47

معنى (رؤية المال لله) والطريق إلى ذلك

10084
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمعنوان البصري

المجموعةالملكية الحقيقية والاعتبارية

جلسات المجموعة(10 جلسة)

التوضيح

تتابع هذه المحاضرة شرح فقرة "أن لا يرى العبد لنفسه فيما خوّله الله ملكًا لأنّ العبيد لا يكون لهم ملك يرون المال مال الله يضعونه حيث أمرهم الله" في بيان معنى العبوديّة فبيّنت:
• أنّ معناها تصحيح الرؤية إلى الأشياء لا قطع العلاقة بها كليّاً، فإذا صحّت الرؤية صحّت الحال وصحّ الفكر.
وهنا تعرّضت للفارق بين العارف الذي يعيش الحقائق بوجدانه، والعالم الذي يتصوّرها تصوّرًا، وذكرت من نماذج هؤلاء العرفاء العلاّمة الطهراني الذي ثبت أمام اعتراضات الكثيرين بسبب بلوغه الحقائق بوجدانه، كما أوصت بأنّ أخذ الدين لا بدّ أن يكون عمّن عاشه بوجدانه لا من اقتصر على مطالعته في الكتب.
وذكرت من الموارد التي تبيّن الاختلاف بين العالم والعارف مسألة كيفيّة التعاطي مع مسألة مهر السنّة رغم وجودها في الروايات.
• عددًا من مصاديق رؤية المال لله :
ـ موقف العلامة الطهراني حين أهدي إليه مِلك فأمر بالتصدّق به.
ـ موقف السيّد هاشم الحدّاد حين طلب أن يكون المهر أربعة آلاف دينارًا بعد أن خيّر بين الألفين والثلاث.
ـ عدم تمييز أمير المؤمنين عليه السلام بين التبر والتبن.
ـ تخلّص أحد تلامذة السيّد هاشم الحدّاد ممّا في جيبه من المال وعدّه شاغلاً.
ـ شوق أصحاب الإمام الحسين إلى مفارقة الدنيا.
ـ قصّة "إياز" مع السلطان حين أمره بكسر الجوهرة وتقديمه كلامه على قيمتها.
• ثمّ شرحت فقرة "يضعونه حيث أمرهم الله" وبيّنت خلال ذلك :
ـ ضرورة الحكمة في الإنفاق من حيث موضعه ومقداره وذكرت عند ذلك قصّة لقاء السيد الخوانساري بالشيخ الأنصاري وطلبه الوصايا منه رغم كونه مرجعاً وكون الشيخ الأنصاري تلميذاً له ، فأوصاه بالاحتياط في صرف الأموال الشرعيّة.
ـ بعض آداب الإنفاق كتقبيل اليد لأنّ النفقة تقع في يد الله، وتقديمها باليد اليمنى.
• ثمّ تحدّثت عن وسيلة من وسائل تصحيح الرؤية إلى المال وهو الابتلاء من خلال تفسير آية (ولنبلونّكم...)، وعن سيرة السلف في كيفيّة التعامل مع البلاء، وعدم اعتمادهم أعمالاً خاصّة لرفعه، بل الاقتصار على العمل بالتكليف من الدعاء والمتابعات العامّة.

/۱۸
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

معنى (رؤية المال لله) والطريق إلى ذلك

1
  •  

  •  

  • هو العليم 

  •  

  • معنى "رؤية المال لله" والطريق إلى ذلك

  • شرح حديث عنوان البصريّ - المحاضرة ٤۷

  •  

  • ألقاها

  •  

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  •  

معنى (رؤية المال لله) والطريق إلى ذلك

2
  •  

  •  

  • أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

  • بسم الله الرحمن الرحيم

  • الحمد لله ربّ العالمين

  • والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين

  • واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين 

  •  

  •  

  • أن لا يرى العبد لنفسه ملكًا

  • قلت: يا أبا عبد الله! ما حقيقة العبوديّة قال: ثلاثة أشياء: أن لا يرى العبد لنفسه فيما خوّله الله ملكًا، لأنّ العبيد لا يكون لهم ملك، يرون المال مال الله يضعونه حيث أمرهم الله به.

  • يسأل الإمامَ الصادقَ عليه السلام ما حقيقة العبوديّة؟ فيقول الإمام: ثلاثة أشياء: الأوّل أن لا يكون للعبد في نفسه وفيما عنده تعلّقًا وأن لا يشعر بالملكيّة، لأنّ العبيد لا يشعرون بالملكيّة لأموالهم، بل في الحقيقة ليس لهم مال. يعتقدون أنّ المال مال الله، وحيث كلّف الله فإنّهم يضعونه.

  • السلوك هو تصحيح التعلّق والتفكير

  • تحدّثنا في الجلسة السابقة حول هذ المسألة إلى حدّ ما، وأنّه كيف ينبغي على الإنسان أن يصحّح تعلّقه بالأشياء، وليس المطلوب أن يقطع تعلّقه، بل يصحّحه، وبصورة عامّة ليس السلوك سوى تصحيح الحال والذي يتبعه تصحيح الفكر والتفكير. فالفرق بين العارف والجاهل هو في صحّة الفكر وفي تصحيح الحال وتصحيح الفكر. تختلف رؤية الجاهل والعامّي للأشياء ولعالم الوجود والكون عن رؤية العارف من حيث كيفيّة الفكر وكيفيّة المبادئ، وإلاّ فإنّه من حيث الظاهر لا فرق بينهم. لأنّ العارف حاله يتبدّل وينتقل عن حال تعلّقه بعالم الكثرات وبعالم الدنيا إلى التعلّق التوحيديّ، فإنّه يترك أثرًا بالطبع على فكره.

  • الفارق بين العارف والعالم

  • وهنا يطرح الفارق بين العارف والعالم، فالعالم يمكن أن يعلم هذه الأمور، ولكنّها لا تكون منبعثة ومتولّدة عن حاله، لقد فهم أمرًا ما من الكتاب، أدرك شيئًا ما من المكتوبات، قال له أحد ما أمرًا ولكنّه لم يصل إليه بعد، ولم يصل إلى حقيقته ولم يدركها، لم يدرك الحقيقة، فما لم يصل الإنسان إلى تلك الحقيقة ولم يعثر عليها، ولم تصبح الأمور محسوسة في وجدانه [فلا فائدة].

  • ضرورة أخذ الدين ممّن استشعره بوجدانه (العلامة الطهراني نموذجاً)

  • قبل أن آتي إلى هذا المجلس كان هناك مجلس عقد في المنزل، حيث جاء بعض الأصدقاء والرفقاء من طهران وأجرينا عقدًا هناك. وبعد العقد أمرونا أن نتكلّم بضع كلمات حول برنامج الحياة وأمثال ذلك للزوجين المكرّمين العروس والعريس، ففي النهاية يريدان أن يشرعا في حياتهما. فتحدّثنا يسيرًا وربّما كان التأخير لهذا السبب. على كلّ حال، فممّا قلته ـ وبالطبع سأطرحها هنا أكثر اختصارًا حيث رأيت الآن أنّ لها تناسبًا مع هذا الموضوع ـ قلت لهم: خذوا الدين من أهله، خذوا الدين ممّن استشعر الدين بوجدانه، لا من أيّ إنسان مدّع وصاحب ادّعاء، ويدّعي الفهم وقرأ كتابين، بل من انتقش الدين في روحه وفطرته ونفسه واتّحد بها، وصار بينه وبين الدين وحدة. 

معنى (رؤية المال لله) والطريق إلى ذلك

3
  • عندما كان المرحوم والدنا في النجف اتّهم كثيرًا ـ بالكناية والتعريض ـ بالأمور غير المناسبة والخروج عن الدين والخروج عن شريعة النبيّ وبالصوفيّ والدرويش وأمثال ذلك، والأمر بالاهتمام بالشؤون الفرديّة واعتزال مجتمع المسلمين وما شابه ذلك من هذه الأمور. لم يكن والدنا رجلاً جاهلاً، حتّى مخالفوه كانوا معترفين بفضله وعلمه، وهو أمر بديهيّ في النهاية. فلماذا نسبوا إليه هذه الأمور؟ لأنّه كان يعمل بما فهم، لا بما يقال له، لا بما يريده الآخرون، ما كان يفهمه هو، ما كان قد أدركه هو، ثمّ فليقل الآخرون بعد ذلك ما شاؤوا، ومن حيث الجدّيّة والفضل والتميّز كان مشارًا إليه بالبنان في النجف الأشرف. عندما كان يسير في الشارع كان الجميع يقولون: إنّه فلان. ولكنّه كان يسير في طريقه الخاصّ، لم يلتفت إلى هنا وهناك، لم يقل السيّد فلان والسيّد فلان ماذا يقول ويعمل به، لم يقل: ماذا يقول فلان ليسير على أساس كلامه. بل وفق ما رآه من الروايات والأصول المسلّمة ومن التتلمذ والتعلّم عند الأعاظم الذين وصلوا إلى حقيقة الدين ومخّه، أقصد العلامة الطباطبائي رضوان الله عليه. 

  • ومن المناسب أن أشير إلى هذا الأمر هنا، ففي أواخر عمر المرحوم العلامة رضوان الله عليه عندما سألته لماذا وبأمر من رجعت إلى الشيخ عبّاس القوجاني رحمه الله؟ ففي النهاية كنت قد التفتُّ إلى بعض الأمور، إلى مكانته وكيفيّة العلاقة معه، فكان هذا محلّ سؤال عندي، وبالطبع فإنّي دوّنت هذه الأمور بشكل مفصّل وسأذكرها. فقال: لقد كنت من البداية تلميذًا للعلامة الطباطبائي ورجعت إلى الشيخ عبّاس القوجاني بأمره، وبقيت تلميذًا للعلامة حتّى النهاية. هل التفتّم؟ ثمّ بعد ذلك ذهبت إلى السيّد الحدّاد. وما يمكن أن يتصوّر من أنّه كان تلميذًا للشيخ عبّاس بشكل مستقلّ فهذا لا صحّة له، بل كان تلميذًا سلوكيًّا للعلامة الطباطبائيّ. 

