13

الحريّة في عبوديّة الله الخالصة

«لا تكن عبد غيرك فقد جعلك الله حرّاً»

7
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمالمرأة والأسرة

المجموعةالمرأة والأسرة - طهران

التاريخ 1422/10/22

جلسات المجموعة(12 جلسة)

التوضيح

هل تساءلت يومًا عن المعنى الحقيقي للحريّة في الإسلام؟ وكيف يمكن للإنسان أن يكون عبدًا لله وحده متحرّرًا من كلّ عبوديّة أخرى؟ ما هي الضوابط التي تحكم علاقة المؤمن بأصحاب النفوذ والمناصب الدنيويّة؟ وكيف يميّز بين الاحترام الحقيقي والتذلّل للمظاهر؟ ما قيمة الهيئة الخارجيّة واللباس في تقييم جوهر الإنسان وسيره الروحي؟ ما هي مسؤوليّة السالك في زمن غيبة المرشد الكامل؟ وكيف يختار طريقه ويقي نفسه من الادّعاءات الباطلة؟ وما هو دور الإمام المعصوم (عليه السلام) في هداية النفوس وإشرافه على السائرين في طريق الله؟
تجيب هذه المحاضرة القيّمة، التي ألقاها أحد السائرين على نهج المرحوم العلامة (رضوان الله عليه) ومن المتّصلين بمدرسته العرفانية، ألا وهو العالم بالله وبأمر الله آية الله السيّد محمّد محسن الطهراني عن هذه التساؤلات وغيرها. . .

/۲۱
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

الحريّة في عبوديّة الله الخالصة - «لا تكن عبد غيرك فقد جعلك الله حرّاً»

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • الحريّة في عبوديّة الله الخالصة 

  • «لا تكن عبد غيرك فقد جعلك الله حرّاً»

  •  

  • المرأة والأسرة - طهران - الجلسة الثالثة عشرة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني

  • قدس الله سرّه

  •  

  •  

الحريّة في عبوديّة الله الخالصة - «لا تكن عبد غيرك فقد جعلك الله حرّاً»

2
  •  

  •  

  • أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم

  • بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ 

  • وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا محمّد وعلى آله الطاهرين 

  • ولعنة الله على أعدائهم أجمعين 

  • الّلهمّ صلِّ على محمّدٍ صلّى الله عليه وآله وآل محمّدٍ

  •  

  •  

  • {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} ۱

  • مقدّمة: دواعي الحديث وموضوعه

  • قبل أن أصل إلى هذا المكان، كانت بعض الأمور تدور في ذهني؛ فكنت أفكّر في الأسئلة التي طرحها الأصدقاء في المجالس السابقة؛ والتي لم أتمكّن من الإجابة عليها. كنت أفكّر في أن أحدّثكم عن موضوعين أو ثلاثة من تلك التي وردت كثيرًا في الرسائل، غير أنَّ التقدير اتّخذ مجرىً آخرًا. فبناءً على ما حصل من أحداث، وما أوجدته من أسئلة في أذهان الأصدقاء ومنهم هذه السيّدة الكريمة التي تكلّمت عن بعض المسائل، كان من الأفضل أن نتناول هذه المسائل بالبحث.

  • أوّلاً: الحريّة في الاختيار: جوهر الدين الإسلامي ومنهج أهل البيت (عليهم السلام)

  • مفهوم الحريّة والعبوديّة الحقّة:

  • إنَّ الميزة الوحيدة للدين الإسلامي، والتي تجعله راجحًا على بقيّة الأديان من الناحية المنطقيّة والعقليّة هي ميزة منح الإنسان حريّته في اختيار الطريق الذي يريد أن يسلكه، وكونه حرّاً في ذوقه. إنَّ كافّة الآيات القرآنيّة والروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام والتي ترسم لنا أساس مسيرنا باعتبارنا من شيعتهم، ترتكز على هذه النقطة وهي كون الطريق إلى الله، الذي هو طريق الأنبياء والأئمّة عليهم السلام، مبنيّاً على أساس الحريّة التي هي موهبة إلهيّة؛ فالله تعالى خلق الإنسان حرّاً، ولا يطالبه بشيء إلّا أن يكون عبدًا له وحده. قال سيّد الشهداء عليه السلام للإمام السجّاد عليه السلام: «يا بُنيَّ، لا تكن عبد غيرِك، فقد جعلك الله حرّاً».٢ أتعرفون ما معنى العبد؟! إنَّ الإمام يعني ألّا يسمح الإنسان لنفسه بأن يكون تحت عبوديّة ورقيّة إنسانٍ آخر. على أنَّ معنى الرِقّ والعبوديّة ليس بهذا المعنى المتعارف من مثل وجود الغلام والعبد والأَمَة والجارية الذين يُشترون بالأموال وما شابه ذلك. كلّا، بل إنَّه يعني عدم جواز الطاعة والانقياد لإنسانٍ آخر مثله في الأمور التي لها وجهة دنيويّة لا أخرويّة، لماذا لا يجوز هذا الأمر؟ وذلك لكون المقابل إنساناً مثله.

    1. سورة البقرة (٢) الآية ٢٥٦ 
    2. نهج البلاغة من كلام لأمير المؤمنين في الخطبة ٣۱ 

الحريّة في عبوديّة الله الخالصة - «لا تكن عبد غيرك فقد جعلك الله حرّاً»

3
  • العزّة في طلب الحقوق ورفض التذلّل للمناصب 

  • إنَّ من الخطأ أن يتذلّل أحدٌ لمدير دائرة عند مراجعتها لحاجة له فيها، بل عليه أن يطلب ما يريده من مسؤول تلك الدائرة دون الحاجة إلى التذلّل والتواضع؛ فيقف أمامه بكلّ عِزّة وحريّة ويطرح عليه الموضوع الذي جاء من أجله. إن أجاب طلبه، فبها، وإن لم يجبه، فعليه أن يخرج؛ فالتذلّل والانحناء أمام المقابل لا يجوز أن يصدر تجاه أيّ إنسانٍ كائنًا من يكون.

  • قصّة إيصال الكتاب: مثال عملي على العزّة ورفض الخضوع للمظاهر

  • كُلّفتُ من قِبَل المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه بإيصال رسالة إلى أحد العلماء في سابق الأيّام؛ فقد ألّف كتابًا عن وجوب استعمال التأريخ الهجري، وعدم استخدام التأريخ الشمسي.۱ فكان مُقرّرًا أن أسلّم نسخة من هذا الكتاب إلى أحد العلماء. فذهبتُ إلى تلك المنطقة وذلك المنزل والمكتب والذي كان مسؤوله يعرفني وقلت له: «أريد أن أُسلّم هذا الكتاب، وكذلك الرسالة المرفقة التي كتبها المرحوم الوالد [رحمه الله] إلى ذلك الإنسان»، فوقع مسؤول المكتب في حرج شديد وجاملني وقال لي: «أعتذر كثيرًا، فقد وقعت مصيبة الآن، وهو لا يستطيع أن يستقبل أحدًا لمدّة ثلاثة أيام، هل تستطيع أن تأتي بعد ثلاثة أيام، فهو لم يستقبل أيّ أحد»، فقلت لا فقال: «أستطيع أن آخذ لكم وقتا للّقاء يوم غد بشكل استثنائي. قلت له: «كلّا، لا أستطيع ذلك، وذلك لأنَّني أنوي السفر إلى شيراز هذا اليوم، ولا يمكنني أن أُوجّل سفري، فأرجو منك أن تُسلّمه هذا الكتاب وأن توصل سلامنا إليه». تعجّب المتواجدون هناك كثيرًا؛ فمن يريد أن يلتقي بذلك الإنسان، عليه أن ينتظر أيامًا أو حتى أسابيع لكي يتمكّن من الالتقاء به لمدّة ربع ساعة، أمّا أنا فقد قلت وبكلّ بساطة: «عليّ أن أسافر إلى شيراز بعد الظهر، ولا يمكنني تأجيل سفري هذا، فأبلغه سلامي، وسلّمه هذه الرسالة» فلماذا فعلتُ ذلك؟! فقد كان بإمكاني أن أُؤجّل سفري، فلم يكن بتلك الضرورة. إنَّني فعلتُ ذلك من أجل أن أوصل إليه هذه الرسالة وهي: «لا تتصوّر بأنَّ احترامنا لإنسانٍ ما يكون على أساس مكانته الظاهريّة، كلّا، فنحن لا نُعير اهتمامًا لأيّ إنسانٍ وفي أيّ وقت من الأوقات بناءً على ما له من مكانة ظاهريّة، ولا ينبغي أن يحصل مثل هذا الشيء».

    1. وهي رسالة في بناء الإسلام على الشهور القمريّة وتفسير آية (إنّ عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق الله السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيّم )

الحريّة في عبوديّة الله الخالصة - «لا تكن عبد غيرك فقد جعلك الله حرّاً»

4
  • الاحترام الحقيقيّ للتقوى والعلم لا للمكانة الزائلة 

  • نعم، إن كان هنالك إنسانٌ مُتّقٍ وعالِم، فلا بدَّ من أن نحترمه، ويجب احترام من سار خطوات في الطريق إلى الله؛ ولكن يجب احترامه من هذه الناحية بالذات. أمّا إن أظهر الإنسان التذلّل والتواضع بسبب ما للمقابل من مكانة ظاهريّة ولما لديه من مسؤوليّة وسلطة وبسبب تردّد الناس عليه، فإنّ ذلك هو عبارة عن عبوديّة للغير. «لا تكن عبد غيرك»۱. إنَّك وأنت تحترم ذلك الإنسان في هذه اللحظة، فلأيّ شيء تحترمه؟! فلو لم يكن لديه المنصب الحالي، وكان إمامًا للجماعة في أحد المساجد، فهل كنت ستحترمه وتتواضع له كما تفعله الآن؟! ولو ذهبت إلى بيت أحد المدرّسين العاديّين على سبيل المثال، فهل كنت ستُظهر له هذا القدر من الاحترام؟! وهل كنت ستتصرّف معه بنفس هذه الطريقة؟! أم أنَّك كنت ستتصرّف معه بشكل آخر؟! 

  • ثانياً: حقيقة الجوهر وزيف المظاهر

  • قصّة العلّامة الوالد (رحمه الله): "عقول أكثر الناس في عيونهم" 

  • رحم الله والدي، و رحم كافّة أمواتكم وغفر لهم. حصل هذا الأمر في ليلة الثلاثاء؛ فقد كان يتحدّث في المسجد عن الفرق بين المسائل الاعتباريّة وبين غيرها، إذ كان يحضر هذه المجالس ما يقارب العشرة إلى خمسة عشر شخصًا من رفقاء الطريق؛ فبعد انتهاء جلسة القرآن، كان إمّا أن يُفسّر القرآن أو يقوم بشرح أحد الأحاديث القدسيّة، فطرح هذا الموضوع وقال: «إنَّ عقل أكثر الناس هو في عيونهم؛ وهم يعطون أهميّة كبيرة للمسائل الظاهريّة، ويأخذون الظاهر فقط بنظر الاعتبار، كما أنّ تحليلهم لما يحصل يبنى على ظاهر الأمور وليس على واقع الأمر،ثمّ قال: «سأضرب لكم مثالًا عن نفسي؛ فها أنا ألبس هذه الملابس، وأضع على رأسي العمامة ـ فقد كانت عمامته أكبر من عمامتي ، وكان يمسك بيده عصًا، ويلبس القباء والعباءة، كما تلاحظون، وكان الآخرون يرفعون أصواتهم بالصلاة على محمّدٍ صلّى الله عليه وآله وآله عند دخوله المسجد ويدعون له بالسلامة، وما شابه ذلك من أمور ـ قال: «لو أنَّني جئتُ من البيت إلى المسجد في ظهر أو مساء يوم غد»، إنَّه كان يضرب لهم مثالًا، لا أنّه سيقوم بهذا العمل بالفعل، بل كان يريد أن يضعنا أمام واقع الأمر ويمنحنا نظرة وشعورًا واقعييّن. قال: «سأقوم بنزع العمامة وأضع على رأسي قلنسوة بدلًا عنها، وأنزع عنّي القباء وألبس قميصًا وسروالًا بدلًا عنه، وأتخلّى عن العصا؛ فأدخل المسجد وأنا أرتدي القميص والسروال والقلنسوة. إنَّ علمي هو على ما كان عليه، وكذلك التقوى إن كانت لي تقوى، وكلّ شيء سيبقى على ما هو عليه، بل كلّ ما اختلف من الأمر هو أنَّ العمامة قد نزعت ووُضعت القلنسوة بدلًا عنها، فهل ستبقى نظرة هؤلاء الناس لي إلى مساء الغد كما هي؟! كلّا، بل إنَّها ستتغيّر بشكل جذري؛ أي إنَّهم وعندما ينظرون إليَّ، فسينظرون لي كرجل عادي، وسيتكلّمون معي بشكل مختلف إنَّهم وعندما يسألونني الآن، فوضعهم هو بشكل معيّن، أمّا عندما تتغيّر طبيعة ملابسي، فسيختلف هذا الشكل.

    1. نهج البلاغة مصدر سابق

الحريّة في عبوديّة الله الخالصة - «لا تكن عبد غيرك فقد جعلك الله حرّاً»

5
  • تجربة شخصيّة: تغيّر معاملة الناس بتغيّر اللباس 

  • ولقد جرّبتُ هذا الأمر بنفسي، وها أنا أنقل إليكم تجربتي الشخصيّة في هذا المجال؛ فعندما ذهبتُ إلى أحد الأماكن مع مجموعة من الأفراد الآخرين، فكان هؤلاء يتكلّمون معي بطريقة خاصّة عندما كنت بهذا اللباس وهذه العمامة، وعندما خلعتُ العمامة وارتديتُ الملابس العربيّة كما أفعل عند ذهابي إلى زيارة العتبات، تغيّرت عندها طريقة حديثهم وتعاملهم معي؛ وكنتُ أضحك حينها وهم لا يعلمون لماذا كنتُ أضحك، هذا في الوقت الذي كانت فيه الإجابات التي أقدّمها لهم هي الإجابات نفسها، إذ كانت الأسئلة التي تُطرح في الإطار نفسه. فلماذا يحصل مثل هذا الأمر؟! إنَّه يحصل بسبب تغلّب المشاعر والأحاسيس.

  • وهذا أمرٌ في غاية العجب، فكلّما فكّر الإنسان وتأمّل بشأنه، يرى بأنَّ هنالك المزيد منه، فعليه أن يجعل نفسه في موقف منطقي وعقلائي.

  • ثالثاً: نظرة إلهيّة للأنبياء والأئمّة (عليهم السلام) وأبعاد قضيّة الخلافة

  • يقول سيّد الشهداء عليه السلام: «لا تكن عبد غيرك، فقد جعلك الله حرّاً»۱؛ فعليك ألّا تُعلّق في رقبتك عبوديّةً غير عبوديّة الله؛ ولتكن نظرتك حتى إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله والإمام عليه السلام نظرة إلهيّة وملكوتيّة لا نظرة شخصيّة. نعم يجب أن تنظر لهم من الجانب الإلهيّ. إنَّ هذه المسألة هي واحدة من أهمّ المسائل الإسلاميّة، وهي المسألة التي تُبنى على أساسها الحركة في الإسلام.

  • قضيّة الخلافة بعد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) من منظور العقل 

  • وقد حصلت خدشة في هذه القضيّة بعد وفاة النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله، ووقع فيها الاختلاف. كنت أقول بأنَّه حتى ولو لم تحصل قضيّة عيد الغدير، فلو أنَّ المسلمين قد قدّموا أمامهم العقل في خطواتهم، فما الذي كان عليهم أن يفعلوه؟ هل كان بإمكان الإنسان العاقل أن يقيس أمير المؤمنين عليه السلام، وهو يرى منه ما يراه ويرى كيفيّة علمه بأسرار الأوّلين والآخرين، وأنَّه العالِم بما كان وما سيكون، والعالِم بكافّة العوالم العليا وكلّ عالم المادة، وقد شاهدوا كيف أنَّه لم يفرَّ من معركة ولم يلذ ببيته، نعم، هل يمكن للعاقل أن يقيس أمير المؤمنين عليه السلام بذلك الإنسان الأحمق والجاهل الذي لا يستطيع أن يُميّز بين يده اليسرى واليمنى، ثم يقومون بتقليده أمر الخلافة؟ هل يمكن أن يكون من يفعل مثل هذا إنسانًا عاقلًا؟ هذا مع فرض عدم وجود قضيّة يوم الغدير. إذن فما فعله أهل السنّة هو عمل غير عقلائي من الأساس؛ فالعقل يُدين مثل هذا التصرّف. لا شأن لنا الآن بما حصل في يوم الغدير، فسواء أكان هنالك يوم باسم يوم الغدير أم لم يكن، ولنفرض عدم وجوده. إنَّ ما حصل، ولمّا كان يترافق مع حدث غير منطقي وغير عقلائي، فهو يُصنّف على أنَّه مخالف للمنطق والعقل ومخالف للسيرة المنطقيّة والعقلائيّة، وهو يسير بصاحبه في هذا الاتجاه غير العقلائي.

    1. نهج البلاغة الخطبة ٣۱

الحريّة في عبوديّة الله الخالصة - «لا تكن عبد غيرك فقد جعلك الله حرّاً»

6
  • الفرق بين منهج الأئمّة (عليهم السلام) ومنهج غيرهم 

  • عندما يأتي أحدهم ويسأل أبا بكرٍ سؤالًا ثمّ يعجز عن الجواب، نراه يأمر بضرب هذا السائل وإخراجه من المسجد۱. لاحظوا كيف أنَّ ما حصل هو أمر غير منطقي! هل حصل لحدّ الآن أن سأل أحدٌ أحدَ الأئمّة عليهم السلام سؤالًا، ولم يتمكّنوا من إجابته؟! هل حصل مثل هذا الشيء؟! كلّا، لم يحصل، وهل أُمر أحدُ أصحابهم بضرب وإخراج من يعجزون عن إجابته؟ كلّا، بل كانوا يقولون: «اصبر حتى نأتيك بالجواب»، إنَّهم يقولون: «إن استطعنا أن نجيبك على سؤالك، أجبناك، وإن لم نستطع، فسنذهب ونسأل ونأتيك بالجواب»، فلا مجال للضرب والسبّ والتعدّي في النظام الإسلامي وفي مذهب الشيعة. نعم، لا وجود لمسألة إلصاق التهم والأمور الباطلة بالغير في حكومة الإسلام وفي حكومة الأنبياء عليهم السلام. عندما وقعت تلك الأحداث غير المنطقيّة بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله، فإنّ استمرارها سيكون غير منطقيّ بالطبع، ولهذا نرى بأنَّ كافة الخلفاء حكموا بالقوّة والظلم. ما دمتَ أنت خليفة المسلمين ولم يرغب عليّ بن أبي طالب عليه السلام بالبيعة، فلماذا أخذتموه إلى المسجد بالقوّة؟ ولماذا وقفتَ على رأسه بسيفك يا عمر وأنت تقول: «بايع وإلّا نزلتُ بهذا السيف على رأسك»؟٢ إنَّ الأمر يعود إليه، إن شاء بايع، وإن لم يشأ لم يبايع، فها أنت قد وصلت إلى مرادك. إنَّ هذا هو معنى استمرار الظلم والفساد.

  • رابعاً: طريق الله: اختيار وحريّة، لا إكراهٌ وغصب.

  • أمّا بالنسبة إلى أمير المؤمنين عليه السلام؛ فهو عندما وصل إلى الخلافة بذلك الوضع المعروف؛ ٣حيث هجم الناس على بيته وكسروا الباب وكادوا أن يدوسوا الحسنين عليهما السلام وكادت أضلاعهما أن تنكسر. نعم، إنَّهم جاءوا إلى بيت أمير المؤمنين عليه السلام بعد مرور خمس وعشرين سنة بمثل هذا الوضع، وقالوا: «يا عليّ نريدك أن تصبح أنت الخليفة»، وبايعوه بهذا النحو. فخطبهم أمير المؤمنين عليه السلام وقال: «إنَّني لا أرغب في الخلافة، وقد غصبتموها منِّي منذ البداية، فما دام الأمر كذلك، فمن شاء فليُبايع، ومن شاء، فليمتنع»٤ ما الذي يعكسه مثل هذا التصرّف؟! إنَّ هذا هو المنطق، وهذا هو الحقّ، فذاك ظلمٌ وهذا حقٌ، كيف يكون ذلك؟! ذلك لأنَّه لا مكان للظلم في طريق الله، ولا مجال للضغط على الآخرين، والتلويح باستعمال العصا فيه، بل إنَّ هذا الطريق هو طريق الاختيار؛ من شاء فليفعل، ومن لم يشأ، فلا شأن لأحد معه، نعم، إنَّ طريق الله هومن خلال الاختيار وإعطاء الحريّة، ولا مجال فيه لتوجيه التهم وللتلاعب، وهو ليس ألعوبة بيد هذا وذاك.

    1. لاحظ هذا النوع من الروايات في كتاب الغدير في الكتاب والسنّة والأدب جلد ۷ص٢٤۱-٢٤٢نقلا عن المجتنى لابن دريد وكذلك كتاب كمال الدين وتمام النعمة باب ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في القائم عجل الله فرجه. 
    2.  الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ج۱ص٢۰
    3.  نهج البلاغة ، الخطبة الشقشقيّة ج۱ص٤۸
    4. حيث ورد كما في نهج البلاغة الخطبة ٩٢دعوني والتمسوا غيري؛ فإنا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول. وإن الآفاق قد أغامت، والمحجة قد تنكرت، واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغ إلى قول القائل، وعتب العاتب، وإن تركتموني فأنا كأحدكم، ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، وأنا لكم وزيرا، خير لكم مني أميرا (٣). 

الحريّة في عبوديّة الله الخالصة - «لا تكن عبد غيرك فقد جعلك الله حرّاً»

7
  • المسؤوليّة الفرديّة في اتّباع الحق والتحرّر من المجاملة والهوى

  • إن استطعتُ أن أقوم بعملي بالشكل الصحيح؛ واستطعت أن أنجزه وفقًا للموازين الصحيحة، فسأكون مكلّفًا بالقيام بمثل هذا العمل، أمّا إن تخطّيتُ الحدود المرسومة لي في يومٍ من الأيام، وانحرفتُ عنها، ثمّ أطعتموني في ذلك؛ فستكونون مسؤولين أمام الله في يوم القيامة فلا مجال للمجاملة في طريق الله، ولا وجود لمثل هذه الأمور فيه. عليكم أن تنظروا فيما يُطرح عليكم من قبل أيّ أحد على سبيل المثال لتروا هل إنَّ ما يطرحه عليكم متوافق مع الموازين الصحيحة أم لا؟ إن كان متوافقًا، فبها، وإلّا، فلا ينبغي للإنسان أن يُتابع الغير على أساس الهوى والتخيّلات والذوق الشخصي، إن فعل أحدكم مثل هذا الشيء، فسيكون قد وضع المنطق والعقل جانبًا. إنَّ كلّ إنسانٍ حرٌّ في اختيار الطريق الذي يرغب فيه.

  • رفض سلب حريّة الاختيار التي هي أساس التشيّع 

  • إنَّ مذهب التشيّع لمّا جعل الحريّة في الاختيار هي أساس بنيانه ومحوره وعمود خيمته، فما الذي يُعطينا الحقّ في أن نرسم حول أنفسنا خطًّا ونصنع محيطًا نسلب فيه الناس اختيارهم؛ فذلك حقٌّ منحه الله لكلّ إنسان، فمن أكون أنا لكي آتي وأسلب أحدهم مثل هذا الحقّ الممنوح له؟ ومن أكون لكي أسلبه حريّة الاختيار؟!

  • خامساً: الثبات على المنهج الربّاني بعد رحيل المربّي

  • لقد رأى كافّة الأصدقاء ذلك الاضطراب العجيب الذي حصل بين رفقاء المرحوم العلاّمة [رضوان الله عليه] بعد وفاته؛ فكانوا يقولون: «ما الذي سيحصل بعد ارتحاله؛ فلقد كان الرجل وليّاً إلهيّاً، وله ما له من الحالات، وها هو قد ارتحل عن الدنيا، فما الذي سنفعله والحال هذه؟!». لقد عمّ مثل هذا الاضطراب حال الجميع بالشكل الذي عمل فيه على تشويش أذهانهم. إلى اليوم الثالث والليلة الرابعة بعد وفاته كان الجميع يعيش حالة الذهول. وفي الليلة الرابعة عُقد مجلس في بيت المرحوم العلاّمة [رضوان الله عليه] حضره أصدقاؤه. فتكلّم أخي الأكبر لعدّة دقائق، ثمّ طلبوا منِّي أن أتحدّث، فطرحتُ عندها هذا الموضوع وقلت: «هل يختلف الله في زمان المرحوم العلاّمة [رضوان الله عليه] عنه في الزمن الذي بعده؟! إنَّ المرحوم العلاّمة [رضوان الله عليه] قد دُفن ـ على أنَّ جسده هو الذي دُفن ـ أمّا الله، فلم يُدفن، ولقد أُغلق الملفّ الظاهري للمرحوم العلاّمة [رضوان الله عليه]، أمّا ملفّ الله، فلم يُغلق، بل هو مفتوح على الدوام. إنَّ طريق الله لا يُغلق أو يُفتح برحيل إنسانٍ أو قدومه؛ بل سيبقى هذا الطريق وهذا المسير على حاله الأوّل، وسيستمرّ على ما كان عليه.

الحريّة في عبوديّة الله الخالصة - «لا تكن عبد غيرك فقد جعلك الله حرّاً»

8
  • الحقّ الأصيل في اختيار المرشد الروحي 

  • أتلاحظون؟! إنَّ حريّة الاختيار تمثّل الحقّ المبدئي لكلّ إنسان، فمن كان يرى وجود إنسانٍ ما يستطيع هو أن يتّبعه ويأخذ عنه مسائله، فعليه أن يذهب إليه أينما كان في هذا العالم، نعم، من كان يرى ذلك الإنسان، إنسانًا مناسبًا ومفيدًا له، فليذهب إليه. لماذا؟ لأنَّ الأساس الذي تبتني عليه حركتنا هو عبارة عن الحريّة، وأنا لم أقم وسوف لن أقوم بحول الله وقوّته بسلب هذه الحريّة من الأصدقاء بأيّ وجه من الوجوه، كما أنَّني سأحتفظ لنفسي بمثل هذا الحق في علاقة الآخرين بي بحول الله وقوّته.

  • أهمّيّة الاستمرار على نهج الحريّة المكتسب في حياة المربّي

  • إنَّ الإنسان الوحيد الذي كان يتكلّم مع المرحوم العلاّمة [رضوان الله عليه] في حياته بحرّية هو أنا؛ فقد كنتُ أطرح عليه المسائل بكلّ صراحة. على أنَّ ما قامت به هذه السيّدة من قدومها وتكلّمها ليس خاليًا من أيّ إشكال فحسب، بل إنَّه عملٌ غاية في الجودة والحُسن، وهكذا يجب أن يكون الأمر، فلا ينبغي أن تبقى في ذهن أحدكم أيّة شُبهة أو شكٍّ، ويجب على الإنسان أن يختار الطريق الذي يريد أن يسير عليه بكلّ راحة وهدوء أعصاب. وهذا هو الذي جعل طريقنا ينفصل عن طريق الآخرين بعد ارتحال المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه. كيف؟ لأنَّهم كانوا يريدون أن يسلبوا منَّا حريّة الاختيار هذه، غير أنَّنا لم نستسلم. إنَّ الحريّة التي تعلّمناها في حياة المرحوم العلاّمة [رضوان الله عليه] أفادتنا في فترة ما بعد ارتحاله؛ أي إنَّني استمررتُ في الاحتفاظ لنفسي بنفس حريّة الاختيار التي كنت عليها في عهد المرحوم العلاّمة [رضوان الله عليه]، فلم أعمل في أيّ وقت من الأوقات بالطاعة التعبّدية على طريقة تقليد البّبغاء.

  • سادساً: مراتب العصمة والولاية الحقّة

  • على أنَّ مثل هذا الشيء يجب أن يحصل بموجب المنطق، وإلّا فإنَّ العقل يحكم بالطاعة التعبّدية في بعض الأحيان؛ فالعقل يحكم بوجوب عدم الأخذ والرّد إن حضر أحدهم في محضر الإمام عليه السلام. ولكن في محضر مَنْ يجب أن يحصل مثل هذا الشيء؟! إنَّه يحصل في محضر الإمام عليه السلام؛ فهو وحده المعصوم عن الخطأ ولا غير؛ حيث أنَّ نقش العصمة قد ضُرب بأسماء أربعة عشر معصومًا فقط، أمّا غيرهم من الناس، فهم ممن يقع في الخطأ.

الحريّة في عبوديّة الله الخالصة - «لا تكن عبد غيرك فقد جعلك الله حرّاً»

9
  • الوليّ الإلهيّ الفاني في الله وعصمته في الأمور الكلية 

  • الّلهمّ إلّاصنفاً واحداً من الناس من غير الأئمّة عليهم السلام، وهو الإنسان الذي طوى كافّة مراتب الأسماء والصفات في سيره في العوالم الربوبية وعوالم النفس والنور، والذي اندكّت نفسه وانمحت وفُنيت في ذات الله، ثم لبس وبعناية الله لباس البقاء في سيره النزولي. إنَّ مثل هذا الإنسان وعلى الرغم من أنَّه قد يخطئ من الناحية الظاهرية وفي الموارد الجزئيّة فقط؛ كأن يقول لأحدهم ناولني قدح اللبن هذا، في الوقت الذي يكون في القدح عصير، إذ لم تتمكّن عينه من تشخيص السائل الموجود فيه جيدًا، فيقول له المقابل: «إنَّ في هذا القدح عصيرًا». أو ما قد يحصل في بعض المسائل الجزئيّة. أمّا في بقيّة المسائل الأخرى والتي هي: أولًا: المسائل التي تتعلّق بالأمور الاجتماعية، [وثانيًا:] ما يرتبط بتربية الإنسان وتربية النفوس، وكذلك في مسألة أخرى لا أريد أن أذكرها. ففي هذه الأمور الثلاثة التي ذكرتُ لكم اثنين منها، لا يمكن له أن يخطئ فيها؛ فلا يمكن للولي الإلهي أن يخطئ فيما يخصّ وجهة نظره بمسألة ما أو ما يُوصي به أحدهم من القيام بأمر معيّن، وكذا بالنسبة للأمور الاجتماعية وما يُطرح بشأن صلاح قضيّة من القضايا الاجتماعية أو فسادها.

  • شهادة وجدانيّة على صدق الوليّ الإلهي وتحقّق إخباراته 

  • وهذا ما لمسناه وجدانًا بأنفسنا في الأمور التي كان يتكلّم عنها، ثم شاهدنا حصولها. أمّا بشأن ما كان يُخبر عنه من أحداث ستحصل في المستقبل، فقد شاهدنا حصولها بأنفسنا، ومن ضمنها ما حصل أخيرًا من القضايا التي حدثت بعد وفاته. كيف يكون الأمر بهذا الشكل؟ وذلك لأنَّه إن أخطأ في إشرافه الكلّي على المسائل التي ستحصل، فسيعمل ذلك على سدّ الطريق، وقد يؤدِّي ذلك إلى إتلاف النفوس والعياذ بالله، وقد ينجرّ الأمر إلى فساد عام وشامل. نعم، إنَّ الموضوع هو موضوع مهمٌّ ودقيق جدّا.

  • سابعاً: حقيقة التواضع ومسؤوليّة السالك في طلب الحق

  • إنَّ ما ذكرته من أمور هي تتعلّق بالوليّ الإلهي، أمّا بالنسبة إلى هذا العبد، فما علاقتها به! فأنا إنسانٌ مثلكم؛ ولا يوجد أيّ فرق من هذه الناحية بيني وبينكم. أمّا من الناحية السلوكيّة وغيرها، فأنا سمعتُ مطالب من العظماء ومن هنا وهناك [وها أنا أضعها بين أيديكم] وأنا أغبط الأصدقاء على ما تحصل لهم من حالات. على أنَّني أخبرتُ الجميع بأنَّني لستُ من أهل التواضع، ولم أرَ في حياتي وصول [أهل التواضع المصطنع] إلى نتيجة من تواضعهم هذا. أي إنَّني رأيتُ ذلك أفضل لحالي من أن يُستعمل لفظ الأستاذ في التعامل معي، فلا أستسيغ هذا اللقب أبدًا، فكيف إن استُعملت أوصافٌ وتعابير أخرى بحقّي تتأذّى نفسي منها وتتبرّأ ممن يُطلق عليه مثلها، مع أنّها لا تُطلق إلّا على من طوى كافّة تلك المراحل. وقد جاءني قبل أيّام عدد من الأصدقاء إلى قم وطرحوا بعض المسائل، وكانوا يستخدمون لفظ الأستاذ بين الحين والآخر، فقلت لهم: «إنَّني لا أرى نفسي والله ذلك الأستاذ الذي تصفونه، فإن كنتم ترغبون في أن تسمّوني بالأستاذ، فادعوا الله لي لكي أرى في نفسي أنّي أستحق هذا اللقب، ثمّ وبعد أن يتّضح لي هذا الأمر، فتستطيعون عندها أن تستخدموه. غير أنَّ الأمر بهذا الشكل وهو: إنَّني لا أرى في نفسي ذلك الأستاذ الذي يقصده أهل العرفان، فها أنا أقول لكم هذا الأمر بكلّ صراحة، وها أنا أقوله أمامكم جميعًا، فأنا لا أرى في نفسي ذلك الأستاذ.

الحريّة في عبوديّة الله الخالصة - «لا تكن عبد غيرك فقد جعلك الله حرّاً»

10
  • واجب السالك في البحث عن المرشد المؤهّل والاستفادة منه

  • إن وجدتم من يستطيع أن يفيدكم بأدنى مقدار من الفائدة، ويستطيع أن يُفيض عليكم، وله مثل هكذا قابليّة ـ بغض النظر عن أن يكون أستاذًا أو لا يكون ـ فأنتم مسؤولون من الناحية الشرعيّة إن لم تتابعوه. أتلاحظون كيف أتكلّم معكم بكلّ صراحة، وها أنا أقول ذلك بعيدًا عن التواضع والمجاملة. نعم، إنَّني لستُ من أهل التواضع، وكنتُ قلتُ هذا الأمر من قبل لرفقاء الطريق، والأصدقاء يعلمون ذلك منِّي. كما قلتُه لرفقاء الطريق في تلك الليلة بعد ارتحال المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه، فقد كان الظرف يتطلّب منِّي أن أتكلّم بشيء من الصراحة والشفافيّة، فقلت لهم ما أقوله لكم الآن بعينه وهو: «من يرى إنساناً يستطيع أن يفيده من ناحية أحوال النفس أو الإجابة على الأسئلة أو القابليّة على طرح المواضيع العلمية أو من حيث امتلاكه للخصائص النفسيّة أو من ناحية إمكانية الاستفادة والاستفاضة منه، في أيّ مكانٍ من العالم كان، وفي أيّ نقطة من نقاط الكرة الأرضية كان، ثمّ تكاسل في الرجوع إليه وأحال الأمر من اليوم إلى الغد، وأخذ بالاستماع إلى كلام هذا وذاك من الناس، فسيكون هو المسؤول عن هذا الأمر. ومن ناحيتي، فأنا لا أتحمّل أيّة مسؤوليّة في ذلك.

  • الحاجة المستمرّة إلى الهداية والأستاذ الكامل: رؤية لا منقصة فيها

  • إنَّ ما يجب أن تنتبهوا إليه هو أنَّني من حيث الحاجة إلى أستاذ وإلى من يأخذ بيدي مثلُكم، فأنا مثلكم من دون أن يكون هنالك أيّ فرق بيني وبينكم من هذه الناحية بأيّ وجه من الوجوه. لا تتصوّروا بأنَّني أطرح هذا الموضوع في هذا المجلس وهذه البرهة من الزمان فقط، بل طرحتُه لمرّات عديدة؛ فإن وجدتُ إنسانًا يستطيع أن يفيدني من الناحية السلوكيّة، فسوف لن أتردّد لحظة واحدة في الالتحاق به. إنَّني أقول هذا الأمر بكلّ صراحة، وهكذا يجب أن يكون الأمر بالنسبة إلى سائر الأصدقاء، فلا فرق بيني وبينهم من هذه الناحية. أمّا ما يمكن أن يقوله، أو سيقوله الآخرون بشأن هذا العبد، فلا شأن لي أنا به، وهذا الأمر يرجع إليهم وإلى ما هم مكلّفون به، وإلى استنتاجهم، أمّا بالنسبة لي، فأنا أرى نفسي مثلكم من حيث احتياجي إلى الهداية واحتياجي إلى الأستاذ الذي قطع الطريق، وأنا لا أرى في ذلك أيّة منقصة لي، فلا يمكن أن يُعاب الإنسان على مثل هكذا رؤية لحاله في أيّ وقت من الأوقات، بل إنَّ ذلك يعتبر عين الحُسن والصواب. إنَّ الإنسان سيُعاب متى ما حرم نفسه من الفرصة المؤاتية، ومتى ما حرم نفسه من هكذا نعمة، ومتى ما شغل نفسه ومن تلقاء نفسه بمسائل فارغة وتافهة وكان قد تخلّف عن الحقيقة، ومتى ما لم يُرتّب أثرًا على ما طُرح. فالعيب يكون في هذا. أمّا إن شعر الإنسان بوجود من يمكن أن يكون مفيدًا له، وهو يسعى وراء الالتحاق به، فسيكون ذلك هو عين الصلاح.

الحريّة في عبوديّة الله الخالصة - «لا تكن عبد غيرك فقد جعلك الله حرّاً»

11
  • الولاية الباطنيّة وتجلّيات العناية الإلهيّة ومحوريّة الإمام (أرواحنا فداه)

  • إنَّ ما يمكن أن يعرض للإنسان في هذا المجال هي حالات مختلفة؛ فقد لا يُظهر الله تعالى لعبده في برهة من الزمان ذلك الإنسان الواجد للشرائط، الذي أسماه المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه في كتابه بالوليّ الباطن، وقد لا يستطيع الإنسان أن يصل إليه، على أنَّني سأتكلّم عن هذا الموضوع بشكل مفصّل في مجلّدات شرح حديث عنوان البصري إن وفّقني الله لذلك. وفي برهة أخرى من الزمن قد يصل الإنسان إلى مثل هكذا فرد. ولكنَّه على أيّة حال، وفي كلتا البرهتين فإنَّ الأصل المبدئيّ للموضوع يدور حول محور الولاية، فلماذا نغفل عن مثل هذا الأمر؟! إنَّ الذي كافّة الأمور بيد قدرته، وكافّة الأحداث تحت نظره، والمربيّ للنفوس وسائقها نحو الكمال، وهو مهيمنٌ على كلّ شيء، هو فقط شخص بقيّة الله أرواحنا فداه ولا غير. وكلّ من سواه وحتى إن كان هنالك وليّاً مطلقًا مثل المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه، فهو إنَّما يأخذ الفيض من نافذة نفس الإمام عليه السلام ويقوم بتوزيعها على الآخرين. إنَّ ذاته المقدّسة مشرفةٌ علينا جميعًا، وهو لا يغفل عنَّا طرفة عينٍ أبدًا، فما علينا سوى أن نُصفّي قلوبنا ونوايانا لكي نتمكّن من الاستفادة منه بشكل أكبر.

  • ثامناً: تجارب سلوكيّة وعلاقة العلّامة (رضوان الله عليه) بأساتذته

  • أيّ تأثير سيتركه عليكم تكرار مجيئي إليكم؟! وما علاقة حديثي معكم هنا وعدمه في الأمر ؟! فأنا واحدٌ مثل آلاف الناس المحتاجين إلى من يأخذ بأيديهم، والمحتاجين إلى رعاية الإمام عليه السلام بدون شكّ، حالي في ذلك حالكم في مثل هذا الأمر وبدون أيّ فرق سوى أنَّني لم أعثر بالفعل في هذا الوقت على الإنسان المناسب، والسبب في ذلك يعود إمّا إلى تقصيري أو قصوري، ويمكننا أن نسمّي ذلك بعدم التوفيق أو بأيّة تسمية أخرى. على أيّة حال، فأنا لم أعثر على الإنسان المناسب الذي يمتلك المؤهّلات التي ذكرتها لكم، ولعلّه يوجد من يحملها وأنا الذي لا اطّلاع لي عليه.

  • علاقة العلّامة (رضوان الله عليه) بأساتذته: احترام وتقدير مع البحث عن "الضالّة المنشودة" 

الحريّة في عبوديّة الله الخالصة - «لا تكن عبد غيرك فقد جعلك الله حرّاً»

12
  • وهذا ما حصل للمرحوم العلاّمة [رضوان الله عليه] أيضاً، فقد حصل له مثل هذا عندما أمضى سنين عديدة تحت تربية العلاّمة الطباطبائي [رضوان الله عليه]، والشيخ عبّاس هاتف القوچاني [رحمه الله]، والشيخ محمّد جواد الأنصاري الهمداني [رحمه الله]، وغيرهم من الأساتذة الآخرين. لا تتصوّروا بأنَّهم كانوا أساتذة للمرحوم العلاّمة [رضوان الله عليه] بالمعنى المُصطلح عليه لكلمة الأستاذ. إنَّ المرحوم العلاّمة الطباطبائي [رضوان الله عليه] رجلٌ عظيمٌ جدًّا، وكانت الكلمة التي قالها المرحوم العلاّمة [رضوان الله عليه] في حقّه هي: «إنَّ الملائكة لا تذكر اسمه ما لم تكن على وضوء. إنَّ هذا الكلام ليس من باب المجاملة. وأمّا بالنسبة إلى الشيخ محمّد جواد الأنصاري [رحمه الله]، فكان المرحوم العلاّمة [رضوان الله عليه] يقول بحقّه: «عندما كنتُ أريد أن أنظر إليه، فكأنّما كنتُ أنظر إلى نبيٍّ من الأنبياء»، وهكذا كانت تصرّفاته عندما كان بمعيّته. وكذلك كان الأمر بشأن العظماء الآخرين الذين كان على ارتباط بهم؛ فقد كانوا أُناسًا منزّهين وملتزمين وطاهرين ومن أصحاب القلوب السليمة ومن السائرين على طريق الحقّ. أمّا ما قاله المرحوم العلاّمة [رضوان الله عليه] بشأن السيّد الحدّاد [رضوان الله عليه]، فقد كان شيئًا آخرًا، فقد قال بحقّه: «عندما وصلتُ إلى السيّد الحدّاد [رحمه الله]، فإنَّني كنتُ قد وصلتُ للتّو إلى مطلوبي وضالّتي». أتلاحظون كيف هو الأمر؟! وها نحن ندير ألسنتنا بلفظ الوليّ هكذا؛ فترانا نطلقه على هذا وذاك. أيّة سخرية هذه؟! فما معنى أن تُطلق هذه العبارة عليَّ وعلى أمثالي.

  • عمق تجربة العلّامة (رضوان الله عليه) مع السيّد الحدّاد (رحمه الله) 

  • كنتُ أشرتُ إلى هذه الحكاية مجرّد إشارة فقلت: «في المرحلة الوسطيّة لتعرّف المرحوم العلاّمة [رضوان الله عليه] على المرحوم الحدّاد [رحمه الله]، لا في أواخر عهد معرفته به، بل في تلك المرحلة الوسطيّة، كان أشار إشارة إلى أمرٍ حصل في إحدى أسفاره إلى كربلاء فقال: كنتُ رأيتُ من المرحوم الحدّاد [رحمه الله] أمراً، وعندما حكيتُ القليل من الكثير الكثير الكثير منه ـ كرّر كلمة الكثير لعدّة مرّات ـ إلى أحد التلامذة الناضجين والمخضرمين والمسنّين للشيخ الأنصاري [رحمه الله]، بقي هذا الرجل مبهوتًا لمدّة أسبوع. فأيّ سرٍّ كان قد انكشف له والذي جعله يقول: «عندما كشفتُ القليل من الكثير الكثير الكثير منه»، كرّرها هكذا لعدّة مرات حصل ما حصل.

الحريّة في عبوديّة الله الخالصة - «لا تكن عبد غيرك فقد جعلك الله حرّاً»

13
  • ضرورة الالتزام بالموازين الربّانية في كلّ قول وفعل

  • هل لاحظتم هذا الأمر؟! على أيّة حال، فإنَّ رعاية الموازين أمرٌ مطلوبٌ في جميع الأحوال؛ فعلى الإنسان أن يلتزم بالموازين. قد أستطيع أن أتكلّم بشكل متقن، وأشرح المواضيع بشكل جيّد، وأنقل الحكايات لكم، غير أنَّ الأمر المهمّ هنا هو أن تكون هذه النشاطات مبنيّة على أساس الموازين وعلى أساس الأوامر والتكاليف، نعم، يجب أن تكون مبنيّة على أساس الأوامر والتكليف.

  • تاسعاً: قصّة الرجل ذي المكانة واختبار الإخلاص الحقيقي 

  • جاء أحدهم إلى المرحوم العلاّمة [رضوان الله عليه] عندما هاجر إلى مشهد، فقد حصلت هذه القضيّة قبل ما يقارب العشر سنوات وكان الرجل معروفًا كثيرًا ومحترمًا جدًّا، وله مكانة مرموقة في المجتمع، فتكلّم قليلًا عن أحواله الخاصّة وعن الكيفيّة التي يجب عليه أن يعمل بموجبها، وكيفيّة تشخيص التكليف، وتشخيص صدق النيّة، وكيف يمكن له أن يعرف بأنَّه كان صادقًا، ويعرف بأنَّه لم يكن يكذب، وأنَّه لم يكن يخدع نفسه. فقال المرحوم العلاّمة [رضوان الله عليه] بعد هذا الكلام: «على الإنسان أن يختبر نفسه ليرى هل إنَّ وضعه النفسي سيتغيّر فيما إن جُرِّد عن مكانته وعمّا كان يقوم به من نشاطات، كأن يُقال له وعلى سبيل المثال: اذهب إلى إحدى القرى وتولَّ إدارة مسجدها، فصلِّ بأهل تلك القرية ووضّح لهم بعض المسائل الدينيّة، فهل سيتغيّر وضعه أم لا؟. فتنهّد هذا الإنسان مرّة واحدة وقال: «فيُعلم من هذا بأنَّ كلّ عمري قد ذهب أدراج الرياح. أي إنَّه كان يتصوّر نفسه يعمل للّه، وإذا به يكتشف بأنَّ كلّ عمله هذا كان للنفس، وكان يتصوّر بأنَّ الطريق الذي يسير فيه هو الطريق إلى الله، وإذا بالأمر ليس بهذا الشكل. فعندما تتغيّر المكانة، سيُعلم عندها كم عمل بالتكليف، وكم عمل للنفس؟! 

  • أهمّية العمل بالتكليف في كلّ برهة زمنيّة 

  • إنَّ الأمر في غاية الأهمّية. ولمّا كان للّه مشيئة مختلفة لكلّ برهة من الزمان ـ وكما ذكرتُ لكم ذلك ـ فعلى الإنسان أن يعمل بموجب وظيفته وتكليفه في كلّ برهة من تلك البرهات. فلا تتصوّروا بأنَّ عمل المرحوم العلاّمة [رضوان الله عليه] في تلك الفترة التي لم يكن فيها تحت تربية الأستاذ الخاص، لا تتصوّروا بأنَّ عمله هذا لم يدفع به إلى الأمام، كلّا، بل دفعه إلى الأمام، وأعدَّه من أجل الوصول إلى الأستاذ الكامل.

الحريّة في عبوديّة الله الخالصة - «لا تكن عبد غيرك فقد جعلك الله حرّاً»

14
  • السير على الطريق الصحيح حتى مع عدم توفّر الأستاذ الظاهر

  • وهذا هو عين ما يحصل في زماننا الحاضر. إنَّني لا أستطيع أن أقول بعدم وجود إنسان معيّن، بل من الممكن أن يكون هنالك إنسان، غير أنَّه لا اطّلاع لي شخصيّاً على هذا الأمر، فلا يمكنني أن أبيع ما تعلّمتُه وما كسبتُه من خبرة عمليّة من العظماء على مدى سنوات متمادية، لا يمكنني أن أبيعه وأستعيض عنه وبكلّ سهولة بالإشاعات وبالأمور المجازيّة، ولا يمكنني أن أتجاهل ما أوضحه الله لي، فذلك هو واجبي. وكما أوضحتُ لرفقاء الطريق فإنَّ الطريق الذي أراه صحيحًا هو عبارة عن ذلك الطريق الذي قال عنه المرحوم العلاّمة [رضوان الله عليه]: «إنَّ من يعمل بهذه المسائل، وكان له صدق نيّةٍ، وكان لديه الاهتمام اللازم للوصول إلى أستاذ ـ غير أنَّ الأستاذ ليس متوفّرًا بناءً على مصالح معيّنة، ولعلّه سيوجد في المستقبل، وهو ما يجهله الإنسان ـ فمثل هكذا إنسان، يكون سائرًا على الطريق، وسيصل إلى هدفه المقصود.

  • عاشراً: موقف المتحدّث الصريح من دعاوى الولاية والأستاذية

  • إنَّني ذكرتُ هذا الأمر نفسه للأصدقاء، فاذهبوا واسألوا الآخرين، واسألوا أنفسكم، واسألوا الرجال وأصدقاءكم، فهل قلتُ في الملأ العام، أو أخبرتُ أحدهم بشكل شخصيّ ولو لمرّة واحدة بأنَّني وليّ؟! اذهبوا واسألوا، فهل أخبرت منذ عهد المرحوم العلاّمة [رضوان الله عليه] وحتى الآن، هل أخبرتُ أحدهم على انفراد بأنَّني وليّ؟! حلّفوهم على ذلك، فها أنا أوكلتُ هذا الأمر إليكم، فاذهبوا واسألوا، فهل حصل لحد الآن ولو لمرّة واحدة أن قلتُ لأحدهم بشكل خصوصي بأنَّني أستاذ طريق ولكن عليك ألّا تُفشي هذا الأمر لأحد؟! وهل حصل ولو لمرّة واحدة أن قلتُ لأحدهم بأنَّني وليّ كامل، غير أنَّ هذا سرٌّ عليك ألّا تبوح به لأحد؟! وهل حصل ولحدّ الآن أن قلتُ ولو لمرّة واحدة بأنَّني أستاذ ظاهر؟ وليس الأستاذ الكامل الذي لا يمكننا حتى أن نتحدّث بشأنه. بل هؤلاء الأساتذة المتواجدون على الساحة الآن؟! هل حصل أن أخبرتُ أحدهم وبأيّ شكلٍ من الأشكال عن مثل هذه الأشياء؟ أُقسم بأنَّ مثل هكذا كلام لم يخرج من فمي لحدّ الآن.

الحريّة في عبوديّة الله الخالصة - «لا تكن عبد غيرك فقد جعلك الله حرّاً»

15
  • خطورة الادّعاء والمسؤوليّة يوم القيامة 

  • لماذا لم يخرج من فمي مثل ذلك؟ لأنَّني أحسب لمثل هكذا كلام حسابه، فأنا أحسب ليوم القيامة الحساب، فعليَّ الإجابة هناك عن أعمالي وأقوالي، وأنا لا أرى في نفسي القدرة على الإجابة عن مثل هكذا سؤال، هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى، فكم يومًا سنبقى في هذه الدنيا؟ 

  • التركيز على المشاكل الحقيقيّة للسالك بدل الانشغال بالألقاب والتصنيفات 

  • فهل يجدر بنا أن نمضي أيّام الدنيا القليلة هذه في تناقل مثل هذا الكلام وذاك؛ فنقول: «هذا أستاذ أو وليّ وذاك كامل، وذلك وصل إلى خمسين بالمائة وآخر إلى مائة بالمائة»! ما الذي يعنيه مثل هذا الكلام؟ فهل نمتلك الوقت الزائد وليس لدينا مشاغل ومشاكل في هذه الدنيا؟! وهل أنّ كافّة مشاكلنا قد حُلّت، ولم يبقَ لنا سوى موضوع الولاية؟! إن كان الأمر كذلك، فلا إشكال في ذلك، غير أنَّني وعندما أنظر إلى نفسي، فأنا أرى لديّ الكثير من المشاكل، والكثير من التخلّف عن مواصلة المسير، فكيف إن أراد الأمر أن يصل إلى حدّ بلوغ درجة الأستاذ أو الوليّ والوكيل وما شابه ذلك من أمور؟! 

  • حادي عشر: الالتزام بنهج العلّامة (رضوان الله عليه) ومسؤوليّة التبليغ الشخصيّة

  • غير أنَّه يبقى هنالك أمرٌ واحدٌ وهو: وفقًا لما أمر به المرحوم العلاّمة [رضوان الله عليه]، ووفقًا لما يترتّب عليَّ من تكليف شخصيّ، ففيما يتعلّق بضرورة العمل على تبليغ نهجه، فأنا أرى فرضًا عينيّاً يترتبّ عليَّ في الدفع بهذا النهج إلى الأمام بمقدار ما لديّ من طاقة وفي حدود ما أنا مكلّف به؛ فأنا أتحرّك بمقدار ما استلمتُه من أوامر؛ فلا أقوم بالإبطاء ولا التسريع، وأن أبتعد عن الإفراط والتفريط، فأتحرّك طبقًا لما لديّ من رؤية وما أمتلك من ملاكات.

  • المسؤوليّة أمام الله عن القرارات الشخصيّة لا عن توقّعات الآخرين 

  • كم هنالك من الأصدقاء ممّن يمتلكون حالات خاصّة، وممّن كانوا يتوقّعون منِّي القيام ببعض الأعمال في فترة ما بعد المرحوم العلاّمة [رضوان الله عليه]، فلم أستطع الاستجابة لتوقّعاتهم؟! وكم هنالك منهم من كانت لهم حالات إفراط، وكانوا يميلون إلى جانب الزيادة في ممشاهم ومرامهم، فلم أتمكّن من مسايرتهم؟! كان بعض الأفراد يوصيني بالتراجع عن بعض المواقف، فلم أتمكّن من قبول توصيتهم، ولربما هناك عدد منهم قد انزعج من هذا الموقف، كما انفصل عنِّي البعض منهم، على أنَّ هذا الأمر مستمرّ لحدّ الآن، فلا تتوقّعوا أن يُختم الأمر عند هذا الحدّ. لعلّ هنالك من ليس راضيًا عن وضعي هذا ذلك الرضا، غير أنَّني يجب أن أكون مسؤولًا عمّا أقوم به من عمل، لا أن أعمل وفقًا لما يُقال لي، وعليَّ أن أختار السير وفقًا لرؤيتي ولما تعلّمتُه، سواء أأعجب الآخرين أم تسبّب في ضجرهم. يجب أن أُجيب الله في يوم القيامة عمّ سأجيبه؟ يجب عليّ أن أُجيب عن ما قمتُ به من أعمال عندما يحلُّ ذلك اليوم الذي سيستلم فيه كلّ فردٍ من الأفراد المتواجدين هنا صحيفة عمله وهو يسير باتجّاه المحكمة الإلهيّة.

الحريّة في عبوديّة الله الخالصة - «لا تكن عبد غيرك فقد جعلك الله حرّاً»

16
  • وصيّة العلّامة (رضوان الله عليه) للمتحدّث وتحقّق نبوءته 

  • للأسف فإنّ القرعة وقعت على اسم هذا المسكين؛ ففي السّنوات الأخيرة من حياة المرحوم العلاّمة [رضوان الله عليه]، كان الكثير من الأفراد ومن الأصدقاء يُظهرون المحبّة واللطف تجاه هذا العبد، فقال لي المرحوم العلاّمة [رضوان الله عليه] يومًا: يا فلان، عليك أن تهتمّ بأمر نفسك، إنَّهم يأخذونك إلى مجالسهم، ويستغلّونك استغلال الشمعة، فينتفعون من حرارتك ونورك، غير أنَّ عمرك سيُتلف في هذا الوسط». أتلاحظون؟! ثمّ قال لي: «إنَّ كافّة هؤلاء الذين يتظاهرون بفدائك بأنفسهم ـ فقد كان الكثير من الأفراد يتلفظون بمثل هذه الألفاظ؛ فيقولون نفديك بأنفسنا، وأنت كذا وكذا ـ سيتركونك لوحدك بأجمعهم. وهذا ما رأيتُه بنفسي. إنَّ هذا ما رأيتُه بنفسي في حياتي، فبِمَ سأخدع نفسي؟! يكفي أن يحصل لي ذلك لمرّة واحدة في حياتي! 

  • قطع العلاقات بسبب مخالفة الأصول لا بسبب الأهواء

  • إنَّ الكثير منكم يشهد على ما حصل في مدينة طهران هذه، وكيف أنَّ البعض تصرّف خلافًا للأصول المرسومة له، فقمتُ بقطع علاقتي معهم، فلم تعد لي أيّة علاقة بهم. لماذا حصل مثل هذا؟ لأنَّني رأيتُ أنَّ ممشاهم ومرامهم بخلاف مسير المرحوم العلاّمة [رضوان الله عليه].إنَّ ارتقاء المنبر والحديث وتهييج عواطف الناس، وإيجاد الشعور بالوجد لديهم، لا يمثّل كلّ القضيّة، بل توجد هنالك أمور أخرى أيضاً، كما وأنَّ الحديث عن هذا الموضوع وذاك لا يمثّل كلّ المسألة، بل هنالك أشياء أخرى. ومع هذا فللجميع الحريّة في اختيار ما يرغبون فيه.

  • ثاني عشر: حريّة الاختيار في السلوك وتوضيحات حول بعض القضايا الراهنة

  • كنتُ قلتُ هذا الكلام لذلك الإنسان أيضاً؛ فقلتُ له: «إن كنت تتحدّث إلى الناس باعتبارك متحدّثًا باسمي ومرشدًا للطريق الذي أسير عليه، فعليك في مثل هذه الحالة أن تطيعني، وإن كنت تسير وفقًا لمرامك الخاص، فحسنًا ولا إشكال في ذلك، مَنْ الذي منعتُه من ذلك؟! وكنتُ قد قلتُ هذا الكلام نفسه للآخرين، واستقبله الجميع بحمد الله. كان ذلك الإنسان قد قال لي بنفسه مرارًا: «إنَّني أريد أن أسير وفقًا لما ترغب فيه، وأريد أن أعمل على تطبيق سيري مع الكيفية التي تتوافق مع وجهة نظرك». فقلتُ له: «إن كان الأمر كذلك، فلا يوجد ما أقوله». لقد كان الرجل من تلامذة المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه فعندما يُوكِل الرجل أمره لي، ويُسلِّم زمام أموره بيدي، وكنتُ أحتمل أنَّ طريقًا آخرًا قد يكون أحبّ وأنسب له، وسيكون أفضل له، ويستطيع الآخرون أن ينتفعوا من وجوده بشكلٍ أفضل، ولم أعمل على تنبيهه على هذا الأمر، ألا أكون قد خنتُه؟! بلى سأكون قد خنتُه.

الحريّة في عبوديّة الله الخالصة - «لا تكن عبد غيرك فقد جعلك الله حرّاً»

17
  • قضيّة المجالس النسائيّة: مصلحة رآها المتحدّث لا إساءة 

  • لا يُتصوّر في يوم من الأيّام بأنَّ هذه الأحداث التي حصلت، توجب الإساءة إليه والعياذ بالله، كلّا، بل وفقًا لرؤيتي للأوضاع الجارية، ووفقًا لما خطّطت له في ذهني من خلال ارتباطي بالعظماء وبالمرحوم الوالد رضوان الله عليه، رأيتُ بأنَّ مجالس النساء يجب أن تتوقّف، وأنَّ ارتباط النساء مع ذلك الرجل يجب أن يُقطع بشكل كامل، على أنَّ هذا الشيء لا يعني الإساءة له لا سمح الله، بل إنَّ هنالك شيئًا آخرًا في الموضوع. مع الأخذ بنظر الاعتبار هذا الموضوع، فأعتقد بعدم بقاء أمر آخر.

  • توضيح طبيعة العلاقة مع الرفقاء: احترام متبادل ورؤى قد تختلف

  • يجب أن يراعي أحدكم موضوع احترام الآخرين، وأن يحتفظ موضوع احترام الآخرين بمكانته اللائقة به. إنَّ الإنسان، من ناحية بيان المسائل والمواضيع التي يطرحها، هو إنسانٌ مفيد، وله طريق يربطه بالله، وهو من أهل الحال. عليكم ألّا تتصوّروا بأنَّ ارتباطي به هو من نوع ارتباط الأستاذ بالتلميذ. إنَّني قلتُ هذا الأمر سابقًا، وهو أمر لا يخصّه هو بالذات، بل هكذا هي علاقتي مع كافّة رفقاء الطريق، فأنا لستُ سوى ذلك الرفيق الصغير، وكلّ ما أملك هو أنَّ ما انطبع في ذهني مما حصلتُه من المرحوم الوالد رضوان الله عليه هو أكثر من الآخرين، وهذا أمرٌ طبيعي. إنَّ ما سمعتُه منه، وما رأيتُه من ممشاه، وما شاهدتُه منه من حالات، وكيفيّة اتخاذه للقرارات في الظروف المختلفة والموارد المختلفة، فكلّ هذا يكسبني بصيرة أكبر بمدرسته وبالطريق إلى الله. على أنَّ ذلك من الممكن أن يكون خاطئًا أو صحيحًا، حالي في ذلك، حال ما يحصل لغيري من الأصدقاء. فقد يقول أحدهم: «هذا ما أتذكّره من المرحوم العلاّمة [رضوان الله عليه]، وهكذا هي رؤيتي لمدرسته»، [فنقول له:] «ما دام الأمر كذلك، فأنت مكلّف بالعمل وفقًا لرؤيتك وأنا مكلّف بالعمل طبقًا لرؤيتي». هل تلاحظون؟ فهكذا هو الأمر.

  • دور المتحدّث: انتساب للعلّامة (رضوان الله عليه) لا رئاسة، وحقّ في الدفاع عن المبادئ

  • ها أنا أقول لكم هذا الأمر هنا وهو: إنَّ كافّة رفقاء الطريق والأصدقاء يعلمون بأنَّني منحتُ الحرّية لكافّة الأشخاص في اختيار طريقهم. فالمسألة ليست مسألة رئاسة، بل لا يتعدّى الموضوع، مسألة انتسابي إلى المرحوم العلاّمة [رضوان الله عليه]؛ الأمر الذي يجعل رفقاء الطريق يُبدون لطفهم تجاهي، ولا وجود لشيءٍ غير هذا. إنَّ ما أطرحه من مواضيع، يوجد ما هو أحسن منه في بقيّة الكتب، فلا تتصوّروا بأنَّني وبطرحي لهذه المسائل قد جلبتُ تحفة إلى السوق وإلى الميدان، بل إنَّني وعندما أريد أن أتحدّث عن موضوع، فأنا آخذ مقدارًا من هذا الكتاب ومقدارًا من ذلك الكتاب، فتتصوّرون بأنَّني أمتلك شيئًا، كلّا، إنَّ الأمر ليس بهذا الشكل، لذا عليَّ أن أعمل على تصفية حسابي مع الآخرين أوّلًا. إنَّ مثل هذا الأمر يحصل فقط لأصدقاء ورفقاء طريق المرحوم العلاّمة [رضوان الله عليه]، الذين كانوا من تلامذته وكانوا يقرؤون مؤلّفاته، والذين لفتت أنظارهم بعض المسائل إثر مطالعة هذه الكتب، الأمر الذي يدفعهم إلى البحث عمّن هو على ارتباط مع المرحوم العلاّمة [رضوان الله عليه] بشكل أكثر من غيره، وهو أمر طبيعي، وللأسف فإنّ اسم المرحوم العلاّمة [رضوان الله عليه] ومن بين كافّة الرفقاء قد ذُكر في هويّة الأحوال المدنية لي؛ هذا في الوقت الذي قد لا أمتلك فيه ما يؤهّلني لحمل مثل هكذا صلة؛ ولهذا السبب نرى الأصدقاء يُظهرون المحبّة لي، ويسألونني عن رأي المرحوم العلاّمة [رضوان الله عليه] بشأن هذه المسألة وتلك، وأنا أقوم بدوري بطرح ما يرد على عقلي الناقص من أفكار. نعم، إنَّ الأمر هكذا ولا شيء غير ذلك، غير أنَّني أرى بأنَّ الحقّ محفوظ لمن اختار له طريقًا وهو يحاول أن يُدافع عن مبادئه وعقيدته، وكما أنَّ مثل هكذا حقّ محفوظ للجميع ولكلّ واحدٍ منكم، فهو محفوظ لي أنا أيضاً؛ أي إنَّني أستطيع أن أُدافع عن مبادئي وعقيدتي التي آمنتُ بها، ولا يستطيع أيّ أحد أن يجبرني على السير في طريقه ومسيره الخاصّ به.

الحريّة في عبوديّة الله الخالصة - «لا تكن عبد غيرك فقد جعلك الله حرّاً»

18
  • ثالث عشر: آفات تعترض طريق السالكين وسبل النجاة منها

  • على أنَّ مثل هذا الشيء واضح للجميع؛ فالطريق إلى الله هو بالاختيار، فلا يجوز لأحد أن يقوم بفرض أيّ كلام أو قضيّة هنا. وهذا الأمر هو أمر أساسي. إنَّني إذ أطرح عليكم هذا الكلام هنا، فإنَّما أطرحه لكي أقول لكم بأنَّكم أنتم المسؤولون في الغد عن أعمالكم وتصرّفاتكم؛ فإن تصرّف أحدكم تصرّفاً مؤذياً لآخر ـ والعياذ بالله ـ فسيبعث هذا التصرّف على إغلاق الطريق عليه، وإن تصرّف أحدكم بشكل يضيّق من خلاله على إنسان آخر، فسوف يُسدّ الطريق عليه، وإن حصل وأظهر أحدكم ردّة فعل على من لا يوافقه في تصرّفاته ومبانيه، فسيكون هذا الإنسان مسؤولًا أمام الله.

  • التحذير من الممارسات الخاطئة التي سادت بعد العلّامة (رضوان الله عليه) وحرفت المسار

  • إنَّ لي علاقات الآن مع الكثير من الذين لا يوافقونني في عقيدتي، وها أنا أزورهم في بيوتهم؛ مع أنَّني أعلم خطأ مسيرهم قطعًا، ولكن ما الربط بين تردّدي عليهم وبين التعلّق بهم؟ أيّ ارتباط موجود بين الحالتين؟! لم تكن سيرة المرحوم العلاّمة [رضوان الله عليه] بهذا النحو، غير أنَّ البعض حرف هذا الطريق عن مساره بعد ارتحال المرحوم العلاّمة [رضوان الله عليه]؛ فجعلوا العلاقات تُبنى على أساس الانتماء لمدرستهم، وقاموا بربط القضايا بهذا الأمر؛ فعملوا على إيجاد الفرقة بين الأب وابنه، وحصول الطلاق بين الرجل وزوجته، والافتراق بين الأمّ وابنها؛ فحلّت بذلك التهم وحلّ الاستهزاء والسخرية والشتم محلّ ذكر الله والصلاة في محافلهم. هل من الصحيح أن يحصل مثل هذا الشيء؟! وهل كانت مدرسة المرحوم العلاّمة [رضوان الله عليه] بهذا الشكل؟! فإن أردنا أن نقلّدهم في أفعالهم هذه بشكل أو بغيره، فسنكون قد أصبحنا مثلهم، وسوف لن يكون هنالك فرق بيننا وبينهم.

  • الدعوة إلى ترك كل إنسان وشأنه والحفاظ على سلامة العلاقات الإنسانية 

  • ها هي ستّ سنوات تمضي وأنا أُوصي بأن يُترك كلّ إنسانٍ بحال سبيله، وأن يكون كلّ أحد هو المسؤول عن أفكاره وبصيرته؛ فلا يُعار اهتمامًا لمثل هذا الشيء، ولا يُطرد إنسانٌ من المدرسة، و كذلك أن تردّوا السلام عليه، وأن تحافظوا على استمرار علاقتكم معه. نعم، إنَّني كرّرتُ مثل هذا الكلام عليكم لمدّة ستّ سنوات، فمن استمع لكلامي؟ فما دمتُ أعلم طبيعة النهج الذي كان عليه المرحوم العلاّمة [رضوان الله عليه] وبقيّة العظماء، فلا يمكن لي أن أتخلّى عن هذا النهج؟ 

الحريّة في عبوديّة الله الخالصة - «لا تكن عبد غيرك فقد جعلك الله حرّاً»

19
  • الهدف الأسمى: تصفية القلوب والسير على نهج العظماء لا الانجرار وراء "الدكاكين"

  • إنَّ هدفنا الرئيسي هو أن نبقى سائرين على طريقهم نفسه، وإلّا فما ترونه هنا وهناك هي عبارة عن دكاكين بقالة ليس إلّا؛ فهي دكاكين وإن كانت تحمل اسم الله وإن كانت تحمل اسم العرفان؛ وجميعها عبارة عن خداع ورياء وإن كانت تحمل اسم السلوك. ستكون لنا قيمة ومكانة متى ما عملنا على تصفية قلوبنا وتنقيتها في طريقنا الذي نسير فيه.

  • مثال تعدّد المراجع في الأسرة الواحدة: الاختلاف في الاختيار لا يوجب الخصام 

  • إن اختار أحدهم مسيرًا ما وفقا لطبيعة إدراكه للأمور، فما البأس في ذلك، إنَّ ذلك شبيهٌ باختيار كلّ فردٍ من أفراد العائلة مرجع تقليد غير الذي يختاره الآخر، فلعلّ هنالك ثلاث رسائل عمليّة في بيت واحد؛ تكون إحداها لهذا المرجع والثانية لذاك والأخرى لذلك، فهل سيبعث هذا الأمر على حدوث الاختصام فيما بينهم؟! إنَّهم لا يختصمون فيما بينهم؛ بل نحن نرى كيف يعمل كلّ واحد منهم وفقًا للرسالة العمليّة لمرجعه. إنَّه بعمله هذا، لا يريد أن يدخل جهنّم، بل يريد أن يدخل الجنّة؛ وكلّ ما في الأمر هو أنَّه يرى بأنَّ أحد المراجع هو الأصلح والأفضل للتقليد، بينما يرى الآخر غير ذلك. هل رأيتم ولحدّ الآن شخصين لهما الذوق نفسه ؟! وهل رأيتم في كلّ العالم وجود شخصين لهما الطريقة نفسها في التفكير؟! لم يحصل مثل هذا لحدّ الآن؛ فحتّى الأخوين تكون لهما أذواق مختلفة.أليس كذلك؟! فبناء على هذا، فالقضيّة التي حصلت، تعود بالأساس إلى مجرّد اختيار الأفراد وانتخابهم، وبنفس الطريقة التي تمّ فيها اختيار شخص هذا الحقير [من قبل البعض] لذلك، وإلّا فما المؤهّلات التي لديّ والتي تمكنني من إظهار وجهة نظري بما يعمله الآخرون؟ وما الذي يؤهّلني بأنَّ آمر أحدًا أو أنهاه عن القيام بعملٍ معيّن؟ لا يحقّ لي مثل هذا الشيء، وها أنا أقولها بكلّ صراحة، بأنَّ كلّ إنسانٍ حرٌّ فيما يقوم به من عمل.

  • رابع عشر: توضيح حول قرار استئناف الدروس النسائيّة

الحريّة في عبوديّة الله الخالصة - «لا تكن عبد غيرك فقد جعلك الله حرّاً»

20
  • إن كان صديقنا المحترم يعتزم إعادة إقامة الدروس الخاصّة بالنساء من جديد، فإنَّ مثل هذا الأمر يعود إليه شخصيّاً، ولا علاقة لي بهذا الأمر أبدًا؛ إن كان يريد إعادة ارتباطه بالنساء كالسابق، فلا علاقة لي أنا بهذا الموضوع. إنَّه ومن باب إظهار المودّة واللطف لي، جاءني وطرح هذا الموضوع عليَّ، وقال لي: «إن لم ترشدني إلى ما فيه مصلحتي، فستكون مسؤولًا أمام الله. سيترتب عليَّ تكليف في مثل هذه الحال، وما دام الأمر حصل بهذا الشكل، فأنا أقول بضرورة التحرّك ضمن هذا النطاق، والتوقّف عند ذاك [إن سُئل وقيل:] «لماذا يحصل مثل هذا ؟!» [فأقول:] «إنَّ هذا الموضوع يرتبط بي أنا شخصيّاً، فلعلّ ما أراه من المصلحة، لا اطّلاع لكثير من الأصدقاء عليه، ومن الأفضل أن يُختم الموضوع عند هذا الحدّ، وألّا يُسأل عنه مجدّداً». إنَّ مثل هذا الشيء هو عين الصلاح له ولي ولكلّ واحد من الأصدقاء، وسوف يستمرّ السير في الطريق بحمد الله على نفس هذا النهج، وسوف يتمّ إيصال المسائل إلى مسامع كافّة الأصدقاء، وسيتمّ وضع كلّ ما من شأنه أن يعمل على إدامة السير تحت تصرّف الجميع بحول الله وقوّته. فهل لاحظتم؟ نعم، إنَّ الأمر هو هكذا.

  • تغيّر المصالح باختلاف الأوقات وعدم ثبات القرارات الجزئيّة 

  • لم يحصل أيّ فرق بين هذا الزمان وبين الزمان السابق، ولعلّنا سنعود ونقول له بعد برهة من الزمان: «عليك أن تعود إلى وضعك السابق»، فلا يوجد أيّ تحديد هنا، وليس لنا اطّلاع عمّا سيحصل في المستقبل، بل إنَّ المصلحة قد تكون في إجراء بعض الأمور بشكلٍ من الأشكال في وقت، وفي إجرائها بشكل آخر في غيره من الأوقات. وهذا ما يحصل دائمًا، وهو مما كان يحصل في عهد المرحوم العلاّمة نفسه رضوان الله عليه؛ فقد كان يُوكل تنفيذ أحد الأمور لشخصٍ، ثم يقوم بإيكال تنفيذه إلى شخص آخر، ثمّ يُعيده إليه مرّة أخرى، أو قد يُوكله إلى شخص ثالث. على أيّة حال فإنَّ الموضوع ليس بذلك الموضوع المهم ّ الذي يمكن أن يُفهم منه عجز الإنسان عن تنفيذه أو أنَّه يحصل بقصد توجيه الإهانة إليه. كلّا، إنَّنا لا ننظر إلى هذا الموضوع بهكذا نظرة أبدًا.

الحريّة في عبوديّة الله الخالصة - «لا تكن عبد غيرك فقد جعلك الله حرّاً»

21
  • خاتمة: دعاء بالثبات على طريق الحقّ والطاعة لإمام الزمان (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)

  • نسأل الله أن يضع أقدامنا جميعًا على ذلك الطريق الذي سار عليه العظماء؛ ذلك الطريق الخالي من الاضطراب والاعوجاج والانحراف، وأن يجعلنا مطيعين قلبًا ونيّةً لوليّ الزمان بقية الله أرواحنا فداه؛ وبالشكل الذي يجعل فيه إرادتنا هي تلك الإرادة التي يريدها لنا والتي تكون فيها مصلحتنا، وأن نسير على ذلك الطريق الذي يرى فيه مصلحتنا. فما الذي نريده نحن؟ أليس من المؤسف أن يمنّ الله علينا بمثل هذه النعمة؛ ألا وهي نعمة الولاية، ونعمة هداية إمام الزمان عليه السلام لنا، [ثمّ لا نكون شاكرين لمثل هذه النعمة]؟ هل تعتقدون بأنَّ الإمام عليه السلام لا يعرف شيئًا عمّا يحصل لكم؟! بل هو على اطّلاع على كافّة نواياكم، وعلى كلّ ما يخطر على أذهانكم. 

  • كنت جالسًا إلى جنب المرحوم العلاّمة [رضوان الله عليه] في حياته، وخطرت على ذهني خاطرة ما. كان المرحوم العلاّمة [رضوان الله عليه] يجلس خلف المنضدة وهو يكتب، وكنتُ أجلس على كرسيّ خلف منضدتي وكنتُ أقرأ، وفي أثناء قراءتي، خطرت على ذهني خاطرةً، وإذا به يرفع رأسه عن الدفتر الذي كان يكتب فيه ويقرأ عليّ هذه الآية: {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا}. هل تلاحظون؟! فإذا كان أبي على مثل هذا الحال، فكيف سيكون الحال مع الإمام بقيّة الله أرواحنا فداه؟! في كل خاطرة تخطر على أذهاننا، فسيكون الإمام عليه السلام مطّلعًا عليها قبل أن تصل إلينا! فما دام الأمر بهذا الشكل، فهل تعتقدون بأنَّنا نعيش لوحدنا؟! وأنَّ أمورنا مهملة؟! كلّا، ليس الأمر كذلك. إنَّه هو الذي وعدنا بالأخذ بأيدينا، وهو الذي يهدينا إلى طريق الصواب. على أنَّ ما ذكرتُه لكم من أمر، فهو يجري ضمن نفس هذا المسير. 

  •  

  • الّلهمّ صلَّ على محمّدٍ وآل محمّدٍ.