121

لماذا يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد؟

2145
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمعنوان البصري

المجموعةالخسران و بطلان العمر

التاريخ 1426/07/22


التوضيح

لماذا يتحوّل طريق السالك إلى سدٍّ؟!
ولماذا يتحوّل عنوان السلوك من كونه وسيلةً ومقدّمة إلى كونه هدفًا ونتيجة؟!
ولماذا تتحوّل الحركات التحرّرية إلى حركات مستبدّة؟
كيف عانى الإمام الصادق عليه السلام من ظلم بني عمّه والإمام الرضا عليه السلام من ظلم أعمامه؟
تبيّن هذه المحاضرة أنّ أحد معاني بطلان العمر تحوّل الطريق إلى غاية وتحوّل عنوان السلوك إلى هدف والغفلة عن الحالة الأولى التي جاء من أجلها الإنسان إلى هذا الطريق وهي تربية النفس. ولذلك كان المرحوم العلاّمة يرى أنّ الخطوة الأولى للسلوك هي أن يرى الإنسان نفسه أقلّ من الجميع وأنّ الأقرب إليه هو الذي يرى نفسه كذلك.
/۱۵
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

لماذا يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد؟

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • لماذا يتحوّل طريق السالك إلى غاية وسدّ ؟ 

  • شرح حديث عنوان البصريّ - المحاضرة ۱٢۱

  •  

  • ألقاها:

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  •  

لماذا يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد؟

2
  • أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

  • بسم الله الرحمن الرحيم

  • وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين

  • واللعنة على أعدائهم أجمعين.

  •  

  •  

  • قال الإمام الصادق عليه السلام في حديث عنوان إنّ السالك في طريق الله والباحث عن طريق التقرّب والتجرّد لا يدع أيامه باطلاً.

  • وقد تحدّثنا للرفقاء حول كيفيّة مراتب البطالة بصورة عامّة، وكذلك عن بعض مراتبها بصورة خاصّة، ووصلنا إلى هذه النقطة وأنّ المراد من البطالة في جميع مواردها العامّة أن لا ينال الإنسان شيئًا، يقوم الإنسان بعملٍ ولكن لا يحصل منه على شيء، ولا يكون له مقابل. فهذا هو المراد من البطالة بمعنى عام. ولكنّ مصاديقها مختلفة وكلّ إنسانٍ عليه أن يختبر نفسه ويمتحنها في هذا الأمر ويطبّق المصداق على المفهوم الكليّ، وأن يزن عمله في ميزان الأعمال وفق هذه العبارة الشريفة. 

  • كيف يتحوّل طريق السالك إلى سدٍّ؟! 

  • كان الكلام حول أنّه كيف يمكن أن يواجه سالك طريق الله مشكلة في طريقه ويتحوّل الطريق نفسه إلى سدٍّ؟! كيف يمكن أن يتحوّل وضع السالك وموقعه من حالة الطريقيّة إلى حالة الموضوعيّة ومن حالة كونه وسيلةً إلى حالة كونه هدفًا. ومن حالة كونه مقدّمةً إلى حالة كونه نتيجةً وذا المقدّمة، ومن طريق نحو الحقيقة والمبدأ إلى مانعٍ وسدٍّ وتوقّفٍ وسكون؟!

  • ذكرنا أنّ نفس الإنسان هي في حالةٍ تستفيد فيها من كلّ فرصةٍ من أجل التعلّق برغباتها، وتستفيد من أيّ طريقٍ للوصول إلى أهدافها والأمور التي تعجبها ولا فرق عندها في الطريق إلى ذلك. ففي كلّ حالةٍ تقتضي نفس الإنسان شيئًا ففي مرحلة الطفولة تتعلّق ببعض الأمور وتلهو بها فالطفل ابن السنوات الخمس أو السبع لا ينجذب إلى ما ينجذب إليه أبناء السنوات الأعلى. لا بدّ من تهيئة ألعابٍ تناسبه في هذه السنوات فيُشترى له كرةٌ وتُشترى له ألعابٌ. ولو قيل لابن سبع سنوات إننا نريد أن نسلّمك إدارة محافظةٍ ما فإنّه ينظر غير آبهٍ بنا ولا يعي أصلاً ماذا تعني إدارة المحافظة، ما معنى أن يكون مديرًا ؟ ما معنى أن يكون رئيس جمهوريّةٍ؟ لأنّه أصلاً لا يحتمل إدراك هذه الأمور بحسب فهمه وقدرته وإدراكه. وبالنسبة إليه الكرة الملونة خيرٌ من جوهرةٍ لا تقدّر بثمن. وواقعًا هذه هي حالته أليس كذلك؟ 

لماذا يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد؟

3
  • وهكذا كلّما ارتقى في السن نشأت عنده رغبات ودوافع مختلفة تناسب فهمه ودائرة إدراكه وتعلّقاته النفسيّة وظهور وبروز الملكات النفسيّة، فلم تعد الألعاب التي كانت تلهيه أيّام الطفولة مفيدةً له في سنّ الأربعين ولا يبالي بها أبدًا، وصارت هناك أمور أخرى تجذبه، ما يُشبعه هو أمور أخرى وما يؤمّن حاجاته هو أمور أخرى. وهكذا في السنوات الأعلى إلى أن يصل إلى حدٍّ يصبح لديه من الغرائز والصفات والملكات ما يجعله لا يبالي بما يهتم به عامّة الناس ويتعلّقون به فلا يعود يهمّه زخارف الدنيا وزينتها، وتصل النفس إلى مرتبةٍ لا ترغب إلا بالاستعلاء والتكبّر والرئاسة على الناس، يمكن لهذا الإنسان أن لا يعود مباليًا بالطعام، لا زهدًا، ولكنّه لا يشتهيه واقعًا، يمكن لهذا الإنسان أن لا يبالي بالأبينة والقصور، لا زهدًا ولكنّه واقعًا لا يبالي، يمكن أن لا يبالي بسائر الملذّات الدنيويّة؛ لأنّ نفسه أعلى من الشيطنة والفرعونيّة والاستعلاء والتكبّر والغرور.

  • عندما يأتي عمر ويغتصب خلافة أمير المؤمنين عليه السلام فإنّه يأكل أمام الناس الخبز والخلّ، وإذا جيء له بطعامٍ أو هديّةٍ يقول كيف يمكن أن أمدّ يدي إلى هكذا طعامٍ ولا يزال في ملكي من هو جائع؟! ـ لقد تكلّم بهذا الكلام أيضًا لا أنّه لم يتكلّم ـ يأكل الخبز والخلّ يشارك في الصلوات، يؤمّ الجماعة، ولكنّه في حالةٍ من الاستعلاء والتكبّر والفرعونيّة بحيث إنّ لذّة هذه الرئاسة وهذه الحكومة والخلافة على المسلمين تفوق بمليارات المرّات لذّة شابٍّ في العشرين من عمره مشغولٍ بالملذات الدنيويّة. ولو أُعطي كافّة هذه الملذّات لما تخلّى عن تلك الحكومة وتلك الخلافة وتلك الرئاسة لأنّ نفسه في هذا المقام تلتذّ لذّةً لا يمكن مقارنتها بسائر اللذات.

  • لأنّ اللذة والألم مقولتان مجرّدتان عن المادّة وهما أقرب إلى عالم المثال والتجرّد منهما إلى عالم المادة والطبع، فكميّة وكيفيّة هاتين المقولتين لا تقاسان وفق مقاييس المادّة والأمور الطبيعيّة، فالمسألة مسألة التذاذٍ والالتذاذ يرجع إلى النفس، لا إلى الأمور الماديّة. ونحن أيضًا نقول يا له من طعامٍ يتناوله فلان! كم هو زاهدٌ! كيف هي حاله مع الدنيا! ننظر فنجد أنّ طعامه مثلاً الخبز والجبن، الخبز والعنب، طعامه طعامٌ بسيط. أمّا فلان فلا ليس كذلك، هذا الطعام الذي يتناوله الآن على أيّ أساسٍ يتناوله وبأيّ دافع؟! نحن نرى هذا حتى في الموارد المتعارفة أحيانًا، فقد يُؤتى الإنسان بطعامٍ بجودةٍ عالية ولكن لا يشتهيه ويشتهي الخبز والجبن أكثر منه أولسنا نحن كذلك؟! فإذا جاء أحدٌ ونظر إلينا فهل يرانا زاهدين؟ أين الزهد منّا؟ لا نشتهي فلا نأكل، فمن كان محمومًا ووضعه الصحيّ غير مستقرّ لو جئته بأفضل طعامٍ فإنّه يزيد من حاله سوءًا، إنّه يريد كوبًا من الماء البارد فكوب واحد من الماء خيرٌ عنده من ألف طيرٍ، فهذا ليس أمرًا مهمًّا ليحتاج إلى زهد، كلا فعامّة الناس هم كذلك أيضًا.

لماذا يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد؟

4
  • تلك اللذة التي تشعر بها النفس في مقام استعلائها ورؤيتها لنفسها مستولية على المجتمع ورؤيتها نفسها رئيسةً على الجميع هي لذّةٌ لا تصل إليها ألف ألف ألف لذّةٍ من هذه اللذات المتعارفة عند سائر الناس. فإذن هذا ليس زهدًا، هذا ليس إعراضًا عن الدنيا، بل هو غرقٌ في الدنيا إلى الرأس ولكن بهذا الشكل، بشكلٍ دقيقٍ ورقيقٍ ولطيف.

  • لماذا تتحوّل الحركات التحرّريّة إلى مستبدّة؟

  • وهنا يُطرح أمرٌ وهو مطروحٌ قديمًا وخصوصًا في الدراسات الاجتماعيّة التاريخيّة، فما نلاحظه في التاريخ وما كتبه المؤرّخون والحوادث التاريخيّة المختلفة تؤيّد هذا الأمر وأنّ كلّ حركةٍ ثوريّةٍ وإصلاحيّةٍ وقعت إلى الآن في التاريخ، كلّ حركةٍ وفي أيّ زمان، في الأزمنة السابقة وفي البلدان المختلفة وفي المجالات المختلفة وفي القرون المتباعدة يمكن أن تكون بداية تلك الحركة وتلك النهضة ذات طابعٍ إصلاحيٍّ ويكون هناك نظامٌ فاسدٌ ضدّ الإنسانيّة، ضدّ البشر، فمن الطبيعيّ أن يجتمع الناس معًا لإبادته، للقضاء على الظلم والاستبداد فيتكاتفون ويحدثون حركةً وكثيرًا ما ينتصرون حيث رأينا ذلك في الكثير من الأحداث التاريخيّة.

  • ولكنّ الكلام هو في الدافع والنيّة والغاية لهذه الحركة الإصلاحيّة وحركة إحقاق الحقّ والقضاء على الظلم، فبعد الوصول إلى النتيجة لا تمضي أيّامٌ إلا وتتحوّل إلى حركةٍ مستبدّة وحركةٍ ظالمة وحركةٍ فاشلة. فهذه المسألة ثبتت على مرّ التاريخ وفي مختلف البلدان ومختلف المجالات وعند مختلف الناس فمثلاً في زمان بني العباس لاحظوا هذا الأمر، فبنو العباس جماعة كانوا قد ثاروا طلبًا للثأر لسيّد الشهداء وأهل البيت عليهم السلام وجمعوا الناس ضدّ بني أميّة وبني مروان، والشعارات التي رفعها أبو مسلم الخراساني من خراسان هذه وجمع بها الناس هي شعارات إحقاق الحقوق الفائتة لبني هاشم؛ لأنّ الشيعة كانوا كثرًا في ذلك الزمان، ففي مختلف الأماكن كان هناك شيعة في الريّ وقم وساوة وقزوين وخراسان ونيشابور وسبزوار، ففي هذه المناطق كان الجميع شيعةً غاية الأمر أنّهم كانوا تحت حكم بني مروان وكان حكّامهم من أهل السنّة وكانوا تحت الاضطهاد، فكانت شعاراتهم شعارات إحقاق الحقّ ورفع المظالم التي قام بها بنو أميّة وبنو مروان تجاه أهل بيت رسول الله وسائر الناس. ولكن تصوّروا عندما وصل هؤلاء واستلموا الخلافة وحصل لهم المراد وتربّعوا على أريكة الخلافة ـ والتي ينبغي أن تسمّى سلطنة ـ فإنّهم ابتلوا بما ابتلي به الذين من قبلهم من القبائح والجرائم الوقحة، من التضييق والسجن والتعذيب والقتل والنهب وكافة أنواع الفجائع بحيث يقول الشاعر ليت بني أمية وبني مروان قد بقوا، فقد بيّضتم وجوههم.۱ 

    1. وليتَ عَدْلَ بني العبَّاسِ في النَّارِ *** يا ليت جَوْرَ بني مروانَ دَامَ لنا 

لماذا يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد؟

5
  • أنتم ترون أنّ هذه الحركة الإصلاحية تتبدّل إلى توقّف، فعندما تنتصر هذه الحركة تتحوّل أهدافها الأولى ونواياها السابقة مائة وثمانين درجة وتصبح عين ما كان يصنعه السابقون. 

  • والأمر في البلدان الأخرى هو كذلك أيضًا، ففي البلدان التي كانت تحارب الاستعمار نلاحظ ذلك أيضًا، في الجزائر الأمر هو كذلك، في ليبيا هو كذلك، وفي البلدان الأفريقيّة هو كذلك وفي مصر هو كذلك، في كلّ هذه البلدان كانت هناك حركات بدأت ضدّ الاستبداد والظلم، ولكن عندما نطالع التاريخ نجد أنّها عندما تنتصر لا يمضي أيّام حتى نرى أنّ الناس والمسؤولين وبرنامج الحكومة وطريقة التفكير والإدارة والتدبير تتحوّل إلى حركة تختلف مائة وثمانين درجة وإلى نظامٍ استبداديّ، هي بنفسها تتحول إلى نظام اضطهاد، هي بنفسها تتحوّل إلى نظام...

  • لماذا ذلك؟ الذين درسوا هذا الأمر وعلماء اجتماع التاريخ درسوا غافلين عن أنّ ما يرونه في هذه الحركات والثورات هو الفعل الظاهر للناس في مقابل فعلٍ ظاهرٍ لطائفةٍ أخرى فهناك طائفةٌ مستبدّة وفريقٌ ظالمٌ، هؤلاء يحكمون فيأخذون أموال الناس وإمكاناتهم وثرواتهم واقتصادهم وقدراتهم إلى منافعهم الخاصّة وبواسطة قبح هذا الفعل وشناعته يحرّكون مشاعر جماعةٍ من الناس وعواطفهم ويحرّكونهم ضدّ هذه الأعمال ويصبح هذا الفعل في مقابل ذاك، ولكن ما إن تنجح هذه الحركة فإنّ هذه النفس التي لم تنجح بعد في امتحان هذه المشكلة ولم تؤدّ بعدُ اختبار هذه المرحلة تقع الآن للتوّ في بوتقة الاختبار. لقد كانت إلى الآن في حالة المواجهة، لقد كانت إلى الآن في حالة الحرب والقتال، لقد كانت إلى الآن في حالة الجهاد، لقد كانت إلى الآن في حالة رفع الظلم، لقد كانت في حالة الوصول إلى الهدف ولم تكن قد جرّبت بعد هذه الحالة الجديدة، لم تكن قد ذاقت بعد طعم الحكومة اللذيذ، ولم تكن قد أحسّت بحلاوة الرئاسة والجلوس على عرش الخلافة، كانت نيّتها الانتصار على الخصم والتغلّب على العدوّ، كانت في حالة حربٍ ومواجهة وفرار، ولم يكن قد وصل الزمان الذي تُختبر فيه وهل هي مثل هؤلاء أم غيرهم؟! ـ فقط تغيّر شكلك والحال أنّك مثلهم لا تختلف عنهم ـ لم يكن قد جاء زمانٌ كهذا بعد، فإذا جاء هكذا زمانٌ فإنّ هذه النفس التي لا توفّر أحدًا هل ستوفّرك؟! النفس لا تمازح أحدًا ولا تجامل أحدًا، الجميع مبتلون بالنفس ومتورّطون بها لكنّ الفرصة لا تسنح للجميع.

لماذا يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد؟

6
  • لذلك نرى أنّ هذه الحركة في الثورات في الدول والأزمنة المختلفة تتحوّل إلى ضدّها، تتحوّل إلى ضدّ الإصلاح، تتحوّل إلى ضدّ إحقاق الحقّ للمظلوم والدفاع عنه، وهي بنفسها تتحوّل إلى ظالمة تحارب الحقّ، وهي بنفسها تتحوّل إلى مستبدٍّ يحارب الحقّ، لماذا؟ لأنّ ذلك الشيء الذي كنت غافلاً عنه إلى الآن ذلك الشيء هو وجهٌ مشتركٌ بينك وبين سائر الناس. لقد كان إلى هنا ينظر إلى فعل الناس، لم يكن يفكّر من أين نشأ فعل الناس هذا؟ ذلك الحاكم الظالم الذي كان قبلهم وارتكب كلّ هذه الجنايات والفجائع من أين نشأ فعله هذا؟ لقد نشأ من النفس، هل فكّرنا في ذلك؟ وهذه النفس بعينها موجودةٌ فينا فبماذا تختلف؟ بعينها موجودةٌ، ولم يكتبوا براءةً لأحد أنّ نفسك معفوٌّ عنها ونفسك بعيدةٌ عن هذا الوادي، ونفسك معصومة، ونفسك... كلا، ليس هناك شيءٌ من هذا، لماذا الحال هو كذلك لأنّ هذه النيّات تعمل في محيطٍ غير مهذّب، فإذا انتصرت فإنّ انتصارها هو من دون تهذيب، ومن دون تزكية، ومن دون تربية، فهي ترجع وتعمل بحسب حالها ومكانتها. إلى الآن كانت النيّة نيّة إصلاحٍ، والآن يصبح هو نفسه الإصلاح، ويصبح كل ما هو خارجٌ عن هذه الدائرة فسادًا، يا للعجب! وهنا الخطر، الخطر هو أن يصبح الإصلاح عند الإنسان إصلاحه هو، الإنسان الذي يبحث عن الحقّ يصبح هو الحق، الإنسان الذي يبحث عن العدالة يصبح هو العدالة وغيره ظلمًا، الخارج عن حدودي أنا فسادٌ، الخارج عن حدودي أنا باطلٌ، الخارج عن حدودي أنا انعدام للإنصاف، الخارج عن حدودي أنا باطلٌ، ما هو حقٌّ هو أنا فقط، ما هو صحيح هو أنا فحسب، ما هو واقعٌ أنا فقط، ما هو مطابقٌ للعدالة أنا فقط، هذه هي الحقيقة. هذه الحركة هي الحركة الإصلاحيّة التاريخيّة التي تتحوّل إلى موضوعيّةٍ باعثةٍ على الفساد في التاريخ، لقد كانت إلى الآن طريقًا ووسيلةً وهي تغدو الآن موضوعًا وغايةً، لقد كانت إلى الآن مقدّمةً وها هي الآن تغدو نتيجةً. لقد كانت إلى الآن هكذا... لقد كان بنو الحسن ممّن ثار على بني العباس ومن الواضح من هم بنو العباس فقد كان هناك المنصور الدوانيقي وأمثاله ولم يكن هؤلاء ممن يصلّي صلاة الليل ولم يكونوا كسلمان، فثاروا عليهم وسيطروا على المدينة وما إن سيطروا على المدينة تبدّل هؤلاء الذين كانوا بالأمس يتوسّلون بالإمام الصادق عليه السلام ويستمدّون منه، إلى حكّام ظلمة وجائرين ومعتدين على أهل البيت عليهم السلام وهم بنو الحسن أيضًا، يأخذون الإمام الصادق عليه السلام ويخيّرونه بين البيعة والقتل، بالله عليكم انظروا هذا ما كتبه التاريخ! فمن كان محمّد وإبراهيم ابنا عبد الله المحض، إنّهما أبناء عمومة الإمام الصادق عليه السلام الذين جاء المنصور الدوانيقي وأعدمهم وألقاهم في السجون.

لماذا يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد؟

7
  • من معاناة الإمام الصادق عليه السلام مع بني الحسن عليه السلام

  • الإمام الصادق الذي هو رئيس المذهب وإمام المذهب والذين يسلّمون له بذلك يصل بهم الأمر إلى أن تقوم هذه الحركة الإصلاحيّة والثوريّة لبني الحسن ضدّ بني العباس... ـ كلّ من يسمع منّا الآن بهم يثني عليهم، فهؤلاء بنو الحسن وهؤلاء بنو العباس، فقد أحسنوا فعلاً وكان ينبغي أن يقوموا بذلك فثاروا وانتقموا من المنصور وبدّلوا الحكم. ولكن هل لدينا خبرٌ عن الباطن؟ من هو الذي لديه خبرٌ عن الباطن؟ الذي يقوم بهذه الحركة الآن لأجل إحقاق الحقّ ماذا يدور في باطنه؟ هل لدينا آلةٌ تظهر ذلك للناس؟ أم أنّ هذه الآلة ليست متوفّرةً عند الجميع، هي عند جماعةٍ معدودةٍ هي وحدها ترى. اجتمعوا ضدّ بني العبّاس افعلوا كذا وافعلوا كذا! ثم بعد ذلك يأتي بنو الحسن ويلقون الإمام الصادق عليه السلام في سجن المدينة وفي أسوأ مواضع سجن المدينة حيث يخجل الإنسان من ذكره، في المكان الذي توضع فيه البغال والحيوانات ويهدّدونه إن لم تبايع إلى الغد أعدمناك في مكانك، وقطعنا رأسك، لولا أنّ المنصور الدوانيقي الملعون والظالم لم يأت لأعدم بنو الحسن الإمام الصادق. فالمنصور الدوانيقي أخرج الإمام الصادق عليه السلام من السجن.

  • فأيّ أناس كان هؤلاء، إنّهم الذين يصلّون ويصومون ويصلّون صلاة الجمعة وكانوا أئمة الجماعة وأبناء الإمام ويعتمرون عمامةً خضراء ويمشون في المدينة والجميع يحترمونهم ويوقّرونهم ويقبّلون أيديهم قائلين: يا بن رسول يا بن رسول الله! أمّا أنّه لماذا ينتهي بهم الأمر إلى هنا؟ وما هو السرّ الكامن هنا؟ إنّه النفس. وهي موجودةٌ لدى الجميع. لقد قال الله أنا أعطيت هذه النفس لمعاوية ولعمر وأعطيها لبني الحسن أيضًا ، أعطيها لهم، أعطيها لأبناء الإمام أيضًا، ولماذا بني الحسن فقط؟ كلا فلنأت أيضًا إلى بني الحسين ألم يكونوا أبناء إمام؟ ألم يكن أبناء الإمام المباشرون قد حاكموا الإمام الرضا عليه السلام في المدينة؟! الابناء المباشرون لا الأحفاد، لقد ادّعى أعمام الإمام الرضا وإخوته عليه عند الحاكم الظالم من بني العباس، فقام هذا الحاكم بسبّهم وقال لهم أما تخجلون أتيتم بهذا الرجل إلى هنا تحاكمونه ـ هو يقول هذا ـ قوموا اخرجوا من المحكمة! فهو يُخرجهم ويقول: ألا تخجلون؟! فمن كان هؤلاء؟ كانوا أبناء الأئمة ليس عند الله مسامحة. الجميع لديهم نفوس حتّى ابن الإمام، أباه إمامٌ وهو ليس إمامًا، هنا علينا أن نخاف كثيرًا فليس في المسألة تساهل، فالنفس في الميدان وهي لا تتهاون مع أحد. هذه هي المسألة المهمّة وأنّه كيف يمكن للإنسان أن ينقلب من حركةٍ إصلاحيّةٍ في كلّ شيء إلى التوقّف أو لا سمح الله إلى الاستدراج، فإمّا أن يتوقّف وإمّأ أن يستدرج بحيث يتراجع ويتراجع ويتسافل، لماذا ذلك؟ لأنّه ظنّ أنّ مكانته هي الأساس بالنسبة إليه، يعني الحالة التي جاء بها وانطلق في حركته وقال يا الله وطوى طريقًا وأصلح عمله وسمّى نفسه سالكًا مثلاً، هذه الحالة يغيّرها وشيئًا فشيئًا يفرح بهذا العنوان وهذه الحالة فينسى تلك الأهداف الأولى لحركته وهذا خطرٌ يهدّدنا جميعًا.

لماذا يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد؟

8
  • خطر الأنس بعنوان السالك

  • كان المرحوم العلامة رضوان الله عليه يحذّر من هذا الأمر طوال حياته، لا نقومنّ بشيءٍ ينزع عنّا همّتنا الأولى، لا نقومنّ بعملٍ يفقدنا تلك الحالة والشوق والمحبّة والرغبة، لا نقومنّ بعملٍ يبدّل تلك النيّة والإخلاص والصفاء والخلوص إلى ركودٍ وتحجّرٍ وصلابة ويُعيقنا عن الحركة. لماذا؟ لأنّ الإنسان إذا غفل امتطاه الشيطان، يكفي أن نغفل يسيرًا: نحن سلاّك وأمرنا منتهٍ! لقد سُميّنا سلاّكًا وأُغلق سجلّنا فهذه هي حالتنا وليس للشيطان عملٌ معنا بعد الآن، لقد ارتبطنا نحن مع أولياء الله ولا تصل يد الشيطان إلى حريم أولياء الله. أفأولياء الله أعلى أم موسى بن جعفرٍ عليه السلام؟! أيّهما أعلى؟ أو الإمام الصادق عليه السلام؟ أو الإمام الهادي عليه السلام؟!

  • كلّ ذلك هو وساوسٌ من الشيطان نفسه ليحوّل لنا السلوك إلى موضوعٍ وغاية. أي إنّ تلك الحيثيّة الطريقيّة والمقدميّة التي سرنا بها أوّلاً بشوقٍ ورغبة تتحوّل إلى حالة سكون وركودٍ وتوقّفٍ واستئناس ٍ ببعض الجمل والعبارات والكلمات والتلذّذات النفسيّة ببعض الأمور والرؤى والمنامات والمكاشفات وكثيرًا ما تكون كلّها أشراكًا تقعد بالسالك في مكانه وتسلب منه القدرة على الحركة. إذا انتهى الأمر إلى هنا تغيّرت رؤية الإنسان إلى الآخرين فنحن في هذه الحالة وهم لا يمتلكونها، دعهم لا تعتن بهم، هؤلاء ليسوا بشرًا، من هم هؤلاء لكي نعتني بهم، نحن في هذه المكانة قد وفّقنا الله واعتنى بنا ـ نلصقها بالله أيضًا ـ لم يعط الآخرين إلى أين يسير الآخرون؟! في أيّ أمور يمضون؟! ونحن وفّقنا إلى هذا الأمر! يقول وفّقت ولكنّه يُرجع الأمر إلى نفسه، يكذب إذ ينسبه إلى الله. كلا، وفّقت ولكن عليك أن ترى هذا التوفيق من الله واقعًا لا أن ترى مقدارًا منه أو مقدارين أو ثلاثة مقادير، نرى أنفسنا أصحاب تأثيرٍ في الأمر ونميّزها عن الآخرين، هنا جاء الشيطان واصطنع مشكلة وبدّل السلوك إلى ضدّه وبدّل طريق الله إلى سدٍّ في طريق الله، ذلك التفكير الذي يبدأ من البداية بالنظرة التوحيديّة ويرى نفسه أدنى من الجميع. 

لماذا يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد؟

9
  • الخطوة الأولى للسلوك أن ترى نفسك أدنى من الجميع

  • ألم يقل المرحوم العلامة إنّ الخطوة الأولى للسير هي أن يرى الإنسان نفسه أدنى من الجميع، ألم يقل ذلك؟ ألم أنقل هذا الأمر للرفقاء مرارًا؟ جاء أحدهم إلى المرحوم العلامة وقال: أين هي مشكلتي؟ ففي النهاية كانت هناك حسابات، وكانت هناك علاقات وكانت هناك اتصالات، ثمّ التفت إلى أنّها تضاءلت ولم تعد المسألة كما كانت، فقد كان من أهل الباطن فقال له إذا وجدت نفسك أدنى من الآخرين تعال إليّ. فما هذا؟ إنّه إنسانٌ قد طوى جزءًا من الطريق وسار وتحرّك وبذل الجهود ولكنّ الإنسان يشعر أنّ هذا السير والحركة لا بدّ أن يكون مع حفظ النوايا الأولى، لا أن تتبدّل إلى حجابٍ وهذا الحجاب يفصله ويميّزه عن الآخرين في المجلس الواحد، يميّزه عن ذلك الجالس في تلك الزاوية والذي لا يعتني به، وإذا دخل هو فإنّ الجميع يقومون له فما الفرق بينه وبين الآخرين حتى يجب أن يقوموا له ولا يقوم لهم؟ ما الفرق؟ هل هو أكبر سنًّا؟ هل الأمر هو بكبر السنّ، لحيته بيضاء؟ وهل الأمر باللحية البيضاء؟ هل السلوك هو باللحية والصوف؟ فما هذا ولماذا؟ يجب أن يقولوا لهذا سيّد سيّد ولا يقولوا لغيره ذلك. لماذا؟ من هو السيد السيّد؟ وما هذا الكلام؟ كل من يأتي إلى هنا لا يختلف أبدا ًعمّن يجلس إلى جانبه، إذا اختلف فهو شيطان بلا تردّد، أيّ تخيّلٍ يتخيّله هنا فهو شيطان بلا مجاملة، هذا مقرّبٌ أكثر إلى السيّد وذاك أبعد، هذا محرم أسرار السيّد، السيّد يتحدّث إليه، كلّ هذا الكلام شيطانٌ، شيطانٌ في شيطانٍ في شيطان، غاية الأمر أنّ الشيطان يعلم جيّدًا كيف يدخل، إنّه لا يأتي بكأس الخمر وبطاولة الشطرنج لأنّه يعلم أنّ السالك لا يمدّ يده إلى هذه الأمور المحرّمة ظاهرًا، ولكنّه يعدّ برناماجًا دقيقًا ينال عليه درجة عشرين من عشرين، ألا توافقون؟ بكلمتين يا سيّد يا سيّد والاقتراب من السيّد والسفر معه لمرّتين والاتصال به لثلاث مرات وأربع مرات وتقديم كوبٍ من الماء إليه يوقعه في الفخّ ويسيطر عليه سيطرةً كاملةً. ولا يترك منه شيئًا خارج سيطرته حتّى شعرةً واحدة أو خليّةً واحدة.

لماذا يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد؟

10
  • كلّ هذا الكلام لا فائدة منه، فما معنى القرب وما معنى البعد؟ ما معنى هذا مقرّبٌ من السيّد وذاك بعيد ما هذه المزخرفات، ما هذا الهراء وما هذه الخزعبلات؟ أبعد خمسين سنة تقال هذه الكلمات، ما معناها؟ لقد جهد أولياء الله اثنين وسبعين عامًا حتّى النفس الأخير لكي يقتلعوا هذا الكلام، فلانٌ مسؤول، وفلانٌ يعمل بإمرته، أيّها السادة أقول لكم الآن كلّ الذين يشاركون في الجلسات هم مسؤولون، كلّهم رؤوساء وكلّهم موظّفون، ليس لدينا فوق وتحت، أأقول بأصرح من هذا الكلام؟! إن كانت لديكم عبارةٌ أو كلمةٌ أكثر صراحةً فأخبروني لأقولها، ليس هنا لا رئيسٌ ولا مرؤوسٌ والسلام. اليوم يقولون لهذا يا سيّد أعلن، وغدًا يقولون لآخر وسترون ذلك فلا معنى لهذا الكلام، ما هذا الكلام؟ نحن جئنا إلى هنا لأيّ شيء؟ أجئنا لنقضي وقتنا بالبطالة؟ ماذا حصل إذن؟ دعونا نمضي إلى أعمالنا الأخرى التي هي على الأقل... 

  • كان المرحوم العلامة يضرب مثالاً في السابق، كان يقول إنّ أشقى الناس هؤلاء المتسوّلون الأرمن الذين لا دنيا لهم ولا آخرة، فعلى الأقلّ بعضهم في هذه الدنيا لهم أنسٌ، وهؤلاء دنياهم خربة وآخرتهم أيضًا، وكان في قم شيخٌ يرتقي المنبر ثمّ يأخذ الراتب من الساواك۱، كم كان يأخذ؟! في الشهر مائتين وخمسين تومانًا، فقلنا مرّةً للمرحوم العلامة إنّه مع الساواك ويأخذ مائتين وخمسين تومانًا فقال: أيّها السيّئ الحظّ بما أنّك تعمل مع الساواك فلمَ تأخذ مائتين وخمسين تومانًا فقط؟! خذ أكثر أفهل يبيع إنسانٌ دينه بمائتين وخمسين تومانًا؟! إن كان لا بدّ أن تبيع دينك فبعه بثمن أغلى قليلاً، ففي النهاية هؤلاء عندما يُعطون إنّما يُعطون من مال الناس ولا يعطون من عرق جبينهم، كلا بل من مال هؤلاء الناس يُعطون، إن كان لا بدّ من ذلك فليكن أغلى، هذا معنى أنّ الإنسان إذا سمع كلام الأعاظم وأدركه ووعاه فهل يقضي وقته بالبطالة بعد ذلك هكذا؟ نجلس ونقول هذا أعلى وهذا أسفل، وهذا أقرب وهذا أبعد، وهذا محلّ سرّ السيّد، هذا لديه الكثير من الأخبار، وهذا لديه أقلّ، نضيع وقتنا بهذه الأشياء التافهة والتي لا قيمة لها. وإني إذ أقول هذا الكلام بهذه الطريقة للرفقاء والأصدقاء ليس في قلبي شيءٌ، بل أريد أن يعلم الجميع حقيقة الأمر كما هي، لا أكون قد أنقصت شيئًا من نفسي، لقد أخبرتكم اليوم بما سمعته من والدي فخذوه، فالعبارات التي قلتها لكم اليوم سمعتها واحدةً واحدة من والدي، إن كانت خلاف ذلك فأوقفوني يوم القيامة، هكذا هو الأمر. 

    1. جهاز المخابرات في حكومة الشاه السابقة. (م)

لماذا يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد؟

11
  • ره چنان رو كه رهروان رفتند***
  • أي اطو الطريق كما طواه السالكون. هكذا هي حقيقة الأمر.

  • المرحوم العلاّمة: الأقرب إليّ هو الذي يرى نفسه أقلّ من الآخرين

  • كان يقول الأقرب إليّ ـ دقّقوا هنا ـ هو الذي يرى نفسه أقلّ من الآخرين، لا أن يقول أمامهم أنا أدنى، أنا لست شيئًا ولا أستحقّ، ولكنّه بكلّ كلامٍ وبكلّ شيءٍ و... ففي النهاية الآخرون يدركون لا أنّهم لا يدركون. 

  • كلا، بل يرى نفسه أدنى، ويعمل على أنّه أدنى، ويظهر ذلك في حركاته ويتّضح في وجناته بحيث يدرك الجميع ذلك ويشعرون به. كان يقول هذا هو الأقرب إليّ.

  • ولكن نحن بسبب قصور فكرنا ونقصان عقلنا وقوّة الإحساس، قوة الإحساس والقوّة الظاهريّة ماذا نرى الأعلى وماذا نرى الأدنى وما هو معيارنا؟ هذه الأشياء التي يُبتلى بها الجميع، هذه الأمور، هذه الأشياء التي يبتلى بها الناس ولكن على السالك أن يصنع ماذا؟ أن يدوس على الاعتبار وأن ينحّيه جانبًا، وينظر ما هو الحقّ وما هو الواقع وما الذي يرضاه الله؟ لو جاء الله الآن ولو جاء إمام الزمان الآن فهل يُمضي تفكيري هذا الذي عندي أم لا؟ يمكننا أن ندرك ذلك بسهولة، هذا الأمر هو بيدي، لقد حملت راية هذا الأمر، هذا الأمر هو بيدي أنا، هذا الأمر أنا... فما هذا الكلام يا سيّدي العزيز؟ من أكون أنا ومن تكون أنت؟ هل التفتم؟ فإنّه إذا ما جاء كلامٌ حقٌّ إلى ذهني فهو ليس مني، بل جاء من مكانٍ آخر.

  • قصّة السالك الذي كان يكشف أسرار الناس بواسطة قدراته

  • كان هناك رجلٌ في عهد المرحوم العلامة ولا يزال موجودًا الآن، ولكنّه كان قد انفصل عنه في حياته ـ وقد ذكرت هذه القصة بالأمس في طهران وطبعًا لم أصرّح بالاسم والآن أيضًا لن أصرّح بالاسم طبعًا بطريقةٍ أخرى ـ قام بما أمره به المرحوم العلامة بإضافات، قال له: اذكر بهذا المقدار. فكان يضيف، قلت له: لماذا تضيف؟ فكان يقول: أشعر أنّ حالي جيّدة. فقلت له ألم يكن يشعر الذي أعطاك البرنامج بذلك أيضًا؟! وانتهى به شعوره هذا إلى حيث صار يشعر أنّه هو المحور، وصار هو الميزان فبدلاً من أن يعرض عمله على الميزان وكلام الأعاظم صار هو الميزان وصار هو المعيار. ونبّهته مرارًا ولم يكن لديه جواب. وعلى كلّ حال كانت الأمور واضحة ولكنّه لم يلتفت. الكلام الآن هو هنا في أنّ هذا الإنسان كان يُفشي بعض الأمور المخالفة لرأي أولياء الله والتي كانت تخطر في باله. ألم يكن بإمكان الأولياء أن يفشوها، ألم يكن بإمكانهم أن يقولوها؟ أنت تقول كلامًا تهتك به مؤمنًا، أنت تقول كلامًا مخالفًا للطريق ولرضا الأعاظم، ومهما كان يُنبّه لم يكن يعتن. وذات يومٍ قال له المرحوم العلامة بصراحة: هذه الأمور التي تقولها هل جئت بها من عندك أم من هنا؟! بما أنّك حصلت على ذلك من هنا فلماذا تخالف ولماذا تقلب الأمور؟! لم تأت بها من عندك. قبل أن تأتي كان حالك معلومًا وسوابقك كانت واضحة ومن المعلوم كيف كان وضعك وإلى أين كنت تذهب؟ وأين كنت تقصد؟ فإذن من الواضح أنّ هذا حصّلته من هنا فلماذا تخالف إذن؟ لماذا تُفشي بعض تلك الأسرار؟ ألا نستطيع نحن ذلك؟ ألا نستطيع أن نصنع ما هو أعلى من ذلك؟ فما هذا؟ هذا معنى أنّه يرى أنّ ما حصّله هو من نفسه، يعني أنّ هذا الطريق إلى الكمال ... فليس هذا طريق الكمال، ليس هذا طريق الكمال، ليس هذا طريق الكمال، هذا طريق الشيطان لا طريق الكمال، طريق المخالف لا طريق المؤالف وطريق الولاية، طريق الولاية، هو السير وفق البرنامج، كان المرحوم العلامة يقول بعض الذين ألّفوا الكتب والذين يعبّر عنهم بالأعاظم نرى اليوم نفس هؤلاء الذين كانوا في السابق وكانوا أساتذةً للحاليّين ـ هؤلاء الذين يعدّون أنفسهم صلة الوصل مع إمام الزمان هم وأساتذتهم السابقون ـ من أعمالهم أنّهم ماذا كانوا يفعلون؟ نعم هم أنفسهم لديهم مجلس، لديهم مجلس عزاء، مجلس ذكر المصيبة كانوا يبكون وتتغيّر أحوالهم ولكن ماذا؟ كلّ ذلك في النفس، كان يجلس على المنبر فيرى فجأةً أنّ أحد الحاضرين على جنابة فيقول: أيّها الجنب الجالس هنا اخرج من مجلسنا، مجلس سيّد الشهداء عليه السلام، عجيب، أسيّد الشهداء أمرك أن تقول؟! أموسى بن جعفر أمرك؟ أسيّد الشهداء عليه السلام قال أرق ماء وجهه؟! مجلسنا محترم ولا ينبغي أن يأتي إليه الجنب! اخرج، ولا يتساهل أيضًا يقول ويقول إلى أن يُمسك بتلابيبه لا أن يقول مرّةً ويتركه، كلا، بل كان من النوع الذي ينزل من المنبر ويُمسك بتلابيبه ويقول له أخرج أأخبرك متى أجنبت وكيف؟ ثم هؤلاء يصبحون أساتذة أخلاق.

لماذا يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد؟

12
  • أفهمتم الآن ما هو الطريق الذي أرانا إيّاه الأعاظم ولم يكونوا يكذبون ولكنّ هذا يذكر سيّد الشهداء في النفس، لا في الرحمن ولا في النورانيّة، يذكر اسم سيّد الشهداء في الظلمة، المجلس الذي يُريق ماء وجه مؤمن... إن كان جُنبًا فليكن، لقد أخطأ ولكنّ إراقة ماء وجهه أعظم، إراقة ماء وجه المؤمن أعظم. لقد شعر هذا أنّه إذا جاء فهو جيّدٌ، لم يكن يُدرك، جاهلٌ، شابٌّ من عامّة الناس، فتى، شعر أنّه إذا أراد أن يتطهّر سيفوته المجلس فجاء ليدرك مجلس الإمام الحسين عليه السلام حسب فكره، ثم أنت تأتي وتريق ماء وجهه بهذا الشكل، أهكذا يُراق ماء وجه المؤمن فماذا يكون هذا؟ إنّه تحوّل المكانة إلى موضوع، مجلسنا محترم، مجلسنا له قيمة، يقرأ المجلس بشكلٍ جيّدٍ أيضًا والناس يبكون ولكن كلّ ذلك في النفس، كلّه في النفس. 

  • هل كان الخوارج من أهل المعاصي الظاهرة أم من أهل العبادة الظاهرة؟

  • هؤلاء الذين كانوا مع الخوارج وشهروا السيف في وجه أمير المؤمنين من كانوا؟ أنتم تظنّون أنّهم كانوا جميعًا من حليقي اللحى والشوارب ويرتدون ربطات العنق ويشربون الخمر، كلا يا عزيزي، بل كانت لهم لحى ستّة أضعاف وسبعة أضعاف لحانا، كانت لهم عمائم أكبر من عمائمنا بعشر مرّات، هكذا كانوا، كان صوت صلاتهم في الليل وتلاوتهم للقرآن يصل إلى أطراف الكوفة إذا قاموا الليل، ولكن ماذا كان السرّ حتى قال أمير المؤمنين أنا فقئت عين الفتنة؟ ماذا كانت حقيقة الأمر؟ هكذا كانت، لقد تحوّلت هذه العبادة وهذه الحالة عندهم إلى موضوع ولم يعد بإمكان أحدٍ أن يفعل شيئًا، لا أحد، لو جاء النبيّ أيضًا لقطعوا رأسه، لقد بلغ بهم الأمر إلى هنا. واقعًا هكذا كانوا، فصلاة الليل هذه توجد للإنسان سدًّا بحيث لو جاء النبيّ لقال له اذهب وشأنك، أمّا أمير المؤمنين فأمره معلوم، إنّه واجب القتل ومهدور الدم، ألم يكونوا يقولون ذلك؟ يا عليّ المهدور الدم، لقد خرجوا من الكوفة وخيّموا هناك كنواةٍ للثورة، وليهاجموا الكوفة ويأخذوا الحكومة، فذهب إليهم أمير المؤمنين قبل أن يصلوا إلى ذلك ونصحهم، تحدّث إليهم الإمام قبل الحرب وجاء بالدليل، كان كثير منهم عديمي الفهم وجهلة، ولم يكن ذلك الحجاب قد اكتمل لديهم، كان لا يزال رقيقًا ولطيفًا، وكان فيهم أمل، وكان وجدانهم لا يزال حيًّا، فتحدّث أمير المؤمنين قال أيّ ذنبٍ فعلت أنا أخبروني؟ بكل هذا الوضوح، اثنان في اثنين تساوي أربعة، ففي النهاية أنتم تريدون أن تقطعوا رأسي وتعدموني، لا بأس ولكن أخبروني ففي النهاية في كلّ محكمةٍ يذكرون أوّلاً التهمة، لقد ارتكبتَ هذا الخطأ، ارتكبتَ هذه المعصية ولا بدّ أن تعاقب بهذا العقاب، فماذا ارتكبت أنا؟ قالوا أنت صالحت معاوية، قال أنا صالحت أم أنتم؟ ألم آمركم أن ترموا المصاحف بالنبال؟ فمن الذي رفع فوق رأسي السيوف وقال إمّا أن تقول لمالكٍ أن يتراجع وإمّا أن نقتلك بسيوفنا، ألم تكونوا أنتم؟ قالوا: عجيب! ـ فقد كانوا هم ـ إنّه يقول حقًّا. فتراجع ثمانية آلاف رجل من هؤلاء الاثني عشر ألفًا، كان هناك أربعة آلاف من أصحاب الحجاب القويّ وإلا فهم أيضًا كانوا من هؤلاء فلماذا تراجع ثمانية آلاف وبقي أربعة آلاف هل يختلف دمهم، هل تختلف خلاياهم، هل يختلف فكرهم؟ كلا، ذلك الحجاب صار شديدًا بحيث إنّ سهام نصيحة أمير المؤمنين لم تستطع أن تخترقه، ولكن أولئك اخترقتهم الكلمات ودخلت في آذانهم وفجأةً انقلبوا وتغيّروا، عجيب إنّه يقول حقًّا فلماذا نعدمه؟ قالوا: يا عليّ لقد أخطأنا ونريد أن نمضي وشأننا. فقال: حسنًا تفضلوا.

لماذا يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد؟

13
  • بقي أربعة آلاف قالوا: لا، يجب أن نقاتلك ولا نعي ما تقول، لماذا لا نعي ما تقول؟ ليس أنّهم لا يدركون بل يدركون جيّدًا ـ التفتوا ايّها الرفقاء جيّدًا هنا أريد أن أقول الكلام الذي يجب أن أقوله. هؤلاء أيضًا يدركون جيّدًا ولكنّهم، يحسبون حسابًا أننا إذا تراجعنا عن كلامنا فماذا نقول؟! هنا يقع الإنسان، هنا يجب أن يساعد الله الإنسان، وهنا يجب أن يتجاوز الإنسان لأنّ هؤلاء أيضًا كان لديهم الاستدلال نفسه ولم يكن يختلف. لماذا تراجع هذا وسمع كلام أمير المؤمنين لأنّه يقول لو رجعت الآن وقلت لقد قتلت هؤلاء الأربعة فإنّهم سيقولون سلمت يداك لماذا لم تقل هذا من البداية؟ فهذا ما يجعله يبقى، هذا هو الحجاب، هذه هي الموضوعيّة، هذه هي الهالة من الشخصيّة التي تحوم حول الإنسان وتحرمه من أهدافه الأولى ومن نواياه الأولى وتُوجد له هدفًا جديدًا شيطانيًّا وتحبسه في هذا الحجاب الشيطانيّ وتقفل عليه وتأخذ المفتاح. فليقولوا ما يشاؤون لا يهمّني شيء، لا يهمّني شيء، أصلاً لا يهمّني شيء. أنتم تقولون ما لا فائدة منه، ماذا تريدون أن تقولوا؟ تريدون أن تقولوا نحن أخطأنا، نعم نحن أخطأنا. ولكن وقفنا هكذا عند كلامنا فماذا تقولون؟ ماذ يصنع الإنسان؟ لا يمكن للإنسان أن يذبح نفسه؟ ففي النهاية لكلّ شيءٍ حدّ. هنا رأى أمير المؤمنين أنّ الأمر انتهى إلى النفس والنفسانيّة، فلم يعد هناك حلّ سوى السيف، لقد خرج الأمر عن حدّ الكلام والنصيحة واللسان، هنا يجب أن يقول أنا فقأت عين الفتنة، من الذي يمكنه أن يفقأها، من الذي يمكنه أن يقف أمام أصحاب صلاة الليل، وأمام قراءتهم للقرآن وبكائهم بعد هذه القراءة ولا يرتجف بدنه؟ من يمكنه ذلك؟ فلنحسب، ولكنّه أمير المؤمنين الذي لديه جهازٌ يكشف الكاذب المخادع ونحن لا نمتلكه. هذا القرآن الذي يقرأه في النفس، هذا البكاء هو في النفس، نحن لا نمتلك هذا الجهاز فنذهب ونقتدي به، نقتدي به. ثم بعد أن تمضي بضعة سنوات نقول يا ويلنا ماذا حدث؟ هذا هو؟ هذا إذا أخذ الله بأيدينا، هذا هو الذي كان بتلك الحال! ولكنّ أولياء الله من البداية لديهم هذا الجهاز، بمجرّد أن ينظروا إليه يقولون اخرج، ولا يجعلونه ينتظر من هو هذا؟

لماذا يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد؟

14
  • انخداع أحد تلامذة العلاّمة بظاهر أحد الناس وظنّه وليًّا

  • عندما كنّا في مشهد، في تلك السنوات اليسيرة التي كنت خلالها في مشهد بعد قم، جاء أحد أصدقاء المرحوم العلامة بواحدٍ من أولياء الله ليزوره المرحوم العلامة، من أولياء الله! وطبعًا وفّقت أنا بزيارته أوّلاً، فقد جاء إليّ في البداية، ذهبنا وما إن وقعت أعيننا عليه قلنا من هذا؟ وفجأةً بدأت يده ترتجف ـ وطبعًا لا أني أمتلك من ذلك الجهاز ولكن في النهاية كان أمره واضحًا إلى حدّ يدركه أيّ إنسان فلا يصل الدور إلى الأعاظم ـ فاحمرّ لونه فجأةً واضطرب ومضى ذلك اليوم، وطبعًا تحدّثت معه قليلاً ولم يسرّ بكلامي، فوليّ الله هذا لم يُظهر الرضا من مجالستنا، وفي اليوم التالي جاء به أحد الرفقاء، ما إن وصل إلى العلامة حتى بدأ بالحديث عن الخزعبلات والمزخرفات ولم يكن المرحوم العلامة يتهاون مع أحد، فوفّاه حسابه، فأدرك ذلك الرجل أن يا للويل، هذا رجلٌ فاضلٌ وعالمٌ. عندما رأيت أنّ ذلك الصديق قبّل يده وبحالةٍ من الأدب... لماذا؟ لأنّ هذا المسكين لا يمتلك ذلك الجهاز، ينظر إلى اللحية، ينظر إلى مجلس العزاء، حيث يُذكر اسم إمام الزمان، فتنهمر الدموع من عيني هذا الرجل فيقول انظر! ليس لديه جهازٌ ليُدرك أنّه خاوٍ، أنّه طبلٌ وجلدٌ فقط له صوت يضربون عليه بالعصا فيرتفع صوته ولكن لا شيء فيه. يريد أن يأتي به كوليٍّ للّه وكان يريد أن يأتي المرحوم العلامة لزيارته وقد احترم المرحوم العلامة قليلاً فجاء به إليه.

  • هذه الأمور التي أذكرها ليست تاريخًا وقصّةً، علينا أن نلتفت ونهتم، فالأمر دقيقٌ جدًّا وحسّاسٌ جدًّا.

  • كنت أريد أن أتكلّم بأمورٍ أخرى، ولا شكّ أنّ الرفقاء ملتفتون أنّ وضعي لم يعد يسمح ولم يعد لديّ رمقٌ أكثر من هذا، والأمر الذي كنت قد وعدت الرفقاء بالحديث عنه وأنّه كيف يسبّب السلوك تثبيت الإنسان إن شاء الله يبقى إلى الجلسة القادمة بحول الله وتوفيقه.

  • نسأل الله أن لا يكلنا إلى أنفسنا فهذا الأمر مهمٌّ جدًّا وقد كان النبيّ وخصوصًا في شهري رجب وشعبان يقرأ هذا الدعاء كثيرًا: "اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عينٍ أبدًا." يعني هذا، يعني خذ أنت بيدك أفكارنا، وأصلح نيّاتنا، وباشر أنت قلوبنا، وخذ أنت قلوبنا، وهيّء لنا ما في صلاحٌ لطريقنا ولنا ووفّقنا واحفظنا مما يوجب الاعوجاج في طريق أوليائك ومسيرهم.

لماذا يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد؟

15
  • اللهم صلّ على محمد وآل محمد 

  •