11

السلوك إلى الله في مواجهة أقدار الحياة: تصحيح المفاهيم والإجابة عن التساؤلات

الانحرافات الفكرية والأخلاقية وخطرها على المسيرة الروحية

300
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمالمرأة والأسرة

المجموعةالمرأة والأسرة - طهران

التاريخ 1422/04/12

جلسات المجموعة(10 جلسة)

التوضيح

كيف تتوافق المشيئة الإلهيّة والتقدير مع السير والسلوك إلى الله؟ هل يعني السلوك بالضرورة كثرة المشاكل أم انفراجها؟ ما الذي يميز نظرة السالك للأحداث وكيف يتعامل معها؟ ما هي مخاطر الانحراف عن المنهج القائم على العقل والحقائق، وما هي علامات المدرسة المنحرفة؟ كيف يمكن تحقيق الخشوع وتركيز الذهن في الصلاة ومواجهة الخيالات؟ ما علة تحريم الموسيقى من المنظور العرفاني؟ ما هو العقل الذي به نتقرب إلى الله وهل يقبل الزيادة والنقصان؟
تُجيبُكَ هذه المحاضرةُ لسماحةِ آيةِ الله السيِّد محمد محسن الحسيني الطهراني (قدّس سرّه) عن هذهِ الأسئلةِ وغيرها، مُستعرضةً قصصًا من واقع أهل البيت عليهم السلام والتجارب الشخصيّة للسيّد الطهراني ووالده العلأمة (رضوانُ اللهِ عليهما).
كلمات مفتاحيّة: السلوك، المشيئة الإلهيّة، التقدير الإلهيّ، المرأة، الأسرة، الدعاء، المشاكل، الابتلاء، العقل، الانحراف، العلّامة الطباطبائي، الخشوع في الصلاة، تركيز الذهن، الذنب والخطأ، الشيطان، عالم الذر، الموسيقى، الإمام الغائب، العقل

/۲۲
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

السلوك إلى الله في مواجهة أقدار الحياة: تصحيح المفاهيم والإجابة عن التساؤلات - الانحرافات الفكرية والأخلاقية وخطرها على المسيرة الروحية

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • السلوك إلى الله في مواجهة أقدار الحياة: تصحيح المفاهيم والإجابة عن التساؤلات

  • الانحرافات الفكرية والأخلاقية وخطرها على المسيرة الروحية

  •  

  • المرأة والأسرة - طهران - الجلسة الحادية عشرة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني

  • قدس الله سرّه

  •  

  •  

السلوك إلى الله في مواجهة أقدار الحياة: تصحيح المفاهيم والإجابة عن التساؤلات - الانحرافات الفكرية والأخلاقية وخطرها على المسيرة الروحية

2
  •  

  •  

  • أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ

  • بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

  •  

  •  

  • مقدمة: السلوك الإلهيّ والمشيئة الإلهيّة، هل يتعارضان؟ 

  • من الأمور التي يخطئ في تقديرها وتصوُّرها كثيرٌ من الأصدقاء، موضوعُ كيفيّةِ سلوكِ النساء بما يقتضيه التقديرُ وكيفيّةُ إمضاءِ المشيئةِ الإلهيّة؛ فيُطرَحُ الكثيرُ من الأسئلة عن موضوع الدعاء والطلب من الله في مجال حلّ المشاكل والترفيه والشفاء من الأمراض وبقيّة الأمور المرتبطة بحياتنا اليوميّة. يبدو أنّني تحدّثتُ للأصدقاء عن هذا الموضوع من قبل، ومع هذا رأيتُ أن أُقدِّم لهذا الأمر الذي تدور حوله كثيرٌ من الأسئلة التي قُدِّمَت في المرّة السابقة وألقيتُ نظرةً عليها؛ لأنّني نويتُ أن أُجيب في مجلس اليوم عن الأسئلة التي طُرِحَت في المجلس السابق بمقدار ما يسمح به اطّلاعي، لذا سأتكلّم عن هذا الموضوع بعنوان مقدمةٍ لذلك، ثمّ أجيب عن أسئلة المجلس السابق بما يسمح به الوقت. 

  • عليكم أن تعرفوا أنّ قضيّة السلوك وطيّ الطريق إلى الله تقع في نفس خطّ إمضاء التقدير والمشيئة الإلهيّة، لا خارجه؛ فوفقًا للمشيئة والتقدير الإلهيّ تحصل لكلّ إنسانٍ في هذا العالم أحداثٌ مختلفة؛ فهناك المرضُ وهناك السلامة، ويوجد الضيقُ وتوجد السَّعة، وتحصل المشاكلُ ويحصل الرفاه؛ فهذه هي الأحداث التي تجري في هذا العالم؛ حيث يكون كثيرٌ منها باختيار الإنسان نفسه، بينما لا يكون البعضُ الآخر منها كذلك؛ وكان مثلُ هذا الشيء يحصل للعظماء أيضًا؛ مثلما كان يحصل للأنبياء والأئمة عليهم السلام؛ فكانوا يمرضون ويتعافون، وكانوا يمرّون بأزماتٍ ولحظاتِ رفاهيّة، وكانوا يتعرّضون للمضايقات كالحبس وأمثاله أحيانًا، بينما كانوا يعيشون في حريّة وينعمون بحياة طبيعيّة في غيرها من الأوقات؛ فلقد كان الإمام موسى بن جعفر عليه السلام يعيش حياةً طبيعيّة لسنوات قبل أن يُسجَن؛ كما كان يتعرّض للمضايقة والمراقبة في بعض الأحيان، وهذا ما كان يحصل للإمام السجاد ولسيّد الشهداء والإمام الرضا وكافّة الأئمّة عليهم السلام؛ فكانوا يعيشون بأوضاع مختلفة، وكان مثلُ هذا يحصل لأبنائهم وتلامذتهم أيضًا. 

  • ما الذي يميّز السالك حقًا؟ 

  • فهكذا تجري أحداث الحياة اليوميّة، وبهذا على سالك طريق الله أن يختار الطريق الذي يسير عليه؛ فبناءً على هذا، لا يتوقع من يختار السير في هذا الطريق أن يقتصر طريقه على الرفاهية والسرور والتخلّص من الشدائد وقضاء كافّة حوائجه ووصوله إلى كلّ ما يتمنّاه وما شاكل ذلك، بل لن يختلف حاله عن حال بقيّة الناس. إنَّ ما يميّز السالك عن غيره هو كيفيّةُ رؤيته لما يجري من حوله. 

السلوك إلى الله في مواجهة أقدار الحياة: تصحيح المفاهيم والإجابة عن التساؤلات - الانحرافات الفكرية والأخلاقية وخطرها على المسيرة الروحية

3
  • خطآن شائعان في فهم السلوك: 

  • الخطأ الأول: هل السلوك طريق للمشاكل حصرًا؟ 

  • إنَّ مثل هذا الخطأ شائعٌ وراسخٌ لدى بعض الأفراد؛ فهم يعتقدون أنّ من يرد طريق السلوك، فلا بدَّ أن يُعرِّضه الله للمشاكل. إنَّ مثل هذا التصوّر هو تصوّرٌ خاطئٌ بدليل كون المشاكل تعترض طريقه حاله حال سائر الناس، فلا تختلف المشيئة والتقدير الإلهيّ من هذا الجانب بالنسبة له عن غيره. حصل حادثٌ لأحد الأصدقاء، فالتفت إلى آخر وقال له: هذه هي فاتحة الطريق، فقلتُ له: اذهب إلى المستشفى أو تلك الأماكن التي تحصل فيها الحوادث، هل ستجد أنّ كافّة الأفراد المصابين هم من السالكين؟. إنَّ الابتلاء يحصل للجميع، فهنا اقتضت المشيئة والتقدير الإلهيّ أن يحصل لك الأمر بهذا الشكل. ثمّ هل إنَّ جميع من يتعرّض للضيق هم من السالكين؟ كلّا، بل يحصل هذا للبعض ممّن لا يؤمنون بالله أصلاً. إنَّ هذا النوع من التفكير هو تفكيرٌ باطلٌ وخاطئٌ مائة بالمائة، بل كلُّ ما يميّز السلوك هو كيفيّة النظر إلى الأمور، أي: كيفيّة التعامل مع ما يحصل، فالآخرون يعزون ما يحصل لهم إلى الأسباب الظاهريّة، ويتوسّلون بالعلل الظاهريّة من أجل حلّها، بينما يراها السالك تابعةً للمشيئة والتقدير الإلهيّ، فيطلب حلّها من الله، وهو يرى أنّ الفيصل في الأمر هو التقدير والمشيئة الإلهيّة وهو يتطلّع إلى ما يراه الله له من المصلحة. 

  • الخطأ الثاني: هل السلوك يضمن حلّ جميع المشاكل؟ 

  • وفي مقابل هذه الرؤية، توجد رؤيةٌ قاصرةٌ أخرى وهي: إنَّ كلّ من يرد هذا الطريق، فسوف تنفرج عنه كافّة مشاكله؛ فلا يُصاب لا هو ولا أفراد عائلته وأقاربه بأيّ مرض، ولن يتعرّضوا لأيّ ضيقٍ وقرضٍ ومشاكل في المعيشة. إنَّ هذه الرؤية شبيهةٌ بالرؤية الأولى، وهي غير صحيحة أيضًا؛ وذلك لأنَّه إن حُلَّت كافّة مشاكل السالك لمجرّد دخوله في طريق السلوك، فسيكون هذا امتيازًا له عن الآخرين، وسيكون ترجيحًا بلا مرجِّح؛ فكافّة عباد الله سواءٌ ولا فرق بينهم سوى بالاسم، فهل سيعمل اسم السالك على جعل كافّة أموره تجري على النحو المطلوب؟ كلّا، بل إنَّ عالم التقدير والمشيئة الإلهيّة، قد رسم لكلّ إنسانٍ مصيره. وكما قلتُ بشأن الحالة الأولى، فهكذا هو الأمر هنا، فالذي يختلف هو رؤية الإنسان للأمور؛ تلك الرؤية التي تحدِّد طريق سيره، فعليه أن يرى أنّ كلّ ما يحصل له من أحداث فهي من الله، وعليه أن يدعو الله لحلّها، وأن يُوكِل أمره إليه ويطلب منه ما فيه مصلحته، ولا يُصِرّ على أمرٍ غيرِ طلبِ وصوله إلى ذلك المطلوب وتلك الغاية التي هي تحصيل درجة العبوديّة. 