  • الالتزام بمهر السنّة نموذج للفارق بين العالم والعارف 

  • على كلّ حال لماذا قالوا له هذه الأمور؟ لأنّه كان يريد أن يسير في طريقه الخاص. لم يكن يريد أن يصغي إلى كلام أيّ أحد، كان يريد أن يعمل بما أدركه، وبالطبع لم يكن ينسجم مع أذواق البعض. ثمّ ضربت مثالاً فقلت: لقد ذهبت إلى جلسة أقيمت لأجل أمر ما، كانت الجلسة لعالم والده أحد مراجع النجف من الدرجة الأولى، وكانت هناك دعوة على خطبة أحد الإخوان. والخلاصة أنّا رأينا أمرًا هناك وشاهدناه، بحيث أنّا عندما خرجنا قال أحد أقاربنا ممن حضر هذه الدعوة: يا سيّد! أنا لم أر في عمري مجلس خطبة أشبه بصفقة تجارية مثل هذه الجلسة الليلة، صفقة تجاريّة! وقد انتهى ذلك المشروع، ولم يكن هناك مصلحة في تحقّقه أصلاً. فما المسألة؟! إنّ هذا الرجل صاحب رسالة عمليّة، ووالده من مراجع الدرجة الأولى في النجف. لم يكن الحديث في تلك الليلة على أساس التقوى، ولا على أساس المكانة، ولكن على أساس المهر والمال والدرهم والدينار. وقد كان والدنا جالسًا صامتًا ينظر إلى هذا الحدث، ويشاهد، وأنا كنت جالسًا إلى جانبه وكنّا نضحك. كنّا نتعلّم، ففي النهاية لا بأس أن نتعلّم الصفقات التجاريّة، كنّا نتعلّم المعاملات وكيف يتكلّمون، كيف يدخلون وكيف يخرجون، وكيف يُعدّون الأمر، وكيف يخطّطون للمسألة ويطرحونها. لم نكن نعرف فكنّا نتعلّم ونضحك. فنتيجة سبعين سنة من الدرس وتحقيق الروايات هي هذه، هي أن يأتي ويقول كان مهر ابنة فلان كذا دينار ًا عراقيًّا، فمهر ابنتنا لا بدّ أن يكون أكثر بكثير، أين نحن وأين هو؟ أين عائلتنا وأين عائلته؟ حفیدة جناب فلان وأمثال هذا الكلام وأشياء أخرى ليس هذا مقام طرحها، نحن نقتصر على هذا. التفتّم؟ فهذه ليست بالأمور التي تخفى علينا، فنحن نعلم وهم يعلمون. 

معنى (رؤية المال لله) والطريق إلى ذلك

4
  • هذه مسألة صادفناها هنا، وقد وقع ما يشبهها لابنته، فعندما جاؤوا لخطبتها فإنّ الوالد مثلاً ـ والد العريس ـ شرع بالحديث: نعم نحن كذا وكذا وإمكاناتنا كذا وكذا، ومهما أمرتم فنحن حاضرون، وكلامًا من هذا النوع. فكانوا ينتظرون ماذا سيقول المرحوم العلامة؟ 

  • فقال: نحن نتأسّى بحضرة الزهراء سلام الله عليها، وابنتنا هي ابنة السيّدة الزهراء، ومهرها هو مهر حضرة الزهراء، مهر السنّة. لقد كنت في ذلك المجلس حيث بقوا متحيّرين لبضع دقائق، أصلاً لم يكونوا يدرون بماذا يجيبون؟ 

  • قالوا: ماذا تقصدون سماحتكم؟ 

  • قال: ألا تعلمون بمهر السنّة؟ ألا تعلمون؟ خمسمائة درهم شرعيّ، مثقال من الفضّة يساوي مائتين واثنين وستين مثقالاً ونصف المثقال من الفضّة. لا أدري الآن كم قيمتها ولكن أظنّ أنّها أقل من مائة ألف تومان۱. هل التفتّم؟ 

  • فقالوا: هذا هو في النهاية؟ 

  • قال: لا شيء سوى ذلك. ثمّ قال: عندما كان يأتي أحد للخطبة من المرحوم والدنا كان يقول له أمرين: أنا لا أريد منك مالاً ولا غيره، أريد منك قليلاً من الغيرة وقليلاً من الإيمان. بل ثلاثة أشياء: قليلاً من الغيرة وقليلاً من الإيمان وقليلاً من العقل. فليكن لديك هذه الأشياء الثلاثة فهذا جيّد جدًّا. فما هي حقيقة الأمر؟ لقد كنت بنفسي في بعض المجالس عندما أطرح مهر السنّة فإنّ الطرف الذي أمامي والذي هو من العلماء وأهل الاطّلاع كان يواجه الأمر بالسخرية ويقول: لقد كان هذا الكلام لذاك الزمان والآن يختلف الأمر، فقد كانوا يعطونك دارًا بهذا المبلغ، وما شابه، الآن ما هي الخمسمائة درهم و...؟ لا يا سيّدي! لا يعطون بها دارًا ولا شقّة ولا قصرًا، لا شيء. فكم كانت قيمة درع أمير المؤمنين؟ فالآن لو صنعوا درعًا فكم ستكون قيمته؟ فالدرع ليس بالأمر الذي يفوق ثمنه قدرة الناس، فالجميع كانوا يمتلكون دروعًا في النهاية، فكانوا يلبسون هذا اللباس من الزناجير وأمثالها. لقد كان مهرها بقيمة درع، ثمّ أليس عندنا رواية عن موسى بن جعفر عليه السلام أنّه قال: أوحى الله إلى نبيّه صلّى الله عليه وآله أن سنَّ مهور المؤمنات خمسمائة درهم، ففعل ذلك رسول الله ( صلى الله عليه وآله )٢ أليست لدينا رواية؟! أعميٌ أنتم؟! فاذهبوا واقرؤوا، فقد كتبت في كتاب، في محاسن البرقي.٣ ليسوا عميًا، بل عمي الباطن، يعلمون وينكرون. كلّهم يعلمون، يعلمون كلّ هذه الأمور، ولكنّ الكلام هو في أنّ بين العلم والفهم ما بين المشرق والمغرب، فهذه الأمور معلومة كلّها. فليس كلّ إنسان يقبل هكذا، ليس الكلّ يقبلون. 

    1. طبعًا هذا في زمان إلقاء المحاضرة عام ۱٤٢۱ هـ 
    2. والرواية كاملة كما في وسائل الشيعة ج٢٢، ص ٢٤٤: عن أحمد، عن ابن أبي نصر، عن الحسين بن خالد، وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه عن عمرو بن عثمان، عن رجل، عن الحسين بن خالد، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن مهر السنة كيف صار خمسمائة؟ فقال: إنّ الله تبارك وتعالى أوجب على نفسه أن لا يكبره مؤمن مائة تكبيرة، ويسبحه مائة تسبيحة، ويحمده مائة تحميدة، ويهلله مائة تهليلة، ويصلي على محمّد وآله مائة مرة، ثمّ يقول: " اللهم زوجني من الحور العين " إلا زوّجه الله حوراء عيناء، وجعل ذلك مهرها، ثمّ أوحى الله إلى نبيّه صلّى الله عليه وآله أن سنّ مهور المؤمنات خمسمائة درهم، ففعل ذلك رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأيّما مؤمن خطب إلى أخيه حرمته فبذل له خمسمائة درهم فلم يزوجه فقد عقه، واستحقّ من الله عزّ وجلّ أن لا يزوّجه حوراء. 
      ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب. 
      ورواه الصدوق مرسلا. ورواه في عيون الأخبار وفي العلل عن محمد بن علي ماجيلويه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن معبد، عن الحسين بن خالد نحوه، إلا أنه ترك في الكتابين قوله: وأيما مؤمن ، إلى آخره.
      ورواه أيضًا عن الحسين بن أحمد بن إدريس عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، نحوه إلى آخره ولم يترك منه شيئا. 
      ورواه البرقيّ في المحاسن عن محمد بن علي، عن محمد بن أسلم، عن الحسين بن خالد مثله، وترك تلك الزيادة.
    3. المحاسن، أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، ج٢، ص ٣۱٣. 

معنى (رؤية المال لله) والطريق إلى ذلك

5
  • فلا بدّ من التعلّم ممّن أدرك الدين لا ممّن ربّى التخيّلات والتصوّرات في ذهنه، لا بدّ من التعلّم من هؤلاء وإلاّ فالكتاب موجود في المكتبة أيضًا وبكثرة، فما الفرق؟ فالمطالب تذكر في الكتاب، أو تسجّلونها في شريط التسجيل أو تحفظونها في الصدور، لا فرق بين هذه الثلاثة. الوصول إلى هذا الأمر هو المهمّ. 

  • لذلك فالفرق بين العالم والعارف هو أنّ العارف قد وصل إلى ما قالوه، والعالم فقط ينقل من الكتب. فإذا حدثت له ظروف خاصّة فإنّه يبدّل موقفه وفق ما تقتضيه منافعه ومصالحه، يبدلّ موقفه، ينقص ويزيد، يستدلّ بهذا الدليل وبذاك الدليل، ومن هذا الزمان إلى ذاك يختلف الأمر، فالآن صار كذا، وآنذاك كان كذا. كلاّ يا سيّدي! لم يختلف الأمر، وهوى النفس كان في كلا الزمانين، والشيطان كان في كلا الزمانين، الأمور في كلا الزمانين، ففي ذلك الزمان كان البعض يعملون، والبعض الآخر لا يعملون، وفي هذا الزمان أيضًا بعضهم يعملون وبعضهم لا يعملون، فالأمر واحد. 

  • معنى "أن لا يرى العبد لنفسه ملكًا" أن لا يتعلّق

  • تقدّم أنّ الإمام الصادق عليه السلام قال: على العبد أن لا يرى ماله أنّه ماله، أن لا يرى أملاكه أنّها أملاكه، يجب أن يراها أنّها مال الله، لا بدّ أن يصحّح تعلّقه بالأموال التي عنده، ينبغي أن يصحّح تعلّقه، لا أن لا يكون له تعلّق، عدم التعلّق يعني الرمي جانبًا وليس هذا هو المطلوب. عليه أن يصحّح التعلّق، لأنّ العباد ليس لهم تعلّق بالمال، كلّ مال لهم في جيبهم أو في غرفتهم أو بين أيديهم سواء كان أو لم يكن لا يختلف الأمر، هو واحد. كيف تكون حال الإنسان بالنسبة إلى المال الذي عند الآخر ؟ فلو رأيتم مثلاً إنسانًا لديه الملايين من رأس المال في البنك، أو أنّه لا يمتلك شيئًا، فما هو موقف الإنسان العادي من ذلك؟ لا يختلف في النهاية. يقول: سواء كان له ملايين أم لم يكن فما علاقتي أنا بذلك؟ ماذا يصلني أنا؟ ماذا يعود عليّ أنا؟ فالعبد في علاقته مع مولاه هو كذلك أيضًا. فإن رأى في ملك مولاه مالاً أو أنّه لا مال، هناك ما يتملّك أم لا، لا يختلف حاله بالنسبة إلى هذا المال. يقول: لو كان لمولاي ملايين فلا يحصل له شيء، وإن لم يكن له فكذلك الأمر، لأنّه عبد، ليس حرًّا. أمّا الابن فيختلف، فالابن يقول: كلّما كان لأبي مال أكثر يقول إذا مات فإنّه سيكون لي. ولربّما دعا أن ينهي الله عمره بسرعة. وقد حصل ذلك ووقع.

معنى (رؤية المال لله) والطريق إلى ذلك

6
  • قصّة إهداء أحد الأملاك للمرحوم العلاّمة وأمره بالتصدّق به

  • ذات مرّة أهدى أحد أصدقاء المرحوم العلامة له ملكًا في مكان ما، قال: سيّدنا نريد أن نهديكم هذا الملك فأنتم اصنعوا به ما شئتم. وکان الملک ثمینًا جدّة ربّما كانت قيمته بما يعادل القيم في زماننا خمس أو ست مليارات، هكذا تقريبًا. فقال المرحوم العلامة: ماذا أصنع بالملك؟ الآن تريد أن تهبني هذا الملك، لا فأنا أريد أن... فقال: جيّد جدًّا. لقد قبلناه. فاذهب بالوكالة عنّا وبعه، وهؤلاء الذين في تلك الشوارع ـ ماذا كان اسم ذلك الشارع آنذاك؟ الآن اسمه دولت آباد ـ وتلك الأماكن؛ فتلك المنازل التي هناك في أطراف البنك، هؤلاء المستضعفين اذهب أخرجهم من هناك. فقال: نحن نريد أن تتصرّفوا فيه أنتم. فقال: لقد قبلت في النهاية، لقد قبلت، فاذهب أنت الآن وقم بذلك. فأراد هذا الرجل المسكين أن يقوم بذلك، سمعت أنّ أبناءه هدّدوه بالقتل، بشكل جادّ هدّدوه فانصرف عن الأمر. هل التفتّم؟ هذه هي الدنيا، وهذا هو التعلّق بالدنيا. فالإمام الصادق لا يقول عبثًا هذا الكلام، يعلم أنّ هناك شيئًا ما، اذهب واعمل للدنيا إلى هذا الحدّ واتعب وضاعف تعلّقك، ثمّ إنّ الله يبتليك بأمر كهذا فلا تتمكّن من القيام بأيّ عمل، يصدّ عن الخيرات، يصدّ عن المبرّات، يصدّ عن كافّة المنافع، ثمّ يصل هذا المال إلى أيدي هؤلاء الأبناء، وليس من المعلوم ماذا سيصنعون به، فالابن الذي يهدّد أباه من المعلوم ماذا يصنع بهذا المال، نعوذ بالله من أن يبتلينا، أن يوجد امتحانات للإنسان تكون مشكلة. 

  • فالعباد لا شأن لهم بما يملكه مولاهم، لا تعلّق لهم. يقول لهم المولى: قم بهذا، يذهبون ويقومون، يقول لهم: قم بذاك، فلا ينزعجون أيضًا، لماذا ينزعجون؟ يقول المولى: خذ كلّ هذه الأموال وألق بها في البحر. فهذا ليس مالي لكي ألقيه أو لا ألقيه، قال ألقه، ما شأني بذلك؟ هؤلاء الذين هم متعلّقون بالإنسان يتأثّرون، فلو أراد الإنسان أن يصرف مالاً في مكان ما فتثور الضجّة أن لماذا لا تعطينا وتعطي الآخرين؟ يريد الإنسان أن يقوم بعمل ما في مكان ما، [فيقولون] كلاّ لماذا بهذا النحو؟ يقولون: نحن أولى، نحن أحقّ، نحن كذا وكذا، بالطبع الجميع... ولكن على الإنسان أن لا يطيع، لو أطاع لتوقّف، يتوقّف ههنا، على الإنسان أن يقوم بعمله ويتقدّم نحو الأمام، عليه أن لا ينتظر ليأخذ أمرًا من أحد، فليس من حقّ أحد أن يقول اصرف هنا ولا تصرف هنا، لماذا؟ لأنّ هؤلاء الذين يمنعون في هذه الدنيا يحملون سجلّهم على أكتافهم يوم القيامة ويمضون وشأنهم، ولا ينظرون إلى غيرهم. مهما قلنا: يا بنيّ هل قصّرت معك في هذه الدنيا؟ ألم أنفق عليك في هذه الدنيا؟ ألم أصل رحمي بك في هذه الدنيا؟ من أجلك ومن أجل أن لا تنزعج ولكي تكون راضيًا، ولا فرق في ذلك بين الزوجة والابن والأخت والعمّ والخال والشريك والأقارب والجيران، فمهما كان فليكن، فأنا وقعت في مشكلة الآن بسببك فتفضّل أعنّي، تفضّل قل لله إنّ الأمر كان لأجلي. فبماذا يجيب؟ يقول: أنا لم أكبّل يدك، كان بإمكانك أن لا تفعل. والآن أنا قلت لكم هذا الجواب وستسمعونه يوم القيامة، فقد قلته قبل وقته. يقول: لم أربط يدك وكان بإمكانك أن تفعل، هل أمسكت بيدك؟ هل ألقيت سلسلة وزنجيرًا؟ يقول: لو أنّي فعلت ذلك لصارت حياتي كذا وكذا، وحدثت هذه المسائل. فلتحدث. على الإنسان أن ينظر ما هو التكليف؟ نحن لأجل هذين اليومين من الدنيا نحتال وندور ولكن علينا أن نلتفت أنّ هذين اليومين من الدنيا لا قيمة لهما، إنّ ما هو أمامنا أبديّ. هل يأخذ الإنسان العاقل يومي الدنيا هذين لأجل تخريب مآله الأبديّ وإفساده؟! ليس هناك عاقل يقوم بذلك، إنّه مجنون. فلئن خربت فلتخرب، وبالطبع إنّها لن تخرب، بل يحصل تبدّل وتحوّل ثمّ تصلح الأمور، كلّ هذا تخيّلات. إنّ ما هو أمامنا أبديّ. يمكن أن ينكر البعض المعاد، والعقبات، والجنّة والنار، فهؤلاء حسابهم مختلف. ولكن نحن نقبل، وعلى هذا الأساس علينا أن نكون حتّى مثل التجّار وأصحاب الكسب، فماذا يصنع التجّار؟ يحسبون، هل هذه المعاملة التي يقومون بها فيها نفع أم ضرر؟ هل رأيتم إلى الآن أنّ تاجرًا يرى أنّ في المعاملة ضررًا ومع ذلك يقدم عليها؟ لا إمكان لذلك، يقولون ضروريّ، لماذا يأتي هذا ويفتح دكّانه؟ لماذا يأتي ويفتح محلّه؟ إنّ جميع أعمالنا من أوّلها إلى آخرها هي على أساس الجنون، هل التفتّم الآن عندما يقول الأعاظم: كافّة الناس ليسوا عقلاء فلماذا يقولون ذلك؟ الإنسان العاقل لا يقوم بهذا العمل. نحن لأجل أمر معتاد كلّ يوم، لأجل أمر هو ليومنا، لأجل أمر هو لسنتين أو ثلاث، لأجل أمر لعشر سنوات، نضحّي بسعادتنا الأبديّة، نضحّي بسعادتنا الأبديّة. وبعد ذلك فإنّ هؤلاء يأتون يوم القيامة ويقولون: كان بإمكانك أن لا تفعل، نحن لم نكبّل يدك، نحن لم نجبرك، نحن قطّبنا في وجهك، فلو شئت لتحمّلت، لو شئت لصبرت قلیلاً. ألا يلزم قليل من التحمّل لأجل الوصول إلى السعادة؟ قليل من التحمّل، أم أنّه لا بدّ أن تكون الأوضاع دائمًا على وفق المراد، لا بدّ أن تكون الأمور بشكل معتاد ووفق المراد؟ فحينها لن يكون هناك فارق بين الإنسان وغيره.

معنى (رؤية المال لله) والطريق إلى ذلك

7
  • فلذا يقول الإمام عليه السلام إنّ على الإنسان أن يكون كالعبيد، أينما أمر الله يضع ماله، يصرفه هناك، أينما أمر الله، لماذا؟ لأنّ الإنسان ليس مالكًا، لو أنّ الإنسان كانت له هذه الحال، وأنا لا أقول حال، فالحال سهل، كلاّ بل لا بدّ أن نتأمّل وأن نقلّب، لا بدّ أن ندرس المسألة في أنفسنا، فهذا له تأثير كبير، وشيئًا فشيئًا، شيئًا فشيئًا يلتفت الإنسان: لا يا عزيز، هذا المال ليس مالنا، هذه الأموال ليست أموالنا، يتضاءل تعلّق الإنسان بهذه الأموال شيئًا فشيئًا، يصبح لا فرق عنده شيئًا فشيئًا.

  • عدم تفريق أمير المؤمنين بين التبر والتبن

  • عندما جاء حجر بن عديّ إلى معاوية ووصف أمير المؤمنين بتلك الصفات، أخذت العبرة معاوية وكان يقول وهو يبكي: رحم الله أبا تراب! لو كان له بيت من تبر وبيت من تبن لأنفذ التبر قبل التبن۱ وكان المرحوم العلامة يقول: هذا معاوية يتحدّث وفق فهمه، لأنّ الذهب عند معاوية أهمّ من التبن وأهميّة الذهب أكثر من التبن، لذلك فهو ينسب هذه الصفة المستحسنة إلى أمير المؤمنين، لأنّ الذهب مهمّ عنده. ولكن بالنسبة إلى أمير المؤمنين فإنّ التبن والذهب سيّان، وليس هناك قَبْليّةٌ في الإنفاق بعد ذلك. فأمير المؤمنين ينظر إلى الذهب نظرته إلى التبن، لا أنّ نظرته إلى التبن أكثر، ثمّ بعد ذلك ينفق، كلاّ بل هو إذا نظر إلى الذهب فكأنّه ينظر إلى الجصّ، واقعًا هو كذلك. المسألة تبدو لنا الآن عجيبة شيئًا ما، ولكن إن شاء الله إذا رزقنا الله جميعًا ووفّقنا فسنرى أنّ الإنسان يصل إلى مرتبة ينزعج فيها من المال، أصلاً ينزعج، ينزعج لأنّ معه مالاً، ينزعج. يقول: كيف يمكن أن يذهب بسرعة أكثر فأستريح منه، [يستنفد] طاقته، إنّ كلّ هذه المشكلات الدائمة ما هو سببها؟ أستريح منه. ففي النهاية هو من جهة مال ولا يمكن للإنسان أن يلقيه في الشارع، لا بدّ أن يحفظه، ومن جهة أخرى يرى أنّه شغل فكره، ويرى أنّ هذا الاشتغال الفكريّ مضرّ له، واقعًا يشعر بذلك، كما لو حصل للإنسان مثلاً أمر يشغل باله فكيف يحبّ أن يتخلّص منه في أسرع وقت؟ فلو أصاب بلاء أحدًا، ومرض أحد أقاربه، فإنّه يشغل بال الإنسان بشكل دائم، فينتظر الإنسان دائمًا أن يصل خبر سلامته عاجلاً، فيخرج من هذه الأزمة ومن هذا الانشغال. فكذلك هذا التملّك والتعلّق بالملكيّة فإنّه يجعل الإنسان يشعر أنّه منزعج واقعًا، وإنّما أقول لكم هذا لأنّي التقيت ببعض الناس هكذا، ينزعج واقعًا لأنّ معه مالاً، ينزعج.

    1. جواهر المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب، ابن الدمشقي، ج۱، ص ٢٩۷. 

معنى (رؤية المال لله) والطريق إلى ذلك

8
  • عدم مبالاة السيّد هاشم الحدّاد بالمال

  • كان المرحوم السيّد هاشم الحدّاد رضوان الله عليه في أحد المجالس، نعم كان في الصالة الخارجيّة لأحد أبنائه، ويبدو أنّه كانت خطبة ابنه الأكبر السيّد مهدي، كان جالسًا، وكان أحد الأصدقاء ـ حفظه الله ـ أحد الأصدقاء وهو الآن في الكويت، الحاج عبد الجليل والذي أورد اسمه المرحوم العلامة، فقد كان هناك ـ وكان السيّد الحدّاد جالسًا لا يتكلّم، جالسًا جانبًا، وكان هو يتكلّم فهم يقولون: بهذا المقدار وفي المقابل هؤلاء يقولون بذاك، ولا أدري كان الحديث حول ثلاثة آلاف دينار أو ألفي دينار، لا أدري كم كان المبلغ، فهذا كان يقول: ثلاثة آلاف دينار للمهر، وكان هو جالسًا هكذا ينظر إليهم، ولا أدري ما إن كان ملتفتًا إليهم أم لا، فهذا يقول: ثلاثة آلاف، وهذا يقول: ألفا دينار. وفجأة نفدت طاقة السيّد الحدّاد، فقال: ما الأمر؟ على أيّ شيء تختلفون؟ قالوا له: سيّدنا هؤلاء يقولون ثلاثة آلاف دينار ـ أهل العروس ـ وهذا يقول: ألفان. فقال: فليكن أربعة آلاف دينار. فكتبوا أربعة آلاف دينار. فهذا نوع، وذاك نوع آخر .هل التفتّم؟ 

  • هذا السيّد الحدّاد الكافر والصوفيّ وكذا وكذا، وهذا صاحب الرسالة العمليّة ومرجع التقليد، هل التفتّم؟ مكتب المقاولات لا يصل إليهم! قال: فليكن أربعة آلاف دينار وأنهوا الأمر. قال ذلك المسكين عبد الجليل: فلماذا كنّا نتحدّث ساعة كاملة إذن؟!

  • كيفيّة تخلّص أحد تلامذة السيّد هاشم الحدّاد من ماله

  • وفي يوم من الأيّام، كان أحد تلامذة السيّد الحدّاد مسافرًا مع أصدقائه ـ وما أنقله لكم هو حقيقة وليس مجرّد كلام بل واقع ـ فكان يسافر مع أحد أصدقائه، وكانت له حال جيّدة. كان يقول: ما إن أضع يدي في جيبي فإنّ الآخرين يقدّمون ما أريد. فكان يكرّر ذلك ويقول: كلّما مددت يدي إلى جيبي لأشتري شيئًا كانوا يحضرونه لي. تعبت، كانوا يقول: في أحد المجالس التي كان قد ذهب إليها أخرج المال من جيبه ووضعه تحت السجّادة، فاستراح، لم يعد هناك شيء في جيبه. وبعد مدّة وبينما كانوا ينظّفون الغرفة بعد أن سافروا، رفعوا السجّادة فرأوا ـ وقد حدث ذلك في منزل أحد الأصدقاء الذين انتقلوا إلى رحمة الله رحمه الله المرحوم الحاج غلام حسين السبزواري ـ فجاءت تلك المرأة زوجته أو أحد أهله أو خادمته عندما أزاحت السجّادة جانبًا رأت مبلغًا من المال تحته، فتعجّبت وجاءت إليه وأخبرته. قال: لا نحن لم نضع مالاً. وبعد البحث والتحقيق اكتشفوا أنّه لفلان، حيث كان كلّما وضع يده في جيبه يريد أن يشتري شيئًا [يحضرونه له]، فملّ وكان يقول في نفسه: ما هذا؟ كلمّا وضعت يدي في جيبي أعطوني مالاً، فلأضع هذا المال هنا وأريح بالي، فأنا لا أملك شيئًا بعد ذلك، أقول: أنا لا أملك شيئًا تريدون أن تشتروا لي فاشتروا وإن لم تريدوا... إنّه في هذه الحال كان يرى أنّ اشتغاله بهذا المال يوقفه، اشتغاله بهذا المال يمنعه من الأوج الروحي والنفسي، يريد أن يريح نفسه، يريد أن يخرج نفسه. 

معنى (رؤية المال لله) والطريق إلى ذلك

9
  • حالة أصحاب الحسين ونظرتهم إلى الدنيا

  • وشبيه ذلك في مرتبة أعلى بكثير بالطبع، ما لدينا عن أصحاب سيّد الشهداء عليه السلام الذين كانوا يتسابقون إلى الموت، يتسابقون إلى الشهادة. كانوا منزعجين لماذا هم أحياء، كانوا منزعجين لماذا هم مقيّدون بهذا القيد، منزعجون. فهو يرى يرى الأحوال، يرى الإمام الحسين، يرى المستقبل، يرى عاقبته، يرى ما أعدّه الله له، وبعضهم كادوا ينازعون الإمام الحسين أن لماذا لا تأذن لنا؟! كانوا يأتون يقسمون بكذا وكذا وكذا يريدون أن يسترحموا قلب الإمام الحسين، كان يقول: لا بأس اذهبوا الآن. لا يجدون ألم مسّ الحديد۱ من شدّة الاشتياق والتوجّه إلى ذاك العالم والوصول إلى وصال المعبود، لم يكونوا يشعرون أصلاً. هل رأيتم أحيانًا يريد الإنسان أن يتابع أمرًا ما، يريد أن يتابع عملاً، ويكون مستعجلاً فيصطدم رأسه فجأة بشيء فيخرج الدم فلا يحسّ، وبعد مدّة يلتفت أن ما هذا؟ لماذا يدي...؟ يقع ذلك، أو تصطدم رجله بشيء فلا يشعر ثمّ شيئًا فشيئًا يشعر بالألم في رجله. فقد كان هناك ألم، ولكنّه لأنّه كان غافلاً عن البدن، لم يكن يشعر به. فهؤلاء أصلاً لم يكونوا يشعرون، أصلاً لم يكونوا يشعرون بالحديد يصطدم بهم، وأنّ السيف يصطدم بهم. 

  • معنى عبارة "يضعونه حيث أمرهم الله"

  • يضعونه حيث أمرهم الله، يجب أن يصرف الإنسان ذلك المال في المكان الذي أمر الله به. يقول الإمام الصادق عليه السلام: عليه أن يرى ما هو التكليف؟ في مكانٍ القليل، وفي مكان آخر الكثير وفي مكان ثالث معتدل، ففي كلّ مكان بمقدار، في مكان يمسك، وفي مكان ينفق، لا ينفق على أيّ إنسان ولا يمسك عن أيّ إنسان. لا بدّ أن يرى ما هو التكليف؟ 

  • وصايا الشيخ الأنصاري للسيّد الخوانساري حول التصرّف في الأموال الشرعيّة

  • كان المرحوم السيّد محمّد تقي الخوانساري من مراجع التقليد أيّام المرحوم البروجردي، وكان رجلاً فائق الاحترام وعظیمًا وصاحب تقوى، المرحوم السيّد محمّد تقي الخوانساري. كان من زملاء المرحوم السيّد حجّت، والمرحوم الصدر وأمثالهما، وهو الذي صلّى صلاة الاستسقاء، لأنّه لم ينزل المطر في إحدى السنوات في قم، وكان الوضع وخيمًا جدًّا، في تلك السنوات، ويبدو أنّه في تلك السنوات كانت الحرب العالميّة الثانية، وكان الإنكليز والأميريكيين قد دخلوا إيران وكانوا قد جاؤوا إلى قم أيضًا وأحضروا الجيش معهم، وكان الوضع وخيمًا جدًّا. طلب الناس صلاة الاستسقاء، فسار برفقة أهل قم إلى خارجها وشرع بالصلاة، فظنّ هؤلاء الإنكليز والأمريكيّين أنّهم يريدون الثورة عليهم، فجاؤوا بأسلحتهم واستعدّوا حتّى إذا [شرعوا بثورتهم تصدّوا لهم]. خرجوا فصلّوا فلم يهطل المطر، فرجعو إلى المدينة، وينقل أنّه خرج مرّة ثانية برفقة عدد من خواصّه وحدهم إلى نفس المكان فصلّوا فلمّا انتهت الصلاة هطل المطر، وقد هطل إلى درجة وجاءت الغيوم وأمطرت حتّى جاؤوا إلى السيّد محمّد تقي الخوانساري فقالوا له: ادع أن تتوقّف، فإنّ كلّ شيء في طريقه إلى الخراب. لقد كان رجلاً عظيمًا جدًّا، رجلاً تقيًّا وبارزًا. وفي سفر كان له إلى همدان للقاء المرحوم الشيخ محمّد جواد الأنصاري ـ وكان الشيخ الأنصاري قد درس عنده ـ جاء المرحوم الأنصاري لاستقباله وجاء معه علماء همدان كلّهم والأهالي والتجّار والأعيان، فالتفت بشكل تلقائي لا متخفيًا ولا بهمس إلى الشيخ الأنصاري وقال له: أعطني برنامجًا يا جناب الشيخ محمّد جواد لأحوالي! أعطني برنامجًا لطريقي. مرجع تقليد أمام هؤلاء العلماء كلّهم وأمام الناس يقول لتلامذته هذا الأمر، هذا ليس بالأمر اليسير، ليس أمرًا عاديًّا. ولكنّ المرحوم الشيخ الأنصاري يستنكف بمقتضى تواضعه وأدبه ورعاية للاحترام ويستوحش من هذ الأمر أن ما هذا الكلام وما هذه الأمور، نحن لسنا أهلاً ـ وطبعًا أنا أقول هذا عن لسانه ـ وما هذه الأمور؟ جنابكم أنتم مؤهّلون ـ مثلاً يقول هذا ـ أنتم بأنفسكم أهل، أنتم أهل لهذه الأمور. فيلتفت إلى الشيخ الأنصاري ويقول: أنا لا أمزح، لست أمزح يا سيّدي، لا تمتنعوا! تفضّلوا. فيلتفت إليه المرحوم الأنصاريّ ويوصيه بثلاثة أمور ـ وبالطبع بشكل هادئ وخفيّ ـ يقول له أحدها: لا تترك صلاة الليل، هذا أولاً. ثانيًا: لا تقصّر في مساعدة الفقراء والأيتام، ثالثًا: اصرف أموال إمام الزمان عليه السلام والحقوق الشرعيّة في مكانها. وعندما يطرح هذا الأمر، يطأطئ رأسه إلى الأسفل، وبعد مدّة يرفعه ويقول: الأمران الأوّلان أتمكّن منهما، ولكن الثالث لا أتمكّن. هذا مع أنّ الله وحده يعلم كم كان المرحوم السيّد محمّد تقي الخوانساري محتاطًا في صرف هذه الأموال، الله يعلم كم كان له من الوسواس في أن لا تُصرف لا سمح الله في غير موضعها، ولكن في الوقت نفسه فإنّ هذه المسألة مهمّة إلى درجة أنّه يحسّ أنّه لا يمكنه القيام بها فيقول: ادعوا لي في ذلك، لا بدّ أن تدعوا لي أنتم أن يوفّقني الله. 

    1. بحار الأنوار- العلامة المجلسي- ج ٤٥- ص ۸۰- ۸۱: الخرائج: سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن ابن فضل، عن سعد الجلاب عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال الحسين عليه السلام لأصحابه قبل أن يقتل: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لي: يا بني إنك ستساق إلى العراق، وهي أرض قد التقى بها النبيون وأوصياء النبيين، وهي أرض تدعى عمورا، وإنك تستشهد بها ويستشهد معك جماعة من أصحابك لا يجدون ألم مس الحديد، وتلا: (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) يكون الحرب برداً وسلاما عليك وعليهم. فأبشروا فوالله لئن قتلونا فإنا نرد على نبينا.

معنى (رؤية المال لله) والطريق إلى ذلك

10
  • يضعونه حيث أمرهم الله حيث يأمر الله لا أنّه يصرفه حيث يريد هو. لأنّه ينبغي أن لا يكون هناك تعلّق، ينبغي أن لا يكون هناك تعلّق بعد ذلك، فإنّه في موضع يصرف القليل وفي موضع آخر الكثير في المكان المناسب والصحيح. على المؤمن أن تكون رؤيته حين الإنفاق رؤية توحيديّة. 

  • الرؤية التوحيديّة عند الإنفاق 

  • يجب عندما ننفق أن نعلم أنّا ننفق من جيب غيرنا، لا من جيبنا نحن. يجب أن يكون لدينا هذا الحال لكي يكون له أثر. 

  • كنّا في خدمة المرحوم الحدّاد، فتحدّث أحد الأصدقاء ـ أحد أصدقائه وکان رجلاً صالحًا وهو لا يزال على قيد الحياة حفظه الله ـ حول الإنفاق وأمثاله، ثمّ التفت إلى السيّد وقال: سيّدنا عندما ينفق الإنسان نفقة ويرى أنّها في مكانها المناسب فإنّه يفرح، لأنّها قد صرفت في مكانها المناسب. طبعًا هذا جيّد، وفي النهاية هو كذلك، ولكن الأعلى من ذلك هو أن لا يكون هناك سرور، فعندما يريد الإنسان أن ينفق ـ وليست المسألة خاصّة بالإنفاق، وإن شاء الله في الفقرات الآتية من الحديث الشريف للإمام الصادق سنتحدّث عن أمور أخرى في عبارة الإمام المسألة الأخرى أن لا يدبّر العبد لنفسه تدبيرًا، فالمسألة ليست مختصّة بالإنفاق، فلأنّ الفقرة الأولى حول الإنفاق فإنّا نتحدّث عنه، فعندما نريد أن نعطي مالاً ما للفقير فعلينا أن نعلم أنّا ننفق من جيب غيرنا لا من جيبنا نحن، وحينها انظروا إلى أثره كم سيكون؟! لذلك لدينا في الروايات أنّك إذا أعطيت مالاً لفقير فقبّل يدك، لأنّك إذ تعطي المال إلى الفقير فإنّك تعطيه إلى الله، والفقير هنا ممثّل عن الله، وإنّه الفقير هو الذي يؤدّي إلى تكاملك، لو لم يكن الفقير فأين كنت ستضع المال؟ لمن ستعطيه؟ فالله جعل هذا الفقير في طريقك حتّى تنفق عليه إذا وصلت إليه. كان يمكن أن لا يكون فقير، فأنتم عندما تأتون ولا تجدون فقيرًا في طريقكم فإنّ هذا المال سيبقى في جيبك. فالمال في جيبك، ولم تقم بأيّ عمل، فلم تتكامل، فإذن لا بدّ أن يمنّ عليك، ولكن علينا أن نجمع كلّ هذه المنن ونعدّها من الله، الله هو الذي يمنّ علينا (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ)۱ يأتون إلى النبيّ ـ وهذه الأمور التي أذكرها لكم كانت تحصل مع المرحوم العلامة، نحن أتينا وصرنا من السلاّك، نريد أن نكون في خدمتكم، نعم، لنطيعكم، وكذا، فلا تأتوا، جئنا لنكون في خدمتكم، (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) فمن الذي جاء بكم إلى هنا؟ من الذي فصلكم عن هؤلاء الناس الكثيرين وجعلكم مستعدّين لتلقّي هذه المعارف؟ من؟ فنحن لا نختلف عن الآخرين، نفس هذه الخصائص والجمسيّة والنفسيّة التي عندنا موجودة عند الآخرين، وربّما كانت عندهم أفضل أيضًا؟ فكيف انتخبنا هذا الطريق وتركنا الطرق الأخرى جانبًا؟ من الذي فعل بنا ذلك؟ من الذي وفّقنا؟ من الذي أحدث لنا هذا الانفصال؟ نحن؟ فلماذا لم نأت قبل هذا؟ (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ) فالمنّة مختصّة به. والكبرياء مختصّ به: اللَهُمَّ أهلَ الكبرياءِ وَالعَظَمة وَأهلَ الجُودِ وَالجَبَروت٢ فعلى من نريد نحن أن نعتزّ؟ على من نريد أن نتعظّم؟ فعندما نريد أن نعطي الفقير مالاً فمن المستحبّ أن نقبّل أيدينا، وأن نقدّمه باليد اليمنى. وأن ينفق باليمين٣ ثمّ يقبّل يده لأنّه تعامل مع الله٤. ففي الواقع هو أعطى المال لله، وهذا الإعطاء للمال إلى الفقير يؤدّي إلى ينسلخ الإنسان دفعة واحدة، وأن يرتفع درجة إلى الأعلى. فهو الذي يمنّ. فلو صحّحنا هذا الجانب من الموضوع، فإنّ ذاك أيضًا هو مع الله، فلنعدّ ذاك الجانب منه أيضًا، أي نأخذ من جيب الله ونضع في جيب الله. فهذا يصبح رائعًا جدًّا. هذا الأثر سيغدو مضاعفًا.

    1. - سوره الحجرات (٤٩)، صدر الآية ۱۷
    2. وسائل الشيعة، ج۷، ص ٤٦۸.
    3. وسائل الشيعة، ج٥، ص ۱٩٩: عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل ، ورجل قلبه متعلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ، ورجلان كانا في طاعة الله عز وجل فاجتمعا على ذلك وتفرقا ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ، ورجل دعته امرأة ذات حسب وجمال فقال : إني أخاف الله ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما يتصدق بيمينه.
    4. بحار الأنوار، ج ٩٣، ص ۱٣٤: قال أمير المؤمنين عليه السلام : إذا ناولتم السائل فليرد الذي يناوله يده إلى فيه فيقبلها فإن الله عز وجل يأخذها قبل أن تقع في يد السائل فإنه عز وجل يأخذ الصدقات .

معنى (رؤية المال لله) والطريق إلى ذلك

11
  • قصّة إياز في تعظيمه للسلطان محمود واعتقاده أنّ قيمة أمره تفوق قيمة الجوهرة

  • ينقل مولانا قصّة السلطان محمود وإياز في الرحلة إلى الهند، حيث نال هناك من خزانة ملك الهند جوهرة قيّمة جدًا، كانوا جالسين جميعًا، أمراء الجيش والأعيان، فالتفت إلى نديمه ووزيره وأعطاه إياها وقال: كم قيمة هذه؟ قال: سيّدي هي خراج دولة، فقال: عجيب! ما هذا الكلام؟! ثمّ قال: هذه لا تلزمنا فاكسرها! ارم بها واكسرها! 

  • ـ ماذا تقول يا جناب السلطان؟ ليس لها مثيل في الخزينة كلّها. 

  • فقال: لا بأس جيّد صحيح، لم ألتفت. وأعطاه خلعة وجائزة ولطف به لطف الملوك لما أبرزه من الاهتمام والحرص على الخزانة الملكيّة. 

  • وبعد مدّة تنتهي القضيّة وتمرّ ربع ساعة، فيعطيها لرجل آخر. فيقول: يا فلان قيّمها. فيقول كما قال سابقه، فيقول: فلو أردنا أن نصرف النظر عنها ماذا تفعل هل تكسرها أم لا؟ كيف يقول الملك كلامًا كهذا؟ فهذه لأجل سلطان السلاطين ملك الملوك السيّد بن السيّد ـ ألم تروا حين يبدؤون بالمديح في ختام الكتب فيذكرون أمثال هذا الكلام، السيّد بن السيّد، السلطان بن السلطان بن السلطان، السلطان ا

  • لأعظم وكذا وكذا، فما هذا؟ السيّد بن السيّد السلطان ابن السلطان ـ فقال له أيضًا اكسرها، فكذلك كان موقفه، إلى أن وصل الدور إلى إياز، وكان الأمر قد اتّضح نوعًا ما لإياز، فقال له: كم قيمتها؟ قال: سيّدي هذه قيّمة جدًّا، إنّها نادرة، ما هي هذه؟ والأمر كما قالوا. قال: اكسرها! وما إن نطق بذلك وضعها تحت رجله وضربها وطحنها، فتعجّب الجميع وبدأوا بالشماتة، بدأوا بالعتاب: أيّها المجنون! ماذا صنعت؟ قمت بعمل سيّء، قمت بكذا وكذا، أفْلَسْت الخزانة، أفهل يقوم عاقل بذلك؟ وعندما انتهى خطابهم وعتابهم التفت إليهم وقال: أخبروني أيّهما أكثر قيمة عندكم هذا الحجر أم كلام السلطان؟ 

  • هذا هو العاقل، هذا هو الذكي هذا هو الماهر، الماهر هو هذا. لا يمكنهم أن يقولوا إنّ قيمتها أكثر، فهذا ما لا يمكن في النهاية. 

  • قال: لكم أعين، لكم أعين ترى الظاهر، أنتم نظرتم إلى تلؤلؤ هذه الجوهرة ولمعانها، وأنا نظرت إلى قيمة كلام السلطان. ثمّ نظر السلطان وقال: أهذه هي نتيجة ملازمتنا والكون معنا، أن ترموا بكلامنا على الأرض، وتقدّموا عليه حجرًا وترجّحوه؟ أهذه هي النتيجة؟ ثمّ أمر بقتلهم ولكنّ إياز شفع لهم. فإياز لا يرى أمام السلطان حجرًا، لا يرى إلا كلام السلطان. كلام السلطان بالنسبة إليه هو المهمّ لا الحجر. افرضوا من باب المثال أنّ هذه الجوهرة عندما قال لهم اكسروها لم يكسروها ولكنّها انكسرت، فالنتيجة واحدة، كما لو جاء طفل وكسرها، أو طائر ألقاها من أيديهم وكسرها، أو كسرت بأيّة علّة من العلل. فهذه مسألة مادّية وقعت، ولكنّ كلام السلطان ينبغي أن لا يكسر. 

معنى (رؤية المال لله) والطريق إلى ذلك

12
  • الإمام الصادق عليه السلام يقول: لا بدّ أن تكون أمام ربّك كإياز. وليس الإمام الصادق هو الذي يقول أنا أقول وأضرب مثالاً، وإلاّ فإنّ إياز جاء بعد الإمام الصادق بستمائة سنة. لا بدّ أن تقبل بسلطان واحد، وهو ملك الملوك، وبقيّة السلاطين كلّهم مجاز، كلّهم كذب، كلّهم فانون. ما جعلناه الله في أذهاننا فهو ليس الله، وما عظّمناه في أذهاننا فهو فانٍ كذلك الحجر. 

  • فناء كلّ ما سوى الله وعجز الإنسان عن الوقوف في وجه الموت

  • وقد قلت للرفقاء يومًا: مهما تعلّقنا بالدنيا، فهل لنا سيطرة على موتنا؟ هل سنتغلّب عليه؟ فماذا سنصنع له؟

  • قصّة موت إنسان صحيح بعد اعتداده بصحّته

  • شرّف منزلنا قبل عدّة ليال أحد الأصدقاء، وهو حاضر هنا الآن، لقد كان يقول: لي مال على رجل، أريد منه مبلغًا كبيرًا، فقلت له: أعطني مالي وإلاّ رفعت عليك دعوى. فكان يقول: ارفع دعوى، لقد اشتريت الجميع بالمال، اشتريت القضاة بالمال. فقد كان يرشوهم هنا وهناك فلا أثر بعد ذلك للدعوى. قلت له يومًا: لماذا تفعل ذلك وكذا وكذا؟ فقال: لقد ذهبت قبل أيّام وأجريت فحوصًا مخبريّة، فهذا فحص اليوريا ، وهذا فحص الدهون، وهذا فحص الكوليسترول لدي ، وهذا فحص السكر، (وفحص الشراب!!) وكلامًا من هذا القبيل، وهذا قلبي كقلب شابّ ابن عشرين سنة لا يشكو من شيء، فما شئت فاصنع. يقول هذا الصديق: بعد عدّة أيّام سمعت كلامًا وضجيجًا أنّ فلانًا قد توفّي، هذا الرجل نفسه، هذا الرجل الذي فحص الكولسترول، فذهبت وحقّقت فعلمت أنّه توفّي فعلاً. لقد قام عند الصباح وأصيب بسكتة. كلّ شيء عنده دقيق وطبيعيّ ورائع، قلبه جيّد، ولكنّ المسألة في موضع آخر! فلماذا نخادع أنفسنا؟ لماذا نخادع؟ حسبنا أنّ زمام الملائکة في أيدينا؟ زمام حضرة عزرائیل وجبرائیل في أيدينا؟ نحن لا يمكن أن نرى خلف هذا الجدار، السكّر كذا والدهن كذا ووو فماذا نصنع بهذا نحن؟ ماذا نصنع بالحقائق؟ هنا یقودنا الإمام إلى حقيقة واقعيّة فيقول: كلّ ما كان في ذهنك إلى الآن فهو مجاز، إنّ ما في ذهنك كلّه تخيّل. انظر هل أنت مسلّط على مالك أم لم يعد لك عليه سلطة؟ 

معنى (رؤية المال لله) والطريق إلى ذلك

13
  • فلسفة الابتلاء: تصحيح التعلّقات وتحقيق التكامل

  • لهذا يقول الله: نحن عمدًا ولأجل تحقيق التكامل عند العباد نوجد اختلافًا في الأوضاع (وَلنَبْلُوَنَّكُمْ) آية عجية جدًّا، آية أعتقد أنّها [مليئة بالأسرار]، جميع آيات القرآن هي واقعًا مليئة بالأسرار ومليئة بالرموز وتحلّ المشاكل في كلّ مرتبة من مراتب السلوك عند الإنسان، وتشكّل له أسوة، ولكنّ بعض الآيات عجيبة جدًّا، ومنها هذه الآية (وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرينَ)۱ نحن نمتحنكم، نحن نبتليكم، أصلاً نحن نبتليكم ولنبلونّكم، تعني أنّا نحن نبتليكم، أنا الله أبتليكم، بماذا؟ (بِشَيْ ءٍ مِنَ الْخَوْفِ)، نحدث لكم قلقًا واضطرابًا وخوفًا، خوفًا من فقدان شيء، من حدوث أمر، هجمة من قبل الكفّار، من قبل الأعداء. (وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ)، ننقص أموالكم ونأخذ بعضكم نأخذ الابن، نأخذ المرأة، نأخذ الزوج، نأخذ الرفيق، نأخذ القريب، لقد انتهى عملهم وعليهم أن يذهبوا (وَالثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ). فالله هنا يقول نحن نبتليكم، فإذن هذه الآية تقول: إنّ هذه الأمور التي تحدث هي من جانب الله. الآية تقول هي من جانب الله في النهاية. فلماذا نحن نصاب بالتزلزل في هذا الاختلاف؟ لماذا؟ لو فرضنا أنّ الله قال لنا: غدًا سأوجد لك معاملة خاسرة. الله يأتي في عالم الرؤيا ويقول. فماذا يقول الإنسان حينها؟ يقول: أوجدها. فعندما يقول أريد أن أوجدها هل نقول له: لا توجدها؟ إمّا أنا مالك أو لست مالكًا، فأنا أريد أن أحدث لك معاملة خاسرة، أقول لا لا تحدثها؟ لا يمكن.

  • قصّة ابتلاء محقٍّ شاء الله أن يراه محكومًا 

  • ينقل أحدهم ويقول: كنت على خلاف مع رجل وكنت قاطعًا بأنّ الحقّ معي ـ في ذلك الزمان السابق ـ كان الحقّ معي، واضح وضوح النهار أنّه ظالم، فكان يقول: تقرّر أن نذهب إلى المحكمة في يوم معيّن. في أيّ زمان، في الزمان السابق، كان يقول: رأيت في عالم الرؤيا أنّ مناديًا يقول لي: إنّ الله شاء أن يراك محكومًا. فقمت في الصباح وقلت لا بأس، فأمرنا واضح. فذهبت إلى المحكمة بكلّ اطمئنان فحکمت المحکمة ضدّي وأعطت الحقّ له ورجعنا وكأنّ شيئًا لم يكن. الله يريد أن يراني محكومًا فماذا أصنع؟ عندما أراد سيّد الشهداء عليه السلام أن ينطلق من المدينة، جاء أخوه محمّد بن الحنفيّة ليمنعه، فقال: إلى أين أنت ذاهب يا أخي مع هذه الأوضاع؟ إنّهم يتتبّعونك خطوة بخطوة، فابق هنا، قم بكذا، إنّ من الواضح أنّ مسيرك ليس له عاقبة حسنة. وكان الإمام الحسين عليه السلام مطمئنّ البال فقال: ماذا تقول أنت؟ شاء الله أن يراني قتيلاً٢ فماذا تقول؟ فلم يدر بماذا يجيب؟ فإن كان الله يريد فماذا أقول؟ ثمّ قال: إلى أين تأخذ هؤلاء العيال؟ إن كنت تريد أن تستشهد أنت فما شأن العيال؟ فقال الإمام: شاء الله أن يراهنّ سبايا.٣

    1. سورة البقرة، الآية ۱٥٥. 
    2. مقتل الحسين عليه السلام، السيد عبد الرزاق المقرّم، ص ٦٥ .
    3. المصدر السابق.

معنى (رؤية المال لله) والطريق إلى ذلك

14
  • فإذا مشى الإنسان بهذا النوع من التفكير فما هو أثر هذا الانخفاض والارتفاع والتغيير والتبدّل فيه؟ فلو أنّ إنسانًا أعطى مالاً ويريد أن يأخذه يريد أن يسترجعه. ما دام هو الذي أعطى فهو الذي يريد أن یسترجع. يقول: لقد أعطيتك مالاً فأرجعه إليّ. يقول: أنا أعطيتك، هل جئت به من جيبك؟! كلا، لقد كان مالاً لأبيك، لقد جمعه أبوك، والآن توفّي، وأنا أخذته من هذه الدنيا، فوصل إليك الآن، والآن أريد أن أسترجعه، لو أنّ أباك كان حيًّا الآن هل كان وصل هذا المال إليك؟ لما وصل في النهاية، فإذن أنا الذي سبّبت لك هذا التوفيق حتّى صرت صاحب هذه الأموال، أو لو أنّ فلانًا لم يأت ويشتر لك ذلك الصنف المعيّن هل كنت صاحب هذه الإمكانات؟ كلاّ، أنا من أرسل هذا الرجل، والآن أريد أن آخذ هذا المال. لماذا عندما جاء المال فرحت والآن عندما أردت أن آخذ هذه الأمانة تجزع وتفزع؟ الآن تنزعج؟ لا يمكن ذلك. إن شئت أن تكون إنسانًا صالحًا فلا أقول أن تفرح عندما تخسر، لا أقول هذا، فهذا غير ممكن، لا أقول كن مسرورًا واضحك وقل الحمد لله لقد نقص اشتغال فكري وذهني، ولكن على الأقلّ ليتساو الأمر لديك، لا يختلف، لا يكن هناك فارق. لأنّ الذي أعطى هو الذي أخذ، والذي أخذ هو الذي يعطي، واعلم ـ الأمر اللاحق والبشارة هي هذه ـ أنّ الإنسان إذا وصل إلى هذا الأمر وحصل له أمر ما فإنّ هذا التغيّر والتحوّل الحاصلان في نفسه ينفعانه. فلو أنّ الإنسان ذهب صباحًا إلى الدكّان وفتح بابه، أو افترضوا أنّه ذهب إلى محلّ عمله، ثمّ جرت الأمور هكذا بشكل طبيعيّ، فإنّه لم يتكامل، فكره ورؤيته واحدة. 

  • حتميّة البلاء في نظام العالم

  • وأنا أعدكم أنّه لو قرأ الإنسان ألف كتاب وصلّى ألف سنة وصلّى صلا الليل وتهجّد، فما لم يحدث الله للإنسان بلاء ما فإنّه لن يدرك هذا الأمر، لن يدرك، لا بدّ أن يحدث الله له بلاء. هذا هو نظام العالم، وفي هذا النظام الأمر هو كذلك. لذلك فإنّ الأمور ترتفع ثمّ تهبط، تتغيّر، حتّى ينتقل الإنسان في هذه التغييرات والتبدّلات من هذا الجانب إلى ذاك، يصعد ثم يهبط حتّى يطمئنّ، فلا يختلف الأمر عنده، سواء خسر أم ربح لا فرق عنده، سواء كان في يسر أم في عسر لا فرق عنده. عدم الفرق هذا هو الذي ينبغي أن يصل إليه هنا. هذا الأمر كان يرتبط بالمال. فما هو هذا؟ إنّه بشارة؟ الوصول إلى هنا ليس بالأمر اليسير، الوصول إلى هذه المرتبة أن يحصل على مال أو لا يحصل بل يؤخذ منه، كلاهما سيّان، التبن والتبر سواء عنده، فهل هذا يسير؟!

معنى (رؤية المال لله) والطريق إلى ذلك

15
  • الوصول إلى حيث يقال: ثلاثة آلاف دينار أم ألفا دينار؟ فيقول أربعة آلاف دينار. فهذا ليس لأيّ إنسان. هذا يحتاج إلى بشارة. لذلك يقول: (وبشّر الصابرين)، فبشّر الصابرين هي لأجل هذا. بعد الصبر يحصل لك هذا الكمال، بعد الصبر والتحمّل يحصل هذا الارتقاء وهذا التبدّل وتصحيح الباطن وتصحيح الفكر. لذلك بشّر الصابرين الذين وصلوا بالصبر إلى هذه الدرجة، فبالصبر تنال هذه النقطة السلوكيّة، فـ (بشّر الصابرين) هي نتيجة ذلك. فلماذا (لنبلونّكم) لماذا نبلوكم؟ لماذا (بِشَيْ ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ)؟ لماذا؟ لأجل أيّ شيء؟ لأجلكم أنتم نحن نجعل صعودًا وهبوطًا في حياتكم. بالنسبة لنا الأمر لا يختلف، كلّها سواء، فهل يختلف عند الله أن يأتوا ويذهبوا فرحين جيّدين؟ كلاّ لا يختلف، ولكن لأجل تكاملكم نحن نقوم بذلك في حياتكم. فإذن لا بدّ للسالك أن يستقبل هذا الطريق لا أن ينسحب؛ لماذا؟ لأنّه فعل الله، فالله يريد الآن أن يرفع هذا، ولو لم يرد لما رفعه. فإن أراد أن يسير لا بدّ أن يصل إلى هذه النقطة، إلى هذا التوازن، إلى هذه النقطة. 

  • اشتياق السلف إلى البلاء وعدم اعتمادهم الأعمال التي ترفعه سوى الدعاء العام

  • لذلك كان المرحوم العلامة يقول: لقد كان السلف يستقبلون هذا، فإذا مضت مدّة ولم يحصل تغيير وتبدّل تأخذهم العبرة، يبتهلون إلهي ماذا حصل؟ هل صرفت عنّا نظرك؟ ماذا حصل حتّى صارت حياتنا مريحة، ليس لدينا شيء ليس لدينا مشكلة؟ 

  • فلذلك في مدرسة العرفان والطريق الذي بيّنه أعاظم الدين والعرفاء الشامخون، في هذا الطريق ليس هناك أمور كرفع المشكلات وأداء القروض ومنع الخسارة، ولا أدعية وأمور ومسائل وأوراد وبرامج للمنع من ذلك. فهذا موجود في سائر المدارس. كانوا يأتون ويقولون: سيّدنا عندنا قرض كذا، فادعوا لنا. فكان يدعو لهم، ويؤدّى القرض.سيّدنا مثلاً عندنا المشكلة كذا، فافعلوا لنا شيئًا، فكان يفعل شيئًا وتحلّ المشكلة. سيّدنا لقد واجهنا أزمة كذا، فاصرفوها عنّا. فكانت الأزمة تنصرف عنهم. ولكنّك بقيت هنا، يؤدّى قرضك، ولكنّك لم ترتق. جيّد، هناك قرض، فمن الذي أوجده لك؟! أنت تريد أن تفرّ منه؟! هو الذي جاء لك بهذه المشكلة لكي تتكامل ومع ذلك أنت تتجاوز عنه وتمضي جانبًا. 

معنى (رؤية المال لله) والطريق إلى ذلك

16
  • نعم، هناك مقدار من الأمور لا بدّ منها، على الإنسان أن يدعو عند كلّ بلاء، لا بدّ أن يطلب رفع بلائه من الله، أوحى الله إلى النبيّ موسى: يا موسى سلني... ملح عجينك.۱ وكان قد مرض ولم يذهب إلى الطبيب، ولم يكن يتناول من تلك الأدوية ينتظر أن يشفيَه الله. فقال الله له: لقد جعلت حكمتي في هذه الأمور، فكيف تريد أن تفرّ من حكمتي هذه؟!٢ على الإنسان أن يطلب كلّ شيء من الله، ولكن عليه أن لا يسلك طريقًا مخالفًا لذلك التقدير والمشیئة، فيقوم بأمر مخالف لهما، فهذا مخالف للسلوك. 

  • الاهتمام بالأعمال الخاصّة لرفع البلاء ليس من العرفان

  • لذلك فمن رأيتموه يلتفت في حياته أو حياة الآخرين إلى هذه الأمور فليس له نصيب من العرفان، لا نصيب لأحد [ممن يقوم بذلك]. يجب في طريق العرفان الالتفات إلى التكليف والتسليم أمام قوانين الله والعمل بالظاهر. يأخذون مالاً من الإنسان، على الإنسان أن يعمل على طبق القانون، يذهب إلى المخفر ويشتكي ، يذهب إلى المحكمة ويشتكي، فلو حدث أمر كهذا، أو جاء سارق، سواء وصل إلى نتيجة أم لم يصل. الذهاب إلى الذين يمكنهم من خلال بعض الأعمال أن يشيروا ببعض الإشارات للإنسان، الذهاب إليهم خلاف السلوك. يمكن للإنسان أن يصل إلى ماله ولكن لا يصل إلى كماله. لا أذكر أبدًا أنّه في زمان المرحوم العلامة [طلب منه أحد هذه الأمور] فاستجاب له، أبدًا، لم يفعل، اصنعوا ما شئتم، ادعوا وإن شاء الله يرفع... لماذا؟ لعلّ هذا السارق مأمور من الله، (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)، فهل البلاء هو هكذا؟ لا بدّ للبلاء من وسيلة، فإمّا أن يأتي سارق، وإمّا أن يأتي تاجر ويخدع الإنسان، ففي النهاية المال لا يذهب هكذا، لا تبتلعه الأرض، إمّا يأخذه سارق، وإمّا أن يقوم طفل بكسر تحفة أثريّة. فهو الآن مأمور من الله. [يقول:] آه لقد ذهبت لأقوم بعمل ما، وهذا الطفل ليس مقصّرًا، فماذا جرى؟ إنّه هُدي من هناك أن تعال واضرب، اضرب حتّى يقلّ تعلّقه. ففي النهاية لا بدّ من طريقة. على الإنسان أن يعمل وفق الظاهر، عليه أن يتقدّم بدعوى، عليه أن يذهب ويحقّق، عليه أن يقوم بالأمور وفق الظاهر، في حدود التكليف لا أكثر. 

    1. بحار الأنوار، ج٩، ص ٣۰٣: يا موسى سلني كل ما تحتاج إليه حتى علف شاتك ، و ملح عجينك.
    2. فيض القدير شرح الجامع الصغير، المناوي، ج٣، ص ٣۱٣: أنّ موسى عليه السلام اعتلّ فعرف بعض بني إسرائيل علته فقالوا: تداو بكذا تبرأ. فقال: لا حتّى يعافيني بلا دواء. فطالت علته. فأوحى الله إليه أردت أن تبطل حكمتي في خلقي بتوكّلك عليّ. لا أبرأتك حتى تتداوى بما ذكروه لك، من أودع العقاقير المنافع غيري؟

معنى (رؤية المال لله) والطريق إلى ذلك

17
  • فلو كان لإنسان مال على آخر وكان هذا الآخر مقترضًا منه، فلا بدّ من العمل وفق الطرق الظاهريّة في حدود الشرع والتكليف. فإذا علم الإنسان أنّه لا يمكنه أن يدفع القرض فلا يجوز له أن يلقي به في السجن، فهذا حرام. نعم لو كان يعلم أنّ عنده مالاً ولكن لا يريد أن يدفع، فلا إشكال، لا بدّ أن يأتي. ولكن إن لم يكن معه مال فإنّ إلقاءه في السجن حرام، والله يعاقب الإنسان ويجازيه، ولا معنى لأن يفعل الإنسان ذلك، ولو فرضنا أنّه قصّر أيضًا، ما دام لا يملك فهو لا يملك، ما ذنب زوجته وأولاده؟ ماذا أذنبوا؟ هذه أمور للأسف لا تؤدّى، ينبغي للإنسان أن لا يسلك طريقًا مخالفًا لما رسمه الشرع للإنسان، وأن لا يسيء الاستفادة من المكانة التي هو فيها، سوء الاستفادة لمن؟ في مقابل الله؟ الله جاء لك بهذا فلا بدّ أن تصبر، أصابك ضرر فلا بدّ أن تصبر، خسرت مالك ولم تخسر روحك، كان لك مال في مكان ما، كان لك مال في البنك، وبينك وبين البنك بضعة فراسخ، فرسخان، الآن ذلك البنك لا يعطيك مالك، فليطمئنّ بالك فمالك في مكانه محفوظ، لا يأخذه أحد، أنا أعدك. أخذوا منك ملكًا، ذلك الملك في مكانه محفوظ لن ينقص منه شبر واحد. كان إلى الآن تحت تصرّفك والآن صار تحت تصرّف إنسان آخر. لا شيء، لا تقلق. لماذا يجب أن لا يقلق؟ لأنّ أصله لنا. جاؤوا وغصبوا منزل السيّد الحدّاد، عديله جاء وغصب، فماذا صنع هو؟ لم يفعل شيئًا، غصب فليغصب، لم يرفع عليه دعوى، ولم يذهب إلى مكان، فهو حتّى لو رفع دعوى لما كان وصل إلى نتيجة، حيث كان ذلك الرجل نافذًا، فبقي السيّد الحداد جالسًا. فماذا صنع الله في المقابل؟ ابتلي ذلك الرجل بالجنون ومات، وانتقل المنزل إلى ملكه، وكان منزلاً متواضعًا. فماذا يصنع؟ كان يقوم بواجبه، غصبوا، ها نحن نستمرّ في حياتنا. نصل النهار بالليل والليل بالنّهار. وهذا المنزل لا يزال كما كان، ننظر إليه كلّ يوم، ويجلس فيه رجل آخر، فليجلس. 

معنى (رؤية المال لله) والطريق إلى ذلك

18
  • فإذن على الإنسان أن يعلم هذه الأمور. الإمام الصادق يقول: التفتوا إلى آية (ولنبلونّكم)، فما يعطيك الله وما يأخذه منك كلاهما منشؤهما واحد، ليس لهما منشآن. 

  • نسأل الله أن يوفّقنا أن نحقّق هذه الأمور في أنفسنا، وأن لا تكون مجرّد كلام وتلقٍّ. أن نصل إليها واقعًا. نسأل الله التوفيق للوصول إلى هذه الأمور التي ترتهن بها في الواقع حياتنا الأبديّة، نعم حياتنا الأبديّة، وقد جاؤوا وتكلّموا لنا بهذا الكلام، والأمور التي نقلوها هم أنفسهم وصلوا إليها أوّلاً ثمّ بيّنوها لنا، لم يأتوا لتقضية ساعة من وقتهم ثمّ يمضون، بل وصلوا إلى هذه المسائل. الإمام الصادق عليه السلام وصل أوّلاً إلى هذه الأمور. فنسأل الله للجميع توفيق الوصول إلى الحقيقة والواقع والوصول إلى ذلك الكمال الواقعيّ الذي هو عبارة عن العبوديّة.

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد