المؤلّفالعلامة آیة الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني
المجموعةالسالك البصير
التوضيح
أكّد السيّد العلاّمة آية اللّه محمّد الحسين الحسيني الطهراني قدّس الله نفسه الزكيّة أنّ السبب وراء انحسار دروس الفلسفة والحكمة في الحوزة العلمّية يكمن في سعي الاستعمار إلى القضاء على العلوم النافعة و الدراسات القرآنيّة و العلميّة والاقتصار على مناهج الفقه والأصول خاصّة، ليصعب معه الإجابة عن التحديّات الخطيرة والشبهات التي يثيرها أعداء الدين والإنسانيّة. وأشار قدسّ سرّه إلى دور المرحوم العّلامة الطباطبائي في إحياء آثار الفلاسفة والعرفاء وإعداد جيل ٍقادر ٍعلى الدفاع عن مسائل العقيدة ومباني التوحيد والفكر الإسلامي الأصيل.
هو العليم
تبدل المنهج الدراسي في الحوزة
ألقيت في يوم الجمعة ٢۷ جمادي الأوّل سنة ۱٤۰٩ هجريّة قمريّة
سماحة العلّامة الرّاحل
آية الله الحاجّ السيّد الحسين الحسيني الطهرانيّ
أفاض الله علينا من بركات نفسه القدسيّة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على خير خلقه محمّد وآله الطاهرين
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
إنّ درس الحكمة الذي اضمحلّ في هذه الحوزات يعدّ خسارة كبيرة! وأنا في تصوّري أنّ ذلك ينضوي تحت تلك الخطّة الاستعماريّة الكبرى الساعية وراء انحسار التحقيق والقضاء على العلم والتحقيق ومحق العظمة والدراسات والعلوم القرآنيّة, وقد فعلوا ذلك.
وفي السابق كانت دروس الحكمة تلقى في الحوزة, فدروس الحكمة كانت موجودة في النجف الأشرف, وكانت جلسات تدريس الحكمة و العرفان كلاً على حدة, وكان للأساتذة بحوث في الإلهيّات وجلسات متعدّدة في ذلك, وعدد التلامذة في هذه الدروس كان يبلغ المائتي شخص أو الثلاثمائة.
فالشيخ علي محمد نجف آبادي (المعروف بشيخ الهرّة) بعد إتمام دروس السطوح, كان قد أتى إلى المرحوم الميرزا الشيرازي, والذي كان قد أتى إلى النجف بعد ذلك, فكان له حلقة تدريس وذلك لسنين متمادية في مسجد الشيخ و الأتراك وهؤلاء, وكان رجلاً عظيماً وصاحب مقامات, وهو معروف.
كذلك شيخ الشريعة الأصفهاني (المعروف بـ شيخ الشريعة), فهو من أساتيذ العلوم العقلية, وإنّما ألقيت مسؤوليّة المرجعيّة على عاتقه في أواخر حياته, وإلاّ فعمدة تبحّره في العلوم العقليّة وهو من أساتذة المعقول, وكان له في النجف جلسات تدور حول العلوم العقليّة.
كذلك الشيخ محمّد حسين الكمپاني في الفترة الأخيرة.
كذلك أستاذ المرحوم العلامة الطباطبائي أعني: السيّد حسين البادكوبي فهو كان من الأعلام المدرّسين للحكمة.
والسيّد محمّد باقر الاصطهباناتي كان أستاذاً للشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء, وهو من أساتذة الحكمة أيضاً.
كان درس الحكمة شائعاً ورائجاً.. وبعد ذلك ولكي يلغوا هذه الحالة, وذلك حينما ألقى گلادستون القرآن (والذي كان رئيساً لمجلس اللوردات في بريطانيا, وكان مساعداً لرئيس الوزراء يهوديّ الأصل وصهيونيّ, وكان عجيباً!) من على المنبر ومزّقه وأعلن أنّه: ما دام هذا القرآن موجوداً, فمن المحال أنْ يستمرّ الاستعمار البريطاني في بلاد المسلمين. وليس من البعيد أنْ يكون ما نحسّ به من التغيّر بالنسبة لدروس الحكمة والقرآن قد شرع من ذاك الحين! فما هي العلاقة المباشرة بين هذين الأمرين؟! فهم عليهم أن يضيّعوا القرآن!! وما هي خطّتهم لذلك؟
وإحدى هذه المقدّمات أنْ تلغى دروس المعقول, ولا يتّضح التوحيد للناس, فليكتف الناس بهذه الدروس السطحيّة؛ لأنّه سوف يتحدّد المستوى الثقافي للإسلام بذلك, ونحن من ذاك الوقت نلاحظ أنْ مستوى التدريس قد انحطّ وتدنّى.
حسناً, كيف يتدنّى؟! مثلاً: فلان يريد أن يشرع بالتدريس فيقول: بماذا أشرع؟ يقولون له: إنّ درس الحكمة ليس ضروريّاً جدّاً, ابدأ بالفقه والأصول! ثمّ يرى أنّ صديقه قد شرع بتدريس الفقه والأصول, فيشرع هو أيضاً! بعد ذلك ينمحي درس الحكمة بشكل كلّي, وهكذا يصبح جوّاً شائعاً يتكلّم الكلّ عنه.. وبعد ذلك وبالتدريج.. رويداً رويداً.. وبشكل تدريجي.. يصل الأمر إلى أنّه من يدرّس الحكمة يكون قد أضاع نفسه! يعني يكون قد قتل مستقبله! وأزهق كرامته! ويصبح أمراً مستهجناً.
فهذا الدرس الذي تشاهدون قد شرع في حوزة قم, إنّما هو بواسطة العلاّمة [الطباطبائيِ], فدروسه أحيَتْ قم, وبحسب الاصطلاح فقد أوجد ثورة علميّة وتجاوز كلّ الأمور! فكان بإمكانه أنْ يشكّل دروس الفقه والأصول ويحتفظ بلقب آية الله ويكون له مكتب للقاءات العامة وجناح داخليّ وشهريّة وغير ذلك!
وقد أبرز ذلك خلال إعلانه المعروف, وبالخصوص هذه العبارة: «نحن لسنا بأقلّ من الآخرين!» يعني: فليفهم الجميع!!
وسبب شروعه بذلك هو أنْ يُوجِد عدّة أفراد مثله, ليجمعهم ويطرحهم ويصبحوا أعلاماً بعده ويغيّروا قم, وليبقوا مكانه حماة حينما يرحل.
فمن الواضح أنّ الحكمة إنّما تعني الكلام, فالكلام الإسلامي يعني الدفاع عن المسائل الاعتقاديّة, أي: حماية مباني الإمامة والدفاع عن المعاد والدفاع عن التوحيد وإبطال قول النصارى ونقض الشيوعيّة والردّ على المادّيين, وكلّ ذلك بواسطة الحكمة.
وإلاّ فهؤلاء العلماء الذين لم يدرسوا الحكمة, فحتّى لو صار مرجعاً أيضا, لو تسأله عن إحدى المسائل يضيع فيها! لا شيء لديه!! و لو وُجّه نقض على الدين أو إيراد مّا, أو أيّ تحرّك ضدّ الدين, فإنّ أقصى ما يصدر منهم هو إبراز الحزن والغمّ! وعلى العكس من هؤلاء الذين درسوا الحكمة, فإنّهم لا يغتمّون, وإنّما يردّون ويحملون على الطرف المقابل: إمّا من خلال محاضراتهم أو بواسطة كتاباتهم أو بتوسّط تلامذتهم, فينشرون ذلك وبقلبٍ مطمئن.
نعم, قد عدم ذلك في النجف بشكل كلّي وزال بشكلٍ كلّيّ! وحتّى في قم فإنّه كان قد زال سابقاً, ولكن المرحوم العلاّمة أحياه مرّتين!!
نقل أحد الأعلام ـ وهو ما زال على قيد الحياة وهو أحد أئمّة الجماعة المعروفين في طهران ـ أنّه لمّا كان في النجف قال لأحد العلماء: أيّها السيّد لماذا لا تشرع بدرس في التفسير؟ فمضافاً إلى درسي الفقه والأصول, درّسوا التفسير أيضاً. فأجابه: لو أشرع بدرس التفسير فهذا يعني أنّي انتهيت!! (وحيث إنّه كان قريباً منه ولا يستحيي منه, فقد عبّر بهذا التعبير: الذي يناسب شأنيّتي ومقامي هو الاكتفاء بذلك, ولا يناسبني أنْ أدرّس التفسير!) فقال له: إذن لماذا شرع العلاّمة الطباطبائي؟! أجابه: قد ضحّى بنفسه! يعني قدّم نفسه قرباناً.
[المرحوم العلامة]: هل رأيتم المقالات التي كتبها سروش؟
[المخاطَب]: نعم.
[المرحوم العلامة]: كتاباته مليئة بالهذيان! بل هي في الحقيقة ثرثرة كلام, لا أوّل لها ولا آخر. يعني: كتبَ دون أي تأمّل ولا دراية وبدون اطّلاع, وبدون ذخيرة ولا أصل. وحينما تسمع أنّه يحمل لقب «دكتور», تتصوّر أنّه هناك شيء, والآن فهمنا أنّه لا شيء أصلاً! بل هو منحرف جدّاً, منحرف جدّاً جدّاً, ومطالبه لا أساس ولا قاعدة ولا أصل له بالمّرة.
نعم, هاتان المقالتان اللتان أحضروهما للحقير وقد قرأتهما عجيبة جدّاً جدّاً بالنسبة لما كنّا نتصوّره عنه!!
وهذا البحث الذي أنا مشغول بكتابته (كتاب باسم نور ملكوت القرآن) بلغت عدد الصفحات المشتملة على ردّ مطالبه حتّى الآن مائة صفحة, ويمكن أنْ تحتاج إلى ردّ تمام مطالبه إلى مائة أو مائة وخمسين صفحة إضافيّة.
[المخاطَب]: هناك سلسلة من بحوثه مفصّلة, وهي أكثر تفصيلا من هذه, وكان يدرّسها لطلاّب الجامعة لمدّة سنتين تقريباً, وكان ينشر كرّاساتها المكتوبة.
[المرحوم العلامة]: نعم, هذا من سوء حظّ هؤلاء الجامعيين! أيّ بلاء يحلّ بهؤلاء الجامعيّين؟! فهؤلاء الأفراد ينظرون بعين أستاذهم, ويتقبلون كلامه.
قد يصبح الإنسان مهووساً ومولعاً بالخارج والحضارة الغربيّة والعلوم العصرية والجديدة والاكتشافات, ويصبح مزهوّاً بالمنظر الأوروبي ومعجباً بذلك وأمثاله, ويكون نيوتن وأمثاله بنظره من المميّزين إلى الحدّ الذي يقول فيه مثل الذي يقوله "جان جاك" في "نيوتن": (إنّه الشخص الوحيد الذي تربّع لمدّة مائتي سنة على الفلسفة الغربية ودفن صرح العرفان والفلسفة!! وعمل كذا وكذا.. وكنسَ ونظّف!!)
ثمّ إنّ لديه الكثير أيضاً من الهذيان والثرثرة! ثرثرة كبيرة! قد خلط بين فلسفة ما وراء الطبيعة وبين هذه الفلسفة, وتخيّل أنّه ما دامت تلك الفلسفة قد اندحرت فينبغي أيضاً لهذه الفلسفة أن تموت وتزول!! والحال أنّه ينبغي أن تُبنى فلسفات جديدة, وتُشيّد بشكل موزون ومتقن, ويجب أن تُبنى فلسفة ما وراء الطبيعة أيضاً بشكل موزون كذلك..۱
فمطالبه المستوحاة من القرآن فيما يتعلّق بالجنّ من الآية { يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}٢ التي فسّرت كلمة الجنّ فيها بمعنى الصرع, مع أنّ العلاّمة يردّ هذا الكلام, إلاّ أنّه شرع بالردّ على العلاّمة قائلاً:
«خلاصة الكلام أنّ هذا المبنى لا أساس له علميّاً؛ وذلك لأنّ هذا الكلام بالنسبة للعلاّمة الطباطبائيّ مورد قبول, ولكن بالنسبة للمتكلّمين أو الأشعريين فإنّ من الممكن أن لا يرتضوا هذا الكلام».
فهل هذا الكلام منطقيّ؟!! حينما يبني الباحث نتيجته على أساس البرهان والدليل, فهل يمكن أن يُقال له: كلامك مرفوض؛ لأنّ الأشعريّ لا يرتضيه؟! أو نرفضه بحجّة أنّ أحد المتكلّمين لا يرتضيه؟!
لذلك فإنّ كلامه باطل جدّاً, وخطره أكبر من الدكتور شريعتي, مع أنّ الدكتور شريعتي كان سطحيّاً.
ما تحدّثت به معكم كان بعنوان التذكير.