السلوك إلى الله في مواجهة أقدار الحياة: تصحيح المفاهيم والإجابة عن التساؤلات - الانحرافات الفكرية والأخلاقية وخطرها على المسيرة الروحية

4
  • السلوك بين العناية الإلهيّة وحسن العاقبة 

  • يشتكي كثيرٌ من الأصدقاء من عدم ورود أبنائهم أو أحد أقاربهم إلى هذا الطريق، فأقول: وهل كنّا نحن في هذا الطريق منذ البداية؟! بل إنَّ عناية الله وتوفيقه هي التي تشمل أحد عباد الله وتجعله يُدرك بعض المسائل، ثمّ ما مقدار اطّلاعنا على عاقبة أمرنا؟! فكم من الأفراد ممّن لا يقبلون بعض هذه الأمور بحسب الظاهر، غير أنّ قلوبهم لمّا كانت نقيّة، فهم يُشمَلون برحمة الله وعنايته في نهاية المطاف، كما شوهِد عكس ذلك أيضًا؛ فقد كان هناك كثيرٌ من الناس ممّن يدّعي سيره في طريق السلوك، وقد حصل على بعض النتائج ووصل إلى بعض الدرجات، ولكنّه لمّا ترك العمل بما كان يُوصى به ـ لقد حصل مثلُ هذا الشيء في ذلك الوقت أو حتّى في الفترة التي تلته ـ فقد تعرّض إلى زلّات قدمٍ ثمّ رُمِيَ بعيدًا عن الطريق، فبناءً على هذا لا ينبغي النظر إلى الوضع الفعلي للإنسان، بل إنَّ الإنسان يُقيَّم بما سيتعرّض له من مواقف شاء ذلك أم أبى لذا على الإنسان أن يدعو الله أن يرزقه حُسن العاقبة. أمّا أن يكون تعامل أحدنا مع الآخرين على أساس كونهم من السالكين أو لا، فهذا شيءٌ غير صحيح، بل يجب عليه أن يعمل بما هو مكلّف به، وأن يتعامل مع الغير على هذا الأساس، على أنّه هل يُجدي هذا التعامل معهم أو لا يُجدي؟. فذلك أمرٌ آخر.

  • انحرافات ما بعد العلّامة: قصّة شخصيّة وتأمّلات 

  • بشأن ما حصل لي بعد وفاة المرحوم العلاّمة، فجميع الأصدقاء على اطّلاع بما حصل؛ فقد كان الأمر صعبًا حقًّا؛ فشعرتُ بعد مرور شيءٍ من الوقت بأنّ الأمور أخذت تنحرف تدريجيًّا عن المسير الصحيح الذي رسمه المرحوم العلاّمة وأخذت تنحرف عن المباني التي كان يطرحها، وهي تأخذ لها مسيرًا آخر؛ كما وقد سمعنا بأنّ المطالب العلميّة واليقينيّة والعقليّة شيئًا فشيئًا تفقد وزنها السابق، كما يُقال: بأنّ من يهتمّ بالأمور العقليّة والمنطقيّة فلا طريق له إلى الله، وأنّ من يركّز اهتمامه على المسائل العلميّة، فسوف يُحرَم من الوصول إلى مقام العبوديّة. إنَّ تلك الأمور تُعتبر انحرافًا جِدِّيًّا واعوجاجًا قطعيًّا عن مسير مدرسة المرحوم العلاّمة؛ فما نعرفه عن مدرسته ومدرسة أسلافه من العظماء، وما تركوه لنا من إرثٍ، هو الركون إلى اليقين والعقل والمنطق. 

السلوك إلى الله في مواجهة أقدار الحياة: تصحيح المفاهيم والإجابة عن التساؤلات - الانحرافات الفكرية والأخلاقية وخطرها على المسيرة الروحية

5
  • متى تكون المدرسة شيطانيّة؟ 

  • كنتُ قد طرحتُ هذا الأمر في مجلس عنوان البصري الذي انعقد الأسبوع الماضي وقلتُ: إنَّ أيّة مدرسة وفي أيّ مكان من العالم كانت، وسواءٌ كانت مدرسةً شيوعيّةً أو إلحاديّةً أو ماديّةً أم كانت مدرسةً دينيّة؛ يهوديّةً أو مسيحيّةً أو إسلاميّة شيعيّةً أو عرفانيّةً سلوكيّةً بالمعنى الأخص أو أيّة مدرسة أخلاقيّة أخرى، فإن كانت مباني مثل هكذا مدرسة تتعارض مع القِيَم ومع ما أودعنا الله من الفطرة، فستكون تلك المدرسة مدرسةً شيطانيّة، من دون فرقٍ بين أن يكون قادتها من الناس العاديّين أو يكونوا من المعمّمين والعلماء بحسب الظاهر، فلن يتفاوت الأمر شيئًا فيما إن كان أولئك الأشخاص مجرّد مُدّعي التعليم الأخلاقي أم كانوا ممّن يدّعون نيل بعض الدرجات العرفانيّة، بل إنَّ الأمر المهمّ هو تلك النظريّة التي يتبنّاها ويطرحها القوم؛ فلننظر لنرى هل تتطابق تلك النظريّات والمعتقدات والمباني مع ما لدينا من بياناتٍ فطريّةٍ موهوبةٍ من الله أم لا؟. إنَّ المدرسة التي ترى جواز الكذب من أجل تحقيق الهدف المطلوب، فتلك المدرسة هي مدرسةٌ شيطانيّةٌ ولا يمكن لها أن تكون مدرسةً إلهيّة، ولا يمكن للمدرسة التي تقبل النفاق أن تكون على مذهب الإمام الصادق عليه السلام، ومن المستحيل للمدرسة التي تجعل من السكوت عن الحقّ أحد مبانيها أن تكون مدرسة حقّ. لاحظوا كيف أنّ جميع هذه الأمور من الأمور المخالفة للفطرة والعقل ومخالفةً للمعطيات العقلية.

  • هل العقل عائق أم سبيل؟ 

  • إنَّ أحد أهمّ إشْكِالاتهم عليَّ هو القول بأنّ فلانًا لمّا كان متفوّقًا في الفلسفة والمسائل العقليّة؛ فقد أصبح هذا أكبر عائقٍ يمنعه من الوصول إلى المطلوب، بل وهم يدعون لي بالهداية من أجل ذلك. إنَّه لأمرٌ مثيرٌ حقًّا! سمعتُ من بعض أقاربي أخيرًا بأنّ فلانًا من أقاربي عندما يذهب لزيارة الإمام الرضا عليه السلام، فهو يزور قبر المرحوم العلاّمة ويقول: إلهي اهدِ عمّي، إنَّني أطلب الهداية بالفعل! لاحظوا، قد يكون قلبه نقيًّا وهو حديث السنّ. إنَّنا نطلب من الله الهداية، فهذا هو مطلوبنا، ولكن لاحظوا كيف أنّ المشكلة تكمن في أنّه صار يُنظَر إلى الأمر الباطل على أنَّه إحدى القِيَم... .

السلوك إلى الله في مواجهة أقدار الحياة: تصحيح المفاهيم والإجابة عن التساؤلات - الانحرافات الفكرية والأخلاقية وخطرها على المسيرة الروحية

6
  • الكذب كقيمة! حوار يكشف التناقض 

  • كنتُ أتكلّم مع واحدٍ من هؤلاء الناس يومًا فقلتُ له: أسألك هذا السؤال وهو: لو أنّني على سبيل المثال أشرتُ إلى إنسان عاديّ أو طالبٍ من طلاّب العلوم الدينيّة وقلتُ لأحدهم: إنَّ هذا الرجل هو مهندسٌ معماريٌّ أو إنَّه طبيب، فهل كلامي هذا جائزٌ أم حرام؟ فقال: بل هو حرام. فقلتُ له: كيف يكون إطلاق مثل هكذا عنوان مع ما يمكن أن يتضمّنه من مفاسد حرامًا، ولا يكون حراماً إطلاق تعبيرٍ تكون المفاسد المترتبة عليه أكثر بآلاف المرات من ذلك، من قبيل استعمال عبارة وليّ الله أو خليفة المرحوم العلاّمة أو كون فلان مثل المرحوم العلاّمة وغيرها من العبارات التي تجلب فاجعةً هي أكبر بآلاف المرّات من تلك، بل ويُنظَر إليه اليوم على أنَّه من القِيَم ويجب طرد من لا يعتقد به من الجماعة؟! فقال:لا بدَّ لنا أن نقول بذلك في مقابل من ينقل خلاف هذا الأمر وذلك من أجل أن تستحكم القضيّة! فقلتُ: إنَّ هذا يعني أنّ طريق الله يجب أن يثبت ويستحكم بالكذب! فما الفرق بيننا وبين من يقول بأنّ الغاية تبرر الوسيلة هنا؟! كنتُ قلتُ هذا الكلام، فأصبح كلامي مضادًّا للقِيَم. فأصبح ما هو مخالفٌ للقِيَم من القِيَم وهو أحد محاور بقاء المدرسة. لذا فقد أصبحت هذه المدرسة مدرسةً شيطانيّةً لا رحمانيّة. علينا أن نُعير هذا الموضوع الكثير من الاهتمام والدقّة. 

  • قصّة العلّامة: من مقتضيات الضرورة 

  • كنتُ أدقّق فيما يجري حولي من أحداث؛ فقد كان المرحوم العلاّمة كتب رسالةً إلى أحد الأفراد واستخدم فيها عبارةً، لقد حصل هذا منذ زمنٍ بعيد، في أوائل أيّام الثورة. واتّفق أن دخلتُ المكتبة يومًا، فرأيتُ هذه الرسالة على المنضدة وكان مكتوبًا فيها تلك العبارة، فذهبتُ إليه وقلتُ: لماذا استخدمتُم تلك العبارة في هذه الرسالة؟! فهل يجوز إطلاق هذا العنوان على الإنسان العاديّ؟ فقال: لو لم أستخدم هذا العنوان، ما كانوا ليوصلوا الرسالة إليه، كانت تلك عين عبارته، فقد قال: ما كانوا ليُوصلوا الرسالة إليه، فكنتُ مجبورًا على كتابتها. إنَّ هذا يعني أنّ استخدام عبارةٍ من العبارات سيُعرِّض صاحبها للمساءلة يوم القيامة، فسيُقال له: لماذا استخدمتَ تلك العبارة؟ فاستخدامها من قِبَلِك ثمّ من قِبَلِ هذا وذاك سيجعلها تأخذ مكانًا غير مناسبٍ لها؛ فيكون عليك أن تُجيب عن ذلك هناك. هذا بالنسبة إلى بقيّة الناس، فكيف باستخدامها من قِبَل شخصِ المرحوم العلاّمة الذي هو صاحب مدرسة؟ نراه يقول هنا: لم يكن لي بدٌّ من أن أستخدمها .على أنَّه فنَّد بشكلٍ قاطع جواز استخدام مثل هكذا عنوان في مؤلّفاته، غير أنّ هذا الكتاب لم يصبح لحدّ الآن وللأسف في متناول أيدي الناس لبعض الأسباب. 

السلوك إلى الله في مواجهة أقدار الحياة: تصحيح المفاهيم والإجابة عن التساؤلات - الانحرافات الفكرية والأخلاقية وخطرها على المسيرة الروحية

7
  • انحراف آخر: هل نسيان الوليّ السابق شرط لاتباع اللاحق؟ 

  • ولقد حصل لي مثلُ هذا في مرحلة ما بعد المرحوم العلاّمة؛ فقد شعرتُ بأنّ الأمور تسير في منحى آخر. كان أحدهم يأتي إلى طهران هذه من مكانٍ آخر ليُلقي خطابًا، وكان يطرح عقيدةً ومبنىً خاصًّا؛ فكان يقول: لا يجوز للإنسان أن يذكر الوليّ السابق في عهد الوليّ الحالي؛ فقد يؤدِّي ذلك إلى تعرُّضه لبعض المشاكل. كيف يكون مثلُ هذا الكلام صحيحًا، علمًا أنّ جميع كلام المرحوم العلاّمة كان يدور حول المرحوم الحدّاد والمرحوم القاضي وغيرهم رحمهم الله؟ فكيف يمكن أن تتبدّل هذه السيرة في فترة ما بعد المرحوم العلاّمة؟ أتلاحظون؟! 

  • علاج الانحراف: هل يكون بالترقيع أم بالإصلاح الجذري؟ 

  • إنَّك بدلاً عن أن ترفع المشكلة من أساسها يا عزيزي، لماذا تأتي وتُضيف إليها مشكلةً أخرى؟ لماذا تُخطِّئ ما كان يعمله الآخرون؟ تعالَ واعمل على حلّ المشكلة! تعالَ واستخدم عباراتٍ صحيحة! تعالَ وأصلح مسيرك! فلن تكون بحاجةٍ إلى استخدام مثل هذه التبريرات عندها، أمّا أن تفعل مثل هذا الشيء، فستكون مثل من يريد أن يُرقِّع بناءً فيه مشكلةٌ أساسية، فما أن يحصل ثقبٌ في مكانٍ منه، حتى يعمد إلى ترقيعه بالجِصّ، وما أن يحصل شقٌّ في مكانٍ آخر، حتى يقوم بإصلاحه بالجِصّ. إنَّ هذا الجدار سينهار بعد أيّام؛ فكان عليك أن تهدم الجدار من الأساس وأن تعيد بناءه من جديد، ولن تكون بحاجةٍ إلى ترميمه لمدّة عشرين سنة. أمّا إن كان الأساس غير سليم، وكانت المباني الفكريّة خاطئة، فسيكون الإنسان بحاجةٍ إلى إيجاد التبريرات في كلّ قضيّة تواجهه. لم نكن بحاجةٍ إلى إيجاد التبريرات في زمان المرحوم العلاّمة؛ فلم يكن عمله ذلك العمل الذي يستلزم التبرير، بل كان واضحًا جدًّا وكان صريحًا وصافيًا، ولم تكن أعماله بحاجةٍ إلى البحث عن التبريرات.

  • مواجهة الانحراف وتكاليفها 

  • إنَّني عندما شاهدتُ هذا الأمر، وقفتُ في وجهه بكلّ شدّة، على أنّ ذلك لم يحصل من دون مشاكل؛ فقد عانيتُ من انعدام النوم ومن رجوع قرحة المعدة لي ونزيفها من جديد، كما حصلت لي مشاكل عائليّة من جرّاء ذلك أيضًا؛ فكنتُ أتصدّى لكلّ ما يحصل، وكان لا بدَّ من تحمّل المسؤوليّة، لذا وقفتُ بكلّ صلابة، الأمر الذي أدّى بطبيعة الحال إلى مواجهتي بالاعتراض، ثمّ تطوّر الأمر تدريجيًّا حتى أخذ له منحىً آخر، فمُنِعَ الاتصال بي وتمّت إدانتي، كما أدين كلّ من يرتبط بي، وطُرِدوا كذلك؛ وأصبح مسنونًا ألّا يُتكلَّم مع كلّ من يكون على علاقةٍ بفلان ورفقائه، وأصبح لا ينظر أحدهم إلى وجه الآخر في المجالس؛ فالنساء تُدير ظهورها لبعضها ولا تلتفت، وإن التقى الرجال ببعضهم في الشارع فلا يُسلِّمون على بعضهم. إنَّني إذ أذكر لكم ذلك، فأنا أذكره لأجل أن نعيَ الموضوع وألّا نعمل على تكرار ذلك. أي علينا أن نعرف أنّ المدرسة الإلهيّة ومدرسة أولياء الله لا ولن تكون بهذا الشكل؛ ففي المدرسة الإلهيّة يكون الفردُ حرًّا في اختيار طريقه الذي يريد أن يسلكه؛ فلهذا أن يكون مع فلانٍ من الناس، ولغيره أن يختار مرافقة آخر. إنَّه من العجيب جدًّا أن يقع من يدّعي السير في طريق الله ومن يدّعي السلوك إلى الله في أمورٍ لا نشاهدها من الناس العاديّين بل ممّن هم دونهم؛ من تلك الأمور التي كنّا نقرأ عنها عن تصرّف بعض المجمّعات والمؤسسات المنحرفة، وما كانوا يفعلونه مع أعضاء مجمّعاتهم، فنأتي نحن ونأخذ بهذه المسائل التي تدور حول القضايا النفسيّة، فسيوجب ذلك لنا الخُسران الشديد والمسكنة في واقع الأمر 

السلوك إلى الله في مواجهة أقدار الحياة: تصحيح المفاهيم والإجابة عن التساؤلات - الانحرافات الفكرية والأخلاقية وخطرها على المسيرة الروحية

8
  • التكليف الإلهيّ بين العمل والنتيجة 

  • لقد سارت الأمور على هذا النحو، وكنتُ أقوم بما يجب أن أقوم به حتى انتهت مهمّتي وأُمِرتُ بالتوقّف عن الكلام، فقيل لي: في هذا المقدار كفاية، فسكتُّ عندها. إنَّني في ذلك الوقت، بل وحتّى قبله كنتُ أعلم بأنّ مشيئة الله كانت بشكلٍ آخر، وأنّ الأمور ستجري بنحوٍ آخر، غير أنّ الأمر يتطلّب منّي أن أقوم بالتكليف المُلقى على عاتقي، فإن استطعتُ ومنحني الله التوفيق فسأقوم بالتكليف المترتِّب عليَّ، أمّا فيما يتعلّق بالحصول على نتيجةٍ من وراء القيام بهذا التكليف أو عدم الحصول عليها، فذلك أمرٌ خارجٌ عن إرادتي. قلتُ لأحد الأصدقاء ورفقاء الطريق الليلة ما قبل الماضية: إنَّني أطرح على البعض أكثر المسائل السلوكيّة والعرفانيّة غموضًا في بعض الأوقات، فيقبلها منَّي بكلّ سهولة، على أنّ ذلك القبول لا يكون من قبيل تلقين الببّغاء، بل إنَّ نفسه ووجدانه يقبل الأمر ويهضمه بسهولة، أمّا البعض الآخر فعندما أقول له كم هو ناتج ضرب اثنين باثنين؟ يقول: خمسة، أي إنَّه لا يتقبّل أبسط مسألةٍ التي هي: إنَّ حاصل ضرب اثنين باثنين هو أربعة، فتراه يقول: إنَّها خمسةٌ أو ستةٌ أو سبعةٌ، فسيكون تعاملنا مع مثل هذا بشكلٍ آخر، ولا يكون الأمر بأيدينا. وعندما وصل الأمر إلى هذا الحدّ، أغلقتُ الملفّ ولم أتكلّم بشأنه بعدها. وبعد مضيّ ثلاث سنوات ونصف على ما حصل، ها هو وجدانُ بعض الناس يستيقظ، وها هي بعض الحقائق تُطرح، وبعض الاعترافات تصدر، وهذا من الله، فكما قلتُ فالأمور هي بيد الله. فلا كنّا ذوي تأثيرٍ في ذلك الوقت ولا في الوقت الحالي ولن نكون كذلك في المستقبل، بل يكون علينا أن نعمل بما يقتضيه التكليف وكيفما كان، ثمّ نُسلِّم الأمر إلى الله؛ فهو الذي يأمر بالكلام في موقفٍ والسكوتِ في موقفٍ آخر، وهو الذي يأمر بالتزام البيت في وقتٍ، وبأمرٍ آخر في غيره من الأوقات. ولنا في أمير المؤمنين عليه السلام وفي زينب سلام الله عليها خيرُ أسوة.

  • السيدة زينب عليها السلام: متى تكلمت ومتى صمتت؟ 

السلوك إلى الله في مواجهة أقدار الحياة: تصحيح المفاهيم والإجابة عن التساؤلات - الانحرافات الفكرية والأخلاقية وخطرها على المسيرة الروحية

9
  • كان المرحوم العلاّمة يتكلّم في أحد المجالس فقال: يُقال بأنّ زينب كانت تخرج وتتكلّم إلى الناس كما حصل في يوم عاشوراء وما بعده، فليس من الصحيح ما يُطرَح من عدم جواز خروج المرأة ومخاطبتها للناس. فقال المرحوم العلاّمة ردّاً على هذاالكلام: لقد كان عمرالسيّدة زينب ستين سنة، فائتني بروايةٍ من التاريخ تقول بأنّ زينب كانت قد تحدّثت إلى الناس في غير واقعة عاشوراء! ففي هذه الستّين سنة في أيّ مكانٍ كانت قد تحدّثت؟! فهل حصل هذا في المدينة أم في الكوفة أم في أيّ مكانٍ آخر؟! إنَّ واقعة كربلاء هي حدثٌ استثنائيٌّ، ولم يكن لدى زينب حتّى غطاء للرأس في بعض المجالس. أي إنَّ أبناء النبيّ صلى الله عليه وآله قد جرى عليهم في واقعة عاشوراء مثلُ هذا الأمر.

  • أمير المؤمنين عليه السلام: بين جليس الدار وقائد الميدان 

  • كان أمير المؤمنين عليه السلام يُؤمَر بالحديث والخطابة في موقفٍ ما، وفي الموقف الذي لا يريد الناس أن يستمعوا لقوله، كان يُؤمَر بالجلوس في بيته؛ فأصبح أمير المؤمنين عليه السلام جليس البيت مدّة خمسةٍ وعشرين عامًا. ثمّ بعد أن قتلوا عثمان، عرف الناس مقدار الخطأ الذي وقعوا فيه، فأخذوا ينهالون على بيت أمير المؤمنين عليه السلام؛ فترتَّب عليه التكليف الذي يقضي بخروجه من البيت. وعندما خرج إليهم، هل سمحوا له بأن يتهنّأ بشرب الماء؟ هل تتوقّعون أنّ لهذه الخلافة التي دامت أربع أو خمس سنوات لذّةً له وكما يحصل في أماكن أخرى؟ إنَّني أُقسم والله وبالله أنّ ما كان يتلذّذ به أمير المؤمنين عليه السلام عندما كان جليس البيت، فكانت تلك هي اللذّة الواقعيّة، أقصد بأنَّها هي اللذّة الظاهريّة، وإلّا فأينما يكون أمير المؤمنين عليه السلام فهو مع الله، ولا فرق عنده في حياته الظاهريّة بين الجلوس في المنزل حيث يكون المرء مرتاحًا هناك وبين ورود ميدان الحرب ومقاتلة الأعداء، ولا في كون الراحة تتمثّل في الجلوس في البيت أو في تلقّي السهم وضربة السيف في الجبين. لم يكن أمير المؤمنين عليه السلام مثل عمر بن الخطاب لكي يدفع حياته ثمنًا للخلافة، بل كان يعمل بالتكليف ويعمل على إحقاق الحقّ وإماتة الظلم وإزالته؛ فهكذا كان نهج أمير المؤمنين عليه السلام.

السلوك إلى الله في مواجهة أقدار الحياة: تصحيح المفاهيم والإجابة عن التساؤلات - الانحرافات الفكرية والأخلاقية وخطرها على المسيرة الروحية

10
  • توصيات للمرأة والأسرة 

  • فما أريد أن أقوله للأصدقاء هنا هو ضرورة حلّ المشاكل والاختلافات التي تحصل في المنزل بين بعض أعضاء الأسرة، طبقًا للمسير الذي عيّن ووفقًا للتكليف الذي كلَّفنا به. يجب أن يكون جوُّ البيت جوًّا هادئًا، وللمرأة الدور المهمّ في ذلك. ومن الأمور المهمّة جدًّا ضرورةُ أن تكون طلبات الرجل متطابقةً مع ما جاء في الإسلام، ويقع تطبيق ذلك بالنحو المطلوب على عاتق المرأة. إن لم تتمكّن المرأة من القيام به، فذلك شيءٌ آخر. تسأل بعض النساء وتقول بأنّ كثيرًا من أفراد الأسرة لا يتوافقون معها في مسيرها الصحيح، إن لم يتوافقوا معكم، فلا يتوافقوا، ولا إشكال في ذلك، فهل يُفترَض أن يكون الجميع على نفس النهج؟! فطريق الله لا يقبل الإكراه والتهديد، بل لكلّ فردٍ طريقه الخاصّ به، وعليه أن يسير وفقًا لذلك ليصل إلى المقصد المطلوب. نعم، لكلّ إنسانٍ الطريق الذي يربطه بالله، فلا يمكننا أن نُجبِر الناس على السير وفقًا لما نراه صحيحًا. 

  • فقرة الأسئلة والأجوبة 

  • كان هذا الكلامُ مقدّمةً. عندما ألقيتُ نظرةً هذا الصباح على الأسئلة المقدَّمة، وجدتها تتضمّن أمورًا متكرَّرة، وبعضُها يتضمّن مسائل شخصيّة؛ فما يرتبط بالأسئلة الشخصيّة، فسأقوم بقراءتها، ثمّ الإجابة عليها بشكلٍ منفصل، وأمّا الأسئلة العامّة، فسأجيب عليها بما يسمح به وقت المجلس.

  • السؤال الأول: رفع الحجب، هل يكفي فيه الدعاء أم لا بدّ من الرياضة؟

  • سؤال: بسم الله الرحمن الرحيم، عندما يشعر الإنسان بقربه من الله فهل من المفيد له أن يدعو الله لرفع كافّة الحُجُب بينه وبين الله في الحال؟ في الوقت الذي يحتاج فيه رفع الحُجُب إلى الوقت والتمرين والرياضة الخاصّة التي تكون بأمرٍ من الأستاذ، ولن يفيد الدعاء شيئًا.

  • الجواب: إنَّ كلا الأمرين لازمٌ؛ فالسلوك والسير في الطريق إلى الله يحتاج إلى المراقبة والدعاء والعبادة والسلوك الصحيح طبقًا لما رسمه العظماء من طريق؛ ذلك الطريق الذي لا يمكن لأحدٍ أن يصل إلى هدفه المطلوب من دونه؛ فمن المحال أن ينهض الإنسان من نومه صباحًا ليجد أنّ كافّة تلك الأمور قد تحقّقت، ولم يتحقّق مثلُ ذلك في عالم التكوين، بل لا بدَّ من المراقبة، وهو الأمر الذي أكّد عليه العظماء كلَّ ذلك التأكيد؛ فسيعمل ذلك على إيجاد التغيُّر التدريجيّ في النفس وكما يحصل في بقيّة المسائل التي نتعامل معها في حياتنا اليوميّة؛ فلا يُمنَح كلُّ ما نريده من علومٍ بين ليلةٍ وضحاها، بل لا بدَّ لنا من أن نستمرّ في الدراسة لمدّة أربع أو خمس سنوات لكي نتعلّم أحد فروع العلم، وهكذا هو الأمر بالنسبة إلى السير والسلوك ورفع الحُجُب. على أنّ الدعاء مطلوبٌ جدًّا، ونفسُ طلبِ الإنسانِ هذا هو دعاءٌ، وعلينا أن نعرف أنّ الله يحبّ الدعاء، ويريد من عبده أن يدعوه لكي يرفع الحُجُب عن طريقه بشكلٍ أفضل، فلا يوجد أيُّ تنافٍ بين الأمرين. 

السلوك إلى الله في مواجهة أقدار الحياة: تصحيح المفاهيم والإجابة عن التساؤلات - الانحرافات الفكرية والأخلاقية وخطرها على المسيرة الروحية

11
  • السؤال الثاني: كيف أركّز ذهني وأتغلّب على العجلة؟

  • سؤال: ما الذي عليَّ فعله من أجل تركيز الذهن؟ إنَّ صبري وقدرة تحمُّلي قليلةٌ وأنا عجولةٌ، فما الذي أفعله لمعالجة ذلك؟

  • الجواب: هناك طرقٌ متعدّدةٌ من أجل المحافظة على تركيز الذهن؛ أفضلها هو أن يرى الإنسان حضور الله. سألني أحد الأصدقاء الليلة الماضية وقال: كيف يجب عليَّ أن أُصلِّي؟ فهل ينبغي عليَّ أن أُفكِّر بمعاني الكلمات أم أن أتوجّه إلى الله؟ وكيف يحصل مثلُ هذا التوجُّه؟. فقلتُ له: عندما دخلتَ بيتك، فهل شعرتَ بحضوري هذا أم لا؟ قال: نعم، شعرتُ به. قلتُ له: بغضّ النظر عن كوني أتحدّث أم لا، فالأمر الأول الذي حصل هو شعورك هذا الذي شعرتَ به بوجودي هنا؛ فستقوم بالأخذ بعين الاعتبار بعض المسائل المترتِّبة على حضوري هنا؛ فلن تقوم بأيّ عملٍ تريده، ولن ترفع صوتك عاليًا، ولن تظهر أمامي ـ وعلى سبيل المثال ـ بأيّ لباسٍ تشاء، فهناك متطلباتٌ خاصة. إنَّ مثل هذا الشعور يكون منفصلاً عمّا يمكن أن يُطرَح من كلام، فذلك في محلِّه. وفي الصلاة، على الإنسان أن يرى الله حاضراً في هذا المكان، فهل يستطيع أن يشتغل بأمورٍ أخرى من قبيل الطبخ وتنظيم البيت والكلام والحال هذه؟ إنَّ هذه الأمور منفصلةٌ عن موضوع الحضور الإلهيّ. إنَّ المحور الذي يرتكز عليه حالُ المُصلِّي هو الشعورُ بالحضور، وهو أن يرى نفسه مع الله في هذه اللحظة، على أنّ مثل هكذا شعورٍ يكون متلازمًا مع ذكر عباراتٍ من قبيل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ}، فتلك هي أمور تبيّن في قالب هذه العبارات، أمّا الموضوع الأساسي، فهو الشعورُ بالحضور. فعلى هذا الأساس يجب أن يُبنى تركيز الذهن؛ وهو الشعور بحضور الله. عندما يعزل الإنسان نفسه عن الناس المنشغلين بالكلام الذي لا فائدة منه. ولا يلزمه هنا أن يفكّر بأيّ شيء، فستكون تلك هي المرتبة الأولى من مراتب التركيز، على أنّ هناك مراتب أخرى له، ستكون في مرحلةٍ لاحقة لهذه المرحلة.

  • علاج العجلة

  • أمّا بشأن العجلة المُشار إليها في السؤال، فعلى الإنسان أن يعلم أنّ الأحداث التي تجري، الكثير منها ليس بأيدينا، وعليه أن يعلم أيضاً بأنَّنا جزءٌ من المشيئة الإلهيّة في عالم الخلق والتكوين، فليس من المعلوم تحقُّقُ كلِّ ما نريد بهذه السرعة. وسأضرب لكم مثالاً على ذلك: عندما أردت القدوم من قم إلى طهران ليلة البارحة، اتّصل بي بعض الأصدقاء واقترحوا أن يأتوا إلى قُم ويأخذوني إلى طهران، فقلتُ لهم: لا، سآتي بنفسي، فأصرّ أحدهم على القدوم واتفقنا على أن نلتقي في موقف السيّارات العمومي، فيأخذني معه إلى بيته، فجئتُ طبقًا لما اتفقنا عليه من موعدٍ وانتظرتُ سيارةً لأستقلّها، إلّا أنَّه لم يكن هناك ركّاب، والسيّارات لا تنطلق ما لم يكن هناك ركّاب، وفي هذه الأثناء جاءت حافلة، فصعدتُ فيها ولم أكن قد تأخّرتُ عن الموعد، فحصل أنّ الحافلة كانت بطيئةً في حركتها بحيث كانت تسبقها بقيّة السيارات، كما كان السائق يتوقّف كثيرًا من أجل أن ينزل راكبٌ أو يصعد غيره، وكنتُ أقول في نفسي بأنّ هذا المسكين سيأتي في الساعة التي اتفقنا عليها ولن يجدني، الأمر الذي يُوجِد للإنسان قلقًا واضطرابًا طبقًا لظواهر الأمور، ثمّ فكّرتُ وقلتُ: إنَّ ما حصل لم يكن بيدي، فلماذا القلق والاضطراب بسبب ذلك؟ فلتجرِ الأمور وفقًا لمسيرها العادي وسيرعى الله بمشيئته ذلك الرجل.

السلوك إلى الله في مواجهة أقدار الحياة: تصحيح المفاهيم والإجابة عن التساؤلات - الانحرافات الفكرية والأخلاقية وخطرها على المسيرة الروحية

12
  • قصّة العلّامة والشيخ الأنصاري:

  • ثمّ تذكّرتُ حكايةً تخصّ المرحوم العلاّمة وهي قضيةٌ مثيرةٌ أنقلها لكم: كان المرحوم الأنصاريّ رضوان الله عليه والذي هو أستاذ المرحوم العلاّمة مبتلىً بمرضٍ قلبيّ، وكان هناك طبيبان حاذقان في هذا المجال في طهران في ذلك الوقت أحدهما هو الدكتور أردشير النهاوندي الذي كان طبيبًا ماهرًا جدًّا، وكنتُ أتذكّر كيف كان المرحوم العلاّمة يأخذ جدّتي التي هي والدته إليه، إذ كان حاذقًا جدًا، وكان الطبيب الآخر هو الدكتور الديشلي والذي لا أدري ما إن كان لا يزال على قيد الحياة أم لا. سافر المرحوم العلاّمة إلى همدان من أجل زيارة المرحوم الشيخ الأنصاري يومًا، فوجده يعاني من مرضٍ في القلب. وقبل أن ينقل المرحوم العلاّمة هذه القضيّة، هناك حكايةٌ أخرى كان يريد نقلها، وها أنا أنقل لكم هذه الحكاية التي سبقت إلى ذهني أولاً من باب المقدّمة، قال: كنتُ أنوي العودة من همدان إلى طهران في إحدى الليالي، واتّفق أن رافقني في هذا السفر أحد أصدقائي والذي هو صهر المرحوم الشيخ الأنصاري الذي انتقل إلى رحمة الله الآن، وهو رجلٌ جيّد، وهو المهندس تناوش. لقد كان هذا الرجل من الأصدقاء المخلصين للمرحوم العلاّمة، وإن كانت علاقته معه قد انخفضت بشكلٍ كبير في أواخر عمره. كان رجلاً جيّدًا جدًّا وكان من أهل المراقبة والتهجّد وله حالاتٌ معنويّة، وكان صهرًا للشيخ الأنصاري رحمه الله. قال المرحوم العلاّمة: ذهبنا سويًّا إلى المدينة ليلاً وأخذنا سيّارة أجرةٍ لنذهب إلى طهران. كان الوقت ليلاً، وكان الطريق الذي يربط همدان بطهران ليس على ما يرام في ذلك الوقت، فرأينا أنّ السائق يسير بسرعةٍ عالية وبشكلٍ عجيب، وكلّما كنّا ننصحه ونقول له: يا رفيقنا ويا صديقنا لماذا تسير بهكذا سرعة؟ فهل شبعتَ من حياتك في الدنيا؟ لم يكن يبالي بكلامنا وكان مستمرًّا على السير بذلك الشكل، وفي نهاية المطاف، أوصلنا إلى طهران في مدّة ثلاث ساعاتٍ ونحن بين الحياة والموت، هذا مع كون الطريق في ذلك الوقت بتلك الدرجة من السوء. كنتُ قد قطعته في ذلك الوقت، وكان جزءٌ منه ترابيًّا. قال المرحوم العلاّمة: كنّا قد رأينا الموت بأعيننا حينها، فقلتُ لرفيقي: لا تُلِحّ عليه أكثر من هذا، فلا فائدة من ذلك، بل تعالَ لنتشهّد فالأمر خارجٌ عن إرادتنا. قال: كانت تلك حكاية السفرة الأولى، وأمّا ما يتعلّق بالسفرة الثانية التي وجدتُ فيها المرحوم الشيخ الأنصاري مصابًا بالمرض القلبيّ، فكنتُ قد أسرعتُ في الذهاب إلى موقف السيارات لكي أستقلّ سيّارةً إلى طهران وأجلب له طبيبًا إلى همدان، فلم يكن يتمكّن من الذهاب إلى طهران لسوء حالته الصحيّة، فوصلتُ الموقف وكانت السيّارة بحاجةٍ إلى مسافرٍ أو اثنين، فصعدتُ السيّارة وتحرّكت باتجاه طهران. وعندما بدأ بالسير، رأيتُ العجب؛ فقد كان السائق مدمنًا على الموادّ المخدِّرة، هذا أولاً، ثمّ أنّ السيّارة كانت تميل يمينًا وشمالاً في سيرها، وبعد أن سار مسافةً، ثُقِبَ إطار السيّارة، فنزلنا من أجل استبداله، وقد ساعدتهم في ذلك من أجل أن نتحرّك بسرعة، ثمّ بعد أن سار مسافةً توقّف في إحدى المقاهي وقال: أنا متعبٌ ولم أنم الليلة الماضية، وأريد أن أنام لساعتين، فاعترضنا عليه وقلنا: كيف ذلك؟ فقال: هذا هو واقع الحال، فإن أردتم، فاصعدوا في سيّارةٍ أخرى. قال المرحوم العلاّمة: توقّفنا لمدّة ساعتين فذهب ونام خلالها بدون مبالاة، أمّا أنا فلم أستطع ذلك، وفي نهاية المطاف، استغرق السير في الطريق من همدان إلى طهران ستّ ساعات، فاعرفوا ما الذي جرى له في هذا السفر، خاصّة وإنَّني أعرف حالته الروحيّة؛ فقد كان قلقًا جدًّا، وكان يريد أن يقوم بالتكليف المترتِّب عليه. وبعد مضيّ ما يقارب الثلاثين ساعة ابتداءً من الحركة من همدان وإلى العودة إليها، وعندما نقلنا الشيخ الأنصاري رحمه الله كان الأمر على وشك أن ينتهي، فلم يبقَ له سوى نصف يومٍ على بقائه في الحياة. إنَّ الأمر بيد الله؛ فعلى الرغم من كون الرجل أستاذه، وعلى الرغم من كونه التلميذ بتلك المواصفات، غير أنّ التقدير إن كان بشكلٍ آخر فلا يستطيع الأستاذ ولا التلميذ أن يعملا شيئًا، وعلى الجميع تسليم الأمر إلى الله.و هنا يعرف التحمُّل وعدمه، وعلينا أن نعرف أنّ الأعمال يجب أن تُنجَز بالنحو المطلوب، ولندعها تجري بشكلها المتعارف ..

السلوك إلى الله في مواجهة أقدار الحياة: تصحيح المفاهيم والإجابة عن التساؤلات - الانحرافات الفكرية والأخلاقية وخطرها على المسيرة الروحية

13
  • السؤال الثالث: كيف نحقّق الخضوع والخشوع في الصلاة؟

  • سؤال: نحن نعلم بأنّ القيام بالواجبات والصلاة الواجبة منها على وجه الخصوص يُعتبر الخطوة الأولى في طريق السير والسلوك، فما الذي نفعله لكي نؤدِّي الصلاة بإخلاصٍ أكثر وحضور قلبٍ أكبر؟ لقد أكّد القرآن الكريم على ضرورة الخضوع والخشوع في الصلاة، فما معنى هذا الخضوع والخشوع؟ وكيف نتمكّن من الحصول عليه؟

  • الجواب: إنَّ الخضوع والخشوع يعني تلك الكيفية التي نتعامل بها مع سائر الأحداث التي تواجهنا؛ فلو أنّ عظيمًا حضر، فكم سيكون مقدار التواضع الذي سنشعر به؟! وكيف نقطع أذهاننا عن الأشياء الأخرى، وكيف نتعامل معه؟! إنَّني وأنا أتكلّم معكم الآن، فإنَّكم وبكرمكم تستمعون إلى ما أطرحه عليكم من كلام، فعليكم أن تستحضروا هذا الحال بشكلٍ أكبر وأكثر اهتمامًا في تعاملكم مع الله. إنَّ الفرق بين الحالتين يتمثّل في أنّكم تشاهدونني وتسمعون كلامي الآن لكوننا نعيش في الظاهر، فلا تنصرف النفس إلى أمرٍ آخر بالطبع، أمّا فيما يتعلّق بالارتباط بالله، ولكون الأمر غيبيًّا، يمكن فيه للنفس أن تزيغ إلى هذا الجانب أو ذاك بسرعة فائقة، لذا يجب زيادة المراقبة، وعدم السماح للنفس بالذهاب إلى هذا الطرف أو ذاك.

  • السؤال الرابع: ما السبيل لمنع الخيال الباطل في الصلاة؟

  • سؤال: نرجو منكم أن توضّحوا لنا طريقة منع الخيال الباطل وكيفيّة الحيلولة دون عدم حضور القلب في الصلاة.

  • الجواب: إنَّ الطريقة هي نفسها التي ذكرتها لكم الآن؛ فعليكم وقبل البدء بالصلاة أن تجلسوا وتتأمّلوا عدّة دقائق قبل القيام للصلاة، لا أن تسارعوا إلى أداء الصلاة بمجرّد وصولكم إلى البيت وأنتم قادمون من العمل، بل عليكم أن تتوضّأوا ثمّ تجلسوا على سجّادة الصلاة لعدّة دقائق، وليكن المكان هادئًا وخاليًا وبعيدًا عن الضوضاء، وبعد مرور دقيقتين أو ثلاث وبعد أن تكتسبوا الهدوء، تقومون بعدها إلى الصلاة. وإن تمكّنتم من قراءة عدّة آياتٍ قبل الصلاة، فذلك أمرٌ مستحسَن، و له تأثيرٌ إيجابيّ، فهذه هي الطريقة. على أنّ وقوف الإنسان بوجه التخيُّلات هو أمرٌ مهمٌّ جدًّا؛ فلا يدع تلك التخيُّلات ترد إلى ذهنه؛ إذ سيكون هذا الأمر مفيدًا جدًّا فيما بعد؛ أي: أنّ الإنسان إذا ما استطاع دفع التخيّلات عنه من خلال المجاهدة والتمرين، فسيكون لهذا الأمر دورٌ مهمٌّ جدًا في فتح الطريق أمامه وإلّا، فقد يوجِد ذلك العوائق في طريقه مستقبلاً.

السلوك إلى الله في مواجهة أقدار الحياة: تصحيح المفاهيم والإجابة عن التساؤلات - الانحرافات الفكرية والأخلاقية وخطرها على المسيرة الروحية

14
  • السؤال الخامس: هل للانقطاع عن جلسات القرآن أثرٌ سلبي؟

  • سؤال: هل لعدم الاستمرار في حضور جلسات القرآن أثرٌ سلبيٌّ على الإنسان؟

  • الجواب: لا، ليس له أثرٌ سلبيّ، ومن الأفضل أن يداوم الإنسان على ذلك، فإن لم يستمرّ، فلن يحصل له شيء.

  • السؤال السادس: صلاة الجماعة أم النافلة في البيت، أيّهما أفضل للمغرب؟

  • سؤال: هل إتيان صلاة المغرب جماعةً أفضل أم في البيت، حيث يمكن الإتيان بالنافلة أيضًا؟

  • الجواب: إنَّ الصلاة جماعةً أفضل من الإتيان بها في البيت مع النافلة، وإن حصل بعض التأخير في أدائها، إلّا إذا كان هناك مانعٌ يحول دون أدائها جماعةً أو لم يكن حال الإنسان مساعدًا، فعندها سيكون أداؤها في البيت في مثل هذه الحالة أفضل.

  • السؤال السابع: هل يصحّ قضاء الظهر جماعة أثناءإقامة صلاة العصر؟

  • سؤال: هل يجوز جعل نيّة صلاة العصر على أنَّها قضاءٌ لصلاة الظهر، ثمّ أداء صلاة العصر في وقتها في البيت بشكلٍ فرادى؟

  • الجواب: نعم، لا إشكال في أداء صلاة الظهر جماعةً بنيّة القضاء، إن كان القصد هو هذا ثمّ أداء صلاة العصر في المنزل، فلا إشكال في ذلك.

  • السؤال الثامن: النذر لقضاء الحاجة، ما حكمه وما الأفضل فيه؟

  • سؤال: هل يجوز النذر من أجل قضاء الحاجة؟

  • الجواب: لا إشكال في ذلك، وإن كنتُ سمعتُ من المرحوم العلاّمة بأفضلية عدم النذر للسالك، وأن يُوكِل أموره إلى الله.

  • سؤال: أيُّ نذرٍ هو الأفضل في مثل هذه الحالة؟

  • الجواب: أيُّ نذرٍ يرتضيه الله، ومن الأفضل أن يُعطى للفقراء. من المستحسَن أن يسعى الإنسان في قضاء حوائج المسلمين. وعلى أيّة حال، فمن الأفضل ألّا ينذر الإنسان وأن يأتي بهذه الأعمال.

  • السؤال التاسع: عالم الذر والأنس بالأئمة عليهم السلام، ما السر؟

  • سؤال: بالنسبة إلى العهد الذي عقدناه مع الأئمة عليهم السلام وأولياء الله في عالم الذرّ؛ لماذا نُأنس ببعض الأئمة أكثر من غيرهم؟ وكيف يحصل هذا العهد في عالم الذرّ؟ وهل سيرُنا في هذه الدنيا مرتبطٌ بذلك العالم؟

  • الجواب: إنَّ العهد الذي أقيم مع الأئمة عليهم السلام في عالم الذرّ هو بعنوان كونهم الواسطة في نزول الأسماء والصفات الكلّية الإلهيّة، وبعنوان الطاعة والتسليم لهم. إنَّ أولياء الله مشمولون بنفس هذه القاعدة ولا فرق بينهم وبين الأئمة عليهم السلام من هذا الجانب. أمّا فيما يتعلّق بالأُنس ببعض الأئمة أكثر من غيرهم، فهذا الأمر يعود إلى الخصائص التي يمتلكها الإنسان، وإلى بعض أحواله وحالاته، غير أنَّه ليس من المعلوم أن يدوم مثلُ هذا الشيء، فقد يتبدّل الأمر في بعض المراحل. وهذا ما سمعته من كثيرٍ من الأصدقاء الذين وُفِّقوا لزيارة العتبات المقدّسة، فيقول بعضهم إنّ النجف وحرم أمير المؤمنين عليه السلام كان جاذبًا لي، بينما يقول البعض الآخر بكون كربلاء أكثر جذبًا، ويُرجِّح صنفٌ آخر سامرّاء. على أيّة حال، فهذا الأمر يعود إلى خصائص كلّ فردٍ من الأفراد، أمّا بالنسبة إلى الأئمة عليهم السلام، فكلُّهم متساوون وإن تفاوت ظهورهم. فيما يتعلّق بكون مقام الولاية هو الواسطة، فجميعهم على مستوىً واحد، ولا فرق بينهم من هذه الناحية. وقد يتبدّل حالُ من كان يُرجِّح زيارة سيّد الشهداء عليه السلام على غيره من الأئمة، فيقوم بترجيح زيارة الإمام الحسن العسكريّ أو الإمام عليّ النقيّ عليهما السلام على غيرهم فيما بعد. إنَّ هذا الأمر يعتمد على حال الشخص، هذا الحال الذي يتعرّض للتبدّل.

السلوك إلى الله في مواجهة أقدار الحياة: تصحيح المفاهيم والإجابة عن التساؤلات - الانحرافات الفكرية والأخلاقية وخطرها على المسيرة الروحية

15
  • السؤال العاشر: لمن نكتب عن مناماتنا وحالاتنا؟

  • سؤال: هل نستطيع أن نكتب لكم عمّا نراه من مناماتٍ وما تمرّ علينا من حالات، أم نتصل بالآخرين؟

  • الجواب: لا فرق في ذلك.

  • السؤال الحادي عشر: ما حكم عمل المرأة خارج البيت؟

  • سؤال: نرجو بيان رأيكم بشأن عمل المرأة خارج البيت، ولكن في الأماكن المخصّصة للنساء بالطبع.

  • الجواب: لا إشكال في ذلك إن كان العمل من نوع العمل المفيد والمتطابق مع الموازين الشرعية مع إحراز رضا الزوج بذلك إن كانت المرأة متزوجة. إنَّ حال الإنسان هو أفضل معيارٍ للتشخيص، فهو الذي يعرف ما إن كان هذا العمل يسبّب له ضررًا نفسيًّا أم لا.

  • السؤال الثاني عشر: كيف نحافظ على حالة الجلسة الروحيّة وسط مشاغل الأسبوع؟

  • سؤال: نرجو منكم مزيدًا من التوضيح بشأن الأهواء النفسيّة والتخيُّلات الشيطانيّة التي يجب علينا أن نتخلّص منها قبل الدخول إلى الجلسة، وأخيرًا ولمّا تقرّر إقامة مجالس في وسط الأسبوع، فقد تكون لنا بعد انقضاء المجلس فعّالياتٌ نقوم بها طوال اليوم، فكيف يمكننا والحال هذه أن نحافظ على المراقبة التي كنتم قد أوصيتم بها في المجالس السابقة؟ 

  • الجواب: قلتُ بضرورة مراعاة الظروف وفيما إن كان حال الإنسان مناسبًا أم لا؛ فإن كان حاله مضطربًا، فعليه عدم حضور الجلسة لأنّ حضوره سيجلب الضرر للآخرين؛ فالجلسة بحكم الأواني المرتبطة ببعضها، حيث يؤثّر ويتأثّر أحد الحاضرين بالآخر؛ فلا بدَّ من رعاية هذا الأمر. أمّا فيما يتعلّق بتعيين يوم الجلسة أو العمل خارج البيت، فتعيين يوم الجلسة أو الحديث عن موضوع العمل ليس من اختصاصي. وقد وضّحتُ لكم ما يتعلّق بظروف الجلسات، وهكذا كان الأمر في زمان المرحوم العلاّمة؛ فهكذا كانت توصياته لمن يريد حضور المجلس؛ فكان يوصي بضرورة رعاية الإنسان لحاله في ذلك اليوم، وأن يراقب نفسه بمقدار ما يستطيع، أمّا بشأن حصول شيءٍ غير متوقَّع، فذلك أمرٌ آخر. إنَّ الخيار بيد الشخص نفسه، وهو الذي يتّخذ قراره بنفسه.

  • السؤال الثالث عشر: لماذا ينفصل البعض عن طريق السلوك ويشكّ في الأستاذ؟

  • سؤال: لماذا ينفصل بعضُ من يرد طريق السلوك ويبدأ بالشكّ في الأستاذ سواءٌ كان ذلك في هذا الزمان أو في الأزمنة السابقة؟

السلوك إلى الله في مواجهة أقدار الحياة: تصحيح المفاهيم والإجابة عن التساؤلات - الانحرافات الفكرية والأخلاقية وخطرها على المسيرة الروحية

16
  • الجواب: قد يكون لأحدهم فهمه الخاصّ به عن السلوك في بادئ الأمر، ويجيء متوقِّعًا حصوله على بعض الأمور، ثمّ يجد نفسه في مواجهة بعض الأمور؛ فهكذا يكون البعض؛ فقد يكون تصوّرهم ـ وكما قلتُ ـ بأنّ السلوك هو طريقٌ مليءٌ بالسعادة والبهجة والسرور وهو خالٍ من المشاكل، وعندما يرد الطريق يرى بأنّ هذه الأمور موجودةٌ هنا كما هي في غيرها من الأماكن من دون فرق، فيرى بأنّ التوقُّع الأوّلي لم يحصل. كما أنّ البعض يأتي من أجل تحقيق بعض الأهداف، وإذا بها لم تتحقّق له، فيحصل له البرود والخيبة. على أيّة حال، فهذا العالم هو عالم الامتحان والاختبار، وعلينا أن نطلب من الله حُسن العاقبة بكلّ جِدّية. إنَّ طلحة والزبير كانا ممّن قاتل إلى جنب النبيّ صلى الله عليه وآله في المعارك، غير أنّكم رأيتم كيف كانت عاقبتهما! فقد سلّوا سيوفهم بوجه أمير المؤمنين عليه السلام وأوجدوا تلك الفتنة. هنا يظهر معنى الكلام الذي قاله المرحوم العلاّمة عندما قال:على السالك أن يعرف بأنَّه وفي كلّ لحظةٍ تمرّ عليه هناك امتحانٌ، وليس امتحانًا واحدًا فقط، بل هناك امتحاناتٌ شائكةٌ يتصوّرها الإنسان مجرّد قضايا عابرة؛ هناك امتحانٌ لنا في كلّ لحظةٍ وفي كلّ سكنةٍ وفي كلّ تخيُّلٍ وفي كلّ حادثةٍ نواجهها.

  • قصة المكاشفة ووادي برهوت: 

  • جاءني إلى المنزل أحد الأصدقاء قبل عدّة أيامٍ وقال: رأيتُ فلانًا ـ ويبدو أنّ ذلك كان في المكاشفة ـ يرتكب ذنبًا، إنَّني أعرف المشار إليه وأنا على اطّلاعٍ على عمله، وكان قد ارتكب ذنبًا. هذا في الوقت الذي لم يكن فيه بين الاثنين أيّة علاقة، ولم يرَ أحدهما الآخر ولو لمرّةٍ واحدةٍ في السنة، قال: رأيتُ فلانًا يذهب إلى مكّة، فأوقفته الملائكة فجأةً قرب اليمن، فقلتُ له: آمل ألّا يكون الأمر خطيرًا. ثمّ استدعيتُ ذلك الرجل وقلتُ له:اعلم يا عزيزي بأنّ طريق الله ليس فيهتساهل، ولدينا في الروايات بأنّ أرواح جميع المؤمنين تجتمع في وادي السلام في النجف، بينما تجتمع أرواح جميع الكفّار و ذوي الأرواح الكدِرة والمظلمة في وادي برهوت في اليمن. إنَّ هذا أمرٌ واقعيٌّ بيّنه الأئمة عليهم السلام؛ فعندما ارتكبتَ ذلك العمل، لم يكن لذلك أيّة معرفةٍ بك، وقد رأى بأنَّك قد أُلقيَ بك في وادي برهوت. أتلاحظون! إنَّ ما حصل هو عين الواقع من دون اختلافٍ ولو بمقدار رأس الإبرة، كان عين الواقع. إنَّ ما رآه من السفر إلى مكّة يعني سيره وسلوكه هذا الذي هو السير باتجاه الكعبة، وعندما قام بذلك العمل الباطل، أوقفته الملائكة فجأةً وذهبت به إلى برهوت. وإن يَتُب، فسيخرج من برهوت وسيعاود السير في طريقه ذاك، وإن ارتكب معصيةً، فسيُعاد به إلى برهوت. إنَّ هذا العالم هو عالم التكوين؛ ولنا فيه في كلّ لحظةٍ امتحانٌ، ولنا في كلّ لحظةٍ حركةٌ وتوقُّفٌ وسكونٌ، فعلينا أن ننتبه إلى هذا الأمر وهو: إنَّ ما نقوم به من عملٍ، لن يمضيَ سُدًى، وسيتمّ توقيف الإنسان، على أنّ المكان الذي سيؤخذ إليه معلومٌ؛ فهو إمّا أن يكون بهذا الاتجاه أو سيكون إلى مكانٍ آخر.

السلوك إلى الله في مواجهة أقدار الحياة: تصحيح المفاهيم والإجابة عن التساؤلات - الانحرافات الفكرية والأخلاقية وخطرها على المسيرة الروحية

17
  • السؤال الرابع عشر: لماذا حُرّمت الموسيقى؟ (البُعد الباطني للأحكام) 

  • سؤال: إنَّ زوجي يتقبّل كافّة مسائل السلوك إلّا موضوع حُرمة الموسيقى، فلم أتمكّن من إقناعه، هل يمكن لكم أن توضّحوا سبب هذه الحُرمة؟

  • الجواب: سأل كثيرون هذا السؤال، وسأُجيب عليه باختصار: 

  • إن أردنا أن نقسِّم الأحكام، فسيعود اثنان بالمائة منها إلى الأمور الدنيويّة، والثمان والتسعون الأخرى إلى الأمور الباطنيّة. فبالنسبة إلى المسائل الظاهريّة والمعاملات، فأمرها واضحٌ وإن كنّا لا نعرف شيئًا عن أبعادها الباطنيّة، وأمّا ما يتعلّق بالموسيقى؛ فإضافة إلى ما لها من عوارض ذُكِرت على النفس والروح حيث تعمل على إذلالها، فهي تعمل على إيقاف النفس عن الحركة، تلك النفس التي يجب عليها أن تترقّى لتصل بنفسها إلى التجرُّد، فتأتي الموسيقى وتحبسها في محيطٍ ضيِّق، وهذا أمرٌ يتعلّق بالجانب الباطنيّ لها. وكما قلتُ لكم فإنّ أهمّ قسمٍ من الأحكام يرتبط بمسائل النفس، تلك المسائل الخارجة عن مجال تصوُّرنا.

  • و بالطبع فإنّ من يعتقد بالله وبالطريق الذي رسمه للعباد، فعليه أن يتقبّل هذه الأمور. على أنّ عدم قبولها لا يُعدُّ فضلاً لأحد، فيمكن للكثيرين عدم القبول، ولكنّ الفضل يتمثّل في القبول؛ فإن كان أحدهم يؤمن بالله والأئمة عليهم السلام وأوامرهم، فيجب عليه أن يقبل تعبُّدًا كثيرًا من المسائل المجهولة لنا. نسأل الآن هذا الإنسان ونقول له: هل تصلِّي أم لا؟ فإن كنتَ تصلِّي، فبأيّ دليلٍ تصلِّي الصبح ركعتين؟ إذ إنّ حال الإنسان ونشاطه في وقت الصبح هو أفضل منه في الظهر الذي يكون فيه متعبًا، فكان المفروض أن يُصلِّي الظهر ركعتين والصبح أربع ركعات. إنَّ هذه الأمور ليست من تلك التي يمكننا إدراكها، بل لها عِللٌ باطنيّة، نعم، إن تأمّل الإنسان في هذه الأمور وتعبَّد بها، فسيصل إلى إدراك عِللها.

  • السؤال الخامس عشر: هل يتعارض درس ما بعد الظهر مع آثار مجلس الذكر؟

  • سؤال: إنَّ مجلس ذكرنا هو يوم الثلاثاء، وقد أوصيتمونا بعدم الخروج من البيت بعد المجلس وعدم التحدُّث مع الآخرين، هذا في الوقت الذي لدينا فيه بعد الظهر درس معرفة الزهراء عليها السلام، فهل نذهب إلى هذا الدرس أم يمكن تبديل موعده؟

السلوك إلى الله في مواجهة أقدار الحياة: تصحيح المفاهيم والإجابة عن التساؤلات - الانحرافات الفكرية والأخلاقية وخطرها على المسيرة الروحية

18
  • الجواب: إنَّ الأمر هو كما ذكرتُ لكم آنفًا، والدرس لا يختلف عن غيره من الأعمال، فسوف يقضي على ما حصلتم عليه في مجلس الذكر.

  • السؤال السادس عشر: مقام المُخلَصين: هل هو الفناء الذاتي أم فناء الصفات؟

  • سؤال: بما أنّ النبيّ إبراهيم عليه السلام هو النبيّ الوحيد من الأنبياء السابقين الذي وصل إلى مقام الفناء والبقاء بالله، فكيف يُشير القرآن إلى النبيّ يونس عليه السلام على أنَّه من المُخلَصين، في الوقت الذي يكون فيه المُخلَصون هم أولئك الذين وصلوا إلى مقام الفناء في الذات؟

  • الجواب: إنَّ المُخلَصين لم يصلوا إلى مقام الفناء الذاتيّ، بل إلى مقام الفناء في الأسماء والصفات، وهناك فرقٌ بين موضوع الفناء الذاتيّ والفناء في الأسماء والصفات. إنَّ الفناء الذاتيّ هو عدم تمكُّن الإنسان من رؤية حتّى نفسه، وأمّا الفناء في الأسماء والصفات فيعني أنّ الأوصاف أو التعُّينات التي يراها في نفسه، يراها فانيةً في الله. إنَّ الفناء الذاتيّ يختلف عن الفناء في الأسماء.

  • السؤال السابع عشر: الشيطان وآدم عليه السلام: كيف ارتبط بالنفس وكيف أغوى آدم؟ 

  • سؤال: يُرجى بيان كيفيّة ارتباط الشياطين مع نفس الإنسان، والسؤال الثاني هو: لمّا كان جميع الأنبياء يعرفون الشيطان على أنَّه عدوٌّ للإنسان، فكيف خُدِعَ به آدم عليه السلام؟

  • الجواب: إنَّ آدم عليه السلام عندما خُدِعَ من قِبَل الشيطان، لم يكن نبيًّا، بل وصل إلى مقام النبوّة فيما بعد، فكان مثل بقيّة البشر العاديّين. على أنّ آدم عليه السلام يُعتبر أنموذجًا، وإلّا فما حصل لآدم عليه السلام، حصل لنا واحدًا واحدًا أيضًا، وإلّا لما كنتُ معكم الآن. 

  • قال الشاعر:

  • پدرم روضه رضوان به دو گندم بفروخت***ناخلف باشم اگر من به جویی نفروشم. 
  • يقول: لقد باع أبي الجنّة بسنبلتين من القمح *** لستُ بارًّ بها إن لم أبعها بالشعير. 

  • أو فيما يتعلّق بالبيت الثاني من الشعر للشيخ حافظ الشيرازي الذي قال فيه: 

  • من ملک بودم و فردوس برین جایم بود***آدم آورد در این دیر خراب آبادم. 
  • يقول: كنتُ مَلَكًا وكنتُ أسكن الفردوس الأعلى *** وآدم هو الذي جاء بي إلى هذه الديار الخربة لأُعمِّرها 

السلوك إلى الله في مواجهة أقدار الحياة: تصحيح المفاهيم والإجابة عن التساؤلات - الانحرافات الفكرية والأخلاقية وخطرها على المسيرة الروحية

19
  • لقد أحسن النبيّ آدم عليه السلام عندما فعل ذلك، فلو أنَّه لم يفعله لمَا كنّا الآن هنا؛ فكافّة تلك البركات قد حصلت لنا بواسطة مجيئنا إلى الدنيا وعبور مراحل التربية فيها. على أيّة حال، فمسألة إغواء الشيطان لآدم عليه السلام حصلت في الوقت الذي لم يكن فيه آدم نبيًّا، بل كان إنسانًا عاديًّا وقد حصل ذلك في الجنّة حيث لم يتلبّس آدم بالبدن الترابيّ والماديّ حينها، وفي ذلك أسرارٌ لا يتَّسع لها مجال المجلس.

  • كيفية ارتباط الشيطان بالنفس

  • أمّا الموضوع المتعلِّق بكيفيّة ارتباط الشيطان مع النفس، فالشيطان هو التعلُّق بالدنيا؛ أي إنَّه ذلك الموجود الذي يقع في الطرف المقابل من الملائكة الذين يجلبون الرَّوح والريحان والبهجة والسرور للإنسان. إنَّكم وعندما تُصلّون، تحصل لكم حالةٌ من البهجة والرِّقّة في الصلاة، وتشاهدون حالكم يختلف عن الحال الذي كنتم عليه قبل الصلاة؛ وهذا يحصل بواسطة تواصل الملائكة معكم؛ أي إنّ روح ذلك المَلَك تتّحد مع روحكم الملكوتيّة، وعلى أثر ما يُفاض من روح ذلك المَلك على روحكم الملكوتيّة، تشعرون بحالٍ من البهجة والانبساط. أمّا ما يحصل مع الشيطان، فهو على العكس تمامًا؛ فعندما يدخل الإنسان مكانًا اُرتكبت فيه معصيةٌ أو عندما يرتكب هو بنفسه المعصية أو أنَّه ينوي ارتكاب العمل الحرام، فستتّحد روح الشيطان التي هي روح التعلُّق بالدنيا مع روحنا الملكوتيّة والبرزخيّة، فتُهيمن علينا حالة الكدورة والظلمة. في أيّ موقفٍ يحصل فيه للإنسان الشعور بالكدورة، فليعلم بأنّ روح الشيطان قد التقت بروحه، وأينما حصلت للإنسان حالةٌ من الانبساط والبهجة والتوجُّه إلى الله، فليعلم بأنّ روح المَلك قد التقت مع روحه.

  • السؤال الثامن عشر: ما الفرق الحاسم بين الذنب والخطأ؟

  • سؤال: ما الحدُّ الفاصل بين الذنب والخطأ؟ وكيف يمكن تشخيص الذنب؛ فهناك من الأمور ما هو واضحٌ كونها ذنوبًا، بينما لا يمكن تشخيص البعض الآخر من الأعمال، فيُرجى توضيح هذا الأمر.

  • الجواب: إنَّ هذا الأمر يعود إلى نيّة الإنسان؛ فهل ينطوي عمل الإنسان على نيّة العناد والتمرُّد أم لا؟ فإن كان ينطوي على مثل هكذا نيّة، فسيُحسَب عليه ذنبًا حتّى وإن كان العمل الذي قام به جيّدًا. فالأصل في كون العمل ذنبًا يعتمد على نيّة التمرُّد والعناد. وهذا أمرٌ مهمّ. وأمّا إن لم يكن الإنسان يحمل نيّة التمرُّد والعناد، وكان يعتقد بأنّ العمل الذي يقوم به هو عملٌ جيد، فقام به بناءً على ذلك، فلن يُكتَب عليه ارتكابُ ذنبٍ حتى وإن كان العمل الذي قام به من الذنوب. أمّا معنى الخطأ فهو: التشخيص الخاطئ؛ فهو يظنّ أنّ عملاً ما هو عملٌ صحيح، فيقوم به ثمّ يتّضح له خلاف ذلك، فلا يُعتبر هذا الشيء بالأمر المهمّ. لذا على الإنسان هنا أن يزن الأمور جيّدًا إن حصلت له شُبهة، وأن يقصد القُربة في إتيانه لذلك العمل، وسيهديه الله. فبناءً على هذا يتمثّل الحدُّ الفاصل بين الذنب والخطأ في نيّة الإنسان عند قيامه بالعمل؛ فإن كانت لديه نيّة العناد والتمرُّد والمعصية، فسيكون قد ارتكب ذنبًا حتى وإن كان العمل الذي قام به عملاً مستحسَنًا بحسب الظاهر، أمّا الخطأ فليس كذلك.

السلوك إلى الله في مواجهة أقدار الحياة: تصحيح المفاهيم والإجابة عن التساؤلات - الانحرافات الفكرية والأخلاقية وخطرها على المسيرة الروحية

20
  • السؤال التاسع عشر: كفر الشيطان الخفي: كيف كان بين الملائكة؟

  • سؤال: يقول العلاّمة الطباطبائي رحمه الله في تفسيره للآية: {وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ} ۱ إنّ كُفر الشيطان كان محتومًا، فكشفه الله فيما بعد، فهل يمكن أن يستبطن الشيطان الكُفر، ثمّ يجد له طريقًا إلى العالم العُلويّ ويكون واحدًا من الملائكة؟

  • الجواب: إنَّه سؤالٌ جيّدٌ جدًّا، والأمر يعود إلى النيّة . إنَّ وجود الشيطان بين الملائكة يعود إلى ظاهر الأمر. إنَّ للإنسان [مثلاً] مراتب وهي: مرتبة الظاهر والباطن وباطن الباطن وهكذا، فقد ينطوي على نوعٍ من الكُفر والعناد في الباطن، هذا في الوقت الذي يكون فيه حاله الظاهري مناسبًا، ولا يمكن تشخيص حقيقته من خلال الظاهر. على أنّ أصحاب الاختصاص يستطيعون تشخيص ذلك؛ فهم قادرون على تشخيص حالات الذنب من غيرها.

  • قصة القريب العائد

  • كان أحد أقارب المرحوم العلاّمة الذي انتقل بدوره إلى رحمة الله قد التحق به، وبعد التردُّد عليه لعدّة مرّات، حصل أمرٌ ما، ثمّ جاء إلى المرحوم العلاّمة، فقال له المرحوم العلاّمة: هل عودتك هذه عودةٌ حقيقيّة؟ فكان يبكي ويُقسم له بروحه وكذا وكذا. قال لي المرحوم العلاّمة فيما بعد: كنتُ قلتُ له في ذلك الوقت: إنَّني أستبعد أن تكون عودتك هذه صادقة! وهذا ما حصل بالفعل، فبعد مرور شيءٍ من الوقت، وعلى الرغم من أنّ كثيرين كانوا يغبطونه على حاله؛ إذ كان يقوم بأعمالٍ خارقة، وكانوا يقولون: يا ليت لنا مثل ما له من الحال، وأمثال ذلك، فعلى الرغم من كلّ ذلك، فقد حصلت له بعض الحالات، وترك الساحة ولم يتمكّن من إدامة مسيره.

  • لماذا سقط الشيطان؟

  • إنَّ موضوع الشيطان هو من هذا القبيل؛ فلم يصل به الأمر إلى الباطن وإلى ما يمسّ نفسه؛ فلم يصدر له بعدُ أمرٌ من الله يُلزمه بالخضوع والخشوع لآدم عليه السلام. نعم، لم يصدر له هذا الأمر بعدُ، ولم تأتِ بعدُ تلك المسائل التي تمسّ النفس بدقّة. وعلينا أن نطلب من الله أن يحفظنا عند التعرُّض لمثل هكذا امتحانات؛ فها نحن نتجاوز بعض الامتحانات، ولكن وفي بعض الأحيان وعندما تكون الأمور دقيقةً وتمسّ الأنانيّة، فقد تتعثّر القدم حينها. وهذا ما حصل للشيطان.

    1. البقرة (٢) الآية ٣٣.

السلوك إلى الله في مواجهة أقدار الحياة: تصحيح المفاهيم والإجابة عن التساؤلات - الانحرافات الفكرية والأخلاقية وخطرها على المسيرة الروحية

21
  • السؤال العشرون: طي طريق المائة سنة بليلة: هل هو كمال؟ وما مخاطره؟

  • سؤال: هل صحيحٌ ما يُقال من أنّ فلانًا قد طوى طريق مائة سنةٍ بليلةٍ واحدة؟ فإن كان هذا الكلام صحيحًا، فكيف يمكن تنفيذه؟ وهل مثلُ هذا الأمر بيد الإنسان نفسه؟

  • الجواب: إنَّ موضوع طيّ الطريق الذي يستلزم طيّه مائة سنةٍ بليلةٍ واحدةٍ يعود إلى الإرادة والمشيئة الإلهيّة، ومثلُ هذا لا يحصل للجميع. على أنّ هذا لا يُعتبر من الكمال؛ فالمهمُّ هو أن يُفوِّض الإنسان أمره إلى الله. إن تمكّن أحدهم من طيّ طريق المائة عامٍ بليلةٍ، فقد يخسره بليلةٍ أيضًا، فلا يوجد ضمانٌ في مثل هذه الحالة، على أنّ الخطر يكون شديدًا في مثل هذا الحال، وعلى من يحصل له مثلُ هذا أن يزيد من المراقبة. إنَّ المهمّ للسالك هو أن يُسلِّم للإرادة الإلهيّة سواءٌ أقطع طريق المائة سنةٍ بليلة، أو إن قطع طريق الليلة بمائة عام، فليس للبُعد أو القُرب المكانيّ أو الزمانيّ دورٌ في الطريق الإلهيّ والمشيئة الإلهيّة، بل المهمّ فيه هو أن يُخلِص الإنسان لربِّه في خلوته. وفي مثل هذه الحالة، يُنظَر إلى الاهتمام بموضوع الحركة أو التوقُّف على أنَّه أمرٌ خارجٌ عن نهج هذا الطريق.

  • السؤال الحادي والعشرون: حضور الإمام وغيابه: هل هو واحد؟ وكيف نهتدي في الغيبة؟

  • سؤال: كيف يمكن أن يكون غياب الإمام وحضوره واحدًا في الوقت الذي ـ ومن باب المثال على ذلك ـ لو لم يكن الإمام الصادق عليه السلام موجودًا، فكيف كان لعنوان البصريّ أن يحصل منه على كلّ هذا البرنامج السلوكيّ المفيد؟! وهل يجب على كافّة الذين يريدون طيّ طريق السلوك أن يصلوا إلى وليٍّ إلهيٍّ في زمان غيبة الإمام عليه السلام، لكي يتمكّنوا من أخذ البرنامج منه وسلوك الطريق؟

  • الجواب: فيما يتعلّق بالسؤال الأول، فإنّ غيبة الإمام وحضوره هما لا يختلفان بالنسبة إلى سالكي طريق الله فقط، أمّا بالنسبة إلى عامّة الناس، وبما أنّ زمان الظهور سيكون زمان نشر العدل الكامل في المجتمع، فسيختلف الأمر بالنسبة لهم عنه في زمان الغيبة. ونحن نعلم جميعًا بأنّ جميع مظاهر الفساد التي نشاهدها سوف تزول، وسوف تتوفّر ظروفٌ حياتيّةٌ مليئةٌ بالاطمئنان والترقّي الروحيّ لكافّة أفراد المجتمع، وستتأصّل روح الثقة بين الناس بشكلٍ أتمّ وأكمل؛ فتلك هي البركات التي ستتحق عند ظهور إمام الزمان عليه السلام. أمّا بالنسبة إلى الذين يسيرون في الطريق إلى الله، فبما أنّ طريق الله هو حركةٌ باطنية، وبما أنَّه ليس هناك فرقٌ لدى الإمام عليه السلام بين حالتي الحضور والغياب، لذا لن يكون من هذه الناحية أيُّ فرقٍ بين الحالتين. نعم، سيكون هناك فرقٌ من الجانب الظاهريّ؛ إذ سوف تتحسّن الظروف المعيشيّة، وستزداد حالة الاطمئنان والثقة بين الناس وستزول مظاهر الفساد بشكلٍ أفضل، وستكون هذه الأمور مفيدةً للسالك أيضًا. أمّا إن أراد السالك أن يطوي الطريق إلى الله، فلا فرق لديه في ذلك بين وجود الإمام الظاهريّ وعدم وجوده، وذلك لكون كافّة القلوب بيد الإمام عليه السلام وهو الذي يُسيِّرها. إنَّ ما حصل بين الإمام الصادق عليه السلام وعنوان البصريّ كان من هذا القبيل؛ فقد كان للأئمة عليهم السلام حضورٌ بين الناس، وبيَّنوا لهم ما يحتاجون إليه، فلم يكن هناك شيءٌ لم يُبيَّن. إنَّ السؤال المطروح هنا يتعلّق بإمام الزمان عليه السلام؛ فإن حصل خللٌ في السلوك الظاهريّ وبيان الأحكام الظاهرية، فلا بدَّ للإمام عليه السلام من بيان ذلك، ولكنّه لمّا كانت جميع المسائل قد بُيِّنَت، فلا حاجة للوجود الظاهريّ والماديّ للإمام عليه السلام في المجتمع من أجل بيان الأحكام، ونحن مكلَّفون بالعمل بما قام الأئمة عليهم السلام ببيانه وهو كافٍ لنا في زمان غيبة الإمام عليه السلام، فلا فرق بين الزمانين. إنَّ ما هو مهمٌّ لمن يريد السلوك في زمان الغيبة هو أن يُوكِل أمره إلى الله وأن يقترب من إمام الزمان عليه السلام، أمّا بشأن الكيفيّة التي يقوم بها الإمام بالهداية، فليس هذا الأمر بمستوى فهمنا، ولا علاقة لنا به، بل إنَّ الإمام عليه السلام هو الذي يعلم كيف يُسيِّر كلّ إنسان، وكيف يختار له طريقه المناسب له. لقد عرفنا بعد وفاة المرحوم العلاّمة بأنَّه كان على اتصالٍ بكثيرٍ من الأفراد الذين لم نكن قد سمعنا حتّى بأسمائهم، ولم نكن نتوقّع أن يحصل مثلُ هذا الشيء. على أيّة حال فإنّ موضوع الهداية ليس بالموضوع الذي يأخذ له شكلاً خاصًّا، ولا يمكن أن يتقولب بقالبٍ خاصٍّ.

السلوك إلى الله في مواجهة أقدار الحياة: تصحيح المفاهيم والإجابة عن التساؤلات - الانحرافات الفكرية والأخلاقية وخطرها على المسيرة الروحية

22
  • السؤال الثاني والعشرون: ما هو العقل الذي نتقرّب به إلى الله؟ وهل يزداد وينقص؟

  • سؤال: ما ذلك العقل الذي أوصى النبيّ صلى الله عليه وآله عليًّا عليه السلام بالتقرُّب بواسطته إلى الله، أو ما جاء بحقّ السيّد الحدّاد رحمه الله من أنَّه كان من أعقل الناس، أو ما يُقال من ضرورة وزن الأعمال بالعقل؟ هل نمتلك مثل هكذا عقل؟ وهل هناك سبيلٌ لزيادته أم لا؟

  • الجواب: إنَّ ذلك العقل هو هذه الظاهرة الإلهيّة التي منحنا الله إيّاها، والتي يُثيب أو يعاقب على أساسها. فمن عمل بموجب عقله، فسيترقّى عقله باستمرار. إنَّ مسألة العقل هي مسألةٌ تشكيكيّةٌ بحسب مصطلحنا؛ أي إنَّه يكون في ازديادٍ دائم؛ فإن استثمرناه وعملنا بموجبه في أيّة درجةٍ كنّا فيها، فسيمنحنا الله عقلاً أعلى منه؛ وسيكون هذا العقل في تزايدٍ مستمرٍّ نتيجةً لاتصاله بالعقل الفعّال الذي يُسمّى بعالم العقل والنور، أمّا إن لم نهتمّ به، ولم نستثمر تلك المواهب، فسيسلب الله منّا هذا المقدار الذي منحنا إيّاه، وستصبح أيدينا خالية. نعم، هذا هو العقل وهو قابلٌ للزيادة والنقصان من غير فرق.

  • السؤال الثالث والعشرون: كثرة المنامات، هل هي جيدة؟ وكيف نقلل منها؟

  • سؤال: تسأل هذه المرأة وتقول بأنّ مناماتها قد ازدادت...

  • الجواب: فيما يتعلّق بزيادة المنامات؛ فهي تتأثّربالطعام والمشاكل؛ فالنوم الباكر والتقليل من الفعّاليات والعمل على رفع الموانع التي تُتعب الروح والبدن هي أمورتعمل بطبيعة الحال على التقليل من الأحلام. فكثرة الأحلام ليست أمرا جيّدًا.

  •  

  • اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