1

ما هي حقيقة الولاية التكوينيّة؟

وانقسام الأوامر الإلهية إلى تكوينية وتشريعية

3386
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسممباني الإسلام

المجموعةالولاية التكوينية و التشريعية

التاريخ 1413/01/01

جلسات المجموعة(2 جلسة)

التوضيح

ما هي حقيقة الولاية التكوينيّة؟ وما هي مراتب هذه الولاية والفوارق بينها؟ ومن الذي يمكنه أن يحوز هذه المراتب؟ هل يعرف الولي ما يجري مع تلامذته؟ وهل يمكن أن لا يوجّههم ويبيّن لهم الصواب؟ ما معنى قولهم أنّ النفس الإنسانية ترابية في حدوثها؟ وكيف يمكن للإنسان أن ينطلق من هذه النفس الترابية ليصل إلى نفس إلهية؟ أسئلة أجاب عنها سماحة آية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني رضوان الله عليه في هذه المحاضرة في الأول من محرم سنة 1413 هجري، بالإضافة إلى مواضيع أخرى.

/۱٦
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

ما هي حقيقة الولاية التكوينيّة؟ - وانقسام الأوامر الإلهية إلى تكوينية وتشريعية

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • ما هي حقيقة الولاية التكوينيّة؟

  • وانقسام الأوامر الإلهية إلى تكوينية وتشريعية

  •  

  • الولاية التكوينية و التشريعية – سنة ۱٤۱٣ هـ ق - الجلسة الأولى

  •  

  • محاضرة ألقاها

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

ما هي حقيقة الولاية التكوينيّة؟ - وانقسام الأوامر الإلهية إلى تكوينية وتشريعية

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللَه مِنَ الشَّیطانِ الرَّجیم‌

  • بِسمِ اللَه الرَّحمَنِ الرَّحیم‌

  • وصلَّى اللَه عَلَى سیدنا و نبینا أبي القاسم مُحَمّدٍ

  • وعلى آله الطّیبین الطّاهرین و اللعنة عَلَى أعدائِهِم أجمَعینَ‌

  •  

  •  

  • قال اللَه فی کتابه‌ ﴿وَ إِذْ قالَ رَبُّك لِلْمَلائِكةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ، فَإِذا سَوَّيتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ﴾ (سورة الحجر، الآيتان ٢٨ و ٢٩)

  • نحن في أيام محرّم الحرام وهي مرتبطة بسيّد الشهداء عليه السلام، ولأجل رفع البلاء عن شيعة أمير المؤمنين وتعجيل فرج الإمام صلّوا على محمّد وآل محمّد.

  • يكشف الله تعالى في هذه الآية الشريفة التي تحتوي على أهم وأدقّ المعاني العرفاية والدينية، النقاب عن أحد الأسرار والمسائل الهامّة، بل يمكن القول بحسب فهمنا وإدراكنا، بأنّ هذه الآية القرآنية قد تكون أدقّ وأهمّ آية في القرآن المجيد.

  • وبحسب رأيي فإنّ النكتة الموجودة في هذه الآية هي أنّه لماذا نسب الله تعالى فيها الخلق إلى نفسه، والحال أنّنا لا نرى هكذا تعبير في بيانه لخلق سائر المخلوقات، بل نرى في آية أخرى يقول: ﴿لِما خَلَقْتُ بِيدَيّ﴾ (سورة ص، الآية ٧٥)، فما المراد من هاتين اليدين؟ وحتى نجيب على هذا التساؤل والإشكالات الممكن طرحها في هذا المبحث، لا بد من ذكر هذه المسألة التالية من باب المقدمة.

  • انقسام الأوامر الإلهية إلى تكوينية وتشريعية

  • إنّ أوامر الله تعالى تنقسم إلى قسمين: أحدهما الأوامر التكوينية، والأخرى الأوامر التشريعية. والمراد بالأوامر التكوينية ذاك المقام الذي تم من خلاله إيجاد تمام الموجودات، فالتكوين يعني الإيجاد، ويعني الخلق، ﴿إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيئاً أَنْ يقُولَ لَهُ كنْ فَيكونُ﴾ (سورة يس، الآية ۸٢). هكذا هو أمر الله وعنايته بالأمور، وفيض الله يتحقّق بهذا الشكل، فإذا أراد شيئاً يكفي أن يحصل لديه الصورة الماهوية وتتجسّم لديه الصورة الماهوية التي هي عبارة عن وجود هذا الشيء في الخارج ـ طبعاً ليس المراد بالتصوّر المعنى المصطلح المعروف لدينا ـ فعندما يريد شيئاً ويتصوّره يتحقّق خارجاً، ومجرّد إرادة تلك الصورة هو عبارة عن ظهورها الخارجي وتحقّقها؛ أن يقول له كن فيكون، هذا هو أمر الله.

ما هي حقيقة الولاية التكوينيّة؟ - وانقسام الأوامر الإلهية إلى تكوينية وتشريعية

3
  • في الأوامر التكوينية لله لا دخالة لأي أمر خارج غير إرادة الله، بل إرادة الله فقط وفقط، لا حاجة إلى رفع الموانع، ولا حاجة إلى العلل والأسباب والمعدّات والتي كل واحدة منها لها أمور ومسائل خاصّة، بل إنّ نفس إرادة الله لشيء مساوٍ لوجود ذلك الشيء في الخارج.

  • ﴿ثُمَّ اسْتَوى‌ إِلَى السَّماءِ وَ هِي دُخانٌ فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كرْهاً قالَتا أَتَينا طائِعِينَ﴾ (سورة فصلت، الآية ۱۱) عندما كانت السماء وتمام العالم دخاناً في تلك النشأة الأولية لعالم الناسوت والملك، نظر الله تعالى إلى ماهية الأشياء وباطنها ـ كما هو الحال في آية ﴿أَ لَسْتُ بِرَبِّكمْ قالُوا بَلى‌﴾ (سورة الأعراف، الآية ١٧٢) ـ عندما نظر الله إلى باطن الأشياء أعم من الجماد والنبات والحيوان وأعم من السماء والأرض، خاطب باطن الأشياء: ﴿ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كرْهاً﴾؛ يعني إما أن تكونوا تحت طاعتي طوعاً منكم أو تكونوا كرهاً، لن يختلف الأمر عندي. فعندما يريد المقام الربوبي أن يتجلّى فلن يكون لذلك الشيء أي اختيار من نفسه، بل ينبغي أن يكون تحت إرادة ذلك المقام الربوبي سواء كان طائعاً أم مكرهاً. ائتيا يعني يجب أن تدخلوا تحت طاعتي وتحت تصرّفي، وكل ما أريد أن أفعله وأتصرّف به فيكم يمكنني أن أفعله سواء كان ذلك برضاكم أم برفضكم وكرهكم.

  • معنى الإتيان طوعاً أو كرهاً هو القبول بولاية أمير المؤمنين وعدمه

  • وهنا أشير فقط إلى هذه المسألة وهي أنّ هذه الآية تشتمل على الإشارة إلى مقام الولاية، حيث قسّمت هذه الآية الموجودات إلى قسمين، قسم قَبِل بولاية أمير المؤمنين ولو كان من الجماد، وقسم آخر لم يقبل بها.

  • ويوجد هنا رواية عجيبة جداً الآن خطرت في ذهني من المناسب أن أذكرها لكم، طلب أمير المؤمنين يوماً من قنبر أن يشتري بطيخة من السوق وعندما فتح البطيخة كانت مرّة غير مستساغة للأكل فرماها جانباً، فأعطاه درهماً آخر وطلب منه أن يذهب مرة أخرى إلى السوق ويشتري بطيخة غيرها، وفي المرة الثانية كانت أيضاً مرّة، فخجل قنبر من الذهاب مرّة ثالثة، وقال أنا لست خبيراً بالبطيخ ولا أبي كان زارعاً للبطيخ لذا كان ما اشتريته مرّاً، فذهب الإمام وذهب معه قنبر فتناول بطيخة وعادا بها إلى المنزل ولما فتحها الإمام تعجّبوا من حلاوة طعمها ولذّته، وقالوا انظروا إلى البطيخة التي اختارها أمير المؤمنين لا يوجد ألذّ منها طعماً، فخجل قنبر واعتبر أنّه كان السبب في مرارة ذلك البطيخ المرّ! فقال له الإمام ليست المسألة بيدك، كنت أنت وسيلة فقط، وأما مسألة فساد البطيخ فله سبب آخر؛ وهي تنشأ من مكان آخر. ثم بيّن له الإمام بأنّ الله تعالى عندما خلق الأرض عرض عليها ولايتي، فكل من قبل بولايتي صار ثمره لذيذاً ومرغوباً، وكل أرض لم تقبل بولايتي فسد ثمره وصار مرّاً أو مالحاً ولم يعد صالحاً للاستفادة منه، ثم قال الإمام وهكذا عرضت ولايتنا على الحيوانات وعلى الجنّ والإنس، لا فقط على خصوص بني آدم، وأنّ المخاطب بالقبول بولاية الإمام هو الإنسان فقط۱.

    1. الاختصاص الشيخ المفيد ص ٣٤٩: عن عمران اليشكري عن أبي حفص المدلجي عن شريف بن ربيعة عن قنبر مولى أمير المؤمنين عليه السلام قال: كنت عند أمير المؤمنين عليه السلام إذ دخل رجل فقال: يا أمير المؤمنين أنا أشتهي بطيخا، قال: فأمرني أمير المؤمنين بشراء فوجهت بدرهم فجاؤونا بثلاث بطيخات، فقطعت واحدا فإذا هو مرّ، فقلت: مر يا أمير المؤمنين، فقال: ارم به، من النار وإلى النار، قال: وقطعت الثاني فإذا هو حامض فقلت: حامض يا أمير المؤمنين، فقال: ارم به، من النار إلى النار، قال: فقطعت الثالثة فإذا مدودة فقلت: مدودة يا أمير المؤمنين، قال: ارم به، من النار إلى النار.
      قال: ثم وجهت بدرهم آخر فجاؤونا بثلاث بطيخات فوثبت على قدمي فقلت: اعفني يا أمير المؤمنين عن قطعه - كأنه تأثّم بقطعه - فقال له أمير المؤمنين: اجلس يا قنبر فإنها مأمورة، فجلست فقطعت فإذا هو حلو، فقلت: حلو يا أمير المؤمنين فقال: كل وأطعمنا، فأكلت ضلعا وأطعمته ضلعا وأطعمت الجليس ضلعا.
      فالتفت إلي أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا قنبر إن الله تبارك وتعالى عرض ولايتنا على أهل السماوات وأهل الأرض من الجن والإنس والثمر وغير ذلك فما قبل منه ولايتنا طاب وطهر وعذب، وما لم يقبل منه خبث وردي ونتن.

ما هي حقيقة الولاية التكوينيّة؟ - وانقسام الأوامر الإلهية إلى تكوينية وتشريعية

4
  • هذه مطالب واقعية لن ندخل فيها الآن، من الممكن أن نتحدّث حولها لاحقاً إن شاء الله، لكن لا أعدكم بذلك.

  • كان ببالي أن نبحث مطلباً آخر، ولعلنا نتعرض لهذه المطالب أيضاً ضمن البحث عن مسألة العلّيين والسجّين.

  • معنى الولاية التكوينية لله تعالى

  • وعلى كل حال فهذه المسألة: ﴿قالَتا أَتَينا طائِعِينَ﴾ (سورة فصّلت، الآية ١١)، لقد ذكر كتاب الله أنّهما قالتا كل ما تريد أن تفعله بنا أو تتصرّف فينا فقد قبلنا بذلك، وهذا التصرّف بمعنى أنّه لا بد من تحقّقه ولا مناص عنه، وهو عبارة عن تصرّف الله تعالى التكويني في الموجودات، وهو تصرّف لا حدّ له ويتحقّق بأي نحوٍ كان، فكل ما لدينا من أمور داخل تحت الأوامر التكوينية. 

  • لنفرض مثلاً شخص لديه صفات خاصّة، فهذه الصفات تكون داخلة تحت الأوامر التكوينية؛ هذا لونه أبيض وذاك لونه أسود، وهذا طويل وذاك قصير وهذا جميل وذلك ليس جميلاً.. جميع هذه الأمور والصفات داخلة تحت أوامر الله التكوينية؛ ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشَاءُ﴾ (سورة آل‌عمران، الآية ٦)، فالتصوير في الأرحام من مختصّات الباري تعالى فهو الذي يحدّد بأي ّكيفية يكون الخلق؛ فأحدهم يأتي إلى هذه الدنيا بحافظة قويّة والآخر يكون لديه حافظة ضعيفة، هذه كلّها داخلة تحت الأوامر التكوينية. وكذا نرى أنّ شخصاً استعداده عال، وآخر استعداده ضعيف. وبشكل عام جميع الغرائز والخصوصيّات التي لدى الإنسان والحيوان ولدى سائر الموجودات داخلة بتمامها تحت الأوامر التكوينية للباري تعالى، وهو الذي خلق كلّ موجود على أساس شاكلة معيّنة، ولا دخل للإنسان في هذه الأمور أصلاً بل هي أمور تكوينية صرفة. وهذه المسألة التكوينية تماماً مثل الأمور التكوينية التي نقوم بها نحن من التصرّفات والأعمال؛ يعني كما أنّه يمكننا أن نقوم ببعض الأفعال ـ سواء في أنفسنا أم في الخارج ـ فإنّها كلّها داخلة تحت الأمور التكوينية، فالتكوين بشكل عام يعني الإيجاد، ولكن كما ذكرنا التكوين بالنسبة إلى الباري تعالى يكون من خلال ﴿إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيئاً﴾ (سورة یس، الآية ٨٢)، من دون حاجة إلى أسباب وعلل أخرى، بل يكفي نفس إرادة الباري حتى يتحقّق ذلك الشيء في الخارج، أما بالنسبة إلينا نحن فليس الأمر كذلك، فإذا أردنا القيام بعمل معيّن علينا أولّاً أن نتصوّر ذلك العمل في ذهننا، ثم يجب أن يكون هناك علل وأسباب وتتحقّق المعدّات في الخارج حتى يمكننا تحقيق ذلك الفعل.

ما هي حقيقة الولاية التكوينيّة؟ - وانقسام الأوامر الإلهية إلى تكوينية وتشريعية

5
  • أفعالنا التكوينية بحاجة إلى معدّات وأسباب

  • مثلاً أنا الآن أتكلّم بهذه المطالب وأبيّنها لكم، لكن إيصال هذه المطالب إلى الذين ليسوا حاضرين معنا في هذا المجلس والجالسين في الطابق السفلي بحاجة إلى علّة وسبب، والسبب هو هذا المكبّر للصوت، فإذا لم يكن هذا المكبر للصوت موجوداً لن تصل المطالب إلى النساء الجالسين في الطابق السفلي، هذا أحد العلل والأسباب، ومن العلل والأسباب الأخرى وجود الهواء، فإن لم يكن الهواء موجوداً فلن أستطيع الكلام، فالهواء المنبعث من الحنجرة هو الموجب لصدور الصوت، وينبغي أن ترتفع الموانع عنها حتى يخرج الصوت من الحنجرة، لأجل توفّر هذه الأمور يسمع صوتي، وبناء عليه تتعلّق إرادتي بالكلام، وبالإضافة إلى إرادتي للكلام هناك مسائل أخرى ينبغي إضافتها وينبغي إضافة المعدّات ورفع الموانع. وبانضمام هذه إلى تلك يمكن لهذا الصوت أن يُسمع وينتشر، وأما إذا لم يتحقّق أيٌّ من هذه الأسباب فلن يُسمع الصوت أبداً.

  • وبناء عليه، لا شك في أنّ هذا الفعل الذي نقوم به هو أمر تكويني، وهو داخل ضمن المسائل التكوينية، لكن هناك فرق كبير بين فعل الله تعالى التكويني وفعلنا نحن، إذ يكفي في فعل الله نفس الإرادة فيتحقّق الفعل، أما نحن فليست الإرادة كافية في تحقّق الفعل، بل بحاجة إلى وجود سلسلة من العلل والأسباب. 

  • وكذا الحال بالنسبة إلى أفعال أولياء الله والأنبياء فليسوا بحاجة إلى وجود علل ورفع مانع، بل أفعالهم مثل فعل الله تعالى حيث إنّ نفس إرادة الولي والإمام عليه السلام موجب للفعل، ولو كان هناك ألف مانع، وحتى لو لم يتحقّق أيّ علّة وأيّ معدٍّ له، بل يكفي إرادة نفس الولي لكي يتحقّق ذلك الفعل المراد في الخارج.

  • ولاية بعض الأنبياء والأولياء بحاجة إلى معدّات

  • ونظير هذه القضية ما ذكره الله تعالى نقلاً عن النبي عيسى على نبيّنا وآله وعليه السلام حيث يقول: ﴿وَ رَسُولًا إِلى‌ بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكمْ بِآيةٍ مِنْ‌ رَبِّكمْ﴾ يعني أنا رسول إلى بني إسرائيل ومعي آية‌ ﴿قَدْ جِئْتُكمْ بِآيةٍ مِنْ رَبِّكمْ﴾ ما هي هذه الآية وهذه العلامة؟ هي: ﴿أَنِّي أَخْلُقُ لَكمْ مِنَ الطِّينِ كهَيئَةِ الطَّيرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيكونُ طَيراً بِإِذْنِ اللَه﴾، أجعل من التراب والماء طيناً، ثم أعجن هذا الطين وأجعل منه شكلاً كالطير؛ مثل العصفور أو الحمامة أو غيرهما، ولكن حتى الآن لم يصر طيراً فعلاً فقط شكله شكل طائر ـ التفتوا جيداً إلى هذه المسألة، لأني سوف أستفيد منها لاحقاً ـ صار بشكل طير لكن لم يصر طيراً بعد، ثم أنفخ فيه ﴿فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيكونُ طَيراً بِإِذْنِ اللَه﴾، وعندما أنفخ فيه يصير طيراً، يعني أنّ صيرورة هذا الطين طيراً كان بواسطة نفخي فيه، فتلك الحمامة والعصفور تحقّق بواسطة نفخي، أما قبل هذا النفخ لم يكن هذا الشكل سوى تراب وطين بشكل الطائر، ثم بواسطة هذا النفخ الذي نفخته فيه صار هذا الشكل حمامة أو عصفوراً.

ما هي حقيقة الولاية التكوينيّة؟ - وانقسام الأوامر الإلهية إلى تكوينية وتشريعية

6
  • ثم قال: ﴿وَ أُبْرِئُ الْأَكمَهَ وَ الْأَبْرَصَ وَ أُحْي الْمَوْتى‌ بِإِذْنِ اللَه﴾، فهذا العمل الذي قام به النبي عيسى على نبينا وآله وعليه السلام، أول ما قام به هو أنّه هيّأ بعض العلل والمعدّات الخارجية بيده لشكل الطائر، ثم بعد ذلك نفخ فيه من روحه، يعني أنّ هيأة الطائر وشكله كان موجوداً في الخارج ثم أتى النبي عيسى ونفخ فيه فصار طيراً، لكنّه استفاد نوعاً ما من المعدّات التي جعلت شكل الطائر من الطين، وهذا الأمر شكّل جزء السبب، والجزء الآخر كان الإرادة، ثم حصل النفخ، فتبدّل ذاك الشكل إلى طائر واقعي. فهذا الطائر من الناحية المادّية له وجود في الخارج، لكن من ناحية الحياة ونفس تحقّق الطائر في الخارج لم يكن له وجود، بل حصل وجوده بإرادةٍ من نفس الولي.

  • ولاية الإمام التكوينية كولاية الله تعالى ليست بحاجة إلى معدّات وعلل

  • لكن في بعض الموارد نرى أنّ إرادة الولي ونفَسَه لم يتعلّق بشيء خارجي، ففي هذه الحالة يكون الأمر أعلى وأعظم، مثل معجزة الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام أو معجزة الإمام علي بن موسى عليهما السلام عندما كان جالساً إلى جانب المأمون وقام ذاك الشخص بالاستهزاء بالإمام، فأشار الإمام إلى صورة أسد كانت على الستارة فصارت أسداً حقيقياً وافترس ذاك الرجل۱، فلا شك في أنّ هذا الأسد الذي افترس الرجل كان له جسم ووزن وشعر وقوائم، فمن أين أتى وزن هذا الأسد؟ فهل صورة الأسد التي على الستارة ليس لها وزن؟ لا بل هي مجرّد صورة لا أكثر، لكن هذه الصورة تبدّلت إلى وزن وإلى شعر وقوائم ولحم ودم، والحال أنّ الصورة ليس لها وزن ولو غرام واحد، بل هي محض صورة على الستارة، وهنا نرى أنّ المسألة تعتبر أدقّ من مسألة النبي عيسى على نبيّنا وآله وعليه السلام.

  • فعند النبي عيسى كان هناك وجود خارجي عبارة عن تراب وماء وشكل، غاية الأمر أنّ هذا الشكل من الطير لم يكن فيه نفس وروح، وقد تعلّقت به الروح من خلال مشيئة وإرادة النبي، أما هنا فلم يكن تراب أصلاً ولا ماء ولا أشياء خارجية، بل الموجود عبارة عن صورة على الحائط، تبدّلت تلك الصورة إلى حيوان مفترس أتى على ذاك الساحر.

    1.  أمالي الصدوق (ص ۱٤۸): ابن الوليد عن الصفار وسعد معا، عن ابن عيسى، عن الحسن، عن أخيه، عن أبيه علي بن يقطين قال: استدعى الرشيد رجلاً يبطل به أمر أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام ويقطعه ويخجله في المجلس، فانتدب له رجل معزم، فلما أحضرت المائدة عمل ناموسا على الخبز، فكان كلما رام خادم أبي الحسن عليه السلام تناول رغيف من الخبز طار من بين يديه واستفز هارون الفرح والضحك لذلك، فلم يلبث أبو الحسن عليه السلام أن رفع رأسه إلى أسد مصوّر على بعض الستور فقال له: يا أسد الله خذ عدو الله قال: فوثبت تلك الصورة كأعظم ما يكون من السباع، فافترست ذلك المعزم فخر هارون وندماؤه على وجوههم مغشياً عليهم، وطارت عقولهم خوفاً من هول ما رأوه، فلما أفاقوا من ذلك بعد حين، قال هارون لأبي الحسن عليه السلام: أسألك بحقي عليك لما سألت الصورة أن ترد الرجل فقال: إن كانت عصا موسى ردت ما ابتلعته من حبال القوم وعصيّهم، فإنّ هذه الصورة تردّ ما ابتلعته من هذا الرجل، فكان ذلك أعمل الأشياء في إفاقة نفسه.
      وقد نقل الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا قصّة شبيهة بها عن الإمام الرضا عليه السلام مع رجل في محضر المأمون (عيون أخبار الرضا، ج ٢، ص ۱٦۷ ـ ۱۷٢)

ما هي حقيقة الولاية التكوينيّة؟ - وانقسام الأوامر الإلهية إلى تكوينية وتشريعية

7
  • إذا كان الرفقاء يتذكّرون أنّي قد ذكرت كيفيّة السير النزولي والصعودي، لا أعلم متى ذكرت ذلك، لعلي ذكرته في شهر صفر؛ فقد أشرت إلى أنّه كيف يمكن للمعنى الذي يكون بدون صورة أن يتنزّل من العالم الربوبي ويتبدّل إلى صورة، ثم تتنزّل تلك الصورة وتلبس ثقل عالم المادّة، ثم بعد ذلك تعود وتخلع لباس المادّة وتتبدّل إلى صورة، وبعدها تخلع تلك الصورة وتعود مرّة أخرى إلى عالم المعنى المجرّد عن الصورة. أذكر أني أشرت إلى هذا المطلب يوماً ما، وذكرت أمثلة عليه، ولعلنا نشير إلى هذا الأمر أثناء كلامنا.

  • والحاصل أنّه هنا عندما تعلّقت إرادة الإمام الرضا عليه السلام بتلك الصورة المرتسمة على الستارة تبدّلت الصورة إلى جسم له وزن وله عظام ولحم ودم وشعر وجلد وأنياب، وافترس ذاك الرجل وجسمه وعظامه وبدّلها إلى عدم، ثم عاد هذا الأسد وتبدّل مرّة أخرى إلى صورة. فهنا نرى أنّ نفس هذا الأسد المفترس وذاك الرجل الذي افترسه قد استحالا عدماً بمجرّد تبدّل الأسد مرّة أخرى إلى صورة على الستارة. وهذه مرتبة من مراتب الولاية.

  • بعض مراتب الولاية العليا لا تحتاج لوجود شيء في تحقيق المراد

  • وهناك مرتبة أعلى منها، وهي أنّ الوليّ والمريد ليسا بحاجة إلى وجود صورة في الخارج، بل يكفي نفس إرادة الموجد حتى لو لم يكن هناك صورة أصلاً، فيتحقّق الوجود الخارجي للشيء من دون أن يكون له صورة في الخارج.

  • مثلاً ما نخلقه الآن في أنفسنا ونوجده في أذهاننا، هل له وجود خارجي؟ حتماً لا، بل النفس تبدع وتنشئ هذا الشيء الذي لا وجود له في الخارج وتوجده في ذاتها من دون أن يكون له صورة في الخارج، بل قد لا يكون له في عالم الخارج نظير أصلاً، ومع ذلك تأتي النفس وتخلق ذلك الشيء. 

  • حسناً، من أين تحصل نفس الولي على ذلك؟ وهل تأتي بها من عالم آخر غير عالم الملك، باعتبار أنّ تمام ما هو موجود في عالم الملك له تحقّق في مكان آخر ويحصل من ذاك المكان.. فهذه مسألة أخرى. لكن كلامنا في المقام هو في أنّ هذا الشيء التي تخلقه النفس ليس له وجود في الخارج حتى ولو بوجود صورة.

ما هي حقيقة الولاية التكوينيّة؟ - وانقسام الأوامر الإلهية إلى تكوينية وتشريعية

8
  • ويوجد الكثير من نظائر هذه المسألة، حيث يُنقل أنّ أحد تلامذة المرحوم السيد القاضي واسمه السيد إبراهيم كان قويّاً جداً، ويقال بأنّه عندما أتى إلى السيد القاضي للتتلمذ عليه كان لديه حالات عجيبة! لم يكن لديه عمل يسترزق منه، بل كان لديه بعض الرياضات التي أكسبته نورانية وقدرة، فكان عندما يشتهي شيئاً يتحقّق مباشرة، فإذا اشتهى سمكاً مثلاً كان يرى سمكة حاضرة للأكل أمامه! لم تأت هذه السمكة من مكان؛ لم تأت من البحر أو النهر، بل مجرّد إرادته هي التي جعلتها حاضرة أمامه. ومثلاً لو كان في الصحراء واشتهى بطيخاً أو شماماً يرى أمامه بطيخة وأمثال ذلك. كان يقوم بمثل هذه الأعمال، ولم تكن حياته صعبة، بل كان يحصل على كل ما يريده.

  • وفي يوم من الأيام كان يمشي مع السيد القاضي إلى جانب النهر في الكوفة، فقال له السيد القاضي سيد إبراهيم من أين تدبّر أمور حياتك؟ فقال له: الحياة تدبّر وتمرّ، فإلى الآن تم تدبيرها وقد مرّت وسوف تمر الأيام القادمة كما مرّت السابقة، ولم يجبه على سؤاله، لأنّه لم يكن يعمل ويكتسب، ومع ذلك كان يأكل ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين. ثم بعد أن مشى قليلاً أعاد عليه السؤال مرة أخرى، وأجابه بما أجابه سابقاً بأنّ الحياة تمرّ..

  • الولي يعرف تمام ما يجري مع تلميذه ولكنّه يتدرّج في بيان المطالب

  • يا عزيزي لقد سألك السيد القاضي مرّتين وفي كلتا المرّتين تجيب نفس الجواب، لكن السيد القاضي لم يترك المسألة، ولو تركها لخرّب الأمر عليه، فمهما أراد الإنسان أن لا يمتثل للوليّ والأستاذ فإنّ لطف ذاك الأستاذ أكبر، فهو لن يتركه. فإذا أخطأ الإنسان مرّة يتغاضى عنه وهكذا إذا أخطأ مرّة أخرى يتغاضى عنه، بل قد يتبسّم في وجهه ويظن الإنسان أنّه لا يعرف شيئاً، ولكنّه في الواقع يعلم حقيقة الأمر، فهو كما يقول الشاعر:

  • داند و خر را همی راند خموش***بر رخت خندد برای روی پوش
  • (يعلم بتمام أفكارك ولكنّه يسوق حماره بهدوء كأنّه لا يعلم، بل قد يضحك في وجهك أحياناً ليستر عليك)

ما هي حقيقة الولاية التكوينيّة؟ - وانقسام الأوامر الإلهية إلى تكوينية وتشريعية

9
  • فهو يعلم بالكثير من الأعمال التي قمت بها، لكنّه يأتي ويتحدّث إليك ويضحك ويمزح معك، وكأنّه لم يحصل شيء أصلاً، ما يجعلك تتجرّأ وتقول إنّ السيد لا يعلم بالأمر، لكن يا عزيزي السيد مأمور بالظاهر فعلاً ولم يُرد أن يستفيد من باطنه، فلا تعلم بأنّه يضحك عليك! ثم مرّة أخرى ييبيّن لك الأمر بإشارة وكناية.. فهؤلاء الأولياء لا يبيّنون المطالب بشكل مباشر وصريح، لقد تجلّى فيهم مقام الرحيمية ومقام الستّارية للباري تعالى فلا يُظهرون ما أخفيت من فعلك. ثم تذهب مرّة أخرى وتقوم بفعل آخر، ما يجعله ينبّهك بكناية أخرى، ولكن عندما يرى أنّ الكناية لا تكفي، يردفها بكلام أكثر صراحة، فإن سمعت فجزاك الله خيراً، وإلا ينتقل إلى أن يعبس في وجهك، وهنا يصير معلوماً لك بوضوح حقيقة الأمر، يعني ينبغي أن تبقى متنبّهاً.. فهذه المسائل من الجيد ذكرها، فهي مصداق لـ ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ﴾، فإنّنا لسنا أهلاً لهذه الأمور لكن لا أقل نطرحها، فقد أمرنا بطرحها وبيانها. والحاصل أنّ الولي يعبس في وجهك بعد أن يصدر منك شيء، وبعد مدّة إن صدر أمر آخر وحصلت مسألة جديدة، يقول لك: لا تعُد لفعل هذا الفعل، ثم تحصل قضية أخرى فيتعامل معك بقسوة أعلى، وإذا حصل بعدها قضية يتعامل معك بتخويف وتنبيه إلى أن تنحل المسألة، وما لم تنحل المسألة لا يمكن للأستاذ أن يدعها، وإذا أراد أن يدعها ويتركها لما كان تحمّل كل هذه المصائب والبلاءات بسببي وبسببك أنت.

  • ضرورة العمل لتحصيل المعاش

  • والحاصل أنّ المرحوم السيد القاضي لم يترك القضية، فلا بد في النهاية من تصحيح الأمر، وهذا هو عمله وهذه هي وظيفته.. يسأل: من أين تحصل على المال؟ كيف تمرّر أمور معاشك؟ أنا أسألك هذا السؤال مرّتين وأنت تجيبني بأنّ الحياة تُدبّر وتنقضي!؟ فأنا أعلم بأنّ الحياة تنقضي، لكن أريد أن أعرف كيف تدبّر أنت هذه الحياة والمعاش. فقال له إلى الآن أقضى الحياة بهذا الشكل: كل ما أريده يتحقّق مباشرة؛ مثلاً أكون ماراً بالقرب من النهر فأريد سمكة، فجأة أرى سمكة مقلية أمامي، أو أريد بطيخاً مثلاً فأرى أمامي بطيخة، فهزّ المرحوم السيد القاضي رأسه وقال حسناً والآن؟ فصار مهما أراد شيئاً لا يتحقّق؛ يريد سمكة يحصل له بدل السمكة هواء، يريد بطيخة لا يتحقّق شيء، فلم يعد يتحقّق شيء مما يريده، فكل ما كان لديه من قدرة ذهبت، قال الآن اذهب واعمل، فمن الآن لن يحصل لك شيء مجاناً وبلا تعب، بل عليك أن تعمل وتتعب لتحصل على لقمة حلال وتأكلها، لا يوجد بعد اليوم أريد فيحصل.. لذا نرى أنّ الأنبياء كانوا يشقون والأولياء كانوا يتعبون..

ما هي حقيقة الولاية التكوينيّة؟ - وانقسام الأوامر الإلهية إلى تكوينية وتشريعية

10
  • رحم الله المرحوم السيد هاشم الحداد أرواحنا فداه، فأي مصائب ومصاعب تحمّل في سبيل تحصيل معاشه! أين نحن من ذلك؟ يوجد شعر لمولانا يقول: 

  • درد این هجران و این خون‌ جگر***این زمان بگذار تا وقت دگر
  • (دع الآن الحديث عن ألم الفراق وعمّا أريق من دماء القلب إلى وقت آخر)

  • إذا أراد الإنسان واقعاً أن يستمع إلى المشاكل والمسائل التي حصلت للأولياء فسوف يدمى قلبه، فهم تحمّلوا هذه الأمور ووصلوا إلى هذه المقامات.

  • وبناء على ذلك ـ وهذا الذي أريد أن أقوله ـ لا يفرق الأمر بالنسبة إلى الله تعالى سواء كان هناك علل ومعدّات في الخارج أم لم يكن شيء منها، فإنّ كلاهما سواء عنده؛ يعني عندما تتعلّق إرادة الباري تعالى في إيجاد أمر في الخارج، يتحقّق هذا الأمر سواء كان بعض معدّاته موجودة أم لم يكن شيء منها موجود أصلاً. وهكذا الأمر بالنسبة إلى الولي، لماذا؟ لأنّ أمر الله تعالى من عالم الملكوت، ولا يرى أي رادع أمام ما يريد إيجاده، ولا فرق من ناحية إعمال المشيئة والقدرة بين أن يكون بعض المعدّات متحقّقة في الخارج كما هو الحال في قضية النبي عيسى، أم غير متحقّقة أساساً كما في قصّة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام، فالأمر لا يفرق لا بالنسبة إلى الله ولا بالنسبة إلى الولي، فكل منهما في مقام الإرادة والمشيئة عندما تتعلّق إرادته في ذاك الشيء سوف يتحقّق في الخارج، ولذا قرنت الآية المباركة بين هاتين القضيتين، وقابلت بين الآية التي تتحدّث عن تكوّن النبي عيسى عندما جاء الملاك إلى مريم ﴿قالَتْ رَبِّ أَنَّى يكونُ لِي وَلَدٌ وَ لَمْ يمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كذلِك اللَه يخْلُقُ ما يشاءُ إِذا قَضى‌ أَمْراً فَإِنَّما يقُولُ لَهُ كنْ فَيكونُ﴾ (سورة آل‌عمران، الآية ٤٧). حيث استوحشت مريم وقالت يا رب كيف أحمل ويصير لي ولد والحال أنّي لم أتزوج أحداً؟ قال كذلك الله يخلق ما يشاء، يعني أنّ الله تعالى خاطبها وقال لها إنّ هذا هو فعل الله وهكذا يفعل الله الأمور، فليس بحاجة في خلق الإنسان إلى زواج والتقاء، وعندما نريد أن نخلق لسنا بحاجة إلى رجل وامرأة، ولسنا بحاجة إلى أن تكون هناك حياة مشتركة بين الاثنين، فهذه الأمور هي للناس العاديين، أما أنا فأرفع من هذا الكلام ﴿إِذا قَضى‌ أَمْراً فَإِنَّما يقُولُ لَهُ كنْ فَيكونُ﴾؛ عندما تتعلّق إرادة الباري ومشيئته في شيء يقول له كن فيكون؛ سواء كان هناك أمٌّ دون أب أمْ كان أب دون أمّ، فمجرّد إرادة الباري يتحقّق المراد مباشرة.

ما هي حقيقة الولاية التكوينيّة؟ - وانقسام الأوامر الإلهية إلى تكوينية وتشريعية

11
  • لذا فقد شبّه القرآن قصّة النبي عيسى بخلق آدم حيث قال: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسى‌ عِنْدَ اللَه كمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كنْ‌ فَيَكُونُ﴾ (سورة آل عمران، الآية ٥٩)، لا فرق بين هذين الاثنين أبداً. في قصّة آدم لم يكن هناك وجود لآدم، لكن تعلّقت إرادة الله تعالى وخلقه من التراب، وفي قصّة النبي عيسى على نبينا وآله وعليه السلام لم يكن هناك أب ومع ذلك خلقه الله من بطن مريم دون أن يمسّها بشر ومن دون أن تتزوّج أساساً، ففي قصّة النبي عيسى نرى أنّه يوجد بعض العلل والمعدّات وهي نفس السيدة مريم، أما في قصّة آدم فلم يكن هناك شيء أصلاً، لم يكن هناك بشر، ومع ذلك أراد الله تعالى أن يفهمنا بأنّه لا فرق لديه حينما يريد شيئاً بين أن يكون هناك بعض المعدّات أم لا.

  • حقيقة الولاية التكوينية شاملة للتصرّفات الظاهرية والباطنية

  • قال المرحوم السيد الحداد يوماً: أنا أتعجّب من أولئك الذين يطلقون المعجزة على بعض الأمور ولا يطلقونها على الأمور الأخرى، مثلاً عندما تفتح حنفية الماء ويخرج منها ماء يقولون بأنّ هذا الأمر عادي ليس معجزة، أما إذا وقف أحدهم بالقرب من البئر ودعا الله ثم خرج الماء منه يقولون بأنّه معجزة.. يقال بأنّ المقدّس الأردبيلي كان يقوم بهكذا أفعال. لكن الأمر بالنسبة إلى الإنسان الموحّد لا يفرق، بل كلا الموردين من باب واحد؛ فتلك اليد التي تتحرّك نحو الحنفية تتحرك بمشيئة الله تعالى، وحينما تتحرّك الحنفية تتحرّك بإرادة الله، جميع تلك الأمور أمور تكوينية ومن جملة الأوامر التكوينية التي تنشأ من إرادة الباري تعالى، وبعد ذلك يخرج من تلك الحنفية الماء، خروج الماء من الحنفية لديه سلسلة من العلل والعوامل التي نشأت من عالم الملكوت وتحرّكت ووصلت إلى هذه الحنفية وخرجت منها حينما وضعت يدك عليها. حسناً ما الفرق بين هذا الأمر وبين الدعاء؟ فحينما تدعو ويخرج الماء من البئر، فهذا الدعاء ونفسك التي تدعو كلاهما يتعلّق بعالم الملكوت، حيث تبدأ سلسلة العلل والأسباب من عالم الملكوت وتحرّك الملائكة الموكلين بالأرض فيخرجون الماء من البئر فتستعمله وتتوضأ منه مثلاً، فما الفرق بينهما؟ هنا تحقّقت هذه السلسلة من العلل والأسباب بواسطة الدعاء حتى خرج الماء من البئر، وهناك تأتي تلك السلسلة من العلل والأسباب من ذاك العالم عبر تبخّر الماء من البحار والأنهار وتبدّلها إلى غيوم ممطرة، ثم تحمل الملائكة الموكلة بقطرات الماء هذه وتنزلها إلى الأرض، فتلك الملائكة النقّالة التي تنقل الماء من مكان إلى مكان، وتضع الماء في النهر، ثم تضعه في الأنابيب الموصولة بالمنازل. وهناك الملائكة التي تمثّل جنبة قادرية الباري تعالى، تأتي وتتجلّى فيك وتمدّك بقوّة في يدك لتفتح بها الحنفية.. كلّها سلسلة من العلل والعوامل، فأيّ فرق بين الحالتين؟ ففي كلتا الحالتين هناك سلسلة من العلل، وفي كلتا الحالتين حصل ما حصل بأمر تكويني، غاية الأمر تختلف صورة ذلك الأمر التكويني؛ فهنا تعلّق الأمر بنفسك وفعلك، بينما هناك حصلت تلك السلسلة من العلل بدون اختيارك ومن دون أن ترى الأسباب بعينك، فبما أنّك لا بصيرة لك ولا يمكنك أن ترى الواقع، تعتبر أنّ الأمر كان من الله تعالى وأنّه أمر غير عادي، والحال أنّ كلتا الحالتين من باب واحد لا فرق بينهما.

ما هي حقيقة الولاية التكوينيّة؟ - وانقسام الأوامر الإلهية إلى تكوينية وتشريعية

12
  • حقيقة النفس الناطقة الإنسانية من تراب

  • يقول في هذه الآية ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسى‌ عِنْدَ اللَه كمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ﴾، يعني أنّ نشأة الإنسان كانت من تراب، فهي تقول بأنّ آدم خلق من تراب، ولم تقل خلقت هيأة آدم من تراب. وهذا يعني أنّ أساس وأصل خلقة النفس الناطقة الإنسانية هي من هذا التراب الذي نراه ﴿خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كنْ فَيكونُ﴾. وبعد ذلك وبواسطة الحركة الجوهرية وذاك التغيير الذي ينبغي أن يطرأ على هذا التراب ليتبدّل إلى آدم منصبّ على تلك النفس الناطقة، فالخطاب بـ كن آدم وإن كان يعود إلى نفسه الناطقة، إلا أنّ أساس وأصل الخلقة كان من هذا التراب، فالله تعالى خلق هذا التراب ثم بدّل هذا التراب إلى آدم بقوله ﴿ثُمَّ قالَ لَهُ كنْ فَيكونُ﴾، يعني أنّ قوله كن هو كلمة فاصلة بين التراب وبين النفس الإنسانية، ولكن كل شيء يكمن في هذه الكلمة، فالأصل والأساس من التراب، ولكن بعد أن تعلّقت به كلمة كن تبدّل هذا التراب إلى إنسان ملكوتي، فهذا التراب تبدّل في سلسلة كماليته إلى إنسان:

  • از جمادی مُردم و نامی شدم‌***وز نما مُردم به حیوان سر زدم‌
  • مُردم از حیوانی و آدم شدم‌***پس چه ترسم؟ کی ز مُردن کم شدم؟
  • حمله‌ای دیگر بمیرم زین بشر***تا برآرم از ملائک بال و پر
  • بار دیگر از مَلک پرّان شوم‌***آنچه اندر وهم ناید آن شوم‌
  • پس عدم گردم عدم چون ارغنون‌***گویدم كه انّا الیه راجعون‌
  • (مثنوی الدفتر الثالث، ٣٩٠١)

  • (كنت جماداً فمتُّ وانتقلت إلى مرحلة النموّ، ثم متُّ وعدمت في مرحلة النموّ ووصلت إلى مرحلة الحيوانية

  • عُدمت من مرحلة الحيوانية وصرت آدمياً، فما خوفي من الموت؟ فمتى حصل لي نقص بالموت؟

  • في المرحلة القادمة سأموت وانتقل من البشرية، كي أصل إلى مرتبة الملائكة المحلّقين

  • ثم ينبغي أن أموت وأفنى من مرتبة الملائكة، حتى أصل إلى ما لا يتصوّره ويتوهّمه أحد

  • فينبغي أن أعدم وأفنى حتى أصير كالكمان الذي يصنع من الجماد ثم يصدح بالصوت الجميل، حتى يصير قول ﴿إنا إليه راجعون﴾ حقيقة متشخّصة في وجودي)

ما هي حقيقة الولاية التكوينيّة؟ - وانقسام الأوامر الإلهية إلى تكوينية وتشريعية

13
  • إن شاء الله في المطالب اللاحقة قد نتحدّث عن تغيّر الإنسان من الجماد إلى النبات ومن النبات إلى الحيوان، فعندما تكون حقيقة الإنسان عبارة عن روح الإنسان، بينما هذا الجسم هو عبارة عن جنبة خاوية فائدته تقتصر على أصل تكوّن الإنسان لا غير، دون أن يفيد شيئاً في بقاء هذا الإنسان، بل سوف يتم التخلّي عن هذا الجسم الترابي وعن الجهة النباتية والجهة الحيوانية فيه ليتبدّل إلى نفس قدّوسي وربوبي. وبناء عليه، لماذا نهتمّ كثيراً بهذا البدن؟ فهذا البدن عبارة عن تراب وسوف يتلاشى وعليه:

  • پس عدم گردم عدم چون ارغنون***گویدم كه انّا الیه راجعون‌
  • (ينبغي أن أعدم وأفنى حتى أصير كالكمان الذي يصنع من الجماد ثم يصدح بالصوت الجميل، حتى يصير قول "إنا إليه راجعون" حقيقة متشخّصة في وجودي)

  • فما يحصل للإنسان إنّما هو بسبب تخلّيه عن هذه الجنبة الحيوانية لكي يتبدّل إلى نفس ناطقة قدوسيّة، وعندئذٍ ماذا يفعل بالجسد؟ سواء أراد أن يكون له جسم مثالي أم لا، لا فرق في عدم حاجته إلى الجسد.

  • لقد تعرّض الحرّ بن يزيد الرياحي للإمام الحسين عليه السلام وهدّده بالقتل، فقال له الإمام أبالقتل تهدّدني؟ فأولياء الله لا يخافون من الموت! أراد الإمام أن يفهمه أتريد بدني هذا؟ تفضّل وخذه، لكن اعلم بأنّ يدك لن تصل إليه، بل لو اجتمعت كلّ قوى العالم فلن تصل أيديهم إليّ، والوحيد الذي يمكنه أن تصل يده إليّ هو الله تعالى لا غير. ثم تأتي أنت وتقول تريد أن تمعني من المسير؟ إنّ بدن الإنسان كالثوب الذي يلبسه ويخلعه ويلبس غيره، أو قد يأتي سارق إلى منزله ويسرقه فما الضرر الذي لحق الإنسان إذا سرق ثوبه؟ الإمام يقول: أبالقتل تهدّدني؟ ثم قال له لا قدرة لديك على أكثر من قتلي، وأنا لا أخشى من القتل، أتريد أن تخوّفني بالموت؟! لقد أخطأت ظنّك وأضعت سهمك، فأنا أكبر من ذلك وهمّتي أعلى من أن أنزل على حكم ظالم خوفاً من الموت. وهكذا كان أصحاب الإمام عليه السلام.

  • الإمام علي لم يكن يحسب لجسده حساباً

ما هي حقيقة الولاية التكوينيّة؟ - وانقسام الأوامر الإلهية إلى تكوينية وتشريعية

14
  • كنت يوماً أفكّر في أمير المؤمنين عليه السلام، فرأيت كيف كان ذاك الإمام! لقد كان عجيباً جداً، وإذا استطعنا أن نفهم هذه المسألة ونجعلها في أعماق وجداننا سوف تنحل أمامنا الكثير من المسائل. 

  • لقد بات الإمام أمير المؤمنين مكان النبي الأكرم، وكانوا طوال الليل إلى الصباح يرمونه بالحجارة الكبيرة، لكنّه لم يتحرّك من مكانه بتاتاً، وكان قصدهم من رمي الحجارة إلى الصباح أن يقضوا على النبي الأكرم، فتعجّبوا وتساءلوا ما هذه النومة التي ينامها النبي حتى أنّه لم يتحرّك مع كل تلك الحجارة التي ألقيت عليه، فكان الإمام يتحمّلها كلّها، وعندما أسفر الصبح رأوا أنّ الذي كان في الفراش هو عليّ! فقالوا أين محمد؟ قال لا أعلم.. والحاصل أنّ الإمام عندما سئل عن هذه الحادثة قال: إن تلك الليلة من أجمل الليالي التي بتّها في حياتي، لم يكن يمزح في هذا الكلام، يعني لو لم يكن أمير المؤمنين فرحاً في تلك الليلة لما قال ذلك الكلام، وكان يقول الحق عندما قال أجمل ليلة قضيتها في حياتي، والحال أنّه جرى في حياة أمير المؤمنين الكثير من الأحداث، لكن مع ذلك يقول بأنّها أجمل ليلة في حياتي. لماذا كان ذلك؟! كيف يمكننا تصوّر هذا الأمر؟ وكذا الحال عندما كان يدخل الإمام في الحرب، كان يغوص في جموع العدو دون أن يحسب حساباً؛ حيث ينقل بأنّه في معركة أحد كان لديه تسعون جراحة.. فهذه الأمور ينبغي أن يقتصر الإنسان على بيانها فقط، وإلا فهضمها وفهمها كما ينبغي في غاية الإشكال، تصوّر أنّه أصيب بتسعين جراحة في جسده يوم أحد! والحال أنّه ـ كما هو منقول في مصادر أهل العامّة ـ عندما أقفل المشركون عن المدينة راجعين إلى مكّة وكانوا على بعد فراسخ منها، استنفر النبي أصحابه مرّة أخرى وأمرهم باللحاق بالمشركين، فلبّى الأصحاب الذين لم يفرّوا في معركة أحد وارتدوا لامة حربهم وتحرّكوا. والنبي إنّما طلب ذلك منهم لكي يُعرف من فرّ يوم أحد ومن بقي منهم، وكان أمير المؤمنين أول من لبّى النداء والحال أنّ به تسعين جراحة! أما نحن فلو جرح منّا ظفرنا فقط لملأنا الدنيا صراخاً وعويلاً ولتخلّفنا عن الغزو ونمنا في بيوتنا بسبب هذا الجرح، أما أمير المؤمنين فمع ما به من تسعين جراحة عندما أتاه النداء كان أول من سارع بالتلبية، وكان يتّكئ على شخصين يستعين بهما ليصل.. لا يصدّق الإنسان ما هذه المسألة؟ والجواب الذي خطر في ذهني هو أنّ الإمام عليه السلام كان يتعامل مع بدنه بغير ما يتعامل مع نفسه، يعني ما قاله مولانا «متّ من الجماد وصرت نامياً» فالبدن جماد مهما كان هذا البدن، وعندما يفصل حساب بدنه عن حساب نفسه، نرى أنّه حتى لو ضرب هذا البدن بالسيف فسوف تبقى المسألة لديه كذلك. نعم إدراكها صعب جداً، وهذا ما أوصى به الإمام وقاله لولده: أعر الله جمجمتك، باعتبار أنّ جسم الإنسان عبارة عن الرأس، يعني قال: عندما تدخل في جموع الأعداء لا تفكّر في بدنك سواء أصيب بسهم هنا أو أصيبت عينك أم لا، وعندما لا تفكّر في بدنك فحتى لو أصيب بدنك بتسعين جراحة ـ كما في أحد ـ فكأنّك لم تصب ولن تنزعج مما أصابك، لا أنّك لن تحسّ بالجراح ولن تشعر بالألم، بل إنّه يتألّم منها، والله العظيم إنّ الألم الذي نشعر به عند الجراح يشعر به أمير المؤمنين دون فرق أبداً، لكن الكلام في أنّ هذه الجراح لن تؤثّر به، هذه هي المسألة. 

ما هي حقيقة الولاية التكوينيّة؟ - وانقسام الأوامر الإلهية إلى تكوينية وتشريعية

15
  • أصحاب الإمام الحسين لم يفكّروا بأنفسهم أبداً

  • الإمام الحسين عليه السلام يريد هكذا أفراد، يريد أفراداً لا يفكّرون بأبدانهم.

  • ينقل بأنّ الإمام جمع أصحابه وقال لهم: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ أَصْحَاباً أَوْفَى وَلاَ خَيْراً مِنْ أَصْحَابِي، وَلاَ أَهْلَ بَيْتٍ أَبَرَّ وَلاَ أَوْصَلَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي... ألا وإنّي قَدْ أذنتُ لكم فانطلقوا جَميعاً في حلٍّ ليس عليكم منّي ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، وإنّ القوم لا يريدون غيري فاذهبوا فإنّي مقتول بقيتم أم ذهبتم، ولو كان بقاؤكم يدفع عني الموت لما قلت لكم اذهبوا، لكن عندما لا تغنون عني ولا تدفعون القتل عني فاذهبوا فإن هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً. فأجابوه لو كان وجودنا معك لا ينفعك شيئاً فهل الأمر كذلك بالنسبة إلينا؟ لذا أجابوه جميعهم: لم نفعل ذلك؟! لنبقى بعدك؟! لا أرانا الله ذلك أبداً.

  • گفت ای گروه هر که ندارد هوای ما***سر گیرد و برون رود از کربلای ما
  • ناداده تَن به محنت و ناکرده ترک سر***نتوان نهاد تا به سر قرار ما
  • تا در جنون نشد به خونش نیافتند***این طواف در حرم کبریای ما
  • (نادى أيها الجمع: كلّ من لم يكن لديه الهوى الذي لدينا، فليذهب وليرحل من كربلائنا

  • من لم يَجُد علينا ببدنه في المحنة ولم يترك لنا رأسه، لن يستطيع البقاء على ما نحن عليه

  • وما لم يحصل لديه في كيانه الجنون والهيام، فلن يتمكّن من الطواف في حرم كبريائنا)

  • وفي هذه الحالة لن يستطيع أي إنسان أن يبقى، ولن يستطيع أي إنسان أن يستمرّ، بل يجب أن يترك تمام الشؤونات والحيثيات وراء ظهره، ولا يبقى في المقام سوى مقام الكبرياء المحض، وسوى حرم عزّة الحق تعالى. فإنّه لا يمكن أن ينسجم غير الحقّ مع حرم الحق، ولا مجال للشؤونات والحيثيات الخاصّة في مقام عزّة الحق. 

  • اليوم هو أول أيام محرّم، وهو يوم عزاء أهل البيت وشيعتهم، وقد ورد في العديد من الروايات أنّه عندما يهلّ هلال شهر محرم كان أهل البيت ينصبون خيمة للعزاء أينما كانوا، ويأمرون بنصب السواد في المنزل، وكانوا يدعون الشعراء لإنشادهم مراثي سيد الشهداء. وقد رأيت رواية أنّه في الأول من محرّم أتى الريان بن شبيب إلى الإمام علي بن موسى الرضا وقال له الإمام أتعلم أي يوم هذا يا ريان؟ هذا يوم شروع العزاء لنا أهل البيت على الحسين، فإنّه ذُبح كما يذبح الكبش وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا ما لهم في الأرض شبيه.

ما هي حقيقة الولاية التكوينيّة؟ - وانقسام الأوامر الإلهية إلى تكوينية وتشريعية

16
  • وقد ورد دعبل الخزاعي على الإمام الرضا وأنشده قصيدة في مصيبة سيد الشهداء عليه السلام:

  • أفاطم لو خلت الحسين مجدّلاً***وقد مات عطشاناً بشطّ فرات
  • إذن للطمت الخدّ فاطم عنده***وأجريت دمع العين في الوجنات
  • أفاطم قومي يا ابنة الخير واندبي***نجوم سماوات بأرض فلات
  • يخاطب فيها السيدة الزهراء عليها السلام انظري إلى أبنائك مجدّلين على رمال كربلاء وقد ماتوا عطاشى وهم بجانب النهر. 

  • ألا لعنة الله على القوم الظالمين وسيعلم الذين ظلموا آل محمد أيّ منقلب ينقلبون.

  • نسألك اللهم وندعوك ونقسم عليك ونرجوك بمحمد وآله الأطهار يا الله..

  • إلهي اغفر لنا وارحمنا، ولا تخرجنا من الدنيا حتى ترضى عنا، امسح بقلم عفوك على جرائم أعمالنا، ولا تحرمنا في الدنيا من زيارتهم وفي الآخرة من شفاعتهم، إلهي انصر الإسلام والمسلمين واخز الكفر والمنافقين، سدّد قائد الثورة لحفظ مباني الإسلام، اشف مرضى المسلمين، ارحم موتاهم وعجل في فرج مولانا صاحب الزمان واجعلنا من المنتظرين الواقعيين له بالنبي وآله.

  •  

  • اللهم صل على محمد وآل محمد