7

شذرات من حياة الإمام الهادي عليه السلام

152
مشاهدة المتن

المؤلّفالعلامة آیة الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني

القسممحاضرات العلامة الطهراني

المجموعةمناقب أهل البيت

التاريخ 1397/07/03

جلسات المجموعة(6 جلسة)

التوضيح

ما هي حقيقة الإيمان؟ وما هو الفارق بينه وبين الإسلام؟ ما هي الظروف الصعبة التي عانى منها الإمام الهادي عليه السلام في عصره؟ وكيف كان يتعامل المتوكّل مع أهل البيت وشيعتهم لا سيّما الإمام الهادي عليه السلام؟ بأيّة طريقة قُتل المتوكّل؟ وكيف صارت أحوال الشيعة بعده؟ ما هي الأوضاع التي عاشتها سامراء في عصر الإمام الهادي؟ وكيف تمّت ظروف شهادته عليه السلام؟ ما هي السياسات التي اتّبعها العبّاسيون من أجل التضييق على الأئمّة؟ وكيف كانوا عليهم السلام يسعون للحفاظ على الدين رغم كلّ الظروف؟
هي تساؤلات سعى سماحة العلاّمة آية الله السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ قدّس الله نفسه الزكيّة للإجابة عنها في هذه المحاضرة التي عقدها لبيان بعض مناقب أهل البيت عليهم السلام في مسجد القائم بطهران

/۱۸
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

شذرات من حياة الإمام الهادي عليه السلام

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • شذرات من حياة الإمام الهادي عليه السلام

  •  

  • مناقب أهل البيت عليهم السلام ـ الجلسة السابعة

  • محاضرة القاها

  • سماحة العلاّمة آية الله السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله نفسه الزكيّة

  •  

  •  

شذرات من حياة الإمام الهادي عليه السلام

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللَه مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ

  • بسم اللَه الرّحمن الرّحيم‌

  • والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى أشرَفِ بَريَّتِهِ

  • خاتَمِ السُّفَراءِ المُكَرَّمينَ أبي‌ القاسِمِ مُحَمّدٍ

  • وعَلَى آلِه الطيّبينَ الطاهرينَ

  • ولَعنَةُ اللَه عَلى أعدائِهِم أجمَعينَ مِنَ الآنِ إلى يومِ الدينِ

  •  

  •  

  • حقيقة الإيمان والفارق بينه وبين الإسلام

  • قال إمامُنا الهادي عليُّ بنُ مُحَمَّدٍ عليهما السّلام:

  • «الإيمانُ ما وَقَّرَتهُ القُلوبُ وَصَدَّقَتهُ الأعمالُ؛ وَالإسلامُ ما جَرى بِهِ اللِّسانُ وَحَلَّت بِهِ المُناكَحَة».۱

  • حيث ينقل المسعودي هذا الكلام الوارد عن الإمام عليه السلام عن محمّد بن أبي الفرج عن أبي دعامة، قال:

  • «أتيت عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى (الإمام النقيّ عليه السلام، وطلبت منه أن يُحدّثني بحديث)، قال: "حدّثني أبي محمد بن عليّ، قال: حدّثني أبي علي بن موسى، قال: حدّثني أبي موسى بن جعفر ، قال: حدّثني أبي جعفر بن محمّد قال: حدّثني أبي محمّد بن عليّ ، قال: حدّثني أبي عليّ بن الحسين، قال: حدّثني أبي الحسين بن عليّ، قال: حدّثني أبي عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنهم! قال: قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: اكتب يا عليّ، قال: قال: قلت: وما أكتب؟ قال لي: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، الإيمان ما وقّرته القلوب، وصدّقته الأعمال؛ والإسلام ما جرى به اللسان، وحلّت به المناكحة"، (فكتبتُ هذه الرواية التي رواها الإمام بسند متّصل عن آبائه عن رسول الله، ثمّ قلت): "يا ابن رسول الله، ما أدري والله أيّهما أحسن: الحديث (ونصّه المرويّ عن الرسول الأكرم)، أم الإسناد (الرفيع المنقول عن هؤلاء العظاء والمتّصل)؟"».

  • فمفاد هذه الرواية أنّ الإيمان هو ما يستقرّ في قلب الإنسان ويتمكّن فيه ويحلّ به، وتُصدّقه أفعال هذا الإنسان. أمّا الإسلام، فهو ما يجري على اللسان، ويحلّ به النكاح، حيث ورد هذا الكلام عن الإمام بناءً على الاختلاف بين معنى كلّ من الإيمان والإسلام، وهو مأخوذ من القرآن الكريم الذي جاء فيه: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾.٢

  • فالإسلام في هذه الآية الكريمة وفي تلك الرواية التي يذكرها الإمام هو عبارة عن التسليم الظاهريّ والانقياد والطاعة. فمن حيث الظاهر، كلّ من ينطق بالشهادتين يُعدّ مسلمًا، ويتمتّع بالأحكام والقوانين الظاهريّة للإسلام؛ أي أنّ أحكام الإسلام تسري عليه؛ فيكون جسده طاهرًا، ويستطيع الزواج من فتاة مسلمة، ويُمكنه دخول مساجد المسلمين، والدفن في مقابرهم، والاستفادة من الغنائم الحربيّة، وأخذ سهمه من الفيء وبيت المال، شأنه شأن بقيّة المسلمين؛ وكذلك تسري عليه سائر الأحكام الظاهريّة للإسلام، سواء أثّر هذا الإسلام في قلبه وجَعَله مؤمنًا، أم لم يؤثر فيه؛ لأنّ هذه الأمور من اللوازم الظاهريّة للحكم بالإسلام. أمّا إذا اعتنق الإنسانُ هذا الإسلام وصدّقه بقلبه، وكان اعتقاده قلبيًّا ـ وعلامة ذلك أن تشهد الأعمالُ التي يقوم بها على هذا المعنى، فتتحرّك جوارحه ويداه وقدمه وعيناه ولسانه وسائر أعضائه على أساس العقيدة التي يحملها في قلبه، لتُصدّق ذلك الإيمان القلبيّ ـ، فإنّ ذلك سيكون هو الإيمان. وعليه، فإنّ الأحكام الظاهرية تترتّب على الإسلام؛ بينما يكون الإيمان عبارة عن عمل يحدث في القلب، وتترتّب عليه نتائج ومثوبات أخرويّة.

    1. مروج الذهب، ج ٤، ص ۸٥.
    2. سورة الحجرات، الآية ۱٤.

شذرات من حياة الإمام الهادي عليه السلام

3
  • يقول صلّى الله عليه وآله وسلّم:  «الإيمانُ ما وَقَّرتهُ القُلوبُ»؛ وَقَّرَه: أي استَحكَمه وجَعَلَ لَهُ سُكنى وشَدَّده وأحكَمَهُ وأتَقنَهُ. وَقَّرهُ يعني أحكمه ومكَّنه وراعى مختلف أبعاده. فعندما يستولي الإيمان على القلب ويتمكّن منه، وتُصدّق به الجوارح والأعضاء، فإنّ لسان المؤمن سينطق بحسب ما يتوافق مع هذا الإيمان، وستسمع أذنه بحسب ما ينسجم معه، وتتحرّك يده وقدمه على أساسه؛ وهذا هو معنى الإيمان. وأمّا الإسلام، فهو ما يجري على اللسان فقط، وبفضله تترتّب أحكام النكاح وغيرها من الأحكام الإسلاميّة الظاهريّة. أجل، توجد في القرآن المجيد آيات يكون فيها الإسلام بمعنى الإيمان، لكنّ المراد منه مصطلح آخر. وأمّا في هذا الموضع، فالإسلام ـ الذي يعني هنا التسليم الظاهريّ ـ هو مصطلح وضعه الله العليّ الأعلى ـ بناءً على هذه الآية القرآنيّة ـ في مقابل الإيمان. لكن، حينما يكون الإسلام يفيد نفس معنى الإيمان، فإنّ المراد منه الإسلام الذي يُؤثّر في القلب، وتسري فيه مرتبة الانقياد والتسليم والطاعة من الظاهر إلى الباطن؛ ففي هذه الحالة، يتطابق معنى الإسلام مع معنى الإيمان.

  • حياة الإمام الهادي عليه السلام وظروف عصره الصعبة

  • طبقًا لبعض الروايات، فإنّ اليوم هو يوم شهادة الإمام العاشر.. الإمام عليّ النقيّ عليه السلام، حيث ذكر البعض أيضًا أنّ ولادته كانت في الثاني من شهر رجب، حيث جاء في الدعاء الذي نقرأه في أيّام رجب:

  • «اللهمّ إنّي اسألك بالمولودين في رجب محمد بن عليّ الثاني وابنه عليّ بن محمد المنتجب».۱

  • فمن كان من الأئمّة اسمه محمّد بن عليّ الأوّل ؟ كان اسم الإمام الباقر محمّد واسم أبيه عليّ؛ فيكون إذن هو محمّد بن عليّ الأوّل. ومحمّد بن عليّ الثاني الموجود لدينا هو الإمام الجواد الذي كان اسمه محمّد، واسم أبيه عليّ بن موسى الرضا؛ وعليه، فقد جاء في هذا الدعاء: "المولودان في رجب محمّد بن عليّ الثاني..."، والمراد منه الإمام الجواد الذي ذكر البعض أنّ ولادته عليه السلام كانت في العاشر من شهر رجب،٢ وابنه عليّ بن محمّد، وهو الإمام عليّ النقيّ عليه السلام.

    1. مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد، ج ٢، ص ۸۰٥.
    2. إقبال الأعمال (الطبعة القديمة)، ج ٢، ص ٦٥٣.

شذرات من حياة الإمام الهادي عليه السلام

4
  • وُلِدَ حضرة الإمام الهادي في المدينة المنوّرة سنة اثنتي عشرة ومائتين، وتوفّي في سامراء سنة أربع وخمسين ومائتين؛ وبذلك، يكون عمره اثنتين وأربعين سنة. وعندما تُوفّي حضرة جواد الأئمّة، كان عمر الإمام الهادي ثماني سنوات وثلاثة أشهر، حيث تولّى آنذاك الإمامة، لتستمرّ مدّة إمامته قرابة ثلاث وثلاثين سنة. قضى فترةً في المدينة، وثلاث عشرة أو ثماني عشرة۱ سنة في سامراء، إذ نُفي إليها من المدينة، وظلّ فيها تحت المراقبة إلى أن استُشهد في زمن المعتزّ. وقد أدرك عليه السلام خلافةَ المأمون، ومن بعد المأمون ابنه المعتصم، ثمّ الواثق بالله، ثمّ الخليفة العبّاسي المتوكّل، وابنه المنتصر، والمستعين، والمعتزّ.٢

  • كانت المحن في زمن حضرة الإمام الهادي شديدة جدًّا؛ لأن سلطة بني العبّاس كانت في أوجها، وبالأخصّ في عصر المتوكّل الذي كان يُكنّ لأهل البيت عداءً شديدًا، وكانت لديه عداوة خاصّة تجاههم.

  • قسوة المتوكّل واضطهاده لأهل البيت وشيعتهم

  • كان ابن السكّيت،٣ يعقوب بن محمد بن يعقوب بن السكّيت، معلّمًا لأبناء المتوكّل، وهو من الأدباء المشهورين، ومن الشعراء المعروفين، حيث كان في ذلك العصر معروفًا ومشهورًا بعلمه وفضله من الناحية الأدبيّة، وكان رجلاً محبًّا لأهل البيت وشيعيًّا؛ فبينما كان يومًا منهمكًا في تدريس ابني المتوكّل، دخل هذا الأخير عليه وقال: «يا ابن السكّيت، أخبرني بأيّهما أكرم عندك، ابناي هذان أم الحسن والحسين ابنا عليّ؟»، فقال ابن السكّيت: «والله، إنّ قنبر غلام عليّ بن أبي طالب لأكرم عندي منك ومن ابنيك!».

  • فقال المتوكّل: «أخرجوا لسانه من قفاه!»، فقام الغلمان الأتراك ، وأخرجوا لسان ابن السكّيت من قفاه في الحال بأمرٍ من المتوكّل، وحُمل جسده إلى منزله، وفي اليوم التالي تُوفّي؛٤ فهذه هي الحالة التي كان عليها ذلك العصر.

  • وقد وقعت حوادث منع زوّار قبر حضرة سيّد الشهداء عليه السلام في عهد المتوكّل، والذي كان يتعامل بقسوة، وكان شديدًا للغاية! فقد فرض هذا المنع عدة مرّات، بحيث كانت كلّ مرّة تستغرق فترة طويلة.

  • والسبب في ذلك أنّ أوّل من وقف في وجه زوّار قبر سيّد الشهداء هو هارون الرشيد، وذلك بعد أن بلغه أنّ الناس يأتون من مختلف الأنحاء والأصقاع لزيارة قبره عليه السلام، ويُقيمون هناك لعدّة ليالٍ، ويشكّلون سوقًا تجاريًّا تجري فيه عمليات البيع والشراء؛ فقال مستغربًا: «يا للعجب! أ يُريد الشيعة أن يؤسّسوا لهم مركزًا هناك؟!»؛ وقد تملّكه الخوف من تجمّع الشيعة في ذلك الموضع، فأصدر أوامره بتخريب القبر وتسويته بالأرض تمامًا. وبعد هارون الرشيد، أُعيد بناء القبر، وعاد إلى هيئته الأولى مرّتين، وكان الزوّار يفدون من كلّ حدب وصوب، ويؤدّون بالزيارة، من دون أن يجرؤ أحد على المساس بقبر الإمام حتّى عهد المتوكل هذا؛ بمعنى أن المأمون لم يُقدم على أيّ فعل، وكذلك الشأن بالنسبة لكلّ من المعتصم والواثق. وفي زمن المتوكّل، استمرّت الزيارة لفترة، ثمّ بلغه أنّ الناس يتجمّعون، ويزورون، ويأتون من مسافات بعيدة؛ فأمر بتخريب القبر، ووضع حرّاسًا في محيطه لمنع أيّ شخص من المجيئ للزيارة. ومضت فترة من الزمن، ثمّ اجتمع الناس مّرة أخرى، وأعادوا بناء القبر على صورته الأولى، وتوافد جمع أكبر وأكثر عددًا من كلّ الأنحاء! فأمر المتوكّل مرّة أخرى بهدمه، ونصب حرّاسًا في أطراف تلك الأرض لمنع أيّ شخص من القدوم للزيارة. ومضت فترة، وبعد عدّة سنوات، قام الناس ببنائه مرّة أخرى بشكل عظيم ومحكم للغاية.٥

    1. لمزيد من الاطّلاع، راجع: معرفة الإمام، ج ۱٦ و۱۷، ص ۱۷٦. المحقّق
    2. مناقب آل أبي طالب عليهم السلام، ج ٤، ص ٤۰۱؛ الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، ج ٢، ص ٢٩۷.
    3.  معرفة الإمام، ج ۱٦ و۱۷، ص ۱۰۸.
      «ومن مشاهير أئمّة اللغة من الشيعة ممّن يزيد على غيره ابن السِّكِّيت. قال أبو العبّاس ثعلب: أجمع أصحابنا أنّه لم يكن بعد ابن‌ الأعرابيّ أعلم باللغة من ابن السِّكِّيت. قتله المتوكّل لأجل التشيّع، وأمره مشهور. عَمَّرَ ثماني وخمسين سنة، واستشهد ليلة الاثنين لخمس خلون من رجب سنة ٢٤٤، وقيل: سنة ٢٤٦، وقيل: سنة ٢٤٣».
    4. المختصر في أخبار البشر، تاريخ أبي الفداء، ج ٢، ص ٤۱؛ روضة المتّقين في شرح من لا يحضره الفقيه، (الطبعة القديمة)، ج ۱٤، ص ٤۷۱.
    5. الأمالي، الشيخ الطوسيّ، ص ٣٢٥ و٣٢٦.

شذرات من حياة الإمام الهادي عليه السلام

5
  • كانت هناك مغنّية في بغداد جمعت حولها بعض الفتيات، وكانت تعلمهنّ الغناء، حيث كان رائجًا في ذلك الوقت أن يكون للمغنّيات جوارٍ يقمن بتعليم بعض الفتيات الغناء، ليتمّ استدعاءهنّ إلى مجالس اللهو واللعب التي يُقيمها علّية القوم والسلاطين والخلفاء وأمثالهم، فيرسلنهنّ، ويحصلن من ورائهنّ على أموال طائلة. فكانت هناك مغنّية في بغداد لديها جوارٍ، أي من هؤلاء الجواري المغنّيات ذوات الصوت الحسن، وكانت تعلمهنّ، وكان المتوكّل يستدعيهنّ في بعض الأحيان، فكنّ يذهبن إليه ليشاركنه لياليه حتى الصباح في مجالس شربه وغنائه. ذات مرّة، أرسل المتوكّل إلى تلك المرأة قائلاً: «ابعثي إليّ بعضًا من جواريك!»، فقيل له: «إنّها غير موجودة، لقد سافرت!»، حيث كان ذلك الشهر هو شهر شعبان. وبعد مدّة، عادت تلك المرأة مع جواريها، فقيل لها: «لقد بعث المتوكّل ليطلب منك إرسال جوارٍ إليه!»، فأرسلت المرأة إليه إحدى جواريها من ذوات الصوت الحسن، فسألها: «أين ذهبت سيدتك؟»، قالت: «ذهبت إلى الحجّ!»، قال: «يا للعجب! إنّه شهر شعبان، وهل يذهب أحد إلى الحجّ في شهر شعبان؟!»، قالت: «سيّدتنا ذهبت بنا جميعًا لزيارة كربلاء.. كربلاء الحسين المظلوم!»، فقال المتوكّل: «يا للعجب!! أَ وَصَلت حال الحسين إلى أن يذهب الناس لزيارة قبره، ويعتبرون هذه الزيارة حجًّا؟!»، فأمر بالقبض على تلك المرأة وحبسها ومصادرة جميع أموالها.

  • حينئذٍ، أمر أحد خواصّه، وهو رجل يُدعى الديزج ـ ومن المسلّم أنّه كان يهوديًّا، ويُقال إنّه أسلم ظاهرًا، وكان في بلاط الخليفة ـ بهدم قبر الإمام. فتحرّك هو وجماعة معه إلى كربلاء، وهدموا القبر وشقّوه؛ أي أنّه أمر أوّلاً جميع العمّال والأجراء بهدم القبر، فلم يجرؤ أحد على ذلك! فصعد هو بنفسه إلى أعلى القبر ـ وبالطبع، لم يكن القبر الذي بُني في ذلك الوقت كما هو عليه الحال الآن من وجود قبّة وإيوان ورواق وما إلى ذلك، بل كان له شكل قبر وحسب؛ نظير بعض المزارات التي نراها الآن في بعض القرى ولها قبّة صغيرة ـ وهدم جزءًا منه، ثم انقضّ العمّال وهدموا كل شيء؛ وجاء في بعض الروايات أنّه شجّ نفس القبر، فظهر جسد سيّد الشهداء عليه السلام ملقىً على حصير كان قد أحضره بنو أسد! فغطّى القبر، وكتب للمتوكّل: «لقد شققتُ القبر ولم أجد فيه شيئًا!». وبعد ذلك، سوّى القبر بالأرض، وأمر بحرث ما حوله حتّى مساحة مائتي جريب،۱ فاستعمُلت الثيران من أجل زراعة تلك الأرض، وأُجري عليها الماء. وكان يضع مراقبين من كلّ حدب وصوب، بحيث كلّ من يأتي لزيارة قبر سيّد الشهداء عليه السلام كان يُعدّ مجرمًا! وكان الخليفة نفسه قد أمر بالإعلان أنّه: «برىء من ذمّة الخليفة كلّ من يذهب لزيارة قبر الحسين بن عليّ!».٢

    1. الجَريب أحد المقاييس الإسلاميّة القديمة، كما أنّه يطلق على مقدار من الأرض المزروعة. المعرّب
    2. مقاتل الطالبيّين، أبو الفرج الأصفهانيّ، ص ٤۷۸ و٤۷٩.

شذرات من حياة الإمام الهادي عليه السلام

6
  • وهنا، نقلت لنا التواريخ قصصًا طويلة جدًّا عن ذهاب الناس سرًّا من أجل الزيارة، حيث كانوا يتخفّون في النهار، ويسيرون في الظلام ليلاً، ثمّ يكمنون في النهار، ويسيرون ليلاً، إلى أن يصلوا إلى هناك، ويُؤدّوا الزيارة. ومن جملة ذلك، أنّ بعض هؤلاء كانوا يضعون علامات حول القبر حتّى لا يضلّوا عنه أو يخطئوه في المرّات القادمة. وبعد مقتل المتوكّل ووصول المنتصر إلى الخلافة، جاءوا وشيّدوا القبر مرّة أخرى بشكل مفصّل جدًّا.۱

  • فالحكايات المنقولة عن الذين كانوا يذهبون للزيارة في ذلك الوقت عجيبة جدًّا! فعلى سبيل المثال، كانت تُعيّن أموال طائلة مقابل السماح بالذهاب لزيارة القبر، ومع ذلك، كان الناس يدفعون! ثمّ رأوا أنّ الناس لا يبخلون بالمال، فقرّروا قطع أيدي الزوّار؛ ورغم ذلك، لم يتوقّفوا عن الذهاب! فكانوا يقتلون واحدًا من كلّ اثنين، ثمّ يذهب الآخر للزيارة! وباختصار، هكذا كان عصر المتوكّل.٢

  • وقد ورد في بعض التواريخ أنّ المتوكّل هدم قبر سيّد الشهداء ثلاث عشرة مرّة!٣ وهي أخبار ذكرها أهل السنّة، حيث أشار إليها القرمانيّ في أخبار الدول، وغيره أيضًا.٤ وخلاصة القول، كان المتوكّل رجلاً قاسيًا جدًّا، وبلغ درجة عالية من القسوة!

  • فعيّن رجلاً يُدعى عمر بن فرج الرخجيّ واليًا وحاكمًا على المدينة ليُشدّد على الشيعة، والعلويّين من الشيعة، وكلّ من كان من وُلد أبي طالب، لا من بني العبّاس ولا غيرهم، بل ليُشدّد على الذين من وُلد أبي طالب، فذهب ومكث في مكّة سنوات، وشّدد عليهم، وحرمهم من جميع المزايا؛ فلم يكونوا يعطونهم من بيت المال، ولا حتّى نصيبهم منه، ولا أيّ شيء! ولم يكونوا يعطونهم من الغنائم، ولا من سائر المنافع التي قُسّمت على جميع المسلمين. وقد أعلنوا أنّه: من يساعد أحدًا من العلويّين، أو يُحسن إليه، أو يُقدّم له خدمة، فسيُعاقب بأشدّ العقوبات، ويتعرّض للتعذيب والإساءة؛ فكانوا يقبضون على الناس ويعذّبونهم، بحيث لم يعُد الناس يقتربون من العلويّين خوفًا على أنفسهم!

  • وفي ذلك الزمان، اشتدّ الأمر على العلويّين وأبناء عليّ بن أبي طالب لدرجة أنّه ورد في الروايات: أنّ نساء العلويّين كنّ جليسات بيوتهنّ، ولم يكن لديهنّ ما يسترن به عوراتهنّ! أي لم يكن لديهنّ قميص يلبسنه! ففي كلّ منزل، كانت هناك عدّة نساء علويات يجلسن خلف المغازل لغزل الخيوط ونسج القماش، ولم يكن لديهنّ ملابس! فكانت المرأة منهنّ تمتلك قميصًا واحدًا تصلّي به، ثمّ تخلعه وتذهب عارية خلف المغزل؛ وتلبس الأخرى هذا القميص البالي وتصلّي به، ثمّ تخلعه هي الأخرى، فتلبسه الثالثة وتصلّي به! واستمرّ الأمر بهذا النحو حتى قُتل المتوكّل.٥

    1. المصدر نفسه.
    2. بحار الأنوار، ج ٤٥، ص ٤۰٣؛ الكامل، ج ۷، ص ٥٥، مع وجود اختلاف. المحقّق
    3. مناقب آل أبي طالب عليهم السلام، ج ٤، ص ٦٤، وردت الإشارة إلى سبعة عشرة مرّة.
    4. أخبار الدول وآثار الأوَل، ج ٢، ص ۱۱٣.
    5. مقاتل الطالبيّين، أبو الفرج الأصفهانيّ، ص ٤۷۸. 

شذرات من حياة الإمام الهادي عليه السلام

7
  • نهاية المتوكّل وتحسّن الأوضاع في عهد المنتصر

  • أمّا المنتصر، ابن المتوكّل، فكان على عكس أبيه، فقد تلطّف بآل أبي طالب كثيرًا وأحسن إليهم إحسانًا جمًّا، وأعاد إليهم فدكًا، والتي كان عمر بن عبد العزيز قد أرجعها في أوّل الأمر إلى آل أبي طالب وبني فاطمة؛ ثم أُخذت مرّتين، حيث أعادها المأمون ثانيةً؛ وفي المرّة الأخرى التي أُخذت فيها، أعادها المنتصر إلى بني فاطمة، فكان كثير الإحسان والعناية،۱ وقصّته عجيبة! 

  • ذات يوم، كان المنتصر يدرس عند معلّمه، فسأله عن تفسير إحدى الآيات القرآنيّة، فقال له المعلّم: «هذه الآية تتعلّق بكذا وكذا، وتتعلّق بآل أبي طالب...»، فقال: «يا للعجب! هكذا هو الأمر! فلماذا يقوم هؤلاء ضدّ آل أبي طالب ويقتلونهم ويسجنونهم ويحبسونهم؟!». فذهب هذا الابن للمراجعة، وتيقّن أنّ الحقّ مع هؤلاء، وأنّ جهاز الخلافة هذا جهاز ظلم وعدوان! حتّى كبُر وكان عند أبيه المتوكّل، فسبّ المتوكّل عليّ بن أبي طالب، ولعنه بحضور جميع من كان في المجلس بمن فيهم ابنه هذا، فغضب الابن كثيرًا وتبدّل حاله وتغيّر لونه، وأنشد له المتوكّل شعرًا يسأله فيه عن سبب غضبه، وجاء فيه باختصار: لو كنت ابن أمّك لما تغيّر حالك.. هكذا كان معنى الشعر! فغضب المنتصر غضبًا شديدًا؛ وفي الليل، استدعى الغلمان الأتراك ـ والذين كانوا يتواجدون بكثرة في بلاط المتوكّل ـ، واختار منهم عددًا من الغلمان الأقوياء المهرة والأساتذة في فنون الحرب. وكان بُغار من خواصّ المتوكل؛ إذ كان رجلاً قويًّا جدًّا وماهرًا بفنون الحرب، وكان رئيس جيش المتوكّل لسنوات عديدة؛ وله قصّة مفصّلة. وبعد أن دخل المجلس، خرج جميع الندماء الذين كانوا يشربون الخمر مع المتوكّل، حيث أمرهم المتوكّل بذلك، وخرج بُغار أيضًا، وبقي هو ووزيره الفتح بن خاقان. وعندما ذهب الجميع، ظلّ الاثنان جالسين يتحدّثان معًا وهم في حالة سُكر؛ فاستدعى ابنُه المنتصرُ الغلمان وقال لهم: «خذوا هذه السيوف، واذهبوا وقطّعوا أبي إربًا إربًا، وتعالوا!». فأخذ الغلمان السيوف ودخلوا على المتوكّل، فرفع الفتح بن خاقان يده وقال: «وا ويلاه! أتريدون قتل أمير المؤمنين؟! أتريدون قتل المتوكّل؟!»، فلم يعبؤوا به، وذهبوا نحو المتوكّل، وهم يرفعون السيوف ويخفضونها؛ فألقى الفتح بن خاقان بنفسه على جسد المتوكّل لتُصيبه السيوف، فلم تُصب هذا الأخير مرّتين، لكنّها كانت ترتفع وتنخفض باستمرار حتّى أصبح الجسدان قطعة واحدة، بل انضغطا على بعضهما البعض بقوّة السيوف! واختلطت الدماء واللحوم والعظام ببعضها! ﴿إِلَىٰ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾.

    1. الكامل، ج ۷، ص ۱۱٦.

شذرات من حياة الإمام الهادي عليه السلام

8
  • عاد الغلمان إلى المنتصر، وسلّموا عليه بالخلافة قائلين: «السلام عليك يا أمير المؤمنين! نهنّئك ونبارك لك الخلافة!»، فأصبح المنتصرُ خليفةً۱و٢

  • نماذج من معاناة الإمام الهادي عليه السلام من ظلم المتوكّل

  • بعد هذه الأحداث، قدّم المنتصر للعلويّين خدمات كبيرة، وكثيرة جدًا، حيث يذكر التاريخ إحسانه وكرمه وإنفاقه وردّه لجميع حقوقهم الماضية؛ فقد أعاد إليهم فدك، وغير ذلك.٣ لكن في زمن المتوكّل، كان الأمر صعبًا للغاية، وخاصّة على حضرة الإمام عليّ النقيّ الذي أدرك عصر المتوكّل بأجمعه، فكان الأمرُ في هذا العصر لا يُطاق! إذ استُدعي الإمام من المدينة إلى سامراء، ووُضع تحت نظره؛ فظلّ مسجونًا وتحت المراقبة! وحتّى الأفراد الذين كانوا يذهبون للقائه عليه السلام ويعودون، كانوا موضع مراقبة وتفتيش وتهمة من قبل الدولة، ولم يكن الناس يجرؤون على الذهاب إليه، سوى الخواصّ! وكان حضرة الهادي عليه السلام غالبًا ما يلزم منزله ولا يخرج منه أبدًا؛ وكان الشيعة الذين يريدون رؤيته ينتظرون حلول يوم الجمعة عندما يذهب الخليفة للصلاة، ويتوجّب على الإمام أيضًا الذهاب لصلاة الجمعة، فيلتقون به في الطريق؛ أو ينتظرون حلول بعض الأيّام التي يذهب فيها الخليفة للصيد ويرافقه كبار القوم والأعيان والوزراء، وكان يُجبر أيضًا الإمام عليّ الهادي على مرافقته في هذه الرحلة، ففي ذلك الوقت، كانوا يلتقون بالإمام عليه السلام!٤

  • ينقل عليّ بن مهزيار الأهوازي رواية عجيبة، ذُكرت في مناقب ابن شهرآشوب منقولةً عن الْمُعْتَمَدُ فِي الْأُصُولِ، وجاء فيها أنّ عَلِيّ بْنُ مَهْزِيَارَ قال:

  • وَرَدْتُ الْعَسْكَرَ (سامراء)، وأَنَا شَاكٌّ فِي الْإِمَامَةِ (بعد الإمام الجواد عليه السلام وغير متيقّن بإمامة الإمام الهادي، فمكثتُ هناك إلى أن يتبيّن لي الأمر، فمرّت عدّة أيّام)، فَرَأَيْتُ السُّلْطَانَ قَدْ خَرَجَ إِلَى الصَّيْدِ (وبرفقته علّية القوم والأشراف والوزراء بأجمعهم) فِي يَوْمٍ مِنَ الرَّبِيعِ، إِلَّا أَنَّهُ صَائِفٌ، والنَّاسُ عَلَيْهِمْ ثِيَابُ الصَّيْفِ،‌ وعَلَى أَبِي الْحَسَنِ لَبَّادٌ، وعَلَى فَرَسِهِ تِجْفَافُ لُبُودٍ (الكساء الذي يوضع على الفرس)، وقَدْ عَقَدَ ذَنَبَ الْفَرَسِ، والنَّاسُ يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ، ويَقُولُونَ: "أَ لَا تَرَوْنَ إِلَى هَذَا الْمَدَنِيِّ ومَا قَدْ فَعَلَ بِنَفْسِهِ؟!"، (فكانوا متعجّبين من فعل هذا المدنيّ، ومرادهم الإمام العاشر عليه السلام)، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي (متعجّبًا أيضًا): "لَوْ كَانَ هَذَا إِمَامًا، مَا فَعَلَ هَذَا، (فمن الواضح أنّه لا يُفكّر بنحو سليم)".

    1. الكامل، ج ۷، ص ٥٦ و٩۸؛ تاريخ الطبريّ، ج ٩، ص ٢٢۷.
    2. الوافي بالوفيات، ج ۱۰، ص ٤٤، حكاية معبّرة عن سيف المتوكّل:
      «حدّث البحتري الشَّاعِر قَالَ كُنَّا عِنْد المتَوَكل مَعَ الندماء، فتذاكروا أَمر السيوف، فَقَالَ بعض من حضر: "يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَقع عِنْد رجل من أهل الْبَصْرَة سيف من الْهِنْد لَيْسَ لَهُ نَظِير"، فَأمر المتَوَكّل بِالْكتاب إِلَى عَامل الْبَصْرَة يَطْلُبهُ، فاتّفق أَن اشْترِي بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم، فسُرّ المتَوَكل بِوُجُودِهِ، وانتضي فَاسْتَحْسَنَهُ، وَقَالَ لِلْفَتْحِ: "اطلب لي غُلَاما تثق بنجدته وشجاعته وادفع إِلَيْهِ هَذَا السَّيْف ليَكُون وَاقِفًا بِهِ على رَأْسِي كلّ يَوْم وَمَا كنت جَالِسًا"، فَلم يستتمّ المتَوَكّل الْكَلَام، حَتَّى دخل باغر التركيّ، فَدَعَا بِهِ المتَوَكّل، فَدفع إِلَيْهِ السَّيْف، وَأمره بِمَا أَرَادَ، وَأمر أَن يُزَاد فِي مرتبه. 
      قَالَ البحتريّ: "فوَاللَّه، مَا انتضي ذَلِك السَّيْف، وَلَا أخرج من غمده مُنْذُ الْوَقْت الَّذِي دَفعه إِلَيْهِ المتَوَكل، إِلَّا فِي اللَّيْلَة الَّتِي ضرب باغر التركي بِهِ المتَوَكّل أستاذه"». المحقّق
    3. الكامل، ج ۷، ص ۱۱٦.
    4. الخرائج والجرائح، ج ۱، ص ٣٩٩ و٤۰٣.

شذرات من حياة الإمام الهادي عليه السلام

9
  • فَلَمَّا خَرَجَ النَّاسُ إِلَى الصَّحْرَاءِ، لَمْ يَلْبَثُوا أَنِ ارْتَفَعَتْ سَحَابَةٌ عَظِيمَةٌ هَطَلَتْ، فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلَّا ابْتَلَّ، حَتَّى غَرِقَ بِالْمَطَرِ، وعَادَ عليه السلام وهُوَ سَالِمٌ مِنْ جَمِيعِهِ (لأنّه كان مستعدًّا من قبل، وحينما عادوا، اكتشف الجميع حقيقة الأمر).

  • فَقُلْتُ فِي نَفْسِي (حينما رأيت أنّ الإمام قد عاد): "يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْإِمَامَ "، (فهذه إحدى علامات الإمامة، لكن، لديّ مسألة، وعليّ أن أطرحها عليه، فإن أجابني عنها، عرفت أنّه إمام، وإلاّ، توجّب عليّ إقامة دليل آخر؛ وها هو هذا المدنيّ يأتي الآن من بعيد بهذه الوضعيّة ـ حيث كانوا يضعون في السابق نقابًا على وجوههم ـ، فإذا كشف النقاب عن وجهه من تلقاء ذاته، ونظر إليّ، فطرحت عليه ذلك السؤال، سيتبيّن أنّه إمام).

  • (فبقيتُ مترصّدًا بذلك النحو)، فَلَمَّا قَرُبَ مِنِّي كَشَفَ وَجْهَهُ، ثُمَّ قَالَ: "إِنْ كَانَ عَرَقُ الْجُنُبِ فِي الثَّوْبِ وجَنَابَتُهُ مِنْ حَرَامٍ لَا يَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ، وإِنْ كَانَتْ جَنَابَتُهُ مِنْ حَلَالٍ فَلا بأسَ"، (ثمّ ذهب).

  • (حيث كان سؤاله كالآتي): "أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنِ الْجُنُبِ إِذَا عَرِقَ فِي الثَّوْبِ، (هل يُمكنه الصلاة فيه أم لا)"، (فقال عليه السلام: "إِنْ كَانَ عَرَقُ الْجُنُبِ فِي الثَّوْبِ وجَنَابَتُهُ مِنْ حَرَامٍ لَا يَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ، وإِنْ كَانَتْ جَنَابَتُهُ مِنْ حَلَالٍ فَلا بَأسَ"».۱

  • ويذكر الفقهاء هذه الرواية في كتب الفقه، ويستدلّون بها على أنّه: ليس لدينا دليل على نجاسة عرق الجُنب من الحرام؛ لأنّ بعض الفقهاء يقولون بنجاسته، شأنه شأن بقيّة النجاسات.

  • ويقول البعض الآخر إنّه لا يجوز للإنسان أن يُصلّي في ثوبٍ فيه عرق جُنب من الحرام، مع أنّ عرق الجُنب من الحرام بنفسه ليس نجسًا؛ وهذا نظير شعر وجلد وظفر ولحم الحيوان المحرّم الأكل إذا ذُبح ذبحًا شرعيًّا، فإنه لا يكون نجسًا، ولكن لا تجوز الصلاة به؛ لأنّه لا تصحّ الصلاة فيما لا يُؤكل لحمه، مع أنّه ليس بنجس.

  • ويستفيد الفقهاء من هذه الرواية أيضًا أنّ ما يُفهم من كلام الإمام هو «عدم جواز الصلاة في ثوب فيه عرق جُنب من الحرام»، ولكنّه عليه السلام لم يقل: إنّه نجس؛ وبالتالي، فإنّ هذه الرواية تُؤكّد ما جاء في الروايات الأخرى التي تقول إنّ عرق الجنب من الحرام ليس نجسًا، ولكن لا تجوز الصلاة به.

    1. مناقب آل أبي طالب عليهم السلام، ج ٤، ص ٤۱٣.

شذرات من حياة الإمام الهادي عليه السلام

10
  • مرض المتوكّل، حيث ورد في الروايات أنّه ظهر في جسده خُراج؛ وهو ما يخرج بالبدن من القروح، وتلك الدمّل التي تنتفخ كثيرًا، ويتجمّع فيها القيح، ويشتدّ أمرها لدرجة أنّها تكاد تقتل صاحبها. فقال الفتح بن خاقان: «لو أرسلت إلى هذا الرجل، فلربّما كان لديه دواء يستطيع أن يُعالجك به؛ وقد رأينا منه نظائر هذه الأشياء!»، ونذرت والدة المتوكّل أيضًا أن ترسل شيئًا إلى الإمام إذا شُفي ابنها.

  • فقال المتوكّل: «لا بأس، ابعثوا إليه!»، فأرسلوا إلى الإمام أنّ المتوكّل قد أصابه مرض كذا، فهل يوجد لديكم دواء؟ فقال الإمام: «خُذُوا كُسْبَ‌ الْغَنَمِ، فَدِيفُوهُ بِمَاءِ الْوَرْدِ، وَضَعُوهُ عَلَى الْخُرَاج».

  • فجاؤوا إلى المتوكّل وأخبروه بذلك، وأراد بعض الحاضرين أن يسخروا قليلاً ممّا قاله [الإمام]! فقال الفتح بن خاقان: «إنّها مجرّد تجربة، ولا ضرر من فعل ذلك!». فأمروا بإحضار الكُسب، وخلطوه بماء الورد، ووضعوه على الجرح، وربطوه، وبعد مدّة، انفتح وخرج ما كان فيه، وشُفي.

  • فأرسلت والدة المتوكّل إلى الإمام بدرةً من الذهب (كيسًا من الذهب) فيه عشرة آلاف دينار، وقد ختمته بيدها؛ وظلّت هذه البدرة في بيت الإمام مدّة طويلة.

  • كان البعض يسعى باستمرار إلى الوشاية بالأئمّة ومنزلتهم عند الخلفاء، فكثُرت الوشاية ضدّ حضرة الإمام جعفر الصادق عليه السلام، وضدّ حضرة موسى بن جعفر، وضدّ حضرة الجواد، وضد حضرة الإمام عليّ الهادي؛ فكانوا يأتون، ويقولون: «إنّكم غافلون عن أنّ هؤلاء صاروا أقطابًا، وتأتيهم الأموال من كل حدب وصوب، وتُحضر إليهم الأموال من بيت المال، وتُرسل إليهم الأسلحة، وتُبعث إليهم الرسائل؛ وهم عازمون على الخروج على جهاز الحكم!»؛ ولهذا، كانوا يرسلون إلى الأئمّة باستمرار، ويأتون بهم، ويحبسونهم، ويسجنونهم، ثمّ يُطلقون سراحهم، حيث كانت تحدث هذه الأمور على الدوام في فترة خلافة بني العبّاس.

  • واستمرّ الأمر بهذا النحو في زمن الإمام الهادي عليه السلام؛ إذ كانوا يأتون إلى المتوكّل، ويسعون بالوشاية؛ فوشوا إليه بأنّ أموالاً وأسلحة كثيرة قد أُحضرت إليه عليه السلام من قمّ، وأنّه يعتزم الخروج عليك!

  • وفي منتصف الليل، قال المتوكّل لأحد غلمانه وحجّابه يُدعى سعيد: «اذهب الآن، وفتّش بيت الإمام وتعال، وأحضر لي كلّ ما تجده من مال وسلاح». فوضع سعيد سلّمًا، وصعد إلى سطح بيت الإمام، ووضعه في البيت؛ وبينما كان ينزل من درجات السلّم، كانت أرجل هذا السلّم تهتزّ، فظلّ بنفسه نفسه متحيّرًا، حيث لم يكن على علم بوضع البيت؛ فناداه الإمام: «(لماذا تنزل هكذا؟!) تَوَقَّفْ حَتَّى تُؤْتَى بِالْمِصْبَاحِ». فأتوه بمصباح أو شمعة، فنزل.

شذرات من حياة الإمام الهادي عليه السلام

11
  • فقال الإمام: «ماذا تريد؟».

  • قال: «أُمرتُ بتفتيش بيتك».

  • فقال الإمام: «اذهب، وفتّش».

  • ففتّش جميع الغرف، ورجع عند الإمام، فقال له عليه السلام: «ليس لدينا غير تلك البدرتين وذينك الكيسين؛ والسلاح موضوع تحت ذلك اللحاف، فخذه؛ وسيفي أيضًا موجود هنا!»؛ فلم يجد شيئًا!

  • [بعد أن أُخذت أموال الإمام إلى المتوكّل كان اسم والدة المتوكّل وختمها موضوعين على الكيس، فاستدعى المتوكّل والدته وسألها عن الأمر، فأجابت والدته:]

  • «كنتَ مريضًا، فنذرتُ، فشُفيتَ؛ وحينئذ، أرسلت إليه هذا الكيس».

  • فتبيّن أنّ الإمام لم يكن حتّى ذلك الوقت قد لمس ذلك الكيس أبدًا؛ والمتوكّل أيضًا لم يلمسه، بل وضعه جانبًا، وقال: «افتحوا الكيس الآخر!»، فلمّا فتحوه، وجدوا فيه أربعمائة دينار أو أربعمائة درهم؛ وكان مالاً قليلاً، فأضاف المتوكّل بدرة أخرى إليه، وأعطاها لحاجبه سعيد، وقال له: «احمل الكيسين مع ذلك السيف، واذهب بهما إلى الإمام، واعتذر منه». فجاء سعيد إلى الإمام، ودخل وقال: "يا ابن رسول الله، عَزَّ عَلَيَّ بِدُخُولِي عَلَيْكَ دَارَكَ بِغَيْرِ إِذْنِكَ، وَلَكِنّ المأمور معذور»، فقال الإمام: ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾؛۱ فهكذا أجابه عليه السلام.٢

  • أشعار الإمام الهادي عليه السلام في مجلس المتوكّل

  • مرّة أخرى، سعوا إلى الوشاية بالإمام عند المتوكّل بأنّه يتآمر عليه، ويعدّ العدّة لذلك، فأرسل المتوكّل في منتصف الليل عدّة رجال من أولئك الغلمان الأتراك قائلاً: «اذهبوا إلى بيت ابن الرضا، وأحضروه إلى هنا كيفما كان الحال الذي وجدتموه عليه!». فداهموا منزل الإمام في منتصف الليل، فوجدوه عليه السلام في غرفة مغلقة من الداخل، يرتدي مدرعة من صوف، وعلى رأسه قلنسوة من صوف أيضًا، وجالسًا في تلك الغرفة على الرمل (أي على الحصباء) منهمكًا في قراءة القرآن.

  • فقالوا: «أجب الخليفة، قم بنا إلى الخليفة!»، فقال الإمام: «ألبسُ ثيابي!»، فقالوا: «لا! هكذا، أمرنا الخليفة أن نأتي بك هكذا!». فأحضروه عليه السلام إلى الخليفة بتلك الهيئة، وقال الغلمان: «لقد فتّشنا المنزل كلّه، فلم يكن فيه سلاح ولا مال ولا أوراق»، قال: «على أيّ حال رأيتم ابن الرضا؟»، قالوا: «كان منهمكًا في قراءة القرآن، وجالسًا على الأرض في غرفة»، فقام المتوكّل ـ الذي كان مشغولاً بشرب الخمر ـ بالتفكير قليلاً، ثمّ فسح للإمام مكانًا بجانبه، وقال له: «تعال، تعال اجلس بجانبي!»، فذهب عليه السلام إليه، فأظهر المتوكّل له بعض التواضع، وقال له: «حسنًا، تفضّل واشرب من خمرنا هذه!»، وقدّمها للإمام.

    1. سورة الشعراء، الآية ٢٢۷.
    2. الخرائج والجرائح، ج ٢، ص ٦۷۷؛ إعلام الورى بأعلام الهدى، ص ٣٦۱.

شذرات من حياة الإمام الهادي عليه السلام

12
  • فقال عليه السلام: «وَاللَّهِ، مَا يُخَامِرُ (قطرة واحدة منه) لَحْمِي وَ دَمِي قَطُّ».

  • فقال: «حسنًا، أنشد لنا شعرًا! لقد عفوت عنك من شرب الخمر، لكن أنشد لنا شعرًا، لكي تزداد لذّتنا ونحن نحتسي الخمر!».

  • فقال عليه السلام: «إنّي قليل الرواية للشعر، (ولست من أهله)».

  • قال: «لن أغضّ الطرف عن هذا الأمر، لا بدّ أن تقرأ الشعر، فلن أقيلك من ذلك!»؛ فبدأ الإمام يقرأ عليه الأشعار التالية:

  • بَاتُوا عَلَى قُلَلِ الْأَجْبَالِ تَحْرُسُهُمْ***غُلْبُ الرِّجَالِ وَلَمْ تَنْفَعْهُمُ الْقُلَلُ‌
  • وَاسْتُنْزِلُوا بَعْدَ عِزٍّ مِنْ مَعَاقِلِهِمْ***وَأُسْكِنُوا حُفَرًا يَا بِئْسَمَا نَزَلُوا
  • حيث تُنسب هذه الأشعار في الأساس إلى أمير المؤمنين عليه السلام، إلاّ أنّ الإمام الهادي استشهد بها، وقام بقراءتها هنا.

  • فعبر مختلف العصور، كان هؤلاء الحكّام والسلاطين والخلفاء والفراعنة على وجه الأرض يسعون للحفاظ على عماراتهم وقصورهم، فكانوا يذهبون للعيش على رؤوس الجبال ليحموا أنفسهم من آفات الزمان ومصائب الدهر، وكانوا يبيتون الليالي حتّى الصباح على قمم الجبال.

  • «باتوا على قُلَلِ الأجبالِ؛ كانوا يبيتون على رؤوس الجبال».

  • «تَحرُسُهُم غُلبُ الرِّجال؛ وكان رجال أشدّاء يحرسونهم، وكان لهم حرّاس أقوياء يُحيطون بهم».

  • لكن في النهاية، «ولَم تَنفَعهُمُ القُلَل؛ فلم تنفعهم تلك القمم، ولم يستطيعوا أن يعيشوا ويبقوا فيها؛ واضطرّوا للنزول عنها».

  • «واستُنزِلوا بَعد عِزٍّ مِن معاقِلِهِم؛ نزلوا من هناك. من تلك المعاقل والحصون والملاجئ المحصّنة والعجيبة، فهبطوا بعد تلك العزّة إلى تحت الأرض».

  • «وأُسكنوا حُفَرًا؛ ذهبوا إلى تحت الحفر والسقوف، وناموا!»

  • «يا بِئسَما نَزَلوا؛ فيا له من مكان بئيس!!»؛ إذ لا يشبه ذاك المكان أبدًا؛ فهناك، كانت توجد العزّة وقمم الجبال والقدرة والمحبّة والسيادة والاستكبار؛ وهنا، ليس إلاّ الأرض والطين والحجارة والأفاعي والعقارب والحيوانات التي تعيش تحت الأرض.

  • ناداهُم صارِخٌ مِن بَعدِ دَفنِهِم***أينَ الأسـاوِرُ و التّيجانُ و الحُلَلُ؟!
  • «عندما ذهبوا للرقود في القبر، ناداهم بعد الدفن منادٍ، وذلك في الليلة الأولى منه: أين تلك الأساور الذهبية؟! أين تلك التيجان؟! أين تلك الحُلل وأنواع الزينة والديباج والملابس والمراكب الذهبيّة؟!»

  • أينَ الوُجوهُ الَتّي كانَت مُنَعَّمَةً***مِن دونِها تضرَبُ الأستارُ وَ الكِلَلُ؟!۱
    1. الكِلل: جمع كِلّة، وهي الستر الذي *** يُتَوَقَّى به من البعوض وغيرهِ. المؤلّف

شذرات من حياة الإمام الهادي عليه السلام

13
  • «فتلك الوجوه الناعمة التي كانت في الدنيا منعّمة بكلّ أنواع النعم، وكانت تُوضع لأجلها الشبكات حتّى لا يجلس عليها الذباب عندما كانت تستريح ليلاً، أين هي الآن؟! وكيف هو حالها؟!»

  • فَأفصَحَ القَبرُ عَنهُم حينَ سائَلَهُم***[تلك] الوُجوهُ عَلَيها الدّودُ تَنتَقِلُ
  • فَطالَماَ شَرِبوا دَهرًا وَ ما أكَلوا***فَأصبَحوا اليومَ أُكلاً بَعدَ ما أكَلوا
  • «(لم يستطيعوا أن يجيبوا ذلك المنادي بأنفسهم، فأجابه القبر)، وكشف هذا القبرُ الستار، وأوضح الأمر، وأجاب ذلك السائل! أتريد أن تعرف أين تلك الوجوه المنعّمة التي كانت تنام تحت شبكات البعوض، وتُزيّن نفسها بأنواع الزينة؟! تعال، وانظر كيف يخرج الدود من ثقوب أجسادها؛ فيدخل من هذا الجانب ويخرج من الجانب الآخر، ويدخل من تلك الجهة ويخرج من هذه الجهة! لقد أصبحت الجمجمة موطنًا للدود، وأضحى البطن وثقب الأنف والأذن محلاًّ له، وصار الفم مكانًا لحركته!

  • لقد كان العديد من هؤلاء يعيشون فوق الأرض، ويأكلون ويشربون باستمرار؛ والآن، أصبحوا هم أنفسهم طعامًا للدود! فإذ كنت تسألني: "أين هم؟"، فهذا هو الجواب!».

  • أنشد الإمام هذه الأشعار للمتوكّل؛ وجاء في الروايات أنّ المتوكّل بكى كثيرًا، وضرب كأس الخمر بالأرض مع أنّه كان في حالة سكر، ثمّ قال: «يا ابن رسول الله، نعتذر إليك، سامحنا، فهم يشون بك إلينا، وإلاّ، فليس لدينا أيّ رأي سيّئ عنك! هل لك حاجة أو شيء آخر؟».

  • فقال الإمام: «لا، ليست لي حاجة». قال: «لا يُمكن! هل عليك دين أم لا؟».

  • فقال الإمام: «نعم، أربعة آلاف دينار»، فأحضروا له عليه السلام كيسًا فيه أربعة آلاف دينار، وقال المتوكّل: «أرجو منك أن تأخذ على الأقلّ هذا المال مع الغلمان لتسديد دينك!».۱

  • كان المتوكّل والفتح بن خاقان يركبان الخيل، ثمّ أمر المتوكّل بأن يسير كبار القوم مشاةً حولهما، وخاصّةً الإمام عليّ الهادي؛ فكان عليه السلام يسير ماشيًا في ركاب المتوكّل ووزيره! حيث كان المتوكّل يريد أن يُظهر للناس أنّ: وزيري يمتلك منزلة كبيرة، إلى درجة أنّه يُرافقني وهو راكب، بينما يسير الآخرون مشاةً؛ هذا، مع أنّ هدفه كان أن يُظهر لجميع الناس أنّ عليّ بن محمّد ليس له اعتبار في بلاطنا، وأنّه من مرافقينا المشاة وحسب! فكان الإمام يمشي، وكانوا يسيرون به إلى أن تعب، وعرق.٢

    1. مروج الذهب، ج ٤، ص ۱۱.
    2. مهج الدعوات ومنهج العبادات، ص ٢٦٦.

شذرات من حياة الإمام الهادي عليه السلام

14
  • قال أحد حُجّاب المتوكّل يُدعى زرّافة:

  • رأيت الإمام يمشي وهو يتصبّب عرقًا وقد انتابه التعب، فأتيت، وقلت: يا ابن رسول الله! ما هذا البلاء الذي حلّ بك؟! فقال الإمام: ﴿وَسَيَعلَمُ الذِينَ ظَلَمُواْ أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾!۱ إنهم يفعلون هذا ليُذلّونا ويُهينونا بين الناس، لكنّهم لا يعلمون أنّ تلك السيادة والعظمة التي لدينا ليست ملكًا لنا، بل الله أعطانا إيّاها، ولن يقدروا على سلبنا إيّاها!

  • ثمّ قلتُ: يا ابن رسول الله! ألا تدعو عليهم بشيء؟! فقال الإمام: «مَا نَاقَةُ صَالِحٍ عِنْدَ اللَّهِ بِأَكْرَمَ مِنِّي». هكذا قال!

  • مرّت هذه الحادثة، ورجعتُ إلى منزلي (وقد كان حاجبًا للمتوكّل)، وكان مؤدّب أولادي منهمكًا في تدريسهم بالبيت؛ فقصصت عليه ما جرى، وأنّ ابن الرضا كان اليوم في ركاب المتوكّل بتلك الحالة، وقد انزعجت كثيرًا، وكان الإمام يعرق ويمشي بذلك النحو، فقلتُ له: ألا تدعو عليهم بشيء؟ فقال الإمام: «مَا نَاقَةُ صَالِحٍ عِنْدَ اللَّهِ بِأَكْرَمَ مِنِّي».

  • فقال ذلك المؤدّب: «بالله عليك، هل قال هذه الجملة تحديدًا؟! قلّ الحق! اصدقني القول!» قلت: نعم! سألته: ألا تدعو عليهم بشيء؟ فقال الإمام: «مَا نَاقَةُ صَالِحٍ عِنْدَ اللَّهِ بِأَكْرَمَ مِنِّي».

  • فقال لي ذلك المعلّم: «اذهب وتدارك أمرك، واجمع أموالك، فالخطر قريب؛ إذ سيموت المتوكّل بعد ثلاثة أيّام!» قلت: من أين استنتجت هذا؟

  • قال: «من الآية القرآنيّة: ﴿فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُم ثَلَٰثَةَ أَيَّامٍ﴾؛٢ فبعد أن عقروا ناقة صالح، أتى عذاب الله، وقال [نبيّ الله صالح]: لم يبق سوى ثلاثة أيّام، ويحلّ بكم العذاب جميعًا! وهنا، نجد أنّ الإمام بنفسه هو الذي ينطق بهذه العبارة: «مَا نَاقَةُ صَالِحٍ عِنْدَ اللَّهِ بِأَكْرَمَ مِنِّي»، فلن يعيش المتوكّل أكثر من ثلاثة أيّام!»

  • يقول: كنّا نحسب الساعات والدقائق؛ وفي نفس الوقت الذي ذكره الإمام، أرسل المنتصرُ الغلمانَ الأتراك، فجعلوا جسدي الفتح بن خاقان والمتوكّل قطعة واحدة؛ وذلك بعد مرور ثلاثة أيّام!٣

  • «الإِيمَانُ مَا وَقَّرَتْهُ الْقُلُوبُ وَصَدَّقَتْهُ الْأَعْمَالُ». يحتاج الإنسان إلى الإيمان القلبيّ في كلّ زمان، بحيث يستوعب هذا الإيمان قلبه، فيقبله، ويعتقد به اعتقادًا حقيقيًّا، ولا تكون الأعمال التي يقوم بها متعارضة معه، ولا يقول: «لقد أودعت الإيمان في قلبي»، لكنّ يده ورجله وعينه وأذنه تحكي عن شيء آخر؛ فهذا غير صحيح! فلدينا آية قرآنيّة مفادها أنّ الذين تبيضّ وجوههم يوم القيامة هم الذين اكتسبوا الإيمان، وقاموا بأعمال صالحة طبقًا لهذا الإيمان، حيث تكون هذه الأعمال الصالحة مصدّقة لإيمانهم. وإلاّ، فقد كان جميع الأفراد زمن المتوكّل من كبار القوم والرؤساء والوزراء والمعارضين مسلمين. فمن خلال هذه العبارة، يريد الإمام أن يقول لأبي دعامة: إنّ هذا الإسلام لا ينفع في شيء! «وَالْإِسْلَامُ مَا جَرَىٰ بِهِ اللِّسَانُ وَحَلَّتْ بِهِ الْمُنَاكَحَةُ»؛ فنجد هؤلاء يعتنقون الإسلام من أجل المتع الظاهريّة، والاستفادة من بيئة الإسلام وبيضته وأحكامه؛ وأمّا ما ينفع الإنسان، فهو الإسلام الذي يستقرّ في القلب، حيث وصل إلينا هذا الحديث بسلسلة سند متّصلة عن الإمام، عن آبائه الكرام، عن النبيّ الأكرم نفسه.

    1. سورة الشعراء، الآية ٢٢۷.
    2. سورة هود، الآية ٦٥.
    3. مهج الدعوات ومنهج العبادات، ص ٢٦٦؛ الخرائج والجرائح، ج ۱، ص ٤۰۱؛ عيون المعجزات، ص ۱٣٣.

شذرات من حياة الإمام الهادي عليه السلام

15
  • شهادة الإمام الهادي عليه السلام وأوضاع سامراء في عصره

  • لقد أمضى الإمام عليّ الهادي عليه السلام فترة خلافة المتوكّل، كما كانت فترة المنتصر قصيرة جدًّا؛ إذ لم تدُم خلافتُه أكثر من ستّة أشهر، ثمّ جاء المستعين، ثمّ المعتزّ؛ والذي استُشهد الإمام في زمانه، حيث إنّ قصّة هذا الاستشهاد مهمّة جدًا. لقد ذكرت لكم في وقت سابق كيفيّة استشهاده عليه السلام، وما يتعلّق بالمرض الذي أصابه، حينما جاء بختيشوع وفصده، فخرج من يده حليب أبيض بدل الدم، حيث تحدّثنا عن ذلك بالتفصيل.۱

  • اليوم هو ذكرى شهادة هذا الإمام على إثر السمّ الذي دسّه إليه المعتزّ، ويمكن القول في الحقيقة إنّه كان يوم راحته؛ لأنّه عليه السلام كان يعيش في مدينة سامراء، والتي كانت دار الخلافة والعاصمة، وكانت تُسمّى العسكر؛ لأنّ جميع العسكر كانوا يقطنون بها، وكانت أكبر مدينة؛ وهي ليست مدينة سامراء الحالية، حيث نراهم يحفرون الآن على بُعد فرسخ حول سامراء، فتظهر حفريات وسراديب تحت الأرض. ويُقال: إنّ مساحتها كانت تتجاوز فرسخًا في فرسخ!٢ وكانت تتواجد بها العديد من القصور، وقد دُونّت في تاريخ بني العباس مجموعة من المسائل عن وضع سامراء.. مسائل لا يستطيع الإنسان تصديقها حقًّا!!

  • كان يمتلك المتوكّل عدّة قصور في سامراء، أحدها القصر الأحمر، والثاني القصر الأبيض، والثالث القصر الأخضر؛ وكان يُطلق عليها اسم القبّة البيضاء، والقصر الأخضر، فكان لكلّ منها اسم معيّن. وكان يبني قصرًا لكلّ واحدة من زوجاته، حيث كانت هذه القصور مشيّدة ومزيّنة ومحلاّة بالحليّ بشكل كبير، وكانت فيها أحواض، واستُخدمت فيها الأحجار، وكانت فيها نوافير، وكان تصميم بنائها بنفسه عجيبًا وغريبًا! وكانت واسعة جدًّا لدرجة أنّ جميع خصائصها مدوّنة في التاريخ، وكان يبني قصرًا لكلّ واحدة من جواريه أيضًا!٣

  • ذات مرّة، ذهب المتوكّل إلى أطراف المدينة، ودخل إحدى الخيام السوداء المتنقّلة، فرأى فتاة، ولكن أيّة فتاة! كانت فتاة جميلة من اللواتي يعشن دائمًا مع بقرة داخل خيمة؛ فاختصّها لنفسه في سامراء، وأحضرها إلى أحد تلك القصور الحمراء، ومنحها إيّاه! لقد كانت مجرّد فتاة تعيش في خيمة وفي حرارة الشمس، ولا يتعدّى عملها حلب البقرة وجمع روثها، وترتدي ثوبًا صوفيًّا ممزّقًا، فأصبحت الآن تعيش في هذا القصر، وترتدي ملابس حريريّة وجواهر وذهبًا! لكنّ هذه الفتاة كانت تذهب أحيانًا، وتفتح إحدى النوافذ المطلّة على الخارج، وتنظر إلى الإبل التي تروح وتغدو، وتبكي باستمرار. فقال لها المتوكّل: «لماذا تبكين؟!» قالت: «أريد الذهاب إلى المكان الذي كنت أعيش فيه!». قال لها: «هل جُننتِ؟! شتّان بين هذا المكان، وبين ذاك؟! لقد كنت تعيشين في خيمة، مع بقرة، وبتلك الحالة التي لا ينفصل فيها ماؤكم عن طعامكم، وروثكم عن طعامكم؛ وقد جئت الآن إلى هنا لتعيشي بهذه الطريقة!». وباختصار، فإنّها لم تهدأ بتاتًا، وبكت كثيرًا إلى أن قال لها المتوكّل: «اذهبي، فلا أرينّك أبدًا! اذهبي إلى هناك!» فكانت تقول له: «لو ذهبت إلى هناك، وحلبت تلك البقرة، وجلست للحديث مع والديّ بتلك الملابس وذلك الطعام، لكان ذلك أفضل من البقاء هنا»؛ فنشاهد وجود الكثير من العجائب في التاريخ!

    1. ذُكرت هذه المسألة في ضمن الحديث عن معجزات الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام ومناقبه: الخرائج والجرائح، ج ۱، ص ٤٢٢؛ مناقب آل أبي طالب عليهم السلام، ج ٤، ص ٣۸٩.
    2. في كتاب معجم البلدان، ج ٣، ص ۱۷٦، جرى الحديث عن ثمانية فراسخ.
    3. تاريخ اليعقوبي، ج ٢، ص ٤٩۱؛ معجم البلدان، ج ٣، ص ۱۷٥ ـ ۱۷٦.

شذرات من حياة الإمام الهادي عليه السلام

16
  • في ذلك الوقت، كان الإمام عليّ الهادي عليه السلام حبيس منزله، فلم يتمكّن الناس من زيارته؛ مع أنّه كان هو الإمام! وفي بعض الأحيان، كانوا يأتون لزيارته ويعودون بسرعة؛ إذ لو أطالوا المكوث عنده، لأصبحوا موضع اتّهام من قبل السلطة؛ وكان الإمام يقول: «سألت عن مسألتك؟ اذهب، إنّي أخاف على نفسك، إنّني أخاف عليك، فلا تبق هنا كثيرًا!».۱

  • سياسة التضييق على الأئمّة عليهم السلام في العصر العبّاسي

  • و بعد الإمام الهادي، شدّدت الحراسة أكثر على الإمام العسكريّ، فكان عليه السلام يُقلّل الخروج، ولم يقدر أحد على رؤيته بتاتًا، اللهمّ، إلاّ في الوقت الذي يخرج فيه لصلاة العيد أو صلاة الجمعة أو ما شابه ذلك. ويُقال إن الله قدّر ذلك حتّى يعتاد الناس تدريجيًّا مع اقتراب الغيبة الكبرى على احتجاب أئمّتهم، ولا تكون هذه الغيبة بالنسبة إليهم غريبة جدًّا.٢

  • إنّ كلمات الإمام عليّ الهادي عليه السلام مسطّرة في الكتب، كما أنّ الفقهاء يستفيدون من هذه الكلمات في باب الروايات، غير أنّ مقدراها يسير جدًّا؛ سواء في المسائل الأخلاقيّة، أو التفسيريّة، أوما يرتبط بمختلف مراحل الحديث الفقهي. ولماذا هي قليلة؟ لأنّ الإمام لم يكن يتحدّث إلى أحد، ولم يكن أيّ أحد قادرًا على رؤيته، وكان ذلك يحدث في حالات نادرة جدًّا. لقد كانت ظروف ذلك العصر بالغة العسرة، وكلّ من كان يزور الإمام، ولو زيارة بسيطة، كان يصير موضعًا للتهمة، ويتعرّض بيته وماله وأولاده للمضايقة والملاحقة؛ ولذلك، كان الناس يخافون! فإذا لم يكونوا قادرين على رؤيته، فعلى من كان الإمام سيعرضه أحاديثه؟! وهكذا أيضًا حتّى بالنسبة للمقدار الذي كان يذكره عليه السلام، فإنّهم كانوا يخافون من نقله إلى شخص آخر؛ إذ كان يجب على الناقل أن يقول: «سَمِعتُ مِن عَليِّ بنِ مُحَمَّدٍ»، في حين أنّه كان يخاف أن يقول ذلك، ولا يستطيع قوله!

  • ففي زمن الإمام موسى بن جعفر، لم يكن الناس يجرؤون على أن يقولوا في الأحاديث التي كانوا يسمعونها وينقلونها عنه: «سَمِعتُ مِن مُوسَى بنِ جَعفَرٍ»، بل كانوا يقولون: «سَمِعتُ مِنَ العَبدِ الصّالِح»، حيث تجدون الآن في العديد من الروايات أنّ سلسلة السند تنتهي إلى العبد الصالح؛ والعبد الصالح هو الإمام موسى بن جعفر، حيث يعلم الفقهاء بأجمعهم أنّهم لم يكونوا في ذلك العصر يجرؤون على بيان المراد من «العَبدِ الصالِح»!

    1. الخصال، ج ٢، ص ٣٩٢: «ثمّ قال عليه السلام: "ودّع واخرُج، فلا آمّنُ عَلَيكَ!"»
    2. ذُكرت نبذة عن حياة الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام في محاضرات السالك البصير، المحاضرة الثالثة.

شذرات من حياة الإمام الهادي عليه السلام

17
  • ولكن مع ذلك، فإنّهم حفظوا باستمرار [كلمات الإمام]، لكي نتمكّن ـ نحن الجالسون الآن في هذا المسجد ـ من قراءة الآيات القرآنيّة وتفسيرها، ومن الحديث عن شهادته عليه السلام؛ فأوصلوا إلينا هذه الكلمات بواسطة كلّ ذلك الصبر، وكلّ ذلك التحمّل للمشاقّ! 

  • لقد سمُّوا الإمام عليّ بن محمد وأردوه شهيدًا، وجاءوا بأنفسهم، وصلّوا على جنازته، وأصدروا أوامرهم بأنّه: يجب تشييعه! وغسّلوه، وكفّنوه، ودفنوه في أفضل الأماكن، حيث دفنوا الإمام في منزله بعينه؛ وبعد الدفن، وضعوا شبّاكًا هناك، لكي يأتي الشيعة من بعيد للزيارة؛ هذا، مع أنّهم هم الذين سمّوه بأنفسهم!

  • تمامًا كما فعل المأمون الذي سمّ الإمام عليّ بن موسى الرضا، ثمّ مشى حافيًا خلف جنازته، وقال: «وا ويلاه! لقد رحل وليّ عهدي عن الدنيا! توفّي ابن عليّ بن أبي طالب وابن النبيّ، وتهدّم مُلكنا!»

  • حسنًا، هذا ليس أمرًا غريبًا؛ إذ حينما يفعلون ذلك بأبيه سيّد الشهداء عليه السلام، فما الغرابة في أن يفعلوا ذلك بالإمام عليّ الهادي؟! فعندما أمر المتوكّل بهدم قبر سيّد الشهداء وحرثه وإجراء الماء عليه ومنع الزوّار من المجيء لقبره، كتب أهل بغداد على الجدران هجاءً؛ أي كتبوا عبارات ضدّ المتوكل، وهَجَوه؛ ومن جملة ذلك، ما كتبه أحد الشعراء، والذي ألّف أبياتًا شعريّة ذات مغزى عميق، يقول فيها:

  • لا تعجبوا من بني أميّة إذ قتلوا ابن رسول الله، مع أنّه ابن عمّهم (لأنّ سيّد الشهداء كان من بني أعمام بني أمية)! فلا تعجبوا كثيرًا، بل تعالوا، وانظروا إلى هؤلاء (يعني بني العبّاس) الذين يقتلون ابن أبيهم (أي العلويّين)! وحينما لم يتمكّنوا من قتل ابن أبيهم سيّد الشهداء، فقد عملوا الآن على التصدّي إلى عظامه وهدم قبره! فهم يتأسّفون على أنّهم لم يكونوا متواجدين في ذلك الزمان لكي يقتلونه، فيُفرغون حقدهم وحسدهم بهدم القبر واللعب بالعظام!۱

  • سعي الأئمّة عليهم السلام للحفاظ على الدين رغم كلّ الظروف

  • لقد سعى الأئمّة عليهم السلام لحفظ الدين مع كلّ هذه الظروف!! وهكذا الشأن أيضًا بالنسبة لسيّد الشهداء عليه السلام، والذي اجتمعت عليه السيوف لكي تقطعّه إربًا إربًا! وبحقّ، لو لم يكن لدى المؤرّخين والمحدّثين ـ من الشيعة والسنة، ومنذ ذلك الزمان إلى الآن ـ دافع لأن يدّونوا لنا تفاصيل هذه الأحداث، لما استطعنا تصديق ذلك أبدًا! ولو أقسموا لنا، لما استطعنا أن نُصدّق أنّهم أتوا بأبناء النبيّ، وقطّعوهم بالسيف إربًا إربًا؟! وبأيّ جرم وأيّ ذنب؟! لا شيء! لا يستطيع الإنسان أن يُصدّق بذلك! لا يستطيع أن يُصدّق به بتاتًا! يقول أحد العظماء في أشعاره:

    1. البداية والنهاية، ج ۱۱، ص ۱٢٦؛ راجع: معرفة الإمام، ج ۱٦ و۱۷، ص ۱۷٥.

شذرات من حياة الإمام الهادي عليه السلام

18
  • من از تحریر این غم نا‌توانم***که تصویرش زده آتش به جانم
  • تو را طاقت نباشد از شنیدن***شنیدن کی بود مانند دیدن۱
  • [يقول: عجزتُ عن تدوين هذا الأسى الدامي، فصورةُ هولِهِ أضرمتْ فؤادي الضامي

  • وما لك طاقة بأن تسمعا، فليس السماع كالعيان وقعا]

  • فلا أستطيع التعبير عن مكنوني لماذا؟ لأنّني لا أستطيع حتّى تخيّله!

  • ولدينا في الروايات: «فَقَطَّعُوهُ بِسُيُوفِهِمْ إِرْبًا إِرْبًا!»، حيث ورد في الحديث هذا الكلام بعينه: «عندما ضُرب عليٌّ الأكبر بعمود على رأسه، وسقط على ظهر الفرس وعنقه، ركض به هذا الفرس إلى وسط الجيش، فقطّعوا جسده إربًا إربًا! «فَقَطَّعُوهُ بِسُيُوفِهِمْ إِرْبًا إِرْبًا!».٢

  • ﴿وَسَيَعلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَب يَنقَلِبُونَ﴾؛٣  ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ﴾.٤

  • نسألك اللهمّ وندعوك، ونقسم عليك بمحمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والتسعة الطيّبة الطاهرة من ذريّة الحسين، وباسمك العظيم الأعظم الأعزّ الأجل الأكرم يا الله!

  • اللهمّ اغفر لنا، وتجاوز عن جميع ذنوبنا! وزدنا يقينًا في كلّ يوم! واجعل قلوبنا محلاًّ لتجليّاتك! وارزقنا في هذه الأيّام القليلة من العمر من أفضل مواهب خزائن جودك! وأوصل مراحل استعداداتنا وقابليّاتنا بأجمعها إلى مرحلة الفعليّة! واشرح صدورنا للإسلام! وأدخلنا في كل خير أدخلت فيه محمّدًا وآل محمّد! واحفظنا من كل شرّ وسوء حفظتهم منه! واقض حوائجنا الشرعيّة! ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين في هزائز آخر الزمان وفتنه! وزد عقولنا وبصائرنا يومًا بعد يوم! ولا تجعلنا من المغمومين! واجعلنا من المرحومين! ولا تقطع يد ولايتنا عن التشبّث أذيال أهل البيت! واجعل متابعة القرآن والعترة برنامجنا العمليّ! وقوّ اتّكالنا على مقام حضرة صاحب الأمر واستشفاءنا به يومًا بعد يوم! واجعلنا من المنتظرين لمقدمه الشريف! ونوّر أبصارنا بجماله!

  • رحم الله من قرأ الفاتحة مع الصلوات!

  •  

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد.

    1. اللهوف المنظوم (معراج المحجّة)، ص ٣۱۱.
    2. نفس المهموم، ص ۱۸٩ ـ ۱٩۱؛ دمع السجوم، ص ۱٦۱ ـ ۱٦٣.
    3. سورة الشعراء، الآية ٢٢۷.
    4. سورة البقرة، الآية ۱٥٦.