أنَّه يدفع بنا إلى الأمام، وأنَّنا نقطع مسافة الآن. ثمّ يتّضح لنا فيما بعد أنَّ كلّ ذلك كان في عالم المنام والخيال، ولم يكن للعمل الذي كنَّا نقوم به ذلك التأثير.

ضرورة رعاية الاعتدال في السير والسلوك - المرأة والأسرة - طهران - الجلسة الرابعة

10
  • من المسائل التي كان المرحوم العلاّمة يُظهر حساسيّة شديدة تجاهها، هي ضرورة عدم تعرّض حياة السالك الذي يسير في الطريق إلى الله سواءٌ كان رجلًا أو امرأة، ضرورة عدم تعرّضها إلى اضطراباتٍ نتيجة لبعض مواقف التفريط أو الإفراط، نعم كان يُظهر حساسيّةً كبيرةً تجاه هذا الموضوع. طبعاً إن كان الإنسان مكلّفًا بأمرٍ؛ وهو يقوم به بناءً على هذا التكليف، فذلك أمرٌ آخر، فعليه أن يقوم به وإن تسبّب في حصول مشكلة لأحد الطرفين؛ لأنَّه يقوم به بناءً على التكليف، أمّا إن كان الإنسان يقوم ببعض الأعمال من غير أن يكون مكلّفاً بها، والتي يعتقد هو بأنَّه إنّما يقوم بها في سبيل الله، هذا في الوقت الذي لا ارتباط لما يقوم به بموضوع السلوك، وهي مجرّدُ تخيّلاتٍ من نوع تلك التخيّلات التي قد تحصل للإنسان أحيانًا؛ فالإفراط الذي يحصل في مثل هذه الحالة قد يؤدّي ـ لا سمح الله ـ إلى حصول مشاكلَ بين الزوجين.

  • ضرورة الاهتمام بالتواجد في المنزل 

  • كان المرحوم العلاّمة يُذكّرُ أصدقاءَه لمرّاتٍ عديدةٍ بضرورة عدم التأخّر في العودة إلى المنزل مساءً؛ فكان يوصي الرجال بالعودة إلى البيت باكرًا، وعدم تضييع الوقت في الذهاب إلى هذا المكان أو ذاك؛ بل عليهم وعند عودتهم من العمل أن يذهبوا إلى منازلهم مباشرة؛ فلا يقل أحدُهم: يمكنني وعند عودتي من العمل أن أمضيَ ساعةً أو اثنين أو ثلاثة في مكانٍ ما، ويمكنني أن أعود إلى المنزل الساعة الحادية عشرة أو الثانية عشرة أو الواحدة ليلاً. إنَّ كلّ ذلك مضرٌّ، وهو ليس بالتصرّف الجيّد، وقد يؤدّي إلى حصول مشاكل. فالإنسان يخضع لضوابطَ خاصّةٍ، فإن تجاوزها ، خرج الأمر عن حدّ الاعتدال، واضطّرب أمره. فلا يصحّ مثل هكذا تصرّف.

  • كان المرحوم العلاّمة يقول: كان أحد تلامذة المرحوم الشيخ الأنصاري بعد حياته، والذي هو بحكم رفيق لي في الطريق، كان هذا الشخص لا يُعيرُ هذا الموضوع كثيرَ اهتمام، ومع أنَّني كنت أنبّهُه على هذا الأمر، إلّا أنَّه لم يكن يستمعُ إلى الكلام؛ فكان يقضي وقته مع أصدقائه في قراءة أشعار الشيخ حافظ وما شابه ذلك، ولا يعود إلى المنزل إلّا في الساعة الثانية عشر ليلًا؛ فبدأت المشاكلُ العائليّةُ في الظهور تدريجيّاً، الأمر الذي اضطرّه في نهاية المطاف إلى تطليق زوجته. والآن من هو المسؤول عن تحمّل الذنب المترتّب على ما حصل؟! إنَّ الزوج هو المسؤول، وذلك لأنَّه قد قصّر في واجبه؛ فهو لم يعمل بواجبه وترك عائلته في ذمة الله؛ فهو المقصّر إذن.

ضرورة رعاية الاعتدال في السير والسلوك - المرأة والأسرة - طهران - الجلسة الرابعة

11
  • فشل زواجٍ بسبب عدم رعاية الزوجة الاعتدال وإفراطِها في المسائل السلوكيّة 

  • إنَّني أعرف إحدى النساء التي اختلّت حياتها مع زوجها وانفصلت عنه، وها هي أربع سنوات تمضي عليهما وقد انفصلا عن بعضهما بشكل كامل؛ والسبب في ذلك يعود إلى تقصيرها في القيام بواجبها تجاه زوجها وأبنائها، وانشغالها بالذكر والعبادة والصلاة والارتباط بالصديقات؛ حيث تزورها صديقاتها ويتردّدن عليها ذهابًا وإيابًا ويَعقِدْن المجالس. إنَّ هذا التصرّف ليس بصحيح، وذلك لأنَّ هذا العمل يشكّل جزءًا من الحياة فقط، وللحياة جوانبُ أخرى أيضًا؛ تتمثّل تلك الجوانب في القيام بمتطلّبات الحياة اليوميّة والاستمرار بها ؛ من قبيل الاهتمام بأمور الزوج والأبناء والعائلة، فكلّ هذه هي عبارة عن الظروف التي تساعد على تحقيق الوصول إلى الهدف المقصود. إن أردنا أن نعيّن النسبة المئويّة للأعمال التي تساعد على الوصول إلى الكمال، فسنجد بأنَّ العبادة تشكّل عشرة بالمائة فقط، بينما يُشكّل رعاية الموازين تسعين بالمائة منها؛ فإن لم يعمل الإنسان على رعاية الموازين، فعندها سوف لن يكون للعبادة أثرٌ إيجابيٌّ، ليس هذا فقط، بل وسيكون لها أثرٌ سلبيٌّ على النفس. إنَّ الشيطان متربّصٌ وجالسٌ في المكمن؛ وهو يسعى بأيّة وسيلة متاحةٍ [للتخريب]؛ إنَّه يأتي عن طريق العبادة أحيانًا. لماذا يُقال للمرأة: عليكِ أن لا تصلّي الصلاة المستحبّة إن لم يكن الزوج راضياً بذلك؟ عندما لا يكون الزوج راضياً بذلك، وعندما تقتضي بعضُ الظروف أن تراعيَ المرأةُ جوانبَ الحياة الزوجيّة، فعليها أن تفعل ذلك. فعندما يكون الزوجُ خارجَ المنزل، فما المانعُ من إتيانك بالنافلة، أو قراءتِك للقرآن، لا أن تقومي بذلك عند عودته إلى المنزل متعباً بحيث يكون محتاجاً إلى إظهار التودّد وتهيئة الطعام وبدلًا من أن تهيّئي له ما هو بحاجة إليه تقومين وعلى سبيل المثال بلبسِ عباءتك والشروعِ في الصلاة والذكر والقرآن وما شابه ذلك. فأيّةُ صلاةٍ وأيُّ ذكرٍ ستكون هذه الصلاة وذلك الذكر؟! فلكلّ شيء وقتُه وحسابُه الخاصُّ به.

  • كانت تلك هي إحدى المسائل المهمّة التي كان المرحوم العلاّمة يذكّرُ بها رفقاءَه من الرجال والنساء على السواء، وكان يؤكّد على ضرورة رعايتها؛ لكي لا تُحدثَ المسائلُ السلوكيّةُ والعباديّةُ شيئًا من الخلاف أو التشنّج والفتور في العلاقةِ العائليّة. إنَّ هذا الأمر هو أمرٌ مهمٌّ للغاية؛ إذ إنَّ عدم رعايته سوف لن يؤدَّي إلى توقّفِ الإنسان وعدمِ تمكّنِه من طيّ الطريق فحسب، بل سيجعله يصيح: يا ويلاه، فأنا وخلال هذه المدّة البالغةِ عشرة أعوام أو خمسة عشر أو عشرين عامًا، لم يقتصر أمري على عدم طيّ أيّة مسافة فقط، بل قد أضعتُ فيها الكثير من الفرص التي لا يمكن تعويضُها. فهل لاحظتم؟!

ضرورة رعاية الاعتدال في السير والسلوك - المرأة والأسرة - طهران - الجلسة الرابعة

12
  • أهمّ الوصايا للمرأة في حياتها العائليّة

  • بناءً على هذا، فأوّلُ أمرٍ يجب على المرأة أن تهتمَّ به فيما يتعلّق برعاية المسائل السلوكية هو أن ترى، أيُّ تدبير وأيّةُ وسيلةٍ يجبُ أن تتّبعَها لكي تجعل من البيئة المنزليّة بيئة ًمليئة ًبالمزيد من الأنس والمحبّة والمودّة والحرارة. إنَّ هذه المسألة تعتبر الشرط الأول في تحقّق سير المرأة وسلوكِها. 

  • إنَّ كثرة الذهاب إلى المجالس، ليس هو بالأمر غيرِ المستحسن فحسب، بل قد يترك آثارًا سلبيّةً. فإنَّ مجلس الذكر يكفي حضوره لمرّة واحدة في الأسبوع، أمّا إن زاد على ذلك، فسيكون مضرًّا إلّا في ظروف خاصّة. وكذلك حضور مجلس الدرس يجب أن يكون بمقدار مرّة في الأسبوع، فإن زاد عنه، فقدت المرأة نشاطها وبهجتها الكافية التي يجب أن تتمتّع بها. 

  • ويُفضّلُ للسيّدات من ربّات المنازل أن يطالعْنَ الكتبَ في بيوتهنَّ، ويقُمْنَ بحفظ النقاط المبهمة لديهنَّ، ثمّ يسألْنَ عنها الخبيرَ في المجلس. 

  • وعلى النساء أن تعلم بأنَّ الشرط الأوّل الذي يجب تحقّقه من أجل حضور تلك المجالس، هو إحراز رضا الزوج، على أن لا يُكسَبَ مثلُ هذا الرضا بالإكراه أو بالتهديد، بل يجب أن يكون رضًا نابعًا من صميم القلب. إنَّني لا أقصد بذلك النوع من الرضا الرضا الذي يستحصل بالعصا طبعاً [للمزاح]؛ فيكون على الزوج أن يقول: نعم، قبلت، فيرضى برضا الله؛ ذلك الرضا الذي يعتبر أسوءَ من عدم الرضا. نعم، يجب أن يكون الرضا نابعًا من صميم القلب، لا تشوبه أيّةُ كدورة.نَّ هذا الأمر هو أمرٌ مهمٌّ للغاية

  • أهمّ آداب مجالس الذكر

  • واعلموا أنَّ هذه المجالس هي مجالس محترمة، نعم، إنَّ مجلس الذكر هو مجلس محترم؛ فلا ينبغي أن يحصل فيه كلامٌ زائدٌ، ولا ينبغي أن يتمّ فيه تبادل السؤال المتعارف عن الأحوال، بل لا بدَّ من رعاية السكوت والتوجّه، ويجب أن ترتبط القلوب ببعضها لكي يتمكّنَ الإنسانُ من الاستفادة.

  • كان المرحوم العلاّمة يوصي رفقاءه في الزمان السابق، وكان يعتبر هذا الأمر، أمرًا إلزاميّاً، وهو: ألا يُقدَّمَ في المجلس أكثرُ من نوع واحدٍ من الفاكهة؛ حتّى أنَّه إنّ قدّم نوعان من الفاكهة كان يأمر برفع النوع الثاني، وكذلك أن يتمّ التوزيع بعد انتهاء المجلس، لا أن توضعَ الفاكهةُ مع بداية المجلس. إنَّ وضع الفاكهة والحلوى والمكسّرات يوجب انصرافَ الذهن عن التوجّه إلى المبدأ ويوجب الانصرافَ عن التوجّه إلى النفس والغوص فيها والانصرافَ عن التوجّهِ إلى الباطن وعن جلب البوارق والواردات القلبيّة. إنَّ هذا الموضوع لا يطرحُ للمزاح.

ضرورة رعاية الاعتدال في السير والسلوك - المرأة والأسرة - طهران - الجلسة الرابعة

13
  • في الأيّام الأخيرة التي كان فيها المرحوم العلاّمة يسكن في طهران، قلت له يومًا: لماذا يتمُّ جلبُ الفاكهة أثناء مجلس الذكر؟ فيكفي أن يتمّ إحضارُ إناء من الماء من أجل رفع العطش، فلا حاجة لتوزيع الشاي والفاكهة؛ وذلك لعدم كون هذا المجلس مجلسَ احتفال. نعم، في مجلس الاحتفال يتمُّ توزيعُ الحلوى، ولكن ماذا عن مجلس الذكر؟ فنحن لا نريد أن نخدع أنفسنا؛ فمجلس الذكر لا يتلاءمُ مع هذه الأمور. إذ يحصل أحيانًا وفي بداية الطريق أن يكون للإنسان أهدافٌ معينّة، غير أنَّ هذا الهدف يخفّ مع مرور الزمان.

  • رأيتم ما كان يحصل في المجالس التي تُقام للإمام الحسين؛ فتُقام مجالسُ لعشرة أيّام، أو لأسبوع أو لشهر، غير أنَّ هذه المجالس تستغلّ لغرض التزاور والمجاملات وإظهار النفس والتفاخر والتباهي بالملابس وتبادل الكلام. إنَّ الخطيب أو الراثي يُلقي خطبتَه وينصرف، أمّا الحاضرون فهم يتمَنَّون أن ينهي خطبتَه بسرعة وينصرف لكي ينشغلوا بما ينشغلون به. إنَّ هذه التصرّفات تعتبر ابتعاداً عن الهدف وعن الطريق؛ فالهدفُ الذي أقيمت من أجله هذه المجالسُ هو هدفٌ مقدّسٌ، وهي تُقام باسمٍ مقدّس، ولغاياتٍ مقدّسة، غير أنَّه ومع مرور الزمان يحصل تغيّرٌ وتبدّلٌ. وهذا أمر خاطئ وغيرُ صحيح.

  • وهكذا ينبغي أن يكون الأمر في هذه المجالس، فيجب أن يُراعى فيها هذا الهدف أيضاً؛ فهو هدفٌ ومسيرٌ مقدّسٌ وهو ممّا يرى الإنسان بنفسه كيف أنَّه ينتفع به، نعم، إنَّه ينتفع به حقًّا. إنَّ حالي يتبدّلُ عندما أحضر بعض مجالس الذكر، فيحصل لي انشراحٌ وبهجة، أمّا في غيرها من الأماكن التي يذهب إليها الإنسان، فيرى كيف أنَّه يتعبُ وينقبضُ قلبه وتتكدّرُ نفسه. لماذا يحصل كلُّ هذا؟

  • كان الشيخ الأنصاري رضوان الله عليه يقول: إنّ المرأة إذا حضّرت الشاي ولم يكن ذلك عن طيب خاطر، فعندما يشرب الرفقاءُ هذا الشاي، سيشعرون بأنَّه لم يجرِ إعدادُه بطيب خاطر، ولم يحضّر عن حبٍّ واختيار، بل تمّ تحضيرُه بالجبر والإكراه. إنَّ نفسَ هذه المرأة التي عملت الشاي في تلك الظروف غيرِ الملائمة، نفسُها تتركُ أثرًا على الشاي؛ فعندما يشربُ أحدُهم هذا الشاي، تتكدّر نفسُه، وتنقبض روحه. أتلاحظون كم أنّ الأمر دقيقٌ؟! وكم هو حسّاسٌ؟! نعم، إنَّ الأمر مهمٌّ إلى هذا الحدّ.

ضرورة رعاية الاعتدال في السير والسلوك - المرأة والأسرة - طهران - الجلسة الرابعة

14
  • إنَّ القيام بعملٍ ما بدون رضا [الزوج] أو بإجبارِه أو إكراهِه يترك له أثرًا، وها نحن نقوم بأيّ عملٍ نريده من دون أخذ بقيّةِ الجوانب والظروف بنظر الاعتبار ونسجّل ذلك على حساب الله والنبيِّ والطريق والمرحوم العلاّمة. هذا في الوقت الذي يجب فيه على الإنسان تصحيحُ مسيره.

  • ولهذا السبب قال لي المرحوم العلاّمة: يا سيد محسن، إنَّنا مجبرون على التوصية بإحضار نوعٍ واحدٍ من الفاكهة وذلك لكون الرفقاء قد جاءوا من أماكنَ بعيدةٍ، فما دام المجلس قد انتهى، فلا بأس بأنَّ يتناولوا بعض الفاكهة لتلطيف مذاقِهم. ثمّ رأينا كيف أنَّه قد رفع فقرة الفاكهة هذه لاحقًا، وأوصى بالاكتفاء بتقديم الشاي فقط. لماذا؟ من أجل أن يزداد تركيزُ الذهن؛ فلا يخطر على بال الإنسان أنَّه سيتمُّ جلب الفاكهة بعد انتهاء المجلس؛ وذلك لأنَّ الذكر لا يمكن أن يتركَ أثرًا في مثل هذه الحالة. أمّا إن كان الإنسان يعلم منذ البداية بعدم وجود شيءٍ آخرَ غيرَ هذا الشاي الذي قد شربه... على أنَّه يمكن أن يُجلبَ الشايُ مرّةً أخرى بعد انتهاء المجلس. أنا لا أقول بعدم جلب الفاكهة، فلا بأس بالفاكهة، وأترك ذلك لرغبة رفقاء الطريق والأصدقاء، بل أنا أشير هنا إلى أصل المسألة، وأقول: هذا هو الطريق؛ فليتقدّمْ فيه الشخص بمقدار ما يستطيع.

  • لم يكن في نيّتي أن أتكلّم عن هذا الموضوع الذي تكلّمتُ به الآن، ولكن هذا ما أراده الله، فقد كنت أنوي أن أطرح موضوعًا آخرًا، وسأتكلّمُ عن الموضوع الآخر في المجلس القادم إن شاء الله. إذن فطريقُ السلوك لا يتمثّل في العبادة التي هي الصلاة فقط، بل كنت قد قلت لكم إنَّ الصلاة والذكر لا تمثّلُ سوى عشرةٍ بالمائة من السلوك، والتسعون بالمائة منه تتمثّلُ في مسائلَ أخرى من نوع تلك المسائل التي كانوا قد أوصوا بها. أتدرون ما الذي كان المرحوم العلاّمة قد قاله؟ إنَّه كان يقول: إنَّ السالك وعندما ينهض لصلاة الليل والدعاء، فإنَّه إنَّما يفعل ذلك لكي يستلم بالليل وينفق منه في النهار؛ أي يكون عليه أن يستغلّ صفاء الباطن والطراوة التي كسبها بالليل، والتي أُفيضت عليه، ويستفيد منها في معاملاته، فهذا هو المهمّ في الأمر. أتلاحظون الآن كم أنّ الأمر مهمٌّ؟!

ضرورة رعاية الاعتدال في السير والسلوك - المرأة والأسرة - طهران - الجلسة الرابعة

15
  • بناءً على هذا، فالسلوك الذي جاءنا به النبيُّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم، والسلوك الذي أوصى به الأئمّة ُهو عبارة عن سلوك خير أمّة، أو الأمّة الوسط؛ أي: إنَّكم أمّةٌ اتّخذتم الطريقَ الوسط، وطريقَ الاعتدال؛ فلم تميلوا لا إلى جانب الإفراط ولا إلى جانب التفريط، وهذا هو السلوك الذي كان يقول عنه المرحوم العلاّمة بأنَّه مقامُ جمعِ الجمع، ومقامُ الوحدةِ في الكثرة، وهو السلوك الذي لم يكن يمتلكه السابقون، ولم يصلوا إلى هذه الدرجات، بل هو ما حصل لأمّة النبيّ محمّد صلّى الله عليه وآله فقط.

  • نسال الله أن يوفّقنا للعمل بما أوصى به العظماء، وأن يحفظنا ويصوننا من الاعوجاج ومن الإفراط والتفريط.

  • الّلهمّ صلِّ على محمّد وآلِ محمّد.

  • أشكر السيّداتِ الكريماتِ على حضورهنَّ في هذه الفرصة التي سنحت، وكنت قد قلت بأنَّني أرغب أن تكون الجلسة خلال أقلَّ من شهرين؛ فأنا أنتفع من الأنفاس القدسيّة للأخوات الكريمات؛ وروحي تنبسط وصدري ينشرح عند حضوري لمثل هذه المجالس؛ وأنا أشتاق للقاء الأناس من أهل الطلب والراغبين في السير في طريق الله، والتكلّم معهم، وأنا أشعر في واقع الأمر أنَّني مغبونٌ عندما أراكم متقدّمين في المسير وأنا متخلّفٌ عن القافلة.

  • أرجو أن أكون دائمًا مشمولاً بدعاء خير الأصدقاء، وأن لا ينسوني. أشكر لطفكنّ كثيرًا وأنا ممتنٌّ لكنّ. أرجو أن تسمح لي السيّدات بالانصراف.