3

كيف نصل إلى مقام الولاية؟

محاضرة عيد الغدير لعام 1425 هـ ق

2338
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمالمناسبات الإسلامية

المجموعةمحاضرات عيد الغدير

التاريخ 1425/12/18

جلسات المجموعة(11 جلسة)

التوضيح

هل كان رسول الله صلّى الله عليه وآله رسولاً فحسب أم كان رسولاً ووليًّا معًا؟ وكيف كانت استقامته في رسالته وولايته؟ وهل كان يوم بعثته يوم سرور له؟ وهل تختلف ولايته عن ولاية أمير المؤمنين؟ وماذا صنع في يوم عيد الغدير؟ وماذا حدث لأمير المؤمنين بعد يوم الغدير؟ وهل مقام الولاية ممنوع على غيرهما وأبنائهما من الأئمّة عليهم السلام أم يمكن الوصول إليه للجميع؟ ولماذا وصل إليه السيّد عبد العظيم من بين غيره من بني الحسن؟ وما هو طريق الوصول إليه؟
ما معنى العمائم تيجان الملائكة؟ وما أثر العمامة على النفس؟ وهل علينا أن نتخلّى عن العمائم بسبب الظروف الاجتماعيّة الضاغطة؟ وكيف كانت سيرة الأعاظم مع العمائم والمعمّمين؟ وما هي وظائف المعمّمين وواجباتهم؟
تمزج المحاضرة الحديث عن ذينك المحورين الأساسيّين: محور الولاية ومحور العمامة، معالجة العديد من جوانبهما من خلال كلمات وسير النبيّ والأئمةّ عليهم السلام والأعاظم.
/۲۱
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

كيف نصل إلى مقام الولاية؟ - محاضرة عيد الغدير لعام ۱٤۲۵ هـ ق

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • كيف نصل إلى مقام الولاية؟

  • محاضرة عيد الغدير لعام ۱٤٢٥ هـ ق

  •  

  • محاضرة ألقاها

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  •  

كيف نصل إلى مقام الولاية؟ - محاضرة عيد الغدير لعام ۱٤۲۵ هـ ق

2
  •  

  • أعوذُ بِالله مِنَ الشَّیطانِ الرَّجیم

  • بسم الله الرّحمن الرّحیم

  • و صلّی اللَه عَلَی سیّدنا و نبیّنا أبی‌القاسم محمّدٍ و عَلَی آله الطّیبین الطّاهرین

  • و اللّعنة عَلَی أعدائِهم أجمَعین

  •  

  •  

  • تيجان الملائكة

  • روي عن رسول الله أنّ العمائم تيجان الملائكة۱، فمن تعمّم فقد تلبّس بلباس الملائكة وقرّب نفسه من ذلك الحريم، وكلّ من لم يتعمّم فإنّه لا يقرّب نفسه من ذلك الحريم، والآن على الرفقاء أن يعرفوا تكليفهم وأنّ الأمر من أيّ نوع هو. 

  • هل كان رسول الله رسولاً فقط ولم يكن وليًّا؟!

  • اليوم يوم عيد الغدير ويوم عيد الولاية والإمامة، وهكذا ورد في الآية الشريفة حول هذا الأمر: ﴿ٱليوم أكملت لكم ِدينكم َوَأتممت َعليكم نعمتي وَرضيتُ لكم ٱلۡإسلام دينًا﴾٢ اليوم والذي هو يوم الغدير ويوم الثامن عشر من ذي الحجّة ويوم نصب عليّ بن أبي طالب للولاية والخلافة بلا فصل والزعامة بأمر من الله المتعال من خلال الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم، ﴿ٱليوم أكملت لكم ِدينكم َوَأتممت َعليكم نعمتي﴾، واليوم أرضى عن هذا الدين الذي أرسلته إليكم ﴿وَرضيتُ لكم ٱلۡإسلام دينًا﴾ يعني إلى الآن لم أكن راضيًا، وكان هذا الدين ناقصًا وكانت جهة الخلأ والفقدان مشهودة فيه. وفي هذا الأمر نقطة مهمّة، لأنّ رسول الله جاء بعنوان الرسالة والبعثة والنبوّة، لا بعنوان الولاية، وإن كان رسول الله صاحب كلا المقامين الرسالة والولاية، غاية الأمر أنّ الولاية التي عند رسول الله كانت مخفيّة تحت ستار رسالته وبعثته ولم يكن أحد مطّلعًا عليها. لقد جاء النبيّ بيد بيضاء وشقّ القمر وقام بالمعجزات، فتكلّمت معه الشجرة، وأنطق الحيوانات وأنطق الحصى وشهد الجميع برسالته٣ ورأى الناس جميعًا بأعينهم ذلك، ولكنّ حقيقة الولاية التي بها كمال هذه الرسالة والبعثة كانت خافية عن الناس.

  • لم يكن الناس يرون سوى سيماء وجه النبيّ وأمره ونهيه، وحربه وفتحه وفتوحاته وصلاته، وعندما كان النبيّ يسير كانت هناك مسافة تضيء من نور وجهه ولم يكن يحتاج إلى مصباح٤ لقد كان الناس يرون ذلك. فهل التفتّم أين هي النقطة المهمّة؟! لقد كان الناس مأنوسين بهذه الأمور ولم يكونوا يلتفتون إلى تلك الحقيقة التي في باطن الأمر، وطبعًا أحيانًا كانت تحصل امتحانات كصلح الحديبيّة٥ وأمثاله توضّح مستوى إدراك الناس وكم هم ثابتون وكم هم متزلزلون.

    1. الکافي، ج ٦، ص :٤٦١ «عن عليّ بنِ أبي عليّ اللَهَبيّ، عن أبي عبدِ اللَهِ علیه السّلام قال: ”عَمَّمَ رسول اللَه صلّی اللَه علیه و آله و سلّم علیًّا علیه السّلام بِیَدِهِ فَسَدَلَها مِن بَیْنِ یَدَیْهِ و قَصَّرَها مِنْ خَلْفِهِ قَدْرَ أرْبَعِ أصابِع،َ ثُمَّ قال: أدْبِر! فأدْبَرَ؛ ثُمَّ قال: أقْبِل!ْ فأقْبَلَ؛ ثُمَّ قال: هکذا تِیجانُ المَلائِکَة.
    2. سورة المائدة (٥) الآیة ٣.
    3. بحار الأنوار، ج١٧، ص ٢٢٥ـ ٤٢١ باب « ٢جوامع معجزاته صلّی اللَه علیه و آله و سلّم و نوادرها»؛ الأمالي، الشیخ الطوسي، ص ٢٨٣؛ مناقب آل أبي طالب علیهم السّلام، ج٢، ص٣٢٦.
    4. راجع الکافي، ج ١، ص ٤٤٦؛ مناقب آل أبي طالب علیهم السّلام، ج ١، ص ١٢٣؛ عیون أخبار الرضا علیه السّلام، ج ١، ص ٣١٦؛ مرآة العقول، ج ٥، ص ١٩٧؛ شرح أصول الکافي، المازندراني، ج ٧، ص .١
    5. لمزيد من الاطلاع حول صلح الحديبيّة ونفاق بعض الأصحاب ومخالفتهم لأوامر النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله راجع: المغازی، الواقدي، ج ٢، ص ٥٧١ـ ،٦٣٣غزوة الحدیبیة؛ معرفة الإمام، ج٧، ص ٢٢.

كيف نصل إلى مقام الولاية؟ - محاضرة عيد الغدير لعام ۱٤۲۵ هـ ق

3
  • لقد كان النبيّ الأكرم صاحب مقامي الولاية والرسالة كليهما۱ ولذلك فإنّ الولاية انتقلت من رسول الله إلى أمير المؤمنين عليه السلام. وهؤلاء عديمي الأدب والتربية والفهم الذين يريدون بكلماتهم أن يجعلوا مقام أمير المؤمنين عليه السلام فوق مقام رسول الله، لا يعلمون أنّهم بذلك يسبّبون الانتقاص من شخصيّة أمير المؤمنين، ولا زلنا نسمع في بعض الموارد وبعض الأماكن من هذا الكلام. 

  • لماذا كانت زيارة عبد العظيم في الريّ كزيارة الحسين في كربلاء؟ وهل الأمر مختصّ به؟

  • قبل مدّة ذهبت إلى زيارة السيّد عبد العظيم الحسني عليه السلام والذي وردت فيه هذه الرواية وأنّ مَن زارَ عبد العظیم في الريّ کمَن زار الحُسَینَ بکربلاء.٢

  • وهذا لأجل أمر الولاية هذه، فولاية الإمام تجلّت في السيّد عبد العظيم، لماذا لم تأت رواية فيمن زارنا أو زار فلانًا؟! لأنّ الولاية لم تتجلّ. أفهل الولاية أمر يسير كي تتجلّى في كلّ مكان وبأيّ اعتبار؟! كلاّ يا عزيزي ليست كذلك! لا بدّ أن نلتفت ونعي ماذا نقول وماذا نفعل. 

  • لقد أذاب السيّد عبد العظيم عليه السلام نفسه في ولاية الإمام الهادي عليه السلام وأفناها فيه فتجلّت حقيقة الولاية تلك في نفسه، لذا قالوا: من زار عبد العظيم في الريّ كمن زار سيّد الشهداء. 

  • يقول الراوي: يا ابن رسول الله، أنا لا أتمكّن من الإتيان إلى كربلاء لزيارة جدّك. فيقول الإمام إنّ السيّد عبد العظيم إلى جانبك فلماذا لا تزوره؟! 

  • لا تتصوّروا أنّ هذا الأمر مختصّ بالسيّد عبد العظيم، بل نحن أيضًا لو قبلنا كالسيّد عبد العظيم بالولاية وثبتنا في الامتحانات على لوازم الولاية بتمام وجودنا لا في مقام الشعار والادّعاء الذي جميعنا من أهله، وصمدنا حتّى النهاية، فإنّ تلك الولاية التي تجلّت في السيّد عبد العظيم ستتجلّى في وجودنا بعينها، لا تختلف أبدًا، غاية الأمر أنّ ذلك بشرطها وشروطها! 

  • اتّحاد ولاية رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما

  • اليوم يوم ولاية أمير المؤمنين عليه السلام والذي تجلّت فيه ولاية رسول الله فصار صاحب مقام الولاية في المرتبة الأعلى والأتمّ. فأمير المؤمنين عليه السلام صار نفس النبيّ وروحه وحقيقته، هما بدنان يمشيان، ولكن هناك حقيقة واحدة تسيّرهما معًا.٣

    1. راجع ولایة الفقیه في حکومة الإسلام، ج١، ص ٣٥.
    2. ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، ص :٩٩ «محمّدُ بنُ یحیَی العطّارُ عمّن دَخَلَ علَی أبي الحسنِ علیِّ بنِ محمّدٍ الهادی مِن أهلِ الرَّیِّ قال: دَخَلتُ عَلَی أبي الحَسَنِ العَسکَریِّ علیه السّلام فَقال:َ ”أینَ کُنتَ؟“ قلت:ُ زُرتُ الحُسَینَ علیه السّلام؛ قال: ”أما إنَّك لَو زُرتَ قَبرَ عَبدِ العَظیمِ عِندَکُم لَكنتَ کَمَن زارَ الحُسَینَ بنَ عَلیٍّ علیه السّلام!“»
    3. لمزيد من الاطّلاع على اتّحاد نفس الرسول الأکرم صلّی اللَه علیه و آله و سلّم مع نفس أمیر المؤمنین علیه السّلام، راجع معرفة الإمام ج۱، ص ۱٢۸ـ ۱٣۱، وص ٢٢٥ـ ٢٢۷. 

كيف نصل إلى مقام الولاية؟ - محاضرة عيد الغدير لعام ۱٤۲۵ هـ ق

4
  • أنتم الآن لديكم يدان اثنتان ورجلان وعينان وأذنان، فهل يختلف إحساسكم بإحدى اليدين عن الإحساس بالأخرى؟! كلاّ. أنا الآن لديّ يدان وأحرّكهما كليهما، أفهل أحبّ اليد اليمنى أكثر من اليد اليسرى؟ لا معنى لذلك. هل التفاتي إلى اليد اليسرى هو أكثر من التفاتي إلى اليمنى؟ كلاّ، ترون أنّه واحد. فهذه هي الولاية في النبيّ وأمير المؤمنين، أي هناك حقيقة واحدة بلا تفاوت قد تجلّت في جسمين. 

  • وخلافًا للبعض الذين يقولون: هناك ولايتان: ولاية في النبيّ وولاية في أمير المؤمنين! فهذا شرك. ليس لدينا ولايتان، هناك ولاية واحدة لها صورتان. وتجلّي الله في القوالب الإمكانيّة هو كذلك، وظهور حقيقة التوحيد في المرايا والقوالب والتعيّنات هو هكذا. هناك ولاية واحدة حصلت على صورتين، إحدى صورتيها رسول الله، وبما أنّ رسول الله انتقل إلى رحمة الله ورحل من هذه الدنيا الفانية إلى الدار الباقية فإنّ تلك الولاية ظهرت بصورة أمير المؤمنين. فما الفرق إذن بين أمير المؤمنين والنبيّ؟!۱

  • معنى الولاية هذا هو الذي يقول عنه رسول الله: «مَن کُنتُ مَولاهُ فهذا عَلیٌّ مَولاهُ!» أنا لم أرد فقط أن أنصّب أمير المؤمنين وأضع تاجًا على رأسه كي يقول الآخرون: لماذا لم يصنع ذلك بنا نحن؟ هذه العلاقات والروابط فأين المعايير والضوابط؟! يريد رسول الله أن يقول: إنّ أمير المؤمنين راقب وجاهد وسعى وبذل، تقدّم وبذل مهجة قلبه، امتُحن وجعل جميع أعماله تحت تصرّف رسول الله في الليل والنهار لا تحت اختياره هو! عدّ نفسه صفرًا أمام رسول الله وسلب إرادته وجعل مكانها إرادة النبيّ، وأوقف نفسه بالكامل على رسول الله، ولم يكن الأمر أنّ النبيّ وضع العمامة على رأس أمير المؤمنين فحسب ورفع يده وقال: من كنت مولاه… أظننتم أنّ هنا مكان للتشريف والدرجات وإعطاء النجوم بحيث يصبح الجنديّ ضابطًا فجأة؟! كلاّ ليست الولاية اعتبارًا وليس فيها هذه التشريفات وهذه الأمور.٢ 

  • السبب في عدم ركوب أمير المؤمنين للخيل في الحروب

  • قبل وفاة المرحوم العلاّمة بسنتين أو ثلاث، ولأنّه كان يعاني من مرض في القلب، وبأمر من الأطبّاء خرجنا لأسبوعين من مشهد، وذات ليلة جرى الحديث حول أمير المؤمنين عليه السلام وأنّه لم يكن في الحروب يستعمل الخيل، فقال إنّه كان يركب بغلاً أُرسل إليه من مصر وكان يركبه في الحروب، وقد ركبه في صفّين ولم يكن يركب الخيل.٣

    1. لمزيد من الاطّلاع راجع معرفة الإمام، ج ٥، ص ۱۰٩ـ ۱٢٩.
    2. للاطّلاع على عدم اعتباريّة الولاية، راجع معرفة الإمام، ج٥.
    3. راجع الكافي، ج۱، ص ٤٥۰، المسترشد في إمامة عليّ بن أبي طالب عليه السلام، ص ٦۱٢، وقعة صفّين، ص ٤۰٣؛ كتاب سليم بن قيس الهلالي، ج٢، ص ٩۰٢. 

كيف نصل إلى مقام الولاية؟ - محاضرة عيد الغدير لعام ۱٤۲۵ هـ ق

5
  • وأنا بنيّتي الخاطئة وفكري القاصر أردت أن أبدي رأيي الخاص فقلت: إنّ هذا البغل الذي كان أمير المؤمنين يركبه لم يكن مجرّد بغل، بل كان أسرع من الخيول. وطبعًا لدينا أنّ البغل كان سريعًا جدًّا و… فتأمّل المرحوم العلاّمة وقال: 

  • كلا يا عزيزي! كلاّ يا عزيزي! ليس الأمر كذلك، ليس كذلك! لقد كان أمير المؤمنين يركب البغل لتواضعه، لا لأنّه كان سريعًا وما شابه… فالمسألة كانت مسألة تواضع. يريد أن يقول: أنا قائد الجيش وخليفة رسول الله أركب في الحروب البغل، وجنودي وأمرائي يجب أن يركبوا جميعًا الخيول. 

  • فاستحييت كثيرًا من كلامي هذا، ورأيت أنّ الجاهل هو هكذا في النهاية، وإبداؤه لرأيه الخاص هكذا! وبعد بضعة لحظات وبينما كان رأسه مطأطئًا قال: أيّ عمل لم يعمله جدّنا هذا في هذه الدنيا؟! 

  • مشاهد من استقامة أمير المؤمنين عليه السلام ونزاهته

  • لقد مضى الآن ألف وأربعمائة سنة على ذلك الزمان، فهل هناك من استطاع أن يعترض على أمير المؤمنين ويثبت عليه مشكلة؟! رغم أنّ أمير المؤمنين عاش في مراحل مختلفة: مرحلة الخلافة وصار حاكم المسلمين وجميع البلاد الإسلاميّة، جلس في داره وغصبوا منه الخلافة خمسًا وعشرين سنة، وفي أيّام رسول الله لم يكن خليفة وكان من الجنود والأصحاب، وعاش مرحلة الطفولة ومرحلة الشباب، فقد عاش أمير المؤمنين جميع هذه المراحل، وأينما وضعتم أيديكم منها لما وجدتم موضعًا للإشكال! وفي حكومته رغم أنّه كان هو الحاكم ولكنّه كان يتقدّم أمام الجيش كلّه ويقاتل مع المقاتلين. أين تعرفون مثل هكذا حاكم؟! وأنا الآن أقول لو قيل لأمير المؤمنين: إن قاتلت أنت وقُتل خليفة المسلمين فسنخسر الخليفة! لقال: أفهل دمي أغلى من دماء الآخرين؟! ما الفرق بيننا؟! الجهاد على الجميع، وأنا عليّ أن أتقدّم كالآخرين.

  • عندما غصبوا منه الخلافة لم يسخط ويحزن ولم يكتب إعلانًا ضدّ دولة وحكومة عمر وأبي بكر و… بل كان يشارك في صلواتهم.۱ 

  • وعندما يسأل اليهود والنصارى أبا بكر، ماذا كان يدرك ليجيبهم! كان يطأطئ رأسه ويسكت! على الأقلّ لتتكلّم بكلمتين ليعلموا أنّ خليفة رسول الله يعرف أيضًا كلمة أو كلمتين! يقول: الأفضل أن لا أتكلّم. وعندما كان يتكلّم ببعض الكلام أحيانًا ويحدث الفساد كانوا يقولون له: الأفضل أن لا تقول شيئًا فقط طأطئ رأسك لنرى ما هو تكليفنا! فكان سلمان أو أبو ذرّ أو عمّار يذهبون إلى أمير المؤمنين: يا عليّ أدرك الإسلام فقد قرئت عليه الفاتحة! 

    1. تفسیر القمي، ج ٢، ص .١

كيف نصل إلى مقام الولاية؟ - محاضرة عيد الغدير لعام ۱٤۲۵ هـ ق

6
  • ـ ماذا حصل؟

  • ـ جاء فلان النصرانيّ وكان الخليفة نائمًا ولم يتكلّم بشيء. 

  • فكان الإمام يأتي ويجيب ذلك النصرانيّ. 

  • فلو كنّا نحن واقعًا ماذا كنّا سنصنع؟ لقلنا: دعه يلاقي ما يلاقي، فليُجب على أسئلتهم الآن! ولكنّ الإمام كان يأتي ويتحدّث ويجيب وبالطبع كان النصرانيّ يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمّدًا رسول الله وأشهد أنّك خليفة رسول الله. هؤلاء اليهود والنصارى أو الصابئة والمجوس الذين كانوا يأتون ويتحدّثون ويدركون الحقيقة كان يجعلون حقيقة الخلفاء واضحة أمامهم.

  • لماذا كان يقول: أشهد أنّك خليفة رسول الله؟ إنّه لم يأكل التبن والعلف، إنّه يعي أنّ عليًّا حقّ وصدق، وأنّ الصدق هاهنا. وذاك باطل وأنّ ذلك الرجل لم يعمل إلا على إطالة لحيته وتكبير عمامته ثمّ جلس في مكان النبيّ. الحقّ هنا، والصدق هنا! إنّه يدرك ذلك، ولذلك يقول: أشهد أنّك خليفة رسول الله، إن كان هناك خليفة فهو أنت.۱

  • هذه الولاية التي صارت لأمير المؤمنين نظنّ أنّها حصلت بهذه البساطة، لقد بذل مهجة قلبه، وسمع الشماتة واللامبالاة! كان يسير في الشارع مع السيّدة الزهراء سلام الله عليها، وكان يسير رجل في الجانب الآخر فأدار برأسه فقالت السيّدة الزهراء: يا عليّ أرأيت فلانًا أدار بوجهه كي لا تقع عينه عليك؟! قال: يا فاطمة هذا ليس بشيء، إنّي إذا سلّمت عليهم لم يجيبوا. 

  • ولكن ما تأثير ذلك عليه؟ لا شيء أبدًا أبدًا! لقد اتّخذ لنفسه طريقًا وهو جادّ في السير فيه، لا ينظر إلى هذا الاتّجاه ولا إلى ذاك، لا سلام الناس وصلواتهم ترفعه، ولا شماتتهم وسبّهم وعدم اهتمامهم ينزل به. هذا هو الذي يسمّى رجل الحقّ، الرجل الصادق، الرجل الصالح، الرجل الذي أوقف كامل وجوده على الحقّ ولم يترك لنفسه شيئًا حتّى رأس إبرة. فهذا يصبح صاحب الولاية وصاحب مقام الولاية. 

  • ماذا عانى أمير المؤمنين بعد الغدير؟

  • أنتم تظنّون أنّ أمير المؤمنين قد سرّ عندما نصّب للولاية في يوم عيد الغدير؟ كان يودّ أن تمضي ألف سنة ولا يأتي هذا اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة ويمسك النبيّ بيده، ماذا كان في هذه الولاية لأمير المؤمنين من تتويج لغير الآلام والعلل والشقاء؟ الخطوة الأولى التي قاموا بها نحوه هي أنّهم ضربوا زوجته وقطّعوها أمام عينيه، تفضّل، هذه هي الولاية! هذه باكورة ما أعطي بعد النبيّ. ثمّ ألقوا في عنقه حبلاً وقد قال له معاوية هذا الكلام: «إنك كنت تقاد كما يقاد الجمل المخشوش» وكتب في جوابه: «وقلت إني كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى أبايع، ولعمر الله لقد أردت أن تذمّ فمدحت، وأن تفضح فافتضحت، وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلومًا ما لم يكن شاكًّا في دينه أو مرتابًا في يقينه، وهذه حجّتي عليك وعلى غيرك»٢

    1. راجع: الروضة في فضائل أمیر المؤمنین، ابن شاذان، ص ٨٤؛ الإرشاد، ج ١، ص .٢٠١
    2. نهج البلاغة (صبحي الصالح) ص ٣٨٧، الرسالة .٢٨.

كيف نصل إلى مقام الولاية؟ - محاضرة عيد الغدير لعام ۱٤۲۵ هـ ق

7
  • أردت أن تعترض عليّ وتنتقص منّي؟! ألا تعلم أنّك بكلامك هذا تمدحني؟! فأنا ذلك الذي لم يكن مستعدًّا أن يتقدّم خطوة واحدة نحو الباطل وجاؤوا وأخذوني بهذا النحو إلى المسجد ليأخذوا منّي البيعة هكذا. فهذه كانت الثمرة الثانية۱وبعد بضعة أيّام فارقت زوجته السيّدة الزهراء سلام الله عليها الدنيا وصار أبناؤه على تلك الحالة، ثمّ صار جليس الدار. ثمّ قالوا له: اخرج! لا بدّ أن تشارك في هذه الصلاة وإلا فعلنا وفعلنا… نعم من جهة أخرى كانت هذه الخمس والعشرون سنة زمان استراحة أمير المؤمنين. 

  • لماذا كان أمير المؤمنين عليه السلام يشارك في صلاة الجماعة للخلفاء؟ 

  • أحد أسباب مشاركة أمير المؤمنين بصلاة الجماعة التي يقيمونها هو أن لا تضغط الدولة والحكومة على أصحاب أمير المؤمنين ولا تغتالهم بسهولة! وإلا فإنّهم مخطئون إذا ما أرادوا أن يهينوا أمير المؤمنين بذلك ويؤذوه. ألم يغتالوا سعد بن عبادة؟! كان يسير في الصحراء فرموه بسهم ثمّ اخترعوا شعرًا…٢ لقد اغتالوه بسهولة! لقد كان أمير المؤمنين يتحمّل أمثال هذه الأمور مراعاة للإسلام والمسلمين الذين ثبتوا على عقيدتهم ولم يستسلموا للتهديدات والضغوط والتضييقات ولم يصغوا إلى ذاك الكلام. 

  • ثمّ عندما وصل إلى الخلافة أوّل ما قاموا به أنّهم أوقدوا نار الحرب عليه، حيث ذهب طلحة والزبير وأخرجا عائشة زوج النبيّ من منزلها وجعلاها قائدة للجيش ـ الأمر الذي لم يكن له نظير في ذلك الزمان ـ وقالوا لخلق الله: تفضّلوا فإنّ زوجة رسول الله أمّ المؤمنين قد خرجت على قاتل عثمان. واقعًا كم كانوا عديمي الحياء، فللحياء حدّ! فكم على الإنسان هنا أن يتأسّف على انعدام الحياء هذا، إنّه عجيب جدًّا! 

  • ينقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة هذه القصّة فيقول: 

  • عندما انتصر أمير المؤمنين في معركة الجمل قال الجميع إنّه سيقتل عائشة، فأرسل محمّدَ بن أبي بكر أخاها (والذي كان من الشيعة الكمّل في تشيّعهم والخلّص لأمير المؤمنين وليس فيه أيّ كلام. أب كأبيه وابن مثله!) فقال: اذهب إلى عائشة وقل لها: شكرًا لك! ألم يقل النبيّ: ﴿وَقَرۡنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ ٱلۡأُولَىٰ﴾٣؛ فهلت امتثلتِ؟!

    1. لمزيد من الاطّلاع على الأحداث التي جرت على أمير المؤمنين عليه السلام والسيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم راجع: کتاب سلیم، ج٢، ص ٥٥٧ـ ٥٥٩؛ ص ٨٦٢ـ ٨٧٣.
    2. بحار الأنوار، ج ٢٨، ص ٣٦٦؛ ج ٣٠، ص ٤٩٤؛ معرفة الإمام، ج١٢، ص ٢۷.
    3. سورة الأحزاب (٣٣) الآیة ٣.

كيف نصل إلى مقام الولاية؟ - محاضرة عيد الغدير لعام ۱٤۲۵ هـ ق

8
  • ثمّ ذهب محمّد بن أبي بكر إلى أخته وقال لها: ليتني ابتلعتني الأرض ولم أشهد هذا اليوم الذي جلبت فيه العار عليّ وعلى الإسلام حتّى قالوا جاءت زوجة رسول الله وعملت هذه الأمور في مواجهة خليفة رسول الله.۱

  • ثمّ أرسلها أمير المؤمنين إلى المدينة ، وبعث معها عشرين امرأة بثياب الرجال وبزيّ وشمائل الرجال المنقّبين وأمرهنّ أن يحطن بها، وأمر جماعة أخرى من الرجال أن يسيروا وراءها على بعد كيلومترين اثنين ويكونوا حول عائشة ويحرسوها من بعيد حتّى لا يهاجمها قطّاع الطريق. 

  • وكانت دائمًا تصرخ وتقول: انظروا كيف هتك هذا الرجل حرمة رسول الله وجعل زوجة رسول الله أم المؤمنين بين عشرين رجلاً، ولم يرسل معي امرأتين على الأقلّ! وكانت النسوة لا تقول شيئًا لأنّهنّ لو تكلّمن لعرفت من صوتهنّ أنّهن نسوة، فالإمام لم يغيّر أصواتهنّ، فكانت دائمًا تشتم وتطعن وتتكلّم حتّى وصلن إلى المدينة فكشفت النساء النقاب ورأى الجميع أنّهنّ نساء. ٢ 

  • فواقعًا أينما نظرنا إلى أعمال أمير المؤمنين هل نجد أثرًا للنفس والأنانيّة؟! نحن نتصوّر أنّ معاناة أمير المؤمنين لم تكن إلا من الحروب، كلاّ بل كانت هناك أزمات وأمور أعظم! فقد كانت الحرب في ذلك الزمان أمرًا معتادًا، حيث كانوا يذهبون ويقاتلون، فأحدهما يُغلب والآخر يَغلب، ولكن واقعًا هكذا تبلورت حقيقة هذه الولاية في أمير المؤمنين عليه السلام وقد تقدّم إلى درجة أنّه صار نفس رسول الله والنبيّ. لذلك ففي هذا اليوم الذي هو يوم ولاية أمير المؤمنين وخلافته تحمّل أمير المؤمنين عين تلك المسؤوليّة التي تحمّلها النبيّ في غار حراء حين الرسالة والبعثة. 

  • استقامة النبيّ في تبليغ الحقّ

  • عندما نزل جبرائيل وأبلغ النبيّ الرسالة، أفتظنّون أنّ النبيّ فرح لذلك؟ لقد بدأت المشكلات للتوّ! فالإنسان ما لم يتكلّم ولم يخط أيّة خطوة لا يهتمّ الناس لأمره. فأنتم تختارون لأنفسكم العقيدة التي تريدون، وما لم تتكلّموا بها بألسنتكم فلا شأن لأحد معكم، وما لم تكتب عنها أقلامكم فلا أحد يعترضكم، وما لم تظهروا هذه العقيدة فلا شأن لأحد معكم، حتّى لو كنتم كفّارًا، فإنّهم يأتون ويجلسون معكم ويتكلّمون ويأنسون، ولكن يقولون: هذا ما دمت لم تتكلّم، أمّا إذا تكلّمت وحاربت مصالحنا، فإنّ صورة الأمر ستتغيّر! إن شئت أن تكون كافرًا فلتكن كافرًا لنفسك، ونحن محبّون مخلصون لك، ونعطيك راتبًا. 

    1. راجع شرح نهج البلاغة ج۱ ص ٢٦۰ وما بعدها، وفي كتاب الجمل والنصرة ص ٣٦۸ ـ ٣۷۱: عن محمّد بن الحنفيّة: تَقَدَّمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَيْنَ يَدَيَّ يُهَرْوِلُ وَ مَعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَضَرَبُوا الَّذِينَ فِي وَجْهِهِ حَتَّى أَنْهَضُوهُمْ وَ لَحِقْتُهُمْ بِالرَّايَةِ فَوَقَفُوا وَقْفَةً وَ اخْتَلَطَ النَّاسُ وَ رَكَدَتِ السُّيُوفُ سَاعَةً فَنَظَرْتُ إِلَى أَبِي يُفَرِّجُ النَّاسَ يَمِيناً وَ شِمَالًا وَ يَسُوقُهُمْ أَمَامَهُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَجُولَ فَكَرِهْتُ خِلَافَهُ وَ وَصِيَّتُهُ لِي: لَا تُفَارِقِ الرَّايَةَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْجَمَلِ وَ حَوْلَهُ أَرْبَعَةُ آلَافِ‌ مُقَاتِلٍ مِنْ بَنِي ضَبَّةَ وَ الْأَزْدِ وَ تَمِيمٍ وَ غَيْرِهِمْ وَ صَاحَ «اقْطَعُوا الْبِطَانَ» فَأَسْرَعَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَطَعَهُ وَ اطَّلَعَ عَلَى الْهَوْدَجِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ أَبْغَضُ أَهْلِكِ إِلَيْكِ قَالَتْ ابْنُ الْخَثْعَمِيَّةِ قَالَ نَعَمْ وَ لَمْ تَكُنْ دُونَ أُمَّهَاتِكِ قَالَتْ لَعَمْرِي بَلْ هِيَ شَرِيفَةٌ دَعْ عَنْكَ هَذَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَلَّمَكَ قَالَ قَدْ كَانَ ذَلِكَ مَا تَكْرَهِينَ قَالَتْ يَا أَخِي لَوْ كَرِهْتُهُ مَا قُلْتُ مَا قُلْتُ قَالَ كُنْتِ تُحِبِّينَ الظَّفَرَ وَ أَنِّي قُتِلْتُ قَالَتْ قَدْ كُنْتُ أُحِبُّ ذَلِكَ لَكِنْ لَمَّا صِرْنَا إِلَى مَا صِرْنَا إِلَيْهِ‌ أَحْبَبْتُ سَلَامَتَكَ لِقَرَابَتِي مِنْكَ فَاكْفُفْ وَ لَا تُعَقِّبِ الْأُمُورَ وَ خُذِ الظَّاهِرَ وَ لَا تَكُنْ لُوَمَةً وَ لَا عُذَلَةً فَإِنَّ أَبَاكَ لَمْ يَكُنْ لُوَمَةً وَ لَا عُذَلَةً قَالَ وَ جَاءَ عَلِيٌّ ع فَقَرَعَ الْهَوْدَجَ بِرُمْحِهِ وَ قَالَ يَا شُقَيْرَاءُ أَبِهَذَا أَوْصَاكِ رَسُولُ اللَّهِ ص قَالَتْ يَا ابْنَ أَبِي‌ طَالِبٍ قَدْ مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ‌…وَنَادَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع مُحَمَّداً فَقَالَ: «سَلْهَا هَلْ وَصَلَ إِلَيْهَا شَيْ‌ءٌ مِنَ‌ الرِّمَاحِ وَ السِّهَامِ فَسَأَلَهَا فَقَالَتْ نَعَمْ وَصَلَ إِلَيَّ سَهْمٌ خَدَشَ رَأْسِي وَ سَلِمْتُ مِنْهُ يَحْكُمُ اللَّهُ بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ فَقَالَ مُحَمَّدٌ وَ اللَّهِ لَيَحْكُمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كَانَ بَيْنَكِ وَ بَيْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع حَتَّى تَخْرُجِي عَلَيْهِ وَ تُؤَلِّبِي النَّاسَ عَلَى قِتَالِهِ‌ وَ تَنْبُذِي كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظَهْرِكِ فَقَالَتْ دَعْنَا يَا مُحَمَّدُ وَ قُلْ لِصَاحِبِكَ يَحْرُسْنِي قَالَ وَ الْهَوْدَجُ كَالْقُنْفُذِ مِنَ النَّبْلِ فَرَجَعْتُ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا جَرَى بَيْنِي وَ بَيْنَهَا وَ مَا قُلْتُ وَ مَا قَالَتْ فَقَالَ ع: «هِيَ امْرَأَةٌ وَ النِّسَاءُ ضِعَافُ الْعُقُولِ تَوَلَّ أَمْرَهَا وَ احْمِلْهَا إِلَى دَارِ بَنِي‌ خَلَفٍ حَتَّى نَنْظُرَ فِي أَمْرِهَا فَحَمَلْتُهَا إِلَى الْمَوْضِعِ وَ إِنَّ لِسَانَهَا لَا يَفْتُرُ عَنِ السَّبِّ لِي وَ لِعَلِيٍّ ع وَ التَّرَحُّمِ عَلَى أَصْحَابِ الْجَمَلِ‌.
    2. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج١، ص٢٣: وبعث معها إلى المدينة عشرين امرأة من نساء عبد القيس عمّمهن بالعمائم، وقلّدهنّ بالسيوف، فلما كانت ببعض الطريق ذكرته بما لا يجوز أن يذكر به، وتأفّفت وقالت: هتك سترى برجاله وجنده الذين وكلهم. بي فلمّا وصلت المدينة ألقى النساء عمائمهنّ، وقلن لها: إنّما نحن نسوة. 

كيف نصل إلى مقام الولاية؟ - محاضرة عيد الغدير لعام ۱٤۲۵ هـ ق

9
  • ما دام النبيّ مشغولاً بنفسه ولا يتكلّم ويتردّد على غار حراء لم يكن لأحد اعتراض عليه، كانوا يقولون: نحن نعبد أصنامنا، فليذهب هو إلى غار حراء وليعبد ما شاء، ما شأننا نحن؟! إنّه لا يعترض علينا وعلى أصنامنا وعبادتنا، فإذن عمله لا يؤثّر علينا. حتّى بعد أن بعث بالرسالة فإنّه كان يصلّي هو وخديجة وأمير المؤمنين وزيد بن حارثة في المسجد الحرام.۱ فكان هؤلاء يقولون: لا بأس فليصلّوا لا يضرّوننا. ولكن ما إن نزلت آية من الله عبر جبرائيل أن ﴿قُمْ فَأَنْذِر﴾٢ وفي المرحلة الأولى: ﴿وَأَنذِرۡ عَشِيرَتَكَ ٱلۡأَقۡرَبِينَ﴾٣ بدأ الكلام، فجأة بدأ: ﴿ما سَمِعْنا بِهذا في‌ آبائِنَا الْأَوَّلينَ﴾ ٤، من أين جاء؟! من أين جاء بهذا؟! لم يكن شيء من ذلك! ماذا يريد منّا؟! ماذا تريد من عبادتنا وأصنامنا؟! 

  • فرأوا أنّه لا فائدة، فبدأوا بالترغيب والتطميع: نعطيك ما تريد، أيّ مقام تريده فهو لك، نعطيك حكم كذا، ولاية كذا، إمارة كذا، المرأة التي تريد… في النهاية دخلوا من طرق مختلفة، فقال النبيّ: 

  • لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركت.٥

  • فلماذا لا يتراجع؟ لأنّه أوقف نفسه للحقّ ولا يمكن أن يتراجع.

  • وصايا إلى أهل العلم والمعمّمين 

  • الرفقاء الذين يريدون اليوم أن يتعمّموا ليلتفتوا إلى ما أريد قوله، لقد أوقف أمير المؤمنين نفسه للحقّ، لذلك لا يمكنه أن يتراجع. لو تراجع فقد خسر، لأنّه أوقف نفسه للحقّ يقولون له: عليك أن تسير حتّى النهاية، واعلم أنّهم سيأخذونك ويضربونك ويسجنونك! 

  • ـ فليفعلوا. 

  • ـ يعدمونك. 

  • ـ فليفعلوا. 

  • ـ يسمّونك! 

  • ـ فليفعلوا. 

  • ـ يغتابونك.

  • ـ فليفعلوا. 

  • ـ يشيعون عنك الشائعات. 

  • ـ فليشيعوا. 

  • ألم يفعلوا ذلك؟! كم أشاع مشركو مكّة هؤلاء الإشاعات حول النبيّ! لقد وضعوا أناسًا أمام المسجد الحرام ليقولوا لكلّ من يدخل: لا تصغ إلى فلان! ـ نعوذ بالله ـ إنّه مجنون، لقد جاءه الجنّ، فمن غير المعلوم ما يقول، أصلاً لا تسمعوا، ولا تبالوا لكلامه، لا تقرأوا كتابه وقرآنه، تعالوا واقرؤوا كتبنا وكلامنا وشعرنا.٦ 

  • لماذا لم يقل النبيّ لا تصغوا إلى كلامهم بل قال: اذهبوا واسمعوا كلامهم ثمّ تعالوا واسمعوا كلامي؟! وهذا هو الفرق بين الباطل والحقّ. الحقّ دائمًا حرّ ولا يقول أبدًا: لا تفعل هذا. بل يقول: ﴿فَبَشِّرۡ عِبَادِ ، ٱلَّذِينَ يَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقَوۡلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحۡسَنَهُۥٓ﴾۷ فاذهبوا واسمعوا، اسمعوا أيضًا الكلام الآخر ثمّ اختاروا ما تريدون. أمّا الباطل فيقول: "لا تذهب! لا تسمع! لا تبال! تعال إليّ! لا تذهب إلى هناك! إنّه يضلّك!". 

    1. تفسیر القمّی، ج١، ص ٣٧٨.
    2. سورة المزمّل (۷٤) الآية ٢. 
    3. سورة الشعراء (٢٦) الآیة ٢١٤.
    4. سورة المؤمنون (٢٣)، مقطع من الآية ٢٤؛ سورة القصص (٢۸) مقطع من الآية ٢٦. 
    5. تفسیر القمّي، ج ٢، ص ٢.
    6. متشابه القرآن ومختلفه، ابن شهرآشوب، ج١، ص ١٥٨.
    7. سورة الزمر (٣٩) الآيتان ١٧و١٨.

كيف نصل إلى مقام الولاية؟ - محاضرة عيد الغدير لعام ۱٤۲۵ هـ ق

10
  • فإن وصل إلى غايته بذلك فبها، وإلا فإنّه يرتقي درجة ويقول: "إن ذهبت سأفعل كذا، وسأفعل كذا". فإن لم يصل إلى ما يريد فإنّه يرتقي درجة وهكذا يرتقي درجة بعد درجة إلى أن يصل إلى أماكن أخرى! هذا هو الفرق بين الباطل والحقّ. 

  • أنتم تظنّون أنّ النبيّ قد فرح واحتفل عندما جاءه جبرائيل وأبلغه الرسالة؟! كلاّ بل أقام مأتمًا! لأنّه يعلم ما حقيقة الأمر، يعلم أنّ الناس أسرى النفوس ولا يتركون النفس والأذواق الخاصّة والاعتبارات والتخيّلات والتوهّمات الدنيويّة. فماذا سيكون مصير هذا الحقّ الذي يريد أن يبيّنه بين هذه الاعتبارات والتوهّمات والبحث عن الشخصيّات؟! لأنّ الحقّ يأتي ويقول: اهتمّ بعملك! دع كلّ هذه الأدوات جانبًا، دع كلّ هذه الشخصيّة جانبًا! ولتذهب "أنت" و"أنا" وليبق "هو". يقول الحقّ: لا بدّ أن ينسى أمثال هذا الكلام القائل: "لقد أغلقت باب هذه الدار وفتحت باب تلك"، وينبغي أن لا يبقى سوى باب سيّد الشهداء مفتوحًا، والسلام! لا بدّ أن تغلق جميع الأبواب! يقول الحقّ: لا بدّ أن تنحّى جميع الجهود والمساعي لتعزيز النفس، ولا بدّ من إلغاء هذا الكلام: تعال إلى هنا وتعالى إلى هناك! ويجب أن تكون هناك ولا تأت إلى هنا!". فهذا كلّه أنانيّة ونفس. 

  • لماذا تعاملوا هكذا مع السيّد القاضي في حوزة النجف؟! لأنّ السيّد القاضي كان يقول: يجب أن يأتي الحقّ، ولا معنى لأن يأتي هذا ويأتي ذاك. أفهل كان السيّد القاضي يقول كلمة الكفر في النجف؟! فكلامه موجود في النهاية. إنّه كان يصلّي الصلاة التي تصلّونها، وطبعًا لا الصلاة التي على مشارف طلوع الشمس! 

  • كان المرحوم العلاّمة يقول: 

  • كان في حرم أمير المؤمنين من طلوع الفجر إلى ما قبل ربع ساعة من طلوع الشمس صلوات جماعة متعدّدة، فإمام جماعة يذهب وآخر يأتي.۱

  • أفهذه هي الصلاة التي قال رسول الله إنّها يجب أن تؤدّى في أوّل الوقت! فلماذا نكذب في النهاية؟! حتّى متى علينا أن نكذب ونبرّر ونؤوّل؟! أهذا هو التأكيد على صلاة أوّل الوقت؟! يقول: المؤمنون يريدون أن يصلّوا خلفي. أيّها الحقير إن أردت ذلك فلتصلّ جماعة في الشارع أو الصحراء أو في وادي السلام ولتصلّها في أوّل الوقت، وكلّ من كان محبًّا لك فليلحق بك! أفهل أنت مريض حتّى تؤخّر الصلاة إلى ما قبل طلوع الشمس بربع ساعة أو عشرين دقيقة؟! 

    1. راجع سالک آگاه (فارسي ومعناه السالك الواعي)، ج١، ص ٧.

كيف نصل إلى مقام الولاية؟ - محاضرة عيد الغدير لعام ۱٤۲۵ هـ ق

11
  • كان المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه يذهب ظهرًا إلى المسجد فإن وجد أربعة كان يقول: أذّن يا فلان لنصلّي. 

  • ـ سيّدنا لم يأت جميع المصلّين بعد! 

  • ـ فليكن، إنّه أوّل الوقت، وتجب إقامة الصلاة أوّل الوقت، سواء كان هناك أربعة أم لم يكن أحد! 

  • حتّى أذكر أنّه ذات يوم لم يكن خلفه في صلاة الظهر سوى اثنين من المصلّين، أمّا في صلاة العصر فكانوا مائة مصلّ. حسنًا إن لم يأتوا فهو شأنهم، فليغلقوا دكاكينهم وليأتوا باكرًا. أيّها الحمقى، اعملوا أقلّ بشيء يسير، أغلقوا دكّانكم قبل ربع ساعة، واتركوا الكسب قليلاً واكسبوا الصلاة أوّل الوقت، ولا تقصروا نظركم على المال والعملات، فهناك فوائد ومكاسب أخرى أيضًا! 

  • لا بدّ من الصلاة في أوّل الوقت، «أوّلُ الوَقتِ رضوانُ اللَه... و آخِرُه غُفرانُ اللَه» ۱ فالصلاة أوّل الوقت توجب الرضوان الإلهيّ، ومن صلّى صلاته آخر الوقت فحيث إنّه ارتكب ذنبًا فإنّ الله يغفر له وله حكم الغفران والعفو.٢ ومع ذلك فقد الحال في صحن أمير المؤمنين أنّ هذا يذهب وذاك يأتي وتقام عدّة صلوات من أوّل طلوع الفجر إلى ما قبل طلوع الشمس، وهذا عند أمير المؤمنين أيضًا، أفهل كان أمير المؤمنين راضيًا بهذه الصلاة؟! 

  • وهنا يجب على أهل العلم وعلينا وعلى الذين يريدون أن يكونوا مع الحقّ أن يدركوا ماذا عليهم أن يفعلوا، وليعلموا أين يضعون أرجلهم وأين يريدون أن يذهبوا. 

  • أنتم تظنّون أنّ الرفقاء الذين يريدون اليوم أن يلبسوا لباس الملائكة ويضعوا على رؤوسهم تيجان الملائكة قد فرّوا من القرى؟! هل أخرجوهم من المنازل؟! هل هم يجهلون المشاكل التي تواجه أهل العلم في هذا الزمان؟! مع غضّ النظر عن أسباب ذلك، ومهما كانت تلك الأسباب، المهمّ النتيجة. ألا يعلمون ما هي نظرة الناس في هذا الزمان؟! إن كنتم لا تعلمون فانهضوا وسيروا ساعة في شارع ولي العصر في طهران حتّى أعلاه فستدركون حينها كم سيبدي الناس لكم من "المحبّة واللطف"!٣ إنّ هؤلاء يعرفون ذلك جيّدًا وربّما خيرًا من الآخرين، ولكن لماذا يريدون ذلك؟ أفهل هم فاقدون للإحساس الذي لدى الآخرين؟! 

    1. الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا علیه السّلام، ص ۷۱.
    2. دعائم الاسلام، ج ١، ص :١٣٧ «رُوینا عن أبي عبداللَه جعفرِ بنِ محمّدٍ علیهما السّلام أنّه قال: ”لِکلِّ صلاةٍ وقتان:ِ أوّلٌ و آخِرٌ؛ فأوّلُ الوقتِ أفضلُه. و لیسَ لِأحدٍ أن یَتّخِذَ آخِرَ الوَقتَینِ وَقتًا. و إنّما جُعلَ آخِرُ الوقتِ لِلمریضِ و المُعتَلّ و لِمَن لَه عُذر.ٌ و أوّلُ الوقتِ رضوانُ اللَهِ و آخِرُ الوقتِ عَفوُ اللَهِ؛ والعَفوُ لا یکونُ إلّا مِن التَّقصیر.ِ و إنّ الرّجُلَ لَیُصَلّی فی غیرِ الوقتِ و إنّ ما فاتَهُ مِن الوقتِ خَیرٌ لَه مِن أهلِه و مالِه.“»
    3. يتعرّض المعمّمون للتوهين من قبل بعض الناس في بعض المدن الإيرانيّة. (م)

كيف نصل إلى مقام الولاية؟ - محاضرة عيد الغدير لعام ۱٤۲۵ هـ ق

12
  • عندما أذهب إلى مكّة والمدينة فإنّي في أغلب الأوقات أكون دون عمامة وأقتصر على اللباس العربيّ. طبعًا كثيرون هم الذين ينزعون العمائم في مكّة احترامًا للبيت، ولكنّي أنا حتّى في المدينة أنزعها في أغلب الأوقات وأسير بهذا اللباس العربيّ والحطّة. طبعًا هناك أمر آخر لأنّي عندما أكون بالعمامة تحدث لي الكثير من الأمور والمشاكل حيث يراني هذا ويقول: السلام عليكم سيّدنا أين أنتم؟! لا نراكم، أين يمكن أن نراكم؟ و… ـ بحيث نخسر الزيارة وكلّ شيء. 

  • في إحدى السنوات حين تشرّفت بالحجّ وذهبت إلى المدينة أوّلاً كنت أنوي أن أبقى في المدينة بالعمامة، وبعد مضيّ يومين على هذه الحالة رأيت أنّه لا فائدة، فقد ذهبت زيارتنا، نصف يوم مع هذا ونصف يوم مع ذاك، فلا يمكن الاستمرار هكذا في النهاية! وفي اليوم الثالث نزعت العمامة ولم يعد أحد يعرفني، حتّى إنّهم كانوا يمرّون بي على قرب متر واحد فلا يعرفونني وكنت كسائر الناس. وهناك أحسست بتلك الحالة التي يعيشها غير المعمّمين في إيران، وحينها أدركت أنّ الإنسان إذا كان كسائر الناس فلا أحد يعترضه ولا أحد يلتفت إليه، يسير مرتاحًا ويتردّد ويعيش، فلا كلام ولا قصص وأخبار. ولكنّ المعمّم على الدوام إمّا عليه أن يعيش في زاوية أو إذا أراد أن يعيش في المجتمع فمن الطبيعيّ أن يواجه ذلك النوع من المشاكل، فليس جميع الناس في المجتمع مثقّفون ومؤدّبون بل هناك من جميع الأصناف. 

  • ففي أوضاع كهذه ألا يشعر هؤلاء الطلاّب بهذه المشكلة؟! يشعرون، ولكنّهم جاؤوا وداسوا على أنفسهم. هناك الكثيرون الذين يدرسون في الحوزة ويقولون: لا حاجة لنا إلى العمامة وهكذا يمكننا أن نعمل بشكل أفضل ويمكننا أن نفيد أكثر. كلاّ يا عزيزي هذا كذب! الدافع إليه هو الراحة والأنس، والوصول إلى أهدافهم الأخرى. إذا سألت هؤلاء: هل تريد أن تفعل ذلك من أجل الله أم من أجل نفسك؟ يقول: من أجل الله. نقول: حسنًا فالله يقول: إلبس العمامة. يقولون: لا نريد. فماذا حدث إذن؟! 

  • لقد تحدّثت لستّ ساعات مع أحد هؤلاء الذين يستدلّون بهذا النوع من الاستدلالات وأنّي أعيش في المحيط العلميّ وفي الجامعة، وأتعامل مع هذا النوع من الناس، وبذلك يمكنني أن أعمل للإسلام بشكل أفضل و… فرأيت أنّه لا يريد أن يسلّم. فقلت له في النهاية: لديّ سؤال: ألا ترى العلاّمة ـ وكان ذلك أيّام حياته ـ والذي يقول لك تعمّم بمستوى يمكنه أن يحمل مسؤوليّة سؤال الله يوم القيامة ويدافع عنك؟ قال: بلى فقلت: فلماذا لا تقبل إذن؟ فكّر قليلاً وقال: لأجل النفس! فقلت: لقد أتعبت رأسي يا عزيزي، ليتك قلت من البداية، لماذا تتعبني إلى هذا الحدّ؟! فبعد أن أغلقتُ جميع الطرق والزوايا لست ساعات، صرّح بالكلام الذي في قلبه وقال: نفسي لا تسمح. فقلت: فلماذا تقول إنّي أفعل ذلك لأجل الإسلام؟ لماذا تكذب؟ فلتقل: لا أريد، أريد أن أكون مرتاحًا، أركب السيّارة بسهولة، أذهب إلى الجامعة بسهولة، لا يخاطبونني بشيء، لا ينظرون إليّ باشمئزاز، لا يشتمونني. فإذن نفسك لا يمكنها أن تقبل، فهل أدركت الآن؟! 

كيف نصل إلى مقام الولاية؟ - محاضرة عيد الغدير لعام ۱٤۲۵ هـ ق

13
  • ولكنّ الذين يلبسون العمامة اليوم، يعرفون كلّ هذا الكلام، وفي الوقت نفسه يقدمون على ذلك، أفليس هذا مفخرة؟! مرحى وألف مرحى وبارك الله بهؤلاء الذين يلبسون العمامة في مثل هذه الظروف التي لم يسبق لها نظير بالنسبة إلى العلماء، وأنا لا أقول جميع الناس هكذا، ولكنّ الذين يتمتّعون بدرجات أقلّ من الإيمان لديهم هذه الحالة وقد فعل الأعداء فعلهم. 

  • الإجبار على نزع العمائم في عهد رضا شاه

  • في زمان رضا شاه أيضًا كان الأمر هكذا، ولكن كان الجميع يعلمون أنّ الضغط يأتي من رضا شاه وكانوا ينزعون العمائم. فكان جدّنا رحمه الله يضع قلنسوة على رأسه ويمشي ذهابًا وإيابًا بلباس الجبّة هذه في الشارع الذي كان يسمّى آنذاك شارع شاه آباد، وصار اسمه الآن بهارستان، فكانوا يقولون له: لماذا تفعل ذلك يا سيّد؟ فيقول: 

  • لكي يعلم الناس وليرانا الناس، فقد نزع هذا الحقير (رضا شاه) العمائم لكي ينسى الناس هذا اللباس كما فعل أتاتورك في تركيا، وأنا أفعل هذا حتّى يرى الناس على الدوام، فهذا بنفسه نوع من التبليغ، مجرّد رؤيتهم لي. حسنًا لا يسمح أن نضع العمامة ولكن الناس يرونني على هذه الهيئة.۱ 

  • لقد كانت مرحلة صعبة جدًّا، ولكن اليوم فعل العدوّ فعلاً صار معه المعمّمون ينزعون عمائمهم بأيديهم ولم يعد هناك حاجة إلى رضا شاه. لم يعد في هذا المجتمع من يتعمّم. الحركة التي قام بها العدوّ تسير نحو انعدام الدين والثقافة وسلب الأصول الاعتقاديّة والشيعيّة وهكذا هو يتقدّم على مستويات مختلفة. 

  • محاربة اللغة العربيّة 

  • ومن الأعمال التي قاموا بها ونجحوا فيها أيضًا مسألة محاربة اللغة العربيّة حيث ينظرون إلى اللغة العربيّة كلغة أجنبيّة، ويحذفونها من الثقافة الفارسيّة. النصوص التي أطالعها الآن واقعًا لا أفهم ما هي لغتها، وأفكّر في نفسي أنّه ما معنى هذا؟! فهؤلاء الذين وضعوا هذه الألفاظ العجيبة الغريبة والمثيرة للسخرية بدلاً من الألفاظ العربيّة عليهم أن يكتبوا معانيها على الأقل في الأسفل! ففهم الفكرة في جانب وفهم هذه الألفاظ هو جانب آخر، وأنا ألقي بتلك المقالة جانبًا! وبعضهم يفتخرون أنّهم يكتبون مقالات ليس فيها أيّة مفردة عربيّة، لقد صار هذا الأمر متعارفًا الآن وللأسف دخل ذلك إلى حوزاتنا فصار ذلك مشهودًا في الكلمات التي يستعملونها في الإعلانات. فمثلاً بدلاً من كلمة "جلسه" يقولون: "نشست" فما معنى "نشست" يا عزيزي؟! أفهل هي مبنى لكي يحطّ. فلتقولوا جلسة. وبدلاً من كلمة "دعوت" يقولون: فراخوان. أفهل كلمة فراخوان هي لفظة؟! وبدلاً من "اجتماع" يقولون: "همايش"، "ودر اين همايش…" أي في هذا الاجتماع. حتّى إنّ بعض أصحاب الرسائل العمليّة هم كذلك! فما معنى هذه الأعمال؟! أنتم تتركون كلمات القرآن وكلمات أهل البيت جانبًا! أفهل علينا أن نقوم نحن أيضًا بكلّ عمل يقوم به كلّ عديم الثقافة والفهم في أماكن أخرى؟! فمن الذي عليه أن يحمي هذا الثغر وهذه الثقافة إذن؟! يقولون بدلاً من "جلسه بحث" گفتمان وگفتمان دینی و… لقد جاؤوا بالألف والنون من كلمة عثمان ووضعوها هنا فصارت گفتمان، فما معنى گفتمان؟! فلتقولوا جلسه بحث وگفتوگو (حوار) وسؤال وجواب و… يظنّون أنّنا سنكون أقل وسنتخلّف عن القافلة! كلا يا عزيزي، هذا كلّه خسارة، هذا كلّه استسلام وتخلّ عن الشخصيّة، هذا قبول للشخصيّة الدونيّة والأقلّ من الآخرين والتخلّي عن الشخصيّة الإسلاميّة وعن الميدان للخصم.

    1. وظيفة الفرد المسلم في إحياء حكومة الإسلام، ص٢٥.

كيف نصل إلى مقام الولاية؟ - محاضرة عيد الغدير لعام ۱٤۲۵ هـ ق

14
  • من الذي يجب أن يدافع عن هذه الأمور؟ من يتعمّم اليوم ويقول أنا أتّبع خطوات الإمام الصادق وتلميذ الإمام الصادق. 

  • نحن إذ نتعمّم اليوم علينا أن نعلم أنّنا جئنا وقلنا: نحن تلاميذ الإمام الصادق فحسب، ولا نعرف غيره في هذه الدنيا، لا نعرف إلاّ الإمام الصادق وإمام الزمان لا غير، المدرسة مدرسة الإمام الصادق، وليُّنا أيضًا هو إمام الزمان والسلام، انتهى! فما رأينا من الإمام الصادق نعمل به، وتوكُّلنا وتوجُّهنا هو نحو بقيّة الله أرواحنا فداه. هذا ما يجب على طالب العلم اليوم أن يعرفه! فهذا يقول شيئًا وذاك يقول شيئًا وهذا يبدي ذوقه الخاصّ، فلنقل هكذا حتّى لا نصطدم به و… كلّ ذلك هو خسران. فإذا أردنا أن نصل إلى مقام السيّد عبد العظيم وتتجلّى فينا تلك الولاية علينا أن نكون هكذا فانين في أهل البيت عليهم السلام. 

  • لماذا بلغ السيّد عبد العظيم مقام الولاية دون غيره من بني الحسن؟

  • السيّد عبد العظيم والذي ينتهي إلى الإمام المجتبى بأربعة وسائط كان إنسانًا كغيره من الناس. وكان هناك من نسل الإمام المجتبى عليه السلام أناس قتلوا الأئمّة! فالإمام الباقر عليه السلام قتله بنو الحسن هؤلاء!۱ ولكن منهم أيضًا السيّد عبد العظيم. 

  • ومن بني الحسن هؤلاء أيضًا محمّد وإبراهيم ابنا عبد الله المحض اللذين ألقيا الإمام الصادق عليه السلام في سجن المدينة، وادّعيا المهدويّة وخرجا على المنصور الدوانيقيّ. قيل لهما: إذا بايعكما جعفر بن محمّد بايعتكم المدينة كلّها، وإلا فلا. فجاءا إليه ولكنّه ردّهما فسجنه بنو الحسن هؤلاء في سجن المدينة. فانظروا ماذا عانى الأئمّة من هؤلاء. فأبناء عمّ الإمام الصادق حبسوه في مكان يخجل الإنسان من ذكره في مكان الحيوانات وفي اصطبل المدينة وهدّدوه: إن لم تبايع قتلناك. فجاء المنصور الدوانيقيّ فأخرج الإمام الصادق من السجن!٢ فقد بلغ الأمر إلى هذا الحدّ. 

  • فهؤلاء أيضًا من بني الحسن، ومن جهة أخرى هناك السيّد عبد العظيم! الرجل الذي ترك مكانته، وترك مقامه العلميّ، وترك شخصيّته، جاء وجلس بكلّ أدب قرب الإمام الهادي عليه السلام الذي كان في الثانية عشر من عمره أو الثالثة عشر أو الرابعة عشر حين بلغ الإمامة فقدّمه، وعندما اعترضوا قال: لقد جعل الله ولايته فيه، لأنّي لم أكن أهلاً ولكنّه كان أهلاً. فانظروا لقد تجاوز عن نفسه، تجاوز عن الأنانيّة، تجاوز عن الإرادة، لذلك فإنّ ولاية الإمام الهادي تلك قد تجلّت فيه وصار من زار عبد العظيم بالريّ كمن زار الحسين بكربلاء. 

    1. لمزيد من الاطّلاع راجع بحار الأنوار، ج ٤٧، ص ٢٧٠باب ٩: «أحوال أقربائه و عشائره و ما جری بینه و بینهم و ما وقع علیهم من الجور و الظلم و أحوال من خرج فی زمانه علیه السلام من بني الحسن علیه السلام و أولاد زید و غیرهم.» يقول العلاّمه آیة اللَه الحاج السیّد محمّد الحسین الحسیني الطهراني ـ قدّس اللَه نفسه ـ في کتابه الشریف معرفة الإمام ج ١٥، ص ٢۱٣ ـ ٢۱٤: تحدّث الفقيه و الرجاليّ العظيم الشيخ عبد الله‌ المامقانيّ‌ عن محمّد بن عبد الله بن الحسن مفصّلًا في أربع صفحات رحليّة، و قال: و يبطل ما ذهب إليه بعض المتأخّرين من أصحابنا المحدّثين من أنّ خروج محمّد و سائر بني الحسن كان عن رضيً باطنيّ من الصادق عليه السلام كما رضي باطناً بخروج عمّه زيد و أظهر عدم الرضا للتقيّة. و أقول: هذا في زيدٍ حقٌّ دلّ عليه الإجماع من أصحابنا و الأخبار المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر كما ذكرنا جملة منها في ترجمته.
      و أمّا محمّد و سائر بني الحسن و أفعالهم الشنيعة فإنّها تدلّنا على خلاف ما ذهب و عدم رضا الصادق عليه السلام. (إلى أن قال):
      و قد رام السيّد الجليل ابن طاووس في كتاب «الإقبال»* إصلاح حال بني الحسن و حمل ما يدلّ على مخالفتهم للأئمّة عليهم السلام على التقيّة لئلّا ينسب إظهارهم لإنكار المنكر إليهم عليهم السلام مستدلّا على ذلك بما رواه مسنداً عنه من أنّه بكى على بني عمّه المحمولين إلى العراق حتى علا صوته، و قال: حدّثني أبي عن فاطمة ابنة الحسين أنّها قالت: سمعتُ أبي صلوات الله عليه يقول:
      يُقْتَلُ مِنْكِ- أوْ يُصَابُ مِنْكِ- نَفَرٌ بِشَطِّ الفُرَاتِ مَا سَبَقَهُمُ الأوَّلُونَ وَ لَا يُدْرِكُهُمْ الآخِرُونَ. وَ إنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ وُلْدِهَا غَيْرُهُمْ.**
      قال السيّد ابن طاووس رحمه الله: بكاء الصادق عليه السلام و هذه الروايات تدلّ على حقّانيّتهم في خروجهم غير المستند إلى الإمام تقيّةً.
      و لكن المامقانيّ يقول: إنّ رقّته (الإمام الصادق عليه السلام) عليهم‌ للرحم القريبة بينهم و بينه، و ليس فيها ما يدلّ على حقّانيّتهم.***
      *في أعمال شهر محرّم الحرام.
      ** أي: لا وجود لأحد من أولاد فاطمة ابنة الحسين عليه السلام الآن غيرهم فينطبق عليهم هذا الحديث. فالذين يقتلون بشطّ الفرات هم هؤلاء أنفسهم.
      ***-« تنقيح المقال» ج ٣، ص ۱٤۰.
    2. راجع الکافي، ج ۱، ص ٣٥٨ـ ٣.

كيف نصل إلى مقام الولاية؟ - محاضرة عيد الغدير لعام ۱٤۲۵ هـ ق

15
  • كيف نصل نحن إلى مقام الولاية؟

  • وهذا الأمر متاح لنا نحن أيضًا. فإذا ما تجاوزنا ودسنا على النفس ولم نلتفت إلى مزعجات هذا العصر، واتّبعنا الحقّ ولم يكن في أذهاننا سواه، ولم نعمل إلا بما أمر به الإمام الصادق، فإنّا نصل إلى تلك المرتبة من الولاية والخصوصيّة. أمّا أنّ السيّد فلان والسيّد فلان قالا كذا، فإنّما قالاه لنفسيهما، ونحن علينا أن نرى الإمام الصادق والإمام الباقر والإمام المجتبى والإمام السجّاد والإمام الرضا ماذا قالوا!

  • لماذا كان المرحوم العلاّمة يحترم الطلاّب والمعمّمين؟

  • لقد كانت هذه المسألة مثيرة للدهشة كثيرًا، وكنت أتعجّب من أنّه لماذا كان المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه يحترم الطلاّب والمعمّمين إلى هذه الدرجة! فقد كان هناك في زمان المرحوم العلاّمة كما هو الآن أيضًا بيننا من جميع الناس من الكسبة والتجّار والمهندسين والأطبّاء ولكن كان إذا ما جاء أحد طلاّب العلوم الدينيّة تغيّرت حالة المرحوم العلاّمة وأوضاعه. فقد كان يتعمّد أن يميّز الطلاّب من بين الناس وكانت له خصوصيّة في ذلك. فمن جهة كنت أرى أنّ هذا العلم علم آل محمّد وهذه المسائل التي يستفيدونها هي أشرف العلوم ولا شكّ في ذلك، فتلك العلوم والدروس التي يتعلّمها الواحد من طلاّب العلوم الدينيّة والتي هي علم الدين، علم الأحكام، علم التفسير، علم الأخلاق، علم التوحيد، الفلسفة، الحكمة والعرفان، لا تقبل المقارنة مع العلوم الأخرى. 

  • شبهات وردود حول دراسة الفلسفة والعرفان

  • يقولون الآن: لا تدرس الفلسفة! لا تدرس العرفان! 

  • ـ لماذا لا ندرسها؟! 

  • ـ لأنّه يُمنع أن نعرف الله.

  • ـ أنعرف جنابك الرفيع ولا نعرف الله؟! 

  • يقولون: هذه كلّها علوم ضالّة. 

  • ـ أيّ موضع منها ضالّ؟ حسنًا تفضّلوا وبيّنوا! فأنا إنسان حتّى الآن عمري يقارب الخمسين عامًا فكيف لم أكتشف ضلالاً كهذا واكتشفه جنابك الرفيع فقط؟! أنا أقرأ الفلسفة والعرفان النظري منذ ثلاثين عامًا فكيف لم أكتشف هذا الضلال؟! كيف لم يكتشف العلاّمة الطباطبائي هذا الضلال على غزارة علمه أمّا من درس كلمة أو كلمتين من الفقه والأصول فقد اكتشفه؟! 

  • يقولون: بعضهم يروّجون للتصوّف في هذا العصر. 

كيف نصل إلى مقام الولاية؟ - محاضرة عيد الغدير لعام ۱٤۲۵ هـ ق

16
  • ـ ما هو التصوّف؟! أفهل ربطنا في أعناقنا كشاكيل۱؟! هل اعتمرنا القبّعة الصوفيّة على رؤوسنا؟! نحن نعتمر عمامة رسول الله هذه التي يعتمرها الجميع وذات اللون الأسود أيضًا! نحن ندرّس الدروس التي يدرّسها الآخرون ونبحث الأبحاث التي يبحثونها؛ فما هذا الكلام؟! 

  • تجب دراسة الفلسفة والحكمة، ويجب التدقيق؛ لأنّ على الإنسان أن لا يترك الاستعدادات والقوى التي وهبها الله له معطّلة. لقد وُجدنا في هذه الدنيا لنفهم، لم نوجد فيها لنعيش كالحمير ونُجرّ إلى حيث يُجَرّ الحبل بنا. كلاّ بل أتينا لنفهم! والفلسفة تحقّق الفهم، العرفان يحقّق الفهم ويحقّق النور. التوحيد يوضّح حقيقة الإنسان ويعطي الإنسان نورًا. لذلك لا يستطيع أحد أن يخدع صاحب العرفان، لا يمكن للناس والجماعات والأمر والنهي أن تخدعه، لا يمكن لرفع السلام والصلوات أن تخرجه من الطريق. الحقيقة واضحة له، يدرك أنّ ذلك كلّه فقّاعات فارغة وبالونات، يعي أنّ ذلك كلّه نفخ وهواء، الذين يغترّون بمواقع الأمر والنهي ويُخدعون فإنّما يُخدعون لأنّهم لا عرفان لديهم ولا نور، والطريق أمامهم غير محدّد. يسيرون في طريق ما حتّى النهاية ثمّ يدركون أنّهم ويا للعجب صاروا وحيدين ولم يبق خلفهم أحد يساندهم فيرجعون أدراجهم. فحيث لا يوجد النور لا توجد الحقيقة. 

  • وذلك الطالب الذي لم يدرس الفلسفة لا يفهم الفقه أيضًا، لا يفهم رواية الإمام الصادق، لا يفهم الحقائق التوحيديّة ولا يؤدّي استنباط الأحكام بشكل جيّد. والفرق واضح جدًّا بين مستوى تفكير وفهم ذلك الطالب الذي يدرس الفلسفة في مسألة ما ومستوى إدراك الفاقد لها! نحن وُجدنا في هذه الدنيا لكي نفهم. 

  • يقولون: إنّ فلانًا حرّم الفلسفة! 

  • ـ ما شأني أنا بذلك؟! فلان الآخر أيضًا لم يحرّمها، بل أوجبها.٢ فبعد كلّ هذا الزمان صارت مهارتنا أن نقول: لأنّ فلانًا حرّم فقد انتهى الأمر؟! أفهل أنا مقلّد لفلان؟! أنا مقلّد للإمام الصادق فحسب! طالب العلم مقلّد للإمام الصادق. 

  • أليس في روايات الإمام الصادق استدلالات توحيديّة؟! أليس في الروايات التي وردت عن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة أبحاث توحيديّة؟! أليس في الروايات الواردة عن الإمام الرضا في توحيد الصدوق حقائق توحيديّة وحكميّة وفلسفيّة؟! فمن الذي يفهمها إذن؟! ما إن يعجزون عن فهمهما يقولون: نردّ علمها إلى الإمام. 

    1. الكشكول إناء كان من المتعارف أن يعلّقه المتصوّفة والدراويش في أعناقهم ويضعون فيه احتياجاتهم. (م)
    2. للاطّلاع على تأييد الحكمة والحكماء في الإسلام والقرآن ووجوب تدريس الفلسفة والعرفان في الحوزات العلميّة راجع: معرفة الله، ج٣، ص ٣۱۱ ـ ٣٢٣؛ نور ملكوت القرآن، ج٢، ص ۱٦٩ ـ ۱٩٢؛ مطلع انوار (فارسي) ج ٥، ص ٣٢ ـ ٤٩ وص ۸٤ ـ ٩٥؛ الروح المجرّد ص ۱۱٦ و٦٦٩ ـ ٦۷٤؛ حريم القدس، ص ٥٥ـ ۷۰؛ الدرّ النضيد في الاجتهاد والتقليد، ص٣٣۷ و٣٥۰ 

كيف نصل إلى مقام الولاية؟ - محاضرة عيد الغدير لعام ۱٤۲۵ هـ ق

17
  • فلماذا بيّنها الإمام إذن؟! نعوذ بالله ألا يعرف الإمام من هو المخاطب في كلامه؟! عندما تتكلّم أنت بكلام لا يفهمه أحد فلماذا تتكلّم به؟! لماذا خطب أمير المؤمنين هذه الخطب التي في نهج البلاغة؟! هل قام بإبراز نفسه فحسب؟! جاء ليقول كلامًا لا يفهمه أحد؟! كان عليه أن يتكلّم بذلك الكلام غير المتناسب والذي يتكّلم به السحرة والكهّان ويسحرون! لماذا جاء موسى بن جعفر عليه السلام بهذه الروايات التوحيديّة؟! 

  • إذا استثنينا صدر المتألّهين والميرداماد والعلاّمة الطباطبائي والذين هم أهل الفلسفة فمن الذي يفهم تلك الروايات من الذين لم يدرسوا سوى الفقه والأصول؟! فليتفضّلوا وليقرؤوا عبارة واحدة منها ويشرحوا معناها! ليشرحوا معنى داخل في الأشياء لا بالممازجة۱ فهل تتأتّى هذه المعاني من روايات الطهارة والنفاس أم لا بل تحتاج إلى شيء آخر؟! 

  • لقد قال الأئمّة عليهم السلام هذه المعاني لكي يكون الطالب المتّبع للإمام الصادق طالبًا صاحب فهم. لقد طرح موسى بن جعفر هذه المعاني التوحيديّة لكي ينوّر الذهن حول حقيقة الوجود والحقّ والفاصل بين الحقّ والباطل، وليخرج الذهن من الاعتبارات والتوهّمات ولكي يسطع نور التوحيد في هذا الذهن، ثمّ يذهب بهذا الفكر إلى آيات الأحكام والروايات وسائر الأمور والآثار الواردة عن الأئمّة عليهم السلام. هذا الفقه والأصول لا يمكنهما أن يقوما بذلك. وهذه المسألة مهمّة جدًّا. 

  • أثر العمامة على النفس

  • فإذن الطلاّب الذين يعتمرون العمامة يتحمّلون كلّ هذه المشاكل ويجرّونها على أنفسهم. وإلاّ فإنّهم حتّى هذه اللحظة كانوا يلبسون مثلكم القميص والبنطال ولم يكن أحد يعترضهم. كانوا يتجوّلون في قم هذه وطهران وهذه الناحية وتلك ولم يكن يصيبهم أذى، ومن اليوم فصاعدًا ستبدأ مشكلتهم، وسيبدأ الكلام عليهم. 

  • لا تتصوّروا أنّ هذا مجرّد اعتبار، فالمرحوم العلاّمة حين كان حين كان يحترم هذا اللباس فلأنّه ذو شأن في عالم التكوين لا عالم التشريع. فالطالب الذي يلبس هذا اللباس شاء أم أبى سيترك هذا اللباس أثره على نفسه. فلتصلّوا صلاة من دون عمامة وانظروا إلى حالكم هل يختلف عن الصلاة مع عمامة أم لا؟! 

    1. جاء مصدر هذه الرواية الشريفة في كتاب توحيد علمى وعينى (فارسى) ص ٢۱۰ التعليقة رقم ۱ هكذا: 
      قال المرحوم السبزواري قدّس الله نفسه في حاشيته على منظومته ص ٦٦ من طبعة ناصري حول كيفيّة تقوّم المعلول بالعلّة: 
      ”و هو متقوم بالعلة؛ أي لیست العلة خارجة عنه بحیث لامرتبة له خالیة عنها و لاظهور له خالیًا عن ظهورها. بل الظهور لها أولاً و له ثانیًا؛ کما قال علیه السّلام: ما رأیت َشیئا إلاّ ورأیت اللَه قبله. و قال: داخل فی الأشياء لا بالممازجة و خارج عن الأشياء لا بالمزايلة.“
      ولكن في المجامع الروائيّة الموجودة ورد هذا المضمون باختلاف يسير: 
      الکافي، ج ١، ص ٨٦، باب أنّه لا یعرف إلاّ به عن أمیرالمؤمنین علیه السّلام: «داخلٌ فی الأشیاء لا کشيءٍ داخلٍ فی شي،ٍ و خارج من الأشیاء لا کشیءٍ خارج من شيء»
      نهج البلاغة (صبحي الصالح،) ص ٤٠، الخطبة ١: مع کلِّ شيء لا بمقارنة و غیر کلّ شيءٍ لا بمزایلة؛ ص ٢٧٤، الخطبة ١٨٦: لیس فی الأشیاء بوالجٍ و لا عنها بخارج.» (المحقّق)

كيف نصل إلى مقام الولاية؟ - محاضرة عيد الغدير لعام ۱٤۲۵ هـ ق

18
  • لا تتصوّروا أنّ العمامة لنا نحن أهل العلم فحسب، فأنتم يجب عليكم أن تلبسوا العمامة أيضًا.۱ وإذا ظهر إمام الزمان عليه السلام فسيعلن أنّ العمامة للجميع، وطبعًا ليست على نحو الإجبار، على الجميع أن يلبسوا عمامة، غاية الأمر أنّ بعضهم طريقه طريق علوم الدين والتبليغ والرسالة والدعوة، والآخرون ليسوا كذلك. وهناك الآن من يلبس العمامة من غير الطلاب، يعمل في الزراعة ولكن يلبس عمامة. أولم يكن التجّار في العهد السابق يلبسون العمائم في السوق؟! والآن في مشهد وكثير من الأماكن الأخرى نرى أنّهم يعملون في التجارة وهم معمّمون.٢

  • كان المرحوم الوالد يقصد سوق طهران الصغير لشراء القماش، وكان هناك رجل لطيف جدًّا وحسن الأخلاق يدعى السيّد علي أكبر إمام الجماعة وقد انتقل إلى رحمة الله، لأنّه كان طاعنًا في السنّ آنذاك حين كنت في سنّ الطفولة والثامنة من عمري حين كنت أذهب برفقته. وكان هو أيضًا إمام جماعة إضافة إلى بيعه الأقمشة في طهران. وكان يمضي إلى عمله بالعمامة وكان هناك نظراء له من الرجال المحترمين الوقورين في ذلك المكان وكان هناك الكثير من أمثاله. فقد كان لأهل العلم في الأزمان السابقة باب للعمل يعتاشون منه، فالعلماء الكبار والعلماء السابقون كانت لهم مزارع أو أموال يتاجرون بها، غاية الآمر أنّ الأوضاع الآن صارت بنحو لم يعد معه مجال لذلك، فقد كثرت الدروس والكتب والدراسات بحيث لم تعد تدع مجالاً للطالب ليجعل وقتًا للأمور الأخرى ولو جعل لها وقتًا فعمله غير صحيح. 

  • يستحبّ للإنسان وقت الصلاة أن يعتمر عمامة.٣ وطبعًا ليست عمامة من ستّة أمتار فلو كانت مترًا واحدًا أيضًا لكفت. فالعمامة البيضاء أو الصفراء مستحبّة في الصلاة، وقد كان النبيّ يعتمّ بعمامة صفراء أو بيضاء في الصلاة، ومن الواضح أنّ هذا العمل يجتذب الملائكة. 

  • ما معنى العمائم تيجان الملائكة؟

  • فما يقال من أنّ العمائم تيجان الملائكة يعني أنّ الملائكة على حال بحيث إذا أرادوا أن ينزلوا إلى هذه الدنيا فإنّ صورهم المثالية ستكون بعمامة، وإلاّ فالملائكة ليست أجسامًا ولا تضع على رأسها كتّانًا، فالملائكة من المجرّدات. وهذه العمامة التي على رؤوسنا الآن لها صورة مثاليّة وملكوتيّة. ألم تروا العالم الفلانيّ أو الأعاظم في المنام وهم معمّمون؟! فمن أيّ جنس هي تلك العمامة؟! هل هي من جنس الكتّان أم الحرير؟! إنّ عالم المثال ليس فيه حرير ولا كتّان! إنّها الصورة البرزخيّة لهذه العمامة في ذلك العالم. والصور البرزخيّة للملائكة هي ذات عمامة أيضًا، لذلك فإنّ من يعتمّ يحصّل لنفسه نورانيّة عمامة الملائكة تلك. فهذا معنى العمائم تيجان الملائكة، لذلك ليجعل جميع الرفقاء عند الصلاة على الأقلّ عمامة على رؤوسهم لتكون لهم هذه الحالة على الأقل عند الصلاة والذكر والتوسّل والتوجّه.

    1. لمزيد من الاطّلاع على الروايات الواردة في العمامة وتأثيرها في عزّة المسلمين وأجر الصلاة فيها راجع معرفة الإمام ج٩، ص ٢۸٣ ـ ٢٩٣. 
    2. مکارم الأخلاق، ص :١١٩.
      «عن السکوني عن أبی عبدا للَه عن أبیه علیه السّلام قال: ”قال رسول اللَه صلّى اللَه علیه و آله و سلّم: العمائِم تِیجان العرب فإذا َوضعوا العمائِم َوضع اللَه عزّهم. و قال علیه السلام: اعتمّوا تزدادوا حلمًا.“»
      المعجم الکبیر، الطبراني، ج ١٢، ص :٢٩٣ «عن نافع، عن ابن عمر ـ رضی اللَه ـ عنه قال: قال رسول اللَه صلّی اللَه علیه [و آله] و سلم: ”علیکم بالعمائم؛ فإنها سیماء الملائکة وأرخوا لها خلف ظهورکم.“»
      شعب الإیمان، البیهقي، ج ٥، ص :١٧٦ «عن خالد بن معدان قال: أتيَ النبي صلّی اللَه علیه [و آله] وسلم بثياب من الصدقة فقسمها بين أصحابه فقال: ”اعتموا خالفوا علی الأمم قبلکم هذا منقطع.“» 
    3. مکارم الأخلاق، ص١١٩: «عن النّبیِّ صلّی اللَه علیه و آله و سلّم: ”رَکْعَتانِ بِعِمامَةٍ أفْضَلُ مِن أربَعَةٍ بغَیْرِ عِمامَة!“»

كيف نصل إلى مقام الولاية؟ - محاضرة عيد الغدير لعام ۱٤۲۵ هـ ق

19
  • وفي زمان المرحوم العلاّمة كان الأمر هكذا أيضًا، فالذين يذكرون تلك الأيّام يذكرون أنّ الرفقاء كانوا يأتون إلى مسجد القائم بقطع قماش طول الواحدة منها متر تقريبًا أو متر ونصف فكانوا يعتمّون بها أثناء الصلوات وفي ليالي الإحياء، وكان هو بنفسه يؤكّد على ذلك أيضًا. وذلك لأنّ هذا العارف وهذا الوليّ لله كان له اطّلاع على ذلك النور وباطن الأمر. ولذلك كان يوقّر أهل العلم ويفضّلهم على الآخرين.۱ كان يرى هذا اللباس شرفًا وفخرًا وسببًا لاجتذاب الفيوضات الإلهيّة وتحصيلها لا لتحصيل المال والخبز. ونحن لا نشعر بهذه الحقيقة أو إن كنّا نشعر بها فإنّما نشعر بعشر من الأعشار، ولكنّه هو كان يشعر بذلك. 

  • سيرة الأعاظم في احترام العمائم

  • لم أر المرحوم العلاّمة يومًا ينام ويمدّ رجله نحو العمامة، سواء كانت سوداء أم بيضاء فلا فرق بينهما، كان يقول: خذ العمامة من هنا وضعها جانبًا؛ يجب أن لا تمدّ الرجل نحو العمامة فإنّها تاج الملائكة. فانظروا فهل نحن هكذا؟! إذا أردنا أن نراعي قدر المستطاع فإنّا لا نجعل القرآن باتّجاه أرجلنا. 

  • وهكذا لم أره أبدًا ينام في مكان فيه أحد أحفاده أو غيرهم، وطبعًا كانت حاله هكذا لا يمدّ رجله أمام أحد، ولكن بالخصوص إن كان الحاضر سيّدًا حيث كان يقول: هذا ابن رسول الله يجب أن لا تمدّ الأرجل أمامه. صحيح أنّه هو نفسه سيّد وجدّهم ولكن يقول كلاّ إنّ هذا له حسابه الخاصّ.٢

  • فالكلام الذي كان يقوله كان قد وصل إلى حقيقته الملكوتيّة فكان يقول: ليس الأمر محض اعتبار. عندما كان يقول: يجب أن لا تمدّ الرجل نحو العمامة والعمامة التي هي تاج الملائكة يجب أن لا تكون أمام الرجل بل فوق الرأس، فإنّما كان قد وصل إلى حقيقتها الملكوتيّة. وهنا يتّضح الفارق بين كلامه وطريقه وحاله وسائر الأعاظم من أمثاله وبين الآخرين! وقد لاحظت هذه الأمور بعينها لدى السيّد القاضي والشيخ الأنصاري.٣

  • وهنا يظهر ما أقوله من أنّ علينا أن نطوي طريق الولاية. فطريق الولاية يجعل الإنسان مبصرًا وبصيرًا بحقائق الأشياء وملكوتها، وبعد ذلك يأتي هذا العالم الدينيّ يتحدّث إلى الناس من ذلك المنظار، لا أن يقرأ كتابًا ثمّ يتحدّث إلى الناس! كلاّ بل يرشد الناس بذلك النور والحقيقة التكوينيّة التي في وجوده ثمّ يرشد الناس أن قم بهذا الفعل ولا تقم بذاك! هذا صحيح وذاك غلط! هذا مستحبّ وذاك مكروه! هذا حرام وهذا واجب! 

    1. الکافي، ج ١، ص :٣٧ «عن سلیمانَ بنِ جعفرٍ الجعفری،ِّ عمّن ذَکَرَه،ُ عن أبي عبدِ اللَهِ علیه السّلام قال: کان أمیرالمؤمنینَ علیه السّلام یقول:ُ إنّ مِن حقِّ العالِمِ أن لا تُکْثِرَ علیه السُّؤال وَ لاَ تَأْخُذَ بِثَوْبِهِ وَ إِذَا دَخَلْتَ عَلَيْهِ وَ عِنْدَهُ قَوْمٌ فَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ جَمِيعاً وَ خُصَّهُ بِالتَّحِيَّةِ دُونَهُمْ وَ اِجْلِسْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ لاَ تَجْلِسْ خَلْفَهُ وَ لاَ تَغْمِزْ بِعَيْنِكَ وَ لاَ تُشِرْ بِيَدِكَ وَ لاَ تُكْثِرْ مِنَ اَلْقَوْلِ قَالَ فُلاَنٌ وَ قَالَ فُلاَنٌ خِلاَفاً لِقَوْلِهِ وَ لاَ تَضْجَرْ بِطُولِ صُحْبَتِهِ فَإِنَّمَا مَثَلُ اَلْعَالِمِ مَثَلُ اَلنَّخْلَةِ تَنْتَظِرُهَا حَتَّى يَسْقُطَ عَلَيْكَ مِنْهَا شَيْ ءٌ وَ اَلْعَالِمُ أَعْظَمُ أَجْراً مِنَ اَلصَّائِمِ اَلْقَائِمِ اَلْغَازِي فِي سَبِيلِ اَللَّهِ .
    2. جامع الأخبار، الشعیري، ص ١٤٠: «قال رسول اللَه صلّى اللَه علیه وآله وسلّم :حقت َشفاعتی لِمن أعان ُذریّتی بِيده و لِسانِه و مالِه.»
    3. مطلع انوار، ج٢، ص ٤۸:
      وعندما جاء السيّد القاضي من النجف إلى كربلاء وبعد الاستراحة للحظات في المنزل خرج، فخرجت معه، وما إن سرت بضع خطوات حتّى ركض خلفي أحد أطفالي يريد أن أصطحبه. فقلت للسيّد: أتسمح لي أن أوضل هذا … وأرجع؟
      وفجأة ضرب السيّد القاضي عصاه في الأرض واحمرّ وجهه حتّى انتفخت أوداجه وقال: لا يمكن! لا يمكن! ماذا قلت يا سيّد هاشم؟! 
      قلت: إنّ هذا الطفل مزعج فقلت أوصله إلى الدار وأرجع! 
      قال: أيّ تعبير هذا الذي عبّرت به؟! 
      قال: إنّه طفلي وهذا كناية عن حقارتي أنا. 
      قال: من الآن فصاعدًا ليس لك الحقّ بهذا التعبير! أنت وأطفالك كلّكم سادة وأولاد رسول الله، والإهانة للطفل السيّد هي إهانة لرسول الله! 
      وكان السيّد القاضي رحمة الله عليه دائمًا ينادي أبناءه بجناب السيّد: جناب السيّد مهدي، جناب السيّد تقي، جناب السيّد محمّد حسن، وكان يقول: إنّهم أولاد رسول الله، غاية الأمر بوسائط أكثر، وتكريمهم وتبجيلهم واجب، وإن كانوا أولادًا. 
      وكان السيّد القاضي كلّما أراد أن يلبس العمامة يمسكها بكلتا يديه ويقبّلها ويضعها على رأسه، وكذلك إذا أراد أن ينام وينزعها يمسكها بكلتا يديه ويقبّلها ويضعها جانبًا ويقول: حرمة العمامة واجبة؛ العمامة تاج رسول الله، العمامة تاج الملائكة. 

كيف نصل إلى مقام الولاية؟ - محاضرة عيد الغدير لعام ۱٤۲۵ هـ ق

20
  • نسأل الله أن يوفّقنا جميعًا وأن يجعلنا جميعًا في ذلك الطريق والمسير ويسير بنا فيه، وهو مسير أهل الولاء وأولياء الدين وقادة الدين والعلماء الحقيقيّين والربّانيّين، وأن يرينا الحقائق ومبادئ الدين الأساسيّة كما هي ويوفّقنا للعمل بها، فإذا حصل ذلك أمكن أن نقول إنّنا إن شاء الله تحت ولاية إمام الزمان وليّ العصر عجّل الله تعالى فرجه الشريف وتحت ظلّه، وإلا فإنّ له أناسًا مهتمّون ومسلّمون ومتخلّون عن أنفسهم وموقفون لها على حرمه ومن الذين لا يخافون في الله لومة لائم.۱

  • لذلك علينا أن لا نهتمّ إلا بإمام الزمان عليه السلام ونعلم وندرك ما يرضيه لنعمل به، وأن نكون صابرين محتملين للمزعجات التي يمكن أن تواجه أيًّا منّا في أيّ زمان ونجعل وجهتنا وجهة أخرى، علينا أن لا نفكّر أبدًا بهذه الدنيا، علينا أن لا نفكّر بترحيب الناس أو طردهم، يجب أن تكون وجهتنا ونظرنا بل طرف معاملتنا ومخاطبنا الإمام عليه السلام! يجب أن لا يؤثّر فينا إقبال الناس اليوم وإدبارهم غدًا. يجب أن لا يؤثّر أبدًا قولهم اليوم ما شاء الله ومواجهتهم الإنسان غدًا بوجه عبوس. وطبعًا كما قلت فإنّ التزيّي بهذا الزيّ والورود في هذا الطريق فيه مشاكل، وفيه تعب، وفيه بذل لمهج القلوب، وفيه صبر وتحمّل، وعلى الإنسان أن يصبر ليصل إلى تلك النتيجة.

  • في كلّ زمان باب الرحمة الإلهيّة مفتوح وطريق الوصول إليه ممهّد دائمًا، غاية الأمر أنّ الظروف والأحوال تختلف، ففي زمان رسول الله كانت بنحو، وفي زمان أمير المؤمنين ينحو آخر، وفي زمان الإمام الصادق وكلّ واحد من سائر الأئمّة أيضًا له شكل آخر. والأمر الآن هو كذلك أيضًا، وقبطان هذه السفينة هو إمام الزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء، وكلّ من يسلّم نفسه ويتخلّى عن إرادته ويقول: أنا ابتداء من اليوم أريد ما يريده إمام الزمان واقعًا، فباليقين نفسه والعلم نفسه الذي لدينا بوجود الله ووجود عنايته أقول إنّ إمام الزمان عليه السلام سيساعدنا بلا شكّ، وباليقين نفسه أقول إنّه سيجعل هذه الهمّة والإرادة فينا. ولا يمكن خلاف ذلك!

    1. إقتباس من الآية ٥٤ من سورة المائدة: يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا مَنْ‌ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ‌ عَنْ‌ دينِهِ‌ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرينَ يُجاهِدُونَ في‌ سَبيلِ اللَّهِ وَ لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَليمٌ.

كيف نصل إلى مقام الولاية؟ - محاضرة عيد الغدير لعام ۱٤۲۵ هـ ق

21
  • أنتم تظنّون أنّكم إذ تلبسون العمائم اليوم تقدمون على ذلك من أنفسكم؟! كونوا على يقين قاطع بأنّه لولا عناية الإمام لما فعل أيّ منّا ذلك، لولا عنايته لما حصلت هذه الأعمال وهذه الخطوات، فإذن في المرحلة الأولى لا بدّ أن نعدّ التوفيق من عنده، فهو الذي وفّقنا لهذا العمل وللتشرّف بهذا الشرف والتلبّس بهذا اللباس! 

  • علينا أن نجعل هذا الأمر دائمًا أمام أعيننا فإنّ هذه الفقرة مؤثّرة جدًّا وتفتح الطريق: إلهي إن لم تبتدئني الرحمة منك بحسن التوفيق فمن السالك بي إليك في واضح الطريق.۱ 

  • في زمان الشاه عباس والدولة الصفويّة كانت النساء في أصفهان والشابّات ونساء الشاه عبّاس يأخذن ثياب الطلاّب ويغسلنها. أرأيتم كيف تغيّر الزمان؟! يجب أن لا يختلف الأمر بالنسبة إلينا بين هذا الزمان وذاك، فليفعلوا ما يشاؤون وليقوموا بأيّ عمل ومشروع للتقليل من شأن هذا اللباس، من الخدع وعقد الاجتماعات وصنع الأفلام والمسرحيّات وما شابه فيجب أن يقال لهم: 

  • ای مگس عرصهء سیمرغ نه جولانگه توست***عِرض خود میبری و زحمت ما میداری
  • فنحن لم نلبس العمامة لأجل الناس حتّى نخلعها لأجل الناس. وليعلم الجميع أنّ العمامة أولاً هي لأجل التشريف بهذا الشرف الإلهيّ الذي يصيب الإنسان، ثمّ ولاتّباع إمام الزمان عليه السلام. ثمّ إن كان الناس يريدون أن يُقبلوا في زمان ويُدبروا في آخر، ويرحّبوا في زمان ويرفضوا في آخر، فهذا شأنهم! نحن إن شاء الله بحول الله وقوته سنتمتّع بتلك العناية وذلك اللطف والمساعدة من إمام الزمان عليه السلام بفضل ذلك الإمام. 

  •  

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد

    1. بحار الأنوار، ج ٨٦، ص ٣٤٠.