86

تأثير الأعمال على الإنسان

2903
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمعنوان البصري

المجموعةالتكليف و التشريع

جلسات المجموعة(5 جلسة)

التوضيح

هل المكاشفات المثالية دليل على رقي السالك وعدمها دليل على بعده ودنوه؟ أم أن المسألة بالعكس؟ ما هو المعيار في تكامل السالك وعلوّه؟ وما هو تأثير الأفعال على سلوك الإنسان؟ وهل يجوز هتك حرمة المؤمن اعتماداً على المشاهدات المثالية؟ وهل يمكن لأي فعل أن ينعكس على تكامل السالك؟ وهل يمكن للسالك أن ينتقي في البرنامج السلوكي؟ أسئلة أجاب عليها سماحة آية الله السيد محمد محسن الطهراني رضوان الله عليه في هذه المحاضرة، بالإضافة إلى غيرها من الأسئلة المرتبطة بها، من قبيل ضرورة الأستاذ في السير والسلوك، وعدم التعويل على المشاهدات المثالية
/۱٩
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

تأثير الأعمال على الإنسان

1
  •  

  •  

  • هو العليم 

  •  

  • تأثير الأعمال على الإنسان

  • شرح حديث عنوان البصريّ - المحاضرة ۸٦

  •  

  • ألقاها

  •  

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  •  

تأثير الأعمال على الإنسان

2
  •  

  •  

  • أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

  • بسم الله الرحمن الرحيم

  • وصلى الله على سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد 

  • اللهم صل على محمد وآل محمد 

  • وعلى أهل بيته الطاهرين المعصومين واللعنة على أعدائهم أجمعين

  •  

  • وجملة اشتغاله فيما أمره الله تعالى به ونهاه عنه

  • يقول الإمام الصادق عليه السلام في حديث عنوان الشريف بأنّ العبد في مقام العبودية ينبغي أن يكون في أعماله وتصرّفاته منطبقاً مائة بالمائة على ما أمره الله تعالى به وما نهاه عنه.

  • تحدثنا في الجلسات الأخيرة عن هذا الموضوع، وبيّنا بعض الأمور في توضيح القسم الأول من هذا الكلام. وقد حصل للكثير من الإخوان أسئلة ـ نقلها بعضهم لي مشافهة وبعضها وصلتني كتابةً ـ وهي لماذا لا نشاهد في أنفسنا آثار أعمالنا؟ ألا ينبغي بناء على المطالب السابقة بأن يكون لكل عمل أثر نفساني على وجود الإنسان؟ فلماذا لا نشاهد هذه الآثار في الكثير من الموارد؟ 

  • وقبل أن نتكلّم إجمالاً عن آثار الأعمال على النفس وكيفية ترقّي النفس؛ باعتبار أنّنا سنتحدّث عن هذا الأمر لاحقاً، وسنتحدّث ـ بحسب ظرفنا وسعة اطلاعنا ـ عمّا ينبغي أن يقوم به العبد والسالك في مقام العبودية والسلوك. سوف نتكلّم اليوم بشكل مختصر عن هذا الأمر [آثار الأعمال على النفس]، ومع الالتفات إلى عدم ملاءمة وضعي الصحّي؛ حيث كنت أحتمل عدم تمكّني من المجيء إلى هذا المجلس بسبب المرض وبعض المسائل الأخرى، لكن بحمد الله وفّقنا الله تعالى للمجيء، لكن من هنا ولاحقاً الأمر بيد الله.

  • لقد اتفق جميع العظماء وأساتذة السير والسلوك على أنّه لا شكّ في أنّ الأعمال التي يقوم بها الإنسان في مقام العبوديّة لها أثر نفسي على روحه وضميره قطعاً؛ سواء فهم الإنسان ذلك أم لا.

  • اختلاف الناس في وجودهم وشاكلتهم وإدراكهم

  • هناك مرتبتان مختلفتان للناس بسبب اختلاف وجودهم وشاكلتهم، ويوجد مراتب أيضاً بين هاتين المرتبتين. فكما أنّه من الناحية الظاهرية لا يمكن أن يكون شخصان على نحو سواء، بل هناك اختلاف ظاهري بين جميع فئات المجتمع، كذلك هناك اختلاف في خصوصياتهم الباطنية وفي كيفية اتصال النفس بالبرزخ والمثال والملكوت. فلكل شخص من الناحية الظاهرية شكله الخاص، إذ لا تجد اثنين بشكل واحد.. نعم من الممكن أن يكونا متقاربين في الشبه، ويصعب التفرقة بينهما، لكن مع التدقيق نجد أنّه يوجد اختلاف بينهما. وكذا الحال في مسألة الاستعداد، فكل شخص له مرتبة مختلفة عن الآخرين، وروحية كلّ شخص مختلفة عن الآخر، وحتى بين الأخين نجد أنّهما لا يتّفقان من جميع الجهات الظاهرية والباطنية، بل حتى لو كانا متطابقين من الناحية الظاهرية، لكنهما من الناحية الباطنية والنفسانية مختلفان. فقد نرى تشابهاً بين الأب والابن، لكن أيضاً نرى اختلافاً بينهما؛ أحدهما عقله أكبر من الآخر، والآخر استعداده أشد، أحدهما يمتلك حافظة قويّة والآخر يمتلك خصوصيات أخلاقية وسلوكية.. وهذه المسألة نشاهدها بوضوح وهي أمر بديهي ومتعارف بين الناس. هذا من ناحية الخصوصيات الملكية وأيضاً شيئاً من ناحية الخصوصيات الملكوتية غير الملكية.

تأثير الأعمال على الإنسان

3
  • وكذا الحال في اختلاف الناس في مسألة إدراك عالم المثال وعالم البرزخ، فلا يوجد شخصان على مستوى واحد. وأنتم ترون ذلك، إذ كثيراً ما سمعتم بأنّ البعض يرى منامات كثيرة، وبعضهم قليلاً ما يرى منامات، وأيضاً لدى البعض حدس غير عادي؛ مثلاً نشاهد بعض الأشخاص يتكلّم بأمر فيتحقّق غداً بعينه، والحال أنّ نفس هذا الشخص الذي ذكر هذا الأمر غير ملتفت أساساً إليه، بينما الآخرون ليس لديهم مثل ذلك. 

  • لماذا الأمر كذلك؟ لماذا البعض يرى منامات كثيرة؟ بينما الآخرون قليلاً ما يرون منامات؟ لماذا لدى البعض هذا النوع من الحدس؟ 

  • هذه الاختلافات منشؤها اختلاف اتصال نفس الإنسان بالمثال والملكوت. 

  • قوّة الاتصال بعالم المثال عند الأطفال وقلتها عند الكبار

  • وهذا الأمر نراه في الأطفال أكثر من كبار السن، فالإنسان كلّما كبر قل اتصاله بالمثال والملكوت، إلا أن يكون في موقعية تجعله يقوّي هذه العلاقة، الكثير من الصغار يرون الأحداث في المنام قبل وقوعها خارجاً، أو أنّهم يحدسون بها، وقد حصل هذا الأمر كثيراً، ولديّ تجربة كبيرة في هذا المجال، فقد رأينا أطفال بعض الإخوان والأصدقاء يرون الأشياء في المنام قبل وقوعها، أو يذكرون عنها شيئاً، وكانت صحيحة.

  • في أحد الموارد كنت شاهداً على أمر، حيث لم يكن في ذاك الزمان آلات السونوغرافي لتشخيص جنس الجنين قد انتشرت بعد، بل كانوا يشخّصون ذلك من خلال قرائن خاصة، كانت تصيب أحياناً وتخطئ أحياناً أخرى، إذ لم تكن دقيقة. على كل حال، في أحد تلك الموارد كانت هناك امرأة حامل في شهرها الأخير، وجرى الحديث عن جنس الجنين إن كان ذكراً فاسمه كذا وإن كان أنثى فاسمها كذا، وكان هناك طفل جالس جانباً، فقال: هذا الجنين ذكر واسمه مصطفى، وكان ذلك قبل الولادة بشهر، وبعد ذلك ولدت المرأة ذكراً واختلفوا في تسميته كثيراً، فقرّروا أن يستشيروا شخصاً ويقبلوا بما يشير عليهم، فذهبوا إليه وسمّاه مصطفى. حسناً، من أين فهم هذا الطفل ذلك؟! وهناك الكثير من نظائر هذه القضية، حتى أضحت أمراً متعارفاً.

  • وقد حصل لي في فترة الطفولة، حيث كنت أرى في المنام الكثير من الأحداث التي حصلت فيما بعد، وأحياناً كان المرحوم الوالد يريد أن يخفي عنّي شيئاً ما، كنت أفشيه.. [ضحك]. فمثلاً كان ينوي السفر دون أن يعلم أحداً حتى الوالدة، ويشتري تذكرة السفر، فكنت أخبر الوالدة بسفره قبل حصوله بأيام، أقول لها: سيسافر الوالد يوم الأحد إلى كربلاء، وتذكرة سفره في المكان الفلاني.. [ضحك]. فهذه المسألة متعارفة، وليست سبباً للتعجّب عند الكثير، فالكثير من الأولاد لديهم هذا الأمر، يزيد وينقص بحسب اهتمام الطفل بهذه المسألة أو عدم اهتمامه بها.

تأثير الأعمال على الإنسان

4
  • الارتباط بعالم المثال ليس دليلاً على كمال الشخص وعلو شأنه

  • هذا بيان لكيفية الاختلاف بين الأفراد في اتصالهم بالمثال؛ لأنّ هذه المسألة تعود إلى المثال والملكوت السفلي، أما الملكوت العلوي وما فوقه فهي مسائل أخرى تعود إلى عوالم المعنى. أما من جهة تمثّلها بالصور وإشرافها على الصور والقضايا والحوادث المستقبلية أو الماضية، فكيفية الاتصال بهذا العالم مختلفة بين الناس. وليس ذلك دليلاً على علو شأن هذا الشخص ودنو ذاك؛ بأن نقول بأنّ من لديه إشراف على هذه المسائل لديه ارتقاء روحي ونفسي أعلى قياساً إلى من ليس لديه ذلك، كلا! ليست المسألة من هذا القبيل، بل هذه المسألة ترجع إلى أمر آخر وهو كما أنّ الخصوصيّات الظاهرية للناس مختلفة، كذلك تختلف الخصوصيّات الباطنية لهم وقدرتهم على الإشراف على مسائل عالم المثال وعالم البرزخ.

  • لقد أشرنا فيما سبق أنّ شخصاً أتى إلى المرحوم العلامة وأخبره عن الحالة الخاصة التي كانت للعلامة، في حين أنّه من الناحية العرفانية كان الاختلاف بين حالاته وحالات العرفاء والأولياء الإلهيين اختلافاً كبيراً جداً، لكن من حيث المرتبة التي كان فيها هذا الشخص والإدراك الذي لديه استطاع أن يحدّد موقعيته في هذه المرتبة، وبما أنّه لم يكن في مرتبة أعلى من ذلك لم يستطع أن يطّلع على أسباب وعلل تلك الحالة التي كان عليها العلامة، فاعترض عليه واعتبرها نقصاً في حقّه، والحال أنّ الأمر كان أعلى من ذلك بكثير. وهذا عبارة عن الخصوصية التي يمكن للأفراد أن يطّلعوا عليها.

  • طبعاً، نفس الأشخاص لديهم حالات مختلفة في هذه المسألة؛ فبعضهم يرى ما هو الواقع والحق ولو كان في مراتب مختلفة، وبعضهم ترى أنفسهم أموراً وتجسّمها كصورة مثل الواقع، ويتصوّرون بأنّ هذه الصورة لها واقعية. والعديد من الإخبارات التي يذكرها الأشخاص ويتبيّن عدم صحّتها هي بسبب أنّها من القسم الأخير؛ حيث يعتقد بما أنّه شاهد مناماً من قبل وكان صادقاً، فهذا المنام أيضاً صادق حتماً! والكثير من الخطر الذي يصيب السالكين إنّما يأتي من هذا الأمر؛ يعني أنّه حينما يحصل له ارتباط بعالم المثال والبرزخ والملكوت ويصير له إشراف على بعض المسائل، يظن بأنّ كل المطالب التي تحصل له في هذا المجال هي واقعية، لذا تراه يرتّب أثراً عليها، فيضيع بسبب ذلك.

تأثير الأعمال على الإنسان

5
  • قصّة آقاجان الزنجاني في مكاشفاته المثالية

  • ومن جملة الأفراد الذين أرادوا أن يسيروا من دون أستاذ وحصل لهم حالات، وابتلوا بهذه المسألة.. هو ذاك الشخص الذي ذُكر في بعض الكتب بعنوان أستاذ أخلاق، وهو المرحوم الحاج ملا آقاجاني الزنجاني، حيث عُرّف في بعض الكتب التي دوّنت مؤخّراً وتم نشرهاً في كل مكان، وقدّم على أنّه أستاذ أخلاق ورجل مجرّب ومرشد وغيرها من الأوصاف، والحال أنّه من جملة الأشخاص الذين لا يمكن تأييد طريقتهم المختلفة تماماً مع طريقة الأولياء والعظماء والعرفاء؛ لأنّه قام ببعض الأعمال من تلقاء نفسه. وكما هو واضح من كلماته وتوصياته أنّه ينكر ضرورة الأستاذ، ويقول بكفاية التوسّل بالأئمّة، وكان نفسه مبتلى بهذه المشكلة؛ يعني أنّه كانت لديه حالات، وبعض هذه الحالات كانت صحيحة، وبعض مشاهداته كانت صادقة، لكن بما أنّه لم يضع هذه المشاهدات والحالات تحت نظر شخص خبير، فقد أدّى ذلك أن تأتي النفس وتضع في بعض مراتب المكاشفة والتمثّل صوراً غير رحمانية مكان الصور الرحمانية، وأتاحت للشيطان أن يدخل من باب تصوير الصور الكاذبة وإعطائها جانباً روحانياً ورحمانياً. وأكمل طريقه في هذا المجال إلى أن وصل به المطاف أن تصوّر نفسه نائب إمام الزمان عليه السلام وباب الإمام، وصار يطوف القرى والمدن ويدعو الناس إلى الإمام، وأنّ الإمام سيظهر قريباً، ويقول: لماذا لا تزالون في سبات الغفلة أيها الناس؟! انهضوا وانطلقوا وتحضّروا.. وإذا فرض أنّ شخصاً لم يستجب له ولم يعتن بكلامه كان يواجهه بشدّة، واستمر على هذه الحالة.

  • حسناً، عندما يأتي ويدّعي هذا الادعاء، فلا شك أنّ له منشأ وسبباً، ما سبب ذلك؟ هو إدراك الباطن. ففي النهاية باطنه هو الذي دفعه لهذا العمل، لم يقم به من تلقاء نفسه. والحال أنّ باطنه في أي وضع كان؟ هل كان في حالة إشراف على الواقع حقاً؟ لكن إمام الزمان لا يعطي أحداً دستوراً كهذا! إذاً هذا الباطن ناشئ من تسلّط الشيطان على نفسه، وشغل هذه النفس بتزيين وتجميل الصور التي يمكنه من خلالها النفوذ والاحتيال، فيأتي بالصورة والخصوصيات التي تكون مسبوقة بمطالب حقّة وصحيحة حصلت قبلها، ويظنّها صحيحة وحقيقية فيمشي وراءها، والحال أنّ هناك تفاوتاً كبيراً بينها وبين الحقّ! إذ لا ارتباط بينهما أبداً! لكنّه مع ذلك يعتبرها أمراً واقعاً، ويعارض كل من يخالفها.

تأثير الأعمال على الإنسان

6
  • هذا الشخص بنفسه، وبسبب تسلّط هذه الأفكار عليه، أمر أحد أتباعه بأن يذهب وينفّذ حكم الإعدام بأحد معارضيه الذين واجهوه وقالوا له ما هذا الكلام؟ عن أيّ ظهور تتحدّث؟ فاعتبر أنّه مانع من ظهور الإمام ولا بد من قتله، وكان يدعو الناس لقتله، إلى أن شمله لطف الإمام سيد الشهداء عليه السلام وعنايته ـ كما ذكر لي المرحوم العلامة في قضيّة أخرى ـ فالتفت إلى نفسه وعرف أنّ جميع هذه الأفكار والمكاشفات والصور والأعمال التي كان يقوم بها ويلزم الآخرين بها كانت جميعها من الشيطان. وعندما كان يذهب ويجلس بالقرب من نبع ماء ويفكّر فيما جرى له من أمور، كان الشيطان يتجسّم له ويقول: لقد خدعتك جيداً. وقد التفت إلى حقيقة الأمر بسبب توسّلاته بسيد الشهداء عليه السلام.

  • هتك حرمة المؤمن بالاطلاع على عالم المثال ليس من دأب الأولياء

  • لكن بما أنّه لم يجعل نفسه تحت تربية أستاذ، فقد بقيت معه هذه المسألة إلى آخر عمره، فبقيت لديه تلك الأمور التي كانت معه، ومن جملة ما كان يفعله هو أنّه كان يحترم بشدّة مجالس عزاء الإمام الحسين عليه السلام ـ وهذه نقطة إيجابية محفوظة له ـ وعندما كان يتحدّث كان ينقلب حال الجميع وغير ذلك. لكن لو فرض تحقّق أمر غير عادي في المجلس أو قريب من التحقق، كان يصرّ على عدمه ويفشي الأمر أمام الآخرين. فلو فرضنا أنّ شخصاً أذنب ذنباً ما وحضر إلى المجلس، كان [المرحوم آقاجان] ينادي بأعلى صوته: أيها الشخص الذي فعل هذا الفعل اخرج من مجلس سيد الشهداء! فلو فرضنا أنّ عدد الحضور ألفا شخص أو ألف شخص وكان بينهم شخص قد فعل هذا الفعل وانتهى، فلماذا تأتي وتريق ماء وجهه؟ هل هذا أسلوب الأنبياء؟! هل هذا مرام ستّار العيوب؟ وهل هذا مرام الأئمة عليهم السلام؟ هل هكذا كانت تجري الأمور؟ ثم إذا لم يخرج ذاك الشخص من المجلس بعد النداء، لم يكن يتركه، بل كان يقول: هل تنهض بنفسك أم أذكر اسمك؟ وكان يكرّر ذلك إلى أن ينهض ذلك الشخص بخجل وحياء ويخرج، ولو لم يخرج كان يناديه باسمه، أيها الجالس هناك! ألم تقم البارحة بهذا العمل؟ ألم تكذب أمس؟! انهض واخرج من المجلس لقد كدّرت مجلسنا ومجلس سيد الشهداء عليه السلام! عليك أن تخرج!

تأثير الأعمال على الإنسان

7
  • أيّ إمام حسين يرضى بأن تذكر على منبره هذا الأمر وبهذه الكيفية؟ أيّ إمام حسين يرضى بأن تريق ماء وجه مؤمن؟! أيّ إمام حسين يرضى بأن تتحدّث بهذا الحديث الدني وغير المتعارف الذي لا يصدر عن إنسان عادي لديه الحدّ العادي من الأخلاق المتعارفة في المجتمع؟! ومع ذلك تأتي أنت وتريق ماء وجه الناس بهذا الشكل؟ حتماً الإمام الحسين لا يرضى بذلك! 

  • كل ذلك بسبب هذه المسألة، فمسألة الخلط بين المشاهدات الشيطانية والمشاهدات الرحمانية هي التي توصل الإنسان إلى هذا الحد، فتفقده هذا المعيار وذاك الملاك المفرّق بين الحق والباطل.

  • قصة تنبيه العلامة أحدهم بشكل مؤدّب

  • نعم، كان العظماء كذلك، لكن كيف؟ كانوا يبيّنون ذلك بألف نكتة ولطف وبألف كناية..

  • لا أدري هل ذكرت هذا الأمر للرفقاء أم لا، لقد تذكّرته الآن، على كل حال نتوكّل على الله ونذكره لكم.

  • أحد الرفقاء كان على علاقة كبيرة معنا، فقد سمع عن موقعية ومطالب المرحوم الوالد رضوان الله عليه، وأتى من إحدى المدن إلى مشهد بقصد التشرّف بزيارة علي بن موسى الرضا عليه السلام، وبالتبع زيارة المرحوم العلامة، وقد ذكر لي بنفسه هذه القصّة، وقال زرت الإمام الرضا ليلاً، وسمعت بأنّه يوجد مجلس عزاء في منزل العلامة صباحاً. وفي صبيحة ذاك اليوم نهض من النوم وكان عليه غسل واجب، فقال في نفسه إذا اغتسلت فسوف ينقضي المجلس وأحرم من لقائه، فحضرت على تلك الحال، ومع ذلك كان المجلس قد انتهى والحضور تفرّقوا، باستثناء بعض الأشخاص الذين كانوا يعملون على تنظيف المكان وترتيبه، فجلس جانباً ولم يضيّفه أحد، فشرع في نفسه بالقول ما هذا؟! لقد أتيت إلى هنا ولم يضيّفوني ولو كأساً من الشاي! وقال كنت أحدّث نفسي بأنّه ما هذا الوضع وما هذا المجلس! وما هذا السيد الذي سمعنا عنه الكثير؟! لقد أتينا ولم يقدّموا لنا كأساً من الشاي، وفجأةً خرج السيد من الغرفة وأتاني وهمس في أذني قائلاً: إذا أردت المجيء مرّة أخرى، فعليك أن تغتسل ثم تأتي، ثم قال: أحضروا له الشاي!

تأثير الأعمال على الإنسان

8
  • هذا هو ممشى العظماء، نعم! يأتيه وينبهه، ولكن يحفظ ماء وجهه أمام الآخرين. المميّز بين الحقّ والباطل إنّما يحصل بالملاكات الإنسانية والفطرية والبشرية المطابقة للوجدان والعقل، والمطابقة لسيرة العظماء وسنّتهم في تعاملهم مع الأشخاص الذين يخضعون لتربيتهم. 

  • لماذا التأكيد على خطورة السلوك من دون أستاذ

  • لماذا أكّد العظماء هكذا على أنّه ينبغي للإنسان أن يكون له أستاذ؟! لأجل هذه المسائل! وهناك ما هو أهم من ذلك! وهو لماذا أكّد العظماء على أن لا يقوم الإنسان بفعل شيء من تلقاء نفسه؟

  • يقول الإمام السجّاد عليه السلام: "ذلّ من ليس له حكيم يرشده"۱. والحكيم هو من لديه ملكة الحكمة ومن لديه حالة التمييز بين الحق والباطل، ومن لديه ميزان وشاخص لتعيين الخطأ والصح. فإذا قام شخص بالتحرّك من دون مشورة هكذا مرشد فسوف يضيع! لماذا سيضيع؟ لأجل هذه المسألة! لأنّ النفس تشتمل على صور مختلفة وحالات متفاوتة، ما انكشف لنا منها هو واحد من ألف، وبقي تسعمائة وتسعة وتسعون منها مخفيّاً. والكثير من الموارد مخفيّة علينا. ترى أنّ الإنسان يعمل بأمر ما ويقع في الاشتباه، ثم يقول انظروا! لو كان هذا الأمر صحيحاً، فلماذا حصل ذلك؟! لكن هذا لم يسلك أساساً!

  • وبناء عليه، فمجرّد الاطلاع على عالم المثال ليس موجباً للكرامة؛ كأن يخبر شخص عن نية فلان مثلاً، أو يخبر بأنّه سيحصل غدا هذا الأمر.. وقد قرأنا في بعض الكتب بأنّ بعضهم ذهب إلى منزل أحدهم وقال له: لماذا حصل نزاع أمس في منزلك؟ لماذا تنازعت مع زوجتك؟ ومن الواضح أنّ بعض هذه الأمور صحيحة بسبب ارتباط صاحبها بعالم المثال. لكن ليس الأمر كذلك دائماً، بل ينبغي أن يكون إنساناً كاملاً، وينبغي أن يكون قد وصل إلى جميع العلل والأسباب الطولية في مرتبة التقدير والمشيئة الإلهية حتى يتمكّن من ملاحظة سلسلة العلل والأسباب إلى آخرها، لا أن يرى مقداراً منها ويحكم عليه. 

  • المكاشفات والمنامات قد تكون دليلاً على انحطاط السالك لا رقيّه

  • لذا كان المرحوم العلامة يقول بأنّ رؤية منام ليس دليلاً على رشد السالك، بل قد يكون دليلاً على هبوطه وعلى ضعفه! وكذا عدم رؤية منام ليس دليلاً على التوقّف، بل ربما يكون دليلاً على الرشد. فكل مرتبة من المراتب المختلفة التي يطويها الإنسان تشتمل على خصوصيّات ومقتضيات، فقد يكون لدى شخص مشاهدات تُسلب منه عندما يترقّى أكثر، فلا يعود يدرك شيئاً منها، ثم يصل إلى حالة أخرى تختلف فيها كيفية المشاهدة. وقد يكون شخص في مرتبة عالية، ثم يرتكب خطأً ما، وعندما يتنزّل عن تلك المرتبة التي كان عليها يبدأ يرى العجائب من المشاهدات! وهو يظنّ بأنّه يترقّى ويتكامل، وهذا الظنّ منه هو الذي يرديه ويسقطه أرضاً! فلا ينبغي أن تتضح له هذه المطالب الآن.

    1. ـ بحار الأنوار، ج ۷٥، ص ۱٥٩. "هلك من ليس له حكيم يرشده وذل من ليس له سفير يعضده".

تأثير الأعمال على الإنسان

9
  • لذا هناك الكثير من الأفراد يطرحون هذا السؤال في علاقتهم بالحقير: لماذا لا نرى الكثير من المشاهدات؟ لماذا الأمر كذلك؟ عندما كنّا في المكان الفلاني كنّا نرى تلك الأمور، ولكن عندما رجعنا إليكم سُلبنا تلك الفيوضات! عندما كنّا هناك كانت لدينا تلك الحالات وأمثال ذلك.. لكن ليس شيء من هذه الأمور دليلاً على الرشد والتكامل، إلا إذا كانت تلك المشاهدات قد قطعت مرحلة الصورة والتصوير إلى مرحلة مشاهدة المعنى، والتي يعبّر عنها بالمشاهدات الروحانية أو المشاهدات العقلانية الخالية عن الصورة، وعندئذٍ لا تكون تلك المشاهدات موجبة لنزول السالك وهبوطه. وهنا نرى أنّ الكثير من الأشخاص مبتلون بهذه المسألة.

  • كل ما يقوم به الإنسان يترك أثراً على نفسه

  • كل عمل من الأعمال التي يقوم بها الإنسان والتي ألزمه الله تعالى بها يترك أثراً خاصّاً على نفسه، لكن هذا ليس دليلاً على أنّه ينبغي أن يرى الإنسان ذاك الأثر، لماذا؟ لأنّ الأثر أثر نفساني، والنفس لها مراتب مختلفة؛ من الملكوت والبرزخ والمثال وما هو أعلى منها، فارتباط الإنسان بتلك العوالم يوجب ظهور ذاك الأثر في ذلك العالم وتلك المرتبة، فإذا فرضنا أنّ الإنسان ـ بواسطة الشاكلة التي لديه وخصوصية الجهات النفسانية التي عنده ـ قل ارتباطه بعوالم المثال والبرزخ، والتي لا تدل على نقصه، لا يمكنه بسرعة أن يدرك تلك الآثار في نفسه. نعم، الشخص الخبير يعرف هل تركت هذه المسألة أثراً أم لا، من يكون ملتفتاً يعرف هو الآن في أي مرتبة، وما هي الآثار التي تترتّب عليه فيها، والكثير من المسائل تنشأ من هنا؛ فالتوفيقات التي يحصل عليها الإنسان والتي لا يعرف سببها، إنّما هي بسبب ذاك العمل الذي قام به أمس. والعكس صحيح أيضاً؛ إذا أخطأ خطأ ما يسلب منه توفيق معيّن، دون أن يعرف سبب ذلك، لكنّ في الواقع هذا السلب للتوفيق كان بسبب ذاك الذنب الذي صدر منه بالأمس، بل حتى لو صدر منه خطور لذنب معيّن ولو اشتباهاً، سيكون ذلك سبباً لسلب توفيقه في القيام لصلاة الليل. وقد ذكر العظماء هذا الأمر مراراً، فقالوا بأنّ خطوراً واحداً قد يترك هذا الأثر الكبير، فما بالك بما إذا قام بالذنب نفسه وأتى بالمعصية، فماذا سيكون حاله عندئذٍ؟!

تأثير الأعمال على الإنسان

10
  • إنّ جميع الأعمال التي نقوم بها ونفعلها مترابطة فيما بينها جميعاً كحلقات السلسلة؛ بحيث أنّه لا يمكن استثناء أثر أي عمل من الأعمال على سائر السلسلة؛ فأي نيّة لدينا تترك أثراً في جميع المسائل المرتبطة بنا، وكذا الكلام الذي نتكلّم به والأحاديث التي نتحدّث بها فيما بيننا، كلّها تترك أثراً على جميع الأمور التي قدّرها الله تعالى لنا. فمثلاً، كسر قلب المؤمن له أثر سلبي جداً على توفيقاتنا، وكذلك أذيّة اليتيم لها أثر سلبي كبير علينا، وأيضاً الكذب وكتمان الحقيقة قد تحرمنا الكثير من التوفيق. وعليه فجميع الأعمال التي نقوم بها بمثابة حلقات السلسلة الواحدة، فإن خرجت إحداها عن المسار الطبيعي اضمحلّ الجميع.

  • مثلاً، كم قطعة لدينا في السيارة؟ كم من القطع ينبغي أن تضاف إلى بعضها البعض حتى تتحرّك هذه السيارة؟ فلو فرضنا أن شخصاً قال بأنّ هذه القطعة الصغيرة ـ مثل القطعة الواصلة للكهرباء ـ لا نحتاجها في السيارة؛ فهذه السيارة وزنها طن، أما هذه القطعة فلا يصل وزنها إلى عشرة غرامات، فإذا فرضنا أنّا ألقينا تلك القطعة جانباً، فلن تتحرّك السيارة مع عظمتها! يعني يكفي أن نرفع هذه القطعة الصغيرة حتى تصير تلك القطعة الكبيرة التي تزن طنّاً قطعة حديد معدومة الفائدة أساساً.

  • هكذا هي الأعمال التي يقوم بها الإنسان، فجميع هذه الأعمال تترك أثراً مباشراً على الأعمال التي سنقوم بها في المستقبل؛ سواء علمنا ذلك أم لم نعلم! فإن لم نكن نعلم، فمن الآن فلنعلم ذلك؛ يعني حتى الخطور الذي يحصل لنا يترك أثراً في التوفيق الذي ينبغي أن يحصل لنا أو في سلب التوفيق! عدم الاحترام يترك أثراً، أذية المؤمن يترك أثراً، والعمل على خلاف ما ينبغي يترك أثراً.

  • قصّة ما جرى مع المرحوم العلامة في تأثير الأعمال على حالة الإنسان

  • وهذا العالم دقيق بشكل عجيب.. ألم ينقل المرحوم العلامة في كتابه أنوار الملكوت قصّته مع أحد أصدقائه الذي كان على علاقة بأستاذه المرحوم السيد الحداد وبعض أصدقائه وتلامذته ـ والظاهر أنّه كان لا يزال في العراق قبل أن يرجع إلى إيران ـ قال: كنت في يوم أمشي في بغداد ممسكاً بيد ابني ـ أي أخي الأكبر وكان عمره سنتين أو ثلاث ـ فطلب مني شيئاً، فضغطت على يده فبكى، وانتهت المسألة عند هذا الحدّ. وبعد يومين أو ثلاثة شاهدت ذاك الشخص وقال لي: رأيتك منذ يومين في الوقت الفلاني أنّك كنت في السماء الرابعة وفجأة سقطت إلى الأرض! ماذا فعلت في ذلك الوقت؟ وقال: ما إن رأيت ما جرى لك، انطلقت سريعاً إلى حرم العباس أو حرم سيد الشهداء عليه السلام؛ حيث كنت هناك وقتئذٍ، ودعوت لك، فأعاد الله حالتك السابقة.

تأثير الأعمال على الإنسان

11
  • أنظروا! يعني عمل خلاف واحد، الطفل يبكي أحياناً فليبكي، لكن لماذا يتعامل الإنسان معه هكذا؟ ولماذا يواجهه بهذا الشكل؟ عليه أن يتعامل معه بنحو آخر وبشكل مختلف؛ يمكنه أن يصرفه عن طلبه بلطف وظرافة. لكنّنا نقول هذا طفل في الثالثة من عمره، لا إشكال أن نضربه فسوف يهدأ بعد قليل ويذهب! 

  • يا عزيزي لماذا تضربه؟ فهذا عبد الله، وهذا أمانة الله عندك، فما هذا الكلام؟ لكل إنسان حساب خاص عند الله! فإذا فرضنا أنّه ابنك، فهل يمكنك أن تفعل به ما يحلو لك؟! وإذا كانت هذه المرأة زوجتك فهل يمكنك أن تظلمها بما تشاء؟ كلا ليس الأمر كذلك! فالأمر ليس عبارة عن فوضى وعبث.

  • قال له: أول أمس عندما كنت تمشي في بغداد ماذا فعلت؟ هو يعلم بتمام الأمور، غاية الأمر لا يريد أن يظهر له ذلك.. لقد رأيتك في السماء الرابعة، وفجأة سقطت على الأرض.. ماذا فعلت؟ 

  • عمل بسيط، وخطأ صغير يحصل عادة، وجميعنا يتعجّب من أنّ هذا العمل ليس شيئاً أصلاً..

  • هذا عمل مهم جداً يا سيدي! علينا أن ننتبه إلى أنفسنا، وأن ننتبه إلى أفعالنا وحركاتنا وسكناتنا، علينا أن ننتبه إلى كل شيء.

  • الدقة والنظم الموجود في عالم المعنى كالدقّة في عالم المادة

  • الطريق دقيق والعالم له حساب، فكما أنّ تمام نظام عالم المادة قائم على أساس رياضي دقيق، لا يمكن أن يتحرّك عن موضعه ولو بمقدار ملمتر واحد؛ فهذه الكرة الأرضية تدور حول الشمس بهذا الشكل ـ كما يقال ـ ويقولون بأنّها تستغرق ٣٦۰ يوماً، فإذا كان المفترض أن تنحرف عن مسارها بمقدار ميلمتر واحد، فماذا ستكون الفاصلة بعد ذلك؟ اضرب سرعة الحركة بالمسافة التي تقطعها.. طبعاً سوف تصطدم بكوكب المشتري بعد عشر دقائق ويتلاشى كلاهما معاً. وكما أنّ هذا العالم يتحرّك بهذه الكيفية، كذلك عوالم المعنى تتحرّك ضمن نظام دقيق؛ فالإنسان عندما يقوم للصلاة يرى أنّه ليس لديه حال، أو أنّه يريد الصوم فيرى أنّه لا ينتفع بالصوم، أو يريد أن يقرأ القرآن يرى أنّه لا يفهم شيئاً، ويقرأ من دون توجّه! يا عزيزي ارجع إلى الخلف قليلاً وانظر ماذا فعلت اليوم! كيف تصرّفت مع طفلك؟ كيف تعاملت مع زوجتك؟ انظر كيف تعاملت مع المشتري الذي أتاك؟! وكيف تصرّفت مع رفيقك؟! لقد تحدّثت معه بهذا الكلام، أو تعاملت معه بهذا العمل! هذه هي المراقبة! المراقبة تعني أن يجعل الإنسان نفسه في موضع حساب، ويلزم نفسه بالعمل على وفق ما يراه صحيحاً. طبعاً ضمن حدود الإمكان، فنحن لا نقول بأنّه ينبغي أن يكون العمل صحيحاً مائة بالمائة، بل بقدر المستطاع.

تأثير الأعمال على الإنسان

12
  • قلّة المشاهدات تقلّل الوقوع في الخطر

  • لذا يقول العظماء بأنّ المشاهدة وعدمها ليست دليلاً على التكامل، وقد سمعت هذا الكلام من المرحوم العلامة، بل سمعت من المرحوم السيد الحداد أنّه قال: إنّ الذين لديهم مشاهدات أقل هم أقلّ عرضة للوقوع في الموانع والانحراف والخطر قياساً لمن هم دائماً في حال مكاشفات! وكان تلاميذ المرحوم العلامة رضوان الله عليه مختلفين في ذلك؛ فبعضهم لم يكن لديه مشاهدة أصلاً، وبعضهم لديه ذلك بمراتب مختلفة، وكان المرحوم العلامة نفسه من الذين لديهم مشاهدات قليلة! 

  • يعني كلّما كان السالك في مراتب العبودية ومراتب السلوك أقل مشاهدة، كلّما كانت نفسه أكثر استقامة واستحكاماً وإتقاناً، وكانت أبعد عن الخطر، وكانت أكثر إحكاماً للقوى العقلية؛ وذلك لأنّ المشاهدات التي يراها الإنسان في سلوكه، سوف تميل النفس إلى تلك الصور شاءت أم أبت! [سيقول في نفسه] ما شاء الله! ما هذا الذي شاهدته اليوم! وسينتظر في الغد أن يرى صورة أخرى، وإذا لم يحصل له شيء، سيقول ماذا جرى؟! لماذا لم أرَ الليلة مناماً؟ لماذا لم أرَ فلاناً في المنام؟ لماذا لم أرَ تلك القضية في المنام؟! ولماذا لماذا... وهكذا تتنزّل النفس عن موقع استقامتها شيئاً فشيئاً إلى أن تصل إلى موقعية مجازية! هذا هو الخطر الذي يهدّد أمثال هؤلاء الأشخاص.

  • نعم، كما ذكرت لكم سابقاً بأنّ هذه المسألة ليست بيد هؤلاء، فلو كانوا قد وضعوا أنفسهم تحت تربية أستاذ خبير بمسائل النفس فلن يقعوا في الخطر، لكن الخطر المحدق بهؤلاء الأشخاص سيكون أكثر بكثير من الآخرين. لذا أجبت بعض الأصدقاء الذين سألوا عن هذا المطلب ـ والظاهر أنّنا سنتحدّث عنه خلال الشهر القادم ـ وقلت لهم: لقد منّ الله عليكم بأن لم يطلعكم على هذه المطالب.

  • آثار السلوك قد لا تظهر تدريجياً بل دفعة واحدة 

  • أما أين تظهر نتيجة ذلك؟ لقد كان المرحوم العلامة والعظماء يذكرون دائماً بأنّ قضيّة السلوك وتأثير السلوك على النفس كمثل حفر البئر؛ فأحياناً تصل إلى الماء بعد حفر متر في الأرض، وبعضها بعد حفر مترين، وهكذا قد يزيد عمق البئر، بل قد يصل الحفّار إلى أن يواجه صخرة كبيرة يشكل حفرها وتجاوزها فتوقعه بتعب مضاعف. لقد شبّهوا مسألة السلوك بهذا المثال. وهذه المسألة حصلت للعديد من العظماء؛ فعندما يصادفون صخرة كذلك يقعون في العديد من المشاكل؛ بل قد تكون هذه الصخرة من القوّة بحيث أنّ الضرب عليها لا يؤثّر فيها شيئاً، فيشعر الحافر بعدم الجدوى من العمل ويصاب باليأس وينصرف عن إكمال العمل. وعلى كل حال، عندما تتقشّر هذه الصخرة يتفجّر الماء من خلالها ويصير بئراً ارتوازياً يخرج منه الماء تلقائياً، فهذا الماء الذي انفجر الآن وبدأ بالارتفاع والخروج لم يكن حصيلة ضربة واحدة أو ضربتين، بل هو نتيجة شهر كامل من الحفر والضرب على تلك الصخرة. يعني أنّ كل ضربة على هذه الصخرة ساهمت في خروج هذا الماء، لا أنّ الضربة الأخيرة فقط هي التي أخرجت الماء، فتكون جميع تلك الجهود عبثاً، والشيء المثمر فقط هو الضربة الأخيرة التي خرج الماء بعدها، كلا ليس الأمر كذلك.

تأثير الأعمال على الإنسان

13
  • يشبّه علماء الأخلاق الأعمال التي يقوم بها السالك في حياته بضربات الحفّار التي يضربها على تلك الصخرة الصلبة للوصول إلى الماء.

  • اختلاف أساتذة السلوك في طريقتهم 

  • ومن الأشخاص الذين كانوا كذلك المرحوم الآخوند ملا حسين قلي الهمداني، وقد سمعت قصّة الآخوند ملا حسين قلي مرتين من المرحوم العلامة؛ يعتبر المرحوم الملا حسين قلي الهمداني من الأشخاص الذين يضرب بهم المثل في عالم العرفان والتربية؛ يعني أنّه كان من الأشخاص المعدودين والذين يشار إليهم من جهة طيّه لمراتب الفناء والبقاء بعد الفناء، وحيازته لجميع المراتب والعوالم، وكذا من جهة أستاذيّته وإرشاده للسالكين.. فالأساتذة مختلفون فيما بينهم، بعضهم بحيث يمكنه الأخذ بأيدي البعض فقط، والآخر يمكنه الإرشاد بكيفية أخرى ونحو آخر، ولديه طرق مختلفة في ذلك. فكما أنّ في التعليم مناهج مختلفة؛ في كل فترة يطرح منهج جديد في التعليم والتربية ويتم إبطال القديم منها، كذلك الحال من جهة الأخذ بيد السالكين، فالأولياء والعظماء لديهم أساليب مختلفة وطرق متعدّدة. ومن الأساتذة الذين كانوا في الصدارة من حيث الاستحكام في التربية هو المرحوم الآخوند الملا حسينقلي، كذلك إذا أردنا أن نصنّف الأساتذة من جهة كثرة التلاميذ فسوف يكون الملا حسينقلي في الرتبة الأولى؛ حيث ربّى ثلاثمائة تلميذ قدير تجاوزوا مرتبة النفس وطووا مراتب عالية. والحاصل أنّه لا يوجد فرد في العالم الإسلامي مثل المرحوم الملا حسينقلي ممن كان لديه هذا العدد من التلاميذ الذين وصلوا مراتب الفعلية، وطبعاً مراتب الفعلية متفاوتة أيضاً.

  • قصّة المرحوم الملا حسينقلي الهمداني وتأخّر فتح المشاهدات عليه

  • بعد أن طوى الملا حسينقلي مرحلة الدراسة والتدريس والاجتهاد ودراسة الفلسفة فكّر في نفسه وقال: لقد درسنا هذه الدروس وعذبنا أنفسنا في تحصيل العلوم، لكن لم يتغيّر شيء في داخلي! لقد دخلت مطالب في ذهني، ولكن لم أشعر في وجودي بشيء مما تعلّمته، لم أجد أثر المعرفة في داخلي، وكان قد درس الفلسفة والعرفان وحصل على مرتبة الاجتهاد، وكان لديه العديد من المراتب العلمية المختلفة.. فما تأثير هذه المطالب وأي إحساس توجده في النفس؟! 

تأثير الأعمال على الإنسان

14
  • ينقل المرحوم العلامة بأنّه دخل يوماً حرم أمير المؤمنين عليه السلام في النجف، وجلس في الإيوان الذهبي يفكّر في حالة من التألّم والحزن بما جرى عليه. حيث كان قد التفت إلى أنّه ينبغي عليه أن يسعى لتحصيل أمور أخرى، وبحث عن أستاذ أخلاق إلى أن وصل إلى المرحوم السيد علي الشوشتري وتلمّذ عليه واستمر عنده لمدّة اثنين وعشرين عاماً ـ لا سنة أو سنتين ـ واشتغل بتهذيب النفس والمراقبة والاتيان بالعبادات والقيام بالبرنامج السلوكي! فرأى أنّه مع ذلك لم يحصل على شيء، وهذا هو ما يقوله البعض أيضاً كما ذكرت لكم.ـ طبعاً، لم يكن بحيث لم يشعر بأنّه ليس لديه فهم وإدراك أساساً، لكن لم يتحقّق لديه حالة الكشف وانكشاف الحقيقة بحيث يرتفع عنه غطاء الجهل ويرى نفسه في عالم آخر؛ كما يحصل للبعض..

  • كان جالساً في حرم أمير المؤمنين عليه السلام حزيناً يفكّر في حالته هذه، وإذا بحمامة حطّت بجانبه وبدأت بالنقر على قطعة خبز يابسة كانت بالقرب منه لتأكل منها، ومهما حاولت لم تفلح في تقطيعها بسبب صلابتها، فتركتها وطارت، ثم عادت بعد مدّة وشرعت بالنقر عليها مجدّداً، لكنّها لم تفلح بكسرها، فطارت ثم عادت ثالثة.. يقول المرحوم العلامة بأنّها كرّرت ذلك أكثر من ثلاثين أو أربعين مرة؛ كل مرة تطير وتعود وتكرّر المحاولة، إلى أن استطاعت أن تفتّتها وتأكل منها وتطعم صغارها، كما هو العادة في ذلك.

  • في تلك الحالة، ألهمه أمير المؤمنين عليه السلام بأنّ طريق السلوك كذلك؛ لا ينبغي أن يتركه الإنسان.. فاثنين وعشرون عاماً ليست شيئاً، بل حتى لو بقيت مائتي عام.. [عليك أن تنظر] إلى ماذا تريد الوصول إليه؟! وأي شيء تريد الحصول عليه؟ فلو كان المراد الوصول إلى درهم أو درهمين فصرف يوم واحد عليه كثير! أنت تريد الوصول إلى سعادة لا يمكن أن يتصوّر شيء فوقها أبداً! تريد أن تصل إلى مرحلة لا يمكن لأحد أن يتخيّل مرحلة ومرتبة أعلى منها، تريد أن تبلغ موقعاً يتمنّى كبار أنبياء الله أن يصلوا إليه! يعني حتى أنبياء الله تعالى أرادوا الوصول إلى تلك المرتبة ولم يصلوا! بينما أمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم سيصلون إليه.. فإنّ اثنين وعشرون عاماً ليست شيئاً مهماً لذلك. عند ذلك قرّر أن يستمرّ بالأمر، واستمر فعلاً إلى أن انكشف له الغطاء دفعة واحدة، فصار الآخوند الملا حسينقلي الذي صار مضرباً للمثل بين أستاذة الأخلاق والأولياء.

تأثير الأعمال على الإنسان

15
  • المعيار في التكامل هو الوعي لا المكاشفات

  • لقد ذكر المرحوم العلامة مراراً بأنّ طريق الله تعالى من هذا القبيل، هكذا هو طريق الله، لا أنّ الإنسان يرى شيئاً اليوم أو يشاهد أمراً أو يخبر عن قضيّة أو يحصل له حال أو يرى الناس بأشكال مختلفة، أو يخبر عن المستقبل.. ليس الأمر كذلك، بل هذه من الأمور البسيطة التي تلحق الإنسان وتوقعه في الخطر وتمنعه من السير. بل الطريق هو الذي يثبّت المسألة ويحكمها في قلب الإنسان. لقد ذكرت هذا المطلب مراراً؛ وهو أن ينظر الرفقاء إلى أنفسهم في مسألة التمكّن وثبات القدم ليروا كم اختلف حالهم عما كان عليه منذ سنتين أو ثلاث سنوات؟ فلو عرض عليهم قبل ثلاث سنوات أن يتخلّوا عن هذا الطريق، فكم كانوا سيفكرّون بهذا الطلب، والآن كم يستغرق منهم التفكير في ذلك؟! هذا هو المهم! 

  • ذهب شخص إلى آخر وقال له نحن لا نشاهد شيئاً! فقال هل تريد أن تشاهد شيئاً؟! قال: حتماً، فلا بد أن نشاهد أمراً؛ كالملائكة مثلاً. فقال له: الليلة سترى مناماً! وفعلاً شاهد في منامه تلك الأمور. وفي اليوم التالي أتى إليه وقال له أستاذه: لقد شاهدت رؤيا! هل ارتحت؟! لكن ما الذي أضيف إلى إيمانك؟! لم يضف إليه شيء. لدينا الكثير من هذه المطالب والمسائل أيها الإخوة؛ هناك الكثير من المناهج والكثير من الأمور والكثير من الأوراد والأذكار، إذا قرأت هذا الذكر فسيحصل كذا.. لكن هذه جميعاً مطالب لا طائل منها (ليس المراد أنّها باطلة) بل المراد أنّه لا فائدة [سلوكية] منها ولا ثمرة، وقد تحدّثنا في ذلك كثيراً.

  • والمهم هو أن يرى الإنسان كم زاد اهتمامه بهذا الطريق! وكم زاد تعلّقه بهذا المسير؟ هل زادت عمّا كانت عليه قبل سنتين، أو قلّت؟ فإن قلّت، فعليه أن يذهب ويفكّر في نفسه! عليه أن يترك هذا المسير ويذهب إلى مكان آخر! إذ لا ملزم له بالبقاء! فإن لم يحصل على ذلك في هذا المسير فليذهب إلى مسير آخر، وليبحث عن مكان آخر! أو ليجلس ويعيد النظر في أعماله. بينما إذا رأى من نفسه ثباتاً في المسير أكثر مما مضى، بالإضافة إلى شوقه للعمل فممّا يخاف؟! 

تأثير الأعمال على الإنسان

16
  • السلوك ليس كقرص مسكّن عندما يوجعك رأسك تأخذ منه وبعد خمس دقائق يتحسّن وضعك، كلا! بل مثل بعض الأمراض التي يحتاج العلاج فيها إلى برنامج من أسبوع أو أسبوعين أو ثلاثة، أو ثلاثة أشهر، وشيئاً فشيئاً يظهر أثر هذا الدواء ويرتفع المرض بعده.

  • البرنامج السلوكي يتدخّل في تمام مسائل حياة السالك

  • السلوك عبارة عن تغيير وتبدّل في جميع زوايا الإنسان ويتدخّل في جميع المطالب، وهو ليس بحيث أنّه يحصل للإنسان تغيّر جذري دفعة واحدة، بل ينبغي أن يعمل طبقاً للبرنامج.. 

  • أتى شخص إلى المرحوم العلامة وقال له: سوف أطيعك في كل أمر تأمرني به، إلا الأمر الفلاني فلا أقدر عليه، وأنا ضعيف عنه! [أقول إذا كان الأمر كذلك] فلن يستطيع السير أساساً! وبعد ذلك ماذا كانت نتيجة ذلك الشخص؟! كانت نتيجته أنّه تطوّر في بعض المسائل، لكنّه تعثّر ولم يتكامل في تلك المسألة الأساسية وهي قطع التعلّق بأكثر الأمور رغبة عنده، وهذا الأمر كان خسارة كبيرة له.. 

  • يأتي بعض الأشخاص ويقول كل ما تطلبه منّا فنحن سنطيعك فيه، لكن أرفق بنا فيما يرتبط بالمسألة الفلانية! يا عزيزي أنا لست الشخص الذي يرفق، فهذه الأمور ترجع إليك نفسك، [إذا كان لا بد من الإرفاق] فقد أرفقت بتمام المسألة، لكن ما نتيجة ذلك؟! لقد أضررت أنت بنفسك! كان عليك أن تقول لي لا ترفق بي. كما هو حال المريض الذي يذهب إلى الطبيب ويقول له: لا تعطني هذه الإبرة، ولا أريد أن آخذ هذا القرص! سيقول له الطبيب فماذا أعطيك إذاً؟! هل أعطيك ورقة فقط؟ لا بد أن تتناول شيئاً كي تتحسّن! لذا كل عمل يقوم به السالك يترك أثراً خاصّاً على كيفيّة سلوكه.

  • كنت أريد أن أتحدّث اليوم عن تأثير الأعمال على السلوك، لكن الحديث عن هذه المسألة استغرق الوقت كلّه، وقد تعب الرفقاء وبقيت المسألة غير تامّة. وبما أنّ حالي لم يكن على ما يرام، فما ذكرته إلى هنا كان بنفس وهمّة الرفقاء. إن شاء الله نتحدّث عن هذه المسألة قدراً ما في الجلسة القادمة إذا وفّقنا الله لذلك.

تأثير الأعمال على الإنسان

17
  • آثار الأحكام الشرعية على سلوك الإنسان وتكامله

  • كان كلامنا في أنّ كل عمل يقوم به الإنسان له أثر خاص، يقول الإمام الصادق عليه السلام: "وجملة اشتغاله فيما أمره تعالى ونهاه عنه"، وعلى الإنسان أن يجعل تمام أعماله وتصرّفاته وأفكاره على أساس اتباع الأوامر الإلهية وترك النواهي الإلهية. لماذا ينبغي أن يكون كذلك؟

  • لقد تحدّثنا في الجلسات السابقة عن هذه المسألة؛ بأنّ مسألة الشرع ليست مسألة تعبدية وتقليدية محضة؛ بأن يأتي الله ويأمر الملاك بأن يكتب، ويقول: صلِّ أربع ركعات، وصم شهراً كاملاً، وانفق هذا المال، وافعل ذاك الفعل، ثم يأمره أن يذهب إلى النبي ويخبره أن يبلّغ الناس بهذه الأوامر، حتى يشتغلوا بها في الحياة ويمضوا حياتهم بهذه الكيفية.

  • الله تعالى بناء على حكمته البالغة خلق الإنسان وفقاً للموازين الملكية والملكوتية، لكي يحصل على تكامل في كلتا جنبتيه، وأعطاه لذلك دستوراً يعمل على أساسه؛ فإن عمل بشيء منه فسوف يتكامل بهذا المقدار، وإن ترك شيئاً منه فسوف يبقى في تلك الرتبة. وهذه المسألة ليست مجرّد مسألة ظاهرية بحتة. وكذا الحال في النواهي والمحرّمات التي نهانا الله تعالى عنها لها آثار سلبية على تكامل الإنسان ورشده؛ فالنظر إلى المرأة الأجنبية له أثر سلبي، يعني أنّ النفس ترجع عن تلك المرتبة التي كانت عليها؛ حيث يفقد الإنسان في هذا النظر ذاك الصفاء والخلوص والطهارة الموجودة في نفسه! كم لدينا من الروايات التي تؤكّد على هذه المسألة! لماذا كل ذلك؟ ليس ذلك عبثاً! والمراد من عدم النظر إلى المرأة الأجنبية ليس النظر إلى جسمها، بل حتى إلى وجهها؛ أي الوجه الظاهري مع ارتداء الحجاب الإسلامي، فإنّ هذا النظر له أثر سيّء جداً، وسوف يترك أثره على الإنسان.

  • أتى أحد الأصحاب ـ وكان شاباً ـ يوماً إلى رسول الله، وسأله لماذا عندما نكون معك ونستمع إليك نرى أنفسنا نحلّق في السماء ونشعر بأنّ أرواحنا معلّقة بين الأرض والسماء؛ ففي كلامك نشعر بحالة انتعاش روحية وحالة سكر وإدبار عن كل تعلّقات الدنيا، بحيث لا نعود نلتفت إلا إلى الجانب الروحاني، ويصير وجودنا مختلفاً تماماً عن وجودنا الذي كنّا عليه عند الدخول عليك، لكن عندما نخرج من عندك وتقع أعيننا على امرأة مثلاً نفقد تمام تلك الحالات التي حصلنا عليها منك؟!

تأثير الأعمال على الإنسان

18
  • فأجابه النبي: "لو بقيتم على هذه الحال لرأيتم ما أرى ولسمعتم ما أسمع"۱، يعني لو أنّكم حافظتم على ما كنتم عليه معي، وعندما تخرجوا من عندي لا تتركوا زمام أنفسكم، بل حافظتم على أعمالكم وأفعالكم، لصار لديكم إمكانية أن تروا ما أرى وأن تسمعوا ما أسمع.. هذا كلام رسول الله، وهو جادّ فيما يقول! يريد أن يقول لنا بأنّ انكشاف هذه العوالم وفتح تلك الأبواب ليس مختصّاً بي وحدي، بل هناك عالم واقعي؛ كل من دخل فيه رأى، ومن لا يدخل فيه لا يرى. هذا هو الطريق الموصل إليه، فإن لم ترد أن ترى شيئاً فلا ترَ! فحتى أنا رسول الله سلكت هذا الطريق ووصلت، والآن أنا أرى تلك الأمور، ما عليكم إلا أن تروا وتنظروا.. لكن هناك طريق وشروط، فإن بقيت على ما أنت عليه فسوف ترى ما أرى وتسمع ما أسمع.

  • وكذا أتى شاب آخر إلى النبي وقال له: يا رسول الله! ما دامت النساء تمشي في شوارع المدينة وأزقّتها ـ ومراده في ذلك العصر لا كما هو الحال في وقتنا هذا ـ فلا تتوقع منّا أن يرسخ روح الإيمان في قلوبنا.. أما الآن فكأنّه لا إشكال أبداً أن تتحدّث المرأة ويشاهدها ثلاثمائة رجل!

  • الأحكام الشرعية تابعة لملاكاتها

  • سوف نتحدّث في الجلسة القادمة عن اختلاف علل الأحكام وملاكاتها؛ فبعض هذه الأحكام نشأت من نفس متعلّقها وتنزلت من خلاله، وبطبيعة الحال تختلف المسألة باختلاف مواردها. والدليل على ذلك هو أنّه مثلاً إذا كان لدينا امرأة كبيرة بالسن في الثمانين أو التسعين أو المائة سنة؛ حيث لدينا آية "وَ الْقَواعِدُ مِنَ النِّساء..."، تكون هذه المرأة قد افتقدت جاذبيتها، والتي عبّر عنها في بعدم رغبة أحد في الزواج منها، فعندئذٍ لا إشكال في النظر إليها. ولا إشكال عليها في أن لا تضع عليها عباءة، وإن كان الأفضل أن تلبسها لا أن تخلع.. حتى لا يقول أحد بأن السيد قال فلتنزع النساء العباءة [ضحك]. وذلك فيما إذا لم تزيّن وجهها ولم تبرز مفاتنها، بل كانت بشكل عادي وظهر منها شعرها فلا إشكال في ذلك؛ لأنّه لم يعد لديهن أمل بالنكاح والزواج، وفقدن تلك الخصوصيات. لقد كانت في شبابها بشكل، لكن بعد مضي زمان ووصولها إلى عمر معيّن فلو بدا منها شعرها فلا إشكال؛ لأنّهن لا يرجون نكاحاً.

    1. ـ تفسير الميزان، ج ٥، ص ٢٧٠: فيما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: لولا تمريج في قلوبكم وتكثير في كلامكم لرأيتم ما أرى ولسمعتم ما أسمع".

تأثير الأعمال على الإنسان

19
  • أحد أصدقاء المرحوم العلامة في مشهد حفظه الله، فهو لا يزال حياً، وقد نقلت عنه الكثير من القصص، وكان رجلاً مزوحاً جداً وزاهداً عابداً، في أحد الأيام مرضت زوجته في عينها وطلب مني المرحوم العلامة أن أدخلها مستشفى الإمام الرضا عند الدكتور الفلاني ليرى ما هي مشكلتها، فلما ذهبت إلى منزله لأخذها، رأيت أنّ زوجته لا تستطيع الحركة أساساً، وكانت حاوية لجميع الأمراض؛ فقد كانت مصابة بالفلج ولا تستطيع تحريك رجليها، وكانت سمينة بحيث لا تستطيع الحركة أصلاً، فجلست لا أعرف ماذا أفعل، ولم يكن أحد في المنزل غير زوجها الكبير في السن، لكنه لا يستطيع القيام بشيء، فلم يكن أحد ليعاونني في حملها إلا أحد الإخوة الذي كان معي، وكانت بدينة جداً وكبيرة وتئنّ من الألم.. وكنت محتاطاً في حملها! فقال لي: سيدنا لا شبهة في المقام، احملها من رأسها فلا داعي للاحتياط [ضحك]

  • فقلت له لا بأس احملها أنت من رجلها، لكن لم نستطع معاً أن نحملها.. 

  • ويوجد آية قرآنية تفيد أنّه لا إشكال في أن يرى شخص شعر مثل هؤلاء الأشخاص.

  • على كل حال، لقد انتهى الوقت، وأنا تعبت! إن شاء الله إذا وفقنا الله تعالى سنتحدّث للإخوة والأصدقاء في الجلسة القادمة عن تأثير الأعمال، مع الالتفات إلى المطالب التي سمعناها من العظماء وما وصلنا من آثار الأولياء. وفقنا الله جميعاً ونسأل الله تعالى أن يجعل تمام أعمالنا في سبيل الوصول إلى الفعلية.

  • اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد