المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
المجموعةسنة 1429
التاريخ 1429/09/02
التوضيح
تبحث هذه المحاضرة في محورين:
الأوّل: كيف يقول الإمام إنّه أخرسه ذنبه والحال أنّه يتكلّم؟ وكيف يقول ذلك وهو المعصوم الذي لا ذنب له؟ وما هي الحقيقة التوحيديّة الدقيقة التي يكشف عنها بذلك؟
الثاني: ما هو السرّ في اتّحاد كلمات الأئمّة عليهم السلام وأدعيتهم ومواقفهم؟ وبماذا يختلف الأئمّة عليهم السلام بعضهم عن بعض؟
هو العليم
لماذا يخرس لسان الإمام عليه السلام أمام الله؟
اتّحاد الأئمّة في الولاية واختلافهم في الشاكلة
شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢٩ هـ. ق - الجلسة الأولى
محاضرة القاها
آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني
قدّس الله سره.
أعوذُ بِاللَه مِنَ الشَّیطانِ الرَّجیم
بِسمِ اللَه الرَّحمَنِ الرَّحیم
وصلَّى اللَه عَلَى سیدنا و نبینا أبىالقاسم مُحَمّدٍ
وعلى آله الطّیبین الطّاهرین و اللعنة عَلَى أعدائِهِم أجمَعینَ
«أدعوك یا ربّ راهبًا راغبًا راجيًا خائفا إذا رأيت مولاي ذنوبي فزعت وإذا رأيت كرمك طمعت فإن عفوت فخير راحم وإن عذّبت فغير ظالم».
هاتان الجملتان عبارة عن فقرة واحدة وهما مترابطتان وفي سياق واحد، وتدوران حول معنى واحد. فبعد أن أخبر الإمام في الفقرات السابقة عن وضعه بالنسبة إلى الله، يقول هذا أنا وهذا وضعي، فمن جهة لديّ أمل، ومن جهة أخرى هذه هي أوضاعي وأحوالي. من جهة لديّ رجاء، ومن جهة أخرى فإنّ أعمالي وسلوكي خلاف أمنيتي ومكنون قلبي.
كيف يقول الإمام إنّه أخرس والحال أنّه يتكلّم؟
«أدعوك يا سيّدي بلسان قد أخرسه ذنبه»، أدعوك بلسان قد أوقفه الذنب وجعله أخرس ألكن. فالخرس يعني عدم الكلام والأخرس هو الذي لا يتكلّم. لقد جعله الذنب هكذا، وإنّه لتعبير عجيب للغاية، مهما فكّرت في كلمات دعاء أبي حمزة الثماليّ هذا أقول حقًّا إنّ فكري لا ينتهي إلى مكان، ففكري ألكن، عجيبة هذه المعاني من الإمام، نحن نقرأها هكذا ونمضي، ويا لها من معان دقيقة وعجيبة يبيّنها الإمام هنا! فأنا عندما أتكلّم معكم الآن لست أخرس فكيف أصبح أخرس عندما أتكلّم مع الله؟ فالإمام يقول ذلك، «أدعوك يا ربّ بلسان قد أخرسه ذنبه»، فالإمام يتكلّم الآن، فكيف إذا وصلنا إلى الله يتوقّف لساننا فجأة؟ أفيمكن هذا؟ لا يمكن ذلك! ماذا يريد الإمام أن يقول هنا؟ بماذا يناجي الله هنا؟ ماذا يقول لله؟ أنا الآن أتكلّم معكم وهكذا أتكلّم مع الله فلست أخرس! اللهمّ اعف عنّي، اللهمّ تجاوز عنّي، اللهمّ اغفر ذنوبي، أتسغفر الله ربّي وأتوب إليه، فهذا ما نقوله الآن فلسنا خرسًا! فلماذا يقول الإمام: أنا أخرس؟! فهو يقول ذلك أيضًا؟ فهذه الأدعية التي يقرؤها الأئمّة وهذه المناجيات التي لدى الأئمّة، هذه المناجيات الخمسة عشرة في الصحيفة السجّاديّة لسيّد الساجدين الإمام زين العابدين يتكلّم فيها مع الله، ويناجي الله ويتحدّث إلى الله عن أحواله، فالإمام السجّاد وأمير المؤمنين والإمام الحسين جميعهم لديهم هدف واحد ومقصد واحد وغاية واحدة، فانظروا إليهم جميعًا ترون أنّهم يقولون كلامًا واحدًا، ليس فيه تغيير، فلا يأتي أحدهم ليقول اليوم كلامًا ثمّ يأتي غيره غدًا ليرفضه.
لماذا الاتّحاد بين كلام النبيّ والأئمّة صلوات الله عليهم وأولياء الله؟
يقول بعض الرفقاء: لقد جاء فلان من الرفقاء إلى إحدى المحافظات وتكلّم عشر جلسات بنحو من الكلام، ثمّ جاء آخر فتكلّم بنحو آخر ورفض كلام سابقه. فقلت له: عزيزي هناك سليقتان ونحوان من التفكير! فهل يجب أن يتكلّم الجميع بكلام واحد؟! فمن كان كلامه صحيحًا فاقبلوه، فلا أنا معصوم ولا الأصدقاء والرفقاء، ولم يدّع أحد ذلك ويجب أن لا يدّعى أيضًا، كلّ إنسان يتحدّث بحسب مستوى إدراكه ومن وجهة نظره، وكلّ إنسان له تركيبة خاصّة في النهاية.
أمّا الأئمّة إذا نظرت إليهم فهم يقولون كلامًا واحدًا، فالنبيّ قال كلامًا وجاء أمير المؤمنين فأكمله، والإمام الحسن كذلك، فلم يختلف بمقدار رأس إبرة يمينًا أو شمالاً. لماذا؟ وبتبعهم أولياء الله والعرفاء بالله والعلماء بأمر الله بهذا القيد، بهذا القيد لا ذاك الذي يقول: إنّ حديث «كان الله ولم يكن معه شيء»۱ يتنافى مع التوحيد، كلاّ يا عزيزي! نحن نحترم الجميع ولكن لكلّ إنسان حدوده. فمن كان عالمًا بالله وبأمر الله فإنّ كلامه وكلام الإمام واحد، لماذا؟ لأنّ هؤلاء جميعهم لا يتكلّمون من عند أنفسهم، بل يقولون من المصدر. والمصدر واحد وليس اثنين. فهذا الكوب الذي في يدي الآن ويراه الجميع، لو جاء الجميع بكؤوس وصببت لهم فيها فهل سيكون الماء مختلفًا؟ لماذا لا يختلف؟ لأنّ كوبه واحد، هذا الماء الذي في الكوب هو واحد، وصنبور الماء أيضًا واحد والماء الواحد يأتي منه، فهذا الماء الذي يجري في الأنابيب وتفتحونه أنتم هو ماء واحد، إنّه ماء واحد، فلو جعلتم عشرة كؤوس تحت هذا الصنبور فإنّها جميعًا واحدة، نعم يمكن لأحدهم أن يأخذ كوبًا وآخر كأسًا كبيرًا، وثالث كوبًا صغيرًا، ورابع إبريقًا وخامس بحرًا، فمن يأخذ بحرًا هو الإمام، أمّا نحن فلا بل نأخذ كوبًا صغيرًا ممّا يشرب فيه الشاي، لا بل كوبًا بحجم كشتبان الخياطة الذي تجعله النساء في أصابعها، أو الرجال وكلّ من يعمل في الخياطة.
سأل السيّد الحدّاد رضوان الله عليه أحدهم يومًا ما هو عملك؟ فقال: الخياطة. فقال وكان يحبّ المزاح كثيرًا:
هر كه كارش هى بوَد دوزندگی | *** | مردنش بهتر بوَد از زندگی |
والمعنى: كلّ من كان عمله الخياطة فموته خير من حياته.
كان السيّد الحدّاد يحبّ المزاح بطبعه، وكان يعرف كثيرًا من الشعر الفارسي، وخصوصًا لمولانا، فقد كان يقرأ شعر مولانا كثيرًا بلهجته العربيّة، ولكنّ بفارسيّة لطيفة جدًّا.
فنحن نأخذ بمقدار كشتبان، فسعتنا بمقدار كشتبان لو صبّت فينا قطرتان نمتلئ ويفيض الماء من جوانبنا فنظنّ أنّنا شيء مهمّ، نظنّ أنّنا شيء مهمّ، فلا يستطيع أحد بعدها أن ينظر إلينا، ولا يستطيع أحد أن يتكلّم معنا. يا عزيزي ذاك لديه بحار ولكن صوته لا يُسمع، جالس بهدوء.
الجميع واحد. ماذا تقول تلك الآية الشريفة؟ فليقل أهل الفضل والعلماء والفقهاء {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا}۱، ينزل من السماء ماء واحد، الماء الذي ينزل من السحاب، المطر الذي يهطل من السحاب هو واحد لا أكثر، الماء الذي ينزل من السحاب في قم لا يختلف عن ذاك الذي ينزل في أفريقيا وفي أميركا وفي مكّة، إنّه واحد، لا أنّ الأوكسيجين والهيدروجين الذي فيه يختلف، كلاّ فالسحاب سحاب، والسحاب هو عبارة عن الغيوم التي تحمل الماء والمطر، وهي تسبّب نزول الفيض ونزول البركات في الأماكن المتباعدة، وهي واحدة في جميع الأماكن أيضًا. كلّ إنسان يستفيد بحسبه وبمقدار سعته وظرفيّته، كلّ إنسان يستفيد بحسبه. فعندما يهطل المطر تحملون في أيديكم أوعية لتجمعوا من ماء نيسان، ألم تسمعوا بماء نيسان؟! ماء المطر فيه؟ فكلّ وعاء بمقدار سعته وحدوده ينال من هذا المطر، والأوعية تختلف في أحجامها.
والأئمّة عليهم السلام جميعًا يأخذون من مصدر واحد، والدعاء الذي يدعون به هو من مصدر واحد، فما يبيّنه النبيّ للنّاس يأتي بعينه عن أمير المؤمنين، وبعينه عن الإمام الحسن وبعينه عن الإمام سيّد الشهداء وبعينه عن الإمام السجّاد وهلمّ جرًّا، وبعينه الآن عمّن؟ عن إمام الزمان بقيّة الله، بعينه. الاختلاف ليس إلا في الزمان، الاختلاف في الزمان لا غير، وليس هناك أيّ اختلاف سوى ذلك، فاذهب إلى الإمام السجّاد وقل له أريد منك برنامجًا سلوكيًّا لطريقي، لسيري، ثمّ اذهب إلى الإمام الرضا فإنّه يعطيك البرنامج نفسه، يمكن أن يقول الإمام الرضا شيئًا مغايرًا في زمانه، ولكنّه مع ما قاله الإمام السجّاد واحد لو دقّقتم، فلو كان الإمام السجّاد في زمان الإمام الرضا لأمكن أن يغيّر كلامه، ولكنّه هو في ذاك الزمان يبيّنه بذاك النحو، وذاك هو عين هذا. ولو كان سيّد الشهداء عليه السلام هو الإمام لصنع مع معاوية ما صنعه الإمام الحسن المجتبى عليه السلام معه، ولما اختلف الأمر أبدًا، ولو كان الإمام المجتبى في زمان يزيد وبتلك الظروف لحدثت واقعة كربلاء وعاشوراء بعينها على يد الإمام المجتبى عليه السلام، فهذا هو الإمام. هذا هو الإمام. أي هو شيء واحد ونور واحد في أربعة عشر مظهرًا ومجلى، يسري نور واحد ويجري في أربعة عشر مظهرًا ومجلى، وذاك الهراء الذي يقال هنا وهناك من أنّ هذا حسنيّ وذاك حسينيّ وذاك كذا الزمان وأمثال هذا الكلام فلا معنى له وهو باطل، فإمام الزمان لا يختلف عن الإمام الحسين، وأمّا الاختلاف في الشاكلة والطبيعة فهو شيء آخر.
معنى اختلاف الشاكلة والطبيعة بين الأئمّة عليه السلام
هناك اختلاف في الشاكلة والطبيعة حتّى بين النبيّ وأمير المؤمنين، فأولاً هناك اختلاف في الجسم، فهل كان جسم النبيّ وجسم أمير المؤمنين واحدًا؟! لقد كان النبيّ طويل القامة، بينما كان أمير المؤمنين متوسّط القامة، فهذا الأمر الأوّل، وثانيًا في الشعر فقد كان النبيّ كثيف شعر الناصية، أمّا أمير المؤمنين فلم يكن هكذا، بل كان أنزع. لقد كان للنبيّ في كلامه طريقة خاصّة، فاقرؤوا نهج الفصاحة الذي هو كلمات النبيّ ولاحظوا أسلوب النبيّ الأدبيّ والبلاغيّ…، لقد كان للنبيّ أسلوب معيّن، بينما كان لأمير المؤمنين أسلوب آخر. فما هذا؟ هذه اختلافات، إنّها اختلافات ترجع إلى شواكل النفوس والخصائص الجسميّة لكلّ إمام عن الإمام الآخر، فشكل الإمام السجّاد يختلف عن شكل الإمام الرضا، وشكل الإمام الرضا يختلف عن شكل الإمام الهادي، وألوان وجوه الأئمّة عليهم السلام يختلف بعضها عن بعض، حتّى إنّ رغباتهم بأنواع الأطعمة تختلف، فالإمام الرضا عليه السلام كان يحبّ العنب، والإمام الصادق عليه السلام كان يحبّ التمر والرمّان أكثر من الآخرين، ونقل بعضهم أمورًا أخرى أيضًا، ولم نسمع شيئًا عن الإمام السجّاد، نعم تختلف الرغبات بالأطعمة، وليس لدينا أيضًا عن الإمام الهادي تحديد للطعام الذي كان يرغب به من تلك الفواكه وأمثالها، فكلّ إنسان هو بنحو معيّن، وكلّ إنسان له رغبته الخاصّة.
لماذا لا تختلف الولاية بين إمام وآخر؟
ولكنّ مسألة الإمامة ومسألة الإدراك ومسألة الشعور ومسألة الولاية الكليّة والتكوينيّة التي هي واسطة الفيض هل يمكن أن تكون مختلفة من إمام إلى آخر؟ هل يمكن أن تختلف؟ هل تلك الولاية محكومة للزمان والمكان؟ الولاية بنفسها هي الفاعلة للمكان والزمان، فكيف يمكن أن تكون خاضعة للزمان والمكان؟ كيف يمكن؟ الولاية هي موجدة المكان والزمان، هذا إن عددناهما أمرين واقعيّين، أمّا لو عددناهما اعتباريّين فالأمر أوضح. الولاية هي الموجدة للحوادث والظواهر المجرّدة والماديّة، فكيف يمكن أن تكون هذه الولاية متأثّرة بالمادّة ومتأثّرة بالحوادث الخارجيّة الماديّة؟ هذا مستحيل وممتنع ومحال. تمامًا كما لو كنّا نقول إنّ الأب هو من العلل المعدّة للابن وهو باعث على وجود الابن، ثمّ نقول كلاّ بل الابن هو الذي أوجد الأب، فهذا يصبح رائعًا جدًّا!! هل يمكن أن يصنع ابنٌ أباه؟! هذا مضحك جدًّا! فكّروا في ذلك وتأمّلوا فيه قليلاً، تأمّلوا قليلاً في أنّ ابنًا يقول: أريد الآن أن أوجد أبي! فهذا رائع جدًّا! لا يمكن ذلك.
والإمام عليه السلام هو نفسه واسطة الحوادث الخارجيّة، وفيض الله إنّما يتحقّق في الخارج من نافذة نفس الإمام، فكيف يمكن أن تكون ولاية الإمام منفعلة ومتأثّرة ومعلولة وتكون فيها حيثيّة انفعاليّة في عالم التكوين؟! إنّ حيثيّة الإمام هي حيثيّة فاعليّة، لا حيثيّة انفعاليّة. لذلك فإنّ جميع الأئمّة من مصدر واحد، فإن كان هناك غلط والعياذ بالله فهو عند الجميع، وإن كان هناك صواب في كلام الأئمّة فهو عند الجميع، عند النبيّ، عند أمير المؤمنين، عند الإمام المجتبى، كلّ هؤلاء يقولون حقيقةَ توحيد واحدة ويبيّنون معرفة واحدة وعقيدة واحدة وحكمًا تكليفيًّا واحدًا، فذلك الحكم التكليفيّ وتلك الأحكام التي يقولها النبيّ هي بعينها الأحكام التي يبيّنها الإمام الجواد بلا أيّ فارق، ولو كان هناك اختلاف لبطل التشيّع كلّه، ولكانت هناك مشكلة في جذوره.
الفارق بين أولياء الله وغيرهم
وأولياء الله الذين وصلوا إلى مرتبة البقاء والفناء في نفس الإمام عليه السلام هم أيضًا يقولون الكلام نفسه الذي يقوله الإمام، وأمّا غيرهم كهذا المتكلّم وأمثالي فهؤلاء لديهم مزج وخلط بين المعارف الصحيحة والسقيمة، فلا نحن نقول إنّ جميع معارفنا صحيحة، ولا نقول إنّ جميعها خاطئة، فلدينا معارف صحيحة وأخرى غير صحيحة، وهناك امتزاج بينها، ونحن جائزو الخطأ، ولا إشكال في ذلك أيضًا، وإن شاء الله لا يكون لدينا عناد وأغراض وأمراض، فلا إشكال في ذلك. فنحن استنادًا إلى ما لدينا من علوم ومرتكزات علميّة، وعلى أساس فهمنا الخاصّ وتأثّرنا بالجوانب المختلفة، نقوم بمزج كلمات الأعاظم وآيات القرآن وروايات الأئمّة وأحاديثهم ونخلطها ونؤلّف بينها ثمّ نلقيها. يمكن أن يكون ثلاثون بالمائة منها مطابقًا للحقّ، فنحن مخطّئة ولسنا مصوّبة۱ فما معنى المخطّئة؟ يعني المعتقدين بالتخطئة، القائلين بالخطأ، ومن معتقدات الشيعة وأصولهم الكلاميّة أنّهم قائلون بالتخطئة، والمجتهد يخطئ تارة ويصيب أخرى، فإن أصاب فله أجر، وإن أخطأ عفا الله عنه، وليس عليه تكليف أكثر من ذلك، إلا أولياء الله والذين فتحت أعينهم على ذلك المنشأ وذلك المنبع ووصلوا إلى ذلك النبع وذلك البحر ورأوا ذلك المبدأ والملاك، وصارت لديهم بصيرة باطنيّة وبصيرة سرّ وبصيرة قلب حول تلك الأمور، فهؤلاء يقولون عين ما يقوله الإمام عليه السلام، وهذا كلام يحتاج إلى بحث ونظر.
حقًّا إنّه لعجيب، فعندما تنظرون إلى الصحيفة السجّاديّة هذه وكلمات الإمام السجّاد عليه السلام هذه، فإنّ الإمام يقول: ـ والكلام هو حول ما تحدّثنا عنه في العام الماضي ـ «إلهي أدعوك بلسان قد أخرسه ذنبه»، حسنًا ألا يمكن للإمام أن يقول [شيئًا آخر]؟ الإمام لا يكذب ولا يمازح ولا يريد أن يلعب معنا، فهو لا يلعب معنا، بل يريد أن يخبرنا عن حقيقة، حقيقة شَعَرَ بها ولمسها.
هل الإمام عليه السلام ممثّل؟
وقد كنت ليلة أمس أفكّر وأنا في الطابق العلويّ بعد أن أتيت من مكان معيّن، كنت أفكّر في نفسي وأقول: هؤلاء الذين يقولون إنّ الأئمّة قالوا هذا الكلام لنا نحن، [ألم يفكّروا في أنّه] كيف يمكن أن يقول الإمام ذلك ويتأثّر به هو أيضًا؟! فالإمام لا يخدع نفسه، والإمام ليس من أهل التمثيل وصناعة الأفلام، هذا عملنا نحن، فنحن من جهة نصنع الأفلام ومن جهة أخرى نحن أنفسنا أفلام، فوجودنا نحن هو فيلم، والأمر رائع جدًّا! أمّا الإمام فليس كذلك، الإمام مظهر للصدق وموطن للصدق، وموطن للحقيقة، ولا يمكن للإمام أن يمثّل دور أحد أبدًا، أصلاً لا يمكن، أتعلمون لماذا؟ لأنّ من كان وجوده صدقًا فلا يمكن أن يظهر بصورة أخرى، أصلاً وجوده صدق، وجوده حقّ، وجوده حقّ، أصلاً ليس في وجوده مكر… ليس في وجوده شيء من ذلك، بل وجوده صافٍ صافٍ مثل الماء الزلال.
فما ينقل عن الإمام السجّاد عليه السلام عند الإحرام وعند التلبية وقول: لبّيك اللهمّ لبّيك، حيث رأوه فجأة يرتعش بدنه وقد تغيّر لونه، فيسأل عن سبب ذلك. فيقول: أنا خائف من أن أقول لبّيك ويقول الله لي: «لا لبّيك ولا سعديك»۱! فهل الإمام يمثّل لنا فِلمًا هنا في النهاية؟! فهذا جسده يرتجف وهذا جسمه يرتعش، وإنّه لنفاق إن كان يمثّل، فالنفاق يعني هذا اللعب والادّعاء بأنّهم قالوا ذلك لنا نحن. فما هو إحساس الإمام عندما يقول ذلك؟ فمتى ارتكب الإمام ذنبًا؟! متى يرتكب الإمام فعلاً محرّمًا حتّى يرتجف بدنه؟!
الفارق بين إحرامنا وإحرام الإمام عليه السلام
نحن نرتكب الحرام من الصباح حتّى المساء ثمّ نمضي مرفوعي الرأس مثل شجر الشمشاد إلى مسجد الشجرة وثوب إحرام على كتفنا وآخر على خصرنا ونقول: لبّيك اللهمّ لبّيك. ولا يهمّنا أن يهبط السقف على الأرض، كما أنّا نمنّ على الملائكة بأنّنا جئنا إلى هنا فالتفتوا واكتبوا جيّدًا، اكتبوا اسمنا في الأعلى، فقد جئنا وها نحن نعقد الإحرام، وانظروا فقد بذلنا المال! لقد بذلنا مليون تومان حتّى أتينا إلى هنا، إلى خير مكان لنكون سعداء، وها نحن نعقد الإحرام، وقد أتينا بأفضل الطائرات، وطبعًا ليس الآن، بل في العهود السابقة! في أفضل الأماكن وأفضل الفنادق، وقد قاموا الآن بأعمال كثيرة، وحقًّا يحتاج الأمر إلى توكّل، فتوكّل الإنسان على الله يرفعه كثيرًا، إنّه جيّد جدًّا! لقد بذلنا المال وأنتم عليكم أن تكتبوا فنحن لم نأت إلى هنا بالمجّان، بل بذلنا من رأسمالنا وها نحن الآن نقول: لبيك. ولا نبالي.
أمّا الإمام عليه السلام الذي لا يتأتّى منه ترك الأولى فكيف بالمكروه؟! ـ نعوذ بالله نعوذ بالله ـ وكيف بالحرام؟! الإمام عليه السلام في عصمة مطلقة فهل تدرون ما معنى العصمة المطلقة؟! يعني أنّه لا يترك البقاء بالله في الأربعة وعشرين ساعة طرفة عين، وحين يتكلّم معك فالله هو الذي يتكلّم معك وليس هو، وحين يتناول الطعام فالله هو الذي يتناول الطعام وليس هو، وحين ينام فالله هو الذي ينام وليس هو، هذا ما يسمّى البقاء بالله، وحين يكتب فالله هو الذي يكتب، يتكلّم والله هو الذي يتكلّم، يسمع والله هو الذي يسمع، «كُنْتُ سَمْعَهُ اَلَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَ بَصَرَهُ اَلَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَ يَدَهُ اَلَّتِي يَبْطِشُ بِهَا»۱ ورجله التي يمش بها وهكذا فهذا الإمام عليه السلام الذي لديه بقاء بالله، ولا بدّ من التدقيق في العبارات التي بيّنها الأعاظم، فما هو الشعور الذي لدى الإمام عليه السلام حين الإحرام حتّى صار جسمه يرتجف؟! أنا لا أدري! ما هي حقيقة الأمر حتّى يقول: إنّي أخاف أن يقول لي مخاطب هذا الكلام «لا لبّيك ولا سعديك». يقول الله لي: أنت تقول لبّيك عبثًا، وأنا لا أقبل منك لبّيك ولا أرحّب بك ولا أفسح لك المجال إلى قربي، فما هي حقيقة الأمر واقعًا؟
هذه الحالة وهذا الكلام بعينه يقوله الإمام عليه السلام هنا، حالة الإحرام تلك تأتي في هذه العبارة: «ربّ أدعوك بلسان قد أخرسه ذنبه». أنا بنفسي أقرأ. ألست أتكلّم؟! فأنا لست أخرس، أقول الكلمات وأجعل المفاهيم بعضها إلى جانب بعض، وأؤلّف الجمل.
ـ فأي أخرس أنت إذن؟!
لماذا لا يستطيع الإمام عليه السلام أن يتكلّم مع الله؟
أتدري ما هي حقيقة الأمر؟ ماذا يريد الإمام أن يقول؟
وطبعًا بحسب فهمنا نحن ونعوذ بالله نعوذ بالله أن أدّعي أنّي أعلم مراد الإمام السجّاد، أكون مخطئًا إذا أردت أن أبيّن مراده، ولكن ما وصل إليه فهمي هو هذا، ويمكن أن يكون لدى الرفقاء والأصدقاء فهم آخر.
يريد الإمام عليه السلام أن يكشف النقاب عن حقيقة توحيديّة، عن توحيد عجيب ودقيق، يقول: إنّ محاورة أيّة جهة هي بحسب مستواها وقيمتها، فتارة يأتيك طفل ويجلس عندك ويكون قد شرع للتوّ بالكلام فكيف تتكلّم معه؟ طفل افترض أنّه طفل فهل تقول له: يا بنيّ هل تعرف التعاليم الإسلاميّة والتكاليف الإسلاميّة المطابقة للمعتقدات والأصول العقليّة؟! فإنّه سينظر إليك ويقول: إلهي هل هذا أبي؟! هذا لسان حاله، رزق الله أبي قليلاً من العقل! تبدأ تتكلّم معه بالمناغاة وتقول له تاتي، بابا، ماما، وأمثال ذلك، ولا يمكنك أن تسمّي شيئًا، بل تقول الاسم الذي يمكنه أن يقوله هو بلسانه. هكذا تتحدّث معه، فإذا كبر قليلاً تتحدّث معه بعبارة أخرى، وإذا كبر أكثر وذهب إلى المدرسة الابتدائيّة وكبر أكثر فبلغ العشرين وهكذا كلّما كبر تغيّرت العبارات في الحديث معه، فهناك بين الرفقاء من رافقتهم منذ كونهم رضّعًا، ومنذ أن ولدوا أذّنت في آذانهم، والآن لهم من العمر عشرون أو خمس وعشرون سنة، فهل أكلّمهم الآن بذاك الكلام الذي كنت أكلّمهم به في طفولتهم، فلو جاؤوا إليّ الآن فهم طلاّب فضلاء أبحث معهم المسائل العلميّة فهل كانوا هكذا حينما كانوا رضّعًا؟! أو حينما كنت أحتضنهم وهم في الثانية أو الثالثة من العمر؟! كلاّ بل كلّما كبر وكبر تتغيّر الكلمات، ففي عمر السنتين تتحدّث معه بكلمات، وفي عمر الخمس سنوات تتغيّر، ولو كلّمته في سنّ العاشرة بكلمات ابن السنتين لضحك منك، وفي الخامسة عشرة تختلف الكلمات، وهكذا حتّى العشرين، وكلّما ازدادت معلومات الإنسان جعل كلامه مناسبًا لها.
والآن أنتم تتكلّمون معي، فهل لو كان والدي هو الجالس مكاني سيكون الأمر كما هو الآن؟! بيني وبين الله أين أنا منه؟ أين هو وأين أنا؟! إنّه إنسان في عالم آخر وفي فضاء آخر وفي أفق آخر، فعندما يجلس الإنسان معه يكون بنحو معيّن وعندما يتكلّم معه يكون بحالة معيّنة، فيختار الكلمات ويلتفت جيّدًا ويهيّئ نفسه شيئًا فشيئًا بنحو خاصّ.
ولو كان الإمام عليه السلام بدلاً منّي، كأن يأتي إمام الزمان ليلة الجمعة هذه ويجلس هنا بدلاً منّي ويشرح دعاء أبي حمزة الذي هو لجدّه فكيف سننظر إلى الإمام؟ فهذا آخر ما يمكن في النهاية، فهل هناك ما هو أرفع من ذلك؟ الأرفع من ذلك هو الله، وليس هناك أرفع، بلا ترديد، ليس هناك ما هو أرفع منه، فكيف ننظر إليه؟ كيف نتكلّم؟ أيّ كلمات نستعمل؟ أيّ مفردات نستعمل؟ أيّ مفردات نستعمل لمواجهة الإمام عليه السلام؟
الآن يقول الإمام: أنا أتكلّم معك، أنت مظهر الصدق، أنت وجودك مليء بالصدق، أنت وجودك مليء بالتوحيد، كلّ وجودك نور محض، كلّ وجودك بهاء محض، كلّ وجودك كبرياء محض وكمال وجلال محض.
عندما يأتي الإنسان إلى آخر وهو يتوقّع منه شيئًا ترى أنّ لونه تغيّر وكلماته تغيّرت، لأنّه محتاج إليه، كان هذا الرجل يسير في الطريق فلا أحد يسلّم عليه، والآن يرسلون إليه بطاقة يكتبون عليها اسمه بخطّ أخضر وأنّ السيّد فلان يشارك في هذا الأمر… لقد كان يمشي هذا الرجل في الطريق فكنّا إذا سلّم لا نردّ سلامه، والآن حصل على مقام ومنصب فنجد أنّ المقام أعطاه قيمة، عزيزي إنّه عين ذلك، دماغه هو نفسه، ولم يتغيّر قلبه وأمعاؤه ورأسه ورقبته ويده ورجله فماذا حصل؟! جاء من هنا وجلس هنا، قام عن الأرض وجلس على الكرسيّ لم يختلف الأمر، إنّه هو.
فانظروا الآن الإنسان يريد أن يتحدّث مع الله، فماذا يستلزم الحديث مع الله؟ وما هي الاستعدادات التي يتطلّبها؟ هنا يرى الإنسان أنّ لسانه لا يعمل، لماذا؟ ذلك اللسان الذي عصى لا يمكنه أن يتكلّم مع الله، فماذا يقول لله؟ ماذا يقول؟ ذلك اللسان الذي تحرّك بغير رضا الله لا سبيل له إلى ساحة الطهارة المطلقة، وليس المراد اللسان بنفسه، فاللسان يحكي عن النفس، وإلا فهو مجرّد آلة من الآلات، هو لم يذنب، هو عضو من الأعضاء، المهمّ هو النفس النفس، وذلك الكلام النفسي المرتبط بالنفس، وتلك النفس هي التي تظهر هذه الكلمات، فكلّ شيء يرجع إلى النفس، والإمام السجّاد أيضًا يقول هذا: نفسي لا يمكنها أن تتكلّم، غاية الأمر أنّ كلام النفس هو عن طريق اللسان، حديثها هو عن طريق اللسان. يقول الإمام: كيف يمكن أن أواجهك بنفس ملوّثة؟! فماذا تقول لك هذه النفس؟! وماذا لديها لتقوله؟! لذلك لا بدّ أن تكون النّفس المطهّرة هي التي تتحدّث مع الله، فما معنى المطهّرة؟ يعني المعصومة من الزلل والمعصومة من الخطأ، فهذا هو التوحيد، لقد صارا متساويين، صارا متوافقين، صارت تلك النفس موافقة لذلك الشأن الذي يليق بالإنسان، موافقة لتلك الشخصيّة التي تليق بالإنسان.
«ربّ أناجيك بقلب قد أوبقه جرمه»، وقد تحدّثنا عن هذا في شهر رمضان الفائت وأنّي «أناجيك بقلب…» ـ فذاك كان اللسان، وقد توجّه الإمام الآن إلى الأصل، فما هو أصل اللسان؟ إنّه النفس والقلب في النهاية ـ «قد أوبقه جرمه» أهلكه، لم يبق قلب، فبأيّ قلب؟ بقلب ميّت لا يمكن أن نتكلّم مع الله، هذا القلب قد زال. وقد ذكرنا في السنة الماضية بعض الكلام حول هذا، وفي هذه الليالي القليلة المتبقّية قلت نتكلّم حول هذه العبارة والفقرة حيث يقول: «أدعوك يا ربّ راهبًا راغبًا». حقًّا إنّها لعجيبة فهي تحتاج إلى شهر رمضان كامل، وقد قلت ليلة أمس إنّه لا يمكن بهذه الليالي القليلة أن نتكلّم، ولكن على الله وبقدر ما يمكن.
«أدعوك يا ربّ راهبًا راغبًا راجيًا خائفًا». فأنا يا ربّ راهب منك، دعائي هو دعاء إنسان راهب، ومن جهة أخرى دعاء إنسان راغب، فهذان الأمران موجودان ومجتمعان في لحظة واحدة، وقد صرنا مجمعًا للأضداد.
معنى «أدعوك راهبًا»
الراهب هو القلق من الصدمة، القلق من المانع، القلق من الإشكال، القلق… فهل رأيتم هؤلاء الرهبان؟! يقال رهبان، هؤلاء قلقون من التعامل مع الناس، يرون أنّ الناس ليس لهم مهارة إلا بإفساد الإنسان وتضييعه، فقط يأتون ويجلسون ويتلفون وقت الإنسان، ويشغلون رأسه بالأمور الدنيويّة التي لا فائدة منها، لذلك فقد اعتزل هؤلاء وتنحّوا جانبًا. فذهب هؤلاء الرهبان إلى الصومعة وأمثالها… وطبعًا ليس لدينا في الإسلام اعتزال، الاعتزال في الإسلام هو ذلك الاعتزال السلوكيّ الذي أمر به الأئمّة بشكل خاصّ، وهو الذي يوصي به الأعاظم تلامذتهم، وله شروط خاصّة إن شاء الله نتكلّم عنه لاحقًا في جلسات عنوان البصري ولا نستطيع الآن أن نتكلّم عنه، وسنبيّن هناك كيف هو وما هي شروطه؟ أمّا هذا الاعتزال الموجود الآن فلا وجود له في الإسلام، ولكن الإسلام مدح في آيات القرآن الرهبانيّة:
{وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ}۱ أي إنّ هذا الاعتزال الذي اتّخذوه لم نأمرهم به، لم نقل لهم أن اعتزلوا الناس ولا تتزوّجوا و… وطبعًا الإسلام يحارب العزوبيّة ويخالف الاعتزال ويخالف العزلة، يخالف ذلك، ومقام الإسلام هو مقام الجمع بين الظاهر والباطن، والجمع بين ترتيب قوانين التكوين ومباني التزكية والتربية والتشريع، ففي الإسلام جمع بين هذين، وهذا هو الذي يوصل الإنسان إلى الكمال، هذا هو الذي يوصل الإنسان إلى تلك النقطة الكماليّة، وإلاّ فإنّ الناس بواسطة الاعتزال وبواسطة الوحدة وبواسطة العزلة وعدم النكاح يمكنهم أن يشتغلوا بتصفية الباطن، يمكنهم أن يقوموا بذلك، ولكنّهم لا يصلون إلى تلك الجامعيّة، تلك الجامعيّة لها خصوصيّات لا تحصل للإنسان بغير الزواج والنكاح، وطبعًا ليس الزواج بنفسه بل الزواج وتلك الظروف التي هي حوله. ولكنّ هؤلاء قاموا بذلك لماذا؟ لكي يصلوا إلى الله، حسنًا جزاهم الله خيرًا.
فكلمة راهب تطلق على الإنسان القلق، والقلق يختلف عن الخوف، فتارة تخاف من شيء، من حيوان مفترس، من سبع يظهر أمامك فتخاف منه فجأة، فهنا لا تكون قلقًا، فالقلق يختلف عن الخوف. وهكذا تارة يهبط سقف إلى الأسفل فتفرّ، فلا تكون قلقًا، بل يحدث لديك الخوف فجأة. وراهبًا تعني أنّك في حالة قلق، القلق من ماذا؟ القلق من أنّك ستجيبني أم لا، القلق من هذا. أدعوك يا ربّ راهبًا عبادة رهبة وعبادة رغبة، عبادة الرهبة تعني العبادة التي يقوم بها الإنسان وهو دائمًا في حالة اضطراب وتشويش هل هي مقبولة أم لا، هكذا هو في حالة ترديد لا يدري هل يقبلونه أم لا.
قصّة «صلاتي هي المقبولة!»
كان أحد المعارف والأرحام يقول: واجهتُ أنا وآخر مشكلة، وكان الآخر أيضًا من الأرحام وكان معمّمًا وكان على علاقة مع أحد الأعاظم وطبعًا لم يكن من أهل المعرفة والعرفان ولكن من أهل الكرامات وكانت عينه مفتوحة ولديه حقائق وقد ذكرت اسمه في كتاب. فكان يقول: كان ذلك الرجل يسكن لمدّة في قم، فانطلقنا من طهران إلى قم لنزوره ـ فقد كانوا على ارتباط به ومعرفة ـ ولنعرض عليه حاجتنا، فقد كنت أنا في مشكلة كما كان هو أيضًا، فجئنا معًا. وكان الوقت ليلاً ووصلنا متأخّرين، كانت الساعة العاشرة، فتحدّثنا وجلسنا وبعد وقت ذكرنا المشكلة، فنظر إلينا وقال لنا: قوما وليتوضّأ كلّ واحد منكما ثمّ تأتيان وتصلّيان ركعتين لأخبركم بعدهما، فكان ذلك الرجل يقول: لقد كنت من البداية في حالة ووضع من حيث شكلي ولحيتي وأحوالي بنحو لا أتصوّر أنّي أكون مقبولاً عند الله، فأحوالي وأوضاعي بالالتفات إلى الأعمال التي قمت بها والأمور الأخرى… والحاصل أنّي من البداية قلت إنّ حسابي واضح. حسنًا فتوضّأنا وصلّينا ولكن النتيجة واضحة، فإن كان هناك قبول فالمقبول هو المعممّ والسيّد ابن رسول الله والذي درس وكذا ـ وأنا لا أخبر عمّا جرى في قلبه بل عمّا بيّنه لي ـ يقول: صلّينا وأتينا فقال لنا: صلاتك أنت مقبولة وصلاته رفضت، ولا شكّ أنّ ذاك كان يقول في نفسه: إن كانت هناك صلاة مقبولة فهي صلاتي، فجميع شروط القبول متوفّرة، وطبعًا كانا سيّدين كليهما عمًّا وابن أخيه. نحن معمّمون ومن أهل العلم وكذا وكذا فالمسألة تامّة، ولكن هناك ينظرون إلى شيء آخر، ينظرون إلى أمر آخر، ينظرون إلى أعمال أخرى، فالحساب هناك مختلف، هناك ينظرون إلى الباطن، ينظرون إلى التذلّل، ينظرون إلى الخشوع، ينظرون إلى ما يجري الآن في القلب، إلى هذا ينظرون، ولديّ حول هذا الأمر وهذا الموضوع الكثير من الحكايات لا مجال لنقلها، ولديّ حكايات لا تصدّق، لا تصدّق، ربّما ينتهي بعضها إلى أسرار لا يمكن بيانها، وأنّه كيف هناك في قوانين وقواعد وشروط وموازين ذاك الجانب مسائل لا اطّلاع لنا عليها أبدًا، ونحن بعيدون عنها كثيرًا، ولا علم لنا بها، ومن هنا ما يقولونه من أن لا تحقّر أحدًا، ولا تبد عدم المبالاة بأحد، ولا تسخر من أحد، ولا تهمّش أحدًا ولا تعدّ نفسك أعلى من الآخرين.
شرط الطريق كونكم كأسنان المشط
لقد قال المرحوم الوالد في المجالس ولم يصغ إليه أحد ولن يصغي أن انظروا أيّها الرفقاء إلى أنفسكم كأسنان المشط، فأسنان المشط كلّها متساوية، تنظر فترى الجميع في قالب واحد! كم قلنا ذلك ولم يفد والظاهر أنّه لن يفيد أيضًا! كأسنان المشط. لماذا؟ لأنّهم عدّوا هذا شرط الطريق، فإن لم تفعل ذلك ولم تصل إليه فلا تأخذ غدًا بتلابيب هذا وذاك. فما كان شرطًا وسرًّا فقد بيّن. لماذا؟ لأنّ المقصد هو التوحيد، ورؤية النفس ضدّ التوحيد. أنت تسير نحو التوحيد، تسير نحو طريق كما لو شغّلت محرّك السيّارة وتريد أن تعبر هذا الشارع وقد وضع هناك زنجير يجرّ السيّارة في الاتّجاه المخالف، فمهما ضغطت على مقبض البنزين تريد أن تعبر إلى تلك الجهة فإنّ ذاك في المقابل شديد القوّة وقدرة الحبل والسلاسل تشدّ السيّارة فتزداد بعدًا. من الجيّد أن تقف منذ أن رأيت أنّك لا تتحرّك وتعمل على حلّ السلسلة، فإذا قطعتها سارت السيّارة وانطلقت، وطوت الطريق وسارت. نحن نسير في طريق نعمل على خلافه، فلا فائدة، نأتي ونشارك في الجلسات وتأتي السنة القادمة وتنقضي ولا فرق لدينا.
كانوا يقولون: على الرفقاء أن يعدّوا أنفسهم هكذا، فمن عدّ ورتّب أثرًا فقد ربح، وهناك الآن من يرتّب الأثر ويربح، ومن لم يرتّب الأثر وأخذ الأمر مزاحًا وأنّهم قالوا شيئًا ما، فإن شاء الله كذا والله كبير إن شاء الله، فكلاّ فبقول: «إن شاء الله» لا يتمّ عمل، وبقول: «إن شاء الله» لا يتمّ الأمر، وبقول: «إن شاء الله والله كبير» لا يتحقّق عمل، بل يبقى في مكانه.
ما يريدونه هناك ليس الاستعراض والتظاهر، لا معنى هناك لـ «ها أنا ذا»، هذا تأخذه منّا فأيّ شيء هو منك؟! أتقول: لديّ علم؟ فهذا نحن أعطيناك إيّاه، وأنت تنفق من جيبنا، وتقول: أنا كذا وكذا؟ لقد درست هذا العدد من السنين، وهنا أيضًا ذكرتَ ما هو من عندنا، ذلك العقل الذي درست به لو أخذناه منك ليلة واحدة لحضرت إلى الصفّ كالمجنون.
نابغة يفقد علمه (حادثة غريبة للمحقّق الأصفهاني)
جاء في مقالة قرأتها مؤخّرًا قبل ما يقارب الشهر وسررت بها كثيرًا، ورأيت أنّ ما فيها قد حصل لي أنا أيضًا، فقد كان الشيخ محمّد حسين الكمباني رجلاً جليلاً جدًّا، من الزهّاد والصلحاء والحكماء وتاركي الدنيا وكان من أهل الكشف والباطن بقوّة، وكان يختلف عن الآخرين اختلاف الأرض عن السماء، وهو من العلماء الذين أعتمدهم في بحوثي ودروسي كواحد من المصادر الأساسيّة لكلامي، فأبحاثه ومسائله مختلفة تمامًا، ويمكن القول إنّه كان نابغة، فقد كان تاركًا للدنيا وكان والده من تجّار بغداد، وإنّما يقال له الكمباني لأنّ أباه كان يمتلك شركة في الكاظمين وبغداد، وقد أنفق جميع أمواله في سبيل الله وأمثال ذلك، حتّى إنّه في آخر حياته لم يكن يملك دارًا وكان يعيش في دار مستأجر، وحقًّا أيّ رجال كان هؤلاء!
يقول تلامذته إنّه جاء يومًا إلى الدرس وألقى محاضرة، وفي اليوم التالي جاء وألقاها بعينها، فقالوا له: لقد ألقيت هذا بعينه أمس، لقد طرحت هذا البحث بعينه. وفي اليوم الثالث أيضًا كرّره للمرّة الثالثة، فقد أعاد الدرس الذي قاله في اليومين السابقين… وهنا ارتفع صوت الطلاّب، هل حصل شيء ما؟! هل هناك مشكلة؟! أنت تكرّر الكلام نفسه في ثلاثة أيّام، ولكنّك تبدّل العبارات لا أكثر، نحن أيضًا نكرّر في أبحاثنا ومباحثاتنا ولكن للتكرار علّة، أي في كلّ يوم نكشف ستارًا حتّى نصل إلى هذه النقطة، ويتّضح الأمر، ويُحقَّق في الموضوع من جوانبه المختلفة، ولكن لا يكرّر وكأنّه تسجيل، فاليوم نقول شيئًا وغدًا نقوله بعينه وبعد غد أيضًا نكرّره، وفي اليوم الرابع نكرّره أيضًا، فماذا حصل؟! ما حقيقة الأمر؟! ماذا جرى؟! فضحك وقال: إن شاء الله غدًا سيكون مختلفًا، فقد خطر لي خطور وحدث لديّ أمر أورد في ذهني خطورًا فأغلق الله عقلي في هذه الأيّام الثلاثة، فلم أفهم شيئًا، واليوم هو اليوم الثالث وقد اعترفت وهذه هي حالتي، وابتداء من اليوم التالي بدأ من جديد وأتمّ البحث.
فانظروا يسدّون ويقطعون عنك مباشرة وينتهى الأمر، وجيّد أنّهم أغلقوا بنحو ما بحيث لم ينس، فقد وضعوا له درسًا بمدّة ساعة وضعوا في ذهنه شريطًا ولم يمسحوا كلّ شيء، وإلاّ فقد ينتهي الإنسان إلى حال لا يفهم معه شيئًا، فإذن من أين تنفق ذلك؟!
ـ إلهي لقد درست كلّ هذه الدراسة.
ـ هذا من لدنّا نحن.
ـ لقد تكلّمت كلّ هذا الكلام، وهؤلاء الناس كلّهم قد اهتدوا بواسطتي وكانوا ضالّين.
ـ من الذي فعل ذلك؟ أصلاً من الذي جعلهم في طريقك؟ هل أنت ذهبت إلى باب داره وكنت مطّلعًا؟ أنا جئت بهم ووضعتهم في طريقك، وأنا أعطيتك البيان، وأنا أعطيتك التأثير ونفوذ الكلمة، فلو أنّي لم أعطك التأثير ونفوذ الكلمة لكان هذا الرجل ينظر إليك هكذا وكأنّه جدار ويطأطئ رأسه ثمّ يمضي، فكيف رجع وقال لك: هل تسمح لي أن آتي إليك مرّة أخرى؟! فمن الذي فعل ذلك؟! أأنت؟ نعم؟ إن كنت صادقًا فاذهب وأرشد هذا، إن كنت صادقًا فاذهب وأرشد هذا! فأنت صادق في النهاية! أأنت من يهدي؟! فاذهب وأرشده الآن.
معنى آية (إنّك لا تهدي من أحببت…)
عندما يقول الله لنبيّه في الآية القرآنيّة: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}۱ أنت نبيّي! فهل يمكنك أن تهدي أحدًا؟ فهذه الآيات هي معجزة القرآن! فهذه هي التي تكشف لنا سرّ الأمر. {إِنَّك لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} فالله لا يمازح النبيّ أن اذهب وقل هذا الكلام للنّاس، كلاّ بل هو يقول للنبيّ حقًّا إنّك لا يمكنك أن تفعل شيئًا ولو بمقدار رأس الإبرة، لا يمكنك أن تفعل شيئًا ولو بمقدار رأس الإبرة! أنت لا يمكنك أن تتكلّم بغير إذننا وبغير إجازتنا! هل يمكنك؟ فاذهب وأرشد فلانًا! اذهب! يمكنك في النهاية! أنت الذي يحترق قلبك على عليّ إلى هذا الحدّ، أنت الذي يريد أن يكون عليّ خليفته، من كان المانع من ذلك؟ لقد كان هذان هما المانع، فاذهب واهدهما، اذهب وأزح هذه الأحجار من أمام الأرجل، اذهب واصنع من هذين الاثنين بشرًا كيلا ينفّذا خطّة سقيفة بني ساعدة وينحرفا بالجميع، وكما يقول بعض علمائنا من الشيعة كيلا يحقّقا فخرًا للإسلام، السقيفة فخر الإسلام! سبب لافتخار الإسلام! أليس كذلك؟! إن كنت تستطيع فاذهب وأصلح أبا سفيان، إن كنت تستطيع فاذهب وأصلح أبا جهل، إن كنت تستطيع فاذهب وأصلح عَمرًا بن العاص، إن كنت تستطيع فاذهب وأصلح قنفذًا، قم وأصلح هؤلاء! فإذن من الواضح أنّ الأمر ليس بيدك، فبيد من هو إذن؟! بيدنا نحن. النبيّ لم يستطع فهل أستطيع أنا؟! هل أستطيع أنا الطهراني أن أصلحهم؟! هل لديّ أنا نفوذ للكلمة؟! هل لديّ أنا تأثير في الآخرين؟! هل هذا لي أنا؟! كلاّ! فهذا هو التوحيد. {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}. لا تخالنّ أنّ بإمكانك أن تهدي كلّ من تريد، قم بواجبك، قم وأدّ ما عليك، قم واذهب إلى الطائف وأدّ واجبك، قم واذهب إلى مكّة وأدّ واجبك، أرسل رسالة إلى سلطان الروم، وسلطان إيران وسلطان مصر والحبشة، أرسل سفيرًا وأرسل مبلّغًا، ولكنّ الذي يهدي والذي يُنجح العمل والعلّة الأساس في الأمر أين هي؟ إنّها في يدنا، ترجع إلينا، علينا أيّها الرفقاء أن نجعل {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} هذه شعارًا لنا، ونجعل حياتنا على هذا الأساس، فإذا فهمنا هذا المعنى فقد وصلنا إلى سرّ السلوك، وإن لم نفهمه فإنّا لن نصل ولو بعد مائة عام، ولا فائدة من سيرنا.
حسنًا فنحن نأتي ونقول: إلهي نحن قمنا بهذا! والله يقول: تعال وأخبرنا عن نفسك، فهذا الذي تبيّنه عن نفسك كان لنا؛ لديك علم، نحن من أعطاكه، لديك بيان، نحن من أعطاكه، لديك هداية، فنحن من هداك، فماذا عنك أنت؟! ماذا لديك أنت لتقدّمه هنا؟! فماذا يجب أن يقال هنا؟ قلب خاضع وقلب خاشع، اللهمّ نحن أشقياء، هذا ما لدينا نحن، اللهمّ إنّا مساكين، هذا ما لدينا نحن، هذه الأمور هي لنا، اللهمّ نحن خالو الأيدي، ليس في أيدينا شيء، هذا ما يرتبط بنا نحن. اللهمّ إنّا أذلّة.
ـ حسنًا قبلت ذلك، وسررت منك، فاعترف.
فمن يقدّمه الله هو من يملك هذا، فهل فهمتم الآن؟! من يتقدّم في حين أنّ ألف واحد من المعمّمين أمثالي يجب أن يتأخّروا هو من يملك هذا الأمر، ونحن لا ملكه. ذلك الذي إذا نظر إلى نفسه يرى أنّه أذنب ولا يملك متاعًا ليعرضه أمام الله، قلبه المنكسر، هذا ما يملكه، فهذا ما يشترونه منه، ولا يبخلون عليه بشيء، لا يبخلون عليه بشيء.
تطبيق كلام الإمام على أنفسنا
فإذن الإمام السجّاد عليه السلام يبيّن لنا الطريق ويقول: «أدعوك يا ربّ راهبًا» يا ربّ أنا أدعوك وآتي إليك وأنا في حالة رهبة وفي حالة رهبانيّة ورهبٍ ورهبة، آتي إليك قلقًا فهل تقبلني أم لا؟ قلبي مضطرب ولست مطمئنًّا، لا اطمئنان لديّ، أنظر إلى أعمالي فأرى أنّ عملي فاسد جدًّا، لقد أفسدت العمل كثيرًا، أنظر إلى نفسي فأجد أنّي عصيت كثيرًا وخالفت الأوامر كثيرًا. وهذا الأمر يرتبط بالإمام السجّاد، ونحن لا نتحدّث في تلك المقامات وأنّ الإمام السجّاد ماذا كان يشعر في نفسه؟ هذا ما نفهمه عن أنفسنا ونقوله عنها فما شأننا بالإمام السجّاد؟ فنحن لا ندرك أصلاً أين كان الإمام السجّاد… نحن هكذا.
يأتي أحدهم فيقول: كيف يمكن للإمام السجّاد أن يقول هذا؟!
فقلت: ما شأنك بالإمام السجّاد؟ أليس هذا موجودًا؟ ألست أنت تقوم بهذه الأعمال أم لا؟ حسنًا لقد قال الإمام السجّاد هذا لك فتفضّل، إذا وصلت إلى ذاك المقام من المعرفة والبصيرة عندها ستدرك ماذا قال الإمام السجّاد، عندها ستدرك، إذا وصلت إلى مقام السيّد القاضي عندها ستدرك كلام الإمام السجّاد وأنّ ذنوب هؤلاء لن تكون سرقة وتسلّقًا لجدران الناس وأخذًا للرشوة. ذنوبهم ليست الزنا وأكل مال الناس والفتنة بين اثنين، فهذه لنا نحن. هم لديهم أمور أخرى لا ندركها، حسنًا فلنكن لا ندركها أفهل عرفنا الإمام حتّى نأتي ونقول ماذا كان كلام الإمام وفي أيّة حالة كان؟! حسنًا فما قاله الإمام لأجلنا هل هو كذب أم صدق؟ اقرؤوا هذا الدعاء الذي قاله هل هو صدق أم كذب؟! إنّه حقّ في النهاية، حسنًا فلتعمل به، تعال واعمل به. هل العبادة التي نقوم بها والصلاة التي نصلّيها في ليالي شهر رمضان هذه مصحوبة بالرهبة؟ هل هي مصحوبة بالقلق؟ هل ستقبلها مائة بالمائة؟! سأريك قبولاً مميّزًا، هل أقبل؟! لا بأس تعال إلى ذاك العالم فإذا أتيت أضع لك ميزانًا وأخرج الشعرة من العجين، حينها سنخسر جميعًا إلا أن تدركنا رحمته وكرمه فتفعلان شيئًا وتشفعان لنا.
دقّة الحساب الإلهيّ
فالحاصل أنّ ما لدينا هو هذه الأمور المعدودة: الأئمّة والأولياء و… فقط هذا، وإلا فإنّهم يضعون الميزان ويخرجون الشعرة من العجين: كنت تتكلّم بكلام معيّن فخطر في ذهنك خطور عند الساعة العاشرة إلا سبع دقائق من ليلة الجمعة في الثانية الخامسة والعشرين، ذلك الخطور أبطل جميع كلام الليلة وأنهاه. خطر في ذهنك خطور فأبطل جميع كلامك، لقد سجّلنا ذلك فلا تظنّ أنّ هذه المسجّلة هي التي تسجّل ذلك، فهذه المسجّلة لا تسجّل هذا الخطور، ولكنّنا نحن نملك مسجّلاً غير ذلك، غير هذه الأجهزة، لدينا مسجّل يسجّل خطورك عند الساعة العاشرة إلا عشر دقائق وخمس وعشرين ثانية في ليلة الجمعة من شهر رمضان سنة ۱٤٢٩، إن كنت مخطئًا فصحّحوا لي، فمسجّلنا ذاك يسجّل، إذا ما طأطأت رأسك إلى الأسفل فإنّا لا نشغّل لك هذا المسجّل، أمّا إذا ما رفعت رأسك فإنّا نبدأ مباشرة ونضغط المفتاح المشغّل لهذا المسجّل، وهو يعيّن ذلك الوقت بدقّة، ويحضره أمامك لا قبله ولا بعده، فهذه كلّها حقائق، وطبعًا ينبغي أن لا أقرأ آية اليأس على الرفقاء كثيرًا، سيقولون : على أيّة حالة جاء السيّد الليلة؟! فلننظر ما هي مشكلته؟ ماذا حدث له؟ كلاّ يا عزيزي! كلاّ! كلاّ! أنا لا أقرأ آية اليأس ولكنّ بيان هذه الحقائق أيضًا مهمّ.
رحمة الله الواسعة
إنّ رحمة الله أعلى من هذا الكلام، ونحن لدينا أمل برحمة الله فقط، والأئمّة أنفسهم يبيّنون، هم أنفسهم يبيّنون ويقولون: «اللهمّ إنّي أسألك برحمتك التي وسعت كلّ شيء». وقد تحدّثنا عن هذا الأمر إن كنتم تذكرون وأنّ رحمة الله رحمة بغير حساب، ولكن نحن علينا أن نهتمّ بأنفسنا قدر المستطاع، وأن نعمل بهذه الحقائق قدر المستطاع، وإن شاء الله وكما يقول أمير المؤمنين عليه السلام: «اللهمّ عاملنا بفضلك ولا تعاملنا بعدلك». فهذا الجانب موجود أيضًا، ولا بدّ أن نكون فرحين مسرورين، كما يقول الإمام أيضًا: «أدعوك راغبًا» في الوقت الذي أنا راهب فأنا راغب أيضًا، هناك أمل أيضًا، وكما أنّي راجٍ فأنا خائف أيضًا، هناك خوف ورجاء، هناك قلق وهناك ميل ورغبة، كلا الأمرين متحقّق. أمّا كيف يجتمع هذان الأمران معًا؟ فإن شاء الله في الليالي القادمة إن وفّقنا الله.
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد.