45

الولاية المطلقة لله وأوليائه

10311
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمعنوان البصري

المجموعةالملكية الحقيقية والاعتبارية

جلسات المجموعة(10 جلسة)

التوضيح

تتحدّث هذه المحاضرة حول موضوعين:
الأول: الولاية المطلقة لله وكونها فرعًا للمالكيّة المطلقة له تعالى، وهي ثابتة للرسول والأئمّة عليهم السلام لأنّهم لا نفس لهم وينطقون عن الله، وأمّا للفقهاء فهي تثبت لمن بلغ المرتبة التي تحدّث عنها الإمام الصادق عليه السلام في حديث وأمّا من كان من الفقهاء، وقد بيّنت المحاضرة معنى هذا الحديث بالخروج عن النفس والهوى والهوس. وقد برهنت على أنّ ضرورة الطاعة المطلقة ثابتة بالبرهان العقليّ والفطري وليست مجرّد تعبّد. والأوامر الواردة فيها إرشاديّة.
الثاني: شهر رمضان حيث بيّنت مزيته عن غيره من الشهور بالرحمة العامّة والشاملة والتي لا مثيل لها في أيّام السنة إلا في يوم عرفة. كما بيّنت جملة من الوصايا في هذا الشهر كالتوجّه إلى صاحب الزمان والتقليل من النوم وإحياء الليالي العشر الأواخر، والسعي إلى صوم خاص الخاص وعدم الاكتفاء بصوم العوام والخواص بعد أن بيّنت معاني هذه المراتب للصيام.
وضمن بيان الموضوع الأول: تناولت المحاضرة موضوعين آخرين استطرادًا في أحدهما و على نحو المقدّمة في الثاني وهما:
1. وصايا ترتبط بالعتبات المقدّسة في العراق وخصوصًا مسجدي الكوفة والسهلة.
2. شموليّة دعوة الأنبياء للحكّام والملوك وعدم اقتصارها على العوامّ، واعتمادها اللين والنصح والرفق لا التعبّد، واستشهدت لذلك بسيرة رسول الله مع ملوك زمانه وسيرة الأئمة عليهم السلام وهنا جرى الحديث عن هارون الرشيد وابنه الذي اعتزل الدنيا. كما استشهدت بالآيات التي تأمر موسى وهارون بالذهاب إلى فرعون والقول اللين له، وقد بيّنت المحاضرة الخطوط العامّة للقول الليِّن من خلال بعض الأمثلة، وجعلت ذلك مقدّمة لإثبات أنّ الأنبياء لم تكن دعوتهم شخصيّة ولأنفسهم، بل يدعون إلى الله تعالى ولا يرون لأنفسهم شيئًا.

/۲۳
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

الولاية المطلقة لله وأوليائه

1
  •  

  •  

  • هو العليم 

  •  

  • الولاية المطلقة لله وأوليائه

  • شرح حديث عنوان البصريّ - المحاضرة ٤٥

  •  

  • ألقاها

  •  

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  •  

الولاية المطلقة لله وأوليائه

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بالله مِنَ الشَّيطان الرَّجيم 

  • بسم الله الرّحمن الرحيم 

  • وصلّى الله عَلى سيِّدنا و نبيّنا و حَبيب قُلوبنا و طَبيب نُفوسنا

  • أبي القاسم مُحمّد وَ عَلى آله الطَّيّبين الطّاهرين المَعصومينَ المُكرَّمين 

  • واللَعنة الأبديّة عَلى أعدائهم أجمَعين الى يوم الدّين 

  •  

  •  

  • أن لا يرى العبد لنفسه ملكًا

  • قالَ إمامُنا الصّادق عليه السّلام: [حقيقة العبوديّة] ثَلاثةُ أشياءَ: أنْ لا يرَى العَبدُ لِنَفسِه فيما خَوَّلَهُ الله مِلكًا، لأنَّ العَبيدَ لا يكونُ لَهم مِلكٌ...

  • يقول الإمام الصادق عليه السلام إنّ حقيقة العبوديّة ثلاثة أشياء، والشيء الأوّل هو أن لا يرى العبد فيما فوّضه الله ملكًا وتملّكًا، لا يرى ملكًا، لا يرى تعلّقًا؛ لأنّ العباد لا يملكون شيئًا. 

  • أن لا يرى لنفسه ملكًا تعني أن يلتزم بالحدود التي عيّنها المالك الأصليّ

  • ونحن جميعًا عباد للّه، فلو أنّ الله أعطانا شيئًا وجعل لنا الحقّ في التصرّف به، فهذا لا يعني أنّه خرج عن دائرة ملكيّته. فلو أنّه أمرنا يومًا ما أن أعط ما آتيتك إلى غيرك، أو تصرّف به بهذا النحو، فلا ينبغي أن يتردّد الإنسان، لا ينبغي أن يحصل لديه ترديد وشبهة، لأنّ المالك الأصليّ هو الذي أمر في الواقع. 

  • وإذا كان إنسان وكيلاً عن آخر، فلا يمكنه أن يتصرّف ويتدخّل بدون إذنٍ من الموكّل، وعليه أن يتصرّف ضمن دائرة ما أوكل إليه من إذن وإجازة وتصرّفات لا أكثر، وعليه أن لا يقدّم شيئًا من نفسه. ولذلك إذا أرادوا الآن أن يعطوا وكالة لأحد، فإنّهم يذكرون في المحضر حدودها، في أيّ الموارد على الوكيل أن يتصرّف، وفي أيّها لا يتصرّف. يذكرون الحدود، فمثلاً فلو كان هناك مال فعليه أن يقوم به بهذه المعاملات، وإن كانت هناك أرض، أو بناء في هذه الأرض ويريد أن يبيعها أو يشتريها، أما لو جاء هذا الإنسان وقال: بما أنّي وكيل فلأقم بطلاق زوجته. فهذا ما لا يمكن؛ إنّه خارج عن حدود الوكالة، وهو كما نعبّر عنه نحن [في الفلسفة]: تصرّف في المعقولات وخروج عن حدود الوجود [قال ذلك ممازحًا يريد به أنّه أمر غير ممكن التحقّق في الواقع الخارجي ويمكن تصوّره في العقل فحسب].

الولاية المطلقة لله وأوليائه

3
  • يقول: يا عزيزي! أنا قلت اشتر هذه الأرض، ولم أقل تعال وخذ زوجتي منّي. فهذا لا معنى له. 

  • والآن نحن نقوم بهذه الأعمال، فمن حيث لا نشعر نتدخّل في شؤون الله، ننقص ونزيد، فيقول الله [لواحدنا]: لقد جعلتُ لك حدودًا، فقم في ضمن هذه الحدود بهذا العمل، قم بذاك العمل، هذه الأعمال، ماذا تصنع أنت! فأنت تقوم بما هو خارج عمّا وكّلتك، وأنت تخرج عن حريم ملكيّتي وتصرّفاتي. 

  • هارون الرشيد يرى الملك لنفسه فيتصرّف فيه وفق ما يريد

  • لقد كان هارون خليفة عباسيًّا، فكان يعتقد أنّه لمّا كان خليفة عبّاسيًّا وحدود حكومته واسعة جدًّا ودائرة حكومته كبيرة [فهي ملك شخصي له]، فهي لم تكن شبرًا من الأرض، لقد كانت الأندلس وإسبانيا وأكثر من نصف أفريقيا تحت تصرّفه، إلى الشرق الأوسط وسوريا وإلى قريب روما، ومن الجهة الأخرى إلى جنوب شرق آسيا. هذه هي حدود حكومة هارون. لقد كانت إيران حزءًا من حكومة هارون، أي إنّ إيران بالنسبة إلى سائر سلطانه كانت كقطعة سجّاد صغيرة بالنسبة إلى هذه الصالة التي تجلسون فيها، ألم يكن الأمر كذلك؟ الحاصل أنّ حكومته هي أكبر بكثير من حكومتنا، وسعة حكومته كانت أوسع بكثير. وعلى أيّ حال، عندما كان يقوم صباحًا كان ينظر إلى الشمس ويقول: أشرقي حيث شئت فإنّك لا تخرجين عن حكومتي، وعندما كان يرى السحاب كان يقول: أمطري حيث شئت فخراجک لي. ولكنّ هارون هذا مدّ رجله أكثر من بساطه، فظنّ أنّ ما آتاه الله هو له [قائلاً:] إنّها حكومتي، إنّها ملكي، إنّها في ولايتي وسلطاني، والملك عقيم.

  • ومعنى كون الملك عقيمًا هو أنّه لا يعرف شيئًا، فلو أنّ ابنه قام في مقابله فإنّه يهلكه. لا يعرف نسبًا، فالسلطة لا تعرف قرابة. النسب ثابت في الحكومات ما لم يُخدش كيان الحاكم، وإلاّ فإنّ كافّة الأنساب وكافّة الأقارب والقرابات وكافّة الصداقات السابقة، كافّة أبناء مرحلة الدراسة وأبناء الصفّ الواحد، كلّهم يذهبون، كلّهم يفنون. ما لم يُتجاوَز حريمُ الحاكم فهناك صديق وسلام وكلام واطمئنان عن الأحوال. يقولون: كم هو حاكم جيّد! كم هو حسن الأخلاق! كم هو حسن المعاملة! كم هو متواضع! 

الولاية المطلقة لله وأوليائه

4
  • وعلى كلّ حال لقد كان هو أيضًا كذلك، لقد كان يظنّ هو أيضًا أنّ الحكومة عقيمة بالنسبة إليه، لا تعرف نسبًا، وأنّها ملك مطلق ولكنّ هذا خطأ.

  • أحد أبناء هارون كان تاركًا للدنيا كمحمّد بن أبي بكر 

  • كان عليه أن يقرأ رواية عنوان البصريّ. يا جناب هارون الرشيد! فقد كان في زمان موسى بن جعفر في النهاية، ولو أنّه قرأ هذه الرواية وعمل بها، لما كان كذلك. لقد كان له ابن يدعى قاسمًا۱، كان من العبّاد والزهّاد وتاركًا للدنيا واعتزل السلطة. 

  • وواقعًا عجيب الله كيف (يخرج الحيّ من الميّت)٢؟! فأحدهم كأبي بكر بتلك الشقاوة وتلك القسوة والذي كان معاندًا ومغرضًا وعدوًّا لأهل البيت من البداية، حتّى إنّ الفتن التي حصلت كانت كلّها بسببه ورفيقه عمر، يخرج منه محمّد بن أبي بكر من صلبه، وحسب قول الإمام الرضا عليه السلام: ثلاثة كانوا من شيعة أمير المؤمنين: سلمان وأبو ذر ومحمّد بن أبي بكر.٣ يعني حتّى المقداد وعمّار وأمثالهما لم يذكرهم الإمام في تلك الرواية. يعني كان إلى درجة بحيث يقول: ادعوني محمّد بن عليّ، ما معنى محمّد بن أبي بكر؟!٤ وعندما استشهد ـ وقد استشهد في مصر حين أرسل معاوية جيشًا بقيادة عمرو بن العاص وقتلوه في مصر في زمان حكومة أمير المؤمنين ـ بكى الإمام كثيرًا عليه، وأظهر عليه الأسف.٥ فهذا واحد خرج من أبي بكر، محمّد بن أبي بكر. 

  • وعلى أيّ حال فقد كان أحد أبناء هارون يهزأ بنظام هارون ذاك وجهازه وأوامره ونواهيه، واعتزلهم وتوفّي في سنّ الشباب، كان قد قرأ رواية عنوان البصري، والتفت إلى الأمور التي ذكرها الإمام الصادق عليه السلام، فهنيئًا له!

  • شمول دعوة الأنبياء والأئمة إلى الحكّام والملوك واعتمادها النصح واللين

  • فالإمام الصادق يقول للجميع ويروي للجميع، يقول لأجل هارون أيضًا، في النهاية هارون هو واحد من الناس كغيره ولا بدّ أن يصل إليه الأمر، فإن أنكر فهذا أمر آخر. 

  • دعوة موسى وهارون لفرعون

  • لدينا في القرآن عندما يخاطب الله موسى وهارون: (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى )٦ اذهبا معًا إلى فرعون الطاغي، فقد تجاوز حدودنا، إلى فرعون هذا، وقصّته أنّا آتيناه حكومة فقلنا له: إنّ هذه الحكومة التي هي ليومين هي في يدك، ثمّ نجعلها لغيره، لقد جاء هذا الرجل وأراد يطلّق زوجتنا، هذا هو لسان حال الله! [مزاح]. لقد طرق برجله يقول: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى )۷ قلنا له نحن نعطيك الحياة ليوم أو يومين، نعطيك الحياة، فتعامل مع الناس بالعدل، تعامل بالعدالة، أوصل إلى المظلوم حقوقه، أعد الحقوق الضائعة إلى أصحابها، أدّ الحقّ. إنّه يدّعي الربوبيّة ويقول: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى ) وهذه غفلة، هذه هي الغفلة. اثنان من العبيد الذين يفدون سيّدهم، وثلاثة من وعّاظ السلاطين، أو أيّ عدد منهم يكون عنده فهو كاف فيقول: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى ).

    1. كان لهارون ابن يدعى القاسم ولكنّه ليس العابد الزاهد بل كان القاسم شريكًا لأخويه الأمين والمأمون في الملك، وأمّا الابن الزاهد من أبناء هارون فاسمه أحمد. جاء في البداية والنهاية لابن كثير ج۱۰، ص ۱٩٩: أحمد بن الرشيد كان زاهدا عابدا قد تنسك ، وكان لا يأكل إلا من عمل يده في الطين ، كان يعمل فاعلا فيه ، وليس يملك إلا مروا وزنبيلا ـ أي مجرفة وقفة ـ وكان يعمل في كل جمعة بدرهم ودانق يتقوت بهما من الجمعة إلى الجمعة ، وكان لا يعمل إلا في يوم السبت فقط . ثم يقبل على العبادة بقية أيام الجمعة . وكان من زبيدة في قول بعضهم ، والصحيح أنه من امرأة كان الرشيد قد أحبها فتزوجها فحملت منه بهذا الغلام ، ثم إن الرشيد أرسلها إلى البصرة وأعطاها خاتما من يا قوت أحمر ، وأشياء نفيسة ، وأمرها إذا أفضت إليه الخلافة أن تأتيه . فلما صارت الخلافة إليه لم تأته ولا ولدها ، بل اختفيا ، وبلغه أنهما ماتا ، ولم يكن الامر كذلك ، وفحص عنهما فلم يطلع لهما على خبر ، فكان هذا الشاب يعمل بيده ويأكل من كدها ، ثم رجع إلى بغداد ، وكان يعمل في الطين ويأكل مدة زمانية . هذا وهو ابن أمير المؤمنين ، ولا يذكر للناس من هو إلى أن اتفق مرضه في دار كان يستعمله في الطين فمرّضه عنده ، فلما احتضر أخرج الخاتم وقال لصاحب المنزل : اذهب بهذا إلى الرشيد وقل له : صاحب هذا الخاتم يقول لك : إياك أن تموت في سكرتك هذه فتندم حيث لا ينفع نادما ندمه ، واحذر انصرافك من بين يدي الله إلى الدارين ، وأن يكون آخر العهد بك ، فإن ما أنت فيه لو دام لغيرك لم يصل إليك ، وسيصير إلى غيرك وقد بلغك أخبار من مضى . قال : فلما مات دفنته وطلبت الحضور عند الخليفة ، فلما أوقفت بين يديه قال : ما حاجتك ؟ قلت : هذا الخاتم دفعه إلي رجل وأمرني أن أدفعه إليك ، وأوصاني بكلام أقوله لك ، فلما نظر الخاتم عرفه فقال : ويحك وأين صاحب هذا الخاتم ؟ قال فقلت : مات يا أمير المؤمنين . ثم ذكرت الكلام الذي أوصاني به ، وذكرت له أنه كان يعمل بالفاعل في كل جمعة يوم بدرهم وأربع دوانيق ، أو بدرهم ودانق ، يتقوت به سائر الجمعة ، ثم يقبل على العبادة . قال : فلما سمع هذا الكلام قام فضرب بنفسه الأرض وجعل يتمرغ ويتقلب ظهرا لبطن ويقول : والله لقد نصحتني يا بني ، ثم بكي ، ثم رفع رأسه إلى الرجل وقال : أتعرف قبره ؟ قلت : نعم أنا دفنته . قال : إذا كان العشى فائتني . قال : فأتيته فذهب إلى قبره فلم يزل يبكي عنده حتى أصبح ، ثم أمر لذلك الرجل بعشرة آلاف درهم . وكتب له ولعياله رزقا . (م)
    2. مقطع من عدد من الآيات: يونس الآية ٣۱ ـ الأنعام الآية ٩٥ ـ الروم ۱٩. 
    3. يبدو أنّ مراد المرحوم السيّد هو هذه الرواية: ويحكم إن شيعته : الحسن والحسين وسلمان ، وأبو ذر ، والمقداد ، وعمار ، ومحمد بن أبي بكر. (الاجتجاج، ج٢، ص۱٣۷) ولكن ذكر فيها عمّار والمقداد. 
    4. وله أبيات منها:
      يا أبانا قد وجدنا ما صلح * خاب من أنت أبوه وافتضح 
      إنما أنقذني منك الذي * أنقذ الدر من الماء الملح 
      يا بني الزهراء أنتم عدتي * وبكم في الحشر ميزاني رجح 
      وإذا صح ولائي فيكم * لا أبالي أي كلب قد نبح
      قاموس الرجال، التستري، ج٩، ص ۱٩. (م)
    5. وقال عليه السلام لما بلغه قتل محمد بن أبي بكر: إن حزننا عليه على قد سرورهم به ، إلا أنهم نقصوا بغيضًا ، ونقصنا حبيبًا .(نهج البلاغة ج٤، ص ۷۷) 
      وقال في موضع آخر: فعند الله نحتسبه ولدا ناصحا ، وعاملا كادحا وسيفا قاطعا ، وركنا دافعا... (نهج البلاغة ج٣، ص ٦۰) (م)
    6. - سورة طه (٢۰)، الآيات ٤٣ و ٤٤.
    7. - سورة النازعات (۷٩)، ذيل الآية ٢٤

الولاية المطلقة لله وأوليائه

5
  • وعلى كلّ حال فقد كان فرعون أيضًا يقول (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى ) والله يقول لهارون وموسى: اذهبا إلى فرعون إنّه طغى ولكنّه مهما كان فهو بشر، مهما كان فهو إنسان، مهما كان فله فكر، له وجدان، له فطرة، فطرته لم تذهب، لو كانت قد ذهبت لما قال الله: اذهبا إليه. ولما كان لذلك من فائدة، هل كان الله يقول اذهبا إلى هذا العمود وبلّغاه، العمود لا فكر له، لا وجدان له، لا حياة له. والله لا يقول اذهبا إلى هذا الحيوان مثلاً، مثلاً هذه الغنمة، هذه البقرة هذا الجمل وأبلغوها الرسالة. ليس لهذه فكر، وليس لها حياة إنسانيّة، وليس لها فطرة إنسانيّة، إنّها تعيش على وتيرة واحدة، وهي ملهمة بإلهامات إلهيّة حتّى تموت. ولكنّ الله يقول لهما: إنّ فرعوني هذا لا يزال إنسانًا، لا تزال لديه قابليّة الهداية، هل تلتفتون إلى ما أريد بيانه؟ لا تزال لديه قابليّة الهداية. 

  • أمّا أن نأتي هكذا ونضرب كلّ ما في الدنيا ونمضي ونضع الجميع جانبًا فهذا ليس صحيحًا. الجميع من البشر، لهم فكر، لهم وجدان. حتّى ذلك الإنسان السيّء لم يمت لديه إحساس الخير وإحساس الشرّ، بل هو يأتي ويلقي بحجاب عليه، هو يأتي ويلقي بحجاب على نفسه وعلى الحقائق والفطريّات التي عنده، ولكنّه إنسان.

  • دعوة رسول الله لقريش

  • ولم يكن دأب رسول الله ومنهجه هكذا، نفس المقدار الذي كان رسول الله يبذله لزيد بن حارثة وأمير المؤمنين عليه السلام وأبي ذرّ وسلمان فيبلّغهم، كان يبلّغ أبا سفيان وأبا جهل وعتبة وشيبة والوليد وأمثالهم، بلا أيّ فرق. وقد كان هؤلاء بدورهم يدركون صدق رسول الله وحقّانيّته، ولكن عنادًا وبسبب الأغراض الخاصّة كانوا يسلكون طريقًا آخر، ولكنّهم كانوا يدركون أنّ رسول الله صادق، ولو كانوا لا يدركون لما كان عليهم تكليف، لو كانوا لا يدركون كالعمود لما عاقبهم الله، لما طلب الله منهم تكليفًا. لماذا؟ لأنّهم بشر أيضًا، إنّهم أناس، أناس ملوّثون، أناس غارقون في الكثرات. ففي دائرة التعلّق بالكثرات نقص ميلهم إلى الوحدة والتوحيد، وأصابهم ضعف، وسقط عليهم حجاب، لماذا؟ لأنّ الميل إلى الكثرة شديد، والميل إلى التعلّقات شديد. لذلك فإنّ دعوة رسول الله دعوة عامّة تشمل عامّة الناس والسلاطين.

الولاية المطلقة لله وأوليائه

6
  • دعوة رسول الله لملوك زمانه

  • ألم يكتب النبيّ رسالة إلى ملك الروم؟! ألم يكتب رسالة إلى حاكم مصر؟! ألم يكتب رسالة إلى كسرى سلطان إيران؟! غاية الأمر أنّ الناس مختلفون، بعضهم كالنجاشي يستوعب الأمر، ويقبل، يطبّقه على العقل والتاريخ فيرى أنّه صحيح فيؤمن به، ويقول لجعفر: إذا رجعت إلى المدينة فسلّم على نبيّك وأخبره أنّي متّ على دينه، وعندما يموت يصلّي رسول الله عليه صلاة الميت من المدينة. انظروا ليس الارتباط بالبدن. النبيّ يرى الآن أنّه فارق الدنيا، فيصلّي صلاة الميّت على النجاشي، والنجاشي أين؟ في أثيوبيا في الحبشة، فقد كان هناك. هذه العلاقة هي علاقة المعنى. 

  • النجاشي حاكم، ولكنّه إنسان، له نفس وله وجدان وله فطرة. وخسرو برويز إنسان، له فطرة وله نفس ماذا يصنع برسالة النبيّ؟ يمزّقها ويلقيها تحت قدميه. 

  • حسن تحقيق النجاشي في أمر الرسول 

  • كلاهما حاكمان، ولكلّ منهما نفس، هذا ينظر فيجد أنّ بشرًا أرسل إليّ رسالة ولا بدّ أن أحقّق ويقوم بعمل جيّد في مكانه. فأن لا يقبل بسرعة هو عمل جيّد. يقول: ما أدراني؟ لا أعلم الغيب، أنا بمقتضى إنسانيّتي [عليّ أن أحقّق] في الأمور التي تعرض لي ـ وما أقوله لكم الآن له حيثيّة المقدّمة للموضوع الأصلي لهذا اليوم ـ هذا الذي أعطاني رسالة الآن أنا لا علم لي بالغيب هل هو رسول الله أم لا؟ رسول الله يعلم الغيب، أمّا أنا فما علاقتي بذلك؟ رسول الله له مقام الولاية الكليّة فما علاقتي أنا بذلك؟ رسول الله يحي الموتى فما علاقتي أنا بذلك؟ أنا لا أحيي الموتى ولا أعلم الغيب، هناك مقدار من المواهب الإلهيّة جعلت في وجودي منها العقل، ومنها الفطرة والوجدان ومنها النفس والتعلّق. فهذه عطايا جعلها الله، وعلى أساس هذه العطايا يحاسبنا، لا على أساس علم الغيب الذي لم يَهَبْنِيه. إنّ المؤاخذة والثواب اللذين جعلهما الله محور التكليف هما على أساس ما أعطى لا على أساس ما لم يعط؛ فلن يؤاخذنا الله أبدًا على أساس أنّه لم يعطنا علم الغيب. وإن شاء الله نلتقي يوم القيامة، وإن شاء الله دائمًا سنكون معًا، هنا، هناك، بالطبع نحن معكم، وأنتم لا تستفردوا في وقت من الأوقات! فهذه خسارة. وكما يقول المرحوم العلامة رضوان الله عليه: ليس من آداب الرفقة أن يكون الإنسان في هذه الدنيا من معارف أحد وصديقًا له ورفيقًا له، ولكن في ذلك العالم يتركه ويتوجّه نحو شؤونه الخاصّة، كما يقول الخواجة سعدي في مقولته الشهيرة:

الولاية المطلقة لله وأوليائه

7
  •  «بوى گُلَم چنان مست كرد *** كه دامنم از دست برفت» ۱
  • لقد أسكرني عطر الورد حتّى سقط ذيل ثوبي من يدي.٢ 

  • على الإنسان أن لا يكون هكذا، وقد كان هو نفسه ملتزمًا بهذا، وهو الآن كذلك ـ وأنا أبشّركم بهذه البشارة، فالآن هو عند كلامه، والآن هو يهتمّ برفقائه. فقد أعلنّا هذا السرّ. وعلى كلّ حال، فإذا كان أحد عباد الله هكذا، فكيف يكون أملنا بربّ الأرباب، وكيف يكون توقّعنا منه؟ ذلك الذي نشأت كافّة الألطاف عن لطفه، وكلّ ما لدى الحسان هو من حسنه، وكلّ جمال يتجلّى في العالم هو من جماله، فما دام كذلك فماذا يتوقّع الإنسان منه؟! 

  • وعلى أيّ حال، فإنّه ماذا صنع؟ بدلاً من أن يسمع الكلام أخذ يبحث، يقول: لقد أعطاني الله عقلاً، وأنا لا أعلم الغيب بأنّ نبيّ آخر الزمان قد جاء، أعلم أنّه جاء وفق الإنجيل وما فيه، ولكن هذا النبيّ الذي هو في الحجاز الآن ربّما كان كالأنبياء الكاذبين. كثيرون ادّعوا النبوّة، مسيلمة الكذّاب ادّعى كذبًا، كثير من الناس ادّعوا المهدويّة، ادّعوا البابيّة، وادّعوا المهدويّة. ولذلك على الإنسان أن يختبر، فالسير بشكل أعمى خلف أحد لن يكون عذرًا للإنسان عند الله. اتّباع الشائعات في أيّ مرتبة، في أيّة مرتبة من الطاعة الاهتمام بالشائعات وجعل العقل مقهورًا ومنكوبًا أمام الإحساسات، لأنّ زيدًا يقول فأمر فلان لا غبار عليه، لأنّ عمرًا يقول فالمسألة تامّة، لأنّ فلانًا رأى منامًا فالحجّة عليّ قائمة، كلّ هذا باطل مائة في المائة، والميزان هو جعل المعايير الواقعيّة العقليّة والنقليّة هي الملاك ، كلاهما: العقل المحكم والبرهان، والنقل المتين والمسند. فلا بدّ من رعاية هذين الأمرين لكي يتمكّن الإنسان من الوصول إلى المطلوب.

  • لذلك ماذا صنع النجاشي؟ قال: لا بأس، أنتم رسله، لا بأس، أنا سأحقّق في ذلك. يحقّق، يصغي إلى الكلام، يسأل جعفرًا عمّا يرتبط بحضرة مريم وعيسى على نبيّنا وآله وعليهما السلام، يسمع كلّ ذلك، فيرى أنّها تنطبق على الإنجيل، يا لها من مسائل لم یسمعها من قبل من أحد هي عند هذا الرجل وتسمّى آيات القرآن! (كهيعص* ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا* إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا)٣ يشرع جعفر الطيّار بتلاوة الآيات حول ولادة عيسى بن مريم من سورة مريم، فيدقّق الرجل فيها أكثر، فيجد أنّها الحق، فتتضّح المسألة. اتضاح المسألة هي ذلك االبريق الذي يقدحه الله في قلبه بواسطة الأعمال الصحيحة. لماذا لا تنقدح هذه الشعلة في قلوب البعض؟ لماذا؟ لأنّهم لا يريدون، إنّهم لم يعملوا بشكل صحيح، إنّهم لم يأتوا من الباب، فالله تعالى أيضًا لا يقدح (خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ)٤. ولكنّ هذا جاء بشكل صحيح، لا يمكن أن يأتي إنسان بشكل صحيح ولا يُقدح في قلبه، سيقدح في قلبه ثمّ ماذا؟ يحصل الاطمئنان، فيُسلم. هذا بهذا الشكل، وعكسه أيضًا بشكل آخر. 

    1. گلستان سعدی، ديباچه.
    2. والقصّة التي وردت فيها هذه الجملة هي: 
      اتفق لبعض أرباب القلوب أنّه تفرّغ للمراقبة وغرق في بحر المكاشفة، وحين أفاق من استغراقه قال له أحد أصحابه:
      أيّ تحفة جلبتها لنا من ذلك البستان الذي كنت تتنزّه فيه؟
      فقال: خطر ببالي أنّني متى وصلت إلى شجرة الورد سأملأ ذيل ثوبي هديّة للأصحاب، ولكن لمّا وصلت وجمعت الورد أسكرتني رائحته الذكيّة حتّى سقط ذيل ثوبي من يدي. (بتصرّف يسير عن روضة الورد ص ۱۰، ترجمة محمد الفراتي)
    3. - سوره مريم( ۱٩)، آيات ۱ الى ٣
    4. - سورة البقرة (٢)، صدر الآية ۷.

الولاية المطلقة لله وأوليائه

8
  • رسالة النبي إلى كسرى

  • نفس تلك الرسالة التي أرسلها النبيّ إلى النجاشي، أرسلها إلى كسرى، ينظر في تلك الرسالة، وقبل أن يبلغ نهايتها، وقد كانت الرسالة على ما يبدو هكذا: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد الله [و رسول الله] إلى كسرى عَظيم فارس... إن تُسلم تَسلَم وإن أبيت فإنّ إثم المجوس عليك.۱ أصلاً لا ينظر إلى الرسالة ليرى ماذا يقول في نهايتها. يقول لقد قدّم اسمه على اسمي. هل تلتفتون؟ لقد قدّم اسمه على اسمي، انتهى الأمر، فيمزّقها. اقرأها حتّى نهايتها وانظر ما فيها. إنّه يأتي من البداية ويلقي بالحجاب، يأتي من البداية ويغلق على نفسه، ويحاصرها، ومن يحاصر نفسه لا يصل الحقّ إلى أذنه، فلا فائدة.

  • لقد كتبت رسالة إلى أحد الأفراد يومًا، منذ زمن بعيد، بعيد جدًّا، وعمدًا كتبت في تلك الرسالة لقبًا كنت أراه لائقًا به، فكتبته في أعلى الرسالة، وقد تعمّدت ذلك. يقول ذلك الذي كان ينقل الحادثة: عندما وصلت رسالتك إلى يده، وما إن وقعت عينه عليها قال: لقد كتب عنّي حجّة الإسلام! وأرجع الرسالة. ولم ينظر أصلاً ماذا في داخل هذه الرسالة، أرجعها، وقال: أرجعها إليه. ما معنى هذا؟ حتّى لو وضعنا عمامة قطرها متر فما فائدتها؟ بماذا يختلف هذا الموقف عن ذلك الذي كان من كسرى؟ ولو أنّه استطاع لعلّقني على المشنقة، ولكن الآن ماذا؟ لماذا؟ ما الفرق؟ ما الفرق بين حجّة الإسلام وآية الله؟ مع أنّ حجّة الإسلام من وجهة نظري أعلى؛ لأنّ حجّة الإسلام تعني دليل الإسلام ومنطقه، حجّة على الناس، الإنسان الذي وجوده وبيانه ومنطقه دليل الإسلام، دليل النبيّ ودليل الشرع. ولكن الآن تغيّرت، الآن صار معنى آية الله مختلفًا، جميع خلق الله هم آيات الله، حتّى الحيوانات هم آيات الله، الجميع آيات لله، الجمادات أيضًا آيات الله. 

  • «به هر چه مى نگرم عكس رُوش جلوه گر است»

  • كلّما أنظر إلى شيء أرى صورة وجهه تتجلّى. 

  • الأرض والزمان وكلّ شيء. 

  • قال: «به هر جا مى نگرم عكس رخ يار مى بينم» 

    1. بسم الله الرحمن الرحيم . من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس ، سلام على من اتبع الهدى ، وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمد عبده ورسوله ، وأدعوك بدعاء الله ، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين . فإن تسلم تسلم وإن أبيت فإن إثم المجوس عليك " . (السيرة النبوية، ابن كثير، ج٣، ص ٥۰۸)

الولاية المطلقة لله وأوليائه

9
  • كلّما نظرت إلى شيء أرى فيه عكس وجه الحبيب. *** 

  • هذه كلّها آيات الله، ولكن الآن تغيّر الأمر، لقد صارت كلمة آية الله أقوى من حجّة الإسلام، فلو لم يقولوا لأحدهم آية الله، فيمكن أن لا يروقه. ولو لم يقولوا لأحدهم آية الله العظمى فإنّ السماء تقع على الأرض. فما هذا؟ لا فرق. الآن التفتّم؟ جميعنا نعاني من مرض واحد أيّها الأعزّة، وهذا المرض هنا، الأشكال تختلف، المظاهر والظهورات تختلف، ولكنّ أصل المشكلة واحد. 

  • لقد كان لكسرى عقل، وكان له وجدان وكان له فهم، ولو لم يكن له عقل لما أمكنه أن يدير مملكة. لو لم يكن يملك فهمًا لما أرسل إليه رسول الله رسالة. إنّه يختلف عن صنم من الأصنام، لماذا لم يرسل رسول الله إلى الأصنام المعلّقة في الكعبة؟ لماذا لم يرسل للات وهبل والعزّى؟! لأنّها أصنام، لأنّها أحجار، لأنّها خشب، لا وجدان لها. ولكنّ هذا له فهم، ومع ذلك ماذا صنع؟ التعلّق بالدنيا والغرق في النفس والأنانيّة لم يسمح له أن يلتفت إلى محتوى كلام رسول الله، لقد جعله يتوقّف في تلك الدائرة. ولمّا توقّف وعلق خسر السعادة الأبديّة، وأخذ الرسالة ومزّقها. وقال النبيّ: لقد مزّق رسالتي! الليلة سيطعن في بطنه ويقطّع إربًا إربًا. وقال النبيّ للذين جاؤوا من قبل كسرى لكي يأخذوا النبيّ، حيث كان أمر ملكَ اليمن بأن يأتيه بهذا الذي أرسل إليه رسالة. فجاء هذا الرجلان، فقال لهما النبيّ: ارجعا حتّى تأتياني غدًا.۱ فلمّا جاءاه أخبرهما أنّ ابنه قد قطّعه ليلة أمس وهو نائم. فصبرا حتّى وصل الخبر، أنّه في يوم كذا وكذا، قتله شيرويه. لماذا؟ لأجل خسارة الدنيا وخسارة الآخرة التي صارت من نصيبه أيضًا، لأنّه جاء وألقى على عقله وفطرته ووجدانه حجابًا، ولكنّهم يمتلكون عقلاً في النهاية. 

  • وعلى هذا الأساس، فإنّ كافّة الناس في هذه الدنيا، سواء كانوا حكّامًا أو غير حكّام، الحكّام الذين هم في هذه الدنيا الآن، لأيّ بلد كانوا، في الروم أم فارس أم أوروبا أم أفريقيا أم أميركا، أم أستراليا أم الحجاز أم المغرب، أم مصر ... كافّة البلدان، كلّها كلّ الناس، هم من البشر لهم فهم ولهم فكر ولهم وجدان، ولا بدّ من إبلاغهم، لا بدّ من إيصال الحقيقة إليهم، فإن قبلوا ربحوا، وإن لم يقبلوا فقد اشتروا لأنفسهم الشقاء والخسران. لا أن يطردوا، لا أن نأتي من البداية ونجعلهم جانبًا، لا أن نعاملهم معاملة الحجر والصنم والخشب والحديد، ليس الأمر كذلك. لماذا؟ لأنّ هذا خلاف نصّ القرآن حين يقول لهارون وموسى: (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى ) اذهبا إلى فرعون ولا يقول اذهبا إلى قوم فرعون وشعب فرعون. اذهبوا إليه نفسه، إلى من يستقرّ في الرأس، (إِنَّهُ طَغى ) لقد تجاوز مرتبة العبوديّة والإنسانيّة، ووصل إلى مرتبة العصيان والأنانيّة، لقد خدعه الشيطان، لقد أوقعته مفاتن الدنيا والكثرات في حبائلها، اذهبا إليه واقدحا فيه شعلة، اذهبا ونبّهاه، اذهبا وألفتاه إلى مقام العبوديّة والإنسانيّة. 

    1. بحار الأنوار، ج٢۰، ص ٣٩۰ ـ ٣٩۱.

الولاية المطلقة لله وأوليائه

10
  • معنى القول الليّن مع الطواغيت

  • وهنا الأمر عجيب جدًّا: (فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً) لا تذهبا إليه بالعصا، لا تذهبا إليه بالضرب والشتم والفحش، بهدوء وسكينة وبكلام ليّن هادئ، كونا هادئین، تحدّثا إليه بكلام صادق، تحدّثا إليه حديثًا منطقيًّا، لا بدّ أن تفعلا ذلك، أما ذاك الأسلوب فلا وجود له، لا بدّ أن يكون في كلامكم [لين]، لا بدّ من القول الليِّن، فهناك نحوان من الكلام: "إن لم تفعل فحسابك عسير!"، فهذا يختلف عن القول الليِّن. (قَوْلًا لَيِّناً) هكذا: 

  • ـ السلام عليكم. 

  • ـ عليكم السلام. 

  • ـ كيف حالكم؟ بخير؟ كيف الأحوال؟ مضت مدّة ولم نلتق بكم، كنّا مشتاقين لزيارتكم ولم نتمكّن، قلنا فلنكن في خدمتكم ونطمئنّ عليكم. تحدّثا إليه قليلاً ولطّفا الأجواء، فإنّه سيرى أنّ الأمر مختلف، هذان ليسا بشيء، صحيح أنّ موسى معه ثعبان، ويد بيضاء وكذا، ولكنّه يتحدّث بشكل جيّد، واقعًا كم هو جميل الكلام الليِّن! كم هو جميل أن يطبّق الإنسان أخلاق رسول الله في علاقته مع الناس كم هو جميل! أمّا "لا بدّ أن تقوم بهذا وإلا فحسابك كذا"، فليس هذا منهج التوحيد، إنّه منهج (فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً) اجلسا، اضحكا، تحدّثا بهدوء، انتزعا الخوف منه، لا توجدا فيه الخوف والوحشة، فإذا ما حصلتم على اطمئنانه فقولا له: یا عزيزنا! تعال لنقم بالحساب، أنت من تكون ونحن من نكون؟ أنت فرعون متّكئ على عرش الحكم، شرق العالم وغربه تحت يدك ـ إن لم يكن شرق وغرب فعلى الأقلّ مصر هذه ـ مصر تحت سلطانك، تحكم الجميع، فلنأتِ ونحسب الأمور واحدًا بعد آخر، لنحسبها بشكل منطقيّ، ولنتحدّث. لو أنّك تنازلت عن هذا العرش وخلعت هذه الخلعة من العباءة والقباء، ونزعت هذه العمامة و التاج المزيّن والمجلّل بالجواهر، ونحن أيضًا نزعنا هذه العمامة والعباءة عن أنفسنا، لغدونا كلانا بقميص وسروال، حينها ماذا سيكون الفارق بيننا؟ انزع ما لك ونحن ننزع ما لنا. 

  • القول الليّن سرّ السلوك وليس الفرض

  • إنّ سرّ السلوك هو هذا يا سيّدي العزيز! ليس سرّ السلوك بأن آتي أنا المعمّم الآن وأفتخر على الآخرين بسبب انتسابي إلى رسول الله، ليس هذا الطريق طريق السلوك. جميع الناس يبذلون الجهد، كلّ الناس يدرسون، ذلك الذي درس فصار طبيبًا، أو مهندسًا أو صاحب حرفة أخرى من سائر الحرف، لقد بذل جهدًا، درس، سهر الليالي، وذلك التاجر أيضًا والعامل الكاسب حبيب الله، الكادُّ على عيالِه كالمُجاهِد في سَبيلِ الله، هو يبذل الجهد أيضًا، لا يجلس في منزله ثمّ ينجز الأعمال، جميع الناس يبذلون الجهد لأجل استمرار الحياة، لأجل إصلاح شؤون الآخرين، لأجل إصلاح أمورهم، إنّهم يتعبون ويعملون، وواحد منهم أيضًا على سبيل المثال أنا، فأنا على قدر وسعي قرأت كتابين مثلاً ـ وبالطبع أقلّ بكثير ممّا ينبغي ـ هذا الكتاب بهذا النحو... وبالطبع لا شكّ أنّ علم الشريعة وعلم الدين وعلم الفقه، أي الفقه بالمعنى الكليّ، أعني فهم الدين، هو أشرف العلوم، أفضل العلوم، وذلك بسبب فضيلة غايته وهدفه، فلا شكّ في ذلك، ولكن الكلام حول أنّ هذه الجهود التي بذلت هي واحدة تقريبًا إذا ما قورنت بالجهود التي بذلها الآخرون. فلماذا آتي أنا مع حالي هذا ووضعي هذا أفتخر على الآخرين وأكون متوقّعًا أن يكون الآخرون مطيعين لي وأن أكون مطاعًا عندهم، أن يكون الآخرون مأمورين وأنا آمرًا، من أين جاء هذا؟ هل قال الله ذلك؟ هل قال رسول الله إنّ من يدرس الدين ويكون معمّمًا فعلى الآخرين أن يطيعوه وأن يأمر وينهى ومن تخلّف عنه فهو يستحقّ كذا وكذا؟! كلا يا عزيزي! ليس الأمر كذلك، بل هناك موازين، ولا بدّ أن تراعى تلك الموازين، والموازين هي أن يرجع غير المتخصّص إلى المتخصّص، هذا هو الأمر. فكما أنّي أنا من باب المثال أراجع في حالات جسمي وصحّتي ومرضي طبيبًا متخصّصًا بسبب عدم تخصّصي في ذلك، وأنا موظف عقلاً وعرفًا ومنطقًا وشرعًا أن أطيع أوامر الطبيب، ولو لم أطع فسأكون مسؤولاً يوم القيامة وسيعاقبني الله. فكذلك بالنسبة إلى المسائل الدينيّة والمسائل الشرعيّة لا بدّ للمقلِّد أن يتّبع المقلَّد، فما الفرق بين الصورتين؟ فهذا يتّبعه في هذا الأمر، وذاك يتّبعه في ذاك. لا بدّ لغير المتخصّص أن يتّبع المتخصّص في أيّة مسألة، وفي أيّ مجال، في المسائل الدنيويّة وفي المسائل الأخرويّة. 

الولاية المطلقة لله وأوليائه

11
  • وعلى أساس ذلك، لا بدّ من طرح الأمور مع الناس بأسلوب توحيديّ، ولا بدّ أن يطرح الأمر بشكل ينسجم مع الموحّدين، وهذا هو السرّ في تقدّم ونجاح رسول الله والأئمة عليهم السلام في أعمالهم زمان حياتهم. 

  • تتمّة بيان القول الليّن

  • فتعاليا واذهبا إليه. إلى أين كنّا قد وصلنا؟ قلنا: لا بأس ينزع كلّ منّا لباسه الزائد هذا، فأنت تخلع لباس السلطنة ونحن نضع هذه العصا التي معنا والتي تتحوّل إلى ثعبان جانبًا حتّى لا تخاف، ونجلس معًا. أخبرني الآن كم كيلوغرامًا أنت وكم أنا؟ ربّما كنت أنا أكثر وزنًا منك. فالآن أنت فرعون، لا بأس، ربّما كان وزنك سبعين كيلوغرامًا وأنا وزني ثمانين كيلو، أنت لديك عقل، وأنا كذلك، أنت لديك فطرة، وأنا لديّ فطرة، أنت لديك تشخيص ونحن لدينا، فبماذا تزيد علينا حتّى تقول (أنا ربّكم الأعلى)۱؟ بماذا تزيد عليّ؟ ما هو الأمر الزائد الذي عندك؟ أخبرني عنه حتّى أكون على اطّلاع أنا أيضًا، فلو اقتنعت فأنا أيضًا سأسجد لك. ما هو ذلك الشيء الإضافي الذي أودعه الله فيك؟ أنت الآن لا تقول: الله. أنت تقول: أنا الله. حينها سيبهت. بماذا سيجيب؟ فهذا بدن له رأس ويد ورجل ونفس وروح وفكر وعقل وفطرة ووجدان وذاك أيضًا كذلك. يقول: يا موسى! أنت جئت لتنصحني فأخبرني ماذا عندك؟ 

  • يقول: أنا أيضًا ليس لديّ شيء، أنا لست أملك شيئًا من نفسي، (ربّنا) ، لم يقل ها أنا ذا، (ربّنا) وقضي الأمر. . (قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْ ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى )٢ من هو ربّك يا موسى حتّى صرت تتحدّث عنه وتثني عليه إلى هذا الحدّ؟ يقول: ربّنا هو الذي إذا خلق إنسانًا جعله في طريق التكامل. إنّه يقول هذا الكلام لفرعون، فلو كان حجرًا لتفتّت. ينظر فرعون... 

  • يا فرعون! هل جئت بنفسك أم ولدت من أمّك؟ هل خلقت نفسك أم أنّ أمّك هي التي ولدتك؟ فهذا ما لا يمكن إنكاره في النهاية. فقبل أن تلدك أمّك هل كان لك وجود في هذه الدنيا؟ جاءت سلسلة من العلل والأسباب حتّى أحضرتك في هذه الدنيا، فمن يكون كذلك ليس هو الله، وأنا مثلك، أنا ابن عمران تزوّج أبي من أمّي فولدت، هذا أخي وهو أيضًا ابن عمران. فنحن مشتركان في هذه الأمور. 

    1. سورة النازعات، الآية ٢٤. 
    2. - سورة طه (٢۰)، الآية ٥۰.

الولاية المطلقة لله وأوليائه

12
  • يقول: لا أنت لديك عصا تجعلها ثعبانًا. 

  • يقول: هذه العصا والثعبان أيضًا الله أعطاها. تعال أنت وصر موسى فإنّه يعطيك أكثر من العصا والثعبان. قال: 

  • فيض روح القدس ار باز مدد فرمايد***دگران هم بكنند آنچه مسيحا مى كرد
  • يقول: لو أنّ فيض روح القدس أمدّ أيضًا لفعل الآخرون ما فعل المسيح

  • قصّة إماتة السيّد القاضي للأفعى

  • ألم يشر المرحوم القاضي إلى الأفعى فماتت؟! ماتت في النهاية. وكان الشيخ محمّد تقي الآملي قد جاء يمتحن فرأى. وقد ذكرها المرحوم العلامة في كتاب معرفة المعاد۱، ولا شكّ أنّ الأصدقاء طالعوها. فما هذا؟ إنّه فيض روح القدس، ولو أراد لأحياها من جديد. 

  • قصّة إحياء حمامة من قبل أحد أولياء الله

  • لقد تذكّرت الآن هذه الحكاية التي ينقلها المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه عن المرحوم الأنصاري٢ فيقول: كان أحد معارفه من همدان مخالفًا لسلسة العرفاء والأولياء وأمثالهم. كان مدّة مع سلسلة الدراويش، ولأنّه رأى منهم مسائل مخالفة للشرع وغير واقعيّة صار يخالف أصل المسألة بشكل كامل وينكرها وكان من أصدقاء المرحوم الأنصاري. 

  • كان يقول: كنت يومًا في زيارة إلى العتبات، وكان في ذلك الزمان بين طريق النجف والكوفة خطّ حديديّ من تلك السكك التي يربطون عليها خيلاً وأمثاله، وكانت تسير المقطورة عليها. كان يقول: كنت واقفًا هناك ـ في الكوفة ـ وأريد أن أتوجّه إلى النجف، وكنت أنتظر هذه المقطورة، فإذا جاءت ركبت وانطلقت نحو النجف. 

  • وصايا حول الأماكن المقدّسة في العراق

  • رزق الله الذين لم يذهبوا والذين ذهبوا أيضًا؛ فهي واقعًا أماكن عجيبة، ففي الكوفة مسجد الكوفة، ذلك المكان الذي كان يصلّي فيه أمير المؤمنين عليه السلام، فواقعًا الإنسان يذهب إليه ويدخل في ذلك الحال والفضاء الذي كان قبل ألف وأربعمائة عام، حينما كان أمير المؤمنين يتردّد على هذا المسجد، وفي حركاته وسكناته وكيفيّته. ومسجد السهلة الذي في الكوفة ومحراب مسجد الكوفة، فلمسجد الكوفة محرابان: أحدهما الذي يرمّمونه الآن، وهو محراب جماعة أمير المؤمنين الذي كان يصلّي فيه عليه السلام جماعة. وهناك محراب آخر يبعد عنه عشرين مترًا إلى اليسار، وهو المحراب الذي استشهد فيه أمير المؤمنين، فهو لم يقتل في المحراب الأصليّ، فمحلّ ضربة أمير المؤمنين هو في المحراب الآخر وهو الآن داخل الجدار، والأصدقاء الذين ذهبوا لا شكّ أنّهم رأوه هناك. فقد كان الإمام أوّلاً يأتي ويصلّي صلاة الليل هناك، ثمّ يأتي إلى هذا المحراب الذي في الجانب الأيمن فيصلّي صلاة الصبح، وقد ضرب ابن ملجم لعنه الله أمير المؤمنين في محراب النافلة هذا، وهذا خلاف ما هو مشهور حيث يتصوّر الناس أنّه ضربه في المحراب الأصليّ، وقد كان المرحوم القاضي والمرحوم العلامة يهتمّون كثيرًا بهذا المحراب ويقولان: لا تغفلا عن موضعين: 

    1. قال المرحوم العلامة الطهراني رضوان الله عليه في معرفة المعاد، ج ۱، ص: ۱۷٦ـ ۱۷۷: نقل بعض رفقائنا و أصدقائنا النجفيّين عن أحد كبار رجال العلم و المدرّسين في النجف الأشرف أنّه قال: كنتُ في شكّ في أمر المرحوم أستاذ العلماء العاملين و قدوة أهل الحقّ و اليقين و السيّد الأعظم و السند الأفخم و طود أسرار ربّ العالمين الحاج الميرزا علي آقا القاضي الطباطبائي رضوان الله عليه و بشأن أحواله التي تطرق سمعي و المطالب التي تنقل عنه أحيانًا.
      و كنت أتساءل: أصحيح أنّه يمتلك هذه الأمور أم لا؟ أو صحيح أنّ هؤلاء التلامذة الذين يقوم بتربيتهم يمتلكون كذا و كذا من الحالات و الملكات و الكمالات أم أنّ ذلك أمر و همى؟
      ظلّ هذا الأمر حديث نفسي لمدّة من الزمن، و لم يكن لأحد علم بذلك، حتّى ذهبتُ يومًا إلى مسجد الكوفة لأداء الصلاة و العبادة و لأداء بعض الأعمال التي وردت لذلك المسجد. و كان المرحوم القاضي (رضوان الله عليه) كثيراً ما يذهب الى مسجد الكوفة، و كان له حجرة خاصة للعبادة هناك، و كان له تعلّق خاصّ بهذا المسجد و بمسجد السهلة، فكان يقضي فيهما الكثير من الليالي ساهرًا في العبادة الى الصباح.
      يقول: التقيتُ بالمرحوم القاضي (رحمة الله عليه) خارج المسجد فسلّمنا على بعضنا و تبادلنا الاستفسار عن الأحوال و تحدّثنا مع بعضنا مدّة حتّى وصلنا خلف المسجد فجلسنا على الأرض بجوار تلك الجدران العالية التي تشكّل حيطان المسجد من جهة القبلة لنستريح هنيئة ثمّ نذهب الى المسجد. و كنّا مشغولين بالحديث، و كان المرحوم القاضي (رحمة الله عليه) يحكي قصصاً و حكايات عن الأسرار و الآيات الالهيّة، و يبيّن مطالب عن مقام جلالة التوحيد و عظمته و عن السير في هذا الطريق، و في انّه الهدف الوحيد من خلق الانسان، و يقيم الأدلّة على هذا الأمر.
      و لقد حدّثتني نفسي آنذاك فقلت: انّنا فعلاً في شكّ و شبهة لا نعلم ما الأمر، و اذا ما انقضى العمر على هذا المنوال، فلنا الويل إن تبيّن انّ هناك حقيقةً ما لم نُدركها، الويل لنا عندئذٍ. و لكنّنا- من جهة أخرى- لا نعلم أصوابٌ ذلك الأمر لنتّبعه أم انّه ليس صوابًا.
      و في هذه الأثناء خرجت حيّة من الجدران و انسابت أمامنا تسير بمحَاذاة جدار المسجد؛ و كانت الأفاعي كثيرة في تلك المناطق بحيث يشاهدها أغلب الأهالي، بيد انّه لم يُسمع انّها لدغت أحدًا حتّى الآن.
      و حالما وصلت الحيّة أمامنا و كنتُ في فزع منها، أشار المرحوم القاضي (رحمة الله عليه) اليها و قال: مُتْ بإذْنِ اللهِ!
      فتيبّست الحيّة في مكانها ميّتة. ثمّ عاد المرحوم القاضي (رضوان الله عليه) الى الحديث الذي كان يدور بيننا بدون أن يلقي اهتماماً للأمر، ثمّ نهضنا و ذهبنا داخل المسجد فصلّى المرحوم القاضي ركعتين في وسط المسجد ثمّ ذهب الى غرفته، و كنت أقوم ببعض أعمال المسجد على أن أعود الى النجف الأشرف بعد إكمالها. و اثناء تلك الأعمال خطر في خاطري سؤال: أ كان هذا العمل الذي اجترحه هذا الرجل واقعيّاً أم تمويهاً و خداعاً للعين كالسحر الذي يفعله السَّحرة؟ من الحريّ أن أذهب فأرى هل انّ الحية ميّتة حقًّا ام انّها عادت الى الحياة و هربت.
      كان هذا الخاطر يهاجمني بشدة حتى أنهيت الأعمال التي قرّرت القيام بها و خرجت على الفور من المسجد نحو المكان الذي جلستُ فيه مع المرحوم القاضي (رضوان الله عليه)، فشاهدتُ الحيّة متيبّسة ملقاةً على الأرض، ثمّ ركلتُها بقدمي فرأيتُ أن لا حراك فيها أبدًا.
      عدتُ الى المسجد و أنا في غاية التأثّر و الخجل لأصلّي عدّة ركعات أخرى فلم أقدر على ذلك، فقد تملّكني هذا التفكير: إن كانت هذه المسائل أمورًا حقيقيّة فلم لم نلتفت اليها أبدًا؟
      كان المرحوم القاضي (رحمة الله عليه) مدّة في حجرته مشغولاً بالعبادة، ثمّ خرج منها و غادر المسجد متّجهًا الى النجف، فخرجتُ أنا الآخر و التقينا من جديد عند باب المسجد، فتبسم ذلك المرحوم في وجهي و قال: حسنًا، امتحنتَ الأمر أيضًا أيّها العزيز، امتحنتَه أيضًا؟ (م)
    2. ذكرت في معرفة المعاد، ج ٤، ص: ۱۷۱

الولاية المطلقة لله وأوليائه

13
  • أحدهما: محراب نافلة أمير المؤمنين، لا تغفلوا عنه أبدًا! 

  • الثاني: إن شاء الله رزق الله، ورفع موانع السفر إلى العتبات بحيث يتمكّن الجميع بحريّة من الذهاب والإياب والبقاء هناك۱، وفي كربلاء إلى جانب نهر العلقمي مكان يدعى مقام الإمام الصادق عليه السلام عندما كان يأتي إلى كربلاء لزياءة سيّد الشهداء كان يخيّم فيه، وهو تقريبًا يبعد عن نهر العلقميّ حوالي خمسين مترًا، قريب من مقام حضرة الصاحب والذي بني وجعل مسجدًا مرتّبًا ونظيفًا ويمكن أن يقال تقريبًا إنّه بني بأبّهة. أمّا هذا المكان فليس فيه شيء، يعني فقط أربعة جدران وبضع نخلات، حتّى إنّ الإنسان لو مرّ بالقرب منه لما التفت إليه. كان المرحوم القاضي يهتمّ كثيرًا بهذا المكان مقام الإمام الصادق عليه السلام. فهذا الموضعان اجعلوهما في أذهانكم. وإن شاء الله إذا ما ذهب الرفقاء لزيارة العتبات فلا ينسوا هذا الأمر. فهذا في الكوفة. وأمّا مسجد السهلة الذي هو مكان إمام الزمان فهو خارج عن حدّ التوصيف والتصوّر. 

  • تتمّة القصّة

  • لقد كان ذلك الرجل واقفًا، يقول المرحوم الأنصاري: كان هذا الرجل يقول: كنت هكذا واقفًا منتظرًا مجيء المقطورة فرأيت فجأة رجلاً قرويًّا يلبس لباسًا طويلاً ويعتمر على رأسه قبّعة من قبّعات القرويّين، ويبدو أنّه زائر جاء للزيارة. فقال: يا فلان! تعال لنذهب، تعال لنمشِ معًا ونذهب، فربّما لن تأتي هذه المقطورة ونتأخّر، فلنمش شيئًا فشيئًا فنصل ليس الطريق طويلاً، ليس هناك أكثر من فرسخين. كان يقول: جئنا وشرع بالسؤال عن حالي: كيف حالك؟ كم زوجة لك؟ ـ وطبعًا أنا أقول هذا ـ كم ولدًا لديك؟ كيف حالهم؟ والحاصل أنّه تحدّث معه قليلاً مرحّبًا وهكذا ساق الحديث شيئًا فشيئًا إلى طريق الله ومسير العرفان ومسير السلوك إلى الله وهذه الأمور، فيقول ذاك: يا سيّد لا تتكلّم معي بهذا الكلام فقد امتلأت أذني منه. لقد ذهبت إلى جميع الأماكن وجلت في كلّ مكان ولا فائدة. 

  • فيقول له: في النهاية يا عزيزي إن كنت ذهبت إلى بعض الأماكن فليس في ذلك دليل على أنّ أصل المسألة مشكوكة، إنّ هؤلاء كانوا سيّئین وكانوا يخالفون الحق. 

    1. تجدر الإشارة إلى أنّ هذه المحاضرة ألقيت في تاريخ ٢۷ شعبان ۱٤٢۱ هجري قمري، الموافق لـ ٢٣ ـ ۱۱ـ ٢۰۰۰. وذلك قبل الهجوم الأمريكي على العراق بثلاث سنوات. 

الولاية المطلقة لله وأوليائه

14
  • يقول: كلا أنا أصلاً لا أعتقد ولا أصدّق.

  • ومهما حدّثه [فإنّه لم يقبل]. يصلان إلى موضع ـ والآن هناك آثار منه ـ كان خندقًا بين الكوفة والنجف يحيط بالكوفة، يصلان إليه فينظر ويقول: ماذا تريد أنت حتّى تطمئنّ؟ 

  • يفكّر قليلاً ويقول: مثلاً إحياء الميت.

  • ـ إحياء الميّت ليس بالأمر الصعب يا سيّد! إنّه لأطفال هذا الطريق. فما هو إحياء الميّت؟ 

  • يقول: لا إذا أحييت لي ميتًا فلا كلام لي بعد ذلك. 

  • يقول: لا بأس، انظر! 

  • ينظر فيرى في الخندق حيوانات ميتة قد سقطت فيه، فمثلاً قطّة أو غراب أو حمامة، ينظر فيجد حمامة. ولكن يبدو أنّه قد مضى على موتها زمان بحيث تناثر كلّ ريشها واندرس. 

  • يقول: اذهب وائتِ بها. 

  • فيذهب ويأتي بها، وهي أصلاً بحالة تنفصل أجزاؤها بعضها عن بعض، إلى هذه الدرجة... فيدعو دعاء وينفخ في هذه الحمامة، فإذا بها ينبت لها أجنحة وتحيا وتطير بعيدًا. مهما نظر هذا فإنّه يجد أنّها مضت ولا تزال مستمرّة في الطيران، ولا شيء بعد ذلك، لقد ذهبت. عجيب جدًّا، يتحيّر ماذا كان الأمر؟ ماذا كانت المسألة؟ لم يقل شيئًا بعد حتّى انتهى الأمر، لم يتأخّر، لم يؤجّل الأمر، [لم يقل:] لا أدري، لاحقًا، الآن كذا وكذا... بل قدّم المسألة نقدًا، تفضّل يا سيّدي العزيز! تعال، ها هي تطير، انظر. 

  • والحاصل أنّه لم يقل شيئًا ومضى ولم يلتفت إلى أنّه مع من؟ ثمّ وصلا إلى النجف، فلم يعد هذا الرجل ليترك ذاك، قال له: من الآن لن أدعك. فقال له: إن أردت أن تراني فتعال غدًا. تعال غدًا إلى وادي السلام أنا سآتي إليه. فينتظر هذا الرجل بفارغ الصبر حتّى الصباح، وعندما يذهب إلى وادي السلام يرى أنّهم يحملون جنازة، يتقدّم فيجد أنّها لذلك الرجل نفسه الذي كان معه، فقد كان عمره قد انتهى، وقد جاؤوا به ليدفنوه. 

  • السبب في ضرورة اللين حتّى مع فرعون

  • فالمسألة هكذا، هكذا هو الأمر. لا يمكن للإنسان أن يتعامل هكذا مع أيّ إنسان بخشونة (فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى ) ربّما كان فرعون هذا مع ادّعاء الربوبيّة ـ نحن لم نشهد ادّعاء الربوبيّة من أحد في هذه الدنيا، نعم حقيقته ووجوده في الجميع، وربّما كان فينا أكثر ـ ولكن رغم ادّعاء فرعون للربوبيّة (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ) ربّما يتذكّر، والله لا يكذب، فلو لم تكن لديه قابليّة الهداية لقال موسى: إلهي! لقد كلّفتني؟ أرستلني إلى إنسان لا قابليّة له. لا فالقابليّة موجودة، أنا أعرف عبدي أكثر من معرفتك به. لقد جعلت في هؤلاء قابليّة، لقد جعلت فيهم نور العثور على الحقيقة، لقد زرعت فيهم ميلاً وحركة إلى التوحيد، لقد جعلت فيهم ذلك، والآن أقول لك: اذهب إليه. ولكنّ هؤلاء يأتون بأنفسهم ويمنعون هذه الأمور. (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى ) ربّما تذكّر أو خاف وترك الحال التي هو عليها. هذا الكلام هو كلام إلهيّ. أنبياء الله يأتون على هذا الأساس، الأئمة عليهم السلام يأتون على هذا الأساس. أساس تبليغهم هو محوريّة التوحيد، لا جانب الكثرات، لأنّ علمي أكثر فعليك أن تطيعني، لأنّ كمالي أكثر فعليك أن تطيعني، يقول: لأنّ كماله أكثر فلا بدّ أن يطاع، علمه أكثر فلا بدّ أن يطاع. لذلك يقول الإمام عليه السلام: لا تنظر إليّ أنا، بل تعال إليّ، فإن وجدت عندي ما تجده عنده فأطعني وإلا فلا. لم يلزم النبيّ أحدًا في وقت من الأوقات، لقد قال النبيّ: تعالوا واسمعوا الآيات التي نزلت عليّ. لا يقول: تعالوا اسمعوا كلامي. إنّه يحيل دائمًا عليه، ينبّه الناس عليه، وهذا هو سرّ نجاح رسول الله. لماذا؟ لأنّ رسول الله موحّد. أيّها الناس تعالوا واسمعوا الكلام الذي قاله هو، أنا وأنتم معًا، أنا وأنتم أمام هذا الكلام واحد، لا فرق بيننا، وأنا إن لم أسمع أعاقب، وأنتم إن لم تسمعوا مؤاخذون. لم يكن عند الناس حجّة، لقد كان أبو جهل يعلم أنّ رسول الله يقول الحقّ، وكان أبو سفيان يعلم أنّ رسول الله يقول الحق والصدق، فماذا كان يصنع؟ كان يعاند، كان يخالف. 

الولاية المطلقة لله وأوليائه

15
  • سرّ وجوب طاعة الأنبياء أنّ دعوتهم تتمحور حول التوحيد لا الأنا 

  • فبناء على ذلك فالأساس هو التوحيد. إنّ ما نسمعه من رسول الله هو على أساس المنطق، لماذا؟ لأنّ رسول الله لا يقول من نفسه، رسول الله يقول عنه، وليس له تصرّف في الإبلاغ ولا يمزج الأمور، وهو مجرّد مرآة في الأمور التي يبلّغها. لا يطرح مسائله الشخصيّة في هذا الإبلاغ، لا يستفيد من مسائله فی منافعه الشخصيّة، لا يقوم بالاستفادة من هذه المعادلات وهذه الانتسابات في المسائل الداخليّة والشخصيّة. لا فرق عند رسول الله بين تنفيذ الحكم بين أفراد العائلة والداخل وغيرهم. لذلك ماذا يغدو رسول الله؟ يغدو واجب الاتّباع. لأجل هذا يصبح واجب الاتّباع، لأنّه خرج من نفسه، لو أنّ رسول الله كان أسير نفسه لكانت طاعته مشكلة عقلاً ومنطقًا. لو أنّ رسول الله لا يزال أسير النفس لكان علينا عقلاً ومنطقًا أن لا نطيع رسول الله. وكذا هو الحال في الإمام، لماذا الإمام واجب الاتّباع؟ طاعة الإمام عليه السلام هي على أساس الولاية المطلقة. أتدرون ما معنى الولاية المطلقة؟ الآن سأوضّح لكم باختصار وببضع جمل وبما يتناسب وحدود المجلس ومستواه، لا بما يتناسب والبحث التخصّصي.

  • الطاعة المطلقة تعني أن تطيع في كلّ ما يأمر وينهى، هذه هي التي يقال لها طاعة مطلقة. ألق بنفسك من أعلى السطح، لا بدّ أن تلقي بها. كل السمّ! لا بدّ أن تأكل. صلّ! لا بدّ أن تصلّي. لا تصلّ فيجب أن لا تصلي هذه هي الطاعة المطلقة. دائمًا وفي كلّ الظروف الطاعة المطلقة مختصّة بالإمام عليه السلام والرسول، هؤلاء المعصومين الأربعة عشر. هذه هي الولاية المطلقة لا ولايتي أنا وأمثالي التي هي اعتباريّة. الولاية التي هي للفقيه اعتباريّة لا تكوينيّة. ولاية المعصوم ولاية تكوينيّة. لماذا؟ لأنّه خرج عن نفسه. عندما يتحدّث معنا رسول الله أن قم بهذا العمل فإنّا نرى هذه الكلمة من متكلّم آخر، لا من هذا الإنسان الذي يتكلّم الآن، لأنّ هذا ليس له نفس. هذا اللسان هو من نفس أخرى قدسيّة عبارة عن المبدأ الأعلى، إنّه لسانه. الرسالة التي يرسلها إنسان إلى آخر، هذه الرسالة ليس لها ذنب، حبر خُطّ على ورق. فهل إذا قرأتم رسالة وغضبتم تمزّقونها؟ كلا. هل تغضبون من هذه الرسالة ومن الحبر الذي فيها أم من كاتبها؟! أو إذا سررت لوصول رسالة من إنسان عظيم إليك، فإنّك تأخذها مسرورًا وتضعها على عينيك لتتبرّك بها. الكلام المجيد كلام الله لماذا عندما نأخذه نقبّله؟ هل بسبب هذا الحبر؟ هذا الحبر هو مادّة سوداء يطبع بها. فتارة يجعلون في المطبعة ورقًا ويطبعون قرآنًا، وتارة يجعلون فيه جريدة. الحبر في الحالين واحد، والورق واحد، وربّما كان ورق المجلّة أفضل من ورق القرآن، وربّما كان ذلك الحبر وتلك الألوان التي تستعمل في المجلّات وأمثالها أحسن وأكثر شفّافيّة وجاذبيّة. فلماذا أنت تأخذ تلك المجلّة وبمجرّد أن تنظر ما في داخلها وترى الصور تضرب بها عرض الحائط. أمّا عندما تحمل القرآن تقبّله وتضعه على عينك؟ هل بسبب حبره؟ لقد كان حبرها أفضل. هل بسبب ورقه؟ لقد كان ورقها أفضل. ولكن بسبب أصله. فهذا القرآن مجرّد لسان، لسان للحكاية عن ذلك المتكلّم. لأنّ هذه المعاني جاءت من عند المبدأ الأعلى فنحن [نقدّسها]، لا تصل أيدينا إليه فنضع آثاره على أعيننا، لا تصل يدنا إليه فنضع ذلك اللسان الناطق عنه على ناظرنا.

الولاية المطلقة لله وأوليائه

16
  • الإمام هو القرآن الناطق 

  • الإمام عليه السلام هو القرآن الناطق، إمام الزمان عليه السلام، حضرة بقيّة الله أرواحنا لتراب مقدمه الفداء، هو القرآن الناطق. لماذا إمام الزمان عليه السلام هو القرآن الناطق؟ لأنّه لا نفس له، لأنّ له إشرافًا على كافّة معاني هذا القرآن من البطون السبعين. لأنّ كافّة مراتب القرآن هذه في كافّة عوالم الوجود تستمدّ القوّة من نفس إمام الزمان ولها وجود ولها حياة وتلك الحيثيّة الربطيّة والتعلّقيّة بين الممكن والواجب وبين الماهيّة وبين ضرورة الوجود، تلك الحيثيّة التعلّقيّة هي نفس إمام الزمان عليه السلام. فإذا كانت هي نفس الإمام صار الإمام هو القرآن الناطق. وهذا القرآن سيكون القرآن الصامت. قال أمير المؤمنين عليه السلام: هذا كتابُ الله الصّامت و أنا كتاب الله النّاطق.۱ 

  • ألم يكن كتاب الله هذا هو الذي جعله الوليد بن يزيد هدفًا وكان يرميه ويشرب الخمر؟ لقد كان هذا الكتاب في النهاية. لقد وضع القرآن، وتفأّل به، فجاء التفؤّل ينبئ عن حاله، جاءت آية بشكل دقيق (وَ خابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)٢ فقال: عجبًا أتشتمني؟ فأخذ القرآن ووضعه وشرع برميه، ومزّق القرآن قطعة قطعة.٣ هذا كتاب الله الصامت، لا لسان له، من هو لسان هذا القرآن؟! أنا؟! كلاّ أنا لست لسان هذا القرآن، نحن لا ندرك حتّى ترجمته. لسان هذا القرآن الآن هو حضرة بقيّة الله، وحده فقط. فإذن ليس هناك أحد في عالم الوجود سواه، لسان القرآن هم المعصومون الأربعة عشر، هم الناطقون، هم الذي يتحدّثون، يقولون: المراد من هذه الآية: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ... لَهُمْ جَنَّاتٍ ...» المقصود من الجنّات هذا، والمقصود من آمنوا هذا، والمقصود من الصالحات هذا، والخصوصيّات هي هذه، ولايتنا هي على رأس كلّ شيء. هذا هو القرآن الناطق، بواطن القرآن لا يعلمها إلا المعصومون، الإشراف الكامل على هذا القرآن فقط الآن عند إمام الزمان عليه السلام، وكلّ من يدّعي فهو كافر ومشرك وكذّاب، كذّاب وخائن لمدرسة أهل البيت. نحن لا نبلغ مقدار رأس إبرة فكيف يمكن أن.... بعض الأمور. إنّ الوجود المبارك لإمام الزمان هو القرآن الناطق. 

    1. وسائل الشيعة، ج٢۷ص ٣٤. 
    2. سورة إبراهيم (۱٤)، الآية ۱٥. 
    3. بحار الأنوار، ج٣۸، ص ۱٩٣. 

الولاية المطلقة لله وأوليائه

17
  • الآن إمام الزمان عليه السلام هو القرآن الذي ينطق من جانبه ويحكي عنه، وليس هناك شيء سوى تلك الذات الإلهيّة والتجلّي الإلهيّ على وجوده الذي هو مرآة تامّة للحقّ. وإمام الزمان هذا يكون واجب الإطاعة، تكوينًا بواسطة ولايته المطلقة، وعقلاً؛ فالعقل يقول: يا عزيزي! لا بدّ أن تطيع من إذا قال شيئًا فكأنّ الله قال. هل التفتّم؟ فلو جاء الله تعالى وقال: عبدي ألست ربّك، ألست إلهك؟ فأنا أحكم لك بهذا الحكم. فهل أقول: لماذا؟ لا أقول. ألست إلهك، ألست خالقك، ألست أريد صلاحك؟ نقول: بلى، نحن لا كلام لنا حول هذه الأمور، وإن كنّا عملاً نقوم بشيء آخر، ولكن في النهاية نحن نعتقد أنّك رحيم بنا رؤوف عطوف أرحم الراحمين، أقرب من الأب ومن الأم، نحن نعتقد بذلك. يقول الله: ما دام الأمر كذلك، ومع هذه المقدّمات، المقدّمات العقليّة والفطريّة والوجدانيّة فإنّي أقول: قم بهذا العمل. ومع ذلك هل نقول نحن: لا؟ هذا ما لا يستحقّ قول لا.

  • طاعة الله وأوليائه ثابتة بحكم العقل

  • إنّ العقل يسوق الإنسان إلى الطاعة المطلقة لله، العقل هو الذي يسوق إلى ذلك لا التعبّد، وإن كان هناك في الآية القرآنيّة (أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ)۱ فإنّ هذا على أساس إشراف العقل، على أساس الإرشاد إلى حكم العقل، هذه الأوامر لا تسمّى أوامر مولويّة، إنّها أوامر إرشاديّة، فقبل أن ينزل القرآن فإنّ العقل قد أتمّ علينا أدلّة الطاعة المطلقة لله، حتّى لو أنّ القرآن لم ينزل، فإنّا نشعر بالله، نشعر بوجوده، نشعر بذلك الصلاح والمفاسد التي تنشأ عن أعمالنا، والعقل حاكم على أنّه لا بدّ من العمل وفق مدركاتنا. وكذلك هو الحال بالنسبة إلى رسول الله. لماذا؟ لأنّ رسول الله لا يقول من نفسه. انظروا فكافّة الأمور ترجع إليه لا إلى رسول الله، نحن نقوم بإرجاع الأمور إلى الحيثيّة التوحيديّة للمسألة، لا إلى حيثيّة الكثرة. الآن افترضوا أنّ رسول الله يزن سبعين كيلو غرامًا، أو خمسًا وسبعين كيلو غرامًا، وطوله متر وسبعون أو ثمانون سانتيمترًا، فهذا كلّه ليس دليلاً، بل لأنّه يقول عنه [تعالى] فلا بدّ أن يطاع، لو كان يقول من نفسه، ولو أنّ مفاهيمه لها أثر، ولو أنّ مدركات عالم الكثرة والتعلّق بهذه الدنيا كانت حاكمة على رسول الله لما كنّا قبلنا بكلام رسول الله. والأمر في الأئمة عليهم السلام هو كذلك. 

    1. - سوره المائده( ٥)، صدر آيه ٩٢

الولاية المطلقة لله وأوليائه

18
  • منطقيّة الولاية المطلقة للإمام عليه السلام

  • فإذن الولاية المطلقة للإمام عليه السلام ماذا ستكون؟ ستكون أمرًا منطقيًّا، ستكون قضيّة عقليّة، قضيّة عقليّة لأنّها إطاعة لله. حتّى لو أنّ الله لم يقل أطيعوا الرسول، فإنّ العقل يقول: أطيعوا. أفهل يجب على الله أن يقول كلّ شيء؟! ماذا يحكم عقل الإنسان على أساس تلك المواهب والعطايا الإلهيّة؟ يقول لا بدّ أن تطيع هذا الإنسان، ألا تريد أن تصل إلى الصلاح؟! ألا تريد أن تصل إلى الاستقامة؟! أم أنّه ليس هناك قيامة كما يقول حافظ: 

  • گر مسلمانى از اين است كه حافظ دارد *** واى اگر از پس امروز بود فردايى 
  • يقول: 

  • لو أنّ لمسلم ممّا عند حافظ *** فالويل له إن كان بعد اليوم غد

  • فلو لم تكن هناك قيامة فالمسألة مختلفة، عندها ينبغي أن تكون الحياة بطريقة مختلفة، وبأيّة طريقة تمضى، ينبغي أن تكون هناك حياة توأم مع الترف واللذّة وأمثالها وكما يقال: المرح وتمضية الحياة بأيّة حالة. ولكن لو كانت هناك قيامة، لو كان من المقرّر أن تكون هناك قيامة، فإنّ عقل الإنسان لا يترك الأمر هكذا، يقول: هل فكّرت في غدك؟ سيمضي يومان وبعدهما ماذا؟ هذا العقل حتّى وإن لم يقل النبيّ، ولو لم يقل الإمام، وقبل أوامر الله، يأمر الإنسان بالإطاعة، يأمره بالإطاعة، فهذه هي الولاية التكوينيّة. الإطاعة للولاية المطلقة للإمام عليه السلام، الإطاعة العقليّة لا الشرعيّة، لا النقليّة ولا التعبّديّة. ماذا تصبح هذه الإطاعة؟ تصبح إطاعة عقليّة. هل هناك طاعة من هذا النحو لغير الإمام؟ كلا ليس هناك. هذا النحو من الإطاعة يصبح إطاعة عقليّة. 

  • معنى رواية من كان من الفقهاء...

  • والرواية التي عن الإمام الصادق عليه السلام حيث يقول حول إطاعة الفقهاء: مَن كانَ مِنَ الفُقَهاء صائِنًا لِنَفْسه حافظًا لِدينِه مُخالِفًا عَلى هَواه مُطيعًا لِامْر مَولاه فَعَلَى العَوامِ أن يقَلِّدوهُ۱ هي ناظرة إلى هذه المسألة. فكلّ فقيه وجدتموه صائنًا لنفسه يمكنه أن يحفظها، لا ذاك الذي أرسلت إليه رسالة باسم حجّة الإسلام فقال: لم يقل لي آية الله. فهل هذا يحفظ نفسه؟! انتهى الأمر، هذا اختبار، لم يقرأ رسالتي، وأعادها بحجّة أنّه قال لي حجّة الإسلام، انتهى الأمر، لماذا لا نزال ننتظر؟ لقد مضى جانبًا، فيليأت اللاحق. 

    1. وسائل الشيعة، ج٢۷، ص ۱٣۱. 

الولاية المطلقة لله وأوليائه

19
  • فأمّا مَن كان مِن الفُقها صائناً لنفسه... يحفظ نفسه، زمام نفسه بيده، يغلّب العقل على الأحاسيس في الأمور المختلفة، وبهذه العبارة الأولى خرج منّا نسبة خمسة وتسعون بالمائة، بهذه العبارة الأولى، فلا ننتظر العبارة التالية، حافظًا لدينه يحفظ دينه من تصرّف الشيطان. قال أمير المؤمنين عليه السلام عندما قال له رسول الله: كأني بك وأنت تصلي لربك (في شهر رمضان هذا وبينما أنت تصلّي في محرابك وتدعو الله وتناجيه) وقد انبعث أشقى الأولين والآخرين شقيق عاقر ناقة ثمود فضربك ضربة على قرنك فخضب منها لحيتك. قال أمير المؤمنين عليه السلام :يا رسول الله وذلك في سلامة من ديني ؟ فقال صلى الله عليه وآله : في سلامة من دينك

  • لم يقل أمير المؤمنين شيئًا، فقط يقول له: هل سيكون ديني محفوظًا أم لا؟ هل التفتّم؟ لا شيء في سلامة من ديني؟ هل سيكون ديني محفوظًا حينها أم لا؟ فقال له النبيّ: في سلامة من دينك. دينك محفوظ. 

  • "حافظًا لدينه" فهل أدركتم الآن ما معنى حافظًا لدينه؟ لقد انحرفنا مائة بالمائة فلم يبق شيء. وبالطبع سأتكلّم بعد قليل عن أنّ لذلك مراتب. 

  • "حافظًا لدينه، مخالفًا على هواه" ليس له هوى، ليس له هوس، ليس له نفس. وأمّا بلحاظ هذا فقد انحرفنا مائتین فی المائة.

  • "مطيعًا لأمر مولاه" ما هي هذه الطاعة؟ يطيع أمر مولاه من حيث الطاعة، فإذا وجدتم هذا الإنسان فأبلغوه سلامي.

  • "فللعوام أن يقلّدوه" ولا نستطيع بعد ذلك أن نتكلّم في هذه المسألة. وبالطبع لا بدّ من مراعاة المراتب الأهمّ فالأهمّ، فلو أنّ إنسانًا لم يستطع أن يصل إلى فقيه كهذا، فعليه أن يبحث عن مراتب أدنى بناء على القاعدة العقليّة، مع حفظ مراتب الطاعة. فكما تختلف مراتب سلوك الإنسان والتي بيّنها الإمام الصادق عليه السلام، فإنّ مراتب الطاعة أيضًا تختلف. وبناء على هذا فليس لدينا ولاية مطلقة للفقيه. هناك ولاية للفقيه في المسائل الحكوميّة، فعلى الإنسان أن يطيع الحاكم الإسلاميّ في المسائل الحكوميّة، وذلك طبق الضوابط التي بيّنت في الدين، وهذه المسألة ترتبط بكيفيّة اختلاف الفتوى في هذا المجال، وبهذا يصبح البحث تخصّصيًّا فلا ندخل فيه. نحن عرضنا مقدّمة للموضوع وهي تبيّن كيفيّة المعايير التي قدّمتها بيانات المعصومين عليهم السلام حول المصاديق. وإلى هنا انتهى بحثنا. وإن شاء الله في الجلسة اللاحقة التي ستكون بعد شهر رمضان سندخل في موضوع آخر.

الولاية المطلقة لله وأوليائه

20
  • وصايا حول شهر رمضان

  • شهر رمضان على الأبواب، وهو شهر العبادة وشهر التوجّه. الخصوصيّة التي يمتلكها هذا الشهر هي عبارة عن حيثيّة سعة الرحمة الإلهيّة حيث إنّ جميع العباد شركاء في هذا النوع من سعة الرحمة. في شهر رجب، تقدّم أنّ شهر رجب رغم أنّ رحمة الله فيه تشمل جميع الناس، ولكن هناك خصوصيّة لشهر رجب بالنسبة إلى أولياء الله والذين طووا مراتب من السلوك، والحالات والجذبات التوحيديّة في شهر رجب تفوق شهر شعبان ورمضان، أمّا في شهر رمضان فإنّ حيثيّة الرحمة الإلهيّة تلك ستكون شاملة للجميع، وكلّ إنسان يأخذ بمقدار سعته، فهذا في شهر رمضان أكثر من شهر رجب. أي حالات توجّه الإنسان وتلك الروحانيّة والانبساط وحالة اللطافة وحالة الخفّة. ففي شهر رجب يختلف الأمر، الحالات هي حالات سلوكيّة شديدة، حالات قويّة لتلك الجذبات التوحيديّة والواردات والبارقات، ولكن في شهر رمضان يشعر الإنسان بحالة من الخفّة. كأنّ جانب الرأفة والعطف الإلهيّين يغلبان في شهر رمضان، وكيفيّة نزول الفيض في شهر رمضان كيفيّة عامّة، فلهذا فإنّ العبارات التي نقلت عن الأئمة عليهم السلام والنبيّ صلّى الله عليه وآله حول شهر رمضان مختلفة. فالعبارات عامّة شاملة، أي إنّها تشمل جميع الناس، فالخطاب في شهر رمضان هو للجميع، على الجميع أن يأتوا، على الجميع أن يجتمعوا هنا على هذه السفرة، وعلى الجميع أن يستفيدوا من هذه المائدة التي بسطها الله، ولهذه القضيّة أهميّة جعلت الرسول الأكرم يقول في الجمعة الأخيرة من شهر شعبان بناء على رواية، أو في اليوم الأخير منه على رواية أخرى ولا تنافي بينهما: فإنّ الشقيّ من حرم رضوان الله في هذا الشهر العظيم ۱ فقد ذكر النبيّ الأكرم عنوان الشقيّ، فالشقيّ هو من حرم الرحمة الإلهيّة في هذا الشهر، فانظروا إلى أين يصل الأمر، كم على الإنسان أن يكون بعيدًا! وأيّة مصيبة عليه أن يحتمل بحيث إنّه رغم هذه القوّة والشدّة والغزارة في مطر رحمة الله في هذا الشهر إلا أنّها لا تشمله، فينبغي أن يكون الإنسان شديد الشقاء حتّى يكون كذلك، ينبغي أن يفتح لنفسه حسابًا. فالنبيّ الذي يبشّر الجميع بالرحمة وبالغفران عليه أن يخاطب آخرين بأنّهم أشقياء. فإنّ الشقيّ من حرم رضوان الله في هذا الشهر العظيم.

    1. وسائل الشیعة، ج۱۰، ص ٣۱٣: فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم

الولاية المطلقة لله وأوليائه

21
  • وفي بعض الروايات ويبدو أنّها عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "من لم يغفر له في شهر رمضان لم يغفر له إلى مثله من قابل إلا أن يشهد عرفة"۱ فمن حرم الرحمة الإلهيّة فعليه أن يصبر إلى عرفات في ذي الحجّة، ففي عرفات إذا تشرّف الناس بالذهاب إلى عرفات هناك يصبح مشمولاً للرحمة الإلهيّة. فالحاصل أنّ المسألة [عجيبة] جدًّا. وعرفات أيضًا عجيب جدًّا، ففي عرفات أمور عجيبة ومسائل لدينا في الروايات أنّ النبيّ الأكرم خطب في حجّة الوداع خطبة للناس في يوم عرفة وقال لهم: أيّها الناس! اعلموا... ـ وفي آخر جملة من هذه الخطبة العجيبة جدًّا والتي تستنبط منها مسائل فقهيّة تأسيسيّة تجعل الأمور سهلة٢ ـ يقول: إنّ ربّكم تطوّل عليكم في هذا اليوم فغفر لمحسنكم وشفّع محسنكم في مسيئكم فأفيضوا مغفورًا لكم٣ فيا أيّها الناس اعلموا أنّكم غفر لكم جميعًا، وأنتم تسيرون إلى المشعر مغفورًا لكم. فالنبيّ يقول، وكلام النبيّ أصدق الكلام وأحكم المباني، والذين يكونون في عرفات عند غروب الشمس لا ذنب عليهم، التفتوا إلى هذا الأمر، فقد نزلت الرحمة الإلهيّة عليهم. 

  • وفي شهر رمضان أيضًا حكم كهذا، فالرحمة الإلهيّة في شهر رمضان تنزل بحيث يشعر الإنسان أنّهم يحرّكونه شاء أم أبى، فالمسألة ليست بيده. هل رأيت إذا كانت الطريق منزلقة فإنّ السيّارة تتحرّك بنفسها حتّى ولو كان محرّكها مطفأ، يكفي أن لا يضغط على المكابح، فإنّها تمشي بنفسها، ولكن نحن نأتي ونضغط على المكابح، نوقفها، نمسك بها. ففي شهر رمضان شاء الإنسان أم أبى يتحرّك، إلا أن يأتي ويضغط على المكابح، إلا أن يأتي بالأدوات والوسائل المختلفة ويقف أمام هذه الرحمة، ويخرّبها. لذلك فإنّ النبيّ في هذه الرواية قال: أنفاسكم فيه تسبيح ليس لدينا ذلك في غير شهر رمضان، وهذه المسألة ليست مسألة تعبّديّة. فلماذا أنفاسنا لها حكم التسبيح في شهر رمضان؟ لأنّ هذا النفَسَ منبعث من الحال، إذا تغيّر الحال وحصل حال من التقرّب، فإنّ اللحظات التي تمرّ على الإنسان ماذا تكون؟ لحظات الاقتراب لها حكم التسبيح، لها حكم الذكر. نومكم فيه عبادة الآن نومنا ليس عبادة، غفلة، لذلك كلّما كان نومنا أقلّ كان أفضل، أمّا في شهر رمضان ـ فلا تناموا الآن ـ نومكم في شهر رمضان عبادة. الأعاظم لم يكونوا ينامون في شهر رمضان، المرحوم القاضي رضوان الله عليه وكذلك المرحوم العلامة، فإنّي أذكر أنّه في العشر الأواخر من شهر رمضان كان يبقى مستيقظًا في الليل، وليس ذلك مختصًّا بليالي القدر، فكان يستريح قليلاً في النهار. فاعلموا قيمة ليالي شهر رمضان. 

    1. وسائل الشيعة، ج۷، ص ٢٢۱. 
    2. راجع هذه الخطبة في معرفة الإمام ج٦، ص ۱٢٤ و ۱٣۰. ويقول المرحوم العلامة حول خطبة منى الشبيهة بها من حيث المضمون: و هذه الخطبة في غاية البلاغة و البيان. وتضمّ مواضيع هامّة، و قوانين سياسيّة و اجتماعيّة عظيمة، و تعاليم أخلاقيّة و فقهيّة. و يمكن التعويل عليها حقّاً من حيث الرصانة و المتانة و القوّة كالآيات القرآنيّة. و ما كان أروع لو كتب لها شرح مفصّل؛ و طبّقت مواضيعها و فقراتها على الآيات القرآنيّة و سائر الأحاديث و الاصول المسلّمة للسنّة النبويّة، و منهاج الآل الطاهرين من سلالته صلّى الله عليه و آله و سلّم، و كشف عمّا تضمّه من معارف .
    3. الكافي ج٤، ص ٢٥۸: عن أبي حمزة الثمالي قال : قال رجل لعلي بن الحسين ( عليهما السلام ) : تركت الجهاد وخشونته ولزمت الحج ولينه قال : وكان متكئا فجلس وقال : ويحك أما بلغك ما قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في حجة الوداع؟ إنّه لما وقف بعرفة وهمّت الشمس أن تغيب قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا بلال قل للناس فلينصتوا فلما نصتوا قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إنّ ربّكم تطوّل عليكم في هذا اليوم فغفر لمحسنكم وشفّع محسنكم في مسيئكم فأفيضوا مغفورًا لكم ; قال : - وزاد غير الثمالي أنه قال : إلا أهل التبعات - فإنّ الله عدل يأخذ للضعيف من القوي فلما كانت ليلة جمع لم يزل يناجي ربه ويسأله لأهل التبعات. فلما وقف بجمع قال لبلال : قل للناس فلينصتوا فلما نصتوا قال : إنّ ربكم تطول عليكم في هذا اليوم فغفر لمحسنكم وشفّع محسنكم في مسيئكم فأفيضوا مغفورًا لكم وضمن لأهل التبعات من عنده الرضا.

الولاية المطلقة لله وأوليائه

22
  • الحالات التي تصيب الإنسان في شهر رمضان لها آثار عميقة على السنة كلّها، في شهر رمضان الخصوصيّة هي خصوصيّة شهر رمضان.

  • مراتب الصيام 

  • والمرحوم العلامة عندما كان يقترب شهر رمضان كان يتحدّث مع تلامذته ويقسّم مراتب الصيام: 

  • فهناك صوم العوام الذين يبتعدون عن المفطّرات وصيامهم هو حسب الرسالة العمليّة، لا يدخّنون، لا يأكلون، لا يشربون، لا يرمسون رؤوسهم في الماء، تلك المفطّرات التي تؤدّي إلى إبطال الصوم لا يقومون بها. فهذا نوع من أنواع الصيام.

  • النوع الثاني هو أعلى من هذا، يحفظ الإنسان لسانه من الذنب ورجله من الذنب وفكره من الذنب، فهذا النوع الثاني، ويسمّى صوم الخواص.

  • والنوع الثالث والذي كان يقول صوموا هذا الصوم، هو الصوم الذي لا يكون في فكركم غير الله من حين استيقاظكم إلى حين نومكم. لا نتكلّم بكلام لغو وإن لم يكن فيه إشكال في نفسه، لا نفكّر في شيء لغو وإن لم يكن محرّمًا، هذا الفكر اللغو هو خسارة، لماذا؟ لأنّا نكون قد تضرّرنا. هذا الشهر الذي ينبغي أن لا نكون فيه مع غير الله، نجلس ولا عمل لنا مع أحد، وبدلاً من أن نفكّر في هذا الأمر وفي ذاك وبهذا الخبر وبذاك... علينا أن نفكّر ونشغل ألسنتنا بذكر لا إله إلا الله. أذلك خير أم أن نفكّر ماذا حصل في هذا الشارع، والآن حصل زلزال في مكان كذا، والآن...؟ ماذا ينفعنا؟ أيّهما خير نتيجة؟ فلنصنع خيرهما. يقولون: هذا أفضل. هكذا أخبرونا، وصدَقوا. والأمور التي يقولونها جرّبوها بأنفسهم، هم ذهبوا ووضعوها بين أيدينا بلا أيّ مانع. فهذا ما يسمّى صوم خاص الخاص. 

  • فصوم خاصّ الخاص هو الصوم الذي لا يشغل فيه السالك والصائم فكره بغير الله. فإن كان الأمر كذلك فإنّه يحصل على شيء، يحصل أمر ما في النهاية، تنتهي القضيّة بنحو ما، بعناية الحقّ، يتمكّن الإنسان بالاستمداد من مقام الولاية. 

  • لذلك فإنّ أهمّ أمر في هذا الشهر هو التوسّل بإمام الزمان عليه السلام، خصوصًا في ليالي القدر. فلا تغفلوا عن التوسّل بإمام الزمان عليه السلام في أوقات السحر وعند الأذان وعند الإفطار، واستشعروا أنّكم في الليالي دائمًا إلى جانب الإمام، واعلموا أنّ لطف الإمام في هذا الشهر بشيعته أكثر من سائر الشهور كما هو مقتضى النفس والخصوصيّات التكوينيّة لشهر رمضان، وبدون التوسّل بالولاية وبدون التوسّل بإمام الزمان عليه السلام لا يمكننا أن نتحرّك مقدار أنملة أبدًا. علينا أن نيأس ممّا سوى ذلك، بدون أن نرى الإمام حاضرًا ونجعل وجودنا موقوفًا عليه لا يمكن القيام بشيء. لقد جرّبوا ذلك ولم يمكن، فلا داعي لنجرّب مرّة أخرى، إنّ ما يصلنا هو من نفس الإمام النفيسة. كما كان المرحوم العلاّمة دائمًا يؤكّد لتلامذته ومريديه أن تصدّقوا عن الإمام، وادعوا للإمام في أدعيتكم في دعاء القنوت التفتوا دائمًا إلى الفرج الباطنيّ والظاهريّ للإمام. 

الولاية المطلقة لله وأوليائه

23
  • نسأل الله تعالى أن يهب عباده في هذا الشهر من لطفه العميم، وأن يعرّفنا تكاليفنا حتّى الإمكان ـ أمّا كما هي في الواقع فلا يمكن ـ فنتمكّن أن نستفيد الاستفادة الكافية من هذا الشهر العظيم.

  • اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد