9

معرفة الإمام ج9

معرفة الإمام ج9 3051
مشاهدة المتن

المؤلّف العلامة آیة الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني

القسم العقائد

المجموعة معرفة الإمام


التوضيح

مجموعة‌ من‌ البحوث‌ التفسيريّة‌، والفلسفيّة‌، والروائيّة‌، والتأريخيّة‌ والاجتماعيّة‌ في الإمامة‌ والولاية‌ بشكل‌ عامّ، وفي إمامة‌ وولاية‌ أمير المؤمنين‌ علي بن‌ أبي طالب‌ والأئمّة‌ المعصومين‌ سلام‌ الله‌ عليهم‌ أجمعين‌ بشكل‌ خاصّ ؛ وذلك‌ في هيئة‌ دروس‌ استدلاليّة‌ علميّة‌ متّخذة‌ من‌ القرآن‌ الكريم‌ والروايات‌ الواردة‌ عن‌ الخاصّة‌ والعامّة،‌ وأبحاث‌ حليّة‌ ونقديّة‌ عن‌ الولاية‌ .
وتضمّ هذه‌ المجموعة‌ 270 درساً في ثمانية‌ عشر مجلداً. وقد جري فيها مناقشة وبحث مطالب من‌ قبيل‌: العصمة‌، الولاية‌ التكوينيّة‌، لزوم الإمام الحيّ، لزوم متابعة الأعلم، ضرورة‌ وجود الإمام‌ للمجتمع‌، معنى الولاية‌، شرح‌ حجّة‌ الوداع‌، شرح واقعة‌ غدير خمّ، حديث‌ الولاية، حديث المنزلة‌، شرائط‌ القيادة‌، علم الغيب و...
/۲٦۳
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

معرفة الإمام ج٩

1

معرفة الإمام ج٩

2
  •  

  • بسم الله الرحمن الرحيم 

  •  

  •  

  •  

  • الدَّرْسُ الحَادِي وَ العِشْرُونَ بَعْدَ المِائَة إلى السَّابِع وَ العِشْرينَ بَعْدَ المِائَة: الاسْتِدْلَالاتُ و الاسْتِشْهَادَاتُ بِحَديثِ الغَديرِ (حديث الولاية)

  •  

معرفة الإمام ج٩

3
  •  

  •  

  • بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‌

  • و صلّى الله على محمّد و آله الطَّاهرين‌

  • و لعنة الله على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين‌

  • و لا حول و لا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم‌

  •  

  •  

  • قال الله الحكيم في كتابه الكريم

  • {وَ تِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى‌ قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ‌}.۱

  • قَمَرٌ أقَامَ قِيامَتي بِقَوامِهِ‌***لِمَ لَا يَجُودُ لِمُهْجَتِي بِذِمَامِهِ؟
  • مَلَّكْتُهُ كَبدِي فَأتْلَفَ مُهْجَتِي‌***بِجمالِ بَهْجَتِهِ وَ حُسنِ كَلَامِهِ‌
  • وَ بِمَبْسَمٍ عَذْبٍ كَأنَّ رُضَابَهُ‌***شَهْدٌ مُذَابٌ في عَبيرِ مُدَامِهِ‌
  • وَ بَنَاظِرٍ غَنْجٍ وَ طَرْفٍ أحْوَرٍ***يُصْمي القُلُوبَ إذَا رَنَا بِسِهَامِهِ‌
  • وَ كَأنَّ خَطَّ عِذَارِهِ في حُسْنِهِ‌***شَمْسٌ تَجَلَّتْ وَ هِيَ تَحْتَ لِثَامِهِ‌
  • فَالصُّبْحُ يُسْفِرُ مِنْ ضِياء جَبِينِهِ‌***وَ الليْلُ يُقْبِلُ مِنْ أثِيثِ ظَلَامِهِ‌
  • وَ الظَّبْيُ لَيْسَ لحاظُهُ كَلِحاظِهِ‌***وَ الغُصْنُ لَيْسَ قَوَامُهُ كَقَوامِهِ‌
  • قَمَرٌ كَأنَّ الحُسْنَ يَعْشِقُ بَعْضُه‌***بَعْضاً فَسَاعَدَهُ على قَسَّامِهِ‌
  • فَالحُسْنُ مِنْ تِلْقَائِهِ وَ وَرَائِه‌***وَ يَمينِهِ وَ شِمَالِهِ وَ أقَامِهِ‌
  • وَ يَكَادُ مِنْ تَرَفٍ لِدِقَّةِ خَصْرِهِ‌***يَنْقَدُّ بِالأرْدَافِ عِنْدَ قِيامِهِ‌٢
    1. الآية ۸٣ من السورة ٦: الأنعام.
    2. «الغدير» ج ٤، ص ٣٩٢ و ٣٩٣.

معرفة الإمام ج٩

4
  • شعر ابن مكيّ النيليّ المؤدِّب في وصف أمير المؤمنين عليه السلام‌

  • هذه الأبيات للشاعر ابن مكّي النيلي المتوفي سنة ٥٦٥ ه. و هو سعيد بن أحمد بن مكّي النيلي المؤدّب، أحد أعلام الشيعة و شعرائها المجيدين المتفانين في حبّ العترة الطاهرة و ولائها. و له في الغدير:

  • أ لَمْ تَعْلَمُوا أنَّ النَّبِيّ مُحَمَّداً***بِحَيْدَرةٍ أوْصَى وَ لَمْ يَسْكُنِ الرَّمْسا
  • و قَالَ لَهُمْ وَ القَوْمُ في خُمِّ حُضَّرٌ***وَ يَتْلُو الَّذي فِيهِ وَ قَدْ هَمَسُوا هَمْسَا
  • عَلِيّ كَزِرِّي مِنْ قَمِيصِي وَ إنَّهُ‌***نَصِيرِي وَ مِنِّي مِثْلُ هَارُونَ مِنْ موسى‌
  • أ لَمْ تُبْصِروا الثُّعْبَانُ مُسْتَشْفِعاً بِهِ‌***إلى اللهِ وَ المَعْصُومُ يَلْحَسُهُ لَحْسَا
  • فَعَادَ كَطَاووسٍ يَطيرُ كَأنَّهُ‌***تَعَشْرَمَ في الأمْلَاكِ فَاسْتَوْجَبَ الحَبْسَا
  • أ مَا رَدَّ كَفَّ العَبْدِ بَعْدَ انْقِطَاعِهَا***أ مَا رَدَّ عَيْناً بَعْدَ مَا طَمَسَتْ طَمْسَا۱
  • و قال الصاحب بن عبّاد:

    1. «مناقب ابن شهرآشوب» ج ۱، ص ٥٢٤، الطبعة الحجريّة.و جاء في البيت الخامس: تَغَشْرَمَ بالغين المعجمة. و عند ما نقل العلّامة الأميني في «الغدير» ج ٤، ص ٣٩٢ هذه الأبيات عن «المناقب» فإنّه ذكر الكلمة المشار إليها بالغين المعجمة أيضاً. بَيدَ أنّ هذه الكلمة غير موجودة في كتب اللغة مثل: «أقرب الموارد»، «صحاح اللغة»، «لسان العرب»، «مجمع البحرين». فلهذا ينبغي أن نقول: هي إمّا تَغَشَّمَ، و المعنى: ظلم، أو تَغَشْمَرَ، و المعنى: أخذ الشي‌ء قهراً، و فيها تصحيف. و الأقرب أن نقول:هي تَعَشْرَمَ بالعين المهملة، و عَشْرَمَ كما ذكر الفيروزآباديّ في «قاموس اللغة»: خشن و صلب.فعلى هذه ينبغي أن نقول إنّ تَعَشْرَمَ اخذ منه، و هو بمعنى تصلّب و استعلى. و ذكر الشاعر ابن حمّاد هذه القصّة في أبيات له، كما نقل ذلك ابن شهرآشوب في «المناقب» ج ۱، ص ٤٥۷.
      وَ مَنْ نَاجَاهُ ثُعْبانٌ عَظيمٌ‌***بِبَابِ الطُّهْرِ ألْقَتْهُ السَّحَابُ‌
      رَآهُ النَّاسُ فَانْخَلَفُوا بِرُعْبٍ‌***وَ اغْلِقَتِ المَسَالِكُ وَ الرِّحَابُ‌
      فَلما أنْ دَنَا مِنْهُ عَلِيّ***تَدَانَي النَّاسُ وَ انْخَشَدَ الحُبَابُ‌
      فَكَلَّمَهُ عَلِيّ مُسْتَطِيلًا***فَأقْبَلَ لَا يَخَافُ وَ لَا يَهَابُ‌
      وَ رَنَّا رَنَّةً وَ انْسَابَ فِيهِ‌***يَقُولُ وَ قَدْ تَسَتَّرَهُ الثِّيابُ‌
      أنَا مَلِكٌ مُسِخْتُ وَ أنْتَ مَوْلى‌***دُعَاؤكَ إنْ مَنَنْتَ بِهِ عُجَابُ‌
      أتَيْتُكَ تَائِباً فَاشْفَعْ إلى مَنْ‌***إليه مِنْ جِنَايَتِي المَتَابُ‌
      فَأقْبَلَ دَاعِياً وَ أتَى أخوهُ‌***يُؤمِّنُ في الدُّعَاءِ لَهُ انْسِكَابُ‌
      فَلما أنْ اجيبَ أظَلَّ يَعْلُو***كَمَا يَعْلُو لَدَى الجَوِّ العُقَابُ‌
      نَيَتْهُ بِريشِ طَاوُوسٍ عَلَيْهِ‌***جَوَاهِر زَانَهَا التَّبْرُ المُذابُ‌
      يَقُولُ لَقَدْ نَجَوْتُ بِأهْلِ بَيْتٍ‌***بِهِمْ يُصْلى لَظَى وَ بِهِم يُثابُ‌

معرفة الإمام ج٩

5
  • الَّذِي كَفَّلَهُ صَغيراً وَ رَبَّاهُ‌***وَ بِالعِلْمِ وَ بِالحِكْمَةِ غَذَّاهُ‌
  • وَ على كِتْفِهِ رَقَاهُ وَ سَاهَمَهُ‌***في المَسْجِدِ وَ سَاوَاهُ‌
  • وَ قَامَ بِالغَدِيرِ وَ ناداهُ‌***وَ رَفَعَ ضَبْعَهُ وَ أعْلَاهُ‌
  • وَ قَالَ: مَنْ كُنْتُ‌***مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ‌
  • اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ‌***وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ‌۱
  • شعر مهيار الديلميّ في بيعة الغدير

  • و قال مهيار الديلميّ:٢

    1. «المناقب» ج ۱، ص ٥٣۰.
    2. هو أبو الحسن مَهيار بن مرزويه الديلميّ البغداديّ من أساطين الأدب العربيّ.
      و يعدّ في الرعيل الأوّل من الشعراء في قوّة الشعر. و كان كبار العلماء و الادباء يستفيدون منه لانّه رفع أعظم راية للأدب العربيّ بين المشرق و المغرب. و هو من أعلام التشيّع و شعره طافح بالبرهنة و الحجج و الاستدلال الدامغ. و يعتبر من أهمّ أركان الشعر العلويّ الذابّ عن مذهب أهل البيت في عصره.
      كان مهيار فارسيّاً مجوسيّاً، و هو من أحفاد كسرى أنوشيروان العادل كما ذكرنا ذلك سابقاً نقلًا من عبد الجليل القزوينيّ في كتاب «النقض». و أسلم على يد الشريف الرضيّ، و تربّى على يده، و تخرّج عليه في الشعر و الادب، و تعلم منه ما استطاع إلى ذلك سبيلًا.توفي في ٢٥ جمادى الآخرة سنة ٤٢۸ ه. و العجيب أنّ مهيار و هو فارسيّ اللغة و الأصل كان استاذاً في العربيّة بحيث إنّ شعراء العرب كانوا يعرضون أشعارهم عليه، فيصحّحها لهم.و سلم كبار الشعراء باستاذيّته. و كان مقدّماً على شعراء عصره لا يوزن به أحد. و لاغر و أن يبلغ امرؤ كمهيار المتشرّف بولاء أهل البيت، المتعلم من الشريفين العظيمين: المرتضى و الرضيّ، المقتصّ آثار الشيخ المفيد، درجة رفيعة من الدين و العقل و الشرع و الأدب و يصبح علماً في عصره يتحدّث فيه الخاصّ و العامّ. جاء في كتاب «الغدير» ج ٤، ص ٢٣٢ إلى ٢٦۱ بحث يدور حول مَهيار الديلميّ و نقل صاحب «الغدير» عدداً من قصائده سواء في الغدير، أم في مدح أهل البيت عليهم السلام و رثائهم. و ذكر له في ص ٢٥٦ قصيدة في رثاء الشيخ المفيد: ابن المعلم محمّد بن محمّد بن النعمان المتوفي سنة ٤۱٣ ه، و تتكوّن من واحد و تسعين بيتاً.

معرفة الإمام ج٩

6
  • وَ أسْألُهُمْ يَوْمَ خُمٍّ بَعْدَ مَا عَقَدُوا***لَهُ الوَلَايَةَ لِمْ خَانُوا وَ لِمْ خَلَعُوا
  • قَوْلٌ صَحيحٌ وَ نِيّاتٌ بِهَا دَغَلٌ‌***لَا يَنْفَعُ السَّيْفَ صَقْلٌ تَحْتَهُ طَبَعُ‌
  • إنْكَارُهُمْ يَا أميرَ المؤْمِنِينَ لَهَا***بَعْدَ اعْتِرَافِهِمْ عَارٌ بِهِ ادَّرَعُوا
  • وَ نَكْثُهُمْ يَكُ مَيْلًا عَنْ وَصِيَّتِهِ‌***شَرْعٌ لَعَمْرُكَ ثَانٍ بَعْدَ مَا شُرِعُوا۱
  • قال ابن شهرآشوب: قال صاحب «الجمهرة» في الخاء و الميم: خُمّ موضع نصّ فيه النبيّ صلّى الله عليه و آله على عليّ عليه السلام بالولاية.و ذكره عمر بن أبي ربيعة في مفاخرته، و ذكره حسّان بن ثابت في شعره.

  • و في رواية عن الإمام الباقر عليه السلام قال: لَمَا قَالَ النَّبِيّ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يَوْمَ خُمِّ غَدِيرٍ بَيْنَ ألْفٍ وَ ثَلَاثمائِةِ رَجُلٍ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ‌ (الخبر).

    1. «مناقب ابن شهرآشوب» ج ۱، ص ٥٣۰، الطبعة الحجريّة.

معرفة الإمام ج٩

7
  • و عن الصادق عليه السلام: نُعْطِي حُقُوقَ النَّاسِ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ، وَ مَا اعْطِيَ أمِيرُ المؤمِنينَ حَقَّهُ بِشَهَادَةِ عَشْرَةِ آلَافِ نَفْسٍ يَعْني الغَدِيرَ۱

  • و يحوم بحثنا حول الاحتجاجات الماثورة في حديث الغدير المشهور بحديث الولاية؛ أي: الاستدلالات و الاستشهادات بحديث الولاية. و هو ما يمثّل وحده وثيقة هامّة لحديث الغدير، سواء من حيث و روده أم من حيث دلالته.

  • و عند ما تحدّثنا عن آية التطهير في الدرس الأربعين إلى الدرس الخامس و الأربعين، في الجزء الثالث من كتابنا هذا، فإنّا عقدنا فصلًا في الاحتجاجات بآية التطهير، قد استبان فيه مَنِ استدلّ بهذه الآية على تخصيص أهل البيت عليهم السلام بالطهارة، و هم: محمّد، عَلِيّ، فَاطِمَة، الحَسَن، الحُسَيْن،٢ و ذلك اعتباراً من عصر رسول الله حتّى سائر العصور.

  • و أنّ احتجاجاً كاحتجاج رسول الله، و أمير المؤمنين، و الحسن، و الحسين، و كثير من الصحابة و التابعين مستمسك عظيم لمفاد آية التطهير و مدلولها.

  • و أفرد العلماء الكبار كالمجلسيّ رضوان الله عليه و الشيخ الطبرسيّ صاحب «الاحتجاج» فصلًا في الاحتجاجات. و ذكر العلّامة الأمينيّ في كتابه القيّم و النفيس «الغدير»، (ج ۱، من ص ۱٥٩ إلى ٢۱٣) اثنين و عشرين مطلباً تمّ فيها الاحتجاج و الاستدلال بحديث الغدير من الطرق المقبولة عند العامّة، و الكتب المسلم بها عندهم؛ بَيدَ أنّا نجتزئ هنا بعدد من الاحتجاجات الهامّة

    1. «مناقب ابن شهرآشوب» ج ۱، ص ٥٢٩، الطبعة الحجريّة.
    2. ذكرنا في ذلك البحث أنّ الأحاديث الماثورة عن رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلم سواء كانت عن طريق الشيعة أو عن طريق العامّة تحصر أصحاب الكساء الذين خصّوا بآية التطهير في هؤلاء الخمسة، و لكنّها تشمل الأئمّة المعصومين عليهم السلام كلّهم حسب الإجماع القطعيّ، و المناط الكلّيّ، و الروايات المتواترة.

معرفة الإمام ج٩

8
  • الواردة في كتب الفريقين، و نأمل بحول الله و قوّته أن تكون مناراً لإرشاد إخواننا السنّة و هدايتهم.

  • إن حديث الولاية: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ‌ كان و لا يزال من الاصول الثابتة المسلم بها منذ عصر صدر الإسلام، و القرون الاوْلى، حتّى عصرنا هذا. و كان الشيعة الموالون يلجأون إليه في البحث و المناظرة، و لا قِبَل للخصوم و المعاندين بإنكار صدوره. و كانت تختتم المجادلات و المخاصمات بالاستشهاد و الاستدلال به. و من هذا المنطق نلحظ أنّ الاحتجاجات بهذا الحديث كانت كثيرة منذ البداية، و قد شاعت بين الصحابة و التابعين، كما شاعت في عهد خلافة أمير المؤمنين عليه السلام و قبله و بعده. و ما نشاهده في الاحتجاجات حتّى عصرنا الراهن أنّ هذا الحديث يشعّ في مطلع الاستدلالات و الاستشهادات كالشمس الساطعة من وراء الافق، المرسلة أشعّتها إلى الأرض.

  • الاحتجاجات بحديث الغدير أمام المنكرين و اعتراف هؤلاء به‌

  • يشير التأريخ إلى أنّ أوّل احتجاج بهذا الحديث صدر عن أمير المؤمنين عليه السلام نفسه بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلم عند ما اخِذ من قبل أعوان أبي بكر و عمر إلى المسجد للبيعة، فاحتجّ بالحديث المشار إليه أمام عامّة الناس. ثمَّ تلته احتجاجات اخرى ذكرها التأريخ.

  • الاحتجاج الاوَّل: ورد في كتاب «سُلَيْم بن قَيْس الهلالى الكوفي»۱

    1. سُلَيم بن قيس الهلالى العامريّ الكوفيّ من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام توفي حوالى سنة ٩۰ ه. و لا شكّ في جلالته و وثوقه و ورعه بين أصحاب التراجم و رجال الشيعة و العامّة، إذ نعتوه كلّهم بالعظمة و العدالة و الزهد. له كتاب يعرف بكتاب سُليم، و هو مشهور بين الأعاظم، و يروي عنه كبار الشيعة و العامّة. و ورد عن الإمام الصادق عليه السلام فيه قوله: مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْ شِيعَتِنَا وَ مُحِبِّنَا كِتَابُ سُلَيْم بْنِ قَيْسٍ الهلالى فَلَيْسَ عَنْدَهُ (تابع الهامش في الصفحة التالية...)

معرفة الإمام ج٩

9
  • ...۱

    1. (... تابع الهامش من الصفحة السابقة) مِنْ أمْرِنَا شَيْ‌ءٌ وَ لَا يَعْلَمُ مِنْ أسْبَابِنَا شَيْئاً وَ هُوَ أبْجَدُ الشِّيعَةِ، وَ هُوَ سِرٌّ مِنْ أسْرَارِ آل محمّد صلّى الله عليه و آله و سلّم.
      يروي سليم في كتابه عن أمير المؤمنين عليه السلام بلا واسطة، و كذلك يروي عن سلمان، و المقداد، و أبي ذرّ و نظائرهم من الصحابة. و الروايات التي ينقلها عن أحد الأصحاب، كان يعرضها على الآخرين، فيؤيّدونها. أدرك سليم أمير المؤمنين عليا، و الحسن، و الحسين، و السجّاد، و الباقر عليهم السلام. و عند ما سافر إلى المدينة مرّة، عرض أحاديثه على الإمام السجّاد فأقرّها. و لما جاء الحجّاج بن يوسف الثقفيّ إلى العراق و لاحقه، فرّ منه، نزل على أبان بن أبي عيّاش فآواه، و أقام عنده حتّى مات. دفع سليم كتابه إلى أبان و أجازه أن يرويه لثقات الشيعة و حفّاظها. فلهذا نجد أنّ جميع الروايات التي يرويها أبان عن سُليم هي من هذا الكتاب. و يعتبر كتاب سليم من أهمّ اصول الشيعة. و كان يعوّل عليه محدّثو الشيعة و العامّة في العصور القديمة.
      و نقل عن سليم بأسانيد متعدّدة كثير من قدماء الأصحاب في كتبهم، مثل كتاب «إثبات الرجعة»، و «الاحتجاج»، و «عيون المعجزات»، و «من لا يحضره الفقيه»، و «بصائر الدرجات»، و «الكافي»، و «الخصال»، و «تفسير فرات بن إبراهيم»، و «تفسير محمّد بن عبّاس بن ماهيار»، و «الدّر النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم»، و روى عن كتابه أيضاً أعاظم العامّة كالحاكم الحسكاني في «شواهد التنزيل»، و الإمام الحمّوئيّ في «فرائد السمطين»، و السيّد عليّ بن شهاب الدين الهَمَداني في «مودّة القربى»، و القندوزيّ الحنفيّ في «ينابيع المودّة» و غيرهم.
      و حول كتابه هذا يقول محمّد بن إسحاق الورّاق المعروف بابن النديم في كتاب «الفهرست»، ص ٢۷٥، طبعة جامعة طهران: «سليم من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، و كان هارباً من الحجّاج لانّه طلبه ليقتله، فلجأ إلى أبان بن أبي عيّاش فآواه. فلما حضرته الوفاة، قال لابان: إنّ لك عليّ حقّاً، و قد حضرتني الوفاة، يا بن أخي! إنّه كان من أمر رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم كيت و كيت! و أعطاه كتاباً و هو كتاب سليم بن قيس الهلالى المشهور، رواه عنه أبان بن أبي عيّاش لم يروه عنه غيره. و كان سليم شيخاً له نور يعلوه؛ و أوّل كتاب ظهر للشيعة كتاب سليم بن قيس الهلالى» انتهى.
      و قال المسعوديّ في كتاب «التنبيه و الإشراف» ص ۱٩۸ و ۱٩٩: «و القطعيّة و هم (تابع الهامش في الصفحة التالية...) 

معرفة الإمام ج٩

10
  • ...۱تطرّق سليم إلى الأحداث الواقعة بعد وفاة رسول الله، و عرض بيعة أبي بكر، ثمّ ذكر شرحاً مفصّلًا لكيفيّة أخذ أمير المؤمنين عليه السلام إلى المسجد، إلى أن بلغ قوله: فانتهوا بعلى عليه السلام إلى أبي بكر و هو يقول: أما و الله لو وقع سيفي في يدي، لعلمتم أنّكم لم تصلوا إلى هذا أبداً.

  • أما و الله ما ألوم نفسي في جهادكم. و لو كنت استمكنت من الأربعين رجلًا لفرّقت جماعتكم. و لكن لعن الله أقواماً بايعوني ثمّ خذلوني، و لمّا أن بصر به أبو بكر صاح: خلّوا سبيله!

  • فَقَالَ عَلَيّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا أبَا بَكْرٍ! مَا أسْرَعَ مَا ثَوَثَّبْتُمْ على رَسُولِ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ! بِأيّ حَقٍّ وَ بِأيّ مَنْزِلَةٍ دَعَوْتَ النَّاسَ إلَى بَيْعَتِكَ؟! أ لَمْ تُبَايِعني بِالأمْسِ بِأمْرِ اللهِ وَ أمْرِ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ؟!

  • و تزامن كلام الإمام مع قيام قُنْفُذُ لعنه الله بضرب فاطمة سلام الله عليها بالسوط حين حالت بينه و بين زوجها. و أرسل إليه عمر إن حالت بينك و بينه فاطمة فاضربها! فضربها قنفذ بعضادة باب بيتها، و دفعها فكسر

    1. (... تابع الهامش من الصفحة السابقة) الذين لم يقفوا على إمامة موسى بن جعفر، بل اعتقدوا بإمامة الأئمّة الاثني عشر.
      و أصلهم في حصر العدد ما ذكره سليم بن قيس الهلالى في كتابه الذي رواه عنه أبان بن أبي عيّاش أنّ النبيّ صلّى الله عليه و آله و سلم قال لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام: أنْتَ وَ اثْنَا عَشَرَ مِنْ وُلْدِكَ أئِمَّةُ الحَقِّ. و لم يَرْوِ هذا الخبر غير سليم. و أنّ إمامهم المنتظر ظهوره في وقتنا هذا المؤرّخ به كتابنا (التنبيه و الإشراف) هو محمّد بن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن على بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين».
      و قال القاضي بدر الدين السبكيّ في كتاب «محاسن الوسائل في معرفة الأوائل»: إنّ أوّل كتاب صنّف للشيعة هو كتاب: «سليم بن قيس الهلالي» انتهى.

معرفة الإمام ج٩

11
  • ضلعها من جنبها، فألقت جنيناً من بطنها. فلم تزل صاحبة فراش حتّى ماتت صلّى الله عليها شهيدة (مظلومة).

  • و لما انتهى بعلى عليه السلام إلى أبي بكر انتهره عمر، و قال له: بايع ودع عنك هذه الأباطيل! فقال له على: فإن لم أفعل، فما أنتم صانعون؟! قالوا: نقتلك ذلّا و صغاراً! فقال: إذاً تقتلون عبداً للّه و أخا رسوله!

  • قال أبو بكر: أمّا عبد الله فنعم، و أمّا أخا رسول الله، فما نقرّ بهذا.

  • قَالَ: أ تَجْحَدُونَ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ آخَى بَيْني وَ بَيْنَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأعَادَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. ثمَّ أقْبَلَ عَلَيْهِمْ عَلِيّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ وَ المهاجِرِينَ وَ الأنصَارِ! انْشِدُكُمُ اللهَ أ سَمِعْتُمْ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يَقُولُ يَوْمَ غَديرِ خُمِّ كَذَا وَ كَذَا؟ فَلَمْ يَدَعْ عَلَيْهِ السَّلَامُ شَيْئاً قَالَهُ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ عَلَانِيَةً لِلعَامَّةِ إلَّا ذَكَّرَهُمْ إيَّاهُ!

  • قَالُوا: نَعَمْ! فَلما تَخَوَّفَ أبُو بَكْرٍ أنْ يَنْصُرَهُ النَّاسُ وَ أنْ يَمْنَعُوهُ، بَادَرَهُمْ فَقَالَ: كُلُّ مَا قُلْتَ حَقٌّ قَدْ سمِعْنَاهُ بِآذَانِنَا وَ وَعَتْهُ قُلُوبُنَا وَ لَكِنْ قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ بَعْدَ هَذَا: إنَّا أهْلُ بَيْتٍ اصْطَفَانَا اللهُ وَ أكْرَمَنَا وَ اخْتَارَ لَنَا الآخِرَةَ على الدُّنْيَا، وَ إنَّ اللهَ لَمْ يَكُنْ لِيَجْمَعَ لَنَا أهْلَ البَيْتِ النُّبُوَّةَ وَ الخِلافَةَ.

  • فقال عليّ عليه السلام: هل أحد من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه و آله شهد هذا معك؟!

  • فقال عمر: صدق خليفة رسول الله، قد سمعته منه كما قال. و قال أبو عبيدة، و سالم مَوْلى أبي حذيفة، و مَعاذ بن جَبَل: قد سمِعْنَا ذلك من رسول الله.

  • فَقَالَ عَلِيّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَقَدْ وَ فَيْتُمْ بِصَحيفَتِكُمُ التي تعاقَدْتُمْ عَلَيْها

معرفة الإمام ج٩

12
  • في الكَعْبَةِ إنْ قَتَلَ اللهُ محَمَّداً أوْ مَاتَ لَتَزْوُنَّ هَذَا الأمْرَ عَنَّا أهْلَ البَيْتِ‌ (الحديث‌).۱

  • الاحتجاج الثاني: و كان في يوم الشورى التي عيّن عمر أعضاءها لنصب الخليفة بعده.

  • قال ابن شهرآشوب في مناقبه: و الجمع عليه أنّ الثامن عشر من ذي الحجّة كان يوم غدير خمّ، فأمر النبيّ منادياً فنادى: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ.و قال: مَنْ أوْلى بِكُمْ مِنْ أنفُسِكُمْ! قَالُوا: اللهُ وَ رَسُولُهُ. فَقَالَ: اللهُمَّ اشْهَدْ.

  • ثمّ أخذ بِيَدِ عليّ‌ فقال: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذا عَلِيّ مَوْلَاهُ. اللهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ، وَ عَادٍ مَنْ عَادَاهُ، وَ انْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَ اخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ‌. و يؤكّد ذلك:أنّه استشهد به أمير المؤمنين عليه السلام يوم الدار حيث عدّد فضائله فقال:أ فيكم من قال له رسول الله: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ‌؟ فقالوا: لا.فاعترفوا بذلك و هم جمهور الصحابة.٢

  • احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام بحديث الغدير في يوم الشورى‌

  • روى أخطب خطباء خوارزم: موفّق بن أحمد في مناقبه عن أبي نَجيب سَعْد بن عبد الله الهَمَداني المروزيّ بسندين: الأوّل عن الحافظ أبي عليّ بن الحسن بن أحمد، و الآخر عن الحافظ سليمان بن محمّد.

  • و كلاهما يروي عن أبي الطفيل: عامر بن واثَلَة، قال: كُنْتُ على البابِ يَوْمَ الشُّورَى مَعَ عَلِيّ في البَيْتِ وَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ لَهُمْ: لأحْتَجَّنَّ عَلَيْكُمْ بِمَا لا يَسْتَطِيعُ عَرَبِيُّكُمْ وَ لَا عَجَمِيُّكُمْ تَغْيِيرَ ذَلِكَ! ثمَّ قَالَ: انْشِدُكُمْ اللهَ أيُّهَا النَّفَرُ جَمِيعاً أ فِيكُمْ أحَدٌ وحَّدَ اللهَ قَبْلي؟! قَالُوا: لَا!

  • قَالَ: فَانْشِدُكُمُ اللهَ هَلْ مِنْكُمْ أحَدٌ لَهُ أخٌ مِثْلُ جَعْفَرٍ الطَّيَّارِ في الجَنَّةِ

    1. «كتاب سليم» ص ۸٥ و ۸٦، طبعة النجف الثالثة.
    2. «المناقب» ج ۱، ص ٥٣۰، الطبعة الحجريّة.

معرفة الإمام ج٩

13
  • مَعَ المَلَائِكَةِ؟

  • قَالُوا: اللهُمَّ، لَا!

  • قَالَ: فَانْشِدُكُمُ اللهَ هَلْ فِيكُمْ أحَدُ لَهُ عَمٌّ كَعَمِّي حَمْزَةَ أسَدِ اللهِ وَ أسَدِ رَسُولُهِ سَيِّدِ الشُّهَداءِ غيري؟! قَالُوا: اللهُمَّ لَا!

  • قَالَ: فَانْشِدُكُمْ بِاللهِ هَلْ فِيكُمْ أحَدٌ لَهُ زَوْجَةٌ مِثْلُ زَوْجَتِي‌ فَاطِمَةَ بِنْتٍ محمّد سَيِّدِةِ نِسَاءِ أهْلِ الجَنَّةِ غيري؟! قَالُوا: اللهُمَّ لَا!

  • قَالَ: انْشِدُكُمْ بِاللهِ هَلْ فِيكُمْ أحَدٌ لَهُ سِبْطَانِ مِثْلُ سِبْطَي الحَسَنِ وَ الحُسَيْنِ سَيِّدي‌ شَبَابِ أهْلِ الجَنَّةِ غيري؟! قَالُوا: اللهُمَّ لَا!

  • قَالَ: فَانْشِدُكُمْ بِاللهِ هَلْ فِيكُمْ أحَدٌ نَاجَى رَسُولَ اللهِ مَرَّاتِ قَدَّمَ بَيْنَ يَدَي‌ نَجْوَاهُ صَدَقَةً قَبْلي؟! قَالُوا: اللهُمَّ لَا!

  • قَالَ: فَانْشِدُكُمْ بِاللهِ هَلْ فِيكُمْ أحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ، فَعَلِيّ مَوْلَاهُ، اللهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَ انْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَ اخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ. لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ غيري‌؟! قَالُوا:اللهُمَّ لَا الحديث مفصّلًا.۱

  • و قال العلّامة الأمينيّ بعد نقل هذا الاحتجاج عن الخوارزميّ:

  • و أخرجه الإمام الحمّوئيّ في «فرائد السمطين» في الباب الثامن و الخمسين عن تاج الدين على بن المحبّ بن عبد الله الخازن المعروف بابن الساعي.٢

  • و ما وجدناه في «فرائد السمطين» هو حديث المناشدة الذي جرى في أيّام حكومة عثمان، إذ استشهد به أمير المؤمنين عليه السلام في مسجد

    1. «مناقب الخوارزميّ» ص ٢۱٦ و ٢۱۷، الطبعة الحجريّة، و الطبعة الحديثة، ص ٢٢۱ و ٢٢٢؛ و «الغدير» ج ۱، ص ۱٥٩ و ۱٦۰ عن «مناقب الخوارزميّ».
    2. «الغدير» ج ۱، ص ۱٦۰.

معرفة الإمام ج٩

14
  • رسول الله بحضور جماعة من قريش عند ما كان يعرض مفاخره و مناقبه.و رواه الحمّوئيّ في الباب الثامن و الخمسين من السمط الأوّل،۱ و هو غير حديث المناشدة في يوم الشورى، و بسند آخر غير السند الذي نقله صاحب «الغدير».

  • و اعترف الفخر الرازيّ في تفسيره باحتجاج أمير المؤمنين عليه السلام في يوم الشورى بحديث الغدير. و قال في ذيل تفسير آية الولاية:{إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ‌}، و هي الآية التي يقول الشيعة إنّها نزلت في أمير المؤمنين، و فيها نصّ على ولايته عند ما تصدّق بخاتمه للفقير: إنّ عليّ بن أبي طالب كان أعرف بتفسير القرآن من هؤلاء الروافض. فلو كانت هذه الآية دالّة على إمامته، لاحتجّ بها في محفل من المحافل و ليس للشيعة أن يقولوا: إنّ أمير المؤمنين تركه للتقيّة، فإنّهم ينقلون عنه أنّه تمسّك يوم الشورى بخبر الغدير، و خبر المباهلة، و جميع فضائله و مناقبه، و لم يتمسّك البتة بهذه الآية في إثبات إمامته.٢

  • و نقل صاحب «الغدير» هذا الكلام نفسه عن الطبريّ في تفسيره، ج ٣، ص ٣.٣ و لم يُذْكَرْ هذا الموضوع في تفسير الطبريّ. و الذي يظهر أنّ الطبريّ قد اشْتُبِهَ بالفخر الرازيّ.

  • إن احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام يوم الشورى بحديث الغدير، كما قال الفخر الرازيّ، ثابت. و أمّا ما قاله في آية الولاية المذكورة محاولًا

    1. «فرائد السمطين»، ج ۱، الباب ٥۸، ص ٣۱٢ إلى ٣۱۸.
    2. «تفسير مفاتيح الغيب» ج ٣، ص ٦٢۰ و ٦٢۱، الطبعة الاولى.
    3. «الغدير» ج ۱، ص ۱٦٢.

معرفة الإمام ج٩

15
  • حرفها عن أمير المؤمنين عليه السلام بكلّ ما اوتي من جهد، فلا يصحّ.

  • و قد ناقشنا هذا الموضوع بحمد الله و قوَّتِه نقاشاً وافياً في الجزء الخامس من كتابنا هذا، في الدرس الثاني و السبعين إلى الدرس الخامس و السبعين عند ما تعرّضنا لآية الولاية و شأن نزولها في أمير المؤمنين و الردّ على الفخر الرازيّ.

  • و بيّنا هناك المواضع التي احتجّ و استشهد أمير المؤمنين عليه السلام فيها بهذه الآية. {وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ‌} وحده‌

  • و ذكر ابن أبي الحديد أيضاً احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام بحديث الغدير يوم الشورى في ذيل شرع كلام الإمام في «نهج البلاغة» لما عزم أعضاء الشورى على بيعة عثمان.

  • و كلام الإمام يتمثّل في قوله: لَقَدْ عَلِمْتُمْ أنِّي أحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِي:وَ وَ اللهِ لُاسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ امورُ المُسْلِمِينَ، وَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا جَوْرٌ إلَّا عَلَيَّ خَاصَّةً، التِمَاساً لأجْرِ ذَلِكَ وَ فَضْلِهِ، وَ زُهْداً فيما تَنَافَسْتُمُوهُ مِنْ زُخْرُفِهِ وَ زِبْرِجِهِ.۱

  • قال‌ ابن أبي الحديد: نحن نذكر في هذا الموضع ما استفاض في الروايات من مناشدة أصحاب الشورى و تعديده فضائله و خصائصه التي بان بها منهم و من غيرهم، قد روى الناس ذلك فأكثروا. و الذي صحّ عندنا أنّه لم يكن الامر كما روي من تلك التعديدات الطويلة، و لكنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال لهم بعد أن بايع عبد الرحمن بن عَوْف و الحاضرون عثمانَ، و تلكّأ هو عليه السلام عن البيعة: إنَّ لَنَا حَقَّاً إنْ نُعْطَهُ نَأخُذُهُ وَ إنْ نُمْنَعْهُ نَرْكَبْ أعْجَازَ الإبِلِ وَ إن طَالَ السُّرَى.٢ 

    1. «نهج البلاغة» الخطبة ۷٢.
    2. السُّرَى: السير ليلًا: و أعجاز جمع عَجُز: مؤخّر الشي‌ء. و أعجاز الإبل مؤخّرها القريب من ذیلها، و يكون الركوب عليه صعبا. و هذا مثل يضرب عند العرب، و يعني: أننا نركب على مؤخر الإبل و نتحمل المشقة و الذل و إن طال السیر لیلا، و زادت أتعابنا و مشقاتنا، و نحن راکبون علیه.

معرفة الإمام ج٩

16
  • في كلام قد ذكره أهل السيرة،و قد أوردنا بعضه فيما تقدّم.

  • ثمّ‌ قَالَ: انْشِدُكُمْ اللهَ: أ فيكُمْ أحَدٌ آخَى رَسُولُ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ نَفْسِهِ حَيْثُ آخَى بَيْنَ بَعْضِ المُسْلِمينَ وَ بَعْضٍ، غيري؟! فَقَالُوا: لَا.

  • فَقَالَ: أ فِيكُمْ أحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذا مَوْلَاهُ غيري؟! فَقَالُوا: لَا.

  • فَقَالَ: أ فِيكُمْ أحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ: أنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ موسى إلَّا أنَّهُ لَا نَبِيّ بَعْدِي، غيري؟! قَالُوا: لَا.

  • فَقَالَ: أ فِيكُمْ مَنْ اؤْتُمِنَ على سُورَةِ بَراءَةٍ، وَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ: إنَّهُ لَا يُؤَدِّي عَنِّي إلَّا أنَا أوْ رَجُلٌ مِنِّي، غَيْري؟! قَالُوا:لَا.

  • قَالَ: أ لَا تَعْلَمُونَ أنَّ أصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلهِ فَرُّوا عَنْهُ في مَأقِطِ الحَرْبِ في غَيْر مَوْطِنٍ، وَ مَا فَرَرْتُ قَطُّ؟! قَالُوا: بَلَى.

  • قَالَ: أ لَا تَعْلَمُونَ أنِّي أوَّلُ النَّاسِ إسْلَاماً؟! قَالُوا: بَلَى.

  • [ثمَ‌] قال: فأيّنا أقرب إلى رسول الله صلّى الله عليه و آله نسباً؟! قالوا: أنت. فقطع عليه عبد الرحمن بن عوف كلامه و قال: يَا عَلَيّ! أبى النَّاسُ إلَّا على عُثْمَانَ، فَلَا تَجْعَلَنَّ على نَفْسِكَ سَبِيلًا.

  • فقال [له الإمام‌]: يا أبا طلحة، ما الذي أمرك به عمر؟ قال: أن أقتل من شقّ عصا الجماعة.

معرفة الإمام ج٩

17
  • فقال عبد الرحمن لعليّ: بايع إذاً، و إلّا كنتَ متّبعاً غير سبيل المؤمنين، و أنفذنا فيك ما أمرنا به. فقال [الإمام‌]: لَقَدْ عَلِمْتُمْ أنِّي أحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِي. إلى آخر ما نقلناه. ثمَّ مدّ يده فبايع [عثمان‌].۱

  • رواية يوسف بن حاتم الشاميّ في الاحتجاج بحديث الغدير في الشورى‌

  • و من الذين رووا احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام بحديث الغدير يوم الشورى يُوسُف بن حاتم الشاميّ في كتاب «الدرّ النَّظيمُ في مَنَاقِبِ الأئِمَّةِ اللَّهَاميم».٢ رواه عن الحافظ ابن مردويه بسند آخر غير سندي‌

    1. «شرح نهج البلاغة» لابن أبي الحديد ج ٦، ص ۱٦٦ إلى ۱٦۸، طبعة دار إحياء الكتب العربيّة، و طبعة دار إحياء التراث العربيّ، ج ٢، ص ٦۱.
    2. لُهْمُوم على وزن عُصْفُور، الجواد و السخيّ من الناس، و كذلك المطر الغزير القطر. الجمع لهاميم. و لهاميم الناس أسخياؤهم و أشياخهم. و قال المرحوم العلّامة الشيخ آغا بزرك الطهرانيّ رضوان الله عليه استاذي في الحديث و الإجازة واصفاً كتاب «الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللَّهاميم» في الجزء الثامن من «الذريعة» ص ۸۸ من الطبعة الاولى: هذا الكتاب للشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشاميّ، تلميذ المحقّق الحلّيّ الذي توفي (٦۷٦ ه)، و المجاز عن السيّد رضيّ الدين على بن طاووس الحلّيّ الذي توفي (٦٦٤ ه). و هو كتاب جليل في بابه ينقل فيه عن كتاب «مدينة العلم» للشيخ الصدوق، و كتاب «النبوّة» له أيضاً فيظهر وجودهما عنده. كانت نسخة منه عند العلّامة المجلسيّ ينقل عنه في «بحار الأنوار». و الموجود من نسخه حسب ما اطّلعتُ عليه ثلاث نسخ إحداها كانت في مكتبة كُبَّة، و اشتراها الطهرانيّ بسامرّاء إلى آخر ما ذكر حول النسختين الاخريين.
      أقول: لما بلغنا إلى هذا الموضع، يحسن بنا أن نذكر هذه القصّة. قيل: إنّ كتباً مختلفة صنّفت في السيرة النبويّة منذ عصر صدر الإسلام إلى يومنا هذا، بَيدَ أنّ سيرة الأئمّة الاثني عشر لم تحظ إلّا بالنزر إليسير من الكتب المؤلّفة فيها. و يعتبر كتاب «الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم» من الكتب النادرة و النفيسة المصنّفة في هذا الحقل. و ضاعت نسخ هذا الكتاب تدريجيّاً، إلّا أنّ عدداً يسيراً منها قريب المنال، و تعود إحدى النسخ إلى مكتبة كبّة، و انتقلت بعد وفاته إلى مكتبة المرحوم خال أبينا العلّامة آية الله الميرزا محمّد الطهرانيّ رضوان الله عليه نزيل سامرّاء. نقل لي ابن خال أبينا حجّة الإسلام الميرزا أبو الحسن شريف العسكريّ دام توفيقه أنّ ذوي المرحوم كبّة أرادوا عرض مكتبته في المزاد بعد وفاته. (تابع الهامش في الصفحة التالية...)

معرفة الإمام ج٩

18
  • ... ۱

    1. (... تابع الهامش من الصفحة السابقة) لُهْمُوم على وزن عُصْفُور، الجواد و السخيّ من الناس، و كذلك المطر الغزير القطر. الجمع لهاميم. و لهاميم الناس أسخياؤهم و أشياخهم. و قال المرحوم العلّامة الشيخ آغا بزرك الطهرانيّ رضوان الله عليه استاذي في الحديث و الإجازة واصفاً كتاب «الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللَّهاميم» في الجزء الثامن من «الذريعة» ص ۸۸ من الطبعة الاولى: هذا الكتاب للشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشاميّ، تلميذ المحقّق الحلّيّ الذي توفي (٦۷٦ ه)، و المجاز عن السيّد رضيّ الدين على بن طاووس الحلّيّ الذي توفي (٦٦٤ ه). و هو كتاب جليل في بابه ينقل فيه عن كتاب «مدينة العلم» للشيخ الصدوق، و كتاب «النبوّة» له أيضاً فيظهر وجودهما عنده. كانت نسخة منه عند العلّامة المجلسيّ ينقل عنه في «بحار الأنوار». و الموجود من نسخه حسب ما اطّلعتُ عليه ثلاث نسخ إحداها كانت في مكتبة كُبَّة، و اشتراها الطهرانيّ بسامرّاء إلى آخر ما ذكر حول النسختين الاخريين.
      أقول: لما بلغنا إلى هذا الموضع، يحسن بنا أن نذكر هذه القصّة. قيل: إنّ كتباً مختلفة صنّفت في السيرة النبويّة منذ عصر صدر الإسلام إلى يومنا هذا، بَيدَ أنّ سيرة الأئمّة الاثني عشر لم تحظ إلّا بالنزر إليسير من الكتب المؤلّفة فيها. و يعتبر كتاب «الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم» من الكتب النادرة و النفيسة المصنّفة في هذا الحقل. و ضاعت نسخ هذا الكتاب تدريجيّاً، إلّا أنّ عدداً يسيراً منها قريب المنال، و تعود إحدى النسخ إلى مكتبة كبّة، و انتقلت بعد وفاته إلى مكتبة المرحوم خال أبينا العلّامة آية الله الميرزا محمّد الطهرانيّ رضوان الله عليه نزيل سامرّاء. نقل لي ابن خال أبينا حجّة الإسلام الميرزا أبو الحسن شريف العسكريّ دام توفيقه أنّ ذوي المرحوم كبّة أرادوا عرض مكتبته في المزاد بعد وفاته. و أرسلني والدي من سامرّاء إلى الكاظميّة لشراء بعض المخطوطات، و منها هذا الكتاب، و أوصاني أن أشتري هذا الكتاب مهما كان ثمنه. فجئت الكاظميّة، و اشتريت هذا الكتاب عند عرض المكتبة في المزاد بسعر باهظ، و جلبته إلى سامرّاء مع كتب اخرى. و أصبحت هذه الكتب جزءاً من مكتبة والدي. فلم تمض مدّة طويلة على ذلك حتّى جاءني سادن حرم الإمامين العسكريّينِ عليهما السلام يوماً و هو رجل سني فقال: جاء أحد المستشرقين و نزل في بيتنا و هو يرغب في لقاء والدك ليطرح عليه أسئلته. فاستأذن أباك ليأتي عنده. و أخبرتُ والدي المرحوم آية الله الميرزا محمّد الطهرانيّ بذلك فقال: لا مانع من مجيئه فليأت متى شاء. و أخبرت السادن بموافقة والدي على اللقاء. و في اليوم الثاني جاء السادن. بمعيّة ذلك المستشرق إلى بيتنا و جلسا في مكتبة والدي حيث محلّ مطالعته و تأليفه. و وجَه المستشرق أسئلته حول بعض العلوم و الكتب، و أجابه والدي، ثمّ سأله عن كتاب «الدرّ النظيم» و مؤلّفه و مواصفاته فأجابه الوالد. و بعد ذلك سأله قائلًا: هل عندك الكتاب؟! فقال الوالد: نعم، هو عندي. قال المستشرق: هل لي أن أراه؟ قال: نعم! قم يا أبا الحسن و اجلب الكتاب من الرفّ الفلانيّ و أعطه إيّاه! فقمت و أخذت الكتاب و وضعته بين يديه. فرفعه و تصفّحه بدقّة، و أنعم النظر في ورقه و جدوله المرسول و صفحاته و غلافه، ثمّ أطبقه و وضعه على الأرض، و قال: هل تبيعه؟! قال والدي: لا! قال: أرجوك أن تبيعني هذا الكتاب بأيّ ثمن كان! قال: لا، لا يمكن! قال: لا تهتمّ لقيمته، فأنا أشتريه بأيّ ثمن تتفضّل به. فقال والدي: ألا تنظر هذه المكتبة، لو صُبّت لي كلها ذهباً خالصاً على أن أبيع هذا الكتاب، ما بعته. فيئس المستشرق و قام و ذهب مع السادن، و أرجعتُ الكتاب في مكانه. و في اليوم الثاني قال لي السادن: هذا الرجل يريد الكتاب، و جاء من اوروبّا لشرائه. و لمّا كان يعلم أنّ الكتاب هو من كتب المرحوم كبّة و انتقل إلى مكتبة الميرزا محمّد الطهرانيّ، لذلك قدم إلى سامرّاء مباشرة من قبل المسئولين العراقيّين، و نزل في بيتنا، و طلب مني أن أتوسّط لشراء الكتاب، و أنا اطمئنك أنّه يشتريه مهما كان ثمنه. فقلت له: هذا الكتاب ناموس. إنّه ناموس الإسلام. و هل يبيع المرء ناموسه للأجنبيّ!؟ هل أنت مستعدّ لبيع ناموسك و عرضك و لو كان الثمن باهظاً؟! قال: لا. قلتُ: إنّ أهمّيّة هذا الكتاب تفوق العرض و الناموس الإنسانيّ.
      ذلك أنّه ناموس الدين و الشريعة و ناموس الإسلام، و هو كتاب مخطوط فريد. فيئس السادن من شراء الكتاب و أخبر المستشرق بالأمر. و علم المستشرق أنّ والدي متعصّب دينيّاً، و أنّه لن يبيع الكتاب أبداً. فترك سامرّاء. و لما أخبرت والدي بحديثي مع السادن، قال:
      لا بدّ أن تغير موضع الكتاب، انقله إلى الرفّ الفلانيّ! ذلك أنّه علم موضعه، و ربّما يسرق بطريقة ماكرة من جرّاء تردّد الناس على المكتبة. و بعد وفاة المرحوم الميرزا محمّد الطهرانيّ، أوقف ورثته كتبه كلها و ختموها بختم الوقف، ثمّ انتقلت و فيها الكتاب المذكور إلى الكاظميّة. و تشرف عليها الآن دائرة الأوقاف الأثريّة العراقيّة. و تعتبر من الكتب المحظور إخراجها من العراق.

معرفة الإمام ج٩

19
  • الخوارزميّ، و بنفس العبارات التي نقلناها عن الخوارزميّ.

  • قال: حدّث أبو المظفّر عبد الواحد بن حمد بن محمّد بن شيذة المُقري، عن عبد الرزّاق بن عمر الطهرانيّ، عن أبي بكر أحمد بن موسى الحافظ (ابن مردويه)، عن أبي بكر أحمد بن محمّد بن أبي دام،۱ عن المنذر بن محمّد، عن عمّه، عن أبان بن تَغْلِب، عن عامر بن واثلة، قال:

  • كنتُ على الباب يوم الشورى، و على في البيت فسمعته يقول (باللفظ المذكور عن الخوارزميّ، إلى أن قال) قَالَ: انشِدُكُمْ بِاللهِ أ مِنْكُمْ مَنْ نَصَبَهُ رَسُولُ اللهِ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ لِلْوَلَايَةَ غيري؟! قَالُوا: اللهُمَّ! لَا.٢

  • و حدّث الشيخ طوسيّ عن أحمد بن محمّد بن الصَّلْت، عن أحمد بن محمّد بن سعيد،٣ عن عليّ بن محمّد بن حبيبة الكنديّ، عن أبي الغيلان:

    1. كذا في النسخ، و الصحيح: أبي دارم. و هو أبو دارم الكوفيّ، سمع عنه التلعكبريّ سنة ٣٣۰ ه، و له منه إجازة.
    2. «الغدير» ج ۱، ص ۱٦۰.
    3. أحمد بن محمّد بن سعيد، و هو أبو العبّاس المعروف بابن عُقْدة، يعتبر أحد الأكابر في الحفظ و الإتقان و الجلالة. له ترجمة في «تنقيح المقال»؛ و حكي عن أبي الطيّب بن هرثمة أنّه قال: كنّا نحضر ابن عقدة المحدّث و نكتب عنه و في المجلس رجل هاشميّ إلى جانبه. قال ابن عقدة: أنا اجيب في ثلاثمائة ألف حديث من أحاديث أهل البيت، هذا سوى غيرهم. و ضرب بيده إلى الهاشميّ. و نقل عن الدارقطنيّ أنّه قال: أجمع أهل الكوفة أنّه لم ير من زمن عبد الله بن مسعود إلى زمان أبي العبّاس بن عُقدة أحفظ منه. و نقل عن الشيخ الطوسيّ في «الفهرست» و عن «رجال النجاشيّ» أنّه كان زيديّاً جاروديّاً، و على هذا مات. و إنّما روى عنه أصحابنا و اعتبروا رواياته موثوقة لكثرة حفظه و أمانته و صدقه و اختلاطه مع أصحابنا الإماميّة. له كتب كثيرة، منها: كتاب «مَنْ رَوَى غدير خمّ» توفي في الكوفة سنة ٣٣٣، ه.

معرفة الإمام ج٩

20
  • سعد بن طالب الشيبانيّ، عن إسحاق، عن أبي الطفيل، قال: كنت في البيت يوم الشورى و سمعت عليّاً عليه السلام يقول: انْشِدُكُمْ بِاللهِ جَمِيعاً هَلْ فِيكُمْ أحَدٌ صَلَّى القِبْلَتَيْنِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ غَيرِي؟ قَالُوا: اللهُمَّ! لَا.

  • ثمّ ذكر عدداً من فضائله و مناقبه الخاصّة به على نحو المناشدة حتّى بلغ قوله:

  • انْشِدُكُمْ بِاللهِ هَلْ فِيكُمْ أحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ:مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ، اللهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ، غَيْرِي؟! قَالُوا: اللهُمَّ! لَا.

  • و بعد ذلك ينشدهم بحديث المنزلة، و حديث الطَّيْر لا غير.۱

  • و نقل ابن حَجَر الهَيْتَمِيّ قائلًا: أخرج الدارقطنيّ أنّ عليّاً عليه السلام قال للستّة الذين جعل عمر الأمر شورى بينهم كلاماً طويلًا من جملته:انْشِدُكُمْ بِاللهِ: هَلْ فِيكُمْ أحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ:يَا عَلِيّ! أنْتَ قَسيمُ الجَنَّةِ وَ النَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ، غيري؟! قَالُوا: اللهُمَّ! لَا.٢

  • و ذكر ابن‌ حجر أيضاً أنّ الدارقطنيّ أخرج أنّ عليّاً عليه السلام احتجّ يوم الشورى على أهلها فقال لهم: انْشِدُكُمْ بِاللهِ هَلْ فِيكُمْ أحَدٌ أقْرَبُ إلى‌

    1. «أمالى الطوسيّ» ص ٢۱٢، الطبعة الحجريّة، و طبعة النجف ص ٣٤٢، و هما مذكوران في المجلس الثاني عشر.
    2. «الصواعق المحرقة» ص ۷٥.

معرفة الإمام ج٩

21
  • رَسُولِ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ في الرَّحِم مِني؛ وَ مَنْ جَعَلَهُ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ نَفْسَهُ، وَ أبْنَاءَهُ أبْنَاءَهُ، وَ نِسَاءَهُ نِسَاءَهُ، غَيْرِي؟! قَالُوا: اللهُمَّ! لَا الحديث.۱

  • و كما لاحظنا، فإنّ ابن حَجَر نقل هاتين الفقرتين من المناشدة عن الدارقطنيّ لمناسبة الموضوع، مع تصريحه بأنّ المناشدة كانت كثيرة، و أنّ هذه الفقرات قد عُرِضت في سياق ذلك.

  • احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام بحديث الغدير في مسجد النبيّ‌

  • الاحتجاج الثالث: و يتمثّل في الخطبة التي ألقاها أمير المؤمنين عليه السلام في المسجد النبويّ أيّام عثمان بحضور مائتي شخص من المهاجرين و الأنصار الذين كان كلّ واحد منه يذكر فضيلة من فضائل قريش أو الأنصار، ثمّ طلبوا من أمير المؤمنين عليه السلام أن يتحدّث، فاستجاب لطلبهم و طفق يشرع ميزات أهل البيت، و ميزات شخصيّته الشريفة مفصّلًا، و كانت الجماعة الحاضرة في المسجد تؤيّد ذلك كلّه و من جملة ما عرضه هو الاستشهاد بحديث الغدير.

  • روى شيخ الإسلام: إبراهيم بن محمّد الحمّوئيّ في «فرائد السمطين» عن السيّد النسّابة: جلال الدين عبد الحميد بن فخّار بن مَعْد بن فخّار الموسويّ رحمه الله قال: أنبأنا والدي السيّد شمس الدين فخّار الموسويّ رحمه الله إجازة بروايته عن شاذان بن جبرئيل القمّيّ، عن جعفر بن محمّد الدوريستيّ، عن أبيه، عن أبي جعفر محمّد بن على بن بابويه القمّيّ، عن محمّد بن الحسن، عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن حمّاد بن عيسى، عن عمر بن اذَينة، عن أبان بن أبي عيّاش، عن سُلَيم بن قَيْس الهلالي، أنّه قال: رأيتُ عليّاً عليه السلام في مسجد رسول الله‌

    1. «الصواعق المحرقة» ص ٩٣.

معرفة الإمام ج٩

22
  • صلّى الله عليه و آله و سلّم في خلافة عثمان، و جماعة يتحدّثون و يتذاكرون العلم و الفقه، فذكروا قريشاً و فضلها و سوابقها و هجرتها و ما قال فيها رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم من الفضل، مثل قوله: الأئمّة من قريش. و قوله: الناس تبع لقريش، و قريش أئمّة العرب، و قوله: لا تسبّوا قريشاً، و قوله: إنّ للقريّش قوّة رجلين من غيرهم. و قوله: من أبغض قريشاً أبغضه الله، و قوله: من أراد هوان قريش، أهانه الله.

  • و ذكروا الأنصار و فضلها و سوابقها و نصرتها و ما أثنى الله عليهم في كتابه و ما قال فيهم النبيّ صلّى الله عليه و آله، و ذكروا ما قال في سَعْد بن عُبَادَة و غَسيل الملائكة (حَنْظَلَة)، فلم يدعوا شيئاً من فضلهم، حتّى قال كلّ حيّ: منّا فلان و فلان.

  • و قالت قريش: منّا رسول الله صلّى الله عليه و آله و منّا حمزة، و منّا جعفر، و منّا عُبَيْدَة بن الحَرْث، و زيد بن حارثة، و أبو بكر، و عمر، و عثمان، و أبو عُبَيْدَة، و سالم (مولى أبي حُذَيفة)، و ابن عَوْف.

  • فلم يدعوا من الحيّين أحداً من أهل السابقة إلّا سمّوه. و في الحقلة أكثر من مائتي رجل فيهم عَلِيّ بنُ أبي طَالِب عَلَيْهِ السَّلَامُ، و سَعْدُ بنُ أبي وَقَّاص، و عَبْدُ الرَّحمنِ بنُ عَوْف، و طَلْحَة، و الزُّبَيْر، و المِقْداد، و أبُو ذَرّ، و هَاشِم بنُ عُتْبَة، و ابن عُمَر، و الحسن و الحسين عليهما السلام، و ابنُ عَبَّاس، و محمّد بنُ أبي بكر، و عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَر.

  • و كان في الحلقة من الأنصار: أبي بنُ كَعْب، و زَيْدُ بنُ ثَابِت، و أبُو أيُّوبُ الأنصاريّ، و أبُو الهَيْثَمُ بنُ التَّيِّهان، و مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمَة، و قَيْسُ بنُ سَعْد بنُ عُبَادة، و جَابِرُ بنُ عَبد اللهِ، و أنَسُ بنُ مَالِك، و زَيْدُ بنُ أرْقَم، و عَبْدُ اللهِ بنُ أبي أوْفَى، و أبو لَيْلَى و معه ابنه عَبْدُ الرحمن قاعد بجنبه، غلام صبيح الوجه أمرد. فجاء أبو الحسن البصريّ و معه ابنه الحسن‌

معرفة الإمام ج٩

23
  • غلام أمْرَد صبيح الوجه معتدل القامة.

  • قال سُلَيم: فجعلت أنظر إليهما (عبد الرحمن بن أبي ليْلى، و الحسن بن أبي الحسن) فلا أدري أيّهما أجمل؟ غير أنّ الحسن أعظمها و أطولهما.

  • فأكثر القوم في مدح قريش و الأنصار، و ذلك من بكرة إلى حين الزوال، و عثمان في داره لا يعلم بشي‌ء ممّا هم فيه، و عليّ بن أبي طالب ساكت لا ينطق هو و لا أحد من أهل بيته.

  • فأقبل القوم عليه فقالوا: يا أبا الحسن ما يمنعك أن تتكلم؟

  • احتجاج الامير و عرض الكيفيّة التي خطب فيها الرسول حول الغدير

  • فقال: ما من الحَيَّيْن إلّا و قد ذكر فضلًا و قال حقّاً. فأنا أسألكم يا معشر قريش و الأنصار: بمن أعطاكم الله هذا الفضل؟! أ بأنفسكم و عشائركم و أهل بيوتاتكم أم بغيركم؟

  • قالوا: بل أعطانا الله و منّ علينا بمحمّد صلّى الله عليه و آله و عشيرته، لا بأنفسنا، و عشائرنا، و لا بأهل بيوتاتنا!

  • قال: صدقتم يا معشر قريش و الأنصار! أ لستم تعلمون أنّ الذي نلتم من خير الدنيا و الآخرة منّا أهل البيت خاصّة دون غيرهم؟ و أنّ ابن عميّ رسول الله صلّى الله عليه و آله قال: إني و أهل بيتي كنّا نوراً يسعى بين يدي الله تعالى قبل أن يخلق الله آدم عليه السلام بأربعة عشر ألف سنة.فلما خلق الله آدم، وضع ذلك النور في صُلْبه و أهبطه إلى الأرض. ثمّ حمله في السفينة في صُلْب نوح عليه السلام ثمّ قذف به في النار في صُلْب إبراهيم عليه السلام. ثمّ لم يزل الله عزّ و جلّ ينقلنا من الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة، و من الأرحام الطاهرة إلى الأصلاب الكريمة من الآباء و الامّهات، لم يلق واحد منهم على سفاح قطّ.

  • فقال أهل السابقة و القدمة و أهل بَدْر و أهل احُد: نعم! قد سمعْنَا ذلك‌

معرفة الإمام ج٩

24
  • الاحتجاج بحديث الغدير و إقرار الصحابة في عصر عثمان‌

  • من رسول الله صلّى الله عليه و آله!

  • ثمّ قال عليّ عليه السلام: انشدكم بالله: أ تعلمون أن الله عز و جل فضل في كتابه، السابق على المسبوق في غير آية. و أني لم يسبقني إلى الله عزّ و جلّ و إلى رسوله أحدٌ من هذه الامّة؟ قالوا: اللهُمّ! نعم.

  • قال: فانشدكم الله: أ تعلمون حيث نزلت: {وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ}،۱ و الآية: {وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ‌}،٢ سئل عنها رسول الله صلّى الله عليه و آله فقال: أنزلها الله في الأنبياء و أوصيائهم، فأنا أفضل أنبياء الله و رسله، و عليّ بن أبي طالب وصيّي أفضل الأوصياء؟! قالوا: اللهمّ! نعم.

  • قال: فانشدكم الله: أ تعلمون حيث نزلت الآية: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}‌.٣ و الآية: {إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ‌}.٤ و الآية: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً}.٥ قال الناس:يا رسول الله! خاصّة في بعض المؤمنين أم عامّة لجميعهم؟! فأمر الله عزّ و جلّ نبيّه أن يعلّمهم ولاة أمرهم، و أن يفسّر لهم من الولاية ما فسّر لهم من صلاتهم و زكاتهم و حجّهم. فنصبني للناس بغدير خُمّ، ثمّ خطب و قال: إنّ الله أرسلني برسالة ضاق بها صدري، و ظننت أنّ الناس مكذّبي‌

    1. الآية ۱۰۰، من السورة ٩: التوبة.
    2. الآية ۱۰، من السورة ٥٦: الواقعة.
    3. الآية ٥٩، من السورة ٤: النساء.
    4. الآية ٥٥، من السورة ٥: المائدة.
    5. الآية ۱٦، من السورة ٩: التوبة.

معرفة الإمام ج٩

25
  • فأوعدني لُابلّغها أو ليعذّبني. ثمّ أمر، فنودي: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، ثمّ خطب فقال:

  • أيهَا النَّاسُ أ تَعْلمونَ أنَّ اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ مَوْلَايَ وَ أنَا مَوْلَى المُؤمِنينَ وَ أنا أوْلَى بِهِمْ مِنْ أنْفُسِهِمْ؟ قَالُوا: بَلى يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: قُمْ يَا عَلِيّ! فَقُمْتُ. فَقَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ هَذَا مَوْلَاهُ. اللهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ.

  • فَقام سلمان، فقال: يَا رَسُولَ اللهِ! وَلَاءٌ كَمَا ذَا؟ فَقَالَ: وَلَاءٌ كَوَلَايَتِي، مَنْ كُنْتُ أوْلَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ فَعَلِيّ أوْلَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ!

  • فأنزل‌ الله تعالى ذكره: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً}.۱

  • و لما نزلت هذه الآية كبّر النبيّ صلّى الله عليه و آله و قال: اللهُ أكْبَرُ تَمَامُ نُبُوَّتي وَ تَمَامُ دِينِ اللهِ وَلَايَةُ عَلِيّ بَعْدِي.

  • فقام أبو بكر، و عمر فقالا: يا رسول الله! هذه الآيات خاصّة في عليّ؟! فقال النبيّ: بلى؛ فيه و في أوصيائي إلى يوم القيامة! قالا:

  • يا رسول الله! بيّنهم لنا.

  • فقال النبيّ: عليّ أخي و وزيري و وارثي و وصيّي و خليفتي في امَّتِي و ولى كلّ مؤمن بعدي. ثمّ ابني الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ تسعة من ولد ابني الحسين واحد بعد واحد، القرآن معهم و هم مع القرآن. لا يفارقونه، و لا يفارقهم حتّى يردوا عَلَيّ الحوض.

  • فقالوا كلّهم: اللهمّ نعم: قد سمعنا ذلك و شهدنا كما قلت سواء. و قال بعضهم: قد حفظنا جلّ ما قلت و لم نحفظه كلّه! و هؤلاء الذين حفظوا

    1. الآية ٣، من السورة ٥: المائدة.

معرفة الإمام ج٩

26
  • أخيارنا و أفاضلنا.

  • فقال [الإمام‌] عليّ عليه السلام: صدقتم! ليس كلّ الناس يستوون في الحفظ. انشد الله من حفظ ذلك من رسول الله صلّى الله عليه و آله لمّا قام فأخبر به.

  • فقام زَيْدُ بنُ أرقَم، و البَرَاءُ بنُ عازِب، و سَلمانُ، و أبو ذَرّ، و المِقْدَادُ، و عَمَّارُ فقالوا: نشهد لقد حفظنا قول النبيّ صلّى الله عليه و آله و هو قائم على المنبر و أنت إلى جنبه، و هو يقول: أيّها الناس! إنّ الله عزّ و جلّ أمرني أن أنصب لكم إمامكم و القائم فيكم بعدي، و وصيّي، و خليفتي، و الذي فرض الله عزّ و جلّ على المؤمنين في الكتاب طاعته فقرنه بطاعته و طاعتي. و أمركم بولايته، و إنّي راجعت ربّي خشية طعن أهل النفاق و تكذيبهم، فأوعدني لأبلّغها أو ليعذّبني.

  • [و قال‌]: أيهَا النَّاسُ! إنّ الله أمركم في كتابه بالصلاة؛ فقد بيّنتُها لكم. و أمر بالزكاة، و الصوم، و الحجّ؛ فبيّنتها لكم و فسّرتها. و أمركم بالولاية و إني اشهدكم أنّها لهذا خاصّة و وضع يده على عليّ بن أبي طالب عليه السلام ثمّ لِابنَيْهِ بعده، ثمّ للأوصياء من بعدهم من ولدهم، لا يفارقون القرآن، و لا يفارقهم القرآن حتّى يردوا عَلَيّ حوضي.

  • أيهَا النَّاسُ: قد بيّنتُ لكم مفزعكم بعدي و إمامكم و دليلكم و هاديكم، و هو أخي عليّ بن أبي طالب. و هو فيكم بمنزلتي فيكم. فقلّدوه دينكم و أطيعوه في جميع اموركم. فإنّ عنده جميع ما علّمني الله من علمه و حكمته. فسلوه و تعلموا منه و من أوصيائه بعده، و لا تعلموهم و لا تتقدّموهم و لا تخلّفوا عنهم، فإنّهم مع الحقّ و الحقّ معهم لا يزايلوه و لا يزايلهم. ثمّ جلسوا.

  • قال سُلَيم: ثمّ قال عليّ عليه السلام: أيهَا النَّاسُ! أ تعلمون أنّ الله‌

معرفة الإمام ج٩

27
  • أنزل في كتابه: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}.۱

  • فجمعني و فاطمة و ابني الحسن و الحسين، ثمّ ألقى علينا كساءً و قال:اللهمّ! هؤلاء أهل بيتي و لحمي، يؤلمني ما يؤلمهم، و يؤذيني ما يؤذيهم، و يحرجني ما يحرجهم. فَأذْهِبْ عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً.

  • فقالت امّ سلمة: و أنا يا رسول الله؟! فقال: أنتِ إلى خير. إنّما نزلت في، (و في ابنتي)، و في أخي عليّ بن أبي طالب، و في ابني، و في تسعة من ولد ابني الحسين خاصّة، ليس معنا فيها لأحد شرك.

  • فقالوا كلّهم: نشهد أنّ امّ سلمة حدّثتنا بذلك، فسألنا رسول الله، فحدّثنا كما حدّثتنا امّ سلمة. [ثمّ‌] قال [عليّ عليه السلام‌]: انشدكم الله:أ تعلمون أنّ الله أنزل: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ‌}.٢

  • فقال سلمان: يا رسول الله! عامّة هذه أم خاصّة؟ فقال النبيّ: أمّا المؤمنون فعامّة المؤمنين امروا بذلك. و أمّا الصادقون فخاصّة لأخي عليّ و أوصيائي من بعده إلى يوم القيامة؟! قالوا: اللهمّ! نعم.

  • فقال [على عليه السلام‌]: انشدكم الله: أ تعلمون أني قلت لرسول الله صلّى الله عليه و آله في غزوة تبوك: لم خلّفتني؟! فقال: إنّ المدينة لا تصلح إلّا بي أو بك، وَ أنْتَ مِني بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ موسى إلَّا أنَّهُ لا نَبِيّ بَعْدي‌. قالوا: اللهمّ! نعم.

  • فقال [عليّ عليه السلام‌]: انشدكم الله: أ تعلمون أنّ الله أنزل في‌

    1. الآية ٣٣، من السورة ٣٣: الأحزاب.
    2. الآية ۱۱٩، من السورة ٩: التوبة.

معرفة الإمام ج٩

28
  • سورة الحجّ: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَ جاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَ فِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَ تَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ اعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى‌ وَ نِعْمَ النَّصِيرُ}.۱

  • فقام سلمان فقال: يا رسول الله! مَن هؤلاء الذين أنت عليهم شهيد و هم شهداء على الناس، الذين اجتباهم الله و لم يجعل عليهم في الدين من حرج و هم على ملّة إبراهيم؟!

  • فقال [رسول الله صلّى الله عليه و آله‌]: عنى بذلك ثلاثة عشر رجلًا خاصّة دون هذه الامّة. أنا و أخي عليّ و أحد عشر من ولدي؟! قالوا: اللهمّ! نعم.

  • فقال [عليّ عليه السلام‌]: انشدكم الله: أ تعلمون أنّ رسول الله صلّى الله عليه و آله قام خطيباً لم يخطب بعد ذلك، فقال: يَا أيهَا النَّاسُ! إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، فَتَمسَّكُوا بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا، فَإنَّ اللَّطيفَ (الخَبيرَ) أخْبرَني وَ عَهِدَ إلَيّ أنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتّى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.

  • فقام عمر بن الخطّاب شبه المغضب فقال: يا رسول الله! أ كُلّ أهل بيتك؟! قال النبيّ: لا. و لكن أوصيائي من أهل بيتي: أوّلهم أخي و وزيري و وارثي و خليفتي في امّتي و ولى كلّ مؤمن بعدي.

  • هو أوّلهم، ثمَّ ابني الحسن، ثمَّ ابني الحسين، ثمَّ تسعة من ولد

    1. الآيتان ۷۷ و ۷۸، من السورة ٢٢: الحجّ.

معرفة الإمام ج٩

29
  • الحسين، واحد بعد واحد حتّى يردوا عليّ الحوض. هم شهداء الله في أرضه و حجّته على خلقه و خزّان علمه و معادن حكمته، من أطاعهم أطاع الله، و من عصاهم عصى الله؟! فقالوا كلّهم: نشهد أنّ رسول الله قال ذلك.

  • ثمَّ تمادى لعليّ السؤال: فما ترك شيئاً إلّا ناشدهم الله فيه و سألهم عنه حتّى أتى على آخر مناقبه و ما قال له رسول الله صلّى الله عليه و آله كثيراً. و كانوا في ذلك كلّه يصدّقونه و يشهدون أنّه حقّ.۱

  • احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام بحديث الغدير في رحبة الكوفة

  • الاحتجاج الرابع: مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام في الرُّحْبَة.٢

    1. «فرائد السمطين» ج ۱، الباب ٥۸ من السِّمط الأوّل، ص ٣۱٢ إلى ٣۱۸؛ و «كتاب سُلَيم» ص ۱۱۱ إلى ۱٢٤ مع تغيير بعض الألفاظ و إضافة بعض الموادّ؛ و «الغدير» ج ۱، ص ۱٦٢ إلى ۱٦٦؛ و في «غاية المرام» القسم الأوّل، في زمرة أحاديث المنزلة: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي، ص ۱٣٦ و ۱٣۷، الحديث الحادي و الأربعين برواية سليم بن قيس الهلالى؛ و ذكره مفصّلًا في «غاية المرام» أيضاً، ص ۱٣۷ و ۱٣۸؛ في الحديث الثاني و الأربعين، عقب مناشدة الإمام بعد كلام طلحة.
    2. الرُّحْبَة قرية قريبة من الكوفة على سبعة فراسخ منها. فيها زراعة جيّدة، و تعرف ببطّيخها الأحمر الكثير و الكبير الحجم الذي قد يبلغ وزن الواحدة منه عشرين كيلو غراماً.تموّن النجف الأشرف في الصيف، و كانت مدينة عامرة ثمّ خرّبت. و عند ما دخل أمير المؤمنين عليه السلام الكوفة، احتجّ بهذا الاحتجاج في «الرُّحْبة». و يقال لها أحياناً «رُحْبة الكوفة» تمييزاً لها عن الرحاب الاخرى. و جاء في «مراصد الاطّلاع» ج ٢، ص ٦۰۸: الرُّحبة بضمّ الأوّل، و سكون الثاني، و الباء الموحّدة، اسم يطلق على ثلاثة أماكن: ۱ بقرب القادسيّة، على مرحلة من الكوفة (منزلان و كلّ منزل بريدان، و كلّ بريد أربعة فراسخ) على يسار الحجّاج إذا أرادوا مكّة، و قد خرّبت حاليا. ٢ قرية قريبة من صنعاء اليمن على ستّة أميال منها. و هي وادٍ ينبت الطلح، و فيها بساتين و قرى. ٣ ناحية بين المدينة و الشام من وادي القرى. و في طرف اللجاة، من أعمال صَلْخَد، قرية يقال لها الرُّحْبَة.
      و لما كانت الرحبة بمعنى الموضع المتّسع بلا بناء، فمن الممكن أنّ المراد من الرُّحبة الفضاء الواسع المفتوح في مسجد الكوفة أو أمام قصر الإمارة. و كان فيه احتجاج الإمام. و الشاهد على هذا الاحتمال كلام ابن أبي الحديد في ج ۱، ص ٣٦۱ من «شرح نهج البلاغة»، و قد نقله عن بعض مشايخه البغداديّين، قال: ناشد عليّ عليه السلام في رُحْبة القصر أو قالوا برحبة الجامع بالكوفة، أيّكم سمع رسول الله يقول: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه الحديث.

معرفة الإمام ج٩

30
  • و كانت هذه المناشدة في أوّل خلافته الصوريّة. ذلك أنّه جاء في رواية يَعلى بن مُرَّة أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لما قدم الكوفة نشد الناس.

  • و معلوم أنّه قدم الكوفة سنة ٣٥ ه. ففي أوّل خلافته، لما بلغه اتّهام الناس له فيما كان يرويه من تقديم رسول الله صلّى الله عليه و آله إيّاه على غيره، و نوزع في خلافته، حضر في مجتمع الناس بالرحبة في الكوفة و استنشدهم بحديث الغدير. و هذا الاحتجاج هامّ جدّاً، و قد ورد في روايات مستفيضة، و ذكره أعلام و أعاظم الشيعة و العامّة في كتبهم، و عدّوه من مسلمات التأريخ.

  • و كانت هذه الخطبة بحضور جمع من الصحابة و التابعين و فئات شتّى من الناس. و هي خطبة مفصّلة، و ذُكر فيها أيضاً شي‌ء من الملاحم و الإخبار بالغيب.

  • روى ابن أبي الحديد عن عثمان بن سعيد، عن شريك بن عبد الله، قال: لما بلغ عليّاً عليه السلام أنّ الناس يتّهمونه فيما يذكره من تقديم النبيّ صلّى الله عليه و آله و تفضيله إيّاه على الناس. قال: انْشِدُ اللهَ مَنْ بَقِيَ مِمَّنْ لَقِيَ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَمِعَ مَقَالَهُ في يَوْمِ غَدِيرِ خُمٍّ إلَّا قَامَ فَشَهِدَ بِمَا سَمِعَ!

  • فَقَامَ سِتَّةٌ مِمَّنْ عَنْ يَمِينهِ مِنْ أصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سِتَّةٌ مِمَّنْ على شِمَالِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ أيْضاً فَشَهِدُوا أنَّهُمْ سَمِعُوا

معرفة الإمام ج٩

31
  • رَسُولَ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَقُولُ ذَلِكَ اليَوْمَ وَ هُوَ رَافِعٌ بِيَدَيْ عَلِيّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذَا عَلِيّ مَوْلَاهُ. اللهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ وَ انْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَ اخْذُلْ مَن خَذَلَهُ وَ أحِبَّ مَنْ أحَبَّهُ وَ أبْغِضْ مَنْ أبْغَضَهُ.۱

  • و جاء في «السيرة الحلبية» بعد عرض خطبة رسول الله في غدير خُمّ، و الإعلان عن قرب وفاته، و الشهادة على التوحيد و المعاد: ثمَّ حَضَّ على التَّمَسُّكِ بِكِتَابِ اللهِ وَ وَصَّى بِأهْلِ بَيْتِهِ. أي‌ فَقَالَ: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ:كِتَابِ اللهِ وَ عِتْرَتي أهْلَ بَيْتِي، وَ لَنْ يَفْتَرِقَا حتّى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ. وَ قَالَ في حَقِّ عَلِيّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ لما كَرَّرَ عَلَيْهِمْ: أ لَسْتُ أوْلَى بِكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ‌ ثَلَاثاً وَ هُمْ يُجِيبُونَهُ صلّى الله عَلَيْهِ (وَ آلِهِ) وَ سَلَّمَ بِالتَّصْدِيقِ وَ الاعْتِرَافِ، وَ رَفَعَ صلّى الله عَلَيْهِ [وَ آلِهِ‌] وَ سَلَّمَ يَدَ عَلِيّ كَرَّمَ وَجْهَهُ وَ قَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ، اللهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَ أحِبَّ مَنْ أحَبَّهُ، وَ أبْغِضْ مَنْ أبْغَضَهُ، وَ انْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَ أعِنْ مَنْ أعَانَهُ، وَ اخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ، وَ أدِرِ الحَقَّ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ.

  • و قال صاحب «السيرة الحلبيّة» هنا: و هذا أقوى ما تمسّكت به الشيعة و الإماميّة و الرافضة على أنّ عليّاً كرّم الله وجهه أولى بالإمامة من كلّ أحد.و قالوا: هذا نصّ صريح على خلافته سمعه ثلاثون صحابيّاً و شهدوا به، قالوا: فلعلى عليهم من الولاء ما كان له صلّى الله عليه و آله عليهم بدليل قوله صلّى الله عليه و آله: أ لَسْتُ أوْلى بِكُمْ. ثمّ قال الحلبيّ أيضاً: هذا حديث صحيح ورد بأسانيد صحاح و حسان، و لا التفات لمن قدح في‌

    1. «شرح نهج البلاغة» ج ۱، ص ٢۰٩، طبعة دار إحياء التراث العربيّ، و طبعة دار إحياء الكتب العربيّة، ج ٢، ص ٢۸۸ و ٢۸٩.

معرفة الإمام ج٩

32
  • صحّته كأبي داود، و أبي حاتم الرازيّ. و قول بعضهم: إنّ زيادة: اللهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ‌ إلى آخره موضوعة، مردود، فقد ورد ذلك من طرق صحّح الذهبيّ كثيراً منها.

  • و قد جاء أنّ عليّاً كرّم الله وجهه قام خطيباً فحمد الله و أثنى عليه، ثمّ قال: انْشِدُكَ اللهَ مَنْ يَنْشُدُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ إلَّا قَامَ، وَ لَا يَقُومُ رَجُلٌ يَقُولُ:انْبِئْتُ أوْ بَلَغَني إلَّا رَجُلٌ سَمِعَتْ اذُنَاهُ وَ وَعى قَلْبُهُ.

  • فقام سبعة عشر صحابيّاً (و شهدوا). و في رواية ثلاثون صحابيّاً.و في «المعجم الكبير» ستّة عشر. و في رواية اثنا عشر.

  • فقال [لَهُم أمير المؤمنين‌]: هاتوا ما سمعتم! فذكروا حديث الغدير. و من جملته: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ‌. و في رواية: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذَا مَوْلَاهُ‌.

  • و عن زيد بن أرقم أنّه قال: و كنت ممّن كتم فذهب الله ببصري. و كان عليّ كرّم الله وجهه دعا على من كتم.۱

  • أسماء الصحابة الذين شهدوا بحديث الغدير في الرُّحبة

  • و معلوم أنّ الحديث الذي يستدلّ به صاحب السيرة هو احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام في الرُّحْبة. و قد أحصى العلّامة الأميني عدد الصحابة الذين شهدوا، بأربعة و عشرين صحابيّاً اعتماداً على كتب العامّة الموثوقة. و هم:

  • ۱ أبُو زَيْنَب بْنُ عَوفٍ الأنْصَارِيّ.

  • ٢ أبُو عُمْرَة بْنُ عَمْرِو بْنَ مُحْصِنٍ الأنْصَارِيّ.

  • ٣ أبُو فُضَالَة الأنْصَارِيّ. استُشْهِدَ بصفّين مع أمير المؤمنين عليه‌

    1. سيرة عليّ بن بُرهان الدين الحلبيّ الشافعيّ، المعروفة بالسيرة الحلبيّة ج ٣، ص ٣۰۸، طبعة مصر، سنة ۱٣٥٢ ه.

معرفة الإمام ج٩

33
  • السلام بدريّ.

  • ٤ أبُو قُدَامة الأنْصَارِيّ. الشهيد بصفّين مع أمير المؤمنين عليه السلام.

  • ٥ أبُو لَيْلى الأنْصَارِيّ. يقال: اسْتَشهِد بصفّين. و في بعض الألفاظ:

  • أبُو يَعْلَي الأنْصَارِيّ، و هو شَدّاد بن أوْس المتوفي سنة ٥۸ ه.

  • ٦ أبُو هُرَيْرَة الدَّوْسيّ. المتوفي سنة ٥۷ أو ٥۸ أو ٥٩.

  • ۷ أبُو الهَيْثَم بْنِ التَّيِّهَان. شهد بدراً. و استُشهد بصفّين مع أمير المؤمنين عليه السلام.

  • ۸ ثَابِتُ بْنُ وَدِيعَة الأنْصَارِيّ الخَزْرَجِيّ المَدَنِيّ.

  • ٩ حُبْشِي بْنُ جُنَادَة السَّلُّولِيّ. شهد مع عليّ مشاهده.

  • ۱۰ أبُو أيُّوب خَالِدٍ الأنْصَارِيّ. شهد بدراً و المستشهد غازياً بالروم سنة ٥۰ أو ٥۱ أو ٥٢ ه.

  • ۱۱ خُزَيمَةُ بْنُ ثَابِتٍ الأنصاريّ ذو الشهادتين، بدريّ، استشهد بصفّين مع أمير المؤمنين عليه السلام.

  • ۱٢ أبُو شُرَيْحٍ: خُوَيْلِدُ بْنُ عَمْروٍ الْخُزَاعِيّ. المتوفي سنة ٦۸ ه.

  • ۱٣ زَيْد. أو: يَزِيدُ بْنُ شَرَاحِيلَ الأنْصَارِيّ.

  • ۱٤ سَهْلُ بْنُ حَنَيفٍ الأنْصَارِيّ الأوسِيّ. المتوفي سنة ٣۸ ه، بدريّ.

  • ۱٥ أبُو سَعِيد: سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ الخُدرِيّ الأنْصَارِيّ. المتوفي سنة ٦٣ أو ٦٤ أو ٦٥ ه.

  • ۱٦ أبُو العَبَّاس سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ الأنْصَارِيّ. المتوفي سنة ٩۱ ه.

  • ۱۷ عَامِرُ بْنُ لَيْلَى الغفاريّ.

  • ۱۸ عَبْدُ الرحمن بْنُ عَبْد رَبّ الأنْصَارِيّ.

معرفة الإمام ج٩

34
  • ۱٩ عَبْدُ اللهِ بْنُ ثَابِتٍ الأنْصَارِيّ. خادم رسول الله صلّى الله عليه و آله.

  • ٢۰ عُبَيْدُ بْنُ عَازِبِ الأنْصَارِيّ. من العشرة الدُّعاة إلى الإسلام (الذين وجّههم عمر مع عمّار بن ياسر إلى الكوفة).

  • ٢۱ أبُو طَرِيف عَدِيّ بْنُ حَاتَم. المتوفي سنة ٦۸ ه عن مائةِ عامٍ.

  • ٢٢ عَقَبَةُ بْنُ عَامِرٍ الجُهَني. المتوفي قرب السنة الحادية و الستّين.

  • كان ممّن يمتّ إلى معاوية بصلة.

  • ٢٣ نَاجِيَةُ بْنُ عَمْرو و الخُزَاعِيّ.

  • ٢٤ نُعْمَانُ بْنُ عجلان الأنْصَارِيّ. لسان الأنصار و شاعرهم.

  • عدد الشهود بحديث الغدير في الرحبة

  • ثمّ قال: هذا ما أوقفنا السير عليه من أعلام الشهود لأمير المؤمنين عليه السلام بحديث الغدير يوم مناشدة الرُّحبة. و قد نصّ الإمام أحمد [بن حنبل‌] على أنّ عدّة الشهود في ذلك اليوم كانت ثلاثين. و أخرجه الحافظ الهيثميّ في مجمعه و صحّحه. و تجده في تذكرة سبط بن الجوزيّ، ص ۱۷، و «تاريخ الخلفاء» للسيوطيّ، ص ٦٥، و «السيرة الحلبيّة» ج ٣، ص ٣۰۸، و في لفظ أبي نعيم: فَضْل بن دَكين فقام ناس كثيرون و شهدوا.

  • و ينبغي أن نعلم أنّ تأريخ هذه المناشدة هو السنة ٣٥ ه، كان يبعد عن وقت صدور الحديث بما يربو على خمسة و عشرين عاماً. و في خلال هذه المدّة كان كثير من الصحابة الحضور يوم الغدير قد قضوا نحبهم، و آخرون قُتلوا في المغازي، و كثيرون منهم مبثوثين في البلاد. و كانت الكوفة أيضاً بمنأىً عن مجتمع الصحابة «المدينة المنوّرة»، و لم يك فيها إلّا شراذم منهم تبعوا الحقّ فهاجروا إليها في العهد العَلَويّ.

  • يضاف إلى ذلك، أنّ هذه القصّة من ولائد الاتّفاق من غير أيّة سابقة لها، حتّى يقصدها القاصدون، فتكثر الشهود، و تتوفّر الرواة. و كان في‌

معرفة الإمام ج٩

35
  • الحاضرين من يُخفي شهادته حنقاً أو سفهاً كما سيأتي تفصيل ذلك.

  • (و مع هذه الحواجز كلها)، فقد بلغ من رواه هذا العدد الجمّ، فكيف به لو تُزاح عنه تلكم الحواجز. فبذلك كلّه نعلم مقدار شهرة الحديث و تواتره في هاتيك العصور المتقادمة.

  • و أمّا اختلاف عدد الشهود في الأحاديث، فيحمل على أنّ كلّا من الرواة ذكر من عَرَفَهُ أو التفت إليه أو من كان إلى جنبه أو أنّه ذكر من كان في جانبي المنبر أو في أحدهما و لم يلتفت إلى غيرهم. أو أنّه ذكر من كان بدريّاً، أو أراد من كان من الأنصار، أو أنه لما علت عقيرة القوم بالشهادة، و شخصت الأبصار و الأسماء للتلقّي، و وقعت اللجبة۱ كما هو طبع الحال في أمثاله من المجتمعات ذهل بعض عن بعض، و آخر عن آخرين، فنقل كلٌّ من يضبطه من الرجال.٢

  • كان هذا هو عدد الشهود و أسماؤهم. و أمّا رواة حديث المناشدة من الأجيال القادمة، فهم على ما نقله العلّامة الأمينيّ أربعة من الصحابة، و أربعة عشر من التابعين، و مجموعهم ثمانية عشر.

  • أمّا الصحابة فهم:

  • ۱ حَبَّةُ بْنُ جوين العَرَنِيّ أبُو قُدَامَة البَجَلِيّ. المتوفي سنة ۷٦ أو ۷٩ ه.

  • ٢ زَيْدُ بْنُ أرْقَمَ الأنْصَارِيّ.

  • ٣ أبُو الطُّفَيْل: عَامِرُ بْنُ وَاثِلَة اللَّيْثِيّ. المتوفي (سنة) ۱۰۰، أو ۱۰٢، أو ۱۰۸، أو ۱۱۰.

  • ٤ يَعْلَي بْنُ مُرَّة بْنُ وَهَبٍ الثَّقَفِيّ.

    1. الصياح و الضجيج (المنجد)
    2. «الغدير» ج ۱، ص ۱۸٤ إلى ۱۸٦.

معرفة الإمام ج٩

36
  • و أمّا التابعون فهم:

  • ۱ أبُو سُلَيْمَان المُؤذِّن.

  • ٢ أبُو القَاسِم: الأصْبَغُ بْنُ نُبَاتَه.

  • ٣ زَاذَانُ بْنُ عُمَر الكِندِيّ البَزَّار أو البَزَّازُ الكُوفِيّ.

  • ٤ زِرُّ بْنُ جُبَيْشٍ‌۱ الأسَدِيّ، أبُو مَرْيَم.

  • ٥ زياد بن أبي زياد.

  • ٦ زيد بن يثيع الهمدانيّ الكوفي. من كبار التابعين.

  • ۷ سعيد بن أبي حدّان. و يقال ذي حدّان، الكوفيّ.

  • ۸ سعيد بن وهب الهمدانيّ الكوفي. المتوفي (سنة) ۷٦ ه.

  • ٩ أبُو عُمَارَة عَبْدُ خَيْر بن يَزِيدٍ الهَمْدَانِيّ الكُوفِيّ المُخَضْرَمِيّ. من كبار التابعين.

  • ۱۰ عَبْدُ الرَّحْمَن بْنُ أبي لَيْلَى. المتوفي سنة ۸٢ أو ۸٣ أو ۸٦ ه.

  • ۱۱ عَمْرُو ذي مُرَّة أبُو عَبْد اللهِ الكُوفِيّ الهَمْدَاني. المتوفي سنة ۱۱٦ ه.

  • ۱٢ عُمَيْرَةُ بْنُ سَعْدٍ الهَمْدانِيّ الكُوفِيّ.

  • ۱٣ هَانِي بْنُ هَانِي الهَمْداني الكُوفِيّ.

  • ۱٤ حَارِثَةُ بْنُ نَصْرِ.٢

  • رواية «فرائد السمطين» في الاحتجاج بحديث الغدير في الرُّحبة

  • روى شيخ الإسلام الحمّوئيّ بسنده عن سعيد بن أبي حَدَّان، و عمرو ذي مُرّ قالا:

    1. بكسر الزاي المعجمة و تشديد الراء المهملة. و حُبيش بتقديم الحاء المهملة على الباء الموحّدة، و هو مصغّر.
    2. «الغدير» ج ۱، من ص ۱٦٦ إلى ص ۱۸٣ بنحو متفرّق.

معرفة الإمام ج٩

37
  • قَالَ على: انشِدُ اللهَ، وَ لَا انشِدُ إلّا أصْحَابَ رَسُولِ اللهِ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَوْمَ غَديرِ خُمٍّ. قَالَ: فَقَامَ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا سِتَّةٌ مِنْ قِبَلِ سَعِيدٍ وَ سِتَّةٌ مِنْ قِبَلِ عَمْرُوٍ ذي مُرٍّ فَشَهِدُوا: أنَّهُمْ سَمِعُوا رَسُولَ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يَقُولُ: اللهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَ انْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَ أحِبَّ مَنْ أحَبَّهُ، وَ أبْغِضْ مَنْ أبْغَضَهُ.۱

  • و نقل الحمّوئيّ أيضاً بسند آخر عن سماك بن عبيد بن وليد العَنَسيّ أنّه قال: دخلت على عبد الرحمن بن أبي ليلى، فحدّثنيّ أنّه شهد عليّاً عليه السلام في الرُّحبة قال: انشد الله رجلًا سمع رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم و شهد يوم غدير خمّ إلّا قام! و لا يقوم إلّا من قد رآه. (قال) فقام اثنا عشر رجلًا فقالوا: قد رأينا و سمِعْنَا حيث أخذ بِيَدِ عليّ و قال: اللهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ! وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ! وَ انْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ! وَ اخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ!٢

  • روايات أحمد بن حنبل في الاحتجاج بحديث الغدير في الرُّحبة

  • و أخرج أحمد بن حنبل في مسنده عن على بن حكيم الأوديّ، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وَهَب و زيد بن يُثيع قالا: نَشَدَ عَلِيّ النَّاسَ في الرُّحْبَة: مَنْ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يَقُولُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ إلَّا قَامَ! قَالَ: فَقَامَ مِنْ قِبَلِ سَعيدٍ سِتَّةٌ، وَ مِنْ قِبَلِ زَيْدٍ سِتَّةٌ، فَشَهِدُوا أنَّهُمْ سَمِعُوا رَسُولَ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ (وَ آلِهِ) وَ سَلَّمَ يَقُولُ لِعليّ رضي الله عَنْه يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ: أ لَيْسَ اللهُ أوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ؟ قَالُوا: بَلى! قَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ. اللهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ.٣

    1. «فرائد السمطين» ج ۱، السمْط الأوّل، الباب العاشر، ص ٦۸. و معلوم أنّ قوله:مَن كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ قد اسقط في النسخة المذكورة.
    2. «فرائد السمطين» ج ۱، السمط الأوّل، الباب العاشر، ص ٦٩.
    3. «مسند أحمد» ج ۱، ص ۱۱۸؛ و «بحار الأنوار» ج ٩، ص ٢۰٢ عن «أمالى الشيخ».

معرفة الإمام ج٩

38
  • و رواه ابن كثير الدمشقيّ بهذا اللفظ و السند من طريق أحمد بن حَنْبَل.۱

  • و رواه أحمد بن حَنْبَل بسند آخر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى. قَالَ:شَهِدْتُ عَلِيَّاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في الرُّحْبَةِ يُنْشِدُ النَّاسَ: انْشِدُ اللهَ مَنْ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ [وَ آلِهِ‌] وَ سَلَّمَ يَقُولُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ، لما قَامَ فَشَهِدَ! قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَقَامَ اثْنَا عَشَرَ بَدْرِيَّاً كَأني أنْظُرُ إلى أحَدِهِمْ، فَقَالُوا: نَشْهَدُ: أنَّا سمِعْنَا رَسُولَ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ [وَ آلِهِ‌] وَ سَلَّمَ يَقُولُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ: أ لَسْتُ أوْلَى بِالمؤْمِنِينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ. وَ أزْواجِي امَّهَاتُهُمْ؟! فَقُلْنَا: بَلى يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: فَمَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ. اللهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ.٢

  • نرى في هذه الرواية أنّ الراوي يقول: اثنا عشر شاهداً، كلّهم كانوا بدريّين، أي: أنّهم كانوا من خاصّة الصحابة الذين لهم شرف المشاركة في غزوة بدر. و كأنِّي الآن أنظر -و أنا أتحدّث- إلى أحدهم. أي: أنّ الرؤية محدّدة أيضاً.

  • و روى أحمد بن حنبل أيضاً بسند آخر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنّه شهد عَليّاً رضي الله عنه في الرُّحبة قَالَ: نْشِدُ اللهَ رَجُلًا سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ [وَ آلِهِ‌] وَ سَلَّمَ وَ شَهِدَهُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ إلَّا قَامَ! وَ لَا يَقُومُ إلّا مَنْ قَدْ رَآهُ. فَقَامَ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا فَقَالُوا: قَدْ رَأيْنَاهُ وَ سمِعْنَاهُ‌

    1. «البداية و النهاية» ج ٥، ص ٢۱۰.
    2. «مسند أحمد» ج ۱، ص ۱۱٩؛ و «البداية و النهاية» ج ٥، ص ٢۱۱؛ و «مجمع الزوائد» ج ٤، ص ۱۰٥. و جاء فيه ما نصّه: كأني أنظر إلى أحدهم عليه سراويل. و السراويل لباس يستر النصف الأسفل من الجسم. و هذا التعبير أقرب و أفصح.

معرفة الإمام ج٩

39
  • حَيْثُ أخَذَ بِيَدِهِ يَقُولُ: اللهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَ انْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَ اخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ. فَقَامَ إلَّا ثَلَاثَةٌ لَمْ يَقُومُوا. فَدَعَا عَلَيْهِمْ فَأصَابَتْهُمْ دَعْوَتَهُ.۱

  • و نلحظ في هذه الرواية أنّ ثلاثة من الذين كانوا قد شهدوا الغدير لم يقوموا للشهادة و كتموها، فدعا عليهم الإمام و أصابتهم دعوته.

  • و روى أحمد بن حنبل أيضاً بسند آخر عن أبي الطفيل، قال: جمع على رضي الله عنه الناس في الرحبة، ثمَّ قال لهم: انشد الله امرءاً سمع ما قاله رسول الله صلّى الله عليه و آله في يوم غدير خمّ إلّا قام. فقام ثلاثون رجلًا. و قال فضل بن دَكِين (أبو نعيم): قام جمع كثير من الناس و شهدوا، و كان رسول الله قد أخذ بِيَدِ على و هو يقول للناس: أ تَعْلَمُونَ إنِّي أوْلَى بِالمُؤمِنِينَ مِنْ أنفُسِهِم؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذَا مَوْلَاهُ. اللهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ. و قال أبو الطفيل ناقل هذه الرواية: فَخَرَجْتَ وَ كَأنَّ في نَفْسِي شَيْئاً. فَلَقِيتُ زَيْد بْن أرْقَمَ فَقُلْتُ لَهُ:إنِّي سَمِعْتُ عَلِيَّاً رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ يَقُولُ كَذَا وَ كَذَا. قَالَ: فَمَا تُنْكِرُ؟! قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ [وَ آلِهِ‌] وَ سَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ لَهُ.٢

  • ينبغي أن نعلم أنّ زيد بن أرقم كان من المنكرين و الكاتمين في ذلك المجلس؛ فلهذا كُفّ بصره بدعاء الإمام. و كان يقول: هذا دعاء عليّ قد أصابني. بَيْدَ أنّه كان يروي حديث الغدير بعد ذلك المجلس مراراً و

    1. «مسند أحمد» ج ۱، ص ۱۱٩؛ و «البداية و النهاية» ج ٥، ص ٢۱۱. و روى المجلسيّ في «بحار الأنوار» ج ٩، ص ٢۰٢ و ٢۰٣ المناشدة في الرُّحْبَة عَن «الأمالى» للشيخ الطوسيّ؛ و «بشارة المصطفي» عن عميرة بن سعد، عن أمير المؤمنين عليه السلام.
    2. «مسند أحمد» ج ٤، ص ٣۷۰؛ و «البداية و النهاية» ج ٥، ص ٢۱۱ و ٢۱٢.

معرفة الإمام ج٩

40
  • تكراراً في أماكن مختلفة، و ذلك للأشخاص الذين رووا عنه و نقل لنا التأريخ أسماءهم. و نقلنا شيئاً من ذلك في أبحاثنا، و سننقل منه إن شاء الله.

  • و روى الهَيْثَميّ هذا الحديث في «مجمع الزوائد» عن أحمد بن حَنْبل سنداً و متناً.۱

  • و أخرج النسائيّ في «الخصائص» بسنده عن سَعيد بن وَهَب أنّه قال: قَالَ عَلِيّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ في الرُّحْبَةِ: انْشِدُ بِاللهِ مَنْ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ [وَ آلِهِ‌] وَ سَلَّمَ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ يَقُولُ: إنَّ اللهَ وَ رَسُولَهُ وَ لي المُؤْمِنِينَ، وَ مَنْ كُنْتُ وَلِيَّهُ فَهَذَا وَلِيُّهُ. اللهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَ انْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ!

  • قال سعيد: قام إلى جنبي ستّة. و قال زيد بن مُنيع:٢ قام عندي ستّة و شهدوا. و أضاف عمرو بن ذي مرّ في روايته قوله: أحِبَّ مَنْ أحَبَّهُ، وَ أبْغِضْ مَنْ أبْغَضَهُ‌ في مناشدة عليّ. و روى هذا الحديث إسرائيل، عن إسحاق، عن عمرو بن ذي مُرّ.٣

  • و كذلك روى النسائيّ (أحمد بن شُعيب) عن عليّ بن محمّد بن عليّ، عن خَلَف بن تميم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ذي مُرّ أنّه قَالَ: شَهِدْتُ عَلِيَّاً بِالرُّحْبَةِ يُنْشِدُ أصْحَابَ مُحَمَّدٍ أيُّكُمْ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ [وَ آلِهِ‌] وَ سَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ. اللهُمَّ والِ‌

    1. «مجمع الزوائد» ج ٩، ص ۱۰٤.
    2. و هو زيد بن يُثيع نفسه المذكور في النسخة المطبوعة للنسائيّ باسم «زيد بن مُنيع».
    3. «خصائص مولانا أمير المؤمنين على بن أبي طالب» لأحمد بن شُعَيب النسائيّ المتوفي سنة ٣۰٣ ه ص ٢٦، طبعة مطبعة التقدّم، القاهرة.

معرفة الإمام ج٩

41
  • مَنْ وَالاهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَ أحِبَّ مَنْ أحَبَّهُ، وَ أبْغِضْ مَنْ أبْغَضَهُ، وَ انْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ،۱ وَ تُفَرَّقْ بَيْنَ المُؤْمِنِ وَ الكَافِر.٢

  • و أخرج النسائيّ أيضاً بسنده الواحد المتّصل عن عمرو بن سعد أنّه سمع عليّاً عليه السلام ينشد في الرُّحبة: مَنْ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ [وَ آلِهِ‌] وَ سَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ، فَقَامَ سِتَّةُ نَفَرٍ فَشَهِدُوا.٣ و روى مضمون الحديث أيضاً بسند آخر عن سعيد بن وهب و يزيد بن يُثيع،٤ و بسند آخر عن زيد بن يُثيع.٥

  • روايات ابن الاثير حول الاحتجاج بحديث الغدير في الرُّحبة

  • و نقل ابن الأثير الجزريّ في «اسد الغابة» في ترجمة عبد الرحمن بن عبد ربّ الأنْصَارِيّ أنّ الحافظ ابن عقدة روى بسنده عن الأصبَغ بن نُباتَة أنّه قال: نَشَدَ عَلِيّ النَّاسَ في الرُّحْبَةِ مَنْ سَمِعَ النَّبِيّ صلّى الله عَلَيْهِ [وَ آلِهِ‌] وَ سَلَّمَ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ مَا قَالَ إلَّا قَامَ، وَ لَا يَقُومُ إلَّا مَنْ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ [وَ آلِهِ‌] وَ سَلَّمَ يَقُولُ. فَقَامَ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فِيهِمْ أبُو أيُّوبَ الأنْصَارِيّ، وَ أبُو عُمْرَةَ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُحْصِنٍ، وَ أبُو زَيْنَبَ، وَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ، وَ عَبْدُ اللهِ بْنُ ثَابِتٍ الأنْصَارِيّ، وَ حُبْشِي بْنُ جُنَادَةَ السَّلُّولي، وَ عُبَيْدُ بْنُ عَازِبٍ الأنْصَارِيّ، وَ النُّعْمَانُ بْنُ عَجْلَانَ الأنْصَارِيّ، و ثَابِتُ بْنُ وَدِيعَةَ الأنْصَارِيّ، وَ أبُو فُضَالَةَ الأنْصَارِيّ وَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ رَبِّ الأنْصَارِيّ، فَقَالُوا:

  • نَشْهَدُ أنَّا سمِعْنَا رَسُولَ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ [وَ آلِهِ‌] وَ سَلَّمَ يَقُولُ: ألَا

    1. يبدو أنّ هنا إسقاطاً
    2. «خصائص النسائيّ» ص ٢٦ و ٢۷
    3. «خصائص النسائيّ»، ص ٢٢.
    4. (٤ و ٥) «خصائص النسائيّ»، ص ٣٢.
    5. (٤ و ٥) «خصائص النسائيّ»، ص ٣٢.

معرفة الإمام ج٩

42
  • إن اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ وَلِيّيّ، وَ أنَا وَليّ المُؤْمِنِينَ. ألَا فَمَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ اللهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَ أحِبَّ مَنْ أحَبَّهُ، وَ أبْغِضْ مَنْ أبْغَضَهُ، وَ أعِنْ مَنْ أعَانَهُ. أخْرَجَهُ أبُو موسى.۱

  • و كذلك ذكر ابن الأثير في ترجمة أبي زينب بن عَوف الأنصاريّ أنّ الأصبغ بن نُباته قال‌: نَشَدَ عَلِيّ النَّاسَ: مَنْ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَقُولُ يَوْمَ غَدِيِر خُمٍّ مَا قَالَ إلَّا قَامَ‌. فَقَامَ بِضْعَةَ عَشَرَ فِيهِمْ أبُو أيُّوبَ الأنْصَارِيّ، وَ أبُو زَيْنَبَ، فَقَالُوا: نَشْهَدُ أنَّا سمِعْنَا رَسُولَ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ أخَذَ بِيَدِكَ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ فَرَفَعَهَا، فَقَالَ: أ لَسْتُمْ تَشْهَدُونَ أنِّي قَدْ بَلَّغْتُ وَ نَصَحْتُ؟ قَالُوا: نَشْهَدُ أنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَ نَصَحْتَ! قَالَ: ألَا إنَّ اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ وَلِييّ وَ أنَا وَ لي المُؤْمِنِينَ، فَمَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذَا عَلِيّ مَوْلَاهُ! اللهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَ أحِبَّ مَنْ أحَبَّهُ، وَ أعِنْ مَنْ أعَانَهُ، وَ أبْغِضْ مَنْ أبْغَضَهُ. أخْرَجَهُ أبُو موسى.٢

  • و روى ابن حَجَر العَسْقَلانيّ مضمون هذا الحديث عن طريق ابن عُقْدَة بسندين مختلفين عن الأصبغ بن نُباتَة.٣

  • و أخرج ابن الأثير أيضاً في ترجمة أبي قُدامة الأنصاريّ بسنده عن أبي الطُّفَيل أنّه قال: كنّا عند على رضي الله عنه فقال: انشد الله تعالى من شهد يوم غدير خمّ إلّا قام. فقام سبعة عشر رجلًا منهم: أبو قُدّامة الأنصاريّ، فقالوا: أقبلنا مع رسول الله صلّى الله عليه [و آله‌] و سلّم من حجّة الوداع حتّى إذا كان الظهر، خرج رسول الله فأمر بشجرات فشدُدن 

    1. «اسد الغابة في معرفة الصحابة» ج ٣، ص ٣۰۷.
    2. «اسد الغابة» ج ٥، ص ٢۰٥.
    3. «الإصابة» ج ٢، ص ٤۰۸؛ و ج ٤، ص ۸۰.

معرفة الإمام ج٩

43
  • و القي عليهنّ ثوب. ثمّ نادى الصلاة. فخرجنا، فصلّينا. ثمّ قام رسول الله،فحمد الله و أثنى عليه، ثمّ قال: أيُّهَا النَّاسُ! أ تَعْلَمُونَ أنَّ اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ مَوْلَاي وَ أنَا مَوْلَى المُؤْمِنِينَ، وَ أنِّي أوْلَى بِكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ؟ يَقُولُ ذَلِكَ مِرَاراً قُلْنَا: نَعَم وَ هُوَ آخِذٌ بِيَدِكَ، يَقُولُ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ. اللهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.

  • قال العدويّ: أبو قُدامة راوي هذا الحديث هو ابن الحارث. شهد غزوة احد و استبسل فيها. و بقي حتّى استشهد مع على عليه السلام بصفّين.قد انقرض عقبه. قال: نسبه كما يلي: أبو قَدامة بن الحارث من بني عبد مناة من بني عُبَيْد. و قيل: هو أبو قُدامة بن سهل بن الحارث بن جُعْدَبَة بن ثَعْلَبَة بن سالم بن مالك بن واقف. أخرج أبو موسى (حديثه و نسبه هكذا).۱

  • و روى ابن حَجَر العَسْقَلانيّ هذا الحديث عن طريق ابن عُقدة في كتابه: «المُوالاة في حَديث الغدير».٢

  • و كذلك رواه ابن الأثير في ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، و هو نفس الحديث الذي نقلناه عن أحمد بن حَنْبَل، و جاء فيه أنّ ابن أبي ليلى كان يقول: قام اثنا عشر بدريّاً (و شهدوا) و كأني أنظر إلى أحدهم عليه سراويل. و قال في آخر الحديث:و ذكر البراء بن عازب، مثل هذا الحديث، و أضاف إليه قوله: فقال عُمَر بن الخطّاب: يَا بْنَ أبي طَالِبٍ! أصْبَحْتَ اليَوْمَ وَلِيّ كُلِّ مُؤْمِنٍ.٣

    1. «اسد الغابة» ج ٥، ص ٢۷٥ و ٢٥٦.
    2. «الإصابة» ج ٤، ص ۱٥٩.
    3. «اسد الغابة» ج ٤، ص ٢۸.

معرفة الإمام ج٩

44
  • و نقله شيخ الإسلام الحمّوئيّ بنفس العبارة عن أحمد بن حَنْبَل بسنده‌عن أبي ليلى.۱

  • و نقل الملّا على المتّقي هذا الحديث في «كنز العمّال» عن ابن أبي ليلى، و قال في ذيله: وَ كَتَمَ قَوْمٌ، فَمَا فَنَوْا مِنَ الدُّنْيَا إلَّا عَمُوا وَ بَرِصُوا.٢

  • و روى ابن الأثير أيضاً في ترجمة نَاجية بن عَمْرو عن طريق أبي نعيم، و أبي موسى المدائنيّ بسلسلة سندهما عن عمرو بن عبد الله بن يعلى بن مُرّة، عن أبيه، عن جدّه يعلى أنّه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه و آله يقول: مَنْ كُنتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ. اللهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ.

  • فلما قدم على عليه السلام الكوفة، نشد الناس، فانتشد له بضعة عشر رجلًا فيهم أبو أيُّوب الأنصاريّ صاحب منزل رسول الله صلّى الله عليه و آله و نَاجِيَة بن عَمْرو الخُزَاعيّ.٣

  • و رواه ابن حجر العَسْقَلانيّ عن كتاب «الموالاة» لابن عُقْدَة.٤

  • روايات أبي نعيم في «حلية الاولياء» حول الاحتجاج بحديث الغدير

  • و أخرج أبو نُعَيم الإصفهانيّ بسنده عن عُمَيْرة بن سَعْد أنّه قال: شهدتُ عليّاً عليه السلام على المنبر ناشداً أصحاب رسول الله، و فيهم أبو سَعِيد، و أبو هُريرة، و أنس بن مالك، و هم حول المنبر، فقال على عليه السلام:

  • نَشَدْتُكُمْ بِاللهِ هَلْ سَمِعْتُمْ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَقُولُ: مَنْ 

    1. «فرائد السمطين» ج ۱، السمط الأوّل، الباب العاشر، ص ٦٩؛ و «البداية و النهاية» ج ٥، ص ٢۱۱.
    2. «كنز العمّال» ج ٦، ص ٣٩۷.
    3. «اسد الغابة» ج ٥، ص ٦.
    4. «الإصابة» ج ٣، ص ٥٤٢.

معرفة الإمام ج٩

45
  • كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ؟! فَقَامُوا كُلُّهُمْ فَقَالُوا: اللهُمَّ نَعَمْ. وَ قَعَدَ رَجُلٌ،فَقَالَ‌: مَا مَنَعَكَ أنْ تَقُومُ؟ قَالَ: يَا أميرَ المُؤْمِنِينَ! كَبُرْتُ وَ نَسِيتُ.

  • فَقَالَ: اللهُمَّ إنْ كَانَ كَاذِباً فَاضْرِبْهُ بِبلَاءٍ حَسَنٍ، قَالَ: فَمَا مَاتَ حتّى رَأيْنَا بَيْنَ عَيْنَيهِ نُكْتَةً بَيْضَاءَ، لَا تُوارِيهَا العِمَامَةُ.۱

  • و هذا الرجل كما جاء في روايات كثيرة هو أنس بن مالك. و المقصود من النكتة البيضاء، ظهور البرص في جبهته، و كان قبيحاً إلى درجة أنّه لم يستطع إنزال عمامة للتستّر عليه، ذلك أنّ تلك النكتة البيضاء كانت بين عينيه.

  • و قال العلّامة الأمينيّ في التعليقة بعد نقل هذا الحديث عن حِلية أبي نُعَيم: لفظة حَسَن (في كلام الإمام: اضربه ببلاء حَسَن) من زيادات الرواة أو النسّاخ، فإنّ ما أصاب الرجل و هو أنس بمعونة بقيّة الأحاديث من العمى أو البرص كانت نقمة عليه، من جرّاء دعواه الكاذبة، من النسيان المسبَّب من الكبر، لا بلاء حسناً. كيف؟ و قد اريد به الفضيحة، و كان بنفسه يلهج بذلك.٢

  • و نقل الشيخ سليمان القندوزيّ الحنفيّ عن الحافظ أبي نُعيم الإصفهانيّ في «حلية الأولياء» عن أبي الطفيل حديثاً مفصّلًا في الاحتجاج بحديث الغدير في يوم الرُّحْبة و مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام، و ذكر فيه سبعة عشر صحابيّاً شهدوا، منهم: خُزَيْمة بن ثابت، سَهْل بن سَعْد، عَدِيّ بن حاتم، عَقَبة بن عامر، أبو أيّوب الأنصاريّ، أبو سعيد الخُدريّ، ‌

    1. «حلية الأولياء» ج ٥، ص ٢٦ و ٢۷؛ و «الغدير» ج ۱، ص ۱۸۰ و ۱۸۱. و نقل ابن المغازلي الشافعيّ مختصراً في كتاب «مناقب على بن أبي طالب» ص ٢٦، الحديث رقم ٣۸.
    2. «الغدير» ج ۱، ص ۱۸۱، التعليقة (۱).

معرفة الإمام ج٩

46
  • أبو شُريح الخُزاعيّ، أبو قُدامة الأنصاريّ، أبو ليلى، و أبو الهَثيم بن التيّهان. قد شهد هؤلاء الصحابة العِظام من خلال ذكر مواصفات يوم غدير خمّ، و وصيّة النبيّ في الثَّقَلين: كتاب الله و العترة، و الولاية.۱

  • رواية خطيب خوارزم و بيان معنى المناشدة

  • و روى موفّق بن أحمد: خطيب خوارزم بسنده عن سعيد بن وهب، و عبد خير أنّهما ذكرا مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام و جواب الصحابة بلفظ: فَقَام عِدَّةٌ مِنْ أصْحَابِ النَّبِيّ صلّى الله عليه و آله، و حكاية حديث الموالاة.

  • و قال بعد ذلك: يُقَالُ: نَشَدْتُكَ اللهَ، وَ نَاشَدْتُكَ اللهَ، وَ أنْشدْتُكَ بِاللهِ، أي: سَألْتُكَ بِهِ وَ طَلَبْتُ إلَيْكَ. وَ هُوَ مَجَازُ قَوْلِهِمْ نَشَدَ الضَّالَةَ يَنْشُدُهَا إذَا طَلَبها. وَ أنْشَدَهَا إذَا عَرَّفَهَا.٢

  • و نقل ابن الأثير في ترجمة عبد الرحمن بن مُدْلج أنّ ابن عُقْدة روى بإسناده عن أبي الغيلان: سعْد بن طَالِب، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ذي مُرّ، و يزيد بن يثيع، و سعيد بن وهب، و هانئ بن هانئ و قال أبو إسحاق: حدّثني من لا احصي أنّ عليّاً عليه السلام نشد الناس في الرُّحْبة: من سمع قول رسول الله: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ. اللهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ. فقام نفر منهم و شهدوا أنّهم سمعوا ذلك من رسول الله. وَ كَتَمَ قَوْمٌ فَمَا خَرَجُوا مِنَ الدُّنْيَا حتّى عَمُوا وَ أصَابَتْهُمْ آفَةٌ، مِنْهُمْ يَزِيدُ بْنُ وَدِيعَةَ، وَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُدْلِجٍ. أخْرَجَهُ أبُو موسى.٣

  • و نصل إلى نهاية حديثنا عن الاحتجاج بحديث الغدير في الرُّحْبة.

    1. «ينابيع المودّة» ص ٣۸، الطبعة الاولى، إسلامبول.
    2. «مناقب الخوارزميّ» ص ٩٤، الطبعة حجريّة، و ص ٩٥ في الطبعة الحديثة.
    3. «اسد الغابة» ج ٣، ص ٣٢۱.

معرفة الإمام ج٩

47
  • و قد ذكرنا هذا الاحتجاج بنحو مفصّل و مسهب، لأنّه أهمّ من جميع‌الاحتجاجات الاخرى، و التعويل عليه أضمن، و شيوعه في الكتب أكثر.و لا نألف كتاباً في الحديث و التأريخ و السيرة إلّا و تطرّق إلى احتجاج رحبة الكوفة. فلهذا يحظى بأهمّيّة خاصّة من حيث الاحتجاج به و الاستناد إليه مع ما يتمتّع به من الثبوت لدي أرباب التأريخ و السير.

  • خصوصاً، أنّ ما نقلناه من الحديث كان مأخوذاً من كتب العامّة ليطّلع إخواننا الشيعة على ثبوت هذا الموضوع عند الخصم، و يعلم إخواننا العامّة أنّ هذه الامور موجودة في المدارك الموثوقة لكتبهم، و لا تخفى حقيقة الأمر، و إن كان العامّة و الأكثريّة على خلاف ذلك. و هذا هو الحقّ، وَ هُوَ أحَقُّ أنْ يُتَّبَعَ. و على الرغم من هذا السند و هذه الدلالة في حديث الغدير، كيف يقول عمر عند دنوّ أجله: لو كان أبو عبيدة بن الجرّاح حيّاً لاستخلفته، و قلت لربّي يوم القيامة: رسولك قال: هذا أمين الامّة.

  • كيف نسي ذلك البحر الذي لا نفاد له من الفضائل و المناقب التي كان قد سمعها من رسول الله صلّى الله عليه و آله بحقّ أمير المؤمنين عليه السلام؟ هل نسيها عمر أم تناساها؟ و كلّ واحدة من هذه الفضائل تعادل قول رسول الله: هذا أمينُ الامَّة۱ على فرض صحّة صدوره ألف مرّة، و هي أقوى و أمتن، و في الاحتجاج و الاستدلال أقطع و أدفع. ألا يستطيع عمر أن يقول لربّه يوم القيامة: استخلفتُ عليّاً لأنّي سمعت باذَنَيّ هاتين، و رأيت بعينَيّ هاتين أنّ نبيّك رفع عليّاً على المنبر آخذاً بيده، و هو يقول للمسلمين من المهاجرين و الأنصار: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ. اللهُمَّ والِ 

    1. هذا الكلام موضوع مفترى لا صحّة له. و تخلو منه كتب الإماميّة كلها سواء مصادرها و مجاميعها أم غيرها من الكتب.

معرفة الإمام ج٩

48
  • مَنْ وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَ انْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَ اخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ، وَ أعِنْ مَنْ‌أعَانَهُ، وَ أحِبَّ مَنْ أحَبَّهُ وَ أبْغِضْ مَنْ أبْغَضَهُ؟!

  • و لما كنتُ قد اعترفت ذلك اليوم بإمارته و ولايته و حكومته و أولويّته في الأوامر و النواهي و الأحكام و السياسات و المعاملات من خلال قولي له:بَخٍّ بَخًّ لَكَ يَا بْنَ أبي طَالِبٍ! أصْبَحْتَ مَوْلَايَ وَ مَوْلى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَ مُؤْمِنَةٍ، فليس لي نكث العهد، لذلك استخلفته، بل و أتوب إلى الله، و أعتذر إليه من غصب الخلافة في الماضي!

  • احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام بحديث الغدير في معركة الجمل‌

  • الاحتجاج الخامس بحديث الغدير يتمثّل في ما استشهد به أمير المؤمنين عليه السلام في حرب الجمل التي خاضها ضدّ طلحة و الزبير. فلما نكث هذان البيعة، و تحرّكا تلقاء البصرة حبّاً للرئاسة، و آزرا عائشة زوجة النبيّ التي كانت تقود الجيش، و استجابا لتحريض و لديهما:محمّد بن طلحة، و عبد الله بن الزبير اللذين كانت عائشة خالتهما، أعدّا عدّتهما و جهّزا جيشاً للقتال، و تحرّكا صوب البصرة و معهما اثنا عشر ألفاً بذريعة المطالبة بدم عثمان. و دخلوا البصرة و قتلوا و ذبحوا، و قبضوا على عثمان بن حنيف و إلى البصرة من قبل أمير المؤمنين عليه السلام و نتفوا لحيته، و عذّبوه كثيراً، و أرادوا قتله، بَيدَ أنّهم لم يفعلوا خوفاً من بطش أخيه سهل بن حُنَيف الذي كان في المدينة.

  • و عند ما تواجه الجيشان و هما يستعدّان للقتال، فإنّ أمير المؤمنين عليه السلام لم يبدأ القوم بقتال، بل استدعى في البداية طلحة و الزبير كلّا على انفراد، و اجتمع بكلّ منهما في وسط الميدان، و أتمّ عليهما الحجّة. و هذه القصّة مفصّلة و هي مشهورة للغاية. بَيدَ أنّا نجتزئ هنا بالاستشهاد بحديث الغدير في مقام الاحتجاج و المناشدة.

  • فقد أخرج الحافظ الكبير: أبو عبد الله محمّد بن عبد الله المعروف 

معرفة الإمام ج٩

49
  • بالحاكم النيسابوريّ المتوفي سنة ٤۰٥ ه في مستدركه بسنده عن رفاعة بن‌أياس الضبِّبيّ، عن أبيه، عن جدّه أنّه قَالَ: كُنَّا مَعَ عَلِيّ يَوْمَ الجَمَلِ فَبَعَثَ إلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ أنِ الْقَنِي. فَأتَاهُ طَلَحَة، فَقَالَ: نَشَدْتُكَ اللهَ هَلْ سَمِعَتَ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَقُولُ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ.اللهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَلِمَ تُقَاتِلُني؟! قَالَ:لَمْ أذْكُرْ. قَالَ: فَانْصَرَفَ طَلْحَةُ.۱

  • و ذكر هذه الرواية سنداً و متناً أخطب خطباء خوارزم، موفّق بن أحمد بسنده عن الحاكم النيسابوريّ: الحافظ أبي عبد الله، و في آخرها:فَانْصَرَفَ طَلْحَةُ وَ لَمْ يَرُدَّ جَوَابَاً.٢

  • و نقلها سبط بن الجوزيّ بهذه العبارة: وَ في رِوَايَةٍ أنَّ عَلِيَّاً عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِطَلْحَةَ: نَشَدْتُكَ اللهَ! أ لَمْ تَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ [وَ آلِهِ‌] وَ سَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ؟! فَقَالَ: بَلى وَ اللهِ. ثمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ.٣

  • و رواها الهَيْثَميّ عن طريق البزَّار،٤ و ابن حجر العسقلانيّ عن طريق النسائيّ.٥

  • و ذكرها أبو الحسن عليّ بن الحسين المسعوديّ المتوفي سنة ٣٤٦ ه بقوله: لما تمّ احتجاجه مع الزبير و رجع الأخير، نَادَى عَلِيّ رَضِيَ‌اللهُ عَنْهُ طَلْحَةَ حِينَ رَجَعَ الزُّبَيْرُ: يَا أبَا مُحَمَّدٍ! مَا الذي أخْرَجَكَ؟! قَالَ: الطَّلَبُ 

    1. «مستدرك الحاكم» ج ٣، ص ٣۷۱.
    2. «مناقب الخوارزميّ» ص ۱۱٢، الطبعة الحجريّة، و في الطبعة الحديثة، ص ۱۱٥.
    3. «تذكرة خواصّ الامّة» ص ٤٢.
    4. «مجمع الزوائد و منبع الفوائد» ج ٩، ص ۱۰۷.
    5. «تهذيب التهذيب» ج ۱، ص ٣٩۱.

معرفة الإمام ج٩

50
  • بِدَمِ عُثْمَانَ!قَالَ عَلِيّ: قَتَلَ اللهُ أوْلَانَا بِدَمِ عُثْمَانَ. أ مَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ:اللهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ؟ وَ أنْتَ أوَّلُ مَنْ بَايَعَني ثمَّ نَكَثْتَ، وَ قَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى‌ نَفْسِهِ‌}؟۱ فَقَالَ:أسْتَغْفِرُ اللهَ. ثمَّ رَجَعَ.٢

  • و أمّا احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام و رجوع الزبير بنحو آخر.

  • فقد قال فيه المسعوديّ: و لما استعدّ الصفّان للقتال، خرج عليّ عليه السلام بنفسه حاسراً على بغلة رسول الله صلّى الله عليه و آله لا سلاح عليه، فنادى: يا زبير! اخرج إليّ. فخرج إليه الزبير شاكاً في سلاحه.

  • فقيل ذلك لعائشة، فقالت: وَا ثَكْلُكِ يَا أسْمَاءُ.٣ فقيل لها: إنّ عليّاً حاسر لا سلاح معه، فاطمأنّت. و اعتنق كلّ واحد منهما صاحبه. فقال له عليّ عليه السلام: ويحك يا زبير! ما الذي أخرجك؟!

  • قال: دم عثمان! فقال [الإمام‌]: قتل الله أولانا بدم عثمان. أ ما تذكر يوم لقيت رسول الله صلّى الله عليه و آله في بني بياضة و هو راكب حماره، فضحك إلي رسول الله، و ضحكتُ إليه، و أنت معه، فقلتَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا يَدَعُ عَلِيّ زَهْوَهُ، فقال لك: لَيْسَ بِهِ زَهْوٌ. أ تُحِبُّهُ يَا زُبَيْرُ؟ فقلت: إنِّي و الله لاحبّه!

    1. الآية ۱۰، من السورة ٤۸: الفتح: إنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أيْدِيهِمْ فَمَن نكَثَ فَإنَّمَا يَنكُثُ على نَفْسِهِ وَ مَنْ أوْفى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أجْرًا عَظِيمًا.
    2. «مروج الذهب» ج ٢، ص ٣۷٣ طبعة دار السعادة، ص ٣٦٤ و ٣٦٥، في طبعة دار الأندلس.
    3. أسماء بنت أبي بكر و اخت عائشة، و هي زوجة الزبير.

معرفة الإمام ج٩

51
  • فقال لك: إنَّكَ وَ اللهِ سَتُقَاتِلُهُ وَ أنْتَ لَهُ ظَالِمٌ‌! فقال الزبير: أستغفرالله، و الله لو ذكرتها، ما خرجتُ!

  • فقال [له الإمام‌]: يا زبير، ارجِع! فقال: و كيف أرجع الآن وَ قَدِ الْتَقَت حَلَقَتَا البِطَانِ.۱ هذا و الله العار الذي لا يُغْسَلُ.

  • فقال: يَا زُبَيْرُ! ارجِعْ بِالعَارِ قَبْلَ أنْ تَجْمَعَ العَارَ وَ النَّارَ. فرجع الزبير و هو يقول:

  • إخْتَرْتُ عَاراً على نارٍ مُؤجَّجَةٍ***مَا إنْ يَقومُ لها خَلْقٌ مِنَ الطينِ‌
  • نَادَى عَلِيّ بِأمْرٍ لَسْتُ أجْهَلُهُ‌***عَارٌ لَعَمْرُكَ في الدُّنْيَا وَ في الدِّينِ‌
  • فَقُلْتُ: حَسْبُكَ مِنْ عَذْلٍ أبا حَسَنٍ***‌فَبَغْضُ هَذَا الذي قَدْ قُلْتَ يَكْفِني‌٢
  • انصراف الزبير عن الحرب و قتله غيلةً

  • يقول المسعوديّ: بعد الكلام الذي دار بين الزبير و بين ابنه عبد الله، و بعد الشجاعة التي أبداها في ساحة القتال، مضى الزبير منصرفاً، حتّى أتى وادي السِّباع و الأحْنَف بن قَيْس معتزل في قومه (بني تميم). فأتاه آتٍ فقال له: هذا الزبير مارّاً. فقال الأحنف: ما أصنع بالزبير؟ و قد جمع بين فئتين عظيمتين من الناس يقتل بعضهم بعضاً، و هو مارّ إلى منزله سالما.

  • فلحقه نفر من بني تميم، فسبقهم إليه عمرو بن جُرموز، و قد نزل 

    1. البِطان، الحزام الذي يجعل تحت بطن الفرس و البغل، له حلقتان متّصلتان تحت البطن. و إذا ما كانتا منفصلتين فإنّ الدابّة غير جاهزة للركوب و الحركة. أمّا إذا اتّصلتا بعضهما ببعض، فإنّها جاهزة للحركة، و كلّ شي‌ء يكون قد تمّ و حان حِينُهُ. و قوله: إلْتَقَتْ حَلْقَتَا البِطَانِ مَثَلُّ يضرب عند العرب إذا عظم الخطب و اشتدّ الأمر.
    2. «مروج الذهب» ج ٢، ص ٣۷۱ و ٣۷٢، طبعة دار السعادة.

معرفة الإمام ج٩

52
  • الزبير إلى الصلاة. (فقال: أ تؤمُّني أو أؤُمُّكَ؟) فأمَّه الزبير، فقتله عمرو في‌ الصلاة، و له خمس و سبعون سنة. و قيل: إنّ الأحنف بن قيس قتله بإرساله من أرسل من قومه.

  • و أتى عَمْرو بن جُرْمُوز أمير المؤمنين عليه السلام بسيف الزبير و خاتمه و رأسه، و قيل: إنّه لم يأت برأسه. فقال الإمام: سَيْفٌ طَالَما جَلَا الكَرْبَ عَنْ (وَجْهِ) رَسُولِ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ لَكِنَّهُ الحَيْنُ وَ مَصَارِعُ السُّوءِ، وَ قَاتِلُ ابْنِ صَفِيَّةِ في النَّارِ.۱

  • ذلك أنّ ابن جرموز قتل الزبير غيلةً و غَفْلةً، و لم يرد الفتك في الإسلام، كما لا يجوز القتل غيلة، و هو المعبَّر عنه اليوم: الاغتيال. يضاف إلى ذلك أنّ ابن جرموز قد ركب هواه و قتل الزبير بلا إذن من الإمام و كان الزبير قد اعتزل الحرب و مضى لوجهته، فما هو المبرّر الشرعيّ لابن جرموز حتّى يقوم بقتل الزبير، و الإمام لم يأذن بذلك؟

  • و أمّا مصير طلحة، فقد كان مشغولًا بالحرب مع جماعة من أصحابه، و كان يوصي الجيش بالصبر و الصمود، حتّى رماه مَرْوان بن الحَكَم، و هو أحد أفراد جيشه، بسهم في أكحله، فنزف دمه حتّى مات. يقول مروان:

  • كنت أعلم أنّ طلحة هو الذي كان يحرّض الناس على قتل عثمان، و هو أحد مسبّبي قتله، فلم ارَ أنسب من ذلك اليوم للأخذ بثأر عثمان، فرميته بسهم، فقتلت أحد قاتلي عثمان.

  • يقول اليعقوبيّ: فقتل طلحة بن عبيد الله في المعركة. رماه مروان بن الحكم بسهم فصرعه، و قال: لا أطلب بعد اليوم بثأر عثمان، و أنا قتلته.

  • فقال طلحة لما سقط إلى الأرض: تالله ما رأيت كاليوم قطّ شيخاً من ‌

    1. «مروج الذهب» ص ٣۷٢ و ٣۷٣.

معرفة الإمام ج٩

53
  • قريش أضيع مني. إنِّي و الله ما وقفت موقفاً قطّ إلّا عرفت موضع قدمي فيه إلّا هذا الموقف.۱

  • يقول المسعوديّ: لما رأى مروان بن الحكم طلحة في ميدان القتال، قال: ما ابالى رميتُ ههنا أم ههنا: جيش علي أو جيش البصرة. فرماه في أكحله فقتله.٢

  • شهادة أبي أيُّوب الانصاريّ و مرافقيه بحديث الغدير

  • الاحتجاج السادس: و هو الاستدلال الذي كان في الكوفة أيضاً سنة ٣٦ أو ٣۷ ه. و تفسيره أنّ رهطاً جاءوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام و قالوا: السلام عليك يَا مَوْلَانَا. قال: و كيف أكون مولاكم و أنتم عرب؟ (المولى: السيّد، و صاحب الغلام و الجارية، و صاحب الأسير و نظير ذلك.و مع أنّكم عرب، و لستم أسرى أو عبيداً لي، فكيف ترونني مولى لكم؟) و تخاطبونني بكلمة مَوْلى؟ قالوا: سمعنا رسول الله يقول يوم غدير خمّ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ.

  • و روى عليّ بن عيسى الأربليّ في «كشف الغُمَّة» أحاديث في منقبة أمير المؤمنين عليه السلام عن الحافظ أبي بكر أحمد بن موسى بن مَرْدَوَيْه. يقول في أوّلها: وَ أمَّا مَا رَوَاهُ الحَافِظُ أبُو بَكْر أحْمَدَ بنُ موسى بن مَرْدَوَيْه فَأنَا أذْكُرُهُ على سِيَاقَتِهِ، {وَ ما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ‌}.٣ ثمَّ يبدأ بذكر الفضائل إلى أن يقول: في رواية عن رياح بن الحرث، قال: كنت في الرحبة مع أمير المؤمنين عليه السلام إذ أقبل ركب يسيرٌ حتّى أناخوا بالرُّحْبَة، ثمَّ أقبلوا يمشون حتّى أتوا عليّاً عليه السلام ‌

    1. «تاريخ اليعقوبيّ» ج ٢، ص ۱۸٢.
    2. «مروج الذهب» ج ٢، ص ٣۷٣.
    3. «كشف الغمّة» ص ٩٢، طبعة القطع الرحلي.

معرفة الإمام ج٩

54
  • فقالوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ وَ رَحْمَةُ اللهِ وَ بَرَكَاتُهُ. قَالَ: مَنِ القوم؟ مَوَالِيكَ يَا أمِيرَ المؤمِنِينَ.

  • قال رياح: فنظرتُ إلى أمير المؤمنين و هو يضحك و يقول: مِنْ أيْنَ وَ أنْتُمْ قَوْمٌ عَرَبٌ‌؟ قالوا: سمِعْنَا رسول الله صلّى الله عليه و آله يقول يوم غدير خمّ و هو آخذ بعضدك: أيُّهَا النَّاسُ! أ لَسْتُ أوْلى بِالمُؤْمِنينَ مِنْ أنفُسِهِم؟! قُلْنَا: بَلى يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَالَ: إنّ اللهَ مَوْلَايَ، وَ أنَا مَوْلى المُؤْمِنِينَ، وَ عَلِيّ مَوْلى مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ، اللهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ.۱

  • فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام: أنتم تقولون ذلك؟ قالوا: نعم.قال: و تشهدون عليه؟ قالوا: نعم. قال: صَدَقْتُمْ.

  • فانطلق القوم و تبعتهم فقلت لرجل منهم: مَن أنتم يا عبد الله؟ قالوا:نحن رهط من الأنصار، و هذا أبو أيّوب صاحب منزل رسول الله صلّى الله عليه و آله. فأخذت بيده فسلّمت عليه و صافحته.٢

  • و روي عن حبيب بن يَسار عن أبي رُمَيْلة أنّ ركباً أربعة أتوا عليّاً عليه السلام حتّى أناخوا بالرُّحبة. ثمّ أقبلوا إليه فقالوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أمِيرَ المؤمِنِينَ وَ رَحْمَةُ اللهِ وَ بَرَكَاتُهُ. قال: وَ عَلَيْكَمْ السَّلَامُ! أنِّى أقبَل الرَّكْبُ؟

    1. نقل ابن المغازليّ الجُلابيّ الشافعيّ حديث الركبان عن أحمد بن محمّد البزّاز بسنده عن رياح بن الحارث في ص ٢٢ من مناقبه. و ذكره العلّامة الأمينيّ في «الغدير» عن أحمد بن حنبل عن رياح بن الحارث، ج ۱، ص ۱۸۷، و كذلك جاء في «إحقاق الحقّ» ج ٦، ص ٣٢٦.
    2. جاء في النسخة البدل هنا أنّ الأربليّ يقول: ذكرنا هذه الرواية سابقاً بألفاظ مختصرة عن مسند أحمد بن حنبل و رياح بن الحارث؛ و «البداية و النهاية» ج ٥، ص ٢۱٢.

معرفة الإمام ج٩

55
  • قالوا: أقْبَلَ مَوَالِيكَ مِنْ أرْضِ كَذَا وَ كَذَا. قال: أنِّى أنْتُمْ مَوَالِيّ‌؟ قالوا: سمِعْنَا رسول الله صلّى الله عليه و آله يوم غدير خمّ يقول: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ. اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ.۱

  • و ذكر ابن الأثير الجزريّ في ترجمة حبيب بن بُدَيْل بن ورقاء أنّ أبا العبّاس بن عُقْدَة روى بإسناده عن زِرِّ بن حُبَيْش قال: خرج عليّ عليه السلام من القصر فاستقبله ركبان متقلّدي السيوف فقالوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أمِيرَ المؤمِنِينَ! السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَوْلَانَا وَ رَحْمَةُ اللهِ وَ بَرَكَاتُهُ.

  • فقال أمير المؤمنين عليه السلام: مَنْ هاهنا مِنْ أصحاب رسول الله صلّى الله عليه و آله؟ فقام اثنا عشر، منهم: قَيْسُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ شماس، و هاشم بن عُتبة، و حَبيب بن بُدَيل بن وَرْقاء، فشهدوا أنّهم سمعوا النبيّ صلّى الله عليه و آله يقول: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ‌. و أخرجه أبو موسى.٢

  • شهادة اثني عشر رجلًا من الصحابة بحديث الغدير عند أمير المؤمنين‌

  • و قال شيخنا الأجلّ أبو عمرو محمّد الكشيّ في رجاله بعد نقل مضمون هذا هذا الحديث عن المنهال بن عمرو، عن زِرِّ بن حُبيش، و ذكر الشهود التالية أسماؤهم: خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ و هو أبُو أيُّوب، و خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِت ذُو الشَّهادَتَيْنِ، و قَيْسُ بْنُ سَعْد بن عُبَادَة، و عَبْدُ اللهِ بنُ بُدَيْل بن وَرْقَاء:

  • قال على عليه السلام لأنس بن مالك، و البراء بن عازب: ما منعكما أن تقوما فتشهدا؟! فقد سمعتما كما سمع القوم! ثمّ قال: اللهمّ إن كانا كتماها 

    1. «كشف الغمّة» ص ٩٣ و ٩٤. و جاء هذا الحديث مختصراً في كتاب «الرِّياض النَّضرة» ج ٣، ص ۱٦۱، طبعة شركة الطباعة المتّحدة الفنّيّة، عن رياح بن الحارث، عن أحمد بن حنبل، و عن البَغَويّ في معجمه. و رواه أحمد مختصراً في «الفضائل» كما نقل ذلك المجلسيّ في «بحار الأنوار» ج ٩، ص ٢۰٩.
    2. «اسد الغابة» ج ۱، ص ٣٦۸ و ٣٦٩.

معرفة الإمام ج٩

56
  • معاندة فابتلهما!

  • فعمي البراء بن عازب، و برص وجه أنس بن مالك. فحلف أنس بن مالك أن لا يكتم منقبة لعليّ بن أبي طالب و لا فضلًا أبداً. أمّا البراء بن عازب فكان يسأل عن منزله فيقال: هو في موضع كذا و كذا. فيقول: كيف يرشد من أصابته دعوة عليّ بن أبي طالب؟۱

  • و ذكر العلّامة الأمينيّ أسماء الذين شهدوا بالولاية، و عُرِفَ يومهم بيوم الركبان، و ذكر بعد ذلك أسماء الذين كتموا على النحو التالى: أمّا الشهود فهم:

  • ۱ أبُو الهَيثَم بن التيّهان بدريّ. (شهد بدراً).

  • ٢ أبو أيّوب: خَالد بن زَيْد الأنْصَارِيّ.

  • ٣ حَبيب بن بُدَيْل بن وَرْقاء الخُزاعيّ.

  • ٤ خُزيمة بن ثابِت ذُو الشَّهادَتَيْن. الشهيد بصفّين (بدريّ).

  • ٥ عَبد الله بن بُدَيْل بن وَرْقَاء. الشهيد بصفّين.

  • ٦ عَمَّار بن يَاسِر. قتيل الفئة الباغية بصفّين. بدريّ.

  • ۷ قيس بن ثابت بن شِمَاس الأنْصَارِيّ.

  • ۸ قَيْس بن سَعْد بن عُبادة الخَزْرَجيّ (الأنْصَارِيّ) بدريّ.

  • ٩ هاشم المرقال بن عُتَبَة صاحب راية (أمير المؤمنين) عليّ و الشهيد بصفّين.

    1. «رجال الكشّيّ» ص ٣۰ و ٣۱، فيما روي من جهة العامّة. و نقل المجلسيّ في «بحار الأنوار» ج ٩، ص ٢٢٣ عن ابن أبي الحديد أنّه قال: و قد ذكر ابن قُتَبة حديث البَرَص و الدَّعوة التي دعا بها أمير المؤمنين عليه السلام على أنس بن مالك في كتاب المعارف، و ابن قتيبة غير متّهم في حقّ عليّ على المشهور من انحرافه عنه.

معرفة الإمام ج٩

57
  • و أمّا الذين كتموا الشهادة. بناءً على ما سجّلته كتب التأريخ، فهم:

  • ۱ أبُو حَمْزَة: أنَس بن مَالِك. المتوفي (سنة) ٩۰ أو ٩۱ أو ٩٣ ه.

  • ٢ البراء بن عازب الأنْصَارِيّ. المتوفي (سنة) ۷۱ أو ۷٢ ه.

  • ٣ جرير بن عَبْد الله البجلي. المتوفي (سنة) ٥۱ أو ٥٤ ه.

  • ٤ زَيْد بن أرْقَم الخَزْرَجيّ. المتوفي (سنة) ٦٦ أو ٦۸ ه.

  • ٥ عَبدُ الرحمن بن مُدْلِج.

  • ٦ يَزيد بن وديعة.۱

  • كتاب معاوية إلى أمير المؤمنين في صفيّن مع أبي هريرة و أبي الدرداء

  • الاحتجاج السابع: و يتمثّل بمناشدة أمير المؤمنين عليه السلام في حرب صفّين أمام عسكره و جمع الناس و من بحضرته من النواحي و المهاجرين و الأنصار.

  • و كان هذا الاحتجاج في وقت كان معاوية قد بعث فيه كتاباً إلى الإمام مع أبي هُرَيْرة و أبي الدرداء، و وجّه إليه أسئلة شفويّة بواسطتهما.

  • و لما كان هذا الكتاب و الأسئلة و أجوبتها رائعة جدّاً، فلهذا ننقل القصّة من أوّلها. ثمَّ نعرّج على استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام بحديث الغدير. و وردت هذه القصّة مفصّلة في كتاب التابعيّ الجليل سُلَيم بن قَيْس الهِلالي الكوفيّ الذي كان من أعاظم أصحاب الإمام، و لا مِراء عند الخاصّة و العامّة في جلالته و وثاقته و أمانته و نزاهته في النقل.

  • روى أبان بن أبي عيّاش عن سُلَيم بن قيس أنّه قال: كنّا مع أمير المؤمنين عليه السلام بصفّين: و زعم أبو هُريرة العَبْديّ أنّه سمع من عُمَر بن أبي سَلَمَة أنّ معاوية دعا أبا الدرداء و أبا هريرة، و كانا من أصحابه، فقال لهما: انطلقا إلى على فاقرآه منيّ السلام و قولا له: و الله إنيّ لأعلم 

    1. «الغدير» ج ۱، ص ۱٩۱ و ۱٩٢.

معرفة الإمام ج٩

58
  • أنّك أولى الناس بالخلافة و أحقّ بها منيّ لأنّك من المهاجرين الأوّلين و أنا من الطلقاء. و ليس لي مثل سابقتك في الإسلام و قرابتك من رسول الله و علمك بكتاب الله و سنّة نبيّة.

  • و لقد بايعك المهاجرون و الأنصار بعد ما تشاوروا ثلاثة أيّام ثمَّ أتوك فبايعوك طائعين غير مكرهين. و كان أوّل من بايعك طلحة و الزبير، ثمّ نكثا بيعتك و ظلما و طلبا ما ليس لهما.

  • و بلغني أنّك تعتذر من قتل عثمان و تتبرّأ من دمه! و تزعم أنّه قتل و أنت قاعد في بيتك! و أنّك قلت حين قتل: اللهمّ لم ارض و لم امال.

  • و قلت يوم الجمل حين نادوا: يَا لَثَارات عُثْمانَ! كُبَّ قَتَلَهُ عثمان اليَوْمَ لِوُجُوهِهِمْ إلى النّارِ! أ نحن قتلناه؟ و إنّما قتله هما و صاحبتهما (طلحة، و الزبير، و عائشة)، و أمروا بقتله و أنا قاعد في بيتي، و أنا ابن عمّ عثمان و المطالب بدمه.

  • فإن كان الأمر كما قلتَ، فأمكنا من قتلة عثمان و ادفهم إلينا نقتلهم -يا بن عمّنا- و نبايعك و نسلم إليك الأمر! هذه واحدة.

  • و أمّا الثانية، فقد أنبأتني عيوني و أتتني الكتب من أولياء عثمان ممّن هو معك يقاتل -و نحسب أنّه على رأيك و راض بأمرك و هواه معنا و قلبه عندنا، و جسده معك- أنّك تظهر ولاية أبي بكر و عمر، و تترحّم عليها، و تكفّ عن عثمان و لا تذكره و لا تترحّم عليه و لا تلعنه! (و في رواية اخرى: و لا تسبّه و لا تتبرأ منه).

  • و بلغنيّ أنّك إذا خلوتَ ببطانتك الخبيثة و شيعتك و خاصّتك الضالّة الكاذبة، تبّرأت عندهم من أبي بكر، و عمر، و عثمان، و لعنتهم و ادّعيت أنّك وصيّ رسول الله في امّته و خليفته فيهم، و أنّ الله عزّ و جلّ فرض على المؤمنين طاعتك و أمر بولايتك في كتابه و سنّة نبيّه، و أنّ الله أمر محمّداً أن 

معرفة الإمام ج٩

59
  • يقوم بذلك في امّته، و أنّه أنزل عليه: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‌}.۱ فجمع قريشاً و الأنصار و بني اميّة بغدير خمّ (و في رواية اخرى: فجمع اميّة بغدير خمّ) فبلّغ ما امر به فيك عن الله، و أمَر أن يبلّغ الشاهد الغائب، و أخبرهم‌ أنَّكَ أوْلَى بِهِمْ مِنْ أنْفُسِهِمْ، وَ أنَّكَ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ موسى.

  • و بلغني أنّك لا تخطب خطبة إلّا قلت قبل أن تنزل عن منبرك: وَ اللهِ إنِّي لأوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ، وَ مَا زِلْتُ مَظْلُومَاً مُنْذُ قُبِضَ رَسُولُ اللهِ.

  • لئن كان ما بلغني عنك حقّاً، فلظلم أبي بكر، و عمر إيّاك أعظم من ظلم عثمان، لأنّه بلغني أنّك تقول: لقد قبض رسول الله و نحن شهود فانطلق عمر و بايع أبا بكر، و ما استأمرك و لاشاورك. و لقد خاصم الرجلان (أبو بكر و عمر) الأنصار بحقّك و حجّتك و قرابتك من رسول الله، و لو سلّما لك و بايعاك كان عثمان أسرع الناس إلى ذلك لقرابتك منه و حقّك عليه، لأنّه ابن عمّك و ابن عمّتك!

  • ثمَّ عمد أبو بكر فردّها إلى عمر عند موته، ما شاورك و لا استأمرك حين استخلفه، و بايع له، ثمَّ جعلك عمر في الشورى بين ستّة منكم، و أخرج منها جميع المهاجرين و الأنصار و غيرهم. فولّيتم ابن عوف أمركم في اليوم الثالث حين رأيتم الناس قد اجتمعوا و اخترطوا سيوفهم و حلفوا بالله لئن غابت الشمس و لم تختاروا أحدكم ليضربنّ أعناقكم و لينفذنّ فيكم أمر عمر و وصيّته، فولّيتم أمركم ابن عوف، فبايع عثمان فبايعتموه، ثمّ حصر عثمان فاستنصركم فلم تنصروه و دعاكم فلم تجيبوه، و بيعته في أعناقكم.

    1. الآية ٦۷، من السورة ٥: المائدة.

معرفة الإمام ج٩

60
  • و أنتم يا معشر المهاجرين و الأنصار حضور شهود فخلّيتم عن أهل‌ مصر حتّى قتلوه. و أعانه طوائف منكم على قتله، و خذله عامّكم، فصرتم في أمره بين قاتل و آمر و خاذل.

  • ثمّ بايعك الناس، و أنت أحقّ بها مني فأمكني من قتلة عثمان، حتّى أقتلهم اسلم الأمر لك و ابايعك أنا و جميع من قبلي من أهل الشام.

  • أجوبة أمير المؤمنين عليه السلام على أسئلة معاوية

  • فلما قرأ عليّ عليه السلام كتاب معاوية، و بلغه أبو الدرداء و أبو هُريرة رسالته و مقالته، قال عليّ عليه السلام لأبي الدرداء: قد بلغتماني ما أرسلكما به معاوية! فاسمعا مني ثمّ أبلغاه عني و قولا له:

  • إن عثمان بن عفّان لا يعدو أن يكون أحد رجلين: إمّا إمام هدى حرام الدم، واجب النصرة، لا تحلّ معصيته، و لا يسع الامّة خذلانه. أو إمام ضلالة، حلال الدم، لا تحلّ ولايته و لا نصرته. فلا يخلو من إحدى الخصلتين.

  • و الواجب في حكم الله و حكم الإسلام على المسلمين، بعد ما يموت إمامهم أو يقتل ضالّا كان أو مهتدياً، مظلوماً كان أو ظالما، حلال الدم أو حرام الدم، أن لا يعملوا عملًا، و لا يحدثوا حدثاً، و لا يقدّموا يداً و لا رِجلًا، و لا يبدأو بشي‌ء قبل أن يختاروا لأنفسهم إماماً عفيفاً عالماً ورعاً عارفاً بالقضاء و السنّة يجمع أمرهم و يحكم بينهم و يأخذ للمظلوم من الظالم حقّه، و يحفظ أطرافهم، و يجبي فيئهم و يقيم حجّتهم و يجبي صدقاتهم، ثمّ يحتكمون إليه في إمامهم المقتول ظلماً ليحكم بينهم بالحقّ.

  • فإن كان إمامهم قتل مظلوماً، حكم لأوليائه بدمه، و إن كان قتل ظالماً نظر كيف الحكم في ذلك.

  • هذا أوّل ما ينبغي أن يفعلوه، أن يختاروا إماماً يجمع أمرهم، إن كانت الخيرة لهم و يتابعوه و يطيعوه. و إن كانت الخيرة إلى الله عزّ و جلّ 

معرفة الإمام ج٩

61
  • و إلى رسوله، فإنّ الله قد كفاهم النظر في ذلك و الاختيار، و رسول الله قد رضي لهم إماماً و أمرهم بطاعته و اتّباعه.

  • و قد بايعني الناس بعد قتل عثمان و بايعني المهاجرون و الأنصار بعد ما تشاوروا بي ثلاثة أيّام. و هم الذين بايعوا أبا بكر، و عمر، و عثمان، و عقدوا إمامتهم. ولى ذلك أهل بدر و السابقة من المهاجرين و الأنصار، غير أنّهم بايعوهم قبلي على غير مشورة من العامّة، و أنّ بيعتي كانت بمشورة من العامّة.

  • فإن كان الله جلّ اسمه جعل الاختيار إلى الامّة و هم الذين يختارون و ينظرون لأنفسهم و اختيارهم لأنفسهم و نظرهم لها خير لهم من اختيار الله و رسوله لهم، فكان من اختاروه و بايعوه بيعة هُدىً، و كان إماماً واجباً على الناس طاعته و نصرته، فقد تشاوروا في و اختارونيّ بإجماعٍ منهم.

  • و إن كان الله عزّ و جلّ الذي يختار له الخيرة، فقد اختارني للُامّة، و استخلفني عليهم و أمرهم بطاعتي و نصرتي في كتابه المنزل و سنّة نبيّه المرسل صلّى الله عليه و آله، فذلك أقوى لحجّتي و أوجب لحقّي. و لو أنّ عثمان قتل على عهد أبي بكر و عمر، كان لمعاوية قتالهما و الخروج عليهما للطلب؟!

  • قال أبو هُرَيْرة و أبو الدرداء: لا.

  • قال عليّ عليه السلام: فكذلك أنا. فإن قال معاوية: نعم، فقولا إذاً يجوز لكلّ من ظلم بمظلمة، أو قتل له قتيل أن يشقّ عصا المسلمين و يفرّق جماعتهم و يدعو إلى نفسه.

  • مع أنّ ولد عثمان أولى بطلب دم أبيهم من معاوية.

  • قال سليم: فسكت أبو الدرداء، و أبو هريره و قالا: لقد أنصفت من نفسك!

معرفة الإمام ج٩

62
  • قال عليّ عليه السلام: و لعمري لقد أنصفني معاوية إن تمّ على قوله و صدق ما أعطاني. فهؤلاء بنو عثمان قد أدركوا ليسوا بأطفال و لا مولى عليهم، فليأتوا أجمع بينهم و بين قتلة أبيهم. فإن عجزوا عن حجّتهم، فليشهدوا لمعاوية بأنّه وليّهم و وكيلهم و حربهم في خصومتهم و ليقعدوا و خصمائهم بين يَدَي مقعد الخصوم إلى الإمام و الوالى الذي يقرّون بحكمه و ينفّذون قضاءه.

  • و أنظرُ في حجّتهم و حجّة خصمائهم. فإن كان أبوهم قتل ظالماً و كان حلال الدم، أبطلتُ دمه. (و في رواية اخرى: أهدرتُ دمه). و إن كان مظلوماً حرام الدم، أفديتهم من قاتل أبيهم فإن شاءوا قتلوه و إن شاءوا عفوا و إن شاءوا قبلوا الدية.

  • و هؤلاء قتلة عثمان في عسكري يقرّون بقتله و يرضون بحكمي عليهم. فليأتني ولد عثمان و معاوية إن كان وليّهم و وكيلهم فليخاصموا قتلته و ليحاكموهم حتّى أحكم بينكم بكتاب الله و سنّة نبيّه صلّى الله عليه و آله.

  • و إن كان معاوية إنّما يتجنى و يطلب الأعاليل و الأباطيل فليتجنّ ما بدا له، فسوف يعين الله عليه.

  • شهادة رُسُل معاوية بإنصاف أمير المؤمنين عليه السلام‌

  • قال أبو الدرداء، و أبو هريرة: قد و الله أنصفت من نفسك و زدت على النصفة و أزحت علّته و قطعت حجّته و جئت بحجّة قويّة صادقة ما عليها لوم!

  • ثمّ خرج أبو هريرة و أبو الدرداء من عند على عليه السلام. قال سُلَيم: فإذا نحو من عشرين ألف رجل مقنّعين بالحديد فقالوا: نحن قتله عثمان مقرّون راضون بحكم عليّ عليه السلام علينا و لنا، فليأتنا أولياء عثمان فليحاكمونا إلى أمير المؤمنين عليه السلام في دم أبيهم. فإن أوجب 

معرفة الإمام ج٩

63
  • علينا القود أو الدية، اصطبرنا لحكمه و سلمنا.

  • فقال أبو الدرداء و أبو هريرة: قد أنصفتم، و لا يحلّ لعليّ دفعكم و لا قتلكم حتّى يحاكموكم إليه فيحكم بينكم و بين أصحابكم بكتاب الله و سنّة نبيّه صلّى الله عليه و آله!

  • و انطلق أبو الدرداء و أبو هريرة حتّى قدما على معاوية فأخبراه بما قال على عليه السلام و ما قال قتلة عثمان، و ما قال أبو النعمان بن ضمان.

  • فقال معاوية: فما ردّ على عليكما في ترحمه على أبي بكر، و عمر، و كفّه عن الترحّم على عثمان و براءته منه في السرّ، و ما يدّعى من استخلاف رسول الله إيّاه و أنّه لم يزل مظلوماً منذ قبض رسول الله؟!

  • قالا: بلى قد ترحّم على أبي بكر، و عمر و عثمان عندنا و نحن نسمع، ثمّ قال لنا فيما يقول: إن كان الله جعل الخيار إلى الامّة فكانوا هم الذين يختارون و ينظرون لأنفسهم، و كان اختيارهم لأنفسهم و نظرهم لها خيراً لهم و أرشد من اختيار الله و اختيار رسول الله، فقد اختاروني و بايعوني، فبيعتي بيعة هدى، و أنا إمام واجب على الناس نصرتي لأنّهم قد تشاوروا في و اختاروني.

  • و إن كان اختيار الله و اختيار رسول الله صلّى الله عليه و آله خيراً لهم و أرشد من اختيارهم لأنفسهم و نظرهم لها، فقد اختارني الله و رسوله للُامّة و استخلفاني عليهم و أمراهم بنصرتي و طاعتي في كتاب الله المنزل على لسان نبيّه المرسل، و ذلك أقوى لحجّتي و واجب لحقّي.

  • شهادة أمير المؤمنين عليه السلام بحديث الغدير في صفّين‌

  • ثمّ صعد عليّ عليه السلام المنبر في عسكره و جمع الناس، و من بحضرته من النواحي و المهاجرين و الأنصار، ثمّ حمد الله و أثنى عليه، ثمّ قال: مَعَاشِرَ النَّاسِ! إنَّ مَنَاقِبي أكْثَرُ مِنْ أنْ تُحْصَى! وَ بَعْدَ مَا أنْزَلَ اللهُ في كِتَابِهِ مِنْ ذَلِكَ وَ مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ أكْتَفي بها عَنْ جَمِيعِ.

معرفة الإمام ج٩

64
  • مَنَاقِبِي وَ فَضْلي (يتطرّق الإمام عليه السلام هنا إلى كثير من مناقبه المنزَلَة في كتاب الله أو المحكيّة على لسان رسول الله صلّى الله عليه و آله بنحو مفصّل و صريح، و يحتجّ بها كلها على سبيل مناشدة الناس المستمعين، و هم يقولون: اللهُمَّ نَعَمْ، «نحن نشهد على ما يقوله عليّ و ما قاله النبيّ بحقّه». هذه المناشدة مفصّلة و رائعة جدّاً. بَيدَ أنّها لما كان أكثر عباراتها و موضوعاتها مماثلًا لما ورد في مناشدته و احتجاجه في مسجد رسول الله أيّام حكومة عثمان عند ما كان المهاجرون و الأنصار يفتخرون بسوابقهم، و كنّا قد نقلنا ذلك نفسه في الاحتجاج الثالث المارّ ذكره و الماثور عن «فرائد السمطين» للحمّوئيّ بسنده عن سُلَيْم بن قَيْس، فلهذا نحجم عن ذكر نصّها و نكتفي بما يناسب استشهادنا و احتجاجنا في هذا البحث المتمثّل بالاحتجاج بحديث الغدير).

  • فَأمَرَ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ أن يُعْلِمَهُمْ وَ أنْ يُفَسِّرَ لَهُمْ مِنَ الوَلَايَةِ مَا فَسَّرَ لَهُمْ مِنْ صَلَاتِهِمْ وَ صِيَامِهِمْ وَ زَكَاتِهِمْ وَ حَجِّهِمْ، فَنَصَبَني بِغَدِيرِ خُمٍّ وَ قَالَ: إنَّ اللهَ أرْسَلَني بِرِسَالَةٍ ضَاقَ بها صَدْرِي، وَ ظَنَنْتُ أنَّ النَّاسَ مُكَذِّبُونِي، فَأوْعَدَني لأبَلِّغَنَّهَا أوْ يُعَذِّبَني! قُمْ يَا عَلِيّ!

  • ثمَّ نَادَى بِالصَّلَاةِ جَامِعَةً فَصَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ ثمَّ قَالَ: أيُّهَا النَّاسُ! إنَّ اللهَ مَوْلَاي وَ أنَا مَوْلَى المُؤْمِنِينَ وَ أوْلَى بِهِمْ مِنْ أنْفُسِهِم. مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ. اللهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَ انْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَ اخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ!

  • فَقَامَ إلَيْهِ سَلْمَانُ الفَارِسيّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ وَلاؤُهُ كَمَا ذَا؟! فَقَالَ:وَلاؤُهُ كَوَلَايَتِي. مَنْ كُنْتُ أوْلَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ فَعَلِيّ أوْلَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ. وَ أنْزَلَ اللهُ: {الْيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ 

معرفة الإمام ج٩

65
  • لَكُمُ الإسْلَامَ دِينًا} فَقَالَ سَلْمَانُ الفَارِسيّ: يَا رَسُولَ اللهِ! انْزِلَتْ هَذِهِ الآيَاتُ في عَلِيٍّ خَاصَّةً؟! فَقَالَ: فِيهِ وَ في أوْصِيَائِي إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ. فَقَالَ سَلْمَانُ الفَارِسيّ:

  • يَا رَسُولَ اللهِ! بَيِّنْهُمْ لَنَا! فَقَالَ: عَلِيّ أخِي وَ وَزِيرِي وَ وَصِيِّي وَ وَارِثِي وَ خَلِيفَتِي في امَّتي وَ وَلِيّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي، وَ أحَدَ عَشَرَ إمَامَاً مِنْ وُلْدِهِ:

  • الحَسَنُ وَ الحُسَيْنُ ثمَّ تِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ الحُسَيْنِ، وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ، القُرْآنُ مَعَهُمْ وَ هُمْ مَعَ القُرْآنِ، لا يُفَارِقُونَهُ حتّى يَرِدُوا عَلِيّ الحَوْضَ.

  • فَقَام اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا مِنَ البَدْرِيِّينَ فَقَالُوا: نَشْهَدُ أنَّا سمِعْنَا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ كَمَا قُلْتَ سَواءً لَمْ تَزِدْ حَرْفَاً وَ لَمْ تَنْقُصْ حَرْفَاً. وَ قَالَ بَقِيَّةُ السَّبعِينَ‌۱ قَدْ سمِعْنَا ذَلِكَ وَ لَمْ نَحْفَظْهُ كُلَّهُ، وَ هَؤْلَاءِ اثْنَا عَشَرَ خِيارُنَا وَ أفْضَلُنَا. فَقَالَ: قَدْ صَدَقْتُمْ، لَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَحْفَظُهُ‌ ... إلى آخر الخطبة.

  • فلما حدّث أبو الدرداء، و أبو هريرة معاوية بخطبة أمير المؤمنين عليه السلام مع أجوبة الناس و تصديقهم إيّاه، و جم من ذلك و قال: يا أبا الدرداء! و يا أبا هُريرة! لئن كان ما تحدّثاني عنه حقّاً لقد هلك المهاجرون و الأنصار غيره و غير أهل بيته و شيعته.٢

  • فهذه الاحتجاجات السبعة التي ذكرناها، صدرت كلها عن 

    1. في بعض النسخ بدل ذلك: و قال بقيّة البدريّين الذين شهدوا مع على صِفّين: قد حفظنا جلّ ما قلتَ و لم نحفظ كلّه، عن الهامش.
    2. «كتاب سُلَيم بن قيس» ص ۱۷٩ إلى ۱٩۰. و جاء في كتاب «الغدير» ج ۱، ص ۱٩٥ و ۱٩٦، ما يناسب الاستشهاد بحديث الغدير فحسب. و روى صاحب «غاية المرام» هذا الحديث بتمامه عن «كتاب سليم بن قيس»، و ذلك في الكتاب المذكور، القسم الأوّل، ص ۱٣٩ و ۱٤۰، الحديث ٤٦.

معرفة الإمام ج٩

66
  • أمير المؤمنين عليه السلام في مواقع مختلفه زماناً و مكاناً.

  • احتجاج فاطمة الزهراء و الإمام الحسن عليهما السلام بحديث الغدير

  • الاحتجاج الثامن: و يتمثّل في احتجاج شفيعة يوم الجزاء و خير النساء امّ أبيها فاطمة الزهراء سلام الله عليها، ذكره شمس الدِّين الجزريّ الدمشقيّ المقرئ الشافعيّ في كتاب «أسنى المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب» قال: و ألطف طريق وقع لهذا الحديث يعني حديث الغدير و أغربه ما حدّثنا به شيخنا خاتمة الحُفَّاظ أبو بكر محمّد بن عبد الله بن المحبّ المقدّسيّ مشافهةً. ثمّ ذكر السند بالترتيب حتّى بلغ به إلى بَكْر بن أحمد القَصْري الذي روى الحديث عن فاطمة، و زينب، و امّ كلثوم. بنات الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام قلن: حدثتنا فاطمة بنت جعفر بن محمّد الصادق عليهما السلام، و قالت: حدّثتني فاطمة بنت محمّد بن على عليهما السلام، و قالت: حدّثتني فاطمة بنت عليّ بن الحسين عليهما السلام، و قالت: حدّثتني سُكَينة و فاطمة ابنتا الحسين بن عليّ عليهما السلام عن امّ كُلْثُوم بِنْتِ فَاطِمَة بِنْت النَّبِيّ صلّى الله عليه و آله عن فَاطِمَة بِنْت رَسُولِ اللهِ، قالت: أ نَسِيتُمْ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صلّى الله وَ آلِهِ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ؟ وَ قَوْلَهُ: أنْتَ مِني بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ موسى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ؟

  • و هكذا أخرجه‌ الحافظ الكبير أبو موسى المدينيّ في كتابه المسلسل بالأسماء و قال: هذا الحديث مسلسلٌ من وجه، و هو أنّ كلّ واحدة من الفواطم تروي عن عمّة لها. فهو رواية خمس بنات أخ كلّ واحدة منهنّ عن عمّتها.۱

  • الاحتجاج التاسع: استشهاد الإمام الحسن المجتبى عليه السلام 

    1. «أمالى الطوسيّ» ج ٢، ص ۱۷٢ و ۱۷٣، طبعة النجف.

معرفة الإمام ج٩

67
  • بحديث الغدير.

  • روى الشيخ الطوسيّ رضوان الله عليه بسنده عن أبي عُمَر زاذان أنّه قال: لما أجمع الحسن بن عليّ عليهما السلام على صلح معاوية، صعد معاوية المنبر و جمع الناس فخطبهم و قال: إنّ الحسن بن عليّ رآني للخلافة أهلًا و لم ير نفسه لها أهلًا. و كان الحسن عليه السلام أسفل منه بمرقاة.فلما فرغ من كلامه، قام الإمام الحسن عليه السلام فحمد الله تعالى بما هو أهله، و خطب خطبة بليغة جدّاً جاء فيها ذكر مناقب و فضائل أمير المؤمنين عليه السلام و أهل البيت عليهم السلام، حتّى بلغ قوله: وَ قَدْ رَأوْا رَسُولَ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ نَصَبَ أبي يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ وَ أمَرَهُمْ أنْ يُبَلِّغَ الشَّاهِدُ مِنْهُمُ الغَائِبَ‌.۱ و ذكرها المحدّث البحراني،٢ و نقل في رواية اخرى أكثر تفصيلًا و مناقب ما نصّه: وَ قَدْ رَأوْا رَسُولَ اللهِ حِينَ نَصَبَهُ لَهُمْ بِغَدِيرِ خُمٍّ، وَ سَمِعُوهُ وَ نَادَى لَهُ بِالوَلَايَةِ، ثمَّ أمَرَهُمْ أنْ يُبَلِّغَ الشَّاهِدُ مِنْهُمُ الغَائِبَ.٣

  • و أخرجها القندوزيّ الحنفيّ بهذه العبارة: وَ قَدْ رَأوْهُ وَ سَمِعُوهُ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ حِينَ أخَذَ بِيَدِ أبي بِغَدِيرِ خُمٍّ وَ قَالَ لَهُمْ: (مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ). اللهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ. ثمَّ أمَرَهُمْ أنْ يُبَلِّغَ الشَّاهِدُ مِنْهُمُ الغَائِبَ.٤

  • الاحتجاج العاشر: مناشدة و استشهاد سيّد الشهداء عليه السلام بحديث الغدير، و ذلك بمِنى قبل موت معاوية بسنة أو سنتين. و تضمّ هذه 

    1. «أمالى الطوسيّ» ج ٢، ص ۱۷٢ و ۱۷٣، طبعة النجف.
    2. «غاية المرام» القسم الأوّل، ص ٢٩۸ و ٢٩٩، الحديث السابع و العشرون.
    3. «غاية المرام» القسم الأوّل، ص ٢٩۷ و ٢٩۸، الحديث السادس و العشرون.
    4. «ينابيع المودّة» الطبعة الاولى، إسلامبول، ص ٤۸٢.

معرفة الإمام ج٩

68
  • المناشدة موضوعات جمّة. و جاءت في وقت قد بلغت فيه انتهاكات معاوية مبلغها. إذ سلّط زياد بن أبيه على الكوفة و البصرة، فكان يقتل شيعة أمير المؤمنين عليه السلام تحت كلّ كوكب، بل كان الاتّهام بالتشيّع يكفي لهدر دم الشيعة. و كتب إلى جميع الأمصار أن لا حقّ لأحد أن ينقل مناقب و فضائل على و أهل البيت، بل له أن ينقل مناقب عثمان و فضائله للناس.و أمر بإذلال الشيعة و محو أسمائهم من ديوان العطاء، و على العكس، أمر باحترام شيعة عثمان و إعزازهم، إلى أن كتب ثانية بالكفّ عن ذكر فضائل عثمان، و الانبراء إلى ذكر فضائل الشيخين: أبي بكر، و عمر، لأنّ سوابقهما و فضائلهما أحبّ إليه، و أقرّ لعينيه، و أقوى في دحر حجّة أهل البيت و برهانهم، و أكثر تأثيراً في طمس اسم أهل البيت من ذكر مناقب عثمان و فضائله.

  • و سار معاوية على هذا النهج زهاء عشرين سنة. و كتب إلى جميع عمّاله أن يقرأوا نسخ هذه المناقب المجموعة، للناس على المنابر و في جميع المدن و القصبات و القرى، و في كلّ مسجد و محفل، و يسبّوا عليّ بن أبي طالب، و يأمروا المعلّمين في الكتاتيب أن يعلموا الأطفال ذلك، و ليتعلموه كما يتعلمون القرآن، و كذلك يعلّموا النساء و الفتيات و حتّى الخَدَم و الحَشَم.

  • و تربّى الأطفال على ذلك، و شاب عليه الصبيان، و مات عليه الشيوخ.

  • و لما توفي الإمام الحسن المجتبى عليه السلام سنة ٤٩ ه بسمّ دسّه إليه معاوية بواسطة زوجته بنت الأشعث بن قَيْس الكنديّ،۱ استعرَّت نار

    1. و نقل ابن الأثير الجزريّ في «الكامل في التأريخ» ج ٣، ص ٤٦۰ في حوادث سنة ٤٩ ه أنّ الحسن بن على عليهما السلام توفي في هذه السنّة. سمّته جَعَدة بنت الأشعث بن قيس الكِنديّ.

معرفة الإمام ج٩

69
  • الفتنة، و اشتدّ البلاء، و عظم الخطب على الشيعة أكثر فأكثر حتّى لم تجد في أيّ بقعة من بقاع العالم الإسلاميّ وليّاً للّه إلّا و هو خائف على نفسه، مذعور، طريد، شريد، منبوذ. و عدوّ الله ظاهر بخيلائه متباهٍ ببدعه و ضلالته جهراً و بلا استحياء. 

  • احتجاج سيّد الشهداء عليه السلام بحديث الغدير في منى‌

  • و حجّ الإمام الحسين صلوات الله عليه قبل موت معاوية بسنة،۱ و كان معه عبد الله بن عبّاس، و عبد الله بن جعفر.

  • و جمع الحسين عليه السلام جميع بني هاشم، رجالهم و نسائهم و مواليهم، و من الأنصار ممّن يعرفه، و أهل بيته. ثمّ أرسل رسلًا و قال لهم:لا تدعوا أحداً من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه و آله المعروفين بالصلاح و النسك إلّا جمعتموهم لي بمنى!

  • فاجتمع إليه بمنى أكثر من سبعمائة رجل و هم في سرادقة، عامّتهم من التابعين، و نحو من مائتي رجل من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه و آله.

  • فَقَامَ فِيهِمْ خَطِيبَاً فَحَمِدَ اللهَ وَ أثْني عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: أمَّا بَعْدُ؛ فَإنَّ هَذَا الطَّاغِيَة،٢ قَدْ فَعَلَ بِنَا وَ بِشيعَتِنَا مَا قَدْ رَأيْتُمْ وَ عَلِمْتُمْ وَ شَهِدْتُمْ؛ وَ إنِّي ارِيدُ أنْ أسَألَكُمْ عَنْ شَي‌ءٍ، فَإنْ صَدَقْتُ فَصَدِّقُوني، وَ إنْ كَذَبْتُ فَكَذِّبُوني!

  • وَ أسْألُكُمْ بِحَقِّ اللهِ عَلَيْكُمْ وَ حَقِّ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ قَرَابَتي مِنْ نَبِيِّكُمْ لَمَّا سَيَّرْتُمْ مَقَامي هَذَا وَ وَصَفْتُمْ مَقَالَتي وَ دَعَوْتُمْ أجْمَعِينَ في أمْصَارِكُمْ مِنْ قَبَائِلِكُمْ مَنْ آمَنْتُمْ مِنَ النَّاسِ (وَ في روَايَةٍ اخْرَى بَعْدَ قَوْلِهِ: فَكَذِّبُوني: اسْمَعُوا مَقَالَتي وَ اكْتُبُوا قَوْلي، ثمَّ ارْجِعُوا إلَى

    1. و جاء في بعض النسخ: سنتين.
    2. معاوية بن أبي سفيان.

معرفة الإمام ج٩

70
  • أمْصَارِكُمْ وَ قَبَائِلِكُمْ مَنْ أمَنْتُمْ مِنَ النَّاسِ) وَ وَثِقْتُمْ بِهِ فَادْعُوهُمْ إلَى مَا تَعْلَمُونَ مِنْ حَقِّنَا، فَإنِّي أ تَخَوَّفُ أنْ يَدْرُسَ هَذَا الأمْرُ وَ يَذْهَبَ الحَقُّ وَ يُغْلَبَ، {وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ‌}.

  • وَ مَا تَرَكَ شَيْئاً مِمَّا قَالَهُ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ في أبِيهِ وَ أخِيهِ وَ امِّهِ وَ في نَفْسِهِ وَ أهْلِ بَيْتِهِ إلَّا رَوَاهُ، وَ كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ أصْحَابُهُ: اللهُمَّ نَعَمْ! وَ قَدْ سمِعْنَا وَ شَهِدْنَا. وَ يَقُولُ التَّابِعِيّ: اللهُمَّ قَدْ حَدَّثَنِي بِهِ مَنْ أصَدِّقُهُ وَ أئْتَمِنُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ.

  • فَقَالَ: انْشِدُكُمْ اللهَ إلَّا حَدَّثْتُمْ بِهِ مَنْ تَثِقُونَ بِهِ وَ بِدِينِهِ!

  • قالَ سُلَيْمٌ: فَكَانَ فِيمَا نَاشَدَهُمُ الحُسَيْنُ وَ ذَكَّرَهُمْ أنْ‌ قَالَ: ... انْشِدُكُمُ اللهَ أ تَعْلَمُونَ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ نَصَبَهُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ فَنَادَى لَهُ بِالوِلَايَةِ، وَ قَالَ لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ! قَالُوا: اللهُمَّ نَعَمْ. وَ مَا تَرَكَ شَيْئا مِمَّا أنزَلَ اللهُ أوْ قَالَهُ رَسُولَ اللهِ في عَلِيّ وَ أهْلِ بَيْتِهِ، إلّا نَاشَدَهُمُ فِيهِ، فَيَقُولُ الصَّحَابَةِ: اللهُمَّ نَعَمْ قَدْ سمِعْنَا، وَ تَفَرَّقُوا على ذَلِكَ.۱

  • احتجاج و استدلال عبد الله بن جعفر أنّ أكثر الناس في جهل‌

  • الاحتجاج الحادي عشر: استدلال و استشهاد عبد الله بن جعفر بن أبي طالب مع معاوية بن أبي سفيان (صَخْر بن حَرْب بن امَيَّة بن عَبْد شمس) و على الرغم من أنّ المكان الذي كان فيه الاحتجاج لم يحدد في الرواية، بَيدَ أنّ القرائن تفيد أنّه لم يجر في المدينة المنوّرة عند سفر معاوية للحجّ، لأنّ معاوية حجّ مع ابنه يزيد في سنة ٥۰ ه و كان ذلك بعد وفاة الإمام الحسن عليه السلام في سنة ٤٩ ه. و سنرى في هذا الاحتجاج أنّ ‌

    1. كتاب سُليم بن قيس، ص ٢۰٦ إلى ٢۰٩. أي: على العهد الذي أخذه الحسين عليه السلام من الناس، إذ يبلّغون به الموثوقين المؤتمنين في حواضرهم و قبائلهم.

معرفة الإمام ج٩

71
  • الإمام الحسن عليه السلام كان موجوداً، و يبدو من غير المستبعد أنّه جرى في الكوفة أيّام صلح الإمام الحسن عليه السلام عند ما زارها معاوية، أو كان في الشام.

  • نقل سُلَيْم بن قَيْس الهِلَالى هذا الاحتجاج في كتابه النفيس، الحاوي على موضوعات رائعة. بيد أنّنا نذكر فيما يلي النصف الأوّل من الاحتجاج ممّا جاء فيه شاهدنا في الاحتجاج بحديث غدير خمّ، و نترك النصف الثاني منه مراعاة لعدم الإطناب.

  • روى أبَان بْنُ أبي عَيَّاش عَنْ سُلَيْم أنّه قال: حدّثني عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، قال: كنتُ عند معاوية و معنا الحسن و الحسين عليهما السلام، و عنده عبد الله بن عبّاس، فالتفت إلى معاوية و قال:يا عبد الله! ما أشدّ تعظيمك للحسن و الحسين؟ و ما هما بخير منك و لا أبوهما خير من أبيك. و لو لا أنّ فاطمة بنت رسول الله، لقلتُ: ما امّك أسماء بنت عميس بدونها.

  • فقلت لمعاوية: و الله إنّك لقليل العلم بهما و بأبيهما و بامّهما. و الله لهما خير مني، و أبوهما خير من أبي، و امّهما خير من امّي! يا معاوية! إنّك لغافل عمّا سمعته أنا من رسول الله صلّى الله عليه و آله، يقول فيهما و في أبيهما و امّهما! قد حفظته و وعيته و رويته.

  • قال معاوية: هات يا بن جعفر! فو الله ما أنت كذّاب و لا متّهم!

  • فقلتُ: إنّه أعظم ممّا في نفسك!

  • قال معاوية: قل، و إن كان أعظم من احُد و حِراء جميعاً. فلستُ ابالى إذا قتل الله صاحبك،۱ و فرّق جمعكم، و صار أمر الولايةُ في أهله. فحدّثنا! 

    1. أي: أمير المؤمنين: على بن أبي طالب عليه السلام.

معرفة الإمام ج٩

72
  • فما نبالى بما قلتم، و لا يضرّنا ما عدمتم!

  • قلت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلم و قد سئل عن هذه‌الآية: {وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ}‌.۱ فقال: إنِّي رأيت اثني عشر رجلًا من أئمّة الضلالة يصعدون منبري و ينزلون. يردّون امّتي على أدبارهم القهقرى، فيهم رجلان من حيّين من قريش مختلفين، و ثلاثة من بني اميّة، و سبعة من ولد الحَكَم بن أبي العاص.٢ و سمعته يقول: إنّ بني أبي العاص إذا بلغوا خمسة عشر

    1. الآية ٦۰، من السورة ۱۷: الإسراء.
      و جاءت في «تفسير الميزان» ج ۱٣، ص ۱٥۷ و ۱٥۸ روايات نقلها العلّامة عن «تفسير الدرّ المنثور» عن ابن جرير، عن سهل بن سعد، و عن ابن أبي حاتم، عن ابن عمر، و يعلى بن مرّة، و عن ابن مردويه، عن الحسين بن على عليهما السلام، و عن ابن أبي حاتم، و ابن مردويه، و البيهقيّ في «الدلائل»، و ابن عساكر عن سعيد بن المسيّب. و كذلك جاءت روايات في تفسير «مجمع البيان» طبعة صيدا ج ٣، ص ٤٢٤ عن سهل بن سعد، و الإمام الباقر، و الإمام الصادق عليهما السلام و فيها أنّ رسول الله رأى في عالم المنام قردة ينزون على منبره، فساءته هذه الرؤيا، و لم يُرَ ضاحكاً حتّى مات. فأوحى إليه الله أنّ هذا لبلاء الناس، و هذه القردة بنو اميّة يغصبون الخلافة. فالمراد بالشجرة الملعونة في القرآن هم بنو اميّة الذين حكموا في البلاد لابتلاء الناس و اختبارهم. و في رواية عن المنهال بن عمرو، قال: دخلت على الإمام السجّاد عليه السلام و قلتُ: كيف أصبحت يا بن رسول الله؟ فقال: أصبحنا و الله بمنزلة بني إسرائيل من آل فرعون يذبحون أبناءهم و يستحيون نساءهم، و أصبح خير البريّة بعد رسول الله يُلْعَن على المنابر، و أصبح مَن يُحبّنا منقوصاً حقّه بحبّه إيّانا. و عند ما قيل للحسن: يا أبا سعيد! قُتل الحسين؛ بكى حتّى ارتعدت فرائصه ثمّ قال: وا ذُلَّاهُ لإمَّةٍ قَتَل ابنُ دَعِيِّها ابنَ بِنْتِ نَبِيِّهَا.
    2. الحَكَم من أبناء أبي العاص عشرة هم: ۱ مروان الحكم بن أبي العاص. ٢ عبد الملك بن مروان. ٣ الوليد بن عبد الملك. ٤ سليمان بن عبد الملك. ٥ عمر بن عبد العزيز بن مروان. ٦ يزيد بن عبد الملك. ۷ هشام بن عبد الملك. ۸ الوليد بن يزيد بن عبد الملك. ٩ إبراهيم بن يزيد بن عبد الملك. ۱۰ مروان بن محمّد بن مروان. حكموا من سنة ٦٤ ه عند ما خلع معاوية بن يزيد بن معاوية نفسه من الخلافة حتّى سنة ۱٣٢ ه حينما قضى أبو العبّاس السفّاح على الدولة الأمويّة. و لعلّ المراد بالسبعة العادون الأشدّاء منهم، و هم غير عمر بن عبد العزيز. و إبراهيم، و مروان بن محمّد. علما أنّ بني مروان كلّهم من بني اميّة. ذلك أنّ أبا العاص جدّ مروان بن الحكم هو ابن اميّة بن عبد شمس. و لذلك عند ما جاء في الرواية: و ثلاثة من بني اميّة، أي: من غير المروانيّين، و هؤلاء الثلاثة هم: عثمان، و معاوية، و يزيد. و هم غير عمر بن عبد العزيز. و إبراهيم، و مروان بن محمّد. علما أنّ بني مروان كلّهم من بني اميّة. ذلك أنّ أبا العاص جدّ مروان بن الحكم هو ابن اميّة بن عبد شمس. و لذلك عند ما جاء في الرواية: و ثلاثة من بني اميّة، أي: من غير المروانيّين، و هؤلاء الثلاثة هم: عثمان، و معاوية، و يزيد.

معرفة الإمام ج٩

73
  • رجلًا، جعلوا كتاب الله دَخَلًا، و عباد الله خولًا، و مال الله دولًا.

  • يا معاوية! إنِّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه و آله يقول على المنبر، و أنا بين يديه، وَ عُمَرُ بنُ أبي سَلَمَة، و اسَامَةُ بن زَيْد، و سَعْدُ بنُ أبي وَقَّاصٍ، و سَلْمَانُ الفَارِسِيّ، و أبُو ذَرٍّ، و المِقْدَادُ، و الزُّبَيْرُ بنُ العَوَّام: أ لَستُ أوْلَى بِالمُؤْمِنينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ؟

  • فقلنا: بلى يا رسول الله. قال: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَولَاهُ أوْلَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ‌ و ضرب بيديه على منكب على عليه السلام و قال: اللهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ، أيُّهَا النَّاسُ! أنَا أوْلَى بِالمُؤْمِنينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مَعِي أمْرٌ!

  • وعلي من بعدي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ليس لهم معه أمر، ثمّ ابني الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ليس لهم معه أمر.

  • ثمّ عاد فقال: أيّها الناس! إذا أنا استشهدت فعليّ أولى بكم من أنفسكم! فإذا استشهد عليّ، فابني الحسن أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم! فإذا استشهد الحسن، فابنيّ الحسين أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم! فإذا استشهد الحسين، فابني علي بن الحسين أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم، ليس لهم معه أمر. ثمّ التفت رسول الله إلى علي عليه السلام و قال:

معرفة الإمام ج٩

74
  • يا عليّ! إنّك ستدركه فاقرأه مني السلام. فإذا استشهد عليّ بن الحسين، فابني محمّد أوْلى بالمؤمنين منهم بأنفسهم، و ستدركه أنت يا حسين فاقرأه‌ مني السلام. ثمّ يكون في عقب محمّد رجال واحد بعد واحد، و ليس منهم أحد إلّا و هو أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم، ليس لهم معه أمر. كلّهم هادون مهتدون.

  • فقام علي بن أبي طالب و هو يبكي، فقال: بأبي أنت و امّي يا نبيّ الله أ تُقْتَل؟! قال: نعم! اهلك شهيداً بالسمّ! و تقتل أنت بالسيف، و تخضب لحيتك من دم رأسك! و يقتل ابني الحسن بالسمّ، و يقتل ابني الحسين بالسيف، يقتله طاغ بن طاغ، دعيّ بن دعيّ.

  • فقال معاوية: يا بن جعفر لقد تكلّمت بعظيم! و لئن كان ما تقول حقّاً لقد هلكت امّة محمّد من المهاجرين و الأنصار غيركم أهل البيت و أوليائكم و أنصاركم!

  • فقلتُ: و الله إنّ الذي قلتُ حقّاً سمعته من رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلم.

  • قال معاوية: يا حَسَن و يا حُسَيْن و يا بن عبّاس! ما يقول ابن جعفر؟!

  • فقال ابن عبّاس: إن لا تؤمن بالذي قال، فأرسل إلى الذين سمّاهم فاسألهم عن ذلك!

  • فأرسل معاوية إلى عُمَر بن أبي سَلَمَة و اسامة بن زَيد، فسألهما فشهدا أنّ الذي قال ابن جعفر قد سمعناه من رسول الله صلّى الله عليه و آله كما سمعه!

  • فقال معاوية كالمنكر و المستهزئ: يا ابن جعفر! قد سمعناه في الحسن و الحسين و أبيهما، فما سمعت في امّهما؟!

  • فقلتُ: سمعت رسول الله يقول: ليس في جنّة عَدْن منزل أشرف 

معرفة الإمام ج٩

75
  • و لا أفضل و لا أقرب إلى عرش ربّي من منزلي، و معي ثلاثة عشر من أهل بيتي: أخي عليّ، و ابنتي فاطمة، و ابناي الحسن و الحسين، و تسعة من ولد الحسين: الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً. هداة مهتدون.و أنا المبلّغ عن الله، و هم المبلّغون عني. و هم حجج الله على خلقه، و شهداؤه في أرضه، و خزّانه على علمه، و معادن حكمه؛ من أطاعهم، أطاع الله. و من عصاهم، عصى الله.

  • لا تبقى الأرض طرفة عين إلّا ببقائهم، و لا تصلح إلّا بهم يخبرون الامّة بأمر دينهم حلالهم و حرامهم، يدلّونهم على رضا ربّهم، و ينهونهم عن سخطه بأمر واحد و نهي واحد. ليس فيهم اختلاف و لا فرقة و لا تنازع.يأخذ آخرهم عن أوّلهم. إملائي، و خطّ أخي عليّ بيده، يتوارثونه إلى يوم القيامة.

  • أهل الأرض كلّهم في غمرة، و غفلة، و تيهة، و حيرة، غيرهم و غير شيعتهم و أوليائهم. لا يحتاجون إلى أحد من الامّة في شي‌ء من أمر دينهم، و الامّة تحتاج إليهم. هم الذين عني الله في كتابه و قرن طاعتهم بطاعته، و طاعة رسوله فقال:{أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‌}.۱

  • فأقبل معاوية على الحسن و الحسين و ابن عبّاس و الفضل بن عبّاس و عُمَر بن أبي سَلَمة وَ اسَامة بن زيد، فقال: كلّكم على ما قال ابن جعفر؟قالوا: نعم!

  • قال: يا بني عبد المُطَّلب! إنّكم لتدّعون أمراً عظيماً، و تحتجّون بحجج قويّة، إن كانت حقّاً! و إنّكم لتضمرون على أمر تسرّونه و الناس عنه في غفلة عمياء. و لئن كان ما يقولون حقّاً، لقد هلكت الامّة، و ارتدّت عن 

    1. الآية ٥٩، من السورة ٤: النساء.

معرفة الإمام ج٩

76
  • دينها، و تركت عهد نبيّنا، غيركم أهل البيت، و من قال بقولكم، فاولئك في الناس قليل.

  • فقلت: يا معاوية! إنّ الله تبارك و تعالى يقول: {وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ}.۱

  • و يقول: {وَ ما أَكْثَرُ النَّاسِ وَ لَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}‌.٢ و يقول: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ قَلِيلٌ ما هُمْ}‌.٣ و يقول في نوح: {وَ ما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ‌}.٤

  • يا معاوية! المؤمنون في الناس قليل.

  • و نقل عبد الله بن جعفر هنا قصّة موسى عليه السلام و السحرة، و هارون عليه السلام و السامريّ، إذ سار أكثر الناس خلف السامريّ و عجله، تاركين هارون وحده. ثمَّ قال:

  • و نبيّنا صلّى الله عليه و آله قد نصب لُامّته أفضل الناس و أولاهم و خيرهم، بغدير خمّ، و في غير موطن، و احتجّ عليهم به و أمرهم بطاعته، و أخبرهم أنّه منه بمنزلة هارون من موسى، و أنّه وليّ كلّ مؤمن بعده، و أنّه كلّ من كان وليّه، فعلى وليّه، و من كان أولى به من نفسه فعلى أولى به، و أنّه خليفته فيهم و وصيّه، و أنّ من أطاعه، أطاع الله، و من عصاه، عصي الله، و من والاه، و إلى الله، و من عاداه، عادي الله: فَأنْكُروهُ وَ جَهِلُوهُ و تَوَلَّوْا غيرهُ. إلى آخر ما احتجّ به عبد الله عند معاوية.٥

  • احتجاج الاصبغ بن نُباتة بحديث الغدير أمام معاوية

    1. الآية ۱٣، من السورة ٣٤: سبأ.
    2. الآية ۱۰٣، من السورة ۱٢: يوسف.
    3. الآية ٢٤، من السورة ٣۸: ص.
    4. الآية ٤۰، من السورة ۱۱: هود.
    5. كتاب سُليم بن قيس، ص ٢٣۱ إلى ٢٣۸.

معرفة الإمام ج٩

77
  • الاحتجاج الثاني عشر: استشهاد الاصْبَغ بن نُبَاتَه بحديث الغدير عند معاوية، و كانت مناشدته مع أبي هُرَيْرة قد وقعت في ذلك المجلس سنة٣۷ ه. و كان أبو هريرة من الصحابة الذين باعوا دينهم بدنياهم. و أصبح من الدناة المتلقّين‌۱ لمعاوية، المقتاتين على فُتات موائده. و صار في عداد وعّاظ السلاطين المحسوبين على بلاطه من خلال وضع الأحاديث المفتراة.

  • و نحن نلفت نظر القرّاء الكرام إلى مطالعة كتابين من الكتب المهمّة فحسب، و نرشدهم إليهما من أجل تنويز أذهانهم بالحقائق. و هذان الكتابان هما:

  • ۱ «أبُو هُرَيْرَة» تأليف العلّامة آية الله السيّد عبد الحسين شرف الدين تغمّدة الله برضوانه.

  • ٢ «أبُو هُرَيْرَة شَيْخ المَضِيرَة» تأليف العالم و الفقيه المستبصر الشيخ مَحْمُود أبُو رَيَّة. كتب أمير المؤمنين عليه السلام أيّام صفّين كتاباً إلى معاوية بن أبي سفيان و أرسله إليه بيد الأصبغ بن نُباتَة.

  • قال الأصبغ: دخلت على معاوية و هو جالس على نطع من الادم، متّكئاً على و سادتين خضراوين و من يمينه عمرو بن العاص، و حوشب، و ذو الكلاع، و عن شماله أخوه عتبة بن أبي سفيان، و ابن عامر بن كريز، و الوليد بن عقبة، و عبد الرحمن بن خالد، و شر حبيل بن السمط، و بين يديه أبو هريرة، و أبو الدرداء، و النعمان بن بشير، و أبو أمامة الباهلي.

  • فدفعت إليه الكتاب، لما قرأه، قال: إنّ عليّاً لا يدفع إلينا قتلة عثمان!

  • قال الأصبغ: فقلتُ له: يا معاوية! لا تعتلّ بدم عثمان! فإنّك تطلب الملك و السلطان! و لو كنت أردت نصره حيّاً، لنصرته! و لكنّك تربّصت به، لتجعل ذلك سبباً إلى وصول الملك!

    1. اللقى: الملاقى فى خير و شر، و اكثر استعماله فى الشر يقال: «هو شقى لقى»

معرفة الإمام ج٩

78
  • فغضب معاوية من كلامي. فأردت أن يزيد غضبه، فقلتُ لأبي هريرة: يا صاحب رسول الله! إنِّي احلّفك بالذي لا إله إلّا هو عالم الغيب‌ و الشهادة، و بحقّ حبيبه المصطفى صلّى الله عليه و آله و سلّم إلّا أخبرتني:

  • أشهدت يوم غدير خمّ قال: بلى! شهدته.

  • قلت: فما سمعت رسول الله يقول في عليّ؟!

  • قال: سمعته يقول: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ. اللهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ! وَ انْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ! وَ اخْذُل مَنْ خَذَلَهُ‌!

  • فقلتُ له: فإذاً أنت يا أبا هريرة! واليت عدوّه، و عاديتَ وليّه! فتنفّس أبو هريرة الصعداء، و قال: {إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ‌}.۱ و٢

  • احتجاج دارميّة الحجونيّة بحديث الغدير أمام معاوية

  • الاحتجاج الثالث عشر: استشهاد دارميّة الحجونيّة، و هي من النساء العظيمات. و من الشيعيّات المخلصات لأمير المؤمنين عليه السلام و كانت قد استشهدت بحديث الغدير أمام معاوية.

    1. الآية ۱٥٦، من السورة ٢: البقرة.
    2. «الغدير» ج ۱، ص ٢۰٢؛ و «تذكرة الخواصّ» لسبط بن الجوزيّ، ص ٤۸ و ٤٩.و قال بعد استرجاع أبي هريرة. فتغير وجه معاوية و قال: ما هذا؟ كفّ عن كلامك فلا تستطيع أن تخدع أهل الشام عن الطلب بدم عثمان! فإنّه قتل مظلوماً، في شهر حرام في حرم رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم عند صاحبك! و هو الذي أغراهم به حتّى قتلوه، و هم اليوم عنده أعوانه و أنصاره و يده و رجله. فقال ذو الكلاع، و حوشب، و معاوية بن خديج:لننصرنّك يا معاوية حتّى يحصل مرادك، أو نقتل عن آخرنا! فقام الأصبغ و هو يقول:
      مُعَاويّ لِلّه من خَلْقِهِ‌***عِبادٌ قُلوبُهُم قاسِيَة
      و قلبك من شرّ تلك القلوب‌***و ليس المطيعة كالقاصية
      دع ابن خديج و دَعْ حوشباً***و ذا كلع و اقبل العافية
      فصاح معاوية: أ جئت رسولًا أم مُنَفِّراً؟! ثمّ سار الأصبغ نحو العراق.

معرفة الإمام ج٩

79
  • لما حجّ معاوية، فطلب امرأة يقال لها دَارِميَّة الحَجونيّة۱ من شيعة عليّ. و كانت سوداء ضخمة.

  • فقال [لها معاوية]: كيف حالكِ يا بنت حام؟!

  • فقالت [دارميّة]: بخير، و لست بحام! إنّما أنا امرأة من بني كنانة!

  • فقال: صدقتِ! هل تعلمين لِمَ دعوتكِ؟!

  • قالت: سبحان الله، و إنِّي لا أعلم الغيب!

  • قال: (دعوتكِ) لأسألكِ: لِمَ أحببتِ عليّاً و أبغضتني؟! و واليتيه و عاديتيني؟!

  • قالت: أ وَ تعفني؟ قال (معاوية): لا!

  • قالت: أمّا إذا أبيت، فَإنِّي أحْبَبْتُ عَلِيَّاً على عَدْلِهِ في الرَّعِيَّةِ، وَ قَسْمِهِ بِالسَّويَّةِ، وَ أبْغَضْتُكَ على قِتَالِ مَنْ هُوَ أوْلَى بِالأمْرِ مِنْكَ، وَ طَلَبِكَ مَا لَيْسَ لَكَ، وَ وَالَيْتُ عَلِيَّاً على مَا عَقَدَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ مِنَ الوَلَايَةِ يَوْمَ خُمٍّ بِمَشْهَدٍ مِنْكَ، وَ حُبِّهِ لِلمَسَاكِينِ، وَ إعْظَامِهِ لأهْلِ الدِّينِ، وَ عَادَيْتُكَ على سَفْكِ الدِّماءِ، وَ شَقِّكَ القَصَاء، وَ جَوْرِكَ في القَضَاءِ، وَ حُكْمِكَ بِالهَوَى - الحديث.٢

  • مجلس هامّ عقده المامون مع علماء العامّة حول ولاية أمير المؤمنين‌

  • الاحتجاج الرابع عشر: و يتمثّل في استدلال و استشهاد المأمون العبّاسيّ بحديث غدير خمّ أمام أربعين من العلماء و الفقهاء و أرباب 

    1. الدارميّة نسبة إلى داروم، و هي قلعة بعد غزّة للقاصد إلى مصر على ساحل البحر.
      نزل بها بنو حام و توطّنوا فيها، كما يظهر من قول معاوية: يا بنت حام و الحَجون مكان معروف بمكّة المكرّمة كانت الدارميّة تنزل فيه فنسبت إليه.
    2. «الغدير»، ج ۱، ص ٢۰۸ و ٢۰٩، عن الزمخشريّ في «ربيع الأبرار» في الباب الحادي و الأربعين. و قال في الهامش: يوجد هذا الاحتجاج بألفاظ اخرى في «بلاغات النساء» ص ۷٢، و «العقد الفريد» ج۱، ص ۱٦٢، و «صبح الأعشي» ج۱، ص ٢٥٩.

معرفة الإمام ج٩

80
  • المناظرة و علم الكلام، و أهل المطالعة و الوعي و الدراية.

  • احتجاج المامون أنّ عليا عليه السلام أفضل أفراد الامّة

  • و قد نقل ابن عَبْد رَبِّه الأندلسيّ هذا الاحتجاج في «العقد الفريد» في‌ باب فضائل عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام. و لما كانت كلمات المأمون في هذا المجلس على درجة من الأهمّيّة، لذلك نذكرها هنا كلها بلا تغيير مع الكيفيّة التي تشكل فيها المجلس.

  • يقول إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل بن حَمَّاد بن زَيْد: بعث إلى يحيى بن أكثم و إلى عدّة من أصحابي، و هو يومئذٍ قاضي القضاة (في أرجاء البلاد الإسلاميّة) فقال: إنّ أمير المؤمنين (المأمون) أمرني أن أحضر معي غداً مع الفجر أربعين رجلًا كلّهم فقيه يَفْقَه ما يقال له، و يحسن الجواب، فسمّوا من تظنّونه يصلح لما يطلب أمير المؤمنين! فسمّينا له عدّة، و ذكر هو عِدّة، حتّى تمّ العدد الذي أراد، و كتب تسمية القوم، و أمر بالبكور في السحر.

  • و بعث إلى من لم يحضر، فأمره بذلك. فغدونا عليه قبل طلوع الفجر، فوجدناه قد لبس ثيابه، و هو جالس ينتظرنا.

  • فركب و ركبنا معه حتّى صرنا إلى الباب، فإذا خادم واقف، فلما نظر إلينا، قال: يا أبا محمّد (يحيى بن أكثم) أمير المؤمنين ينتظرك!

  • فأدخلنا، فأمرنا بالصلاة، فأخذنا فيها، فلم نستتم حتّى خرج الرسول فقال: ادخلوا! فدخلنا فإذا أمير المؤمنين (المأمون) جالس على فراشه، و عليه سواده و طيلسانه و الطويلة۱ و عمامته.

    1. السواد شعار العبّاسيّين! و الطَّيْلَسان بفتح الطاء و تثليث اللام كساء مدوّر أخضر ليس له ذيل، و يغطّي القسم الأعلى من الجسم فحسب. يلبسه الخواصّ من المشايخ و العلماء، و هو من لباس العجم. و الطويلة لباس طويل يغطّي الجسم كلّه كالجبّة. و العمامة قطعة من القماش تلفّ على الرأس بشكل دائريّ. و القلنسوة قبّعة توضع على الرأس، و هي أنواع، منها ما يوضع تحت العمامة.

معرفة الإمام ج٩

81
  • فوقفنا و سلمنا، فردّ السلام و أمرنا بالجلوس. فلما استقرّ بنا المجلس، انحدر عن فراشه، و نزع عمامته و طيلسانه، و وضع قلنسوته.

  • ثمّ أقبل علينا فقال: إنّما فعلت ما رأيتم، لتفعلوا مثل ذلك!

  • و أمّا الخُفّ فمنع من خلعه علّة. من قد عرفها منكم فقد عرفها. و من لم يعرفها فسأعرّفه بها. و مدّ رجله، و قال: إنزعوا قلانسكم، و خفافكم، و طيالستكم!

  • قال إسحاق: فأمسكنا. فقال لنا يحيى: انتهوا إلى ما أمركم به أمير المؤمنين! فتنحّينا فنزعنا أخفافنا و طيالستنا و قلانسنا و رجعنا.

  • فلما استقرّ بنا المجلس، قال: إنّما بعثت إليكم معشر القوم في المناظرة. فمن كان به شي‌ء من الأخبثين (البول و الغائط) لم ينتفع بنفسه و لم يفقه ما يقول! فمن أراد منكم الخلاء فهناك، و أشار بيده، فدعونا له.

  • ثمّ ألقى مسألة من الفقه، فقال ليحيى بن أكثم: يا أبا محمّد! قل، و ليقل القوم من بعدك مع ذكر الدليل.

  • فأجابه يحيى، ثمّ الذي يلي يحيى، ثمّ الذي يليه، حتّى أجاب آخرنا في العلّة، و علّة العلّة، و المأمون مطرق لا يتكلم. حتّى إذا انقطع الكلام، التفت إلى يحيى فقال: يا أبا محمّد! أصبت الجواب، و تركت الصواب في العلّة! ثمّ لم يزل يردّ على كلّ واحد منّا مقالته، و يخطّئ بعضنا، و يصوّب بعضنا، حتّى أتى على آخرنا.

  • ثمَّ قال: إنِّي لم أبعث فيكم لهذا، و لكنّني أحببت أن انبّئكم أنّ أمير المؤمنين (يريد نفسه) أراد مناظرتكم في مذهبه الذي هو عليه، 

معرفة الإمام ج٩

82
  • و الذي يدين الله به!

  • قلنا: فليفعل أمير المؤمنين وفّقه الله!

  • فقال المأمون: إنّ أمير المؤمنين يدين الله على أنّ عليّ بن أبي طالب خير خليفة بعد رسول الله صلّى الله عليه و آله و أولى الناس بالخلافة له.

  • قال إسحاق: فقلت: يا أمير المؤمنين! إنّ فينا من لا يعرف ما ذكر أمير المؤمنين (المأمون) في عليّ. و قد دعانا أمير المؤمنين للمناظرة!

  • فقال المأمون: يا إسحاق! اختر! إن شئتَ أن تسأل فقل، و إن شئتَ سألتك!

  • قال إسحاق: فاغتنمتُها منه، فقلت: بل أسألك يا أمير المؤمنين! قال المأمون: سل!

  • قلتُ: من أين قال أمير المؤمنين: إنّ عليّ بن أبي طالب أفضل الناس بعد رسول الله، و أحقّهم بالخلافة بعده؟

  • قال المأمون: يا إسحاق! خبرني عن الناس: بم يتفاضلون حتّى يقال: فلا أفضل من فلان؟! قلت: بالأعمال الصالحة! قال: صدقتَ! قال:فأخبرني عمّن فضّل صاحبه على عهد رسول الله صلّى الله عليه و آله، ثمَّ إن المفضول عمل بعد وفاة رسول الله بأفضل من عمل الفاضل على عهد رسول الله، أ يُلحق به؟!۱

    1. إنّ مثل إسحاق بن إبراهيم في عدم وعيه كمثل الأشخاص غير المطّلعين على السير و التواريخ، و مثل السذّج السطحيّين في عصرنا الراهن إذ يقولون: إنّ أبا بكر، و عمر قدّما خدمات جليلة باهرة للإسلام كمحاربة المرتدّين في عصر أبي بكر، و الفتوحات في عصر عمر، تلك الفتوحات التي اتّسعت فيها رقعة الإسلام برّاً و بحراً. فقد اعتبر إسحاق أعمال الشيخين بعد وفاة رسول الله أعمالًا جليلة مثيرة، و جعلها معيار الفضيلة. أمّا المامون فقد تصدّى لهذا الضرب من الاستدلال بحصر معيار الفضيلة في التضحية و الإيثار إبّان عصر رسول الله، و قال: إنّ المعيار الوحيد هو النشاطات و الممارسات التي تحقّقت في عصر النبيّ. و قد قام أمير المؤمنين عليه السلام بنشاطات هامّة و قطع أشواطاً بعيدة على طريق الإسلام أيّام رسول الله صلّى الله عليه و آله بحيث إنّ أعمال أبي بكر و عمر بل و أعمال العشرة المبشّرة مجتمعة لا توزن بعمله. لأنّه لو كان قد تسلم مقاليد الامور بعد رسول الله مباشرة، فأيّ عمل لا ينجزه مهما كبر و عظم؟ هذا مع أنّ خدماته و سوابقه في عصر رسول الله كانت أسمى و أكثر تألّقاً. يضاف إلى ذلك أنّنا نجد أشخاصاً في عصر ما بعد رسول الله كانت أعمالهم المختلفة من حجّ، و جهاد، و صلاة، و صوم، و غيرها تملأ العين أكثر فأكثر، بينما نتّفق نحن و مخالفونا على أنّهم ليسوا أفضل من الأشخاص الذين عاشوا في عصر رسول الله. و على هذا ينحصر ميزان الفضيلة بالخلوص و الإخلاص في العمل و الإيثار و التضحية في الشدّة و العسر، و التقدّم و الثبات في العمل و الصمود عند فرار الناس و بقاء رسول الله وحده. و كان أمير المؤمنين في هذه المواصفات و الأعمال كلّها الشخص المتميّز الذي يمثّل الدرجة الاولى في الإسلام.

معرفة الإمام ج٩

83
  • قال إسحاق: فأطرقت. فقال المأمون: يا إسحاق! لا تقل: نعم، يمكن أن يلحق به! فإنّك إن قلت: نعم، أوجدتُك في دهرنا هذا من هو أكثر منه جهاداً و حجّاً و صياماً و صلاة و صدقة.۱

  • قال إسحاق: فقلت: أجل يا أمير المؤمنين! لا يلحق المفضولُ على عهد رسول الله الفاضلَ أبداً!

  • قال المأمون: يا إسحاق! فانظر ما رواه لك أصحابك، و من أخذت عنهم دينك، و جعلتهم قدوتك، من فضائل عليّ بن أبي طالب! فقس عليها ما أتوك به من فضائل أبي بكر. فإن رأيت فضائل أبي بكر تشاكل فضائل عليّ، فقل إنّه أفضل منه! لا، و الله.

  • و لكن فقس إلى فضائله ما روي لك من فضائل أبي بكر و عمر، فإن وجدت لهما من الفضائل ما لعليّ وحده، فقل: إنّهما أفضل منه! لا و الله!

  • و لكن قس إلى فضائله فضائل أبي بكر، و عمر، و عثمان، فإن 

    1. و ممّا يؤيّد هذا الموضوع الآية ۱۰ من السورة ٥۷: الحديد: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَ قاتَلُوا}.

معرفة الإمام ج٩

84
  • و جدت لهما من الفضائل ما لعليّ وحده، فقل: إنّهم أفضل منه! لا و الله!

  • و لكن قس بفضائل العشرة الذين شهد لهم رسول الله بالجنّة، فإن و جدتها تشاكل فضائل عليّ، فقل: إنّهم أفضل منه.

  • ثمّ قال المأمون بعد ذلك: يا إسحاق، أي الأعمال كانت أفضل يوم بعث الله رسوله؟! قلتُ: الإخلاص بالشهادة!

  • قال المأمون: أ ليس السبق إلى الإسلام؟! قلتُ: نعم!

  • قال: اقرأ ذلك في كتاب الله تعالى يقول: {وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ‌}،۱ إنّما عنى من سبق إلى الإسلام.

  • فهل علمتَ أحداً سبق عليّاً إلى الإسلام؟!

  • قال إسحاق: قلتُ: يا أمير المؤمنين! إنّ عليّاً أسلم و هو حديث السنّ، لا يجوز عليه الحكم، و أبو بكر أسلم و هو مستكمل، يجوز عليه الحكم!

  • قال المأمون: أخبرني أيّهما أسلم قبل، ثمّ اناظرك من بعده في الحداثة و الكمال! قلت: على أسلم قبل أبي بكر على هذه الشريطة.

  • فقال: نعم! فأخبرني عن إسلام علي حين أسلم، لا يخلو من أن يكون رسول الله دعاه إلى الإسلام، أو يكون إلهاماً من الله؟

  • قال إسحاق: فأطرقتُ. فقال لي المأمون: يا إسحاق! لا تقل: إلهاماً فتقدّمه على رسول الله صلّى الله عليه و آله!

  • لأنّ رسول الله لم يعرف الإسلام حتّى أتاه جبريل عن الله تعالى.

    1. الآيتان ۱۰ و ۱۱، من السورة ٥٦: الواقعة.

معرفة الإمام ج٩

85
  • قلتُ: أجل، بل دعاه رسول الله صلّى الله عليه و آله إلى الإسلام!

  • قال: يا إسحاق! فهل يخلو رسول الله حين دعاه إلى الإسلام من أن يكون دعاه بأمر الله، أو تكلّف ذلك من نفسه؟

  • قال إسحاق: فأطرقتُ! فقال المأمون: يا إسحاق! لا تنسب‌ رسول الله إلى التكلّف، فإنّ الله يقول: {وَ ما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}‌.۱

  • قلتُ: أجل يا أمير المؤمنين، بل دعاه بأمر الله!

  • قال المأمون: فهل من صفة الجبّار جلّ ذكره أن يكلِّف رسله دعاءَ من لا يجوز عليه حكم؟!

  • قلتُ: أعُوذُ بِالله.

  • فقال: أ فتراه في قياس قولك يا إسحاق أنّ عليّاً أسلم صبيّاً لا يجوز عليه الحكم، قد كلّف رسول الله صلّى الله عليه و آله من دعاء الصبيان ما لا يطيقون؟! فهو يدعوهم الساعة و يرتدّون بعد ساعة، فلا يجب عليهم في ارتدادهم شي‌ء، و لا يجوز عليهم حكم الرسول صلّى الله عليه و آله؟!

  • أ ترى هذا جائزاً عندك أن تنسبه إلى الله عزّ و جلّ؟!

  • قلت: أعُوذُ بِاللهِ!

  • قال المأمون: فأراك إنّما قصدت لفضيلة فضّل بها رسول الله عليّاً على هذا الخلق، أبانه بها منهم ليعرف مكانه و فضله. و لو كان الله تبارك و تعالى أمره بدعاء الصبيان لدعاهم كما دعا عليا؟ قلتُ: بلى.

  • قال المأمون: فهل بلغك أنّ الرسول دعا أحداً من الصبيان من أهله و قرابته -لئلّا تقول: إنّ عليّاً ابن عمّه- ؟

  • قلتُ: لا أعلم، و لا أدري فعل أو لم يفعل!

    1. الآية ۸٦، من السورة ٣۸: ص.

معرفة الإمام ج٩

86
  • قال: يا إسحاق! أ رأيت ما لم تدره و لم تعلمه هل تُسأل عنه؟! قلتُ: لا.

  • قال: فدع ما وضعه الله عنّا و عنك!

  • ثمّ قال المأمون: ثمّ أي الأعمال كانت أفضل بعد السبق إلى‌ الإسلام؟! قلتُ: الجهاد في سبيل الله.

  • قال: صدقت! فهل تجد لأحد من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه و آله ما تجد لعليّ بن أبي طالب في الجهاد؟! قلتُ: في أي وقت؟

  • قال: في أي الأوقات شئتَ؟ قلتُ: غزوة بَدْر.

  • قال: لا اريد غيرها! فهل تجد لأحد إلّا دون ما تجد لعلى يوم بدر؟! أخبرني: كم قتلى بدر؟

  • قلتُ: نيّف و ستّون رجلًا من المشركين.

  • قال: فكم قتل علي وحده؟! قلتُ: لا أدري.

  • قال: ثلاثة و عشرين أو اثنين و عشرين، و الأربعون لسائر الناس.

  • قلتُ: يا أمير المؤمنين! كان أبو بكر مع النبيّ في عريشه.۱

  • قال: ما ذا يصنع؟ قلتُ: يدبّر أمر الحرب.

  • قال: ويحك! يدبّر دون رسول الله أو معه شريكاً، أو افتقاراً من رسول الله إلى رأيه؟ أي الثلاث أحَبّ إليك؟! قلتُ: أعُوذُ بِاللهِ أن يدبّر أبو بكر دون رسول الله، أو يكون معه شريكاً، أو أن يكون برسول الله افتقار إلى رأيه!

  • قال المأمون: فما الفضيلة بالعريش إذا كان الأمر كذلك؟! أ ليس مَن ضرب بسيفه بين يدي رسول الله أفضل ممّن هو جالس؟ قلتُ: كلّ 

    1. العريش حجرة يبنونها كالخيمة، يستظلّ بها من الشمس.

معرفة الإمام ج٩

87
  • الجيش كان مجاهداً.

  • قال: صدقت، كلٌّ مجاهد، و لكن الضارب بالسيف، المحامي عن رسول الله، و عن الجالس، أفضل من الجالس. أ ما قرأت كتاب الله:

  • {لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَ الْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَ كُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى‌ وَ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً}.۱

  • قلتُ: و كان أبو بكر و عمر مجاهدين.

  • قال: فهل كان لأبي بكر و عمر فضل على من لم يشهد ذلك المشهد؟! قلت: نعم! قال: فكذلك سبق الباذل نفسه فضل أبي بكر و عمر.

  • قلتُ: أجل! قال: يا إسحاق! هل تقرأ القرآن؟!

  • احتجاج المامون بسورة الدهر لبيان أفضليّة عليّ عليه السلام‌

  • قلتُ: نعم! قال: اقرأ عَلَيّ: {هَلْ أَتى‌ عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً}.٢ فقرأتُ منها حتّى بلغت: {يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً}.٣ إلى قوله‌: {وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى‌ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً}.٤

  • قال: على رسلك، فيمن انزلت هذه الآيات؟

  • قلتُ: في عَلِيّ. قال: فهل بلغك أنّ عليّاً حين أطعم المسكين و اليتيم و الأسير، قال: {ِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ}‌.

    1. الآية ٩٥، من السورة ٤: النساء.
    2. الآية ۱، من السورة ۷٦: الدهر.
    3. الآية ٥، من السورة ۷٦: الدهر.
    4. الآية ۸، من السورة ۷٦: الدهر.

معرفة الإمام ج٩

88
  • قلتُ: بلى!

  • قال: و هل سمعت الله وصف في كتابه أحداً بمثل ما وصف به عليا؟!

  • قلتُ: لا. قال: صدقَتَ! لأنّ الله جلّ ثناؤه عرف سيرته. يا إسحاق!

  • أ لستَ تشهد أنّ العشرة المبشّرة۱ في الجنّة؟!

  • قلتُ: بلى! يا أمير المؤمنين!

  • قال: أ رأيت لو أنّ رجلًا قال: و الله، ما أدري هذا الحديث صحيح أم لا. و لا أدري إن كان رسول الله صلّى الله عليه و آله قاله أم لم يقله؟ أ كان عندك كافراً؟! قلتُ: أعوذ بالله، إن حسبته كافراً!

  • قال: أ رأيت لو أنّه قال: ما أدري هذه السورة (سورة الدهر) من كتاب الله، أم لا، كان كافراً؟! قلتُ: نعم!

  • قال: يا إسحاق! أرى بينهما فرقاً!٢

  • قال: أ تروي الحديث؟! 

  • قلتُ: نعم! قال: فهل تعرف حديث الطَّيْر؟!٣ قلت: نعم.

    1. يروي العامّة في كتبهم أنّ رسول الله صلّى الله عليه و آله بشّر عشرة من أصحابه بالجنّة فعرفوا بالعشرة المبشَّرة، و هم: أبو بكر، و عمر، و علىّ، و عثمان، و طلحة، و الزبير، و سعد بن أبي وقّاص، و عبد الرحمن بن عوف، و سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، و عبد الله بن مسعود. بَيدَ أنّ إجماع الشيعة يردّ هذا الحديث، إذ يرى الشيعة أنّه من الأحاديث الموضوعة. و جاء حديث العشرة المبشّرة في كتاب «اسد الغابة» ج ٣، ص ٣۷۸.
    2. أراد المامون أن يقول إنّ حديث العشرة المبشّرة بالجنّة موضوع، و من أنكره لم يكفر، على عكس سورة الدهر التي نزلت في أهل البيت، فهي قرآن، و من أنكرها كفر.
    3. روى الفريقان هذا الحديث بسند متواتر و رواة موثّقين. و فيه أنّ أنس بن مالك (خادم النبي) أتى بطائر مشوي و وضعه عند رسول الله، فدعا رسول الله قائلًا: اللهُمَّ أدْخِلْ إلى أحَبَّ خَلْقِكَ إليك يأكُل مَعي مِنْ هَذَا الطَّائر. فجاء على عليه السلام و دخل على رسول الله و أكل معه. يقول أنس: لما دعا رسول الله بهذا الدعاء، قلت في نفسي: اللهمّ اجعله رجلًا من الأنصار (لأنّ أنساً كان أنصاريّاً و أراد أن تكون هذه المفخرة في قومه). فقرع علىّ الباب، و ذهب أنس خلف الباب و قال لأمير المؤمنين عليه السلام: إنّ رسول الله مشغول في حاجة، و لم يفتح الباب. فكرّر رسول الله دعاءه: اللهُمَّ أدْخِلْ إلى أحَبَّ خَلْقِكَ إليك يَأكُل معي مِن هذا الطائر. و قرع أمير المؤمنين الباب و لم يفتحه أنس. و ثلّث رسول الله دعاءه، و عند ما قرع أمير المؤمنين الباب، قال رسول الله: لم لا تفتح الباب؟! قال أنس: يا رسول الله أحببت أن يكون رجلًا من الأنصار، فقال النبيّ: لَسْت بأوّلِ رَجُلٍ أحَبَّ قَوْمَهُ. ففتحت الباب و دخل عليّ عليه السلام فقال له رسول الله: ما حبسك يا على؟ فقصّ أمير المؤمنين عليه القصّة من أنّه أتى مرّتين و قال له أنس: رسول الله مشغول. و تناول أمير المؤمنين من ذلك الطائر مع رسول الله.

معرفة الإمام ج٩

89
  • قال: فحدّثني به! فحدّثته الحديث.

  • قال: إنِّي كنتُ أكلّمك و أنا أظنّك غير معاند للحقّ! فأمّا الآن فقد بان لي عنادك! إنّك توقن أنّ هذا الحديث صحيح؟! قلتُ: نعم. رواه من لا يمكنني ردّه.

  • قال: أ فرأيت من أيقن أنّ هذا الحديث صحيح، ثمّ زعم أنّ أحداً أفضل من عليّ، لا يخلو من إحدى ثلاث:

  • من أن تكون دعوة رسول الله عنده مردودة عليه، أو أن يقول:

  • عرّف الله عزّ و جلّ الفاضل من خلقه و كان المفضول أحبّ إليه، أو أن يقول: إنّ الله عزّ و جلّ لم يعرِّف الفاضل من المفضول؟

  • قال إسحاق: فأطرقت أيضاً. فقال المأمون: يا إسحاق! لا تقل من هذه الثلاثة شيئاً! فإنّك إن قلت منها شيئاً استتبتك (بسبب الكفر الذي ينتج عن القول بإحدى الثلاث). و إن كان للحديث عندك تأويل غير هذه الثلاثة الأوجه فَقُلْهُ!

  • استدلال المامون على أنّ الصحبة في الغار لا توجب فضيلة

  • قلتُ: لا أعلم، و إنّ لأبي بكر فضلًا! قال: أجل، لو لا أنّ له فضلًا، 

معرفة الإمام ج٩

90
  • لما قيل: إنّ عليّاً أفضل منه، فما فضله الذي قصدتَ له الساعة؟!

  • قلتُ: قول الله عزّ و جلّ: {ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا}.۱

  • فنسب الله أبا بكر في هذه الآية إلى صحبته، أي، إلى صحبة رسول الله.

  • قال المأمون: يا إسحاق! أما إنِّي لا أحملك على الوعر من طريقك.إنِّي وجدتُ الله تعالى نسب إلى صحبة من رضيه و رضي عنه كافراً، و هو قوله: {قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا، لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَ لا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً}.٢

  • قال المأمون: تأبى الآن إلّا أن تضطرّني للإستقصاء عنك! أخبرني عن حزن أبي بكر: أ كان رضا أم سخطاً؟!

  • قلتُ: إنّ أبا بكر إنّما حزن من أجل رسول الله صلّى الله عليه و آله خوفاً عليه و غمّاً أن يصل إلى رسول الله شي‌ء من المكروه!

  • قال: ليس هذا سؤالي! إنّما كان سؤالي أن تجيب: رضاً أم سخطاً! قلتُ: بل كان رضا للّه.

  • قال: فكأنّ الله جلّ ذكره بعث إلينا رسولًا ينهى عن رضا الله و عن طاعته؟ قلتُ: أعوذُ بِالله!

    1. الآية ٤۰، من السورة ٩: التوبة.
    2. الآيتان ٣۷ و ٣۸، من السورة ۱۸: الكهف. نلاحظ في هذه الآية أنّ عنوان الصاحب قد اطلق على ذلك المؤمن، بَيدَ أنّه لما كان من العناوين الإضافيّة و النسبيّة، و أنّ من كان صاحباً لشخص آخر فإنّ هذا الشخص هو صاحب الشخص الأوّل أيضاً، لهذا استفاد المامون من هذه الملازمة، و صحّ عند التعبير عن الكافر بالصاحب من خلال التعبير عن المؤمن به.

معرفة الإمام ج٩

91
  • قال: أ وَ ليس قد زعمت أنّ حزن أبي بكر رضاً للّه؟ قلتُ: بلى!

  • قال: أ وَ لم تجد أنّ القرآن يشهد أنّ رسول الله صلّى الله عليه و آله قال: لا تَحْزَنْ نهياً له عن الحزن؟ قلتُ: أعُوذُ بِالله.

  • قال: يا إسحاق! إنّ مذهبي الرفق بك، لعلّ الله يردّك إلى الحقّ‌ و يعدل بك عن الباطل، لكثرة ما تستعيذ به!

  • و حدّثني عن قول الله: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ‌}، من عنى بذلك، رسول الله أم أبا بكر؟!

  • قلتُ: بل رسول الله. قال: صدقتَ! حدّثني عن قول الله:{وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ}‌، إلى قوله‌: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى‌ رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}‌.۱

  • أتعلم مَن المؤمنون الذين أراد الله في هذا الموضوع؟! قلتُ:لا أدري يا أمير المؤمنين.

  • قال: الناس جميعاً انهزموا يوم حُنَيْن، فلم يبق مع رسول الله صلّى الله عليه و آله إلّا سبعه نفر من بني هاشم: عليّ يضرب بسيفه بين يدي رسول الله. و العبّاس آخذ بلجام بغلة رسول الله، و الخمسة محدقون 

    1. قسم من الآية ٢٥ و الآية ٢٦، من السورة ٩: التوبة. و الدليل الساطع على مثلبة أبي بكر هو قوله تعالى: فَأنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عليه. و نلحظ في الآية المشار إليها أعلاه أنّ الله أنزل سكينته على رسوله و على المؤمنين في غزوة حُنَين. و أمّا في تلك الآية، فعلى الرغم من أنّ الكلام يحوم حول رسول الله و أبي بكر: ثَانِيَ اثْنَيْنِ إذْ هُمَا في الْغَارِ، و أنّ النبيّ نهى أبا بكر عن الحزن و قال: إنَّ اللهَ مَعَنَا، و إذا ما نزلت السكينة عليهما معاً، فلا بدّ أن يقول:فأنزل الله سكينته عليهما، و لكنّه أفرد نبيّه بالسكينة، و كأنّه صرّح بعدم نزولها على أبي بكر. و على الرغم من أنّ هذا المفهوم هو مفهوم اللقب، بيد أنّه مع المواصفات التي ذكرناها أقوى من مفهوم الشرط و نظائره، و دلالته أدلّ على المطلوب.

معرفة الإمام ج٩

92
  • به خوفاً من أن يناله من جراح القوم شي‌ءٌ. حتّى أعطى الله رسوله الظفر.فالمؤمنون في هذا الموضع عليّ خاصّة ثمّ من حضره من بني هاشم. قال:فمن أفضل؟ من كان مع رسول الله في ذلك الوقت، أم من انهزم عنه و لم يره الله موضعاً لينزلها عليه؟!

  • قلتُ: بل من انزلت عليه السكينة.

  • احتجاج المامون بمبيت أمير المؤمنين في فراش رسول الله‌

  • قال: يا إسحاق! من أفضل؟! من كان معه في الغار، أم من نام على فراشه، و وقاه بنفسه، حتّى تمّ لرسول الله ما أراد من الهجرة؟!

  • إنّ الله تبارك و تعالى أمر رسوله أن يأمر عليّاً بالنوم على فراشه، و أن يقي رسول الله بنفسه. فأمره رسول الله صلّى الله عليه و آله بذلك. فبكى عليّ. فقال له رسول الله: ما يبكيك يا عليّ؟! أ جزعاً من الموت؟! قال:لا، و الذي بعثك بالحقّ يا رسول الله! و لكن خوفاً عليك! أ فتسلم يا رسول الله؟!

  • قال: نعم! قال عليّ: سَمْعاً و طَاعَةً وَ طَيِّبَةً نَفْسِي بِالفِدَاء لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ.

  • ثمّ أتى عليّ مضجع‌ النبيّ و اضطجع و تسجّى بثوبه. و جاء المشركون من قريش فحفّوا به، لا يشكّون أنّه رسول الله، و قد أجمعوا أن يضربه من كلّ بطن من بطون قريش رجل ضربة بالسيف، لئلّا يطلب الهاشميّون من البطون بطناً بدَمِه. و عليّ يسمع ما القوم فيه من إتلاف نفسه، و لم يدعه ذلك إلى الجزع كما جزع صاحبه في الغار، و لم يزل عليّ صابراً محتسباً، فبعث الله ملائكته فمنعته من مشركيّ قريش حتّى أصبح. فلما أصبح قام فنظر القوم إليه فقالوا: أين محمّد؟!

  • قال: و ما علمي بمحمّد أين هو؟! قالوا: فلا نراك إلّا مغرّراً بنفسك 

معرفة الإمام ج٩

93
  • منذ ليلتنا!

  • فلم يزل عليّ أفضل ما بدأ به يزيد، و لا ينقص حتّى قبضه الله إليه.

  • يا إسحاق! هل تروي حديث الولاية (حديث الغدير)؟!

  • قلتُ: نعم! يا أمير المؤمنين. قال: اروه، ففعلت.

  • قال: يا إسحاق! أ رأيت هذا الحديث هل أوجب على أبي بكر، و عمر ما لم يوجب لهما عليه؟!

  • قلتُ: إنّ الناس ذكروا أنّ الحديث إنّما كان بسبب زَيْد بن حَارِثَة لشي‌ء جرى بينه و بين عليّ، و أنكر ولاء عليّ، فقال رسول الله صلّى الله عليه و آله: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ. اللهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ.

  • قال المأمون: في أي موضع قال هذا؟ أ ليس بعد منصرفه من حجّة الوداع؟!

  • قلتُ: أجل! قال: فإنّ قتل زيد بن حارثة قبل الغدير. كيف رضيت لنفسك هذا؟

  • أخبرني: لو رأيت ابناً لك قد أتت عليه خمس عشرة سنة يقول:مَوْلَايّ مَوْلى ابْنِ عَمِّي، أيّها الناس فاعلموا ذلك: أ كنتَ منكراً ذلك عليه؟! قلتُ: اللهُمَّ نعم!

  • قال: يا إسحاق أ فتنزّه ابنك عمّا لا تنزّه عنه رسول الله صلّى الله عليه و آله!

  • وَيْحَكُمْ لَا تَجْعَلُوا فُقَهَاءَكُمْ أرْبَابَكُمْ‌! إنّ الله جلّ ذكره قال في كتابه: {اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ}‌.۱

    1. الآية ٣۱، من السورة ٩: التوبة.

معرفة الإمام ج٩

94
  • و لم يصلّوا لهم، و لا صاموا، و لا زعموا أنّهم أرباب، و لكن أمروهم فأطاعوا أمرهم.

  • استدلال المامون بحديث المنزلة على خلافة أمير المؤمنين‌

  • يا إسحاق! أ تروي حديث‌ أنْتَ مِني بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ موسى؟!

  • قلتُ: نعم‌ يا أمير المؤمنين! قد سمعته، و سمعت من صحّحه و جحده!

  • قال: فمن أوثق عندك؟! من سمعت منه فصحّحه، أو من جحده؟!

  • قلتُ: من صحَّحه.

  • قال: فهل يمكن أن يكون رسول الله مزح بهذا القول؟

  • قلت: أعُوذُ بالله. قال: فقال قولًا لا معنى له فلا يوقف عليه؟

  • قلتُ: أعوذُ بِالله! قال: أ فما تعلم أنّ هارون كان أخا موسى لأبيه و امّه؟!

  • قلتُ: بلى! قال: فعلى أخو رسول الله لأبيه و امّة؟!

  • قلتُ: لا! قال: أو ليس هارون كان نبيّاً و عليّ غير نبيّ؟

  • قلتُ: بلى! قال: فهذان الحالان معدومان في عليّ و قد كانا في هارون. فما معنى قوله: أنْتَ مِني بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ موسى؟!

  • قلتُ: إنّما أراد أن‌ يطيّب بذلك نفس عليّ لما قال المنافقون: إنّه خلّفه استثقالًا له.

  • قال: فأراد أن يطيّب بقول لا معنى له؟

  • قال إسحاق: فأطرقتُ.

  • فقال المأمون: يا إسحاق، له معنى في كتاب الله بيّن.

  • قلتُ: و ما هو يا أمير المؤمنين؟!

  • قال: قوله عزّ و جلّ حكاية عن موسى أنّه قال لأخيه هارون: 

معرفة الإمام ج٩

95
  • {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَ أَصْلِحْ وَ لا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ}‌.۱

  • قلتُ: يا أمير المؤمنين! إنّ موسى خلّف هارون في قومه، و هو حيّ، و مضى إلى ربّه، و إنّ رسول الله خلّف عليّاً كذلك حين خرج إلى غزاته. (أي: أنّ هذا الاستخلاف ليس مثل ذلك الاستخلاف، إذ هو استخلاف على الامّة جميعها).

  • قال: كلّا، ليس كما قلت؟ أخبرني: عن موسى حين خلّف هارون، هل كان معه حين ذهب إلى ربّه أحد من أصحابه أو أحد من بني إسرائيل؟!

  • قلت: لا! قال: أ وَ ليس استخلفه على جماعتهم؟!

  • قلتُ: نعم! قال: فأخبرني: عن رسول الله صلّى الله عليه و آله حين خرج إلى غزاته هل خلّف إلّا الضعفاء و النساء و الصبيان؟ فأنى يكون مثل ذلك؟ (المراد من قوله: أنْتَ مِني بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ موسى، خلافة عليّ للُامّة جميعها، كخلافة هارون للُامّة جميعها، و ليس المراد منه الخلافة في الحرب و رعاية شئون الضعفاء و النساء و الصبيان).

  • ثمّ قال المأمون: و له عندي تأويل آخر من كتاب الله يدلّ على استخلاف أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب لا يقدر أحد أن يحتجّ فيه، و لا أعلم أحداً احتجّ به و أرجو أن يكون توفيقاً من الله!

  • قلتُ: و ما هو يا أمير المؤمنين؟!

  • قال: قوله عزّ و جلّ حين حكى عن موسى قوله:

  • {وَ اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي، هارُونَ أَخِي، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي، كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً، وَ نَذْكُرَكَ كَثِيراً، إِنَّكَ كُنْتَ بِنا 

    1. الآية ۱٤٢، من السورة ۷: الاعراف.

معرفة الإمام ج٩

96
  • بَصِيراً}.۱

  • فأنت مني يا عليّ بمنزلة هارون من موسى: وزيري من أهلي، و أخي، شدّ الله به أزري، و أشركه في أمري، كي نسبّح الله كثيراً، و نذكره كثيراً.

  • فهل يقدر أحد أن يدخل في هذا شيئاً غير هذا؟ و لم يكن ليبطل‌ قول النبيّ، و أن يكون لا معنى له.

  • قال إسحاق: فطال المجلس، و ارتفع النهار، فقال يحيى بن أكثم: يا أمير المؤمنين! قد أوضحت الحقّ لمن أراد الله به الخير، و أثبتّ ما لا يقدر أحد أن يدفعه.

  • قال إسحاق: فأقبل علينا المأمون، و قال: ما تقولون؟!

  • فقلنا: كلّنا نقول بقول أمير المؤمنين أعزّه الله!

  • فقال: و الله لو لا أنّ رسول الله صلّى الله عليه و آله قال:

  • اقْبَلُوا القَوْلَ مِنَ النَّاسِ‌، ما كنت لأقبل منكم القول. اللهمّ! قد نصحت لهم القول. اللهمّ! إنِّي قد أخرجت الأمر من عنقي. اللهمّ إنِّي أدينك بالتقرّب إليك بحبّ عليّ و ولايته.

  • أمر المامون بعقد ولاية العهد للإمام الرضا عليه السلام‌

  • و في أعقاب هذا المجلس، كتب المأمون إلى عَبْدِ الجَبَّارِ بْنِ سَعِدٍ المَسَاحِقِيّ عامله على المدينة أنِ اخطب الناس، وادعهم إلى بيعة عَلِيّ بنِ مُوسَى!

  • فقام عبد الجبّار و قال: يَا أيُّهَا النَّاسُ! هَذَا الأمْرُ الذي كُنتُمْ فِيهِ تَرْغَبُونَ، وَ العَدْلُ الذي كُنتُمْ تَنْظَرُونَ، وَ الخَيْرُ الذي كُنْتُمْ تَرْجُونَ، هَذَا عَلِيّ بْنُ موسى بْنُ جَعْفَرٍ بْن مُحَمَّدِ بْنِ عليّ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أبي 

    1. الآيات ٢٩ إلى ٣٥، من السورة ٢۰: طه.

معرفة الإمام ج٩

97
  • طَالِبٍ.

  • سِتَّةُ آبَاءٍ، هُمُ مَا هُمُ‌***مِنْ خَيْرِ مَنْ يَشْرَبُ صَوْبَ الغَمَام‌۱
  • و احتجّ المأمون أيضاً بحديث الغدير لإثبات أحقّيّة الأئمّة الطاهرين، و ذلك في رسالة جوابيّة كتبها ردّاً على اعتراض العبّاسيّين عليه‌عند ما فوّض الخلافة إلى الإمام عليّ بن موسى الرضا عليهما السلام.

  • و قال صاحب «ينابيع المودّة» في الباب ٩٢ بعد نقله هذه الرسالة:روى ابن مسكويه صاحب التأريخ في كتابه: «نديم الفريد» أنّ المأمون كتب كتاباً إلى بني العبّاس. و هذا الكتاب مفصّل، و كلّه يدور حول أحقّيّة و أولويّة أمير المؤمنين عليه السلام للخلافة. و ننقل فيما يلي فقرات منه:

  • فَلَمَّا قُبِضَ‌٢ حَكَمَ بِالنَّبِيّ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ القَوْمُ لِيَقْتُلُوهُ، فَهَاجَرَ إلَى المَدِينَةِ إلَى القَوْمِ الأنْصَارِ، وَ لَمْ يَقُمْ مَعَهُ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ أحَدٌ كَقِيَامِ عَلِيّ بْنِ أبي طَالِبٍ، فَإنَّهُ وَقَاهُ بِنَفْسِهِ، وَ نَامَ في مَضْجَعِهِ، ثمَّ لَمْ يَزَلْ بَعْدُ مُتَمَسِّكَاً بِأطْرَافِ الثُّغُورِ، يُنَازِلُ الأبْطَالَ، وَ لَا يَنْكُلُ عَنْ قِرْنٍ، وَ لَا يُوَلِّي عَنْ جَيْشٍ، مَنِيعَ القَلْبِ، يُؤَمَّرُ على الجَمِيعِ، وَ لَا يُؤَمَّرُ عَلَيْهِ أحَدٌ، أشَدَّ النَّاسِ وَطْأةً على المُشْرِكِينَ، وَ أعْظَمَهُمْ جِهَادَاً في اللهِ، وَ أفْقَهَهُمْ في دِينِ اللهِ، وَ أقْرَأهُمْ لِكِتابِ اللهِ، وَ أعْرَفَهُمْ بِالحَلَالِ وَ الحَرَامِ، وَ هُوَ صَاحِبُ الوَلَايَةِ في حَدِيثِ غَديرِ خُمٍّ وَ صَاحِبُ قَوْلِهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ: أنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ موسى إلَّا أنَّهُ لا نَبِيّ بَعْدِي.٣

    1. «العقد الفريد»، ج ٣، ص ٢۷٩، ٢۸٦. الطبعة الاولى، مطبعة الجمالية، سنة ۱٣٣۱ ه.
    2. أى لما قبض أبو طالب رضوان الله عليه.
    3. «ينابيع المودّة» ص ٤۸٤، الطبعة الاولى، إسلامبول؛ و «الغدير» ج ۱، ص ٢۱٢ عن «ينابيع المودّة»؛ و «عقبات الأنوار» ج ۱، ص ۱٤۷.

معرفة الإمام ج٩

98
  • قال أبو الحسن: على بن الحسين المسعوديّ في آخر الجزء الثاني من «مروج الذهب»، و في آخر الفصل الذي خصّصه لترجمة أمير المؤمنين عليه السلام:

  • قال المسعوديّ: و الأشياء التي استحقّ بها أصحاب رسول الله صلّى الله عليه و آله الفضل هي: السبق إلى الإيمان، و الهجرة، و النصرة لرسول الله صلّى الله عليه و آله، و القربى منه، و القناعة، و بذل النفس له،و العلم بالكتاب و التنزيل، و الجهاد في سبيل الله، و الورع، و الزهد، و القضاء، و الحكم، و العفّة، و العلم.

  • و كلّ ذلك لعليّ بن أبي طالب عليه السلام منه النصيب الأوفر، و الحظّ الأكبر، إلى ما ينفرد به من قول رسول الله صلّى الله عليه و آله حين آخى بين أصحابه: أنْتَ أخي‌. و نحن نعلم أنّ رسول الله لا ضدّ له و لا ندّ.

  • و أفرده أيضاً بقوله: أنْتَ مِني بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ موسى إلَّا أنَّهُ لا نَبِيّ بَعْدِي.

  • و قوله: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ. اللهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ.

  • ثمّ دعاؤه و قد قدّم إليه أنس الطائر: اللهُمَّ أدْخِلْ إلَيّ أحَبَّ خَلْقِكَ إلَيْكَ يَأكُلْ مَعِي مِنْ هَذَا الطَّائِرِ.

  • فدخل عليه عليّ عليه السلام ... إلى آخر الحديث.۱

  • ينبغي أن نعلم أنّ هناك احتجاجات هامّة اخرى ما عدا هذه الاحتجاجات الأربعة عشر التي ذكرناها، و قد صدرت عن عَمَّار بن يَاسِر في معركة صفّين، و قَيْس بن سَعْد بن عُبَادة مع معاوية، و الحاكم الأمويّ 

    1. «مروج الذهب» ج ٢، ص ٤٣۷، طبعة مطبعة السعادة، سنة ۱٣٦۷ ه.

معرفة الإمام ج٩

99
  • عُمَر بن عبد العزيز بن مروان، و غيرهم من المشاهير. و قد اكتفينا بهذا المقدار حسب ما يتطلّبه المقام. و نختم هذا البحث النفيس بأبيات للصاحب بن عبَّاد رضوان الله عليه في التوسّل بالنبيّ و الأئمّة الأطهار:

  • شعر الصاحب بن عبّاد في التوسّل بالمعصومين عليهم السلام‌

  • بِمُحَمَّدٍ وَ وَصِيِّهِ وَ ابْنَيْهِمَا***الطَّاهِرَيْنِ وَ سَيِّد العُبَّادِ
  • وَ محَمَّدٍ وَ بِجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ***وَ سَمِيّ مَبْعُوثٍ بِشَاطِي الوَادِ
  • وَ عَلِيّ الطُّوسِيّ ثمَّ مُحَمَّدٍ***وَ عليّ المَسْمُومِ ثمَّ الهَادِي‌
  • حَسَنٍ وَ أتْبَعُ بَعْدَهُ بِإمَامَةٍ***لِلقَائِمِ المَبْعُوثِ بِالمِرْصَادِ۱
  • ندعوك يا ربّنا أن تقبل منّا هذه البضاعة المُزْجاة، و تجعلها ذخيرة ليوم لا ينفع مال و لا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم، و تمنّ على أوليائك و أحبّائك بمحو جميع خطاياهم بولاية أمير المومنين و أبنائه الطاهرين، و بعناية الإمام الحيّ خاتم الأوصياء، و تجعل معرفة تلك الذوات المقدّسة معرفة نورانيّة تامّة و راقية، من نصيبنا، إنّك حميدٌ مجيدٌ!

    1. «الغدير» ج ٤، ص ٦٦.

معرفة الإمام ج٩

101
  •  

  •  

  • الدّرْسُ الثَّامِن و العِشْرُونَ بَعْدَ المِائَة إلَى الثَّلَاثِينَ بَعْدَ المِائَة شأن نزول الآيتين: سَأَلَ سَائِلٌ، و: فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً

  •  

  •  

معرفة الإمام ج٩

103
  •  

  •  

  • بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‌

  • و صلّى الله على محمّد و آله الطَّاهرين‌

  • و لعنة الله على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين‌

  • و لا حول و لا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم‌

  •  

  •  

  • قالَ اللهُ الحكيم في كتابه الكريم:

  • {سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ، لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ، مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ‌}.۱

  • (و هو العذاب النازل على الحارث بن النعمان الفَهْريّ، أو على جابر بن نَصْر بن الحارث بن كَلْدَة بحجارة رمتها السماء فأهلكته بها لاعتراضه على رسول الله صلّى الله عليه و آله عند ما نصب عليّ بن أبي طالب عليه السلام خليفةً و وليّاً).

  • أجل، فإنّ منكر ولايته أمام رسول الله صلّى الله عليه و آله -مع علمه- يستحقّ هذا النكال و النقمة، لانّه ينكر أصالة التشريع و التكوين و واقعيّتهما، فحريّ به أن يفنى و لا تُرى له باقية.

  • أشعار أبي العلى و أبي الفرج في ولاية أمير المؤمنين عليه السلام‌

  • قال أبو العُلَي حول نصّ رسول الله على خلافة عليّ بن أبي طالب: أنا لا أدّعي أنّه نبيّ مرسل، و لكن له مقام الولاية الإلهيّة الكلّيّة بالنصّ الجلي، و لا شكّ في ذلك و لا تردد.

    1. الآيات ۱ إلى ٣، من السورة ۷۰: المعارج.

معرفة الإمام ج٩

104
  • عَلِيّ إمَامِيَ بَعْدَ الرَّسُولِ‌***سَيَشْفَعُ في عَرْصَةِ الحَقِّ لي‌
  • وَ لَا أدَّعي لِعَلِيّ سِوَى‌***فَضَائِلَ في العَقْلِ لَمْ يُشْكَلِ‌
  • وَ لَا أدَّعي أنَّهُ مُرْسَلٌ‌***وَ لَكِنْ إمَامٌ بِنَصٍّ جَلِي‌
  • وَ قَوْلُ الرَّسُولِ لَهُ إذْ أتَى ‌***لَهُ سِيَّمَا الفَاضِلِ المُفْضَلِ‌
  • ألَا إنَّ مَنْ كُنْتُ مَوْلى لَهُ‌***فَمَوْلَاهُ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ عَلِي۱
  • و قال أبو الفرج حول نصب الولاية:

  • تَجَلَّى الهُدَى يَوْمَ الغَدِيرِ على الشُّبَه‌***وَ بُرِّزَ إبْرِيزُ البَيَانِ عَنِ الشِّبَه‌
  • وَ أكْمَل رَبُّ العَرْشِ لِلنَّاسِ دِينَهُمْ‌***كَمَا نَزَلَ القُرْآنُ فِيهِ وَ أعْرَبَه‌
  • وَ قَامَ رَسُولُ اللهِ في الجَمْعِ جَاذِباً***بِضَبْعِ عَلِيّ ذي التَّعَالى مِنَ الشَّبَه‌
  • وَ قَالَ: ألَا مَنْ كُنْتُ مَوْلى لِنَفْسِهِ ‌***فَهَذَا لَهُ مَوْلى فَيَا لَكَ مَنْقِبَه‌٢
    1. «مناقب ابن شهرآشوب» ج ۱، ص ٥٣۱، الطبعة الحجريّة. و جاءت هذه الأبيات في «الغدير» ج ٤، ص ۱۱۸. و نقل عجز البيت الرابع هكذا: لَهُ شَبَه الفاضِل المفضَلِ.
      و الشاعر هو أبو العلاء السَّرَويّ المازندرانيّ، أحد أعلام القرن الرابع. و له مكاتبات و مساجلات مع أبي الفضل بن العميد. و ذكرت ترجمته و بعض أشعاره في «يتيمة الدهر»؛ و «محاسن إصفهان»؛ و «نهاية الإرَب في فنون الأدب».
    2. «مناقب ابن شهرآشوب» ج ۱، ص ٥٣۱. و نقل العلّامة الأمينيّ هذه الأبيات في «الغدير» ج ٤، ص ۱۷٢ نقلًا عن «المناقب»؛ و «الصراط المستقيم» للبياضيّ، و قال: الشاعر هو أبو الفرج محمّد بن هندو الرازيّ. و آل هندو من اسر الإماميّة الناهضين بنشر العلم و الأدب. و أبو الفرج هذا مؤسّس بيت آل هندو. و فيهم جمع قد تحلى أفراده كلّهم بالمقامات العلميّة، و لهم شأنهم في الشعر و الأدب.

معرفة الإمام ج٩

105
  • و أنشد ابن الروميّ قائلًا:

  • يَا هِنْدُ لَمْ أعْشِقْ وَ مِثْلِي لَا يَرَى‌***عِشْقَ النِّسَاءِ دِيَانَةً وَ تَحَرَّجَا
  • لَكِنَّ حُبِّي لِلْوَصِيّ مُخْيَّمٌ‌***في الصَّدْرِ يَسْرَحُ في الفُؤَادِ تَوَلَّجَا
  • فَهوَ السِّرَاجُ المُسْتَنِيرُ وَ مَنْ بِهِ‌***سَبَبُ النَّجَاةِ مِنَ العَذَابِ لِمَنْ نَجَا
  • وَ إذَا تَرَكْتُ لَهُ المَحَبَّةَ لَمْ أجِدْ***يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ ذُنُوبي مَخْرَجَا
  • قُلْ لي: أ أتْرُكُ مُسْتَقِيمَ طَرِيقَهِ‌***جَهْلًا وَ أتَّبِعُ الطَّرِيقَ الأعْوَجَا
  • وَ أرَاهُ كَالتِّبْرِ المُصَفى جَوْهَراً***وَ أرَى سِوَاهُ لِنَاقِديهِ مُبَهْرَجا
  • وَ مَحَلُّهُ مِنْ كُلِّ فَضْلٍ بَيِّنٌ ‌***عَالٍ مَحَلَّ الشَّمْسِ أوْ بَدْرِ الدُّجَى‌
  • قَالَ النَّبِيّ لَهُ مَقَالًا لَمْ يَكُنْ‌***يَوْمَ الغَدِيرِ لِسَامِعيهِ تَمَجْمُجَا
  • مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَذَا مَوْلى لَهُ‌***مِثْلي وَ أصْبَحَ في الفِخَارِ مُتَوَّجَا
  • وَ كَذَاكَ إذْ مَنَعَ البَتُولَ جمَاعَةً***خَطَبُوا وَ أكْرَمَهُ بهَا إذْ زَوَّجَا۱
    1. «مناقب ابن شهرآشوب» ج ۱، ص ٥٣۱.يقول السيّد ابن طاووس في كتاب «الإقبال» ص ٤٥٩: و بلغ أمر الحسد لمولانا علىّ عليه السلام على ذلك المقام و الإنعام إلى بعضهم الهلاك و الاصطلام. فروى الحاكم عبيد الله ابن عبد الله الحسكانيّ في كتاب «ادّعاء الهداة إلى أداء حقّ الموالاة» -و هو من أعيان رجال- الجمهور فقال: قرأت على أبي بكر محمّد بن محمّد الصيدلانيّ فأقرّ به. إلى أن يبلغ بالحديث إلى منصور بن ربعي الذي روى عن حذيفة بن اليمان أنّه قال: لما قال رسول الله: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذَا مَوْلَاهُ، قام النعمان بن المنذر الفهريّ فقال: هذا شي‌ء قلته من عندك أو شي‌ء أمرك به ربّك؟ فقال النبيّ: بل أمرني به ربّي. قال: اللهُمَّ أنْزِل علينا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ. فما بلغ رحله حتّى جاءه حجر فأدماه فخرّ ميّتاً، فأنزل الله، تعالى: {سأل سائل بعذابٍ وَاقِع}.أقول: و روى هذا الحديث الثعلبيّ في تفسيره للقرآن بأفضل و أكمل من هذه الرواية. و كذلك رواه صاحب كتاب «النشر و الطيّ». ثمّ ذكر الحديث مفصّلًا و قال: فإذا كان الحال كما ذكرناه من الجاحدين الكارهين لما أنزل الله، و لما أمر به رسوله صلوات الله عليه و آله من ولاية علىّ بن أبي طالب على الإسلام و المسلمين. و كان ذلك في حياة النبي و هو يرجى و يخاف و الوحي ينزل عليه، فكيف يستبعد ممّن كان بهذه الصفات في الحسد و العداوة أن يعزلوا الولاية عن مولانا عليّ عليه السلام بعد وفاة النبيّ صلّى الله عليه و آله و يكتموا كثيراً من النصوص عليه؟
      بَاعُوهُ بِالأمَلِ الضَّعِيفِ سَفَاهَةً***وَقْتَ الحياةِ فَكيفَ بعد وفاتِهِ‌
      خَذَلُوهُ في وَقْتٍ يُخاف و يُرتجى‌***أ يُرَادُ منهم أن يَفُوا لِمَمَاتِهِ؟

معرفة الإمام ج٩

106
  • و قال أبو إسحاق الثعْلبيّ النيسابوريّ في تفسير «الكشف و البيان»:

  • إن سفيان بن عُيَيْنَة سئل عن قول الله عزّ و جلّ: {سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ‌} فيمن نزلت؟ فقال: سألتني عن مسألة ما سألني أحد قبلك:

  • حدّثني أبي عن جعفر بن محمّد، عن آبائه صلوات الله عليهم قال: لما كان رسول الله بغدير خمّ، نادى الناس، فاجتمعوا، فأخذ بِيَدِ عليّ، فقال: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ. فشاع ذلك، و طار في البلاد، فبلغ الحرث بن النعمان الفَهريّ، فأتى رسول الله صلّى الله عليه و آله على ناقة له، حتّى أتى الأبطح، فنزل عن ناقته، فأناخها، فقال: يا مُحَمَّدِ! أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلّا الله، و أنّك رسول الله! فقلبناه! و أمرتنا أن نصلي خمساً، فقبلناه منك! و أمرتنا بالزكاة، فقبلنا! و أمرتنا أن نصوم شهراً، فقبلنا! ثمّ لم ترض بهذا حتّى رفعت بضبعي ابن عمّك ففضّلته علينا، و قلت: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ‌.

  • فهذا شي‌ء منك، أم من الله عزّ و جلّ؟!

  • فقال [النبيّ‌]: و الذي لا إله إلّا هو إنّ هذا من الله!

  • فولى الحرث بن النعمان يريد راحلته و هو يقول: اللهُمَّ إنّ كَانَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٍ حَقَّاً فَأمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ ألِيمٍ.۱

    1. هذا الكلام استنباط من الآية ٣٢، من السورة ۸: الأنفال: {وَ إذَا قَالُوا اللهُمَّ إن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِندِكَ فَأمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ ألِيمٌ}

معرفة الإمام ج٩

107
  • فما وصل إليها حتّى رماه الله تعالى بحجر فسقط على هامته، و خرج من دُبُره، و قتله؛ و أنزل الله عزّ و جلّ: {سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِع}ٍ‌ (الآيات).۱

  • و روى سبط بن الجوزيّ هذا الحديث عن تفسير الثعلبيّ بنفس الكيفيّة. و ذكر في جواب رسول الله للحرث بن النعمان قائلًا: وَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ قَدِ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ: وَ اللهِ الذي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ إنَّهُ مِنَ اللهِ وَ لَيْسَ مِنِّي. قَالَهَا ثَلَاثَاً.٢

  • رواية الثعلبيّ في تفسير «الكشف و البيان» حول شأن نزول الآية

  • و نقل أبو الفتوح الرازيّ في تفسيره هذا الحديث مفصّلًا عن الثعلبيّ في تفسير «الكشف و البيان». و قال أيضاً: لما جاء الحرث إلى رسول الله، كان صلّى الله عليه و آله، جالساً بين المهاجرين و الأنصار، و مضافاً إلى تلك الاعتراضات المشار إليها، قال أيضاً: يا محمّد! جئتنا و نهيتنا عن عبادة ثلاثمائة و ستّين إلهاً، و قلت لنا: الله واحد! و قلنا معك ذلك! و قلت لنا: جاهدوا، فقبلنا منك!

  • و قال في آخر القصّة: رمى الله تعالى حجراً من السماء، فوقع على هامته، و قتله في مكانه، و أنزل قوله: {سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ، لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ‌}. أرسل الحقّ تعالى رحمته، و هو أراد العذاب. قال: لما لم تنفعك الرحمة، فلا أحد يدفع عنك العذاب. {لَيْسَ لَهُ مِنَ اللهِ ذي الْمَعَارِجِ}. و قد أرسلتُ ولاية عقدت فيها كمال الدين و تمام النعمة {الْيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}.

    1. «الغدير» ج ۱، ص ٢٤۰. و ذكره في «مجالس المؤمنين» في المجلس الاوّل، عن الثعلبيّ بناءً على نقل «تفسير أبي الفتوح».
    2. «تذكرة خواصّ الامّة»، ص ۱٩.

معرفة الإمام ج٩

108
  • و كان صاحب هذا الكمال طفلًا بين الأطفال، فربّيته حتّى بلغ حدّ الكمال في الإيمان.

  • و ما ظنّك بالدين، فقد كان طفلًا مثله، ثمّ أكملته بولايته؟ الْيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، فَكَمُلَ بِهِ الدِّينُ طَرْدَاً وَ عَكْساً. و كان الدين كالطفل فبلغ بالتبليغ.

  • كَانَ طِفْلًا كَيَحْيَى وَ عيسى، فَصَارَ بِالإسلَامِ كَامِلًا قَبْلَ وَقْتِ الكَمَالِ، بَالِغاً قَبْلَ وَقْتِ البُلُوغِ، فَصَارَ الإسْلَام بِوَلَايَتِهِ بَالِغاً حَدَّ الكَمَالِ، لَابِساً بُرْدَةَ الجَمَالِ، مُتَرَدِّياً بَرِدَاءِ الجَلَالِ، لَمَّا نُصِبَ لَهُ مِنْبَرٌ مِنَ الرِّجَالِ، وَ رُفِعَ عَلَيْهِ خَيْرُ الرِّجَالِ، نَصَبَ رَسُولُ اللهِ أرْحُلًا وَ رَفَعَ عَلَيْهِ رَجُلًا، وَ ضَمَّهُ إلَى صَدْرِهِ، وَ فَتَحَ فَاهُ بِنَشْرِ ذِكْرِهِ، وَ كَسَرَ سُوقَ أعْدَائِهِ بِإعْلَائِهِ، وَ أخَذَهُ بِيَدِهِ، وَ وَقَفَهُ عِنْدَ خَدِّهُ،۱ وَ جَرَّ على أعْدَائِهِ رَجَلًا بَلْ أجَلًا، وَ جَزَمَهُمْ جَزَماً وَ خَجَلًا، وَ جَرَّهُمْ جَرّاً. فَالمِنْبَرُ مَنْصُوبٌ وَ صَاحِبُهُ مَرْفُوعٌ، فَالمِنْبَرُ مَنْصُوبٌ صُورَةً وَ مَعْنى، وَ صَاحِبُهُ مَرْفُوعٌ حَقِيقَةً وَ فَحوى، وَ هُوَ مَرْفُوعٌ وَ عَدُوُّهُ مَنْصُوبٌ، وَ هُوَ رَافِعٌ، وَ عَدُوُّهُ نَاصِبٌ.

  • لَيْتَ شِعْرِي: عَدُوُّهُ نَاصِبٌ أمْ مَنْصُوبٌ؟! نَاصِبُ اللَّقَبِ، مَنْصُوبُ المَذْهَبِ.

  • فَيَا عَجَباً مِنْ نَاصِبٍ هُوَ مَنْصُوبٌ. و لو تأمّل متأمّل في هذه الكلمات، فإنّه يجد فيها حركات الإعراب و البناء.٢

    1. في طبعة (مظفّري»: عند خَدّه بالخاء المعجمة، أي: أوقف عليا إلى جانب وجهة. و في طبعة (إسلاميّة) بالحاء المهملة، أي: أوقف عليا في حدود ما يستأهله و يستحقّه.
    2. «تفسير رَوْح الجنَان و رُوح الجنَان»، ج ٢، ص ۱٩٤ و ۱٩٥، طبعة مظفّري. و طبعة إسلاميّة ج ٤، ص ٢۸٢ و ٢۸٣. و ذكر أبو الفتوح في عباراته الأخيرة الجمل التي تحمل مفاد خطبة رسول الله و دعائه في أمير المؤمنين بألفاظ الرفع، و النصب، و الكسر، و الجزم، و الجَرِّ، و الفتح، و الضمّ، و هي حركات الإعراب و البناء التي يستعملها النحويّون في كتبهم.

معرفة الإمام ج٩

109
  • أشعار العونيّ و رواية أبي القاسم الحسكانيّ في الآية: سَأَلَ سَائِلٌ‌

  • و نقل ابن شهرآشوب في مناقبه قضيّة الحَرْث بن النعمان كما ذكرناها، و ذلك عن أبي عُبَيْد، و الثَّعْلَبيّ، و النقّاش، و سفيان بن عُيَيْنَة، و الرازيّ، و القزويني، و النيسابوريّ، و الطبرسيّ، و الطوسيّ في تفاسيرهم، و قال في ختام الموضوع: و في «شرح الأخبار» أنّه نزل: {أَ فَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ‌}.۱ و رواه أبو نعيم الفَضْل بن دكين. و قال العوني:

  • يَقُولُ رَسُولُ اللهِ هَذَا لُامَّتي‌***هُوَ اليَوْمَ مَوْلى رَبِّ مَا قُلْتُ فَاسْمَعِ‌
  • فَقَامَ جَحُودٌ ذُو شِقَاقٍ مُنَافِقٌ‌***يُنَادِي رَسُولَ اللهِ مِنْ قَلْبِ مُوجَعِ‌
  • أ عَنْ رَبِّنا هَذَا أمْ أنْتَ اخْتَرَعْتَهُ‌***فَقَالَ: مَعَاذَ اللهِ لَسْتُ بِمُبْدِعِ‌
  • فَقَالَ عَدُوٌ اللهِ: لَا هُمَّ إنْ يَكُنْ***‌كَمَا قَالَ حَقَّاً بي عَذَاباً فَأوْقَعِ‌
  • فَعُوجِلَ مِنْ افُقِ السَّمَاءِ بِكُفْرِهِ***‌بِجَنْدَلَةٍ فَانْكَبَّ ثَاوٍ بِمَصْرَعٍ‌٢
  • و روى الحاكم الحسكاني هذه الواقعة عن خمسة طرق:

  • الأوّل: عن أبي عبد الله الشيرازيّ بسنده عن سفيان بن عُيَيْنة، عن الإمام الصادق، عن الإمام الباقر، عن أمير المؤمنين عليه السلام. و ذكر أنّ‌

    1.  
      ۱ الآية ٢۰٤، من السورة ٢٦: الشعراء.
    2. «مناقب آل أبي طالب» ج ۱، ص ٥٣۸.

معرفة الإمام ج٩

110
  • اسم ذلك المنافق المنكر هو النعمان بن الحَرْث الفَهريّ.

  • الثاني: عن جماعة، عن أحمد بن محمّد بن نصر بن جعفر الضَّبعيّ بسنده عن سفيان بن عُيَيْنة، عن الإمام الصادق، عن الإمام الباقر، عن الإمام زين العابدين عليهم السلام.۱

  • الثالث: عن تفسير عتيق، عن إبراهيم بن محمّد الكوفيّ بسنده عن جابر الجُعْفي عن الإمام محمّد الباقر عليه السلام.

  • الرابع: عن أبي الحسن الفارسيّ، و عن أبي محمّد بن محمّد البغداديّ بسنديهما عن سفيان بن سعيد، عن منصور، عن ربعي، عن حُذَيْفَة بن اليمان.٢ و ذكر أنّ اسم ذلك المنافق المنكر: النُّعمان بن المُنْذر الفهريّ.

  • و رجال هذا الحديث كلّهم ثقات معتمدون.

  • الخامس: عن عثمان، عن فرات بن إبراهيم الكوفي بسنده عن سعيد بن أبي سعيد المقري، عن أبي هريرة.٣

  • و روى شيخ الإسلام الحمّوئيّ عن الشيخ عماد الدين عبد الحافظ بن بدران بن شبل المقدسيّ بمدينة نابلس، في ما أجاز لي أن أرويه عن القاضي جمال الدين أبي القاسم بن عبد الصمد بن محمّد الأنصاريّ، متّصلًا عن أبي إسحاق الثعلبيّ في تفسيره، عن سفيان بن عُيينة، عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق،٤ عن آبائه عليهم السلام. و جاء في هذه الرواية

    1. «شواهد التنزيل» ج ٢، ص ٢۸۷، الحديث رقم ۱۰٣۱. و جاء الحديث في «الغدير» ج ۱، ص ٢٤۰ عن الحاكم الحسكاني.
    2. «شواهد التنزيل» ج ٢، ص ٢۸۸، الحديث رقم ۱۰٣٢.
    3. «شواهد التنزيل» ج ٢، ص ٢۸٩، الحديث رقم ۱۰٣٤. و جاء الحديث في «الغدير» ج ۱، ص ٢٤۱ عن الحاكم الحسكاني.
    4. يبدو أنّ هذه الجملة من نسخة «فرائد السمطين» صحيحة، لأنّ سفيان بن عيينة يروي عن الإمام الصادق بلا واسطة أبيه، و لهذا عند ما جاء في بعض نسخ «الفرائد»، و بعض الكتب الاخرى أنّ سفيان بن عُيَيْنَة يروي عن أبيه، عن الصادق، فهو تصحيف كما يبدو.

معرفة الإمام ج٩

111
  • أنّ الحرث بن النعمان الفهريّ ركب ناقته، و نزل على رسول الله في الأبطح، و قال ما قال، إلى آخر الرواية. و قال الحمّوئيّ في آخرها:

  • الأبطح مسيل واسع فيه دقاق الحصى، و مؤنّثه البطحاء، و هي من الصفات التي طرحت موصوفاتها رأساً كالراكب، و الصاحب، و الأوْرَق، و الأطلس، يقال: تَبْطَحُ السَّيْلُ أي: اتّسع في البطحاء.۱

  • و ذكر هذا الحديث في «غاية المرام» عن الحمّوئيّ إبراهيم بن محمّد بألفاظه نفسها.٢

  • و ذكر الشيخ محمّد الزرنديّ الحنفيّ هذه القصّة مفصّلًا عن أبي إسحاق الثعلبيّ في تفسيره.٣

  • كما ذكرها ابن صبّاغ المالكيّ عن الثعلبيّ في تفسيره أيضاً.٤

  • و نقلت في كتاب «السيرة النبويّة» لبرهان الدين الحلبيّ الشافعيّ المتوفي سنة ۱۰٤٤ ه.٥

    1. «فرائد السمطين» ج ۱، ص ۸٢ و ۸٣، الحديث ٦٣، الباب الخامس عشر، و لكنّ العلّامة الأميني نقلها في «الغدير»، ج ۱، ص ٢٤٢ عن الباب الثالث عشر من «الفرائد».
    2. «فرائد السمطين» ج ۱، ص ۸٢ و ۸٣، الحديث ٦٣، الباب الخامس عشر، و لكنّ العلّامة الأميني نقلها في «الغدير»، ج ۱، ص ٢٤٢ عن الباب الثالث عشر من «الفرائد».
    3. «غاية المرام» القسم الثاني، ص ٣٩۷، و ٣٩۸، بالباب ۱۱۷، الحديث الأوّل.
    4. «نظم درد السمطين» ص ٩٣؛ و «الغدير» ج ۱، ص ٢٤٢ و ٢٤٣ عن الكتاب نفسه، و عن كتاب «معارج الوصول» للزرنديّ.
    5. «الفصول المهمّة» ص ٢٦، الطبعة الحجريّة، و في طبعة حديثة في النجف، ص ٢٤.
      .«السيرة الحلبيّة» ج ٣، ص ٣۰۸ و ٣۰٩، عن طبعة مطبعة محمّد على صبيح، مصر، سنة ۱٣٥٣ ه.

معرفة الإمام ج٩

112
  • كلام أبي السعود في شأن نزول الآية: {سَأَلَ سائِلٌ‌}

  • و قال أبو السعود في تفسيره، في شأن نزول الآية الكريمة: {سَأَلَ سائِلٌ‌}: أي استدعاه و طلبه، و هو النضر بن الحارث حيث قال إنكاراً و استهزاءً: {إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ}‌.

  • و قيل: أبو جهل حيث قال: أسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِنَ السَّمَاءِ.۱

  • و قيل: الحَرْث بن النُّعمان الفهريّ. (و قصّته) أنّه لما بلغه قول رسول الله صلّى الله عليه [و آله‌] و سلّم في علي رضي الله عنه: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ‌. قال: اللهمّ إن كان ما يقول محمّد حقّاً، فأمطر علينا حجارة من السماء!

  • فما لبث حتّى رماه الله تعالى بحجر، فوقع على دماغه، فخرج من أسفله، فهلك من ساعته.٢

  • و قال القرطبيّ في تفسيره، في ذيل هذه الآية: إن السائل هو النضر بن الحارث الذي‌ قال: {اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ‌}.

  • فنزل سؤاله، و قُتل يوم بدر صبراً، هُو و عقبة بن أبي مُعَيْط، لم يقتل صبراً غيرهما. و هذا قول ابن عبّاس، و مجاهد.

  • و قيل: إن السائل هو الحارث بن النعمان الفَهريّ، و ذلك أنّه لما بلغه‌

    1. الآية ۱۸۷، من السورة ٢٦: الشعراء. {فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}.
    2. تفسير «إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم» المشهور ب «تفسير أبي السعود»، من إصدارات مكتبة الرياض الحديثة، ج ٥، ص ٣۸۸. و طبع أيضاً في هامش «تفسير الفخر الرازيّ»، ج ۸، ص ٢٩٢. و أبو السعود قاضي القضاة، و هو نجل محمّد العماديّ الحنبلي، ولد سنة ٩۰۰ ه، و توفي سنة ٩۸٢ ه.

معرفة الإمام ج٩

113
  • قول النبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم في عليّ [بن أبي طالب‌] رضي الله عنه. مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ‌. ركب ناقته، فجاء حتّى أناخ راحلته بالأبطح، ثمّ قال: يا محمّد! إلى آخر اعتراض من الاعتراضات التي طرحها.۱

  • و عند ما نقل العلّامة الأميني اسم المعترض على ولاية أمير المؤمنين عليه السلام عن تفسير القرطبيّ، فإنّه ذكر أنّه النضر بن الحارث. ثمّ قال في التعليقة: هذا النضر هو النضر بن الحارث بن كلدة بن عبد مناف الكلدريّ. و في الحديث تصحيف، إذا النضر اخِذَ أسيراً يوم بدر الكبرى، و كان شديد العداوة لرسول الله صلّى الله عليه و آله فأمر بقتله، فقتله أمير المؤمنين عليه السلام صبراً، كما جاء في «سيرة ابن هشام» ج ٢، ص ٢۸٦، و «تاريخ الطبريّ» ج ٢، ص ٢۸٦، و «تاريخ اليعقوبيّ» ج ٢، ص ٣٤، و غيرها.٢

  • و يبدو ممّا نقلناه عن تفسير القرطبيّ أنّ الحديث ليس فيه تصحيف، لأنّ القرطبيّ قال: إنّ السائل هو النضر بن الحارث، و قد قُتِل يوم بدر. ثمَّ قال: و قيل: هو الحارث بن النعمان الفَهْريّ الذي اعترض على ولاية أمير المؤمنين عليه السلام. فعلى هذا لا فرق بين كلام القرطبيّ، و سائر المفسّرين.

  • فمضافاً إلى ما ذكرناه هنا عن أعيان العامّة حول نزول آية المعارج في منكر الولاية، نقل العلّامة الأمينيّ عن كثير من أعيانهم الآخرين أيضاً

    1. تفسير «الجامع لأحكام القرآن»، لأبي عبد الله محمّد بن أحمد الأنصاريّ القرطبيّ ج ۱۸، ص ٢۷۸، طبعة دار الكتاب العربيّ. القاهرة سنة ۱٣۸۷ ه.
    2. «الغدير»، ج ۱، ص ٢٤۱.

معرفة الإمام ج٩

114
  • كالحافظ أبي عبيد الهرويّ في «تفسير غريب القرآن»، و أبي النقّاش الموصليّ في تفسير «شفاء الصدور»، و الحاكم الحسكانيّ في كتاب «دعاة الهداة إلى حقّ الموالاة»، و شهاب الدين أحمد دولت‌آباديّ في كتاب «هداية السعداء»، و السيّد نور الدين الحسنيّ السمهوديّ الشافعيّ في كتاب «جواهر النقدين»، و شمس الدين الشربينيّ القادريّ الشافعيّ في تفسير «السراج المنير»، و السيّد جمال الدين الشيرازيّ في كتاب «الأربعين في مناقب أمير المؤمنين»، و السيّد ابن عيدروس الحسينيّ اليمنيّ في كتاب «العقد النبويّ و السرّ المصطفويّ»، و الشيخ أحمد بن باكثير المكّيّ الشافعيّ في كتاب «وسيلة المال في عدّ مناقب الآل» و الشيخ عبد الرحمن الصفوريّ في كتاب «النزهة»، و السيّد محمود بن محمّد القادريّ المدنيّ في كتاب «الصراط السويّ في مناقب النبيّ»، و شمس الدين الحفني الشافعيّ في «شرح الجامع الصغير للسيوطيّ»، و الشيخ محمّد صدر العالم في كتاب «معارج العلى في مناقب المرتضى»، و الشيخ محمّد محبوب العالم في «تفسير شاهي»، و الشيخ أحمد بن عبد القادر الحفظيّ الشافعيّ في «ذخيرة المآل في شرح عقد جواهر اللآل»، و السيّد محمّد بن إسماعيل اليمانيّ في «الروضة النديّة في شرح التحفة العلويّة»، و السيّد مؤمن الشبلنجيّ الشافعيّ في «نور الأبصار في مناقب آل بيت النبيّ المختار»، و الشيخ محمّد عبده المصريّ في «تفسير المنار». بصورة عامّة، نقل العلّامة الأمينيّ عن ثلاثين كتاباً.۱

  • و روى السيّد هاشم البحرانيّ في «غاية المرام» حديثين عن طريق العامّة، و ستّة أحاديث عن طريق الخاصّة في شأن نزول الآية: سَألَ‌

    1. «الغدير» ج ۱، ص ٢٣٩ إلى ٢٤٦.

معرفة الإمام ج٩

115
  • سَائِلٌ.۱

  • و أورده العلّامة المجلسيّ في «بحار الأنوار» عن ثلاثة طرق: الأوّل: عن الحاكم الحسكانيّ في كتاب «دعاة الهداة إلى حقّ الموالاة». الثاني: عن الثعلبيّ في تفسيره. الثالث: عن صاحب كتاب «النَّشْر و الطَّيّ».٢

  • لقد تحرّينا عن هذا الموضوع، فلم نجد أحداً من علماء المسلمين أنكر القصّة التي نزلت فيها الآية: {سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ}‌، إلّا ابن تيميّة الحرّاني، ذلك الرجل البغيض، و الفظّ، و المنكر، و السيّئ الطبع، و البذي‌ء اللسان، و الأعمى بصيرة، و الكريه المتجهّم، الذي تجنّد و تحزّم لإنكار كلّ مأثور في فضائل و مناقب سيّد الأولياء أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام و دحضه و تضعيفه و عدّه شاذّاً. و إنّما ينكر الضياء في يوم مشمس مشرق، و يكابر في إثبات عدم وجود الشمس، و انغمار العالم في الحنادس المظلمة.

  • إنكار ابن تيميّة واقعة نزول العذاب‌

  • ينكر ابن تيميّة الأحاديث المسلّمة المستفيضة بوقاحة تامّة، و بلا تحفّظ يذكر، غير آبهٍ بعلماء الإسلام، و المؤرّخين، و أرباب الحديث، و السير، و التفسير. إذ إنّ تلك الأحاديث لا تلائم مذهبه. و يتقوّل و يتخرّص بصراحة و يسمّي الشيعة رافضة، و ملاحدة، و زنادقة، و كذّابين، و فجرة، و أهل باطل، و مجوساً، و يهوداً، و يفتري عليهم في كلّ صفحةٍ من كتابه مرّاة و مرّات، و يتّهمهم بشتّى التهم، و يأتي بآيات من القرآن أدلّة على ما يزعمه و يدّعيه.

  • و مَثَلُه كمثل الحجّاج بن يوسف الثقفيّ الذي كان حافظاً للقرآن،

    1. «غاية المرام» القسم الثاني، الباب ۱۱۷ و ۱۱۸، ص ٣٩۷ و ٣٩۸.
    2. «بحار الأنوار» ج ٩، ص ٢۰٦، طبعة الكمبانيّ.

معرفة الإمام ج٩

116
  • و كان يستدلّ به، و يفسّره وفقاً لهواه و هدفه، و يُحضِرُ شيعة أمير المؤمنين عليه السلام من الأطراف و الأكناف، و يحاجّهم بالقرآن زاعماً أنّه هو و أمثاله أولو الأمر الذين عناهم القرآن بقوله‌: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‌} و تسوّل له نفسه فيسفك دماء تلك النجوم المتألّقة و اولئك الكرام البررة بسيفه البتّار الذي يقطر دماً، و يصنع تلالًا من أشلاء شهداء الشيعة. و قيل: إنّه قتل سبعين ألفاً منهم أو أكثر من ذلك.

  • و كان ابن تيميّة معاصراً للعالم الجليل، و الفقيه النبيل، أفضل المتقدّمين و المتأخّرين، العالم، و المتكلم، و الحكيم، و المفسّر، و المحدّث، و الفقيه، و حامي الدين و مذهب التشيّع، العلّامة الحلي: الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر الحلي، المولود لأحد عشر يوماً خلون أو بقين من شهر رمضان سنة ٦٤۸ ه،۱ و المتوفي ليلة السبت و هي الليلة الحادية و العشرون من شهر محرّم الحرام سنة ۷٢٦ ه.٢ أي: ولد بعد ولادة العلّامة بثلاث عشرة سنة، و مات بعده بعامين.

  • كان ابن تيميّة مخالفاً للعلوم العقليّة كالفلسفة و الحكمة، و كذلك كان مناوئاً لأرباب الشهود و الوجدان و العرفان و الحقيقة. و هاجم هاتين الطائفتين في مواضع متكرّرة من كتابه.

  • أي: أنّه امرؤ ليس له حظّ من العلوم العقليّة و جولان الفكر، كما ليس له خلاق من العلوم الباطنيّة و السرّيّة و القلبيّة. فلهذا تشبّث بظواهر من‌

    1. جاء في «روضات الجنّات» نقلًا عن خطّ العلّامة نفسه أنّ ولادته كانت في التاسع و العشرين من شهر رمضان.
    2. كانت وفاة العلّامة بمدينة الحلّة، و قد نقل نعشه إلى النجف الأشرف، و دفن إلى جوار أمير المؤمنين. «روضات الجنّات» ج ٢، ص ٢۸٢، الطبعة الحديثة.

معرفة الإمام ج٩

117
  • الكتاب و السنّة و اقتنع بها من غير أن يدرك محتواها. و هو كالخوارج المتعنّتين الفارغين، جعل نظرته إلى العالم، و الخلق، و الدنيا، و الآخرة، و الخالق، و الشيطان، و السعادة، و الشقاء على أساس فكره الخيالى المزيّف، و أجرى حكمه وفقاً لذلك.

  • إنّه ألّف كتابه «مِنْهَاج السُّنَّة في نَقْضِ كَلَامِ الشِّيعَةِ وَ القَدَريّة» ردّاً على كتاب العلّامة الحلّي «مِنْهَاج الكَرَامَة في مَعْرِفَةِ الإمَامَة».

  • في علوم الدهر النادرة: العلّامة الحلّيّ رضوان الله عليه‌

  • و ألّف العلّامة كتابه «منهاج الكرامة» للسلطان محمّد خدابنده (الجايتو) في الاستدلال على إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب و أفضليّته على جميع الخلائق بعد رسول الله. و ذكر فيه مطالب من آيات القرآن و الأحاديث الثابتة عند أهل السنّة التي لا مجال للارتياب فيها.

  • و علم السلطان المذكور أنّ الحقّ مع الشيعة، و أنّ المذهب المستقيم الصحيح في مدرسة التشيّع، و ذلك في أعقاب مناظرة العلّامة الحلّي مع فقهاء كبار من المذاهب الأربعة (الحنفيّ و الحنبليّ، و الشافعيّ، و المالكيّ) سنة ۷۰۷ ه. و قد أدانهم العلّامة و أفحمهم، فترك السلطان مذهبه القديم، و تشيّع و كتب إلى جميع الحواضر و الأمصار بحذف أسماء الخلفاء الثلاثة من الخطب، و ذِكْرِ عليّ بن أبي طالب و الأئمّة الأحد عشر مكانهم،۱ و نَقْش‌

    1. قال في «مجالس المؤمنين»، المجلس الثامن في معرض ترجمة السلطان خدابنده، ص ٤۰٣: و مضى الحكم بأن يخطب الخطباء في جميع مناطق إيران، و يحذفوا أسماء الصحابة الثلاثة، و يقتصروا على أمير المؤمنين علىّ، و الحسن، و الحسين عليهم السلام. و غيروا السكّة سنة ۷۰٩ ه، و اختصروا أسماء الصحابة باسم أمير المؤمنين عليّ، و أظهروا حيّ على خير العمل في الأذان، و ذاع هذا الأمر و انتشر في كافّة المناطق الخاضعة لحكم السلطان الجايتو إلّا قزوين. و ازدهر المذهب الشيعيّ المهجور و انتشر في كافّة الأرجاء.

معرفة الإمام ج٩

118
  • أسماء اولئك العظام -و هم الأئمّة الأبرار و فقهاء أهل البيت- في المساجد و التكايا، و الإعلان عن رسميّة المذهب الشيعيّ. و تمّ تطبيق هذا الحكم، فكتبت النقوش، و القيت الخطب، و نقشت أسماء الأئمّة على السكك تلبية لأوامر السلطان المشار إليه. فلهذا ضربت الدراهم و الدنانير التي يتداولها الناس بأسماء اولئك الولاة العظام.۱

  • و نقشت أسماء الأئمّة الاثني عشر حتّى في المسجد الجامع بإصفهان في قسم من زاوية الرواق المعروف برواق محمّد خدابنده، في ثلاثة مواضع من المسجد أحدها المحراب. و تمّ هذا النقش بأحسن خطّ، و أجمل تزويق، و أمتن تجصيص، بحيث إنّه لا زال ماثلًا إلى اليوم بعد مضي سبعة قرون عليه. و قد لفت أنظار الأخصّائيّين، و ذوي الألباب، و الباحثين عن الحقّ و الحقيقة.٢

  • همّة العلّامة الحلّيّ و جهوده في تشييد المذهب الشيعيّ‌

  • كان العلّامة الحلّيّ من نوادر الدهر المرموقة، و قد كتب اسمه على صفحة التحقيق و التدقيق إلى الأبد. و هو محيط من العلم، و بحر لا حدّ له من المعرفة و التحقيق حتّى أنّ فقهاء الشيعة منذ ذلك الزمان إلى يومنا هذا محتاجون إلى كتبه الفقهيّة مثل «التذكرة»، و «التحرير»، و «المختلف»،

    1. و قال في ص ٤۰٢: و تزيّنت الخطب و السكك بأسماء أئمّة الهدى عليهم السلام.
      كما نقشوا على وجه الدينار الكلمة الطيّبة: لَا إله إلّا الله، محمّد رسول الله، عليّ وليّ الله في ثلاثة أسطر متوازية و كتبوا أسماء الأئمّة الاثني عشر صلوات الله عليهم على الترتيب الواقع حول دائرة مخمّسة الأضلاع.
    2. و كذا في معبد پير مكران لِنجان، و معبد الشيخ نور الدين النطنزيّ من العرفاء و كذا على منارة دار السيادة التي تمّمها السلطان محمّد خدابنده من بعد ما أحدثها أخوه غازان. فقد نقشت الأسماء المقدّسة للأئمّة الطاهرين على هذه كلها. «روضات الجنّات» ج ٢، ص ٢۸۰ و ٢۸۱، الطبعة الحديثة.

معرفة الإمام ج٩

119
  • و «المنتهى»، و «القواعد»، و «التبصرة».

  • و ألّف في العلوم العقليّة و الكلام كتباً هي: «كَشْفُ المرادِ في شَرْحِ تَجْرِيدِ الاعْتِقادِ»، و «أنْوَارُ المَلَكُوتِ في شَرْحِ فَصِّ الياقُوتِ» في الكلام، و «نِهَايَةُ المرامِ في عِلْمِ الكَلَامِ»، و «القَوَاعِدُ وَ المقاصِدُ» في المَنْطِقِ وَ الطبِيعيّ وَ الإلَهيّ، و «الأسْرَارُ الحَقِّيَّة في العُلُومِ العَقْلِيَّة»، و «الدُّرُّ المَكْنُونُ في عِلْمِ القَانُونِ» في المنطق، و «المباحِثَاتُ السَّنِيَّةُ وَ المُعَارِضَاتُ النَّصيريَّةُ»، و «المُقاوِمَات» الذي ناقش فيه الحكماء السابقين، و «حَلُّ المُشْكِلَاتِ مِنْ كِتَابِ التَّلْوِيحاتِ»، و «إيضَاحُ التَّلْبيس في كَلَامِ الرئيس»، الذي ناقش فيه ابن سينا، و «القَواعِدُ الجَلِيَّةُ في شَرْحِ الرِّسالَةِ الشَّمْسِيَّة»، و «الجَوْهَرُ النَّضِيدُ في شَرح التَّجْرِيد» في علم المنطق، و «إيضَاحُ المَقاصِدِ مِنْ حِكْمَةِ عَيْنِ القَوَاعِدِ»، و «نَهْجُ العِرْفَانِ في عِلْمِ المِيزانِ»، و «كَشْفُ الخِفَاء مِنْ كِتَابِ الشِّفَاء» في الحِكْمَةِ، و «تَسْلِيكُ النَّفْسِ إلى حَظيرَةِ القُدْسِ» في عِلْمِ الكَلَامِ، و «مَرَاصِدُ التدقِيقِ وَ مَقَاصِدُ التَّحْقِيق» في المَنْطِقِ وَ الطَّبِيعِيّ وَ الإلَهيّ، و «المُحاكِمَاتُ بَيْنَ شُرَّاحِ الإشَارَاتِ»، و «مِنْهَاجُ الهِدَايَةِ وَ مِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ» في علم الكلام، و «اسْتِقْصَاءُ النَّظَر في القَضَاءِ وَ القَدَر».

  • و ألّف العلّامة في اصول المذهب مضافاً إلى كتاب «منهاج الكرامة» كتباً اخرى مثل: «مَنَاهِج اليقين»، و «نهج الحقّ» الذي ردّ عليه فَضْل بن رُوزبهان، و «نهج المسترشدين»، و «رسالة واجب الاعتقاد»، و «كشف الحقّ و نهج الصدق»، الذي يدور حول مناظرة العلّامة مع علماء المذاهب الأربعة بحضور السلطان خدابنده. و أشار القاضي السيّد نور الله الشوشتريّ في بداية كتابه: «إحقاق الحقّ» إلى قسم من هذه المناظرة و ذكر سبب تغلّب العلّامة على فقهاء المخالفين بالأدلّة الباهرة و البراهين‌

معرفة الإمام ج٩

120
  • الساطعة، إذ أدانهم عند السلطان حتّى أقرّوا بعجزهم و خُذلوا جميعاً.

  • و في كتاب «مجالس المؤمنين» للشهيد القاضي نور الله أعلى الله تعالى مقامه نقلًا عن تاريخ حَافِظ أبْرو السني المتعصِّب، و غيره أنّ السلطان الجايتو محمّد المغوليّ الملقّب بشاه خدابنده لما ذكر في خاطره حقّيّة مذهب الإماميّة على الإجمال، أمر بإحضار علمائهم، و كان ممّن حضر لديه العلّامة الحلّيّ في جماعة من علماء الشيعة، فصدر الأمر الأقدس بقيام الشيخ نظام الدين عبد الملك المراغيّ الذي كان هو أفضل علماء الشافعيّة بالمناظرة مع العلّامة الحلّيّ في أمر الإمامة.

  • فاتّفق أن غلب العلّامة عليه بإقامة البراهين القاطعة على إثبات خلافة عليّ بن أبي طالب، و فساد دعوى الخلفاء الثلاثة، بحيث لم يبق لأحد من الحاضرين شبهة فيه.۱ و لما رأى الشيخ نظام الدين المراغيّ بهت نفسه 

    1. قال القاضي نور الله الشوشتريّ في كتاب «مجالس المؤمنين»، في المجلس الخامس، ص ٢٤٦ بعد نقل هذه القصّة و قصّة السيّد الموصليّ الذي اعترض على العلّامة فيما يخصّ الصلوات على آل محمّد، و بهته العلّامة بجوابه البِكر و البديع بداهةً: قال المؤلّف: إنّ من بدائع الاتّفاق أني ناظرت يوماً أحد السادة السيفيّين القزوينيّين في مبحث الإمامة. و بعد أن ثبتت حجّتي عليه، عجز و قال: لو كان مذهب الإماميّة على حقٍّ في موضوع الإمامة، فلما ذا لم يناظر كثير من علمائه علماءَ أهل السُّنّة في هذه المدّة؟ و لم يُحقّوهم بحقيقة مذهبهم؟ و لم يصرفوهم عن مذهب السلف؟ فقلتُ: إنّ أهل السنّة هم السواد الأعظم دائماً، و إنّ السلاطين كانوا يرون مصلحتهم في الاقتداء بمذهبهم، و كانوا يجهدون في إطفاء نور التشيّع. و لا جرم أنّ هذه الطائفة لم تستطع أن تظهر مذهبها. و على الرغم من هذا، فإنّ أفرادها متى حصلوا على أقلّ دعمٍ و مددٍ من سلاطين عصرهم، فإنّهم يفتحون باب المناظرة، و قد طووا في هذا الباب طريق إلزام الخصوم و إفحامهم. كما حدث ذلك في عصر البويهيّين إذ ناظر الشيخ المفيد و الشريف المرتضى علم الهدى و غيرهما من علماء الإماميّة معاصريهم من علماء السنّة، و ألزموهم و هزموهم. و ناظر الشيخ جمال الدين علماء السنّة في عهد السلطان محمّد خدابنده، و ألزمهم بحجّته إلزاماً تامّاً. و لما كان ذلك القزوينيّ المعاند يزعم أنّه سيّد، و كان من حزب السنّة كالسيّد الموصلي، لذا رأيتُ من المناسب نقل المناظرة المذكورة التي جرت بين الشيخ و السيّد الموصلي. و لما بلغت قولي إنّ الشيخ خاطب السيّد الموصليّ قائلًا: أي مصيبة أسوأ من انتساب ولد مثلك إليهم، و كنتُ اشير بأنملتي في أثناء التقرير إلى ذلك القزوينيّ غير السيّد. و أعتبر مناظرته معي كمناظرة السيّد الموصليّ مع الشيخ جمال الدين، و ذلك من ملاحظة تلك الإشارة، و اشتراكه مع السيّد الموصليّ في دعوى السيادة و إظهار مذهب أهل السنّة، و خجل و وضع يده على صدره، و قال: الحقّ أنّك آذيتنا بظرافة و براعة.
      علما سبق أن نقلنا قصّة السيّد الموصليّ مع العلّامة في الجزء الثالث من كتابنا هذا، في الدرس التاسع و الثلاثين.

معرفة الإمام ج٩

121
  • و خجلها و انكسارها، أخذ في الثناء على العلّامة، و بيان محاسنه و محامده، و قال:

  • قوّة أدلّة هذا الشيخ (العلّامة) في غاية الظهور، إلّا أنّ السلف منّا سلكوا طريقاً، و سكت الخلف عن زلل أقدامهم لإلجام العوامّ، و دفع شقّ عصا أهل الإسلام. فحريّ أن لا تهتك أسرارهم، و لا يُتَظاهَر في اللعن عليهم.

  • قال حافظ أبْرُو بعد هذا الكلام: جرت بعد ذلك مناظرات كثيرة بين العلّامة الحلّيّ و الشيخ نظام الدين المراغيّ، و كان نظام يلتزم باحترامه العلّامة فيها جميعاً، و يسعى في تعظيم حرمته كثيراً۱ انتهى.

  • و هذه منقبة للعلّامة يقيناً إذ له منّة على مذهب التشيّع، و أنّها عناية عظيمة للشيعة و أهل الحقّ. و لا ينكر ذلك أحد من المخالفين و المؤالفين حتّى أني رأيت في بعض تواريخ العامّة أنّ أصحابها سردوا القصّة بالنحو

    1. «مجالس المؤمنين» ص ٢٤٥ و ٢٤٦، المجلس الخامس في ترجمة العلّامة الحلي.

معرفة الإمام ج٩

122
  • الآتي:

  • من الوقائع المرة سنة ۷۰۷ ه إظهار خدا بنده التشيّع بإضلال ابن المُطَهَّر الحلي.

  • و من الواضح أنّ هذا الكلام نابع من قلب محروق لا مجال عنده لإنكاره.۱

  • و أخذ العلّامة بعد ذلك بتشييد أساس الحق، و ترويج المذهب على حسب ما يريد بمعونة هذا السلطان الواعي و المستبصر الرءوف المحبّ للعلم. و كتب باسمه كتاب «مِنْهَاج الكَرَامة» في الإمامة، و كتاب «اليقين» المتقدّم. و بلغ من المنزلة و القرب لدي السلطان بما لا مزيد عليه. و فاق في ذلك سائر علماء حضرة السلطان مثل: القاضيّ ناصر الدين البيضاويّ، و القاضي عضد الدين الإيجيّ، و محمّد بن محمود الآملي صاحب كتاب «نفائس الفنون» و «شرح المختصر» و غيرهما، و «الشيخ نظام الدين عبد اللمك المراغيّ، المولى بدر الدين الشوشتريّ، و المولى عزّ الدين الإيجيّ، و السيّد برهان الدين العبريّ، و غيرهم. و جميعهم كانوا خاضعين‌

    1. وردت القصّة المفصّلة لتشيّع السلطان محمّد خدابنده على يد العلّامة الحلي أعلى الله مقامه في الجزء الثالث من «مستدرك الوسائل» ص ٤٦۰، و في الجزء الثاني من «سفينة البحار» ص ۷٣٤ في مادّة شَيَع. و نحن ذكرناها أيضاً بحمد الله و منّه في الجزء الثالث من كتابنا هذا، في الدرس الثامن و الثلاثين و التاسع و الثلاثين. و ذكر الشيخ محمّد نبي التويسركاني في أواخر كتاب «لئالى الأخبار» من ص ٦٥۱ إلى ص ٦٥٦ مطالب حول تشيّع خدابنده، و بطلان المذاهب الأربعة و الفتاوى الخاطئة و الموحشة لرؤساء المذاهب الأربعة، و الفسق و الفجور الشائعين في العامّة و جاء هذا الموضوع في موضعين من كتاب «مجالس المؤمنين»: الأوّل: في المجلس الخامس عند ترجمة العلّامة من ص ٢٤٥ إلى ٢٤۸.
      و الثاني: في المجلس الثامن عند ترجمة السلطان محمّد خدابنده، من ص ٤۰٢ إلى ٤۰٥.

معرفة الإمام ج٩

123
  • لهيمنة العلّامة و نظره.

  • و كان العلّامة في القرب و المنزلة عند السلطان بحيث كان لا يرضى أن يفارقه في حضر و لا سفر، و ذلك حرصاً منه على حفظ أفكاره في الاستقامة على طريق الحقّ، و عدم تشويش ذهنه بالوساوس الشيطانيّة للمخالفين و المنحرفين. و أني ظهرت وسوسة من ملحد، فإنّه يجيب بعلمه و حكمته. لذلك أمر السلطان لجنابه بترتيب مدرسة سيّارة ذات حجرات للطلّاب، و مدارس من الخيام الكرباسيّة۱ للتدريس. و أينما كان يذهب خدابنده مع جيشه أو بدونه، كانت هذه المدرسة السيّارة للعلّامة ترافقه. و إذا ما وقف السلطان في مكان، و نزل في منزل، فإنّ هذه المدرسة الكرباسيّة تنصب فوراً، و يشرع الطلّاب و المدرّسون في المطالعة و التأليف و التصنيف مع ذلك العالم الجليل.

  • و نقل أنّه وجدت في أواخر بعض الكتب للعلّامة هذه الجملة: وقع الفراغ من هذا الكتاب في المدرسة السيّارة السلطانيّة في كرمانشاهان.

  • و إنّ تأسيس هذه المدرسة المهمّة من قبل خدابنده غير بعيد، إذ جاء في كتب التأريخ أنّه كان يحبّ العلم، و يحبّ العلماء حبّاً شديداً، و يعتني بالعلماء و الصلحاء، فلهذا حصل للعلم و الفضل في زمانه ازدهار تامّ، و رواج كثير. و من العجيب أنّ وفاة العلّامة اتّفقت في سنة وفاة السلطان المذكور.٢

  • درس العلّامة علم الكلام و الفقه و الاصول و العربيّة و سائر العلوم الشرعيّة عند خاله المحقّق نجم الدين أبي القاسم صاحب الشرائع، و عند أبيه الشيخ سديد الدين يوسف، و درس المطالب العقليّة و الفلسفة

    1. الكرباس كلمة فارسية تعنى قماش منسوج باليد من خيوط القطن.
    2. إنّ ما ذكرناه عن العلّامة الحلّيّ هنا مقتطف من مطالب «روضات الجنّات» ج ٢، ص ٢٦٩ إلى ٢۸٦، الطبعة الحديثة.

معرفة الإمام ج٩

124
  • و الحكمة عند استاذ البشر و العقل الثاني عشر: الخواجة نصير الدين الطوسيّ، و الشيخ عمر الكاتبيّ القزويني، و غير هؤلاء سواء كانوا من الخاصّة أو العامّة. و استفاد علميّاً من الأخوين العظيمين عليّ بن طاووس، و أحمد بن طاووس أيضاً.۱

  • حسد ابن تيميّة العلّامة الحلّيّ رضوان الله عليه‌

  • أجل، لما طار ذكر العلّامة و علومه و مقامه و تقدّم مدرسته العلميّة و المذهبيّة في الآفاق، افتضح المخالفون في الأطراف و الأكناف و خذلوا، و كانوا يستنسخون كتبه في نسخ متعدّدة، و يدرّسونها الناس في المجالس و المحافل، و من هذه الكتب: «منهاج الكرامة» الذي وقع بيد ابن تيميّة و على الرغم ممّا يكنّه هذا الرجل من حقد و حسد في قلبه بسبب بغض الخلفاء و فقدان منزلتهم في قلوب الناس. و بسبب علوّ شأن أهل البيت و الأئمّة الطاهرين و رفع أسمائهم. فإنّه ألّف كتاب «منهاج السُّنَّة» في ردّ مذهب أهل البيت. و معلوم أنّ كتاباً يكتب في دحض مذهب الحقّ، كيف يكون، و ما هو الطابع الذي يتّسم به. {فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى‌

    1. جاء في حاشية «روضات الجنّات» ج ٢، ص ٢۸۷ عن القاضي ناصر الدين البيضاويّ أنّه كتب إلى العلّامة رسالة صدّرها بقوله: يا مولانا جمال الدين أدام الله فواضلك أنت إمام المجتهدين في علم الاصول ... إلخ. و نقل أحد سادتنا الأعزّاء عن فضيلة الشيخ محمّد تقي القمّيّ عضو دار التقريب، أنّه قال: أعطيت أحد العلماء من الطراز الأوّل في الجامع الأزهر كتابين أحدهما: «التذكرة» للعلّامة الحلي؛ و الآخر: «الخلاف» للشيخ الطوسيّ: إذ كان يرغب في الاطّلاع على أقوال الشيعة و فتاواهم، و مواطن خلافهم مع السنّة. و لما طالعهما، أولع بهما، و راقه تمكّن هذين العالمين العظيمين، و تفوّق آرائهما على آراء العامّة في كلّ مسألة، حتّى قال: أستطيع أن أجد أقوال علماء العامّة كمالك، و الشافعيّ، و أبي حنيفة، و أحمد بن حنبل، و سفيان الثوريّ، و غيرهم في هذين الكتابين أفضل ممّا أجده في كتبنا، لذلك أشعر منذ أن طالعتهما أني كلما أردت أن أقع على مسألة توافق قول أحد علمائنا، فإنّي أرجع إليهما، و أصدف عن مراجعة كتبنا.

معرفة الإمام ج٩

125
  • تُصْرَفُونَ، كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}‌.۱

  • إنّه يعتبر الشيعة في كتابه من أتباع اليهود.٢ و خصّص الصفحات الثلاث الاولى من كتابه تقريباً لقياس عقائد الشيعة بعقائد اليهود. و لم يتورّع عن ذلك، و لم يتوان لحظة واحدة عن الافتراء عليهم و إلصاق التهم بهم، و لم يرعوِ عن السبّ و الشتم و التفوّه بالكلمات البذيئة.

  • ثمّ يذكر العلّامة باسم الرافضيّ. و ينقل عباراته و جمله من «منهاج الكرامة» واحدة تلو الاخرى، و يدحضها قائلًا: كذب. و بلغت به وقاحته حدّاً أنّه ينكر بيعة الغدير بصراحة و يقول: اختلقها الروافض. و هنا ينبغي أن نقول له أيّها الحَسُودُ العَنُود!

  • اين جهان پر آفتاب و نور و ماه‌***تو بخفته سر فرو برده به چاه‌
  • كه اگر حقّ است پس كو روشنى‌***سر برآر از چاه و بنگر أي دَنِيّ‌٣
    1. الآيتان ٣٢ و ٣٣، من السورة ۱۰: يونس.
    2. عن كتاب «التذكرة» للشيخ نور الدين على بن عراق المصريّ أنّ تَقيّ الدين بن تيميّة الذي كان من جملة علماء السنّة معاصراً للشيخ جمال الدين العلّامة الحلّي، و منكراً عليه في الخفاء كثيراً، كتب إليه العلّامة هذين البيتين:
      لَوْ كُنْتَ تَعْلَمُ كُلَّ مَا عَلِمَ الوَرَي***طُرَّاً لَصِرْتَ صَديقَ كُلِّ العَالِمِ 
      لَكِنْ جَهِلْتَ فَقُلْتَ: إنَّ جَمِيعَ***مَنْ يَهْوَى خِلَافَ هَوَاكَ لَيْسَ بِعَالِمِ
      («روضات الجنّات» ج ٢، ص ٢۸٦).
    3. تعريبهما: «هذا العالم ملي‌ء بضياء الشمس و نور القمر و أنت في سباتٍ قد قبعت في الحفرة.و تقول إذا كانت الشمس و القمر حقّاً فأين الضياء؟ أخرج رأسك من الحفرة و انظر أيّها الدني‌ء».

معرفة الإمام ج٩

126
  • جمله عالم شرق و غير آن نور يافت‌***تا تو در چاهى نخواهد بر تو تافت‌۱
  • و يستشهد بالقرآن و أحاديثه التي لا سند لها و لا دلالة على مراده، و يكتفي بقوله: لما كان السلف الصالح: الخلفاء الثلاثة مع رسول الله، و أعطوا من أموالهم، فلا يحقّ لنا أن نعترض عليهم أبداً. و هم كلّهم صلحاء و عدول، و هم سادة هذه الامّة.

  • إن نتيجة تكذيب الحقّ و الحقيقة، و الدوس على المسلّمات و الضروريّات على أساس التعصّب الجاهليّ و الحميّة الجاهليّة، تكذيب للّه و رسوله و ولايته. و هنا تدل الآيات المباركة الآتية على معناها جيّداً:

  • {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا ، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ، أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَ لِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً ، ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَ اتَّخَذُوا آياتِي وَ رُسُلِي هُزُواً}.٢

  • إن عقائد الوهّابيّة الذين يتمسّكون بالمذهب الحنبليّ مأخوذة من ابن تيميّة، و إنّ جميع البدع التي تشاهدونها هذا اليوم من جمود و تعنّت، و قسوة، و عدم مروءة، و عدم امتلاك العقل الصحيح، و المنطق التامّ، كلها من مدرسة ابن تيميّة.

  • إنّكم لا تستطيعون أن تناقشوا وهّابيّاً! لأنّه لا يدع مجالًا للنقاش. و ما إن يتفوّه بشي‌ء إلّا و يكفّر، و يلصق تهمة الشرك بمن هو بري‌ء منها،

    1. تعريبه: «لقد وجد العالم شرقه و غربه ذلك النور، و أنت في الحفرة فلن يشعّ عليك».
    2. الآيات ۱۰٣ إلى ۱۰٦، من السورة ۱۸: الكهف.

معرفة الإمام ج٩

127
  • و يقول: أنتم لستم مسلمين أساساً! أسلموا، حتّى نناقشكم، و بهذا الاسلوب حجبوا أذهان عوامّهم و ألجموهم. يقولون: الإسلام هو الوهّابيّة فحسب. كونوا وهّابيّن، ثمّ نناقشكم! انظروا و تأملوا! كيف يصادرون الحقائق، و يعتبرون الدور الذي هو من المستحيلات ممكناً. أي: أنّ المنطق و النقاش و البحث، كلّ ذلك خطأ. و لا وجود إلّا للسوط. افٍّ لَكم!!

  • يقولون: لما ذا تسجدون على التربة؟ لما ذا تقنتون في صلاتكم؟! لما ذا تقولون: حيّ على خير العمل في صلاتكم؟! و نحن نقول: لما ذا لا تسجدون أنتم على التربة؟ و لما ذا لا تقنتون؟! و لما ذا لا تقولون: حيّ على خير العمل؟!

  • هذه مسائل فقهيَّة، و كلّ شخص تابع لكلّيّات مذهبه و اصوله، فلما ذا تجعلون النزاع بيننا في هذه الامور؟ و الخلاف قائم بين الفقهاء في المسائل الفقهيّة دائماً. و هو موجود بكثرة بين المذاهب السنّيّة الأربعة أيضاً. و نحن لا نقاش لنا في هذه الامور مبدئيّاً. و بعد ثبوت المذهب، كلّ امرئٍ يتبع الفقيه المتخصّص في مذهبه. و ينبغي له طبيعيّاً أن ينتهج خطّه على أساس المبادئ المسلّمة الثابتة لذلك المذهب نفسه.

  • نزاع الشيعة مع العامّة في أُصول الشريعة

  • إن إشكالنا عليكم في الاصول! و في أصل الولاية بالذات! و في غصب الخلفاء الثلاثة حقّ الخلافة من صاحبها الشرعيّ. و مخالفتهم نصَّ القرآن، و إيذائهم رسولَ الله، و إنكار الحقّ بعد عرفانه.

  • يقول الشيعة: نحن لا نستطيع أن نتغاضى عن النّص الصريح للقرآن، و نهمل الأخبار الصحيحة المستفيضة التي ذكرها أهل السنّة أنفسهم في كتبهم. و هذا القرآن، و هذه سنّة الرسول الأكرم يأمراننا أن نتبرّأ من أبي بكر، و عمر، و عثمان. و جعلهم القرآن هدفاً للعنة الله و عذابه المهين. فكيف نخالف القرآن؟!

معرفة الإمام ج٩

128
  • يقول الشيعة: إنّ علماءكم الكبار كالبخاريّ، و مسلم، و غيرهما رووا أنّ رسول الله لما مات، أرسلت فاطمة إلى أبي بكر، و طلبت إرثها ممّا ترك أبوها من فدك، و ما بقي من خمس خيبر، فأبى أبو بكر أن يدفع إليها شيئاً فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ على أبي بَكْرٍ وَجْداً شَدِيداً وَ هَجَرَتْهُ وَ لَمْ تُكَلِّمْهُ حتّى مَاتَتْ وَ هِيَ واجِدَةٌ عَلَيِهِ.۱

    1. «صحيح البخاريّ»، طبعة المطبعة الأميريّة، بولاق سنة ۱٣۱٢ ه. روى بإسناده عن عروة بن الزبير، عن عائشة: إنّ عائشة أخبرته أنّ فاطمة عليها السلام ابنَة رسول الله صلى الله عليه و آله سألت أبا بكر الصِّدِّيق بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه و آله أن يُقْسم لها ميراثاً ممّا ترك رسول الله صلّى الله عليه و آله ممّا أفاء الله عليه. فقال لها أبو بكر: إنّ رسول الله صلّى الله عليه و آله قال: لا نُورِّث ما تركناه صَدَقَة. فغضبت فاطمةُ بنت رسول الله صلّى الله عليه و آله فهجرت أبا بكر. فلم تزل مهاجرة حتّى توفّيّت. ج ٤، ص ۷٩، باب فرض الخمس. و ذكر البخاريّ أيضاً في هذه الطبعة ج ٥، ص ۱٣٩، باب غزوة خيبر أنّ فاطمة طلبت إرثها فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً فَوَجَدَتْ فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلّمه حتّى توفّيّت. و عاشت بعد النبيّ صلّى الله عليه و آله ستّة أشهد. فلما توفّيّت، دفنها زوجها عليّ عليه السلام و لم يؤذنِ بها أبا بكرٍ و صلّى عليها.
      و نقل البخاريّ أيضاً في هذه الطبعة ج ۷، ص ٣۷ في باب ذبّ الرجل عن ابنته في الغيرة و الإنصاف أنّ رسول الله صلّى الله عليه و آله قال: فاطمة بَضْعَةٌ مِني يُريبني ما أرابها و يؤذيني ما آذاها. و قال ابن قتيبة الدينوريّ المتوفي سنة ٢۷۰ ه في كتاب «الإمامة و السياسة» ص ۱٤ و ۱٥، طبعة مطبعة الامّة بدرب شغلان، سنة ۱٣٢۸ ه: فقال عمر لأبي بكر: انطلق بنا إلى فاطمة فإنّا قد اغضبناها! فانطلقا جميعاً فاستأذنا على فاطمة، فلم تأذن لهما، فأتيا عليّاً فكلماه، فأدخَلَهما عليها، فلما قعدا عندها، حوّلت وجهها إلى الحائط، فسلّما عليها فلم تردّ عليهما السلام. فتكلم أبو بكر. و بعد اعتذاره عن عدم إرجاع فدكاً إلى فاطمة. فقالت: أ رأيتكما إن حدّثتكما حديثاً عن رسول الله صلّى الله عليه و آله تعرفانه و تفعلان به؟! قالا: نعم! فقالت: أنشدكما الله، أ لم تسمعا رسول الله يقول: رضا فاطمة من رضاي و سخط فاطمة من سخطي. فمن أحبّ فاطمة ابنتي، فقد أحبّني. و من أرضي فاطمة، فقد أرضاني، و من أسخط فاطمة، فقد أسخَطَني؟! فقالا: نعم سمعناه من رسول الله صلّى الله عليه و آله قالت: فإنّي اشهد الله و ملائكته أنّكما أسخطتماني و ما أرضيتماني. و لئن لقيت النَّبِيّ لأشكونّكما إليه. و نلحظ في هذا الحديث تصريحاً بأنّ أبا بكر و عمر كليهما آذيا فاطمة و فاطمة تبرّأت منهما، و لم ترد عليهما السلام. أي: أنّها رأتهما خارجين عن الإسلام، إذ إنّ جواب سلام المسلم واجب شرعاً. و قالت لهما بصراحة: أنتما أسخطتماني. و أنا غير راضية عنكما. و لئن رحلت عن هذه الدنيا، لأشكونّكما إلى رسول الله.

معرفة الإمام ج٩

129
  • العامّة يتبعون حكّام الجور مع العلم و الوجدان‌

  • و من جهة اخرى، فإنّ أئمّتكم في الحديث و أكابركم كالحميديّ صاحب «الجمع بين الصحيحين»، و غيره، يروون أنّ رسول الله قال: فاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِني يُؤْذيني مَنْ آذَاهَا.

  • يأخذ الشيعة هذين الحديثين، و يجعلونها صغرى و كبرى الشكل الأوّل في القياس البرهاني، و يقولون:

  • أبُو بَكْرٍ آذى فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ، وَ مَنْ آذى فَاطِمَةَ آذى رَسُولَ اللهِ. وَ يُسْتَنْتَج منه أنّ أبا بكر آذى رسول الله.

  • و لما ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً}.۱

  • فعلى هذا يكون مفاد الآية القرآنيّة كبرى قياس آخر قد استُنتِج صغراه كالآتي: أبُو بَكْرٍ آذى رَسُولَ اللهِ، وَ مَنْ آذى رَسُولَ اللهِ لَعَنَهُ اللهُ في الدُّنْيَا وَ الآخِرَةِ وَ أعَدَّ لَهُ عَذَاباً مُهِيناً.

  • على ضوء ذلك، فإنّ أبا بكر مطرود من الرحمة، مشمول بلعنة الله حسب ما نصّ عليه القرآن صريحاً.

  • ما ذا يمكن للسنّة أن يقولوا في مقابل هذا البرهان؟! إذ هو برهان. و ليس خطابة أو شعراً أو مغالطة، أو حتّى جدلًا. و مقدّماته من المسلمات‌

    1. الآية ٥۷، من السورة ٣٣: الاحزاب.

معرفة الإمام ج٩

130
  • و اليقينيّات.

  • هل يتسنى للسنّة أن يقولوا: لا نقبل القرآن الذي هو كبرى المسألة! أو لا نقبل الصغرى الواردة في كتب معظمهم كالصحيحين؟ إنّهم يقولون فقط: القرآن مسلم ثابت، و الأحاديث الصحيحة مسلَّمة ثابتة، و هذه الأحاديث صحيحة أيضاً، و لكن اتركوا انتقاء الصغرى، و وضع الكبرى، و الاستنتاج! هذا القياس و المنطق لا ينفعانكم شيئاً. و السَّلَف الصالح كلّهم عدول. و لا ينبغي مؤاخذتهم حفظاً للإسلام! هذا هو منطق المناوئين! و هذا هو منطق ابن تيميّة. إذ يقول هو و أمثاله: ينبغي أن ندوس على الفهم، و نمحق العقل، و نتّبع حكّام الجور اتّباعاً أعمى.

  • حسناً! نحن نقول أيضاً: لا علاقة لنا بأعمالهم، صالحة كانت أم سيئة، فهي من شأنهم، لقد جاءوا و ذهبوا، و لكلّ واحد منهم كتاب عمله مستقلًّا، و على الله حسابهم، فما ذا يخصّنا نحن حتّى نكرّس أوقاتنا و أعمارنا فنكشف الستار عن إضبارة شخص كان يعيش قبل أربعة عشر قرناً؟! هذا لو كانوا أشخاصاً عاديّين، أمّا لو وُجب أن نتّخذ أعمال اولئك و سلوكهم، و خطبهم، و قوانينهم، و تعليماتهم اسوة لنا، و عملنا بها، و تصرّفنا تبعاً لسنّتهم، فلا يمكن القول هنا: ما هي الضرورة للتحقيق و التفحّص؟ و هل التجسّس إلّا متلفة للعمر؟ بل ينبغي أن نصرف ليس عمراً واحداً فحسب، بل أعماراً كثيرة لنكشف النقاب عن زلّتهم فضلًا عن زلّاتهم، و أخطائهم، و خياناتهم، و جرائمهم، و نعلن بصراحة أنّ هؤلاء الجهّال المتنسّكين لا يستحقّون الإمامة و الخلافة. و ليس لهم أن يكونوا قدوة الناس في أعمالهم و أخلاقهم و عقائدهم.

  • إنّ ابن تَيْميَّة لما رأى أن لا شكّ و لا تردّد في هذه الروايات الكثيرة الواردة في الكتب المعتبرة عند العامّة مثل «تفسير الثعلبيّ»، و «تفسير أبي‌

معرفة الإمام ج٩

131
  • السُّعُود» و غيرهما، و هي مرويّة عن الصحابيّ الجليل حُذَيفة بن اليمان، و عن سُفيان بن عُيَيْنَةَ الذي لا تردّد في إمامته في الحديث و التفسير و الوثاقة لدى العامّة، جاء و قال ما قال في شأن نزول الآية: سألَ سَائِلٌ، و لو قُدِّر أن يقرّ بسبب نزولها، فإنّها تضعضع أساس خلافة أبي بكر، و عمر، إذ إنّ ما جاء في الروايات هو أنّ ذلك المنكر السائل جادل النبيّ، و قال: أ لم يكفك أنّك أمرتنا بكلّ هذه الفروض، حتّى رفعت ضَبْعَي ابن عمّك و أمّرته علينا؟! فهل هذا منك أم من الله؟!

  • تدل هذه الروايات بصراحة أنّ المراد من المولى في الحديث: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ‌ هو الإمارة و الإمامة و الخلافة و تدبير الشؤون العامّة. و لا يفسّر السنّة الولاية بهذا المعنى، لذلك يحجمون عن الاعتراف بمفاد حديث الغدير و معناه الحقيقيّ مع تسليمهم بوجوده. إنّهم يقولون:

  • إن عمر و أبا بكر سمعا حديث الغدير أيضاً. و هنّئا عليّ بن أبي طالب بقولهما: بَخٍّ بَخٍّ، بَيدَ أنّه لو كان معنى الولاية هو الإمامة، لما خالفا، فلا يعني المولى -إذاً- أنّه الإمام. بل هو الناصر، ابن العمّ، و المحبّ، و نظائر ذلك.

  • و لكنّ اعتراض الحارث بن النعمان الفهريّ على رسول الله في الآية: سَألَ سَائلٌ كان على أساس فهمه أنّ المراد هو الإمامة و الخلافة، لأنّه فهم الإمامة من قوله: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ. فلهذا نجد أنّ ابن تيميّة المتعصّب لا بدّ له أن ينكر ذلك كيفما كان، و إلّا فإنّ اسس مذهبه سوف تنهار.

  • و لله الحمد فقد انهارت و لم تبق لمذهبه و مذهب أصحابه كرامة و اعتبار من خلال بحوث العلماء الأبرار حماة التشيّع.

  • إن ابن تيميّة يسجّل على هذا الحديث عدداً من الإشكالات: 

  • أعيان علماء العامّة ذكروا الآية: سَأَلَ سَائِلٌ في منكر عليّ عليه السلام‌

  • الأوّل: أنّ أصل هذه النسبة كذب و افتراء، و أنّ إجماع العلماء على أنّ الآية نزلت‌

معرفة الإمام ج٩

132
  • في شأن عليّ بن أبي طالب كذب أكبر و افتراء أعظم، لأنّه لم يرو هذا الحديث أحد من العلماء الذين يفهمون ما ذا يقولون.

  • الجواب: إنّ نسبة الكذب إلى هذا الحديث كذب محض و افتراء، و قوله إنّ أحداً من العلماء الذين يفهمون ما يقولون لم يروه، كذب أكبر و افتراء أعظم.

  • هل أمثال أبي عُبيدة الهرويّ، و الثعلبيّ، و أبي بكر النقّاش، و سفيان بن عُيينة، و القزويني، و القرطبيّ، و الحاكم الحسكاني، و السَّمْهُودِيّ، و ابن الصبّاغ المالكيّ، حتّى يصل النصاب إلى ثلاثين شخصاً من كبار العامّة و أعلامهم الذين نقلوا هذا الحديث في كتب التفسير و الحديث و التأريخ التي ألّفوها، كانوا على درجة من الغباء بحيث لم يفهموا ما يقولون؟ و هل كان نقلهم هذا الحديث في كتبهم من باب نقل الهذيان و الهذر؟! أو من باب نقل الروايات و القصص و الأساطير؟!

  • و عند ما يعترف ابن تيميّة نفسه بهؤلاء الأعلام أرباباً للعلم و الحديث، فإنّ نسبة الجهل و عدم الفهم إليهم تعني نسبتهما إليه ذاته. و أنّه اعتراف بالحسد، و الحقد، و البغض.

  • الابطح لا يخصّ مكّة

  • الإشكال الثاني: جاء في الأثر أنّ هذا الحديث لما شاع و انتشر في الآفاق، ركب الحَرْث بن النعمان ناقته، و جاء إلى الأبطح، و بينما كان رسول الله في الأبطح، نزل و جاء إليه و قال له ما قال. علما أنّ الأبطح كان في مكّة و ليس في المدينة. و أنّ رسول الله لم يرجع إلى مكّة بعد واقعة الغدير التي كانت في اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجّة بإجماع الشيعة و السنّة، إلى أن وافاه الأجل بعد شهري محرّم و صفر.

  • الجواب: هذا المسكين كان جاهلًا أو متجاهلًا أنّ الأبطح ليس عَلماً لموضع خاصّ في مكّة، بل إنّ الأبطح و البطحاء اسم جنس لكلّ مكان‌

معرفة الإمام ج٩

133
  • واسع تجمّع فيه دقاق الحصى بواسطة السيل أو هبوب الرياح، و أرضه غير صالحة للزراعة لعدم وجود التراب فيها. و مثل هذه الأرض موجود في مكّة، و المدينة، و العراق، و في كثير من النقاط الاخرى التي تنشر الرياح دقاق الرمل و الحصى في أرضها، أو أنّ تلك الرمال تترسّب فيها بعد مَغاض الماء الذي استوعب الوادي كلّه، فتصبح أرضاً رمليّة على درجة عالية من الرخاوة.

  • بيان أهل اللغة في الابطح أنّه المسيل الواسع الذي فيه الرمل و الحصى‌

  • قال في «تاج العروس»: وَ البَّطِح على وزن كَتِف رمل في بطحاء. و ذكر الجوهريّ و غيره أنّ (البَطيحة، و البَطْحَاء، و الأبْطَح) مسيل واسع فيه دقاق الحصى. و من الأباطح أبطح مكّة الوارد في الحديث أنّ رسول الله صلّى بالأبطح. يعني أبطح مكّة، و هو مسيل واديها. و عن أبي حنيفة: الأبطح لا ينبت شيئاً، إنّما هو بطن المسيل. و عن النَّضْر: البطحاء بطن التلعة و الوادي، و هو التراب السهل في بطونها ممّا قد جرّته السيول. و يقال: أتينا أبطح الوادي فنمنا عليه، أو أتينا بطحاء الوادي فنمنا عليها. أي: على ترابها و حصاها السهل الليّن.

  • إلى أن قال: و بطحاء مكّة و أبطحها معروفة لانبطاحها. و أرض منى من الأبطح. و قريش البطاح الذين ينزلون أباطح مكّة و بطحاءها. و قريش الظواهر الذين ينزلون ما حول مكّة.

  • و في «تهذيب اللغة» عن ابن الأعرابي قريش البطاح هم الذين ينزلون الشِّعْب بين أخشبي مكّة. و قريش الظواهر الذين ينزلون خارج الشعب. و أكرمهما قريش البطاح. و أخشبا مكّة جبلاها أبو قبيس و الذي يقابله.

  • و جاء في عبارة أرباب الأنساب: قريش الأباطح و قريش البطاح، صبابة قريش و صميمها الذين اختطّوا بطحاء مكّة و نزلوها. و يقابلهم‌

معرفة الإمام ج٩

134
  • قريش الظواهر الذين لم تسعهم الأباطح، فنزلوا في خارجها مضطرّين.۱

  • و قال في «لسان العرب»: البطحاء مسيل فيه دُقاق الحصى. و قال ابن سيدة: بطحاء الوادي تراب ليّن ممّا جرّته السيول. و الجمع: بطحاوات و بِطاح. و يقال: بِطَاح و بُطَّح، كما يقال: أعوام عُوَّم. فإنِ اتّسع و عَرُضَ فهو الأبطح، و الجمع الأبَاطِح.

  • و في حديث عمر: إنّه أوّلُ مَن بَطَّحَ المسجد. و المراد من الوادي المبارك وادي العقيق الذي نام فيه رسول الله.

  • و قال ابن شُمَيِّل: بطحاء الوادي و أبطحه حصاه السهل اللين في بطن المسيل.

  • و بعد أن نقل كثيراً ممّا نقلناه عن «تاج العروس»، قال: و البطيحة ما بين واسط. و البصرة، و هو ماء مستنقِع لا يرى طرفاه من سعته. و هو مَغيض ماء دجلة و الفرات. و كذلك مغايض ما بين البصرة و الأهواز. و الطَّفّ ساحل البطيحة، و هي البطائح.٢

  • و قال في «المصباح المنير»: و البطيحة و الأبطح كلّ مكان مُتَّسِع، و الأبطح بمكّة هو المحصّب.٣

  • و قال في «صحاح اللغة»: بطحه، أي: ألقاه على وجهه فانبطح. و الأبطح مسيل واسع فيه دقاق الرمل و الحصى، و جمعه: أباطح و بِطاح.٤

  • و قال في «النهاية»: و جاء في حديث عمر: إنّه أوّل من بطّح المسجد،

    1. «تاج العروس» للزبيديّ، ج ٢، ص ۱٢٤ و ۱٢٥.
    2. «لسان العرب» لابن منظور، ج ٢، ص ٤۱٢ إلى ٤۱٤.
    3. «المصباح المنير»، لشهاب الدين الفيّوميّ، مادّة بَطَحَ.
    4. «صحاح اللغة»، لأبي الوفاء الهوريني، ج ۱، ص ۱۷۰.

معرفة الإمام ج٩

135
  • إلى أن قال: و جاء في حديث الصداق: لو كنتم تعرفون مِن بطحان ما زدتم. و بطحان بفتح الباء اسم وادي المدينة. و البطحانيّون منسوبون إليه، و أكثرهم يضمّون الباء، و لعله الأصحّ.۱

  • و قال في «أقرب الموارد»: بَطَّح المسجد: ألقي الحصى فيه و وثّره. و في الحديث: فَأهَابَ بالنَّاسَ إلى بَطْحِهِ‌. أي: تسويته. و تَبَطَّحَ السَّيْلُ: اتّسع في البطحاء، و سال سيلًا عريضاً. و البطيحة مسيل واسع فيه دقاق الحصى. و جمعها بطائح. و البطيحة و البطائح أيضاً مغيض ماء دجلة و الفرات، و البطحاء في معنى البطيحة، و الجمع بِطاح و بطحاوات. و الأبطح مثل البطيحة و البطحاء، و جمع أباطح.٢

  • و قال في «معجم البلدان»: البطحاء في اللغة المسيل الواسع فيه دقاق الحصى. و جمعها: أباطح. إلى أن قال: قال أبو الحسن محمّد بن عليّ بن نصر الكاتب: سمعتُ عوّادة تغني في أبيات طريح بن إسماعيل الثقفي في الوليد بن يزيد بن عبد الملك، و كان من أخواله:

  • أنْتَ ابنُ مُسْلَنْطِحِ البِطَاح، وَ لَمْ‌***تَطْرُقْ عَلَيْكَ الحُنِيّ وَ الوُلُجُ‌٣ 
  • أي: أنتَ من البطحاء المعروفة و المشهورة! و لست من أهل الأرض المنخفضة و المناطق الاخرى فيخفى نَسَبُك، و يستتر جذرك و أصالتك. 

  • قال بعض الحاضرين: ليس المراد بالبطاح في هذا البيت غير بطحاء

    1. «النهاية في غريب الحديث و الأثر»، ابن الأثير الجزريّ، ج ۱، ص ۱٣٤ و ۱٣٥.
    2. «أقرب الموارد في فُصْح العَرَبيّ و الشَّوارد»، سعيد الخوريّ الشرتوني، ج ٢، ص ٤۷.
    3. قال في «لسان العرب» في مادّة سَلْطَحَ: الإسْلِنْطَاح: الطول و العرض. و السلنطح الفضاء الواسع. و اسْلَنْطَحَ الوادي: اتّسع، و اسْلَنْطَحَ الشَّي‌ءُ: طَالَ وَ عَرُضَ.
      و الحُني ما انخفض من الأرض. و الوُلُج جمع وِلاج بالكسرة ما اتّسع من الأودية.

معرفة الإمام ج٩

136
  • مكّة، فما معنى هذا الجمع؟

  • فثار علويّ بطحاويّ كان حاضراً و قال: المراد من البطحاء الاخرى بطحاء المدينة، و هي أجلّ من بطحاء مكّة، و جدّي منها. و أنشد لها قائلًا:

  • وَ بَطْحاءُ المَدِينةِ لي مَنْزِلٌ***‌فَيَا حَبَّذا ذَاكَ مِنْ مَنْزِلِ‌
  • فقال بعض الحاضرين: فهذان بطحاوان، فما معنى الجمع؟!

  • قلنا: العرب تتوسّع في كلامها و شعرها فتجعل الاثنين جمعاً. و قد قال بعض الناس: إنّ أقلّ الجمع اثنان، لا ثلاث.

  • إلى أن قال: هذا كلّه تعسّف. و إذا صحّ بإجماع أهل اللغة أنّ البطحاء الأرض ذات الحصى. فكلّ قطعة من تلك الأرض بطحاء. و قد سمّيت قريش البطاح و قريش الظواهر في صدر الجاهليّة، و لم يكن بالمدينة منهم أحد.۱

  • و قال في «مراصد الاطّلاع»: أصل البطحاء المسيل الواسع فيه دقاق الحصى. و قول عمر: ابْطَحُوا المسجد! و هو موضع بعينه قريب من ذي قَار. و بطحاء مكّة ممدود. و بطحاء ذي الحُلَيْفَة، و بطحاء ابنِ أزْهَر قريب من المدينة و فيه مسجد لرسول الله صلّى الله عليه و آله.

  • و بطحاء أيضاً مدينة بالمغرب قرب تلمسان، بينهما ثلاثة أيّام أو أربعة.٢ و قال في كتاب «البلدان»: من واسط إلى البصرة في البطائح، لانَّه تجتمع فيها عدّة مياه، ثمّ يصير من البطائح في دجلة في الأقسام التي لا ينبت فيها شي‌ء، ثمّ يصير إلى البصرة، فيرسي في شطّ نهر ابن عمر.٣

    1. «معجم البلدان» لياقوت الحَمَويّ، ج ٢، ص ٢۱٣ و ٢۱٤، طبعة سنة ۱٣٢٤ ه.
    2. «مراصد الاطّلاع» لابن عبد الحقّ البغداديّ، ج ۱، ص ٢۰٤.
    3. كتاب «البلدان» لليعقوبيّ، ص ۸٤.

معرفة الإمام ج٩

137
  • و مضافاً إلى إجماع أهل اللغة على أنّ الأبطح ليس عَلَمَاً خاصّاً لمكّة، بل هو اسم جنس، و يطلق أيضاً على أبطح المدينة و هو ذو الحُلَيْفَة، فإنّ شواهد كثيرة وردت في أشعار بلغاء العرب و فصحائهم، و كذلك في عبارات الأحاديث، و هي تدلّ على هذا المعنى. منها بيتان منسوبان إلى أمير المؤمنين عليه السلام يخاطب فيهما الوَليد بن المُغيرة:

  • يُهَدِّدُني بِالعَظِيمِ الوَليدْ***فَقُلْتُ: أنَا ابْنُ أبي طَالِبِ‌
  • أنَا ابْنُ المُبَجَّلِ بِالأبْطَحَيْن‌***وَ بِالبَيْتِ مِنْ سَلَفي غَالِبِ‌
  • و قال المَيْبُدِيّ في شرح هذين البيتين: المراد من الأبْطَحين في كلام الإمام: أبطح مكَّة، و أبطح المَدِينَة.۱

  • و روى البخاريّ، و مُسْلم عن عبد الله بن عمر أنّه قال: إنّ رَسُولَ اللهِ أنَاخَ بِالبَطْحَاء بِذي الحُلَيْفَةِ فَصَلَّى بِهَا.٢

  • و جاء في حديث الغدير أيضاً عن طريق حُذَيفة بن اسَيد، و عامر بن ليلى أنّ رسول الله صلّى الله عليه و آله لما رجع من حجّة الوَدَاع و لم يحجّ غيرها من المدينة جاء و بلغ الجُحْفَة، و نهى في البطحاء أن تتقارب المنازل تحت تلك الأشجار، ثمّ خطب هناك.٣

  • و قال السيّد الحميريّ في قصيدته العينيّة التي أنشدها في وصف كوثر أمير المؤمنين يوم القيامة:

  • بَطْحَاؤُهُ مِسْكٌ وَ حَافَاتُهُ‌***يَهْتَزُّ مِنْهَا مُونِقٌ مُونِعُ‌٤
    1. «شرح ديوان المَيْبُديّ».
    2. «صحيح البخاريّ» ج ۱، ص ۱۸۱؛ و «صحيح مسلم» ج ۱، ص ٣۸٢.
    3. «سُنَن الترمذيّ» ج ٢، ص ٢٩۸، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الطُّفَيل، عن حُذَيفة أبي سريحة.
    4. ذكرنا قصيدة السيّد الحِمْيَريّ مفصّلًا في الجزء التاسع من كتابنا «معادشناسى» (=معرفة المعاد) من دورة العلوم و المعارف الإسلاميّة، في المجلس السادس و الستّين، و بحثنا فيها بحثاً تامّاً بحول الله و قوّته.

معرفة الإمام ج٩

138
  • و قال ابن صيفي شهاب الدين الشاعر المعروف بحَيْص و بَيْص في مرثيّته التي أنشدها في أهل البيت عليهم السلام على لسانهم إذ يخاطبون أعداءَهم و قاتِلهم:

  • مَلَكْنَا فَكَانَ العَفْوُ مِنَّا سَجِيَّةً***فَلما مَلَكْتُمْ سَالَ بِالدَّمِ أبْطَحُ‌
  • وَ حَلَّلْتُمُ قَتْلَ الاسَارَى وَ طَالَما***غَدَونَا على الأسْرى فَنَعْفُو وَ نَصْفَحُ‌
  • فَحَسْبُكُمْ هَذَا التَّفَاوُتُ بَيْنَنَا***وَ كُلُّ إنَاءٍ بِالَّذِي فِيهِ يَرْشَحُ‌۱
  • و معلوم أنّ سيّد الشهداء عليه السلام قد قتل في كربلاء. و المراد من الأبطح هنا أبطح العراق و الأراضي الرمليّة الممتدّة من الكوفة إلى البصرة.

    1. أورد المحدّث القمّيّ في «منتهى الآمال» ج ۱، ص ۱۱۰ القطع الرحليّ في ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام ما نصّه: نقل جمع كثير من علماء السنّة في كتبهم أنّ أحد ثقات أهل السنّة قال: رأيتُ عليّ بن أبي طالب عليه السلام في المنام، و قلت له: يا أمير المؤمنين! عند ما فتحت مكّة و أمّنت دار أبي سفيان، و قلت: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن؟ إنّك أحسنتَ إلى أبي سفيان بهذا النحو! لكنّ حفيده لم يُجازِ ولدك الحسين عليه السلام بالإحسان عوضاً عن ذلك، بل قتله في كربلاء و فعل ما فعل! فقال الإمام: أ لم تسمع أشعار ابن الصيفي في هذا الباب؟ قلت: لا، لم أسمعها! فقال: اسمع جوابك منه! قال: لما أفَقْتُ من نومي، بادرت إلى بيت ابن الصيفي المعروف بحَيْص و بَيص، و نقلتُ له رؤياي. و ما أن سمعها، شهق و بكى بشدّة و قال: و أيْمُ اللهِ، إنّ هذه الأشعار التي قالها أمير المؤمنين عليه السلام نظمتها في تلك الليلة. و لم احدّث بها شخصاً بَعْدُ. و لم أكتبها لأحدٍ، فأنشد لي تلك الأبيات: 
      مَلَكْنَا فَكَانَ العَفْوُ مِنَّا سَجِيَّةً***...
      إلى آخر الأبيات.

معرفة الإمام ج٩

139
  • و إذا قال أحد: إنّ الحسين بن على بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب قتل بمكّة.

  • نجيب قائلين: هو لم يقتل في أبطح مكّة لأنّ أبطحها يقع في شرقها، و يقال له وادي المُحَصَّب، و هو قريب من مِنى. و إنّما قُتل الشخص المذكور مع جميع اسرته و مرافقيه في وادي فَخّ. قتلهم الهاديّ العبّاسيّ (حفيد المنصور الدوانيقيّ). فلهذا يقال له: شهيد فخّ.

  • و وادي فخّ التنعيم و مكّة، على فرسخ من شمال مكّة.

  • كما سمّي سيّد الشهداء الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب: شهيد الطَّفِّ.

  • و لو تغاضينا عن ذلك كلّه، فإنّ لفظ الأبطح لم يرد فيما ذكره الحَلَبيّ في سيرته، و الشيخ محمّد صدر العالم في «معارج العلى»، و سبط بن الجوزيّ في تذكرته، بل قال هؤلاء: جاء سائل عند رسول الله في المسجد. و المراد من المسجد مسجد المدينة. و نصّ الحلبيّ على أنّه كان في المدينة. و على هذا إنَّ الإشْكَالَ يَرْتَفِعُ بِحَذَافيرِهِ.

  • الإشكال الثالث: أنّ سورة المعارج:{سَأَلَ سائِلٌ‌ بعذاب واقع}  من السور المكية. نزلت في مكّة قبل الهجرة باتّفاق أهل العلم. إذاً نزلت قبل واقعة غدير خمَّ بعشر سنين، أو أكثر. فكيف يمكن أن تكون قد نزلت بعد الواقعة؟!

  • الجواب من عدّة جهات: الاولى: لو كانت آيات هذه السورة كلها مكّيّة باتّفاق جميع العلماء، فينبغي أن نحمل الرواية على تكرار النزول، أو نقول: إنّ جبرائيل، أو الرسول الأكرم صلّى الله عليه و آله نفسه قد تلا ذلك مراراً بمناسبة الواقعة.

  • و الآيات التي نزلت على النبيّ الأكرم مرّتين كثيرة. و قد تكرّر

معرفة الإمام ج٩

140
  • نزولها لسبب من الأسباب المهمّة كالتذكير و الموعظة، و الاهتمام بمفاد الآية و موقعها، أو أنّ الموقف تطلّب نزولها في حالتين.

  • و اتّفق علماء الشيعة و السنّة تقريباً على أنّ سورة فَاتِحَة الكِتَاب قد نزلت مرّتَين، الاولى في مكّة عند ما فرضت الصلاة. و الاخرى في المدينة حينما تحوّلت القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام. و لذلك سمّيت: سورة المَثَاني.۱ مثلها في ذلك مثل البسملة:{بسم الله الرحمن الرحيم} الواردة في بداية كلّ سورة، و هي جزء من كلّ سورة بإجماع الامّة. و كذلك مثل آيات اخرى كبداية سورة الروم،٢ و آية الاستغفار: {ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ}‌.٣ و الآية: {أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ}‌،٤ و الآية: {أَ لَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ}‌،٥ و غيرها من الآيات التي نصّ علماء الخاصّة و العامّة في تفاسيرها على تكرّر نزولها، و خصّص السيوطيّ الباب الحادي عشر من «الإتقان» للآيات المتكرّرة.

  • الثانية: يرجع اتّفاق العلماء جميعهم إلى أنّه جاء في بعض الروايات عن ابن عبّاس، و عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَير أنّ سورة المعارج المكّيّة. و هذه الروايات من خبر الواحد، و الاتّفاق المستند إلى خبر الواحد في حكم‌

    1. «الإتقان» للسيوطيّ، ج ۱، ص ٤٤، الباب ۱۱، أقدم طبعة في المطبعة الموسويّة بمصر، سنة ۱٢۷۸ ه. قال: ذَكَرَ قَوْمٌ مِنْهُ الفاتحة.
    2. «الإتقان» نقل عن ابن الحصار أنّ آخر سورة النحل، و أوّل سورة الروم قد تكرّر نزولهما.
    3. «الإتقان»، نقله عن الزركيش في «البرهان». و هي الآية ۱۱٣، من السورة ٩: التوبة.
    4. «الإتقان» نقله عن الزركيش في «البرهان». و هي الآية ۱۱٤، من السورة ۱۱: هود.
    5. الآية ٣٦، من السورة ٣٩: الزمر.

معرفة الإمام ج٩

141
  • اعتبار خبر الواحد. و هذه الرواية المنقولة عن الثعلبيّ، عن سُفيان بن عُيَيْنَة في شأن نزول الآية: سأل سائل، في واقعة الغدير، و غيرهما ممّا نقل عن غير الثعلبيّ، و سفيان، هي من أخبار الآحاد أيضاً، و حينئذٍ بأيّ مُرَجِّحٍ يمكن أن نقول: إنّ تلك الروايات مرجَّحه على هذه الروايات؟!

  • لعلّ الآيات الاولى من سورة المعارج مدنيّة

  • الثالثة: لو سلمنا أنّ سورة المعارج مكّيّة، فبأيّ دليل نعتبر آياتها الاولى مكّيّة؟! إذ ما أكثر الآيات التي نزلت في المدينة، و أمر رسول الله بوضعها في السور المكّيّة، و ما أكثر الآيات التي نزلت في مكّة، و وضعوها في السور المدنيّة.

  • هذه كلها كانت بتعيين رسول الله، بل عيّن رسول الله مكان تلك الآيات أيضاً. مثلًا يكون بين الآية الفلانيّة و الآية الفلانيّة الاخرى.

  • قال السيوطيّ في الفصل الأوّل من «الإتقان»: قال البيهقيّ في «دلائل النبوّة»: في بعض السور التي نزلت بمكّة آيات نزلت بالمدينة، فالحقت بها. و كذا قال ابن الحصّار: و كلّ نوع من المكّيّ و المدنيّ منه آيات مستثناة (نزلت في غير محلّ نزولها، أي: المكّيّة في المدينة، و المدنيّة في المكّة).

  • [ثمّ‌] قال: إلّا أنّ من الناس من اعتمد في الاستثناء على الاجتهاد دون النقل. و قال ابن حجر العَسْقلانيّ في «شرح صحيح البخاريّ»: قد اعتنى بعض أئمّة أهل العلم ببيان ما نزل من الآيات بالمدينة في السور المكّيّة. و أمّا عكس ذلك، و هو نزول شي‌ء من سورةٍ بمكّة، تأخّر نزول تلك السورة إلى المدينة، فلم أره إلّا نادراً.

  • و قال السيوطيّ بعد هذا النقل: و ها أنا أذكر ما وقفت على استثنائه من النوعين. أي: بيان الآيات المدنيّة في السور المكّيّة، و الآيات المكّيّة في‌

معرفة الإمام ج٩

142
  • السور المدنيّة، مستوعباً ما رأيته من ذلك.۱

  • فعلى هذا نقول: إذا كانت سورة المعارج المكّيّة، فإنّ آياتها الاولى مدنيّة.

  • و إذا قال أحد: إنّ القدر المتيقّن من أنّ السورة مكّيّة أو مدنيّة هو فيما إذا بدايتها مكّيّة أو مدنيّة. أو إنّ الآية المأخوذ منها اسم السورة مكّيّة أو مدنيّة.

  • و الجواب هو أنّ هذا الترتيب الذي عليه القرآن فعلًا هو على أساس التوقيف، لا على أساس نزول الآيات. و لا يستبعد أن تكون هذه الآيات قد نزلت أخيراً، ثمّ الحقت بالآيات النازلة قبلها على أساس التوقيف، و اخذ اسم السورة منها أيضاً، و إن كنّا نجهل المصلحة و الحكمة من هذا التوقيف، كما نجهل أكثر موارد الترتيب في القرآن الكريم.

  • الآية: {وَ إِذْ قالُوا اللَّهُمَّ} لا يمكن أن تكون كلاماً صادرا عن وثنيّ‌

  • الإشكال الرابع: الآية الشريفة: {وَ إِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ} في سورة الأنفال. و اتّفق المفسّرون على أنّها نزلت بعد معركة بدر، و قبل واقعة الغدير بسنين، و أجمع المفسّرون على أنّها نزلت قبل الهجرة بسبب كلام المشركين كأبي جهل و أمثاله مع النبيّ صلّى الله عليه و آله. و أراد الله منها أن يذكّر رسوله بكلامهم السابق. أي: اذكر كلامهم إذ قالوا: كَيْتَ و كَيْتَ كقوله تعالى: {وَ إذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ}،٢ و قوله تعالى: {وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ‌}.٣

  • و يستفاد من هذا التذكير أنّ زمان كلام المشركين سبق نزول هذه‌

    1. «الإتقان» للسيوطيّ، ج ۱، ص ۱۷ و ۱۸، طبعة سنة ۱٢۷۸ ه.
    2. الآية ٣۰، من السورة ٢: البقرة.
    3. الآية ۱٢۱، من السورة ٣: آل عمران.

معرفة الإمام ج٩

143
  • الآية: وَ إِذْ قالُوا اللَّهُمَ‌.

  • الجواب: لقد ظنّ ابن تيميّة المسكين‌۱ أو تظنّن أنّ هذه الروايات تبيّن أنّ الحارِثَ بن النُّعْمَان أو جَابر بن النَّضْر بن الحارث قد دعا بهذا الدعاء و طلب نزول الحجر من السماء أو العذاب الأليم، فنزلت الآية: {وَ إِذْ قالُوا اللَّهُمَ‌} في ذلك اليوم. و نحن لا نجد هذا المطلب في أي رواية من هذه الروايات.

  • هَبْ أنّ هذه الآيات كانت قد نزلت بعد معركة بدر، و أنّها تتعلّق بالمشركين قبل الهجرة، فما هو الإشكال أن يكون هذا الرجل المنكر للولاية الذي جاء ذلك اليوم عند رسول الله قد صبها في قالب الدعاء، و هو نفسه أراد من الله عين تلك العبارات و الآية النازلة؟

  • و هل كان الدعاء وفقاً للآية النازلة، أو وفقاً للدعاء الوارد في القرآن الكريم، ذو محظور طبيعيّ من حيث تكوينه و إمكان التنطّق به؟ و على هذا، فإنّ ذلك الرجل المنكر الولاية قد أظهر كفره بهذه الكلمات، كما أظهر المشركون في مكّة كلمات الإلحاد و الكفر قبل الهجرة.

  • و بقطع النظر عن ذلك كلّه، فما هو الإشكال من أن تكون هذه الآية

    1. قال ابن حجر في كتابه «الفتاوى الحديثة»، ص ۸٦: ابن تيميّة عبد خذله الله و أضلّه و أعماه و أصمّه و أذلّه. و بذلك صرّح الأئمّة الذين بيّنوا فساد أحواله، و كذب أقواله.
      و من أراد ذلك، فعليه مطالعة كلام الإمام المجتهد المتّفَق على إمامته و جلالته و بلوغه مرتبة الاجتهاد أبي الحسن السبكيّ، و ولده التاج، و الشيخ الإمام العزّ بن جماعة، و أهل عصرهم، و غيرهم من الشافعيّة، و المالكيّة، و الحنفيّة، و لم يقصر اعتراضه على متأخّري الصوفيّة، بل اعترض على مثل عمر بن الخطّاب، و عليّ بن أبي طالب. و الحاصل أن لا يقام لكلامه وزن بل يُرمى في كلّ و عرٍ و حزن. و يُعْتَقَد فيه أنّه مبتدع ضالّ مضلّ غال، عامله الله بعدله، و أجارنا من مثل طريقته و عقيدته و فعله.

معرفة الإمام ج٩

144
  • الموجودة في سورة الأنفال، النازلة في الأيّام الأخيرة من عمر النبيّ، قد وضعت عند تأليف القرآن في زمرة الآيات النازلة قبل ذلك بعدّة سنين، قبل سورة المائدة۱. كما في آيات الربا،٢ و الآية  {وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ}‌.٣ و هي آخر الآيات التي نزلت على النبيّ، قد جعلت في سورة البقرة. و سورة البقرة نزلت في أوائل الهجرة، و بينها و بين الفترة الأخيرة من عمر النبيّ عدّة سنين. 

  • و لو تغاضينا عن هذا أيضاً، فإنّ قوله: {وَ إِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ‌} الذي هو تذكير و حكاية لكلام المشركين قبل الهجرة، كلام بلا دليل، و بيان بلا حجّة، إن لم يقم الدليل و الحجّة على خلافه. ذلك أنّ الشخص العارف باسلوب الكلام لا يرتاب أنّ هذا القول: {اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ‌.} ليس كلام مشرك و ثني يهزأ بالله و يضحك على الحقّ. لانّه يقول: {اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ‌}، و هذا الكلام الذي ذكر فيه اسم الإشارة ثمّ أكّده بالضمير المنفصل، و بعد ذلك نطق بكلمة الحقّ محلّاة بالألف و اللام، ثمّ جاء بضمير الخطاب (من عندك)، ليس كلام إنسان مشرك أبداً، بل هو كلام من أذعن بمقام الربوبيّة، بَيدَ أنّه توقّف و شكَّ في كلام من ذكر مطلباً، و قال: إنّه حقّ فحسب، و منسوب إلى الله و كفى، و لم يستطع أن يتحمّله، و تبرّأ منه، و دعا على نفسه بالموت و الثبور، و سئم‌ من الحياة و يفرّ منها.

    1. أي: أنّ سورة المائدة نزلت في آخر عمر النبيّ، و أنّ سورة الأنفال نزلت قبلها بعدّة سنين.
    2. الآيات ٢۷٥ إلى ٢۷۸: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ إلى قوله: وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.
    3. الآية ٢۸۱، من السورة ٢: البقرة.

معرفة الإمام ج٩

145
  • إمكان نزول العذاب على هذه الامّة، في حالة دوام المخالفة

  • الإشكال الخامس: لما طلب كفّار قريش العذاب من الله من خلال ما جاء على لسانهم: {وَ إِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ}‌.

  • قال الله في الآية التي تلتها مباشرةً:

  • {وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ ما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}‌.۱

  • و يتّفق الجميع على أنّ أهل مكّة لما طلبوا العذاب، لم ينزل عليهم، و لم تُمْطَر عليهم حجارة من السماء. و لو كانت من آية أو عذاب نازل في قضيّة الحرث بن النعمان الفهريّ، فإنّها كآية أصحاب الفيل إذ إنّ البواعث على نقلها كثيرة. فلما ذا لم تنقلها جميع كتب السير و التفسير و التأريخ، و لم تشتهر و تعرف كآية أصحاب الفيل؟

  • الجواب: حسناً؛ كان عليه أن يذكر الآية التي تليها أيضاً حتّى يستبين جوابه منها. و الآية هي:

  • {وَ ما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَ هُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ ما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ}‌.٢

  • و توضيح هذا المطلب هو أنّ ما قلناه لا يعنى أنّ الله يرفع العذاب عن أهل مكّة أو المدينة في كلّ حالة و كيفيّة، و في كلّ الظروف، مع وجود النبيّ بين ظهرانيهم. و إنّما رفع العذاب العامّ عنهم عند ما كان رسول الله فيهم، و لم يخرج منهم بعد، أو لم يُخرجوه، و حينئذٍ فإنّ من بركات نفسه‌ النفيسة و آثارها رفع العذاب، أو أنّ الله يرفع العذاب ببركة توجّه و استغفار

    1. الآية ٣٣، من السورة ۸: الأنفال.
    2. الآية ٣٤، من السورة ۸: الأنفال.

معرفة الإمام ج٩

146
  • ثلّة من المؤمنين الذين يعيشون بينهم.

  • و لكن عند ما أخرجوا النبيّ من مكّة، و استغرق ذلك عدد سنين، حتّى هاجر المؤمنون الباقون في مكّة إلى المدينة تدريجيّاً و خلت مكّة من المستغفرين، أذن الله لنبيّه بفتحها بالسيف. و ما غزوات رسول الله و حروبه الدامية كلها إلّا عذاب و نقمه و نكبة و ذلّة نزلت على المشركين.

  • بل هُدّدوا و اوعدوا بصاعقة كصاعقة عاد و ثمود عند تماديهم في جهالتهم و ضلالتهم و إعراضهم عن آيات الله، و عدم إقرارهم برسول الله، و أنّ الصاعقة و الريح الصرصر ستجعلانهم طعمة للحريق و الهلاك كقوم عاد الذين كذّبوا نبيّهم هوداً، و قوم ثمود الذين كذّبوا نبيّهم صالحاً.

  • {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَ ثَمُودَ، إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ، فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ قالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَ كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ، فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى‌ وَ هُمْ لا يُنْصَرُونَ، وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى‌ عَلَى الْهُدى‌ فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ، وَ نَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ}‌.۱

  • نلاحظ في هذه الآيات أنّ الله قد أنذر أمّة خاتم النبيّين بالعذاب كما عذّب امم الأنبياء الماضين، بحيث إنّه يخرج نبيّه من امّ القُرَى، و يذر أهلها طعمة للصاعقة، أو تنتهشهم السيوف و الأسنّة بعد هجرته هو

    1. الآيات ۱٣ إلى ۱۸، من السورة ٤۱: فصّلت.

معرفة الإمام ج٩

147
  • و أصحابه إلى المدينة. إذَن، هذا الإعلام و الإنذار، بنزول العذاب، سيشمل الجميع من منظار العذاب العامّ.

  • و أمّا من منظار العذاب الخاصّ كالعمي، و الشلل، و الرعشة، و الوقوع طعمة للافتراس، و القتل صبراً،۱ و ما شابهها، فهي من الموارد المذكورة عن رسول الله في التأريخ و السير.

  • أمر رسول الله بقتل ثلاثة من أسرى معركة بدر صبراً

  • عند ما أسر المسلمون المشركين في غزوة بدر،٢ فإنّهم أخذوا منهم‌

    1. قُتِلَ صَبراً: أي: حُبِسَ على القَتْلِ حتّى يُقْتَل.
    2. روى في «دلائل البيهقيّ» ج ٢، ص ٩٥ بسنده عن عبد الله بن مسعود: أنّ رسول الله صلّى الله عليه و آله استقبل البيت فدعا على سبعة نفر من قريش فيهم أبو جَهل، و اميّة بن خَلْف، و عُتْبة بن ربيعة، و شَيْبَة بن ربيعة، و عَقَبة بن أبي مَعَيط. قال عبد الله‌[ بن مسعود]: اقسم بالله لقد رأيتهم كلّهم صرعى على بدر، و قد غيرتهم الشمس و كان يوماً حاراً. و أخرج ابن كثير الدمشقيّ في «البداية و النهاية» ج ٣، ص ۱۰٥ عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس في شرح الآية: {إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ‌} المستهزءون بالنبيّ هم الوليد بن المُغيرة، و الأسود بن عبد يَغُوث الزهريّ، و الأسود بن المطّلب أبو زمْعة، و الحارث بن عَيْطل، و العاص بن وائل السهميّ. فأتى جبرائيل عند رسول الله فشكاهم إليه. فأراه الوليد، فأشار جبرائيل إلى انمله و قال: كفيته. ثمّ أراه الأسود بن المطّلب فأومأ إلى عنقه و قال: كفيته. ثمّ أراه الأسود بن عبد يغوث فأومأ إلى رأسه و قال: كفيته. ثمّ أراه الحارث بن عيطل فأومأ إلى بطنه و قال: كفيته. و مرّ به العاص بن وائل فأومأ إلى أخمصه و قال: كفيته. فأمّا الوليد فمرّ برجل من خزاعة و هو يريّش نبلًا له فأصاب انمله فقطعها. و أمّا الأسود بن عبد يغوث فخرج في رأسه قروح فمات منها. و أمّا الأسود بن المطّلب فعمي. و كان سبب ذلك أنّه نزل تحت شجرة السمرة فجعل يقول: يا بَني أ لا تدفعون عني قد قتلت؟! فجعلوا يقولون: ما نرى شيئاً. و جعل يقول: يا بَني أ لا تمنعون عني؟! قد هلكت. ها هو ذا الطعن بالشوك في عيني! فجعلوا يقولون: ما نرى شيئاً. فلم يزل كذلك حتّى عميت، عيناه. و أمّا الحارث بن عيطل فأخذه الماء الأصغر في بطنه حتّى خرج خرؤه من فيه فمات منها. و أمّا العاص بن وائل فبينما هو كذلك إذ دخل يوماً في رأسه شِبْرِقَة حتّى امتلات منها فمات منها. و رواه البيهقيّ بنحو من هذا السياق.

معرفة الإمام ج٩

148
  • فدية، ثمّ أطلقوهم إلّا ثلاثة منهم: النَّضْر بن الحارِث بن كَلْدَة، و عَقَبة بن أبي مُعيط، و مُطْعم بن عَدِيّ. و كان النضر بن الحارث هو الذي يقول: {إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ‌}، يقصد بذلك أحاديث القرآن التي كان يقرأها النبيّ عليهم.

  • و قال رسول الله: يا عَلِيّ! عَلَيّ بالنَّضْر. فأخذ أمير المؤمنين عليه السلام بشعره. فجاء به إلى النبيّ. و كان النَّضْر رجلًا جميلًا له شعر.

  • قال النَّضْر: يا محمّد! أسألك بالرحم بيني و بينك إلّا أجريتني كرجل من قريش! إن قتلتهم قتلتني، و إن فاديتهم فاديتني!

  • قال النبيّ صلّى الله عليه و آله: لَا رَحِمَ بَيْني وَ بَيْنَكَ! قَطَعَ اللهُ الرَّحِمَ بِالإسْلَامِ. قدّمه يا عليّ! فاضرب عنقه! فضرب عنقه.

  • ثمّ قال: يا عَلِيّ! عَلَيّ بِعَقبة! فأحضر. فقال: يا محمّد! أ لَمْ تَقُلْ لا تُصْبَرُ قُرَيش؟ فقال النبيّ: وَ أنْتَ مِنْ قُرَيْشٍ؟ إنَّمَا أنْتَ عِلْجٌ مِنْ أهْلِ صَفُوريَّةُ وَ اللهِ لأنْتَ في المِيلَادِ أكْبَرُ مِنْ أبيكَ الذي تَدَّعِي لَهُ!

  • قال عَقَبة: فَمَنْ لِلصَّبِيَّةِ؟!

  • قال رسول الله: النَّارُ.

  • ثمّ قال: حَنَّ قِدْحٌ لَيْسُ مِنْهَا.۱

  • و كان‌ القائل: {اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ‌}. هو النضر بن الحارث الذي قُتِلَ‌

    1. ۱ قال الميداني في «مجمع الأمثال» طبعة المكتبة المحمّديّة سنة ۱٣۷٦: من أمثال العرب: حَنَّ قِدْحٌ لَيْسَ مِنْهَا: القِدْح: أحد قِداح المَيْسر، و إذا كان أحد القداح من غير جوهر إخوته، ثمّ أجاله المفِيض، خرج له صوت يخالف أصواتها، فيعرف به أنّه ليس من جملة القِداح. يضرب للرجل يفتخر بقبيلة ليس هو منها، أو هو يتمدّح بما لا يوجد فيه.

معرفة الإمام ج٩

149
  • صَبْراً في معركة بدر وفقاً لدعائه.۱

  • و نزلت سورة اللهب: {تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَ تَبَ‌، وَ امْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}‌. في أبي لهب عمّ النبيّ و زوجته امّ جميل اخت أبي سُفيان صَخْر بن حَرْب اللذين لم يتركا نوعاً من أنواع الأذى إلّا فعلاه ضدّ النبيّ.٢

  • قال طارق المُحاربيّ: بَيْنا أنا بسوق ذي المجاز، إذا أنا بشابّ يقول: قُولُوا: لَا إلَهَ إلَّا اللهُ تُفْلِحُوا.

  • و إذا رجل خلفه يرميه قد أدمى ساقيه و عرقوبيه، و يقول: يا أيّها الناس! إنّه كذّاب فلا تصدّقوه!

  • قلتُ: من هذا الشابّ؟ فقالوا: هو محمّد يزعم أنّه نبيّ، و هذا عمّه أبو لهب يزعم أنّه كذّاب.٣

  • و كانت بنتا النبيّ الأكرم زوجتين لابني أبي لَهَب: إحداهما رُقَيَّة و كانت زوجة عتبة بن أبي لَهَب، و الاخرى: ام كُلْثُوم، و كانت زوجة عُتَيبَة أخيه. و لما نزلت الآية: {تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ‌}، قال أبو لهب و امّ جميل لابنيهما: فارقا ابنتي محمّد! ففارقاهما. فتزوّج عثمان بن عفّان رُقَيَّة بمكّة و هاجرت معه إلى أرض الحبشة، و ولدت له هناك ابناً سمّاه: عبد الله، و لما بلغ هذا الغلام ستّ سنين، نَقَرَ عينَه ديكٌ، فتورّم وجهه، و مرض، و مات.

  • و كانت رُقَيَّة قد اصيبتَ بمرض الحصبة في غزوة بَدْر. و لم يشترك عثمان في الغزوة المذكورة بأمر رسول الله، و ذلك من أجل تمريضها.

    1. تفسير «مجمع البيان» ج ٢، ص ٥٣۸ و ٥٣٩، طبعة صيدا.
    2. السورة ۱۱۱: اللهب.
    3. تفسير «مجمع البيان» ج ٥، ص ٥٥٩، طبعة صيدا.

معرفة الإمام ج٩

150
  • و توفّيت يوم وقعة بدر، و دُفنت يوم جاء زيد بن حارثة بشيراً بما فتح الله عليهم ببدر.۱

  • و لمّا كان عُتَيْبَةُ بن أبي لَهَب قد طلّق امَّ كُلْثُوم، و لم يدخل بها، فقد تزوّجها عثمان بعد وفاة رقيّة، و كان ذلك في السنة الثالثة من الهجرة.

  • و توفّيت في السنة التاسعة من الهجرة، و صلّى عليها رسول الله، و غسّلتها أسماء بنت عُمَيْس، و صَفِيّة بنت عبد المُطَّلِب.٢

  • و لما توفّيت امّ كلثوم، جلس رسول الله على قبرها، و عيناه تدمعان، فقال: هَلْ مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ لَمْ يُقَارِفِ اللَّيْلَةَ؟ وَ لَا يَدْخُلِ القَبْرَ رَجُلٌ قَارَفَ أهْلَهُ. فَلَمْ يَدْخُلْ عُثْمَانُ.٣

  • و يتّضح‌ أنّ عثمان دخل بزوجته الاخرى في نفس الليلة التي توفّيت فيها امّ كلثوم بعد ما مرضت بسبب ضربه إيّاها كما ورد في الروايات، و لم يكترث بوفاة بنت النبيّ الكريم قطّ.

  • و قال ابن الأثير: أخرج البيهقيّ عن قَتادَة: إنّ عُتْبَة بن أبي لَهَب تسلّط على رسول الله، و آذاه و شقّ قميصه. فقال له رسول الله: أمَا إنِّي أسْألُ اللهَ أنْ يُسَلِّطَ عَلَيْهِ كَلْبَهُ.

  • فخرج عتبة في نفر من قريش إلى الشام، و نزلوا في مكان يقال له: الزَّرْقَاء ليلًا، فأطاف بهم الأسد، فعدا عليه الأسد من بين القوم، و أخذ برأسه فَضَغَمُه ضغمةً فذبحه.٤

    1. «الاستيعاب» ج ٤، تلخيص ص ۱۸٣٩ إلى ۱۸٤۱، ترجمة رقيّة بنت رسول الله.
    2. «الاستيعاب» ج ٤، ص ۱٩٥٢، ترجمة امّ كلثوم بنت رسول الله.
    3. «الاستيعاب» ج ٤، ص ۱۸٤۱ و ۱۸٤٢.
    4. «دلائل النبوّة» للبيهقيّ، ج ۱، ص ٩٦: الطبعة الاولى: فلما أنزل الله عزّ و جلّ:{تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ}‌. قال أبو لَهَب لابنَيْه: عُتَيْبَة و عُتْبَة، رأسي و رؤوسكما حرام إن لم تُطَلِّقا ابنتيّ محمّد! وَ سَألَ النَّبِيّ صلّى الله عليه و آله عُتْبَة طَلَاقُ رُقَيَّة و سألته رقيّة ذلك، و قالت له امُّ كلثوم: بنتُ حَرْبِ بن اميّة، و هي حمّالة الحطب: طلّقها يا بُني فإنَّها قَدْ صَبَتْ فَطَلَّقَها وَ طَلَّقَ عُتْيْبَةُ امَّ كُلْثُوم و جاءَ النَّبِيّ صلّى الله عليه و آله حين فارق امَّ كلثوم، فقال: كفرت بدينك و فارقت ابنتك لا تُحِبُّني و لا احِبّك، ثمّ تسلَّط على رسول الله فشقَّ قميصه فقال رسول الله صلّى الله عليه و آله: أما إني أسأل الله أن يسلّط عليه كلبه. فخرج نفر من قريش حتّى نزلوا في مكانٍ من الشام يقال له: الزرقاء ليلًا فأطاف بهم الأسد تلك الليلة فجعل عُتَبْة يقول: يا ويل امّي هو و الله آكلي كما دعا محمّد علىَّ. قتلني ابن أبي كَبْشَة، و هو بمكّة و أنا بالشام. فَعَوَى عليه الأسدُ من بين القوم و أخذ برأسه فضغمة ضَغْمةً فذبحه. و ذكر ابن الأثير ذلك في «النهاية» ج ٣، ص ٤٢۰ في مادّة فَدَغَ. 

معرفة الإمام ج٩

151
  • و أخرج البيهقيّ عن عروة، عن أبيه أنّ الأسد لما طاف بهم تلك الليلة انصرف عنهم فناموا. [و لما أحسّوا الخطر، قاموا] و جعلوا عتبة في وسطهم. فأقبل الأسد يتخطّاهم حتّى أخذ برأس عُتْبة، فَفَدَغَه (شدخه و كسره).۱

  • و روى ابن عَبْد البِرّ أنَّ النَّبِيّ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ كَانَ إذَا مَشَى يَتَكَفَّا وَ كَانَ الحَكَمُ بْنُ أبي العَاصِ يَحكيهِ، فَالْتَفَتَ النَّبِيّ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَوْمَاً فَرَآهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ‌. فَقَالَ: فَكَذَلِكَ فَلْتَكُنْ. فَكَانَ الحَكَمُ مُخْتَلِجاً يَرْتَعِشُ مِنْ يَوْمَئذٍ.٢

  • و نقل ابن الأثير أنّ النبيّ خاطب ربّه قائلًا: اللهُمَّ اشْدُدْ وَطْأتَكَ على مُضَرَ مِثْلَ سِني يُوسُفُ. فَجهدُوا حتّى أكَلُوا العِلْهِزَ.٣ (يخلطون الدم بأوبار

    1.  ۱ «دلائل النبوّة» للبيهقيّ، ج ٢، ص ٩۷.
    2. «الاستيعاب» ج ۱، ص ٣٩٥ و ٣٦۰. و عيّره عبد الرحمن بن حسّان بن ثابت بذلك. و هجاه، و قال في عبد الرحمن بن الحكم:
      إن اللَّعينَ أبوك فَارْمِ عِظَامَهُ***إن تَرْمِ تَرْمِ مُخَلَّجاً مَجْنُونا يُمْسِي 
      خَميصَ البَطْنِ مِن عَمل التُّقَى***وَ يَظَلُّ مِن عَمَلِ الخَبِيثِ بَطِينا
    3. «النهاية في غريب الحديث و الأثر» ج ٣، ص ٢٩٣، مادّة علهز.

معرفة الإمام ج٩

152
  • الإبل ثمّ يشوونه بالنار و يأكلونه).

  • أجل، فإنّ الحالات التي نزل فيها العذاب على أثر دعاء النبيّ صلّى الله عليه و آله سواء كانت عامّة أم خاصّة، مذكورة في التواريخ و السِيَر. و على هذا فما هو المانع من نزول الحجر من السماء على رأس الحارِث الفَهريّ أو جابر بن النضر استجابة لدعائه، و هو الذي كان معانداً للإسلام، مستهيناً بالولاية، متجرّئاً على رسول الله، مؤاخذاً إيّاه مندّداً به؟ فلا ضير أن ينزل الحجر على رأسه و يهلكه في مكانه.

  • قياس قضيّة الحارث بقضيّة أصحاب الفيل مع الفارق‌

  • و أمّا ما قاله ابن تيميّة أنّه لو تحقّق ذلك، لعُرِفَ كقصّة أصحاب الفيل.

  • و الجواب هو أنّ قياس هذه القصّة بقصّة أصحاب الفيل هو مَعَ الفارق، إذ إنّ هذه القضيّة حادثة فرديّة كانت أغراض المخالفين و المنافقين مؤثّرة في إسدال الستار عليها ما كان ذلك ميسوراً، كما في أصل قضيّة الغدير إذ أسدلوا الستار عليها، و أظهروها على شكل أمر عاديّ، أو أنّهم قطّعوا حديث الغدير، و بيّنوا كلّ قطعة منه في باب من الأبواب، لا يجتمع صدره و ذيله في مكان واحد، أو أنّهم حاولوا أن يقلبوا معنى الولاية عن تلك الحقيقة الساطعة، أو ينكروا أصل القضيّة، و لم يقصّروا في ذلك، ما أمكنهم، و لكنّ الله مع ذلك أبقى تلك القضيّة وهّاجة حيّة، و أرغم الصديق و العدوّ على الاعتراف و الانصياع أمام عظمة هذه القصّة.

  • و أمّا قصّة أصحاب الفيل التي هي في عداد معجزات و كرامات بيت الله و بيت النبوّة، و قد أذعنت بها قريش كلها، بل العرب جميعها، و الامم الاخرى، و هي شاهد صادق، على أعلى المقدّسات، و هو بيت الله الحرام المنسوب إلى الذات الأحديّة، ذلك البيت الذي هو مطاف جميع الامم، و مقصد الحجّاج و المعتمرين و العاكفين، ذلك البيت الذي ينتظر منه ‌

معرفة الإمام ج٩

153
  • الناس جميعهم بشتّى طبقاتهم الخيرات و البركات، فهي قصّة اخرى لا تماثل قضيّة الحارث الذي جاء إلى رسول الله وحده، و تحدّث معه، و مُني بالعقوبة.

  • قيل: كانت مواكب العزاء و المناحة تخرج يوم عاشوراء في النجف الأشرف أيّام آية الله الشيخ مرتضى الأنصاريّ أعلى الله تعالى مقامه الشريف، و تجوب أحياء المدينة و أزقّتها باستمرار، و كان الشيخ الأنصاريّ يسير إلى جانب المواكب المذكورة. فدنا منه أحد الأفنديّة الذي كان قائم‌مقام النجف من قِبَلِ الحكومة العثمانيّة آنذاك، و سلّم على الشيخ و قال له: عندي سؤال، و هو: أنّه لا شكّ أنّ الإمام الحسين قد قتل مظلوماً، و قتله عمل قبيح ارتكبه يزيد بن معاوية. و لكن ما هو الداعي إلى تشكيل هذه المواكب و تجديد العزاء و المناحة و قراءة قصائد الرثاء و البكاء في كلّ سنة؟ و ما هو الداعي إلى اللطم و الضرب بالسلاسل؟!

  • قال الشيخ: إنّ رسول الله صلّى الله عليه و آله أخذ بِيَدِ عليّ و رفعها بحضور عشرة آلاف من الحجّاج في غدير خمّ، حتّى رآه جميع الناس و قال: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعليّ مَوْلَاهُ‌. و أنكرتم ذلك و قلتم: قضيّة شخصيّة خاصّة جاءت على أثر النزاع مع زَيد بن حَارِثَة، أو في أعقاب شكوى بريدة. فأراد النبيّ أن يقول:

  • من أحبّني، فليحبّ عليا! و من كنتُ ابنَ عمّه، فعليّ ابنُ عمّه أيضاً!

  • إنّنا نجدّد العزاء في كلّ عام، و تضع نساؤنا، و أطفالنا، و رجالنا، و صغارنا، و كبارنا الطين على رؤوسهم، و ننطلق في الأسواق و الأزقّة، و نبكي لتجديد ذكر الحسين و عظمته، كي لا يتسنى لكم أن تنكروا ذلك أيضاً، و تقولوا: كانت قضيّة الحسين شخصيّة. و لقد نهض الحسين ضدّ أمير المؤمنين يزيد من أجل الحكم، و قتل في هذا السبيل!

معرفة الإمام ج٩

154
  • قيل: بُهت الأفَندي من بداهة الشيخ في جوابه، و لم يحر جواباً {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ}.۱

  • أجل، إنّ ما ادّعاه ابن تيميّة من إهمال طبقات المصنّفين هذه القضيّة كذب محض آخر أيضاً.

  • أ لم نقرأ في هذا البحث أسماء العلماء العظام و كتبهم المعتبرة الموثوقة، إذ نسبوا هذه الرواية بأسنادهم إلى الصحابي العظيم حُذَيْفَةَ بن اليمان، و سُفْيَان بن عُيَيْنَة المعروف جلاله في العلم و التفسير و الحديث، و ثقته في الرواية عند أهل السنّة، و لا شكّ عندهم في ذلك؟

  • شب‌پره گر وصل آفتاب نخواهد***رونق بازار آفتاب نكاهد ‌٢
  • أهل السنّة يلعنون الوهّابيّين أيضاً

  • كان أحد الأصدقاء يقول: ذهبت ذات ليلة إلى حرم السيّدة زينب عليها السلام في مصر، و رأيت هناك ضجيجاً عجيباً، إذ كانت الليلة ليلة الجمعة، و تقاطر سُنَّة القاهرة من كلّ حدب و صوب لزيارة ابنة عليّ، و أقاموا مراسيم العزاء و البكاء و الماتم إلى درجة أني اندهشتُ كثيراً، إذ كيف يرثي السنّة زينب عليها السلام و كيف يعظّمون حرمها، و يطوفون حول ضريحها، و يقبّلونه، و يمسحون عيونهم بالتراب الموجود داخل حلقات الضريح.

  • و مرّت ساعة، ثمّ ارتقى المنبر خطيب فصيح و بليغ جدّاً، و تحدّث عن الروايات الماثورة في أهل البيت مفصّلًا، ثمّ ختم حديثه بالدعاء، و كان الناس الحاضرون كلّهم يقولون: آمين. و كان من فقرات دعائه:

  • اللهُمَّ الْعَنِ الوَهَّابِيَّةَ. فقال الناس جميعهم: آمين.

    1. الآية ٢٥۸، من السورة ٢: البقرة.
    2. يقول: «إن لم يرغب الخفّاش في بلوغ الشمس، فلا يقلّل ذلك من رونقها و بهائها».

معرفة الإمام ج٩

155
  • و هذا دليل على أنّ كافّة طوائف العامّة و أهل السُّنَّة يخالفون الوهّابيّة، و يعتبرون رئيسَيْهَا: ابن تيميّة، و محمّد بن عبد الوهّاب منحرفَينِ، فاسِدَي العقيدة، و قد ذكرنا ذلك سابقاً.

  • الإشكال السادس: أنّ الوارد في هذا الحديث هو أنّ قائل هذا الكلام قد امر بأركان الإسلام الخمسة. و لما كان قد أقرّ بها، فقد كان مسلماً، و نحن نعلم أنّ أحداً من المسلمين لم يصبه عذاب في زمن النبيّ صلّى الله عليه و آله.

  • الجواب: أنّ هذا الحديث كما أثبت إسلام الحارث، فكذلك أثبت كفره و ارتداده و إعراضه. إذ شكّ في نبوّة رسول الله بعد سماعه حديث الغدير؛ و شملته تلك العقوبة في حال غيظه و عصبيّته من حكم الله في نصب أمير المؤمنين عليه السلام في مقام الولاية. و كانت العقوبة بناءً على طلبه أيضاً.

  • يضاف إلى ذلك، أنّنا نقرأ في كتب التأريخ و الحديث بعض الموارد من هذا القبيل. منها أنّ في المسلمين من شملته العقوبة و مني بالبلاء نتيجة لكفر النعمة، و التجرّؤ على حرمة رسول الله، كالرجل الأعرابي الذي مرض، و دخل عليه النبيّ يعوده. و لما قال له: لَا بَأسَ طَهُورٌ.

  • قال الأعرابي: قُلْتَ: طَهُورٌ، كَلَّا! بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ۱ على شَيْخٍ كَبِيرٍ تُزِيرُهُ القُبُورُ!

  • فقال النبيّ: فَنَعَمْ إذاً! فَما أمْسَى مِنَ الغَدِ إلَّا مَيِّتَاً.٢

    1. أو تَثُور خ ل.
    2. «صحيح البخاريّ» ج ٤، ص ٢۰٢ الطبعة الأميريّة، بولاق، في كتاب المناقب؛ و في «الأشعثيّات» ص ٢۰۰، كتاب الجنائز، باب عيادة المرضى، روى الإمام الصادق عن آبائه واحداً بعد الآخر حتّى أمير المؤمنين عليه السلام. و أضاف العبارة الآتية في ختام حديثه: فمات ذلك الرجل، و لم يُصَلّ رسول الله على جنازته.

معرفة الإمام ج٩

156
  • الإشكال السابع: أنّ الحارث بن النعمان غير معروف في الصحابة. و إنّما اسمه من قبيل الأسماء التي ذكرها المشعوذون و أصحاب الأباطيل و الترّهات. و قصّته من نوع أساطير و قصص عَنْتَرة و دَلْهَمة. و قد صُنّفت الكتب في بيان أسماء الصحابة الذين اثِرَ عنهم شي‌ء في الحديث، حتّى لو كانت أحاديثهم ضعيفة. و من هذه الكتب: كتاب «الاستيعاب» لابن عبد البرّ، و كتاب ابن مُندة، و أبي نُعَيم الإصفهاني، و الحافظ أبي موسى، و نحو ذلك. و لم يذكر أحد من هؤلاء اسمه، و من هنا يُفْهَم أنّه لم يرد له ذكر في الروايات.

  • ذلك أنّ هؤلاء الكبار من المصنّفين يذكرون ما روي عن أهل العلم، و لا يذكرون الأحاديث الخاصّة بتسطير الأساطير و الخرافات، كما في «تَنَقُّلَات الأنْوَار» للبكريّ الكذّاب، و غيره.۱

  • إن كتب الرجال و التراجم جميعها لم تذكر عشراً من أسماء الصحابة

  • الجواب: من المستحسن أن نكتفي في جواب هذا الإشكال بما أورده شَيْخُ الإسلام إمَامُ الحُفَّاظِ أحمد بنُ عليّ بْن مُحَمَّد بْنِ مُحَمَّد بن عليّ الكناني العَسْقَلاني الشَّافعيّ المعروف بابن حَجَر المولود سنة ۷۷٣ ه، و المتوفي سنة ۸٥٢ ه في مقدّمة كتاب «الإصَابة في تَمْييزِ الصَّحَابَة».

  • كما أنّ العلّامة الأميني نقل كلام ابن حَجَر نفسه في جواب هذا الإشكال.٢

    1. «منهاج السُّنَّة» لابن تيميّة ج ٤، ص ٩ إلى ۱٤.
    2. «الغدير» ج ۱، ص ٢٦٤ إلى ٢٦٦.

معرفة الإمام ج٩

157
  • إن معاجم الصحابة جميعها غير كافلة لاستيفاء أسمائهم، فكلّ مؤلّف من أربابها جمع ما وسعته حيطته و أحاط به اطّلاعه، ثمّ جاء المتأخّر عنه‌ فاستدرك على من قبله، و مع ذلك لم يُذْكَر في هذه المعاجم عُشْرٌ من أعشار أسماء الصحابة، و هو غير قابل للذكر أيضاً.

  • ذلك أنّ الصحابيّ في اصطلاح العامّة، كما قال ابن حَجَر هو مَنْ لَقِيَ النَّبِيّ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ مؤمناً به وَ مَاتَ على الإسلام،۱ و إن ارتدّ بين لقائه النبيّ و موته، كالأشعث بن قيس الذي ارتدّ بعد الإيمان، ثمّ عاد إلى الإسلام في خلافة أبي بكر.٢

  • و على هذا، فإنّ الأشخاص الذين رأوا النبيّ و هم على الإيمان، و عاشوا بين الجبال و الفلوات، أو سكنوا في المدن و القرى و القصبات كثيرون إلى درجة أنّهم لا يحصون، بل إنّ إحصاءهم و بيان أسمائهم جميعاً ممتنع. و أمّا ما ذكره ابن حَجَر العَسْقَلانيّ في كتاب «الإصابة» بعد الحمد و الصلاة هو قوله: أمَّا بَعْدُ: فإنّ من أشرف العلوم الدينيّة علم الحديث النبويّ، و من أجلّ معارفه تمييز أصحاب رسول الله ممّن خلف بعده.

  • و قد جمع في ذلك [الموضوع‌] جمع من الحفّاظ تصانيف بحسب ما وصل إليه اطّلاع كلّ منهم. فأوّل من عرفته صنّف في ذلك أبو عَبْدِ اللهِ البخاريّ. أفرد في ذلك تصنيفاً فنقل منه أبو القاسم البَغَويّ و غيره.

  • و جمع أسماء الصحابة مضمومةً إلى من بعدهم جماعة من طبقة مشايخه كخليفة بن خَياط، و محمّد بن سعد. و من قرنائه كيَعقوب بن سُفيان، و أبي بكر بن أبي خَيْثَمَة.

    1. «الإصابة» ج ۱، ص ۱۰.
    2. «الإصابة» ج ۱، ص ۱٢.

معرفة الإمام ج٩

158
  • و صنّف في ذلك جمع بعدهم كأبي القاسم البَغَويّ، و أبي بكر بن أبي داوُد، و عَبْدَان. و من قبلهم بقليل كمَطين. ثمّ كأبي علىّ بن السَّكَن، و أبي‌ حَفْص بن شاهين، و أبي منْصُور الماوَرْدِيّ، و أبي حَاتَم بن حَبّان، و كالطبراني ضمن معجمه الكبير. ثمّ كأبي عَبْدِ الله بن مُنْدَة، و أبي نُعَيْم.ثمّ كَعُمَر بن عَبْدِ البِرّ، و سمّى كتابه: «الاستيعاب»، لظنّه أنّه استوعب ما في كتب من قبله.

  • و مع ذلك فقد فاته الكثير من أسماء الصحابة، فذيّل عليه أبو بكر ابن فَتْحون ذيلًا ذكر فيه أسماء فاتت ابن عبد البرّ. و ذيّل عليه جماعة في تصانيف لطيفة. و ذيّل أبو مُوسى المَدينيّ على ابن مندة ذيلًا كبيراً.

  • و في أعصار هؤلاء المصنّفين خلائق يتعسّر حصرهم ممّن صنّف في ذلك أيضاً. إلى أن كان في أوائل القرن السابع فجمع عزّ الدين بن الأثير كتاباً حافلًا سمّاه: «اسد الغابة»، جمع فيه كثيراً من التصانيف المتقدّمة، إلّا أنّه تبع مَن قبله، فخلط من ليس صحأبيّاً بهم، و أغفل كثيراً من التنبيه على كثير من الأوهام الواقعة في كتبهم. ثمّ جرّد الأسماء التي في كتابه مع زيادات عليها الحافظ أبو عبد الله الذهبيّ و علم لمن ذكر غلطاً، و لمن لا تصحّ صحبته. لكنّه لم يستوعب ذلك، و لا قَارَب.

  • و قد وقع لي بالتتبّع كثير من الأسماء التي ليست في كتاب الذهبيّ و لا أصله على الشروط التي ذكرها الذهبيّ، و ابن الأثير في صحّة الصحبة.

  • لذلك، جمعت كتاباً كبيراً في ذلك ميّزت فيه الصحابة من غيرهم.و مع ذلك لم يحصل لنا منه الوقوف على العُشر من أسماء الصحابة بالنسبة إلى ما جاء عن أبي زرعَة الرازيّ، لأنّ أبا زرْعة قال:

  • توفي رسول الله صلّى الله عليه و آله و من رآه و سمع منه زيادة على 

معرفة الإمام ج٩

159
  • مائة ألف إنسان من رجل و امرأة، كلّهم قد روى عنه سماعاً أو رؤيةً.۱

  • قال‌ ابن فتحون‌ في ذيل «الاستيعاب»: أجاب‌ أبو زرعة بهذا سؤال من سأله عن الرواة خاصّة، فكيف بغيرهم.

  • و مع هذا، فجميع من في «الاستيعاب»، باسم، أو كُنيه، أو بهما ثلاثة آلاف و خمسمائة. و ذكر ابن فتحون أنّه استدرك على ابن عبد البرّ على شرطه قريباً ممّن ذكر، أي: ثلاثة آلاف و خمسمائة.

  • و أنا أقول: رأيتُ بخطّ الحافظ الذهبيّ من ظهر كتابه: «التجريد» قوله: لعلّ الجميع ثمانية آلاف إن لم يزيدوا و لم ينقصوا.

  • ثمّ رأيتُ بخطّه: أنّ جميع مَن في «اسد الغابة» سبعة آلاف و خمسمائة و أربعة و خمسون نفساً.

  • و ممّا يؤيّد قول أبي زرْعة ما ثبت في الصحيحين عن كعب بن مالك في قصّة تبوك. و الناس كثير لا يحصيهم ديوان.

  • و ثبت عن الثوريّ فيما أخرجه الخطيب بسنده الصحيح إليه، قال:

  • من قدّم عليّاً على عثمان، فقد أزرى على اثني عشر ألفاً، مات رسول الله صلّى الله عليه و آله و هو عنهم راضٍ. و قال النوويّ: و ذلك بعد النبيّ باثني عشر عاماً، بعد أن مات في خلافة أبي بكر في الردّة و الفتوح الكثير ممّن لم يضبط أسماءهم. ثمّ مات في خلافة عمر في الفتوح، و في الطاعون العامّ، و طاعون عَمْواس٢ و غير ذلك من لا يحصى كثرة، و سبب خفاء 

    1. سماعاً: أي: سمع النبيّ بلا واسطة. رؤية: رأى النبيّ لكنّه روي عنه الحديث بواسطة شخص آخر.
    2. عمواس كورة علی ستة أميال من الرملة علی طريق بيت المقدس منها كان ابتداء الطاعون في سنة ۱۸ ه ثم فشا في أرض الشام، فمات فيه خلق كثير لا يحصی من الصحابة.

معرفة الإمام ج٩

160
  • أسمائهم أنّ أكثرهم حضروا حجّة الوداع. و الله أعلم.۱ 

  • و ذكرنا في تضاعيف بحث الغدير أنّ الحضور في حجّة الوداع مع رسول الله كانوا مائة ألف أو يزيدون. و أنّ إحصاء أسماء هؤلاء الأشخاص متعذّر طبعاً و طبيعةً. فأين لهذه الكتب استيفاء ذلك العدد الجمّ؟ إذ إنّ أكثر العرب كانوا مبثوثين في البراري و الفلوات، و لا يختلفون إلى الحواضر إلّا لغايات وقتيّة و أغراض خاصّة كانوا يزورون النبيّ خلالها، و لم ينقلوا عنه حديثاً غالباً.

  • و ذكر المصنّفون أسماء الأشخاص الذين كانوا مشهورين و معروفين، و كثر تداولهم في الرواية.

  • و استبان ممّا قلناه أنّ إشكال هذا الرجل الناقد واهٍ لا أساس له، و خارج عن ميزان الإنصاف، على أنّ من المحتمل أنّ عدم ذكره في عِداد الصحابة بسبب ردّته الأخيرة.

  • مؤاخذة على الشيخ محمّد عبده لذكره إشكالات ابن تيميّة

  • و في «تفسير المنار» إذ جمع السيّد محمّد رشيد رضا مطالب الشيخ محمّد عَبْدُه، فإنّه في الوقت الذي يقرّ بحديث الغدير و يرويه، و إن اقتضى طريقة المخالفين في معنى الولاية، و امتنع عن بيان الحقّ، فهو أيضاً أخذ هذه الإشكالات عن ابن تيميّة في آية: سأل سائل، و تحدّث عنها.٢

  • و أجابه استاذنا المعظّم العلّامة الطباطبائيّ رضوان الله عليه في «الميزان» جواباً وافياً إجمالًا.٣

  • و كم يُسْتَقَبح حقّاً من شخص مثل الشيخ محمّد عبده الذي يدّعي 

    1. «الإصابة» ج ۱، ص ٣ إلى ٦.
    2. «تفسير المنار» ج ٦، ص ٤٦٤.
    3. «الميزان في تفسير القرآن» ج ٦، ص ٥٦ إلى ٥٩.

معرفة الإمام ج٩

161
  • الحرّيّة الفكريّة أن يكون أسيراً لتلك الآراء و الأفكار التي يحملها العامّة، إذ أنِّى دار الحديث عن التشيّع و الولاية، فإنّه يمرّ عليه بمكابرة تامّة، و لا يتنازل من أجل الحقّ، و خلاصة الكلام أنّه لا يستطيع أن يسحق ذاته، و يُسَلّم بعظمة الحقّ.

  • و نستخلص من هنا أنّنا لا يمكن أن نتوقّع الفهم و الإدراك و أيضاً الثورة و التحرّك نحو الواقع و عالم الحقيقة، من هؤلاء المثقّفين الذين هم أسرى النفوس الأمّارة، و يحملون نفسيّات مستكبرة تلهث وراء الصيت و السمعة.

  • و قال ابن طباطبا الإصفهانيّ المتوفي سنة ٣٢٢، و هو من كبار السادة الحسنيّين:

  • يَا مَنْ يُسِرُّ لي العَدَاوَةَ أبْدِهَا***وَ اعْمَدْ لِمَكْروهي بِجُهْدِكَ أوْ ذَرِ
  • لِلّهِ عِنْدِي عَادَةٌ مَشْكُورَةٌ***فيمَنْ يُعاديني فَلَا تَتَحَيَّرِ
  • أنَا وَاثِقٌ بِدُعَاءِ جَدِّي المُصْطَفَى‌***لأبِي غَدَاةَ غَديرِ خُمٍّ فَاحْذَرِ
  • وَ اللهِ أسْعَدَنَا بِإرْثِ دُعَائِهِ‌***فِيمَنْ يُعَادِي أوْ يُوَالِى فَاصْبِر۱
  • و خاطب بهذه الأبيات أبا عليّ الرستميّ كما جاء ذلك في «ثمار القلوب» للثعلبيّ، ص ٥۱۱.

  • و ذكر شيخ الإسلام الحمّوئيّ عن طريق أبي الحسن الواحديّ بإسناده 

    1. «الغدير» ج ٣، ص ٣٤۰. و قال: هو أبو الحسن محمّد بن أحمد بن إبراهيم طباطبابن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الإمام السبط الحسن بن الإمام علىّ بن أبي طالب عليه السلام الشهير بابن طباطبا. مع أنّ محمّد بن إبراهيم كان يعرف بابن الخزاعيّة، و كان يقال له محمّد الأصغر، و لم تكن كنيته: أبا الحسن. و شاعرنا محمّد بن أحمد المعروف بابن طَباطبا كان بعده بنسلين، و كنيته أبو الحسن، و كان يعيش بعده بقرن. و هكذا فهو أبو الحسن محمّد بن أحمد بن محمّد الأصغر المعروف بابن الخزاعيّة بن أحمد بن إبراهيم طَباطبا.

معرفة الإمام ج٩

162
  • عن عبد الله بن فضل الرافعيّ في البصرة قال: سمعت ربيع بن سَلمان‌ يقول: قلتُ للشافعيّ: هنا جماعة لا يطيقون سماع فضيلة لأهل البيت. و إذا ما أراد أن يذكر أحد فضيلة لهم، فإنّهم يقولون: هذا رافضيّ: فأنشد الشافعيّ هذه الأبيات:

  • إ ذَا في مَجْلِسٍ ذَكَرُوا عَلِيَّاً***وَ سِبْطَيْهِ وَ فَاطِمَةَ الزَّكِيَّة
  • فَأجْرَى بَعْضُهُمْ ذِكْرَى سِوَاهُمْ‌***فَأيْقِنْ أنَّهُ [ابْنُ‌] سَلَقْلَقِيَّة
  • إذَا ذَكَرُوا عَلِيَّاً أو بَنِيهِ‌***تَشَاغَلَ بِالرِّوَاياتِ العَلِيَّة۱
  • وَ قَالَ: تَجَاوَزُوا يَا قَوْمِ هَذَا***فَهَذَا مِنْ حَدِيثِ الرافِضِيَّة
  • بَرِئْتُ إلَى المُهَيْمِن مِنْ انَاسٍ‌***يَرَونَ الرَّفْضَ حُبَّ الفَاطِميَّة
  • على آل الرَّسُولِ صَلَاةُ رَبِّي‌***وَ لَعْنَتُهُ لِتِلْكَ الجَاهِلِيَّةِ٢
  • السلام عليك يا أمير المؤمنين و سيّد الوصيّين و قائد الغُرِّ المحجّلين و إمام الموحّدين و رحمة الله و بركاته. إنّا نشكو إليك و نلوذ بك و نواليك و من أعدائك نتبرَّأ.

  • اى روى ماه منتظر تو نو بهار حسن‌***خال و خط تو مركز حسن و مدار حسن‌
  • در چشم پر خمار تو پنهان فسون سحر***در زلف بي قرار تو پيدا قرار حسن‌٣
    1. جاء في النسخة البدل: بالروايات الدنيّة.
    2. «فرائد السمطين» ج ۱، الباب ٢٢، ص ۱٣٥؛ و «نظم درر السمطين» للزرنديّ ص ۱۱۱.
    3. يقول: «يا من وجهه كالقمر، أنت ربيع الحسن، و إنّ خالك و خطّك مركز الحسن و مداره.
      تكمن في عيونك الناعسة فتنة السحر، و في ضفائرك المتموّجة يستقرّ الحسن».

معرفة الإمام ج٩

163
  • ماهى نتافت، همچو تو از برج نيكوئى‌***سروى نخاست چون قدت از جويبار حسن‌
  • خرّم شد از ملاحت تو عهد دلبرى‌***فرّخ شد از لطافت تو روزگار حسن‌
  • از دام زلف و دانة خال تو در جهان‌***يك مرغ دل نماند نگشته شكار حسن‌
  • دايم به لطف داية طبع از ميان جان‌***مى‌پرورد به ناز ترا در كنار حسن‌
  • گرد لبت بنفشه از آن تازه و ترست‌***كآب حيات مى‌خورد از جويبار حسن‌
  • حافظ طمع بريد كه بيند نظير تو***ديّار نيست جز رخت اندر ديار حسن‌۱
    1. يقول: «لم يطلع القمر مثل طلعتك من برج الجمال، و لم تبسق شجرة السرو من نهر الحسن كقامتك قد سعد عصرنا الجميل من ملاحتك، و أصبح ميموناً من لطافتك».».
      لم يبق قلب في العالم لم يأسره حسن ضفيرتك و خالك.
      إن حجر الطبيعة دائم اللطف إذ يحتضنك من الأعماق بالغنج و الدلال إلى جانب الحسن.
      إن الارجوان الذي يعلو شفتيك غضّ طريّ إذ يرتشف ماء الحياة من نهر الحسن لقد يئس حافظ أن يرى مثلك. و ليس في ديار الحسن أحد غير محيّاك».

معرفة الإمام ج٩

165
  •  

  •  

  • الدرْسُ الحَادِي و الثَّلَاثُونَ بَعْدَ المِائَة إلى الرَّابِع و الثَّلاثِينَ بَعْدَ المِائَة عِيدُ الغَدِيرِ، عِيدُ الإسْلَامِ الكَبِيرِ وَ يَوْمُ التَّهْنِئَةِ

  •  

  •  

معرفة الإمام ج٩

167
  •  

  •  

  • بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‌

  • و صلّى الله على محمّد و آله الطَّاهرين‌

  • و لعنة الله على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين‌

  • و لا حول و لا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم‌

  • قال الله الحكيم في كتابه الكريم:

  •  

  •  

  • {قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَ آخِرِنا وَ آيَةً مِنْكَ وَ ارْزُقْنا وَ أَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ، قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ}‌.۱

  • يوم غدير خمّ، يوم عيد

  • ما ثَمَر را به حقيقت ز شَجَر يافته‌ايم‌***مى نبرّيم شَجَر را كه ثَمَر يافته‌ايم‌
  • همه جا ناظر حقّيم در أطوار وجود***شكر گوئيم و از اين شُكْر شِكَر يافته‌ايم‌٢
    1. الآيتان ۱۱٤ و ۱۱٥، من السورة ٥: المائدة.
    2. يقول: «نحن ظفرنا بالثمر من شجرة الحقيقة، فلا نقطع شجراً استمتعنا بثمره.
      إنّنا نرى الله تعالى في جميع أرجاء الوجود، و قد حصلنا على الشكر».

معرفة الإمام ج٩

168
  • از دَرِ كعبه درآ در حرم كعبة ما***آنچه دريافته‌ايم از رِه‌۱ دَرْ يافته‌ايم‌
  • تا جگر خون نشوى ره به دَرِ دل نبرى‌***ما ره دل به دو صد خون جگر يافته‌ايم‌
  • هر كرا عيب نشد يافته از بى‌هنرى است‌***عيب ما يافت از آن شد كه هنر يافته‌ايم‌
  • شيخ و زاهد همه زَر يافته در حكمت دين‌***ما در اين فلسفه إكسير نظر يافته‌ايم‌
  • سفر از خلق به حق كن ز ره فكر كه ما***گنج دريافتگان را ز سفر يافته‌ايم‌
  • تا شوى با خبر از خود خبر از خلق مجوى‌***ما در اين بى‌خبرى اصل خبر يافته‌ايم‌٢
    1. إشارة إلى الحديث النبويّ المتواتر عن الشيعة و العامّة: أنَا مَدِينَةُ العِلْمِ وَ عَلِيّ بَابُهَا وَ مَنْ أرَادَ المَدِينَةَ فَلْيَأتِهَا مِنْ بَابِهَا.
    2. يقول: «ادخل في حرم كعبتنا من باب الكعبة، فما ظفرنا به نحن إنّما ظفرنا به من الباب».
      و إنّك لن تستطيع أن تصل باب القلب ما لم تكابد و تعاني، فإنّنا عانينا و كابدنا كثيراً حتّى بلغنا ذلك.
      من لا يدرك عيبه فهو دليل على حرمانه للفنون، و قد وصلنا إلى عيوبنا جرّاء تمتّعنا بالمواهب. إنّ الشيخ و الزاهد و من ماثلهما وجدا الذَّهَب في حكمة الدين أمّا نحن فقد وجدنا إكسير النظر في فلسفة الدين.
      سافر من الخلق إلى الحقّ عن طريق فكرك، فإنّنا وجدنا كنز الواصلين بواسطة السفر.
      تسأل أحداً من الخلق حتّى تخبر عن نفسك، فإنّنا عرفنا أصل الخبر في عدم معرفة الخلق».

معرفة الإمام ج٩

169
  • أي پسر پند نيوش از پدر پير كه ما***دولت عافيت از پند پدر يافته‌ايم‌
  • بر نداريم سر از پاي خُم باده فروش‌***ما نهاديم سر اينجا كه أثر يافته‌ايم‌
  • دَر به دَر عمري ازين خانه به آن خانه شديم‌***تا به خاك در ميخانه مقرّ يافته‌ايم‌
  • شب قدر از نظر خلق نهان آمد و ما***اين شب قدر ز تأثير سحر يافته‌ايم‌
  • قمر از پرتو خورشيد منوّر شد و ما***پرتو مهر درخشان ز قمر يافته‌ايم‌
  • طرفه گويند مسيحا كه خدايش پدر است‌***ما خداوند مسيحا ز پسر يافته‌ايم‌
  • روشن از نورِ على چشم فؤاد است حكيم‌***كه ز خاك قدمش كُحل بصر يافته‌ايم‌۱
    1. يقول: «شمع جمع» لفؤاد كرماني، ص ٢۱٢ و يقول: «يا بُني اسمع نصيحة أبيك الشيخ فإنّنا رزقنا العافية بسماع نصيحة أبينا.
      لن نرفع الرأس عن قدم الساقي و قد وصفنا الرأس هنا لأنّنا وجدنا آثار عملنا هذا بكلّ وضوح. لقد تجوّلنا من بيت إلى بيت ردحاً من أعمارنا، حتّى استقرّ بنا المقام عند تربة الخمّارة.
      إنّ ليلة القدر خافية على الناس، و قد وجدناها هذه الليلة بتأثير من السحر.
      لقد استنار القمر بضياء الشمس، و نحن استضأنا بنور الشمس المضيئة من القمر.
      إنّه لشي‌ء عجاب أن يقول النصارى إنّ الله أبو المسيح، فإنّنا وجدنا ربّ المسيح بواسطة ابنه.
      بصرت عيني بنور عليّ أيّها الحكيم، فوجدنا تراب أقدامه كحلًا للبصر».

معرفة الإمام ج٩

170
  • يَوْمُ الغَدِيِرِ سِوى العِيدَيْنِ لي عِيدُ***يَوْمٌ يَسُرُّ بِهِ السَّادَاتُ وَ الصِّيدُ۱
  • نَالَ الإمَامَةَ فِيهِ المُرْتَضَى وَ لَهُ‌***فِيهِ مِنَ اللهِ تَشْرِيفٌ وَ تَمْجِيدُ٢
  • ***
  • وَ نَاصِبِيّ شَدِيدُ النَّصْبِ قَابَلَني‌***يَوْمَ الغَدِيرِ بِوَجْهٍ غَيْرِ ذي جَذِلِ‌
  • فَقَالَ: قُلْ لي مَا ذَا اليَوْمُ قُلْتُ لَهُ‌***اليَوْمُ عِيدُ أميرِ المُؤْمِنِينَ عَلِي‌٣
  • جاء في «الأمالى» لأبي عبد الله النيسابوريّ، و «الأمالى» للشيخ أبي جعفر الطوسيّ، في خبر عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن الإمام الرضا سلام الله عليه‌ انَّهُ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: حَدَّثني أبي عَنْ أبيهِ أنَّ يَوْمَ الغَدِيرِ في السَّمَاءِ أشْهَرُ مِنْهُ في الأرْضِ. إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى في الفِردُوسِ قَصْراً لِبْنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَ لِبْنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، فِيهِ مِائَةُ ألْفِ قُبَّةٍ حَمْرَاءَ، وَ مِائَةُ ألْفِ خَيْمَةٍ مِنْ يَاقُوتةٍ خَضْرَاءَ، تُرَابُهُ المِسْكُ وَ العَنْبَرُ، فِيهِ أرْبَعَةُ أنْهَارٍ؛ نَهْرٌ مِنْ خَمْرٍ، وَ نَهْرٌ مِنْ مَاءٍ، وَ نَهْرٌ مِنْ لَبَنٍ، وَ نَهْرٌ مِنْ عَسَلٍ، حَوَاليْهِ‌٤ أشْجَارُ جَمِيعِ الفَوَاكِهِ،

    1. صِيْد جمع أصْيَد بمعنى الملك أو الأسد.
    2. «المناقب» لابن شهرآشوب، ج ۱، ص ٥٤۰، الطبعة الحجريّة، و نسبت هذه الأشعار في الكتاب المذكور إلى شاعر لم يعيّن اسمه. و لكن ذكرها صاحب «الغدير» ج ٤، ص ٣۱٩ لأبي الحسن الفنجكرديّ، و أضاف إليها البيتين الآتيين:
      يَقُولُ أحمد خيرُ المرسلين ضُحيً***في مجمعٍ حضرته البيضُ و السُّودُ 
      و الحمد للّه حمداً لا انقضاء له***له الصنائع و الألطاف و الجودُ
    3. «المناقب» لابن شهرآشوب ٥٤۰: ۱.
    4. حَوْل و حَوْلي و حَوَال و حَوَالى، بمعنى الجهات المحيطة بالشي‌ء، يقال: قَعَدَ حَوْلَهُ وَ حَوْلَيْه وَ حَوَالَهُ وَ حَوَاليه أي: قعد في الجهات المحيطة بذلك الشي‌ء أو الشخص. و ينبغي أن نعلم أنّ استعمال لفظ حَوَالِي بكسر اللام الشائع اليوم على الألسنة خطأ. يقولون: مدينة الري حَوَالي طهران. و هذا خطأ، و ينبغي لهم أن يقولوا: حَوَالي طهران. و حَوَالِيّ بكسر اللام و تشديد الياء جمع حَوْليّ بمعنى مُهر الحمار و العجل و ما شابههما، و قد مرّت عليه سنة من عمره.

معرفة الإمام ج٩

171
  • عَلَيْهِ الطُّيُورُ، وَ أبْدَانُهَا مِنْ لُؤْلُؤٍ، وَ أجْنَحتُهَا مِنْ يَاقُوتٍ، تَصُوتُ بِألْوَانِ الأصْواتِ، إذَا كَانَ يَوْمُ الغَديرِ وَرَدَ إلَى ذَلِكَ القَصْرِ أهْلُ السَّمَاواتِ يُسَبحونَ اللهَ وَ يُقَدِّسُونَهُ وَ يُهَلِّلُونَه.

  • فَتَتَطَايَرَ تِلْكَ الطُّيُورُ، فَتَقَعُ في ذَلِكَ الماءِ، وَ تَمَرَّغَ على ذَلِكَ المِسْكِ وَ العَنْبَرِ فَإذَا اجْتَمَعَ المَلائِكَةُ طَارَتْ فَيَنْفُضُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ. وَ إنَّهُمْ في ذَلِكَ اليَوْمَ لِيَتَهادَوْنَ نِثَارَ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ.

  • فَإذَا كَانَ آخِرُ اليَوْمِ، نُودُوا: انْصَرِفُوا إلَى مَرَاتِبِكُمْ! فَقَدْ أمِنْتُمْ مِنَ‌ الخَطَرِ وَ الزَّلَل إلَى قَابِلٍ في هَذَا اليَوْمِ تَكْرِمَةً لِمُحَمَّدٍ وَ عَلِيّ (الخبر).۱ و٢

  • خطبة أمير المؤمنين عليه السلام في فضيلة الغدير

  • و جاء في «مصباح المُتَهجِّد» للشيخ الطوسيّ في خطبة الغدير: إنَ‌

    1. «مناقب ابن شهرآشوب» ج ۱، ص ٥٤۰.
    2. جاء هذا الخبر بحذافيره في «الإقبال» ٤٦۸، و قال في صدر الخبر: روينا بإسنادنا الذي ذكرناه قبل هذا التفصيل إلى الشيخ الموثوق بروايته محمّد بن أحمد بن داود في كتاب «كمال الزيارات» قال: أخبرنا أبو على أحمد بن محمّد بن عمّار الكوفيّ، قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا على بن الحسن بن على بن فضال، عن محمّد بن عبد الله بن زرارة، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، قال: كنّا عند الرضا عليه السلام و المجلس غاصٌّ بأهله فتذاكروا يوم الغدير، فأنكره بعض الناس. فقال الرضا عليه السلام: حدّثني أبي عن أبيه عليهما السلام ثمّ سرد هذه الرواية بالعبارات المذكورة، و جاء في تتمّتها: ثمّ التفت فقال لي: يا ابن أبي نصر أينما كنت فاحضر يوم الغدير عند أمير المؤمنين عليه السلام فإنّ الله تبارك و تعالى يغفر لكلّ مؤمن و مؤمنة و مسلم و مسلمة ذُنوبَ ستّين سنة و يعتق من النار ضعف ما أعتق من شهر رمضان و ليلة القدر و ليلة الفطر. و لدرهم فيه بألف درهم لإخوانك العارفين. و أفضِل على إخوانك في هذا اليوم و سُرَّ فيه كلّ مؤمن و مؤمنة. ثمّ قال: يا أهل الكوفة! لقد اعطيتم خيراً كثيراً و إنّكم لممّن امتحن الله قلبه للإيمان، مستذلّون مقهورون ممتحنون يصبّ البلاء عليهم صبّاً ثمّ يكشفه كاشف الكرب العظيم. و الله لو عرف الناس فضل هذا اليوم بحقيقته لصافحتهم الملائكة في كلّ يوم عشر مرّات.

معرفة الإمام ج٩

172
  • أمِيرَ المؤمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: إنَّ هَذَا يَوْمٌ عَظِيمُ الشَّأنِ، فِيهِ وَقَعَ الفَرَجُ، وَ رُفِعَ الدَّرَجُ وَ صَحَّتِ الحُجَجُ، وَ هُوَ يَوْمُ الإيضَاحٍ وَ الإفْصاحِ عَنِ المَقَامِ الصَّرَاحِ، وَ يَوْمُ كَمَالِ الدِّينِ، وَ يَوْمُ العَهْدِ المَعْهُودِ، وَ يَوْمُ الشَّاهِدِ وَ المَشْهُودِ، وَ يَوْمُ تِبْيَانِ العُقُودِ عَنِ النِّفَاقِ وَ الجُحُودِ، وَ يَوْمُ البَيَانِ عَنِ حَقَائِقِ الإيمَانِ، و يَوْمُ دَحْرِ الشَّيطَانِ، وَ يَوْمُ البُرْهَانِ، هَذَا يَوْمُ الفَصْلِ الذي كُنتُمْ تُوعَدُونَ، هَذَا يَوْمُ المَلَاءِ الأعْلى الذي أنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ، هَذَا يَوْمُ الإرشَادِ وَ يَوْمُ المِحْنَةَ لِلْعِبَادِ، وَ يَوْمُ الدَّلِيلِ على الرُّوَّادِ، هذَا يَوْمٌ أبْدَى خَفَايَا الصُّدُورِ وَ مُضْمَرَاتِ الامُورِ، هَذَا يَوْمُ النُّصُوصِ على أهْلِ الخُصُوصِ، هَذَا يَوْمُ شَيْثٍ، هَذَا يَوْمُ إدْرِيسَ، هَذَا يَوْمُ يُوشَعَ، هَذَا يَوْمُ شَمْعُونَ.۱ هَذَا يَوْمُ الأمْنِ المَأمُونِ، هَذَا يَوْمُ إظهَارِ المَصُونِ مِنَ المكْنُونِ، هَذَا يَوْمُ إبلَاءِ السَّرَائِرِ.

  • فَلَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ: هَذَا يَوْمُ هَذَا يَوْمُ ...

  • فَرَاقِبُوا اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ، وَ اتَّقُوهُ وَ اسْمَعُوا لَهُ وَ أطِيعُوهُ! وَ احْذَرُوا المَكْرَ وَ لَا تُخَادِعُوهُ! وَ فَتِّشُوا ضَمَائِرَكُمْ وَ لا تُوَارِبُوهُ وَ تَقَرَّبُوا إلى اللهِ تَعَالَى بِتَوْحِيدِهِ وَ طَاعَةِ مَنْ أمَرَكُمْ أنْ تُطِيعُوهُ! وَ لَا تُمَسِّكُوا وَ لَا يَجْنَحْ بِكُمُ الغَيّ فَتَضِلُّوا عَنْ سَبِيلِ الرَّشَادِ بِاتِّبَاعِ اولَئِكَ الَّذِينَ ضَلُّوا وَ أضَلُّوا.

  • قَالَ اللهُ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ في طَائِفَةٍ ذَكَرَهُمْ بِالذَّمِّ في كِتَابِهِ:

  • {إنَّآ أطَعْنَا سَادَتَنَا وَ كُبَرَآءَنَا فَأضَلُّونَا السَّبِيلا، رَبَّنَا ءَاتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَ الْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيرًا}.٢ وَ قَالَ تَعَالَى:

    1. ذكر ابن شهرآشوب هذا المقدار من الخطبة في «المناقب» ج ۱، ص ٥٤۰. و ذلك من وسطها. و هذه الخطبة طويلة جدّاً في كتاب «مصباح المتهجّد» للشيخ الطوسيّ. و شغلت خمس صفحات كبيرة من الكتاب المشار إليه، تسع كلّ صفحة واحداً و عشرين سطراً.
    2. الآيتان ٦۷ و ٦۸، من السورة ٣٣: الأحزاب.

معرفة الإمام ج٩

173
  • {وَ إذْ يَتَحَآجُّونَ في النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً؛ فَهَلْ أنتُم مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللهِ مِن شَيْ‌ءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللهُ لَهَدَيْنَاكُمْ}.۱

  • أ فَتَدْرُونَ الاسْتِكْبَارَ مَا هُوَ؟ هُوَ تَرْكُ الطَّاعَةِ لِمَنْ امِرُوا بِطَاعَتِهِ وَ التَّرَفُّعُ على مَنْ نُدِبُوا إلى مُتَابَعَتِهِ وَ القُرْآنُ يَنْطِقُ مِنْ هَذَا عَنْ كَثِيرٍ، إنْ تَدَبَّرَهُ مُتَدَبِّرٌ زَجَرَهُ وَ وَعَظَهُ ... إلى آخر الخطبة.٢

    1. تركيب من الآية ٤۷، من السورة ٤۰: غافر، و الآية ٢۱، من السورة ۱٤: إبراهيم.
    2. «مصباح المتهجّد» ص ٥٢٤ إلى ٥٢٩. و قال قبل بيان الخطبة: أخبرنا جماعة عن أبي محمّد هارون بن موسى التلعكبريّ: قال: حدّثنا أبو الحسن علىّ بن أحمد الخراساني الحاجب في شهر رمضان سنة ٣٣۷: قال: حدّثنا سعيد بن هارون أبو عمر المروزيّ و قد زاد على الثمانين سنة: قال: حدّثنا الفيّاض بن محمّد بن عمر الطوسيّ بطوس سنة ٢٥٩ و قد بلغ التسعين أنّه شهد أبا الحسن عليّ بن موسى الرضا عليهما السلام في يوم الغدير و بحضرته جماعة من خاصّته و قد احتبسهم للإفطار، و قد قدّم إلى منازلهم الطعام و البرّ و الصلات و الكسوة حتّى الخواتيم و النعال، و قد غير من أحوالهم و أحوال حاشيته، و جدّدت له آلة غير الآلة التي جرى الرسم بابتذالها قبل يومه، و هو يذكر فضل اليوم و تقدّمه. فكان من قوله عليه السلام: حدّثني الهادي أبي عن جدّي الصادق، قال: حدّثني أبي الباقر عن سيّد العابدين، عن أبيه الحسين، قال: اتّفق في بعض سنين خلافة أبي الجمعة و الغدير. فصعد المنبر على خمس ساعات من نهار ذلك اليوم، فحمد الله و أثنى عليه حمداً لم يُسْمَع بمثله، و أثنى عليه ثناءً لم يتوجّه إليه غيره. فكان ما حُفِظَ من ذلك: الحمد للّه الذي جعل الحمد من غير حاجةٍ منه إلى حامديه طريقاً من طريق الاعتراف بلاهوتيّته و صَمَدانيّته و ربّانيّته و فرقانيّته ... إلى آخر الخطبة الحاوية على أنفس المعارف و الحكم، و بيان حقيقة يوم عيد الغدير.
      و نقل السيّد ابن طاووس رضوان الله عليه هذه الخطبة بتمامها مع مقدّماتها المتمثّلة بكلمات الإمام الرضا عليه السلام، و ذلك بسنده المتّصل عن الشيخ الطوسيّ («الإقبال» ص ٤٦۱ إلى ٤٦٤).

معرفة الإمام ج٩

174
  • قال الفَنْجْكِرْديّ:

  • لَا تُنْكِرَنَّ غَديرَ خُمٍّ إنَّهُ‌***كَالشَّمْسِ في إشْرَاقِهَا بَلْ أظْهَرُ
  • فِيهِ إمَامَةُ حَيْدَرٍ وَ كَمَالُهُ‌***وَ جَلَالُهُ حتّى القِيَامَةِ تُذْكَرُ۱
  • أبيات البشنويّ الكرديّ حول عيد الغدير

  • و قال البشنويّ:

  • يَوْمُ الغَدِيرِ لِذي الوَلَايَةِ عِيدُ***وَ لَدَي النَّواصِبِ فَضْلُهُ مَجْحُودُ
  • يَوْمٌ يُوَسَّمُ في السَّمَاءِ بِأنَّهُ‌***العَهْدُ وَ فِيهِ ذَلِكَ المَعْهُودُ
  • وَ الأرْضُ بِالميراثِ أضْحَتْ وَ سْمَهُ‌***لَوْ طَاعَ مَوْطُودٌ وَ كَفَّ حَسُودُ٢
  • و قال هذا الشاعر أيضاً:

  • وَ قَدْ شَهِدُوا عِيدَ الغَديرِ وَ اسْمِعُوا***وَ قَالَ رَسُولِ اللهِ مِنْ غَيرِ كِتْمَانِ‌
    1. «المناقب» لابن شهرآشوب ج ۱، ص ٥٤۰. و فَنْجْكِرْد بفتح الفاء و سكون النون و الجيم، و كسر الكاف و سكون الراء قرية من نواحي نيسابور. و كان الفنجكرديّ من شعراء أهل البيت في القرن السادس. اسمه الشيخ أبو الحسن عليّ بن أحمد، و وردت ترجمته و أشعاره في «الغدير» ج ٤، ص ٣۱٩ إلى ٣٢٥.
    2. «المناقب» لابن شهرآشوب ج ۱، ص ٥٤۰؛ و «الغدير» ج ٤، ص ٣٤. و قائلها هو البَشْنَويّ الكُرديّ من أعلام القرن الرابع. كان من المتضلّعين في التشيّع، و من مادحي العترة الطاهرة، و له أشعار اخرى في عيد الغدير، و هي راقية جدّاً، منها قوله:
      وَ قَدْ شَهِدُوا عِيدَ الغَديرِ وَ اسْمِعُوا***مقَالَ رَسُولِ اللهِ مِنْ غَيْرِ كِتْمَانِ 
      أ لَسْتُ بِكُمْ أوْلى مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ***فَقَالُوا: بَلي! يَا أفْضَلَ الإنْسِ وَ الجَان 
      إلى آخر أبياته الواردة في المتن.

معرفة الإمام ج٩

175
  • أ لَسْتُ بِكُمْ أوْلَى مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ‌***فَقَالُوا: بَلى! يَا أفْضَلَ الإنْسِ وَ الجَانِ‌
  • فَقَامَ خَطيبَاً بَيْنَ أعْوَادِ مِنْبَرٍ***وَ نَادَى بِأعْلَى الصَّوْتِ جَهْرَاً بِإعْلَانِ‌
  • بِحَيْدَرَةٍ وَ القَوْمُ خُرْسٌ أذِلَّةٌ***قُلوبُهُمْ مَا بَيْنَ خَلْفٍ وَ عَيْنَانِ‌
  • فَلَبَّى مُجِيبَاً ثمَّ أسْرَعَ مُقْبِلًا***بِوَجْهٍ كَمِثْلِ البَدْرِ في غُصْنِ البَانِ‌
  • فَلَاقَاهُ بِالتَّرْحِيبِ ثمَّ ارْتَقَى بِهِ‌***إليه وَ صَارَ الطُّهْرُ لِلْمُصْطَفى ثَانِ‌
  • وَ شَالَ بِعَضْدَيْهِ وَ قَالَ وَ قَدْ صَغَى‌***إلَى القَوْلِ أقْصَى القَوْمِ تَاللهِ وَ الدَّانِي‌
  • عَلِيّ أخِي لَا فَرْقَ بَيْني وَ بَيْنَهُ‌***كَهَارُونَ مِنْ موسى الكَلِيمِ بْنِ عِمْرَانِ‌
  • وَ وَارِثُ عِلْمي وَ الخَلِيفَةُ في غَدٍ***عَلَى امَّتي بَعْدِي إذَا زُرْتُ جُثْماني‌
  • فَيَا رَبِّ مَنْ وَالَى عَلِيَّاً فَوَالِهِ!***وَ عَادِ الذي عَادَاهُ وَ اغْضِبْ على الشَّاني‌۱
    1. «المناقب» لابن شهرآشوب ج ۱، ص ٥٣٤؛ و «الغدير» ج ٤، ص ٣٤. و جاء في البيت الخامس المذكور في «المناقب» فَلَبَّى مُجيباً. و في «الغدير» قَلَبَّ مجيباً. و في البيت الأخير في «المناقب»: *** وَ دان مَدانيهِ لا تنصر الشاني *** ؛ و في «الغدير»: *** و عاد الذي عاداه و اغضب على الشاني *** .

معرفة الإمام ج٩

176
  • أجل، يقال لعيد الغدير عيد، لأنّ الذكريات و القضايا المهمّة قد وقعت في ذلك اليوم غدير خمّ، من خطبة رسول الله، و أخذه بضبعي عليّ حتّى بان بياض إبطيهما، و تعريفه للناس، ثمّ الأمر بالسلام عليه بلفظ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أمير المؤمنين بعد نصبه في خلافة رسول الله، و إعطائه الولاية الإلهيّة الكلّيّة، و نزول آية إكمال الدين و إتمام النعمة، و آية التبليغ و انقياد المخالفين و تسليمهم أمام تلك العظمة و الابّهة الحقيقيّة و الظاهريّة، ثمّ مخالفتهم بعد وفاة رسول الله، و أخيراً ما تركته من نتائج سريعة، كلّ ذلك يرتبط بيوم عيد الغدير، و يعود إليه، و يدلّ عليه، و تهطل تلك البركات النازلة على أهله.

  • معنى العيد في اللغة و في اصطلاح الناس‌

  • ذلك أنّ كلمة العيد من عَوَدَ بمعنى عاد. و قال في «أقرب الموارد»:

  • العيد: الموسم، و كلّ يوم فيه جمع أو تذكار لذي فضل، و قيل: حادثة مهمّة. و قال ابن الأعرابي: لأنّه يعود كلّ سنة بفرح مجدّد.

  • و كان أصل كلمة عِيْد، عِوْد. قلبت الواو ياءً لسكونها بعد كسرة، فصارت عيداً، و الجمع أعْياد، و التصغير عُيَيْد، و قد بنوه من معتلّ، إمّا لأنّ واحدهُ عيد، أو لوجود الفرق بينه، و بين العُود بمعنى الخشب، و جمعه أعوَاد و تصغيره عُوَيْد. و قال في أصل المادّة: عَادَ إلى كَذَا يَعُودُ عَوْداً وَ عَوْدَةً وَ معاداً، و قيل: عاد بعد الإعراض و الانصراف.

  • و ورد هذا الكلام أيضاً في «صحاح اللُّغَة» و «المِصْباح المنير». و أضاف في «المصباح» قوله: عَيّدتُ تَعييداً، أي: شهدت العيد.

  • و بعد أن علمنا معنى العيد في اللغة، ننتقل إلى معناه المصطلَح عليه عند الناس و الطوائف و المِلَل و النِّحَل. فبأيّ معنى يستعمل هؤلاء كلمة العيد؟ و نقول توضيحاً لهذا المطلب: إنّ هناك شيئاً خاصّاً له أهمّيّته عند كلّ طائفة و جماعة، و كلّ شعب، و مذهب مثل الذكرى السنويّة لواقعة

معرفة الإمام ج٩

177
  • و حادثة ما إذ تتجدّد في كلّ سنة من أجل تكريمها و الإشادة بروحها و معناها، و يعيشون الفرح و السرور في الاحتفال بتلك الواقعة. و على الرغم من أنّ الواقعة المذكورة قد مضت، بَيدَ أنّهم يقتربون إليها بأرواحهم من خلال تخليدها و إحياء ذكرياتها العالقة في الأذهان، و يمتّعون بذلك أنفسهم.

  • و لما كان طلّاب الدنيا لا يبتغون إلّا الوصول إلى المنافع الدنيويّة لا غير، لذلك يعيّدون عند ظهور ظاهرة دنيويّة، فالملوك يعيّدون و يبتهجون بعد تسيير الجيوش و إراقة الدماء و التمكّن من الخصم، و التسلّط على الشعوب التي خطّطوا للسيطرة عليها، و يشيّدون أقواس النصر، و يجدّدون ذكرى ذلك الانتصار في كلّ عام.

  • و كان الفرس القدماء يتّخذون النوروز عيداً لاعششاب الأرض، و اخضرار الأشجار، و حلول فصلٍ تضحك فيه الأرض بعد انقضاء فصل الخريف و الشتاء فإذا هي أنضر يوماً بعد آخر.

  • و هذا منطق يتشدقّ به من لا شغل له بالمعنويّات و الروحانيّات، إذ يرى القيم الإنسانيّة في المادّة و الخضرة فحسب. و في الحقيقة ما هو الفرق بين هذا العيد و عيد البهائم التي تبتهج و تنتعش في فصل الربيع، و ترعى في الحقول و المروج و المراتع، بعد أن كانت كئيبة و متعبة في فصل الشتاء؟

  • فهي على ذلك النمط، و الإنسان على هذا النمط. و الحقيقة واحدة، لكنّها للبهائم بذلك الشكل، و للإنسان بهذا الشكل.

  • السيّد ابن طاووس رضوان الله عليه يعيّد في يوم بلوغ ولده‌

  • نقرأ في كتاب «كشف المحجّة» للسيّد ابن طاووس أنّه لم يعيّد و لم يحتفل في يوم ميلاد ولده، بل كان يعيّد و يحتفل في يوم بلوغه و تشرّفه بشرف التكليف، إذ تأهّل لخطاب الله، و جرى عليه قلم التكليف.

  • قال في الفصل الثالث و المائة: فإذا وصلت إلى الوقت الذي يشرّفك الله‌

معرفة الإمام ج٩

178
  • جلّ جلاله يا ولدي محمّد بكمال العقل، و هو جلّ جلاله أهل من استصلحك لمجالسته و مشافهته و دخول مقدّس حضرته لطاعته، فليكن ذلك الوقت عندك مؤرّخاً محفوظاً من أفضل أوقات الأعياد، و كلما أوصلك عمرك المبارك إليه في سنة من السنين فجدّد شكراً و صدقات و خدمات لواهب العقل الدالّ لك على شرف الدنيا و المعاد. و أعلم أني أحضرت اختك (شرف الأشراف) قبل بلوغها بقليل، و شرحت لها ما أحتمله من حالها من تشريف الله جلّ جلاله لها بالإذن لها في خدمته جلّ جلاله بالكثير و القليل و قد ذكرت الحال في كتاب «البَهْجَةَ لِثَمَرَةِ المُهْجَة».

  • الفصل الرابع و المائة: و إن بقيتُ حيّاً على ما عوّدني الله جلّ جلاله من رحمته و عنايته، فإنّني أجعل يوم تشريفك بالتكليف عيداً أتصدّق فيه بمائة و خمسين ديناراً، عن كلّ سنة بعشرة دنانير، إن كان بلوغك بالسنين، و أشتغل بذلك في خدمته. و إنّما هو ماله جلّ جلاله و أنا مملوك و أنت عبده! فتحمل إليه من ماله ما يريد أن تحمله لجلاله.۱

    1. ص ۱٢٤ و ۱٢٥، الفصلان ۱۰٣ و ۱۰٤ من الطبعة الحجريّة. و سمّى السيّد ابن طاووس كتابه «كَشْفُ المحجّة لِثَمَرَةِ المُهْجَة»، أو «إسْعَادُ ثَمَرَةِ الفُؤادِ على سَعَادَةِ الدُّنيا وَ المَعَادِ»، أو «كَشْفُ المحجَّة بِأكُفِّ الحُجَّة»، كما قال ذلك في الفصل الثالث عشر من هذا الكتاب. و كذلك قال في الفصل التاسع منه إنّ عمره دخل سنة ٦٤٩ ه، و لما دخل يوم النصف من محرّمها قبيل الظهر، يكون ابتداء دخوله في سنة إحدى و ستّين من عمره لأنّه ولد قبل ظهر يوم الخميس نصف محرّم سنة ٥۸٩ في بلدة الحلّة السيفيّة، و كان ولده محمّد قد أكمل ستّ سنوات من عمره، و دخل في السنة السابعة منه. و أتمّ ولده عليّ سنتين من عمره و دخل في الثالثة. و اتّخذ هذا الكتاب طابع الوصيّة لولديه محمّد و عليّ و من عساه ينتفع به من جماعته و ذوي مودّته، مع أنّ الخطاب فيه معنون إلى ولده محمّد: يا ولدي محمّد! فلهذا يحترم الشيعة هذا الكتاب و يقدّرونه تقديراً تامّاً، و يحتفظ به العلماء العاملون و الطلّاب الأفاضل في جيوبهم، و يحملونه معهم في حلّهم و ترحالهم. و أوصاني خال والدي المرحوم آية الله الميرزا محمّد الطهراني أن أحمل هذا الكتاب في جيبي دائماً.

معرفة الإمام ج٩

179
  • بَيدَ أنّ الأديان السماويّة وضعت الأعياد لأتباعها على أساس القيم الإنسانيّة، و بلوغ الأهداف الإيمانيّة، و الخروج من ربقة الشرك، و التحرّر من كُبول المتجبرين و الطغاة الذين سخّروا الناس لتنفيذ مآربهم و استغلّوهم لمصالحهم الاستكباريّة.

  • معنى عيد الفطر وعيد الاضحى 

  • و في الدين الإسلاميّ المقدّس عيدان هما الفطر و الأضحى. أمّا عيد الفطر فقد شُرِّع بسبب إعراض الناس عن الإفراط في الشهوات خلال شهر واحد هو شهر رمضان، إذ صاموا أيّامه، و قاموا لياليه، و ارتقت الحالة الروحانيّة و المعنويّة فيهم من خلال ما عملوه من الصالحات أكثر من سائر الأيّام كالإنفاق في سبيل الله، و تلاوة القرآن الكريم أكثر، و العزوف عن المحرّمات و المكروهات، و تطهير النفس الأمّارة و تزكيتها، و تيسّر لهم التخفّف و التجرّد و إمكان العروج إلى عوالم القدس، لأنّ الطعام، و الشهوة، و الغضب مفاتيح جهنّم و مقاليد سلطة الشيطان. و في هذا الشهر، جعل الله الجوع و العطش مائدته السماويّة لضيوفه، و يستبين أنّها أفضل تحفة من ربّ الأرباب.

  • اندرون از طعام خالى دار***تا در آن نور معرفت بيني‌۱
  • و ينبغي أن نتّخذ ذلك اليوم عيداً، و نستلم عيديّتنا من الله الكريم الرحيم في هذا الوقت الذي هو وقت الحصول على النتيجة و الأجر. بَيدَ أنّ الاحتفال بالعيد لا يعنى العزف و الضرب على الطبول، و لا يعني تناول الحلويّات و ارتداء الملابس الملوّنة، و لا التنزّه البهيمي، بل يعني درجة عليا من التزكية و التطهير، و صقل أفضل للنفس كي تستعدّ للبركات و نزول‌

    1.  
      ۱ يقول: «أخْلِ جوفك من الطعام، لترى فيه نور المعرفة».

معرفة الإمام ج٩

180
  • الموائد السماويّة.

  • و يستحبّ في ليلة عيد الفطر غسلان: أحدهما في أوّل الليل، و الثاني في آخره. و تلك الليلة هي ليلة الإحياء، أي: الانشغال بالعبادة و القيام و الذكر، ذكر المحبوب و المعشوق الأزلي و الحبيب السرمديّ. و يستحبّ الغسل في يوم العيد أيضاً.

  • و نشهد في يوم العيد الذهاب إلى صلاة العيد، و إقامتها في الصحراء مع جميع الناس، و أداءها بكيفيّة خاصّة، في ركعتين و تسعة قنوتات، و إطلاق اللسان بذكر التهليلات: اللهُ أكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، لَا إله الَّا اللهُ وَ اللهُ أكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، وَ لِلَّهِ الحَمْدُ، وَ الحَمْدُ لِلَّهِ على مَا هَدَانَا وَ لَهُ الشُّكْرُ على مَا أوْلَانَا.

  • و أمّا عيد الأضحى، فقد شُرّع بسبب ترك الناس بيوتهم و أوطانهم و مكاسبهم و أعمالهم وصيتهم و جاههم و جميع ما يتعلّقون به عشقاً للقاء وجه الله. و يتوجّهون شطر المسجد الحرام من كلّ فجّ عميق، و يؤدّون المناسك من طواف و سعي و وقوف في عرفات خارج الحرم، ثمّ الدخول في الحرم و المشعر، و يستريحون في المزدلفة ليلًا بإذن الدخول الذي حصلوا عليه من الله، ثمّ يأتون إلى مِنى، و يرجمون الشيطان سبعاً، و ينحرون، و يحلِّقون، و هم حفاة حاسرو الرءوس في هذه المدّة يبحثون عن الحبيب و يتحرّون.

  • و من المناسب أن يعيّدوا و يبتهجوا عند خروجهم من الإحرام شكراً للّه على قبول هذه الأعمال الشاقّة. و المُلذّة في آنٍ واحد. ثمّ يحمدوا الله و يتهيّأوا لمراسم العيد التي تمثّل ذكراً للّه و تطهيراً أكثر، و يؤدّوا صلاة العيد، و يطلقوا ألسنتهم بالتقديس و التمجيد الإلهيّ، و بيان جمال الله و جلاله، و النطق بمحاسنه و مواطن جماله، و إعلان الوحدة، و توحيد الذات‌

معرفة الإمام ج٩

181
  • و الأسماء و الصفات و الأفعال في العالم، و القول: اللهُ أكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، لَا إله الَّا اللهُ وَ اللهُ أكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ وَ لِلَّهِ الحَمْدُ، اللهُ أكْبَرُ على مَا رَزَقَنَا مِنْ بَهيمَةِ الأنْعَامِ، الحَمْدُ لِلَّهِ على مَا أبْلَانَا.

  • و ليس الحجّاج فحسب، بل إنّ كافّة المسلمين في شتّى بقاع العالم ينبغي أن يبتهجوا بهذه الموهبة العظمى التي حازها إخوانهم في تلك المواقف الكريمة، و ينحروا بعد الأعمال التي قاموا بها في ذي القعدة و الأيّام العشرة الاولى من ذي الحجّة، و يقيموا صلاة العيد، و يذهبوا إلى الصحراء حفاة مع الإمام من أجل الجماعة.

  • إن يوم الجُمُعَة عيد أيضاً لأنّه يوم اجتماع الناس لصلاة الجمعة، و سماع الخطبتين، و التطهير. و لذلك سمّاه الله بهذا الاسم: الجُمُعَة، أي: يوم اجتماع الامّة الإسلاميّة و تلاحمها. و كان يقال له قبل الإسلام: يَوْمُ العُرُوبَةِ. و أوجب الإسلام صلاة الجمعة وجوباً عينيّاً تعينيّاً في كلّ زمان إلى يوم القيامة، و لعن تاركها. و لكن شرط صحّتها، الجماعة و إشراف و إمامة الإمام العادل أو المنصوب من قبله. فالإمام هو الذي يقيمها عند حضوره. و في زمن الغيبة، يقيمها الفقيه العادل الجامع للشرائط القائم بمهامّ الإمام بأدلّة النيابة العامّة.

  • إن صلاة الجمعة واجبة وجوباً مطلقاً لا وجوباً مشروطاً كالحجّ المشروط وجوبه عند الاستطاعة، بل هي كصلاة الظهر من حيث الطهارة و الغسل و الوضوء. لذلك فإنّ الإمام و حاكم الشرع هو شرط الانعقاد و الصحّة و الشرط الواجب لا شرط الوجوب. فلهذا إذا كان الإمام في الغيبة، و لم تكن للفقيه الجامع الشرائط قدرة على الحكومة، إذ يعيش في التقيّة، فإنّ الناس جميعهم آثمون لترك صلاة الجمعة، لأنّهم يتركون صلاة عينيّة تعيينيّة لها أهمّيّتها الفائقة.

معرفة الإمام ج٩

182
  • و يجب على اولئك كلّهم النهوض و تأسيس الحكومة الإسلاميّة ليظهر الإمام النائب، أو يصبح الفقيه مبسوط اليد بعد أن كان مقبوضها، و يتمكّن من إجراء الحدود، و الذبّ عن ثغور الإسلام. و من واجبات الحاكم إقامة صلاة الجمعة في نطاق حكومته.

  • إن الأشخاص الذين لا يقيمون صلاة الجمعة في زمن الحكومة الجائرة يعذّبون لعدم تأسيسهم حكومة إسلاميّة تُقام صلاة الجمعة في ظلها. و إذا لم يتوفّر الحاكم المطلوب، فإنّ صلاتهم غير صحيحة، و مرفوضة.

  • من هذا المنطلق، فإنّ يوم الجمعة هو يوم العيد و الاجتماع، و يطهُرُ الناس فيه، و يخرجون من الأخطاء و الذنوب التي ارتكبوها طيلة الاسبوع، و يستجاب الدعاء في ذلك اليوم. و تحظى ليلة الجمعة أيضاً بأهمّيّة و خصوصيّة للتهيّؤ و الاستعداد للقيام بواجبات نهارها. و تتميّز هذه الليلة عن سائر الليالى.

  • عيد الغدير أفضل الاعياد

  • أمّا عيد الغدير فهو من أشرف الأعياد و أفضلها بسبب ربط الامَّة بالإمام، و اتّحاد قلوبهم بالولاية، و الورود في سلك السالكين، و السائرين على طريق المودّة و المحبّة و الإيثار و الإنفاق، و العقل و الشعور، و اتّساع النور الربّاني، و النفحات القدسيّة السبحانيّة، و ارتباط الملك بالملكوت.

  • إن عيد الغدير هو يوم العبوديّة و التسليم أمام الحقّ، و الخروج من فرعونيّة النفس الأمّارة، و إلقاء حبل ذلّ الرقِّيَّة للّه، و الإقرار و الاعتراف بمفردة خاصّة من مفردات عظمته، و وضع القدم في صراط الإيقان المستقيم، و الخطو خطوة راسخة على طريق ترك الرسميّات، و التحلي بالحقّ و الحقيقة و الموضوعيّة خالصاً و تاركاً للرسميّات و الخروج من زمرة البهائم، و الالتحاق بصفّ البشر.

  • إن عيد الغدير هو إستجابة النبي الأكرم لنداء القدّوس السبّوح‌

معرفة الإمام ج٩

183
  • بحصر الولاية في القرآن الكريم في قوله: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ‌}، و الإقرار القلبيّ بكلام نبيّه الأعظم: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ‌، و التفيّؤ بأفياء دعائه: اللهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ، و الفرار من دعائه المدمِّر: وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ، و استقبال قوله: وَ انْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ‌، و استدبار كلامه: وَ اخْذلْ مَنْ خَذَلَهُ.

  • إن عيد الغدير هو النظر إلى الجمال الملكوتيّ لمولى الموالي أمير المؤمنين عليه السلام و هو على يدي النبيّ المعظّم بعد أن ارتقى المنبر المؤلّف من أحداج الإبل، تحت شجيرات السَّمرات في وادي الجُحْفَة في غدير خمّ، و هو عَرْضُ الولاية على كافّة الناس، و نزول الملكوت، و الجبروت في عالم الملك هذا منادياً: يا أعداء عليّ! و يا خصوم أهل البيت الذين طالما آذيتم رسول الله بشكاواكم من عليّ! اعلموا: أنّ عليّاً لا يليق بشأنه أن يُؤذَى و يُشْكَى.

  • هو والى الولاية، و هو الطير الوحيد المحلّق في سماء العرفان، و الملاك المقرّب في قصر العرفان. و هو أقرب منكم إلى نفوسكم، و أولى بها منكم. و هو سيّدكم و أميركم و رئيسكم و قائدكم تكويناً و تشريعاً!

  • لقد عرض النبيّ عليّاً على الناس ليروه كلّهم، كما فعلت زليخا إذ عرضت يوسف على نساء مصر، و هي تقول لهنّ: أيّتها النسوة اللائي لُمنني في حبّ هذا الفتى، و قلن: أنتِ امرأة عزيز مصر، و ملكة الوجاهة و الجمال، أ ليس من الضياع أن تُفْتَنِي بهذا الفتى المجهول و هو عبدكِ و غلامكِ؟!

  • ودعت زليخا نساء مصر، و أجلستهن في بيت له بابان، و آتت كلّ واحدةٍ منهنّ كبّادة و سكّيناً، و قالت لهنّ: سيأتي يوسف، و يعبر من هنا، و من شروط الأدب التي ينبغي أن تراعينّها أنّه إذا أقبل و رأيتنّه، فلتقطع كلّ واحدة منكنّ قطعة معطّرة من هذا الكبّاد، و تجامله بها على سبيل‌

معرفة الإمام ج٩

184
  • الهديّة!

  • و أدخلت زليخا يوسف من أحد البابين، فعبر من أمام النسوة المصريّات، و خرج من الباب الآخر. و ما إن وقعت عيونهنّ على ذلك الجمال الذي هو قبس من جمال الحقّ تعالى. و أردن أن يقطعن الكَبَّاد، ليجاملنه به، دُهِشْنَ و ذُهِلْن فلم يميّزن بين اليد و الكَبّاد، فقطّعن أيديهنّ مكان الكَبّاد، و سال الدم من غير أن يشعرن به.

  • گرش ببينى و دست از ترنج بشناسي‌***روا بود كه ملامت كنى زليخا را۱
  • و لمّا خرج يوسف، قالت زليخا للنسوة: ما بكنّ؟ ما خطبكنّ؟

  • ما دهاكنّ؟ ما لكنّ قد أدميتنّ أثوابكنّ البيضاء و لِمَ قطّعتنّ أيديكنَّ؟ و نظرن إلى أيديهنّ و أثوابهنّ و قلن: {حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ}‌.٢

  • و قالت زليخا: {فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ‌}.٣ ذلك الفتى الذي هو عبدنا و غلامنا، و قد لمتنّني فيه!

  • و رفع النبيّ عليّاً على يده ليراه جميع الناس، و يعلموا أنّه ذلك الفتى الذي كانوا يُسيئون القول فيه، و أنّ أضغانهم و أحقادهم البَدريَّة و الحُنَيْنيَّة، و غيرها، لم تسمح لهم أن يخضعوا أمامه مسلّمين طائعين، فيقرّوا بابّهته و جلالته و شرفه و منزلته العظيمة في شجاعته و علمه و عرفانه و إيثاره، و حالاته الروحيّة، و جَذَباته السبحانيّة و غيرها، إذ كان حسدهم القديم المتأصل يحول دون تطويعهم أنفسهم لطاعته، و ها هو يُعْرَض على يَدَي خاتم‌

    1. يقول: «لو رأيته و استطعت أن تميّز يدك من الكبّاد، لجاز لك أن تلوم زليخا».
    2. من الآية ٣۱، من السورة ۱٢: يوسف.
    3. من الآية ٣٢، من السورة ۱٢: يوسف.

معرفة الإمام ج٩

185
  • الأنبياء و المرسلين و سيّد وُلْدِ آدم، و شفيع الأنبياء الماضين و الشاهد عليهم في عرصات القيامة. و قد انطوت نفسه على الإسلام و الإيمان، و لا يقبل عمل إلّا باتّباعه، و الاقتداء بنهجه و سنّته. و هو قسيم الجنّة و النار. و هو ميزان العدل و الإنصاف. و هو مخزن الأسرار و كنز المعرفة. و هو الذي أولى بكلّ مؤمن من نفسه و أقرب إليه منها. و هو حامل القرآن. و هو الفرقان بين الحقّ و الباطل. و هو المكلّف بالحرف على تأويل كتاب الله، كما كان النبيّ مكلّفاً بها على تنزيله. و هو صاحب اللواء لدفع و قمع الناكثين و القاسطين و المارقين. و هو الشهيد في محراب العبادة في بيت الله كما كان ميلاده في بيت الله.

  • إن عيد الغدير معرض لهذه التجلّيات، و بروز هذه الحقائق و إبرازها، و ظهورها و إظهارها.

  • و من هذا المنطلق اقتضت عناية الله أن يشتهر حديث الغدير في الآفاق، و يجري ذكره على ألسن الناس. و يصبح يوم الغدير موسماً مهمّاً ليكون حجّة قائمة لأتباع إمام الحقّ و مُقتَدَى الامّة. فلهذا كان الأئمّة الطاهرون عليهم السلام يواظبون على إحياء هذه الواقعة، و الاحتجاج بها على المناوئين. و تأسّى بهم الأصحاب العظام الكرام، و التابعون ذوو العزّة و الاحترام، و علماء السَّلَف، خلفاً عن خلف، فأحيوها في المجالس و المحافل و الاجتماعات من خلال ذكر الأشعار و القصائد النابضة على الرغم من مرور الدهور و كرور الأيّام، و أودعوها الأجيال القادمة غضّة طرّية.

  • أئمّة الشيعة و شيعتهم يحيون عيد الغدير

  • و أمر الأئمّة المعصومون سلام الله عليهم أجمعين شيعتهم بالفرح و السرور و التهنئة و التبريك و التسليم و الصوم و الإنفاق في هذا اليوم. و كانوا يتعاملون معه بوصفه عيداً.

معرفة الإمام ج٩

186
  • و بالأخصّ تجتمع طائفة الإماميّة في هذا اليوم اجتماعاً عظيماً عند مرقد سيدنا أمير المؤمنين عليه السلام بالنجف الأشرف. و زيارة الغدير من الزيارات المخصوصة للإمام. و يجتمع رجال الشيعة من شتّى القبائل و الحواضر حول قبره قادمين من مختلف الأرجاء البعيدة و القريبة، و يقرؤون زيارته المخصوصة المرويّة عن الأئمّة الطاهرين، و الحاوية على جميع الكمالات، و المبيّنة لكافّة مقاماته و درجاته، و يتحدّثون بالحجج الدامغة من الكتاب و السنّة لدفع المناوئين.

  • و يعتبر يوم الغدير عيداً رسميّا في جميع المدن، و حتّى القرى و القصبات، و يحترم ملايين المسلمين شيعتهم و سنّتهم هذا اليوم، و ينشغلون فيه بالآداب العباديّة و الامور الحِسبيّة و القُربيّة.

  • إن سنّة الاحتفال و التعييد في يوم الغدير قد خلّدت هذه القصّة، و رسخّت نصّ الغدير و أرست دعائمه، و سلّمه الأوّلون للأجيال القادمة. و إنّ السهر للعبادة في ليلة الغدير، و صِلَة الأرحام و الضعفاء، و التوسيع على العيال، و التزيّن، و ارتداء الملابس الجديدة و الأثواب النظيفة، و الإحسان و البرّ، و توسيع الخيرات و المبرّات في هذا اليوم، كلّ ذلك يعتبر من البواعث على بقاء هذا الأثر الخالد، ليذهب الناس وراء جذر الغدير و منبعه، و يتفحّصوا عن أصله، فتنمو أغصان الإيمان في قلوبهم و تقوى يوماً بعد يوم.

  • و أجْمِلْ بالفُرسِ هذا اليوم إذا تركوا هذه البدعة القبيحة المتمثّلة بتعظيمهم عيد المجوس،۱ و ابتهاجهم به، و سرورهم بتهيئة الملابس‌

    1. و هو عيد النوروز القوميّ الذي يطرب له الفُرس كلّ سنة، متزامناً مع حلول فصل الربيع. (م)

معرفة الإمام ج٩

187
  • القشيبة لهم و لُاسرهم في أيّامه متأثّرين بالتقاليد الغربيّة في إحياء الآداب و التقاليد القوميّة القديمة، فما أجملهم إذا فعلوا ذلك، و اتّخذوا مكانه يوم الغدير عيداً لهم، و هو عمود الإيمان، و جعلوه عطلة رسميّة تمتدّ أيّاماً للزيارات و الأفراح، و ارتداء الملابس الجديدة بدل الملابس البالية، فيتنازل شيطان الطبيعة القبيح عن مكانه لملاك الرحمة، و لا يُسْتَغْفَلُ الشيعة فيقعوا في الفخّ بنحو غير مدروس، و هم الذين كانوا و لا يزالون معروفين بممارسة أعمالهم عن تعقّل و رويّة.

  • إن عيد الغدير يربط ماضي مدرسة التشيّع بحاضرها و مستقبلها في كلّ عام، و يوصل بعض حلقاتها ببعض، و يمنحها الدوام و الاستمرار، و يواصل تبكيته الشيطانَ المشئوم و غول الاستكبار و جموع النفس، و يخلّد الكفاح و النضال ضدّ ذلك.

  • و من الضروريّ هنا أن نذكر نقطتين:

  • عيد الغدير عند سائر المسلمين من العامّة

  • الاولى: أنّ هذا العيد لا يقتصر على الشيعة فحسب، و إن كانت لهم عناية به و ميل خاصّ إليه، و إنّما اشترك معهم سائر المسلمين في احترامه و التعيّد به، و لم يشذّ منهم إلّا النواصب و الخوارج. و على هذا الأساس قال المَسعوديّ: قال النبيّ الأكرم في أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في غدير خُمّ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ‌. و ذلك في اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجّة، و غدير خمّ بقرب من الماء المعروف بالخرار بناحية الجُحْفَة، وَ وُلْدُ عَلِيّ وَ شِيعَتِهِ يُعَظِّمُونَ هَذَا اليَوْمَ.۱

  • و قال محمّد بن طلحة الشافعيّ، أخرج الترْمُذِيّ في صحيحة بإسناده عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ، أورده‌

    1. «التَّنْبيه و الإشراف» ص ٢٢۱ و ٢٢٢.

معرفة الإمام ج٩

188
  • بهذا اللفظ و لم يزد عليه شيئاً. و لكن ذكر غير الترمذيّ أيضاً اليوم [الذي قال فيه رسول الله ذلك‌]، و الموضع [الذي بيّنه فيه‌]، فذكر الزمان و هو عند عود رسول الله من حِجَّة الوَدَاع في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة، و ذكر المكان و هو ما بين مكّة و المدينة يسمّى خمّاً في الغدير الذي تقدّم، هناك. فسمّي ذلك اليوم يوم غدير خُمّ. و ذكره أمير المؤمنين عليه السلام نفسه في شعره الذي تقدّم، و صار ذلك اليوم عيداً و مُوسماً [لاجتماع الناس‌] لكونه كان وقتاً خصّ رسول الله صلّى الله عليه و آله عليّاً بهذه المنزلة العلية و شرّفه بها دون الناس كلّهم!

  • و ذكر ابن خَلَّكان في ترجمة المُسْتَعْلى بن المستنصر أنّه بُويِعَ في عيدِ غَديرِ خُمٍّ، و هو الثامن عشر من ذي الحجّة سنة سبع و ثمانين و أربعمائة.۱

  • و قال العلّامة الأميني: قال ابن خَلّكان أيضاً في ترجمة المُسْتَنْصِر بالله العبيديّ: توفي ليلة الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجّة سنة ٤۸۷.

  • ثمّ قال ابن خَلّكان: هذه الليلة هي ليلة عيد الغدير، أعني: ليلة الثامن عشر من ذي الحجّة، و هو غدير خُمّ (بضمّ الخاء و تشديد الميم). و رأيت جماعة كثيرة يسألون عن هذه الليلة متى كانت من ذي الحجّة؟ و هذا المكان بين مكّة و المدينة، و فيه غدير ماء، و يقال: إنّه غيضة هناك. و لما رجع النبيّ الأكرم صلّى الله عليه و آله من مكّة شرّفها الله تعالى عام حجّة الوداع، و وصل إلى هذا المكان، و آخى عليّ بن أبي طالب و قال: عَلِيّ مِني كَهَارُونَ مِنْ موسى، اللهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَ انْصُرْ مَنْ‌

    1. «وفيّات الأعيان» ج ۱، ص ۱۸۰، طبعة بيروت.

معرفة الإمام ج٩

189
  • نَصَرَهُ، وَ اخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ‌.

  • و للشيعة به تعلّق كبير. و قال الحازميّ: غدير خمّ واد بين مكّة و المدينة عند الجحفة غدير عنده خطب النبيّ. و هذا الوادي موصوف بكثرة الوخامة و شدّة الحرّ. إلى آخر كلام ابن خلّكان.

  • و قال الثعالبيّ في «ثمار القلوب» بعد أن عدّ ليلة الغدير من الليالى المشهورة (و المعروفة) عند الامّة: و هي الليلة التي خطب رسول الله صلّى الله عليه و آله في غدها بغدير خُمّ على أقتاب الإبل، فقال في خطبته: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ. اللهُمَّ والِ مَن وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَ انْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَ اخْذلْ مَنْ خَذَلَهُ‌. و الشيعة يعظّمون هذه الليلة و يحيونها قياماً.۱

  • و ممّا يدلّ على هذا العيد، التهنئة لأمير المؤمنين عليه السلام من الشيخين، و امّهات المؤمنين (نساء رسول الله)، و غيرهم من الصحابة بأمر رسول الله، و معلوم أنّ التهنئة من خواصّ الأعياد و الأفراح.

  • الثانية: أنّ عهد هذا العيد يمتدّ إلى زمن النبيّ، كما تدلّ على ذلك كتب التأريخ، و هو إتصال للدور النبويّ، فكانت البدية يوم الغدير في السنة العاشرة من الهجرة بعد حجّة الوداع، لما أصحر رسول الله بالأمر في تلك المراسم التي اقيمت في ساحة فسيحة، و بحضور الملأ من المسلمين. و أبان فيها مستقرّ إمرته و حكومته من الوجهة الدينيّة و الدنيويّة، و حدّد لهم مستوي أمر دينه الشامخ و طريقه الواضح جيلًا بعد جيل و نسلًا بعد نسل، و قال: فَلْيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الغَائِبُ‌، و يتحدّث عن هذا المشهد العظيم بعد عودته إلى وطنه، و على هذا، فإنّ ذلك اليوم كان موسماً عظيماً و يوماً

    1. «الغدير» ج ۱، ص ٢٦۸ و ٢٦٩.

معرفة الإمام ج٩

190
  • مشهوداً يسرّ كلّ معتنق للإسلام، و يبهجه بهذه الموهبة الكبرى و هو يرى البناء الرصين للإمامة و خلافة المسلمين، و يشهد استمرار طريق الشريعة و ديمومة أنوار أحكامها، فلا تلويها الآراء الفاسدة و الأهواء الكاسدة عن مسارها، و تتمكّن النفوس المشتاقة و الأرواح الشائقة إلى بلوغ المعنويّات من التحرّك في ضوء هذا المنهج حتّى يوم القيامة، فتظفر بالكمال النفساني من القوّة و الاستعداد إلى الفعلية.

  • و أي يوم أعظم و أكبر و أشرف من يوم الغدير؟ إذ اكمل فيه الدين، و تمّت فيه النعمة، و لاح فيه واضح الطريق، و عظم فيه التمسّك بعروة الحقّ الوثقى. فهو العيد الأعظم الذي نوّه به القرآن الكريم بواسطة جبرائيل الحامل الأمين للوحي الإلهيّ، و بلسان رسول الله و إرشاده و خطابته و أمره و إنشائه، و أرسى دعائمه على هذا الأساس المتين.

  • على الملوك أن يعيّدوا بعيد الغدير بدل التتويح‌

  • و لئن اتّخذ الملوك في عصرنا هذا يوم تسنّمهم عرش السلطنة عيداً خطأً و زلّةً، و جفاءً و غفلةً و أقاموا فيه المحافل البهيجة المليئة بالسرور و الحبور، و التنوير، و نثر الحلو، و إلقاء الخطب، و إنشاء القصائد و الأشعار، و بسط الموائد التي تتزيّن بألوان الطعام، كما جرت به العادات بين الامم و الأجيال، فمن المناسب أن يكفّوا عن هذه الاعتبارات، و يتجاوزوا هذه الأوهام. و يتّخذوا كلّهم و بأجمعهم يوم الغدير عيداً، و هو يوم حكومة العدل، و إمارة الإنصاف، و يوم إمامة الحقّ و ولاية الله العظمى، و يدعوا الناس و الامّة إلى هذا الطريق و المنهج وَ نِعْمَ المَنْهَجُ القَويمُ.

  • و يحتفلوا و يعيّدوا في ذلك اليوم الذي جاء فيه النصّ من رسول الله و هو الذي لا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إنْ هُوَ إلَّا وَحْيٌ يُوحَى، و يبجّلوه و يكرّموه بكلّ ما للتبجيل و التكريم من معنى، و لما كان عيداً دينيّاً و إلهيّاً، فلا يقصّروا

معرفة الإمام ج٩

191
  • في زيادة الأعمال المَقرِّبة إلى الله من صوم، و صلاة، و دعاء، و زيارة المؤمنين، و تهنئتهم، و مصافحتهم بوضع كفّ اليد اليمنى على أكفّهم، و يقولوا شاكرين للّه المنان على هذه الموهبة:

  • الحَمْدُ لِلَّهِ الذي جَعَلَنَا مِنَ المُتَمَسِّكِينَ بَوْلَايَةِ أميرِ المؤمِنِينَ وَ الأئِمَّةِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.

  • و كذلك يقوموا بوجوه البرّ و الإحسان، من قبيل إعطاء الخاتم و اللباس، و إهداء العطر و البخور و العبير، و إطعام المؤمنين بالأخصّ الضعفاء و الفقراء و الأرحام و أهل العلم، و الطلّاب الذين يقرنون علمهم بالعمل، و سالكي سبيل الله من الثائرين و عشّاق مولى الموالى عليه السلام و يفعلوا ذلك كلّه بنحو أتمّ و أكمل.

  • مصافقة الناس و بيعتهم أمير المؤمنين عليه السلام في يوم الغدير

  • و لذلك كلّه أمر رسول الله بعد الفراغ من الخطبة أن ينصبوا لأمير المؤمنين خيمة، و أمر المؤمنين أن يهنّئوه على تمام النعمة و كمال الدين الذي أثمر بربط الولاية بالنبوّة، و أتحف الأمّة بفاكهة الحياة الطازجة.

  • و أمر كبار قريش و شيوخ الأنصار و المهاجرين و وجوهم بتهنئة أمير المؤمنين عليه السلام، و السلام عليه بإمرة المؤمنين السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أميرَ المؤمِنِينَ، و الإذعان بإمارته و ولايته. كما أمر الشيخين: أبا بكر، و عمر، و زوجاته أن يدخلوا عليه، و يهنّئوه، و يسلموا عليه بالإمامة و الحكومة على تلك الحظوة الكبيرة بإشغاله منصّة الولاية و تصدَّر الأمر و النهي في دين الله و إدارة شئون المسلمين بوصفه خليفة رسول الله.

  • قال العلّامة الأميني: أخرج محمّد بن جرير الطبريّ في كتاب (الولاية) حديثاً بإسناده عن زيد بن أرقم، مرّ شطر منه. و في آخره قال النبيّ الأكرم صلّى الله عليه و آله و سلّم:

  • مَعَاشِرَ النَّاسِ! قُولُوا: أعْطَيْنَاكَ على ذَلِكَ عَهْداً عَنْ أنْفُسِنَا وَ مِيثَاقاً

معرفة الإمام ج٩

192
  • بِألْسِنَتِنَا وَ صَفْقَةً بِأيْدِينَا، نُؤَدِّيهِ إلَى أوْلَادِنَا وَ أهَالِينَا، لا نَبْغِي بِذَلِكَ بَدَلًا وَ أنْتَ شَهِيدٌ عَلَيْنَا وَ كَفى بِاللهِ شَهيداً. قُولُوا مَا قُلْتُ لَكُم! وَ سَلِّمُوا على عَلِيّ بِإمْرَةِ المُؤْمِنِينَ! وَ قُولُوا: الحَمْدُ لِلَّهِ الذي هَدَانَا لِهَذَا وَ مَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أنْ هَدَانَا اللهُ، فَإنَّ اللهَ يَعْلَمُ كُلَّ صَوْتٍ وَ خَائِنَةَ كُلِّ نَفْسٍ، {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى‌ نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفى‌ بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}.۱

  • قُولُوا مَا يُرْضِي اللهُ عَنْكُمْ فَ {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ‌}.٢

  • قال زيد بن أرقم: فعند ذلك بادر الناس بقولهم: سمِعْنَا وَ أطَعْنَا على أمْرِ اللهِ وَ رَسُولِهِ بِقُلُوبِنَا.

  • تهنئة الشيخين أمير المؤمنين عليه السلام و تسليمهما بولايته‌

  • و كان أوّل من صافق النبيّ صلّى الله عليه و آله: أبُو بَكْر، وَ عُمَر، وَ عُثْمَان وَ طَلْحَةُ، و الزُّبَيْر، و باقي المهاجرين و الأنصار، و باقي الناس، إلى أن صلّى الظهرين في وقت واحد، و امتدّت المصافقة و بيعة الناس، إلى أن صلّى العشاءين في وقت واحد، و أوصلوا البيعة و المصافقة ثلثاً [من الليل‌].

  • و رواه أحمد بن محمّد الطبريّ الشهير بالخليليّ في كتاب «مناقب عليّ بن أبي طالب»، المؤلَّف سنة ٤۱۱ بالقاهرة من طريق شيخه محمّد بن أبي بكر بن عبد الرحمن، و فيه: فتبادر الناس إلى بيعته و قالوا:

  • سمِعْنَا وَ أطَعْنَا لِمَا أمَرَنَا اللهُ وَ رَسُولُهُ بِقُلُوبِنَا وَ أنْفُسِنَا وَ ألْسِنَتِنَا وَ جَمِيعِ جَوارِحِنَا، ثمَّ انْكَبُّوا على رَسُولِ اللهِ وَ على عَلِيّ بِأيْدِيهِمْ.

  • و كان أوّل من صافق رسول الله: أبو بكر، و عمر، و طلحة، و الزبير، ثمّ باقي المهاجرين، و الناس على طبقاتهم و مقدار منازلهم، إلى أن صُلّيت

    1. الآية ۱۰، من السورة ٤۸: الفتح.
    2. الآية ۷، من السورة ٣٩: الزمر.

معرفة الإمام ج٩

193
  • الظهر و العصر في وقت واحد، و المغرب و العشاء الآخرة في وقت واحد، و لم يزالوا يتواصلون البيعة و المصافقة ثلثاً من الليل، و رسول الله كلما بايعه فوج بعد فوج يقول: الحَمْدُ لِلَّهِ الذي فَضَّلَنَا على جَمِيعِ العَالَمِينَ.

  • و صارت المصافقة سُنّة و رسماً، و استعملها من ليس له حقّ فيها.

  • و قال في كتاب «النَّشر و الطَّيّ»: فبادر الناس بِ: نَعَمْ نَعَمْ سمِعْنَا وَ أطَعْنَا أمْرَ اللهِ وَ أمْرَ رَسُولِهِ، آمَنَّا بِهِ بِقُلُوبِنَا. و تداكّوا على رسول الله و عليّ بأيديهم، إلى أن صُلّيت الظهر و العصر في وقت واحد، و باقي ذلك اليوم، إلى أن صُلّيت العشاءان في وقت واحد، و رسول الله كان يقول كلما أتى فوجٌ: الحَمْدُ لِلَّهِ الذي فَضَّلَنَا على العَالَمِينَ‌.

  • و قال المولويّ وليّ الله اللَّكْهَنُويّ في كتاب «مرآة المؤمنين» في ذكر حديث الغدير: فلقيه عمر بعد ذلك، فقال له: هَنِيئاً يَا ابْنَ أبي طَالِبٍ! أصْبَحْتَ وَ أمْسَيْتَ مَوْلى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَ مُؤْمِنَةٍ. وَ كَانَ يُهَنِّئُ أمِيرَ المؤمِنِينَ كُلُّ صَحَابِيّ لَاقَاهُ.

  • و قال المؤرّخ ابن خاوند شاه المتوفي ٩۰٣ في «روضة الصَّفا» في الجزء الثاني من ج ۱، ص ۱۷٣ بعد ذكر حديث الغدير: ثمّ جلس رسول الله في خيمة تخصّه، و أمر أمير المؤمنين عليّاً عليه السلام أن يجلس في خيمة اخرى، و أمر كافّة الناس أن يهنِّئوا عليّاً في خيمته. و لمّا فرغ الناس من التهنئة له، أمر النبيّ زوجاته (أُمَّهَات المُؤْمِنِينَ) بأن يَسِرْنَ إليه وَ يُهَنِّئْنَهُ، ففَعلنَ. و ممّن هنَّأه من الصحابة: عمر بن الخطّاب، فقال:

  • هَنيئاً لَكَ يَا ابْنَ أبي طَالِبٍ أصْبَحْتَ مَوْلَايَ وَ مَوْلَى جَمِيعِ المُؤْمِنِينَ وَ المُؤْمِنَاتِ.

  • تهنئة عمر لأمير المؤمنين عليه السلام في يوم غدير خمّ‌

  • و قال المؤرّخ غياث الدين المتوفي ٩٤٢ في «حبيب السِّيَر» في الجزء الثالث من ج ۱، ص ۱٤٤: ثمّ جلس أمير المؤمنين بأمر من النبيّ صلّى الله

معرفة الإمام ج٩

194
  • عليه و آله في خيمة تخصّه، يزوره الناس و يهنّئونه، و فيهم، عمر بن الخطّاب، فقال:

  • بَخٍّ بَخٍّ يَا ابْنَ أبي طَالِبٍ! أصْبَحْتَ مَوْلَايَ وَ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَ مُؤْمِنَةٍ!۱

  • و خصوص حديث تهنئة الشيخين: أبي بكر، و عمر، رواه من أئمّة الحديث و التفسير و التأريخ من رجال السنّة كثير لا يستهان بعددهم بين راوٍ مرسلًا له إرسال المسلم، و بين راوٍ إيّاه بمسانيد صحاح و رجال ثقات تنتهي إلى غير واحد من الصحابة كابن عبّاس، و أبي هريرة، و البراء بن عازب، و زيد بن أرقم. و ذكر المرحوم العلّامة الأميني تلك الروايات في كتابه القيّم: «الغدير» نقلًا عن ستّين كتاباً موثوقاً و مشهوراً من كتبهم التي ألّفها مشاهير و أعاظم مشايخ العامّة.٢

  • و ننقلها فيما يأتي عن عدد من الكتب لا غير:

  • ۱ - روى أبو إسحاق الثعلبيّ في كتاب «الكشف و البيان» بسنده عن البراء بن عازب قال: لما نزلنا مع رسول الله في حجّة الوداع بغدير خمّ، نادى رسول الله: الصلاة جامعة. و كُسح للنبيّ تحت شجرتين فأخذ بيد على: فقال: أ لَسْتُ أوْلَى بِالمُؤمِنِينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ؟ قالوا: بلى‌. قال: هَذَا مَوْلَى مَنْ أنَا مَوْلَاهُ! اللهُمَّ والِ مَن وَالاهُ! وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ! قال: فلقيه عمر فقال: هَنِيئاً لَكَ يَا ابْنَ أبي طَالِبٍ! أصْبَحْتَ مَوْلَي كُلِّ مُؤْمِنٍ وَ مُوْمِنَةٍ!

  • ٢ - ذكر شيخ الإسلام الحمّوئيّ في «فرائد السمطينِ» بسنده عن‌ شهر بن حوشب، عن أبي هريرة قال: من صام يوم ثمان عشر من

    1. «الغدير» ج ۱، ص ٢۷۰ إلى ٢۷٢.
    2. «الغدير» ٢۷٢: ۱ إلى ٢۸٣.

معرفة الإمام ج٩

195
  • ذي الحجّة، كتب الله له صيام ستّين سنة. و هو يوم غدير خُمّ لمّا أخذ رسول الله صلّى الله عليه و آله بِيَدِ عليّ صلوات الله عليه و آله، فقال: مَن كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ، اللهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَ انْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ!

  • فقال عمر بن الخطّاب: بَخٍّ بَخٍّ لَكَ يَا ابْنَ أبي طَالِبٍ! أصْحَبْتَ مَوْلَايَ وَ مَوْلى كُلِّ مُسْلِمٍ.۱

  • ٣ - روى الخطيب الخوارزميّ بسنده عن البراء بن عازب قال: أقبلنا مع رسول الله في حجّة. ثمّ ذكر الحديث الذي نقلناه عن الثعلبيّ في «الكشف و البيان» نفسه. و قال في آخره أيضاً: فلقي عمر بن الخطّاب عليا، فقال: هَنِيئاً لَكَ يَا ابْنَ أبي طَالِبٍ! أصْبَحْتَ مَوْلَايَ وَ مَوْلَى كُلِّ مَؤْمِنٍ وَ مُؤْمِنَةٍ. و روى بسنده الآخر عن أبي هريرة نفس الحديث الذي نقلناها عن الحمّوئيّ في «فرائد السمطين». و قال في ختامه أيضاً: فقال له عمر بن الخطّاب: بَخٍّ بَخٍّ لَكَ يَا ابْنَ أبي طَالِبٍ! أصْبَحْتَ مَوْلَايَ وَ مَوْلَى كُلِّ مُسْلِمٍ.٢

  • ٤ - أخرج أحمد بن حنبل في مسنده بسنده عن عديّ بن ثابت، عن البراء بن عازب، أنّه قال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه و سلّم في سفر، فنزلنا بغدير خمّ، فنودي: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، و كُسح لرسول الله صلّى الله عليه و سلّم تحت شجرتين، فصلى الظهر، فأخذ بِيَدِ عليّ رضي الله تعالى عنه، فقال: أ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أنِّي أوْلَى بِكُلِّ مُوْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ‌؟ قالوا: بلى. فأخذ بِيَدِ عليّ، فقال: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ. اللهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ،

    1. «فرائد السمطين» ج ۱، الباب ۱٢، ص ۷۷.
    2. «مناقب الخوارزميّ» ص ٩٤، الطبعة الحديثة.

معرفة الإمام ج٩

196
  • وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ. فلقيه عمر بعد ذلك، فقال: هَنِيئاً لَكَ يَا ابْنَ أبي طَالِبٍ! أصْحَبْتَ وَ أمْسَيْتَ مَوْلَي كُلِّ مُؤْمِنٍ وَ مُؤْمِنَةٍ.۱

  • ٥- روى الحافظ أبو بكر الخطيب البغداديّ، عن حبشون بن موسى بن أيّوب‌٢ بسنده عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة أنّه قال: من صام يوم ثمان عشر من ذي الحجّة، كتب له صيام ستّين شهراً، و هو يوم غدير خمّ لما أخذ النبيّ صلّى الله عليه و آله بيد عليّ فقال: أ لَسْتُ أوْلَى بِالمُؤمِنِينَ؟ قالوا: بَلى يَا رَسُولَ اللهِ!

  • قال: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ. بعد ذلك قال عمر بن الخطّاب: بَخٍّ بَخٍّ لَكَ يَا ابْنَ أبي طَالِبٍ! أصْبَحْتَ مَوْلَايَ وَ مَوْلى كُلِّ مُسْلِمٍ! فأنزل الله:

  • {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}‌. و من صام يوم سبعة و عشرين من رجب، كتب له صيام ستّين شهراً، و هو أوّل يوم نزل فيه جبرائيل عليه السلام على‌ محمّد صلّى الله عليه و آله، اشتهر هذا الحديث برواية حَبْشُونَ.٣

  • ٦ - روى الحافظ ابن عَسَاكِر الدمشقيّ بسندين عن البراء بن عازب، قال: حججنا مع رسول الله، و بعد أن شرح قصّة النزول و الخطبة في غدير

    1. «مسند أحمد بن حنبل» ج ٤، ص ٢۸۱.
    2. قال الخطيب في «تاريخ بغداد» بعد ذكر هذا الحديث الذي ورد فيه ثواب صيام ستّين شهراً لمن صام في يوم عيد الغدير: اشتهر هذا الحديث من رواية حبشون، و قيل: إنّه تفرّد به. و قد تابعه عليه أحمد بن عبد الله بن النيّريّ. و قال الخطيب بعد نقل هذا الحديث الذي ذكره في ترجمة حَبْشون في باب الحاء: حبشون ثقة صدوق. و كان ساكناً في باب البصرة من بغداد و قال أيضاً: أنبأنا الأزهريّ أنّ علىّ بن عمر الحافظ قال له: حَبشُون بن موسى بن أيّوب، صدوق. و روى ابن كثير الدمشقيّ هذا الحديث عن حَبْشون في «البداية و النِّهاية» ج ٥، ص ٢۱٤ و قال: و رواه حبشون، و أحمد بن عبد الله بن أحمد النيّريّ، و هما صدوقان عن علىّ بن سعيد الرملي، عن ضمرة.
    3. «تاريخ بغداد»، ج ۸، ص ٢٩۰. و كانت وفاة الخطيب البغداديّ في سنة ٤٦٣ ه.

معرفة الإمام ج٩

197
  • خمّ، قال في رواية: قال عمر بن الخطّاب:

  • هَنِيئاً لَكَ يَا ابْنَ أبي طَالِبٍ! أصْبَحْتَ اليَوْمَ وَ لي كُلِّ مُؤْمِنٍ!۱ و قال في رواية اخرى: قال له عمر: هَنِيئاً لَكَ يَا عَلِيّ! أصْبَحْتَ مَوْلَايَ وَ مَوْلى كُلِّ مُؤْمِنٍ!٢

  • و أخرج بسندين آخرين عن أبي هريرة، السند الأوّل هو الحديث الذي نقلناه عن «تاريخ بغداد» برواية حَبْشون،٣ و السند الثاني هو الحديث الذي نقله عن أبي بكر بن المرزقيّ، و قال عمر في آخره: بَخٍّ بَخٍّ لَكَ يَا ابْنَ أبِي طَالِبٍ! أصْبَحْتَ مَوْلَايَ وَ مَوْلَى كُلِّ مُسْلِمٍ.٤

  • فهم الشيخين لمعنى الولاية على أنّها الإمامة، و عدولهما عن الحقيقة

  • و كذلك ذكر قول عمر عند تفسير كلام الشافعيّ القائل إنّ معنى الولاء هو ولاء الإسلام. و أخرج ابن عساكر بسنده عن الربيع بن سليمان: أنّه قال: سمعت الشافعيّ يقول في معنى كلام النبيّ صلّى الله عليه و آله لعليّ بن أبي طالب: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ: يعني بذلك ولاء الإسلام.

  • و ذلك قول الله عزّ و جلّ: {ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ أَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى‌ لَهُمْ‌}.٥

  • و أمّا قول عمر بن الخطّاب لعليّ: أصْبَحْتَ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ! يقول: وَلِيّ كُلِّ مُسْلِمٍ.٦ 

  • إن ما ذكرناه في معنى الولاء مفصّلًا قد سطع كالشمس دالَّا على أنّ

    1. «تاريخ دمشق» ج ٢، ص ٤۷، الحديث رقم ٥٤٦.
    2. «تاريخ دمشق» ج ٢، ص ٤۸، الحديث رقم ٥٤۷.
    3. «تاريخ دمشق» ج ٢، ص ۷٦، الحديث رقم ٥۷٦.
    4. «تاريخ دمشق» ج ٢، ص ۷۷، الحديث رقم ٥۷۷.
    5. الآية ۱۱، من السورة ٤۷: محمّد.
    6. «تاريخ دمشق» ج ٢، ص ۸۷، الحديث رقم ٥۸۸.

معرفة الإمام ج٩

198
  • تفسير الشافعيّ خطأ، و أنّ المراد من ولاء الإيمان الولاية بمعنى الإمارة و الإمامة و السيادة، و هي ملزوم القرب، و ذلك الملزوم هو معناه الأوّل و الحقيقيّ و هو ما نصّه: الوَلَاءُ حُصُولُ الشَّيْئيْنِ فَزَائِداً حُصُولًا لَيْسَ بَيْنَهُمَا مَا لَيْسَ مِنْهُمَا. و على كلّ تقدير، أنّ شاهدنا من كلام الشافعيّ الاستشهاد بحديث عمر في التهنئة.

  • ۷ - ذكر الحافظ أبو القاسم الحَسْكانيّ ستّ روايات في «شواهد التنزيل» تحت عنوان الروايات الواردة في الآية المباركة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً}. و وردت تهنئة عمر في اثنتين منها.

  • الاولى: عن الحاكم أبيه، عن أبي حَفْص شاهين، بسنده عن أبي هريرة، و قد جاء فيها ثواب الصيام في يوم الغدير، و قال عمر بن الخطّاب في آخرها: بَخٍّ بَخٍّ [لَكَ‌] يَا ابْنَ أبي طَالِبٍ.۱

  • الثانية: عن أبي بكر اليزديّ بسنده عن أبي هريرة، و ذكر فيها أيضاً ثواب صيام ستّين شهراً في يوم الغدير. و بعد خطبة رسول الله صلّى الله عليه و آله و إعلان الولاية: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ. قال عمر بن الخطّاب: بَخٍّ بَخٍّ لَكَ يَا ابْنَ أبي طَالِبٍ! أصْبَحْتَ مَوْلَايّ وَ مَوْلَي كُلِّ مُؤْمِنٍ! و أنزل الله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‌}.٢

  • ۸ - قال الفخر الرازيّ في ذيّل الآية: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‌}: الوجه العاشر: نزلت هذه الآية في فضل علىّ بن أبي طالب، و لمّا نزلت هذه الآية، أخذ النبيّ بيد عليّ و قال: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ.

    1. «شواهد التنزيل» ج ۱، ص ۱٥٦، الحديث رقم ٢۱۰.
    2. «شواهد التنزيل» ج ۱، ص ۱٥۸، الحديث رقم ٢۱٣.

معرفة الإمام ج٩

199
  • اللهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ، فلقيه عمر، فقال: هَنِيئاً لَكَ يَا ابْنَ أبِي طَالِبٍ! أصْبَحْتَ مَوْلَايَ وَ مَوْلى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَ مُؤْمِنَةٍ! و هو قول ابن عبّاس، و البراء بن عازب، و محمّد بن عليّ.۱

  • ٩ - قال الشهرستاني في «الملل و النحل» و مثل ما جرى في كمال الإسلام و انتظام الحال حين نزل قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ‌.} فلما وصل رسول الله غدير خمّ، أمر بالدوحات فَقُمِمْنَ، و نادوا: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ. ثمّ قال و هو على الرِّحال: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ. اللهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَ انْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ! وَ اخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ! وَ أدِرِ الحَقَّ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ: ألَا هَلْ بَلَّغْتُ، ثلاثاً؟

  • فادّعت الإماميّة أنّ هذا نصّ صريح: فإنّا ننظر من كان النبيّ صلّى الله عليه و آله مولىً لَهُ؟ و بأيّ معنى؟ فنطّرد ذلك في حقّ عليّ. و قد فهمت الصحابة من التولية ما فهمناه، حتّى: قال عمر حين استقبل عليا: طُوبَى لَكَ يَا عَلِيّ! أصْبَحْتَ مَوْلَي كُلِّ مُؤْمِنٍ وَ مُؤْمِنَةٍ.٢

  • ۱۰ - قال ابن حجر الهَيْتَميّ المتوفي سنة ٩۷٣ بعد بيان الحديث: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ الذي‌ نطق به النبيّ في جواب بريدة، بعد أن قال له: يَا بُرَيْدَةُ! أ لَسْتُ أوْلَى بِالمُؤمِنِينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ؟! قُلْتُ: بَلى يَا رَسُولَ اللهِ! لو سلمنا أنّ المراد من المولى: الأوْلى، لكن لا نسلّم أنّ المراد أنّه الأولى‌ بالإمامة، بل [المراد أولي‌] بالاتّباع و القرب من رسول الله، كقوله تعالى:

    1. «تفسير الفخر الرازيّ» ج ٣، ص ٦٣٦، طبعة دار الطباعة العامرة، في هامش «تفسير أبي السعود».
    2. «المِلَل و النِّحَل» المطبوع في حاشية «الفِصَل» ص ٢٢۰ و ٢٢۱. الجزء الأوّل.

معرفة الإمام ج٩

200
  • {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ}‌. و لا [دليل‌] قاطع و لا ظاهر على نفي هذا الاحتمال، بل هو الواقع إذ هو الذي فهمه أبو بكر و عمر.

  • و أفضل دليل على هذا الاحتمال ما فهمه أبو بكر و عمر من الحديث، فإنّهما لما سمعاه، قالا له: أمْسَيْتَ يَا ابْنَ أبي طَالِبٍ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَ مُؤْمِنَةٍ. أخرجه الدارقطني.۱

  • إن قصدنا من رواية الشهرستاني، و ابن حَجَر الهيتميّ هو الاستشهاد بتهنئة الشيخين لمولى الموالي أمير المؤمنين عليه السلام، و ليس قصدنا الإتيان بالمراد الذي جاءا به من عند أنفسهما في معنى الولاية، و فرضا ذلك المعنى على فهم أبي بكر، و عمر، ذلك أنّنا أثبتنا بوضوح في الجزء الخامس، و السابع من هذه الدورة «معرفة الإمام» أنّ للولاية معنى واحداً لا أكثر، و هو رفع الحجاب بين شيئين بحيث لا يكون بينهما ما ليس منهما، و شرط هذا المعنى، القرب و السيطرة و الإمامة و الإمارة من الله، عند ما تتحقّق الولاية بين الله و العبد. و فهم الصحابة جميعهم هذا المعنى بلا استثناء، لأنّهم كانوا عرباً، و لهم علم بالمعنى الحقيقيّ للكلمة.

  • و فهم عمر، و أبو بكر هذا المعنى أيضاً، و على هذا الأساس سلّما على عليّ، و بايعاه، و هنّاه، و لكنّهما صدفا و عدلا عن الالتزام بهذا المعنى عمليّاً فيما بعد، و سلبا الإمامة الإلهيّة من أهل البيت و عليّ بن أبي طالب بمختلف الدسائس، و استأثرا بها لأنفسهما، فأصبحا غاصبين لهذا المقام.

  • يقول الشيعة: لقد خان الشيخان، و أخرجا الخلافة و الإمامة من أهل بيت رسول الله على علمٍ منهما، و حينئذٍ كيف يمكن أن نستدلّ بفهمهما؟

  • و هل هذا الاستدلال إلّا المصادرة بالمطلوب؟ و لا أحد من أهل السنّة

    1. «الصواعق المحرقة» ص ٢٦.

معرفة الإمام ج٩

201
  • و العامّة يستطيع أن يتّخذ من فهم هذين الشخصين دليلًا، و ذلك بسبب عملهما، إذ كان تجاوزاً و تعدّياً بكلّ صراحة.

  • و كشف الغزّالى في كتاب «سرّ العالمين» عن هذه الحقيقة، و قال بصراحة، استجاب عمر لحديث الولاية: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ. و قال مسلماً و راضياً بإمامة و ولاية أمير المؤمنين عليه السلام: بَخٍّ بَخٍّ لَكَ يَا أبَا الحَسَنِ! لَقَدْ أصْبَحْتَ مَوْلَايَ وَ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَ مُؤْمِنَةٍ. فَهذا تسليم و رضى و تحكيم [بإمارة عليّ‌]، ثمّ بعد هذا غلب الهوى لحبّ الرئاسة، و حمل عمود الخلافة، و عقود البنود، و خفقان الهوى في قعقعة الرايات، و اشتباك ازدحام الخيول، و فتح الأمصار سقاهم كأس الهوى فعادوا إلى الخلاف الأوّل فنبذوه وراء ظهورهم، و اشتروا به ثمناً قليلًا فبئس ما يشترون.

  • و قال رسول الله قبل وفاته: إيتوني بدواة و بياض لأزيل عنكم إشكال الأمر، و أذكر لكم من المستحقّ لها بعدي.

  • قال عمر: دعوا الرجل فإنّه ليهجر! و قيل: يهذو لغلبة الوجع عليه!۱

  • إن الشيعة قد حلّلوا و درسوا أعمال الصحابة عملًا عملًا، و لا يقلّدون

    1. «سرّ العالمين» ص ٢۱، طبعة النجف، مطبعة النعمان، سنة ۱٣۸٥. و قد أثبتنا في ج ۸، من كتابنا هذا «معرفة الإمام» الدرس ۱۱۸ إلى ۱٢۰ في ص ٢٤۸ و ٢٤٩ أنّ الكتاب المذكور للغزالى. و على هذا لا يُلْتَفَت إلى تشكيك العالم المحترم السيّد جعفر مرتضى العاملي في نسبة هذا الكتاب إلى الغزّالى في مجلّة «تراثنا»، العدد ٢، السنة الاولى، خريف ۱٤۰٦ ه، ص ٩۷ و ٩۸ لأنّ عدم اجتماع الغزّالى و المعرّيّ في الحياة دليل على تصرّف في هذا الخصوص لا في أصل الكتاب و جميع أبوابه. و لعلّ أبا حامد كتب في النسخة: ابن حامد سهواً، و الكتب التي ذكرها، نسبهما الغزّالى إليه في ذلك الكتاب، بينما هي ليست له. و ما لم يثبت انتساب هذه الكتب نفسها بما تحويه من مطالب و موضوعات إلى مصنّف آخر، فليس لنا أن لا نعتبرها للغزّالى، إذ من الممكن أن تكون من الكتب التي صنّفها، و فقدت بعد وفاته، و كم لها من نظير.

معرفة الإمام ج٩

202
  • تقليداً أعمى فينظرون إليهم بمنظار العدالة و التقوى بوصفهم يحملون علامة السلف الصالح، و عنوان الصحابي، بل يمحّصون و يجرحون و يعدّلون من خلال مجاهر قويّة فيرفضون كلّ صحابي لا يوافق قوله عمله، كما ينبذون كلّ صحابي لا يعمل وفقاً للقرآن و السنّة النبويّة، و ينظرون إلى كافّة الكتب، التي ألّفها العامّة في فضائل و مناقب الشيخين و من دار في فلكهم و عمل لهم، نظرة شكّ و تردّد و إبهام، و لا يقرّون بها، و لا يمكنهم أن يقرّوا بها، إذ كيف يمكن أن يطمئنّوا إلى منقبة من مناقبهم، و التأريخ مشحون بالروايات الموضوعة في مناقب الشيخين و معاوية و عثمان و أمثالهم. و لمّا كان كتّاب الصحاح و المسانيد و سائر الكتب من وُعَّاظ السلاطين، و قد أعدّوها كما يشتهي السلاطين، و تمليه مذاهبهم و عقائدهم، فهي ساقطة من درجة الاعتبار. و عند ما نذكر الروايات من كتب العامّة في فضائل أهل البيت و مثالب أعدائهم، فليس ذلك لأجل الحجّيّة، بل لأجل فنّ الجدال و إدانة الخصم و إفحامه بالمسلمات الثابتة التي يعترف بها. و حاصل القول: أنّ مدرسة التشيّع هي مدرسة الحقّ و دراسة الحقائق، و ضرب الأباطيل و الموهومات عرض الجدار.

  • و من المناسب أن نذكر هنا قصّة تشيّع ذلك الفقيه السني الذي كان من «المستنصريّة على يد العالم الجليل و الفقيه النبيل السيّد ابن طاووس رحمة الله عليه، لتستبين كيفيّة دخول الشيعة و مدرستهم في النقاش، و يُعْلَمَ أنّ العالمَ السني كلّه لا بدّ أن يعترف بالحقّ، و يعرض عن اتّباع الحكّام الغاصبين، و يستنير بمدرسة أهل البيت، إذ مَا وَرَاءَ عبَّادَان قَريَةٌ.۱

  • يقول السيّد عليّ بن طاووس في الفصل الثامن و التسعين من كتاب

    1. مثل مشهور عند العرب. كناية عن فصل الخطاب هنا، و لا مفرّ من ذلك.

معرفة الإمام ج٩

203
  • نقاش ابن طاووس مع أحد فقهاء السنّة في حرم الإمامين الكاظمين‌

  • «كشف المَحَجَّةِ لِثَمَرَةِ المُهْجَةِ»:

  • و اعلم يا ولدي! أنِّي كنتُ في حضرة مولانا الكاظم و الجواد عليهما السلام، فحضر فقيه من «المستنصريّة كان يتردّد عَلَيّ قبل ذلك اليوم. فلمّا رأيت وقت حضوره أنّه يحتمل معارضته له في مذهبه، قلت له: يا فلان!

  • ما تقول لو أنّ فرساً لك ضاعت منك، و توصّلت في ردّها إليك، أو فرساً لي ضاعت مني و توصّلت في ردّها إليك، أ ما كان ذلك حسناً أو واجباً؟! فقال: بلى!

  • فقلتُ له: قد ضاع الهدى إمّا مني و إمّا منك! و المصلحة أن ننصف من أنفسنا، و ننظر ممّن ضاع الهدى فنردّه عليه! فقال: نعم.

  • فقلتُ له: لا أحتجّ بما ينقله أصحابي من الشيعة لأنّهم متّهمون عندك، و لا تحتجّ بما ينقله أصحابك [من العامّة] لأنّهم متّهمون عندي أو على عقيدتي، و لكن نحتجّ بالقرآن، أو بالمجمع عليه من أصحابي و أصحابك، أو بما رواه أصحابي لك و بما رواه أصحابك لي! فقال: هذا إنصاف!

  • فقلتُ له: ما تقول فيما رواه البخاريّ و مسلم في صحيحيهما؟! فقال: حقٌ بغير شكّ!

  • فقلتُ: فهل تعرف أنّ مسلما روى في صحيحه عن زيد بن أرقم أنّه قال ما معناه: إنّ النبيّ صلّى الله عليه و آله خطبنا في خمّ، فقال صلّى الله عليه و آله: إنِّي بَشَرٌ يُوشَكُ أنْ ادْعَى فَاجِيبَ وَ إنِّي مُخْلِفٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، اذَكِّرُكُمُ اللهَ في أهْلِ بَيْتِي أُذَكرُكُمُ اللهَ في أهْلِ بَيْتِي!

  • فقال: هذا صحيح!

معرفة الإمام ج٩

204
  • فقلتُ له: و تعرف أنّ مسلما روى في صحيحه في مسند عائشة أنّها روت عن الرسول الأكرم صلّى الله عليه و آله و سلّم أنّه لمّا نزلت الآية: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}.۱ جمع عليّاً و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام قال: هؤلاء أهل بيتي.

  • فقال: نعم! هذا صحيح.

  • فقلت له: تعرف أنّ البخاريّ و مسلماً رويا في صحيحهما أنّ الأنصار اجتمعت في سقيفة بني ساعدة ليبايعوا سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، و أنّهم ما نفذوا إلى أبي بكر و لا عمر و لا إلى أحد من المهاجرين، حتّى جاء أبو بكر و عمر و أبو عبيدة لما بلغهم في اجتماعهم، فقال لهم أبو بكر: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين يعني عمر و أبا عبيدة! فقال عمر: ما أتقدّم عليك! فبايعه عمر و بايعه من بايعه من الأنصار، و أنّ عليّاً عليه السلام و بني هاشم امتنعوا من المبايعة ستّة أشهر.

  • و أنّ البخاريّ و مسلما قالا فيما جمعه الحميديّ من صحيحهما: و كان لعليّ عليه السلام وجه بين الناس في حياة فاطمة عليها السلام فلمّا ماتت فاطمة عليها السلام بعد ستّة أشهر من وفاة النبيّ صلّى الله عليه و آله انصرفت وجوه الناس عن عليّ عليه السلام. فلما رأى عليّ عليه السلام انصراف وجوه الناس عنه، خرج إلى مصالحة أبي بكر.

  • فقال هذا صحيح.

  • فقلت له: ما تقول في بيعة تخلّف عنها أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه و آله؟ الذين قال عنهم: «إنّهم الخلف من بعده و كتاب الله جلّ جلاله» و قال صلّى الله عليه و آله فيهم: «اذكّركم الله في أهل بيتي». و قال عنهم:

    1. الآية ٣٣، من السورة ٣٣: الأحزاب.

معرفة الإمام ج٩

205
  • «إنّهم الذين نزلت فيهم آية التطهير»، و إنّهم ما تأخّروا مدّة يسيرة حتّى يقال: إنّهم تأخّروا لبعض الاشتغال، و إنّما كان التأخّر للطعن في خلافة أبي بكر بغير إشكال في مدّة ستّة أشهر. و لو كان الإنسان تأخّر عن غضب، يُرَدُّ غضبه؛ أو عن شبهة، زالت شبهته بدون هذه المدّة.

  • و أنّه ما صالح أبا بكر على مقتضى حديث البخاريّ و مسلم إلّا لمّا ماتت فاطمة عليها السلام، و رأى انصراف وجوه الناس عنه، خرج عند ذلك إلى المصالحة.

  • و هذه الصورة حال تدلّ على أنّه ما بايع مختاراً.

  • و أنّ البخاريّ و مسلما رويا في هذا الحديث أنّه ما بايع أحد من بني هاشم حتّى بايع عليّ عليه السلام.

  • فقال: ما اقدم على الطعن في شي‌ءٍ قد عمله السلف و الصحابة!

  • بيان ابن طاووس في حالات مختلفة أنّ الصحابة خالفوا رسول الله‌

  • فقلتُ له: فهذا القرآن يشهد بأنّهم عملوا في حياة النبيّ صلّى الله عليه و آله و هو يُرجى و يُخاف، و الوحي ينزل عليه بأسرارهم في حال الخوف و في حال الأمن و حال الصحّة و الإيثار عليه ما لا يقدروا أن يجحدوا الطعن عليهم به. و إذا جاز منهم مخالفته في حياته و هو يُرجى و يُخاف، فقد صاروا أقرب إلى مخالفته بعد وفاته و قد انقطع الرجاء و الخوف منه و زال الوحي عنه.

  • فقال: في أي موضعٍ من القرآن؟

  • فقلتُ: قال الله جلّ جلاله في مخالفتهم في الخوف:

  • {وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَ ضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ‌}.۱

    1. الآية ٢٥، من السورة ٩: التوبة.

معرفة الإمام ج٩

206
  • روى أصحاب التواريخ أنّه لم يبق مع النبيّ إلّا ثمانية أنفس: عليّ عليه السلام، و العبّاس، و الفضل بن العبّاس، و ربيعة و أبو سفيان ابنا الحارث بن عبد المطّلب، و اسامة بن زيد، و عبيدة بن امّ أيْمَن، و رُوِى: أيْمَن بن امّ أيمن. و قال الله في مخالفتهم له في الأمن:

  • {وَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَ تَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَ مِنَ التِّجارَةِ وَ اللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}‌.۱

  • ذكر جماعة من المؤرّخين أنّ النبيّ كان يخطب يوم الجمعة، فبلغهم أنّ جمالًا جاءت لبعض الصحابة مزيَّنة، فسارعوا إلى مشاهدتها و تركوه قائماً، و ما كان عند الجمال شي‌ء يرجون الانتفاع به. فما ظنّك بهم إذا حصلت خلافة يرجون نفعها و رئاستها؟!

  • و قال الله تعالى في سوء صحبتهم مع النبيّ:

  • {وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}.٢

  • و لو كانوا معذورين في سوء صحبتهم، ما قال الله: «فاعف عنهم و استغفر لهم!» و قد عرفت في صحيحي مسلم و البخاريّ معارضتهم للنبيّ في غنيمة هوازن لمّا أعطى المؤلّفة قلوبهم‌٣ أكثر منهم.

  • و معارضتهم له لمّا عفي عن أهل مكّة.

  • و معارضتهم له قائلين: لما ذا تريد تغيير الكعبة؟ فلهذا ترك النبيّ‌

    1. الآية ۱۱، من السورة ٦٢: الجمعة.
    2. الآية ۱٥٩، من السورة ٣: آل عمران.
    3. المؤلّفة قلوبهم جماعة من الكفّار شرّع لهم القرآن الكريم حصّة من الزكاة لكي يكفّوا عن الحرب و معارضة المسلمين أو من أجل تاليف قلوبهم و تليينها لقبول الإسلام، فيسلموا في آخر المطاف.

معرفة الإمام ج٩

207
  • تغيير الكعبة و إعادتها إلى ما كانت في زمن إبراهيم عليه السلام خوفاً من معارضتهم له.

  • و عارضوا النبيّ لما خطب في تنزيه صَفْوان بن المعَطِّل لمّا قذف عائشة، و أنّه ما قدر أن يتمّ الخطبة.

  • قلتُ: أ تعرف هذا جميعه في صحيحي مسلم و البخاريّ؟! فقال: هذا صحيح!

  • فقلتُ: و قال الله في إيثارهم عليه القليل من الدنيا: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً}.۱ و قد عرفت أنّهم امتنعوا من مناجاته و محادثته لأجل التصدّق برغيف و ما دونه. حتّى تصدّق عليّ بن أبي طالب عليه السلام بعشرة دراهم عن عشر دفعات ناجاه فيها، ثمّ نسخت الآية بعد أن صارت عاراً عليهم و فضيحة إلى يوم القيامة بقوله:

  • {أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ تابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ‌}.٢ أي: هل خفتم من الفقر فلم تتصدّقوا قبل مناجاة النبيّ؟! و الآن لم تتصدّقوا، و عفى الله عنكم، فأقيموا الصلاة ...

  • فإذا حضرت يوم القيامة بين يدي الله جلّ جلاله، و بين يدي رسوله صلّى الله عليه و آله، و قالا لك: كيف جاز لك أن تقلّد قوماً في عملهم و فعلهم و قد عرفت منهم مثل هذه الامور الهائلة؟ فأيّ عذر و أي حجّة تبقى لك عند الله، و عند رسوله في تقليدهم؟!

  • فبهت فقيه «المستنصريّة و حار حيرة عظيمة.

    1. الآية ۱٢، من السورة ٥۸: المجادلة.
    2. الآية ۱٣، من السورة ٥۸: المجادلة.

معرفة الإمام ج٩

208
  • فقلتُ له: أ ما تعرف في صحيحي البخاريّ و مسلم في مسند جابر بن سمرة و غيره أنّ النبيّ صلّى الله عليه و آله قال في عدّة أحاديث: لا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ عَزيزاً وَلَّاهُمُ هُمُ اثْنَا عَشَرَ خَليفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ. و في بعض أحاديثه صلّى الله عليه و آله من الصحيحين: لَا يَزَالُ أمْرُ النَّاسِ مَاضِياً مَا وَلَّاهُمُ اثْنَا عَشَرَ خَليفةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ. و أمثال هذه الألفاظ كلها تضمّن هذا العدد الاثني عشر.

  • فهل تعرف في الإسلام فرقة تعتقد هذا العدد غير الإماميّة الاثني عشريّة؟! فإن كانت هذه الأحاديث صحيحة كما شرطت على نفسك في تصحيح ما نقله البخاريّ و مسلم، فهذه مصحّحة لعقيدة الإماميّة و شاهدة بصدق ما رواه سلفهم! و إن كانت كذباً، فلأيّ حال رويتموها في صحاحكم؟!

  • فقال: ما أصنع بما رواه البخاريّ و مسلم من تزكية أبي بكر، و عمر، و عثمان، و تزكية من تابعهم؟!

  • فقلت له: أنت تعرف أنّني شرطت عليك أن لا تحتجّ عَلَيّ بما ينفرد به أصحابك! و أنت أعرف أنّ الإنسان، و لو كان من أعظم أهل العدالة و شهد لنفسه بدرهم و ما دونه، ما قبلت شهادته؛ و لو شهد في الحال على أعظم أهل العدالة بمهما شهد من الامور ممّا يقبل فيه شهادة أمثاله، قبلت شهادته؟!

  • و البخاريّ، و مسلم يعتقدان إمامة هؤلاء القوم، فشهادتهم لهم شهادة بعقيدة نفوسهم، و نصرة لرئاستهم و منزلتهم.

  • فقال فقيه المستنصريّة: و الله ما بيني و بين الحقّ عداوة، ما هذا إلّا واضح لا شبهة فيه، و أنا أتوب إلى الله تعالى بما كنتُ عليه من الاعتقاد.

  • فلما فرغ من شروط التوبة، و إذا رجل من ورائي قد أكبّ على يديّ‌

معرفة الإمام ج٩

209
  • يقبّلها و يبكي.

  • فقلتُ: من أنت؟! فقال: ما عليك من اسمي؟! فاجتهدت به حتّى قلت: فأنت الآن صديق! أو صاحب حقّ! فكيف يحسن لي أن لا أعرف صديقي و صاحب حقّ عَلَيّ لُاكافيه! فامتنع من تعريف اسمه.

  • فسألت الفقيه الذي من المستنصريّة: من هو هذا الرجل؟! فقال: هذا فلان بن فلان من فقهاء النظاميّة سهوت عن اسمه الآن.۱

  • و قال المرحوم السيّد ابن طاووس رضوان الله عليه في «الإقبال» حول عيد الغدير:

  • فَصْلٌ فيما نذكره من فضل الله جلّ جلاله بعيد الغدير على سائر الأعياد و ما فيه من المنّة على العباد.

  • اعلم أنّ كلّ عيد جديد أطلق الله جلّ جلاله فيه شيئاً من الجود و الإحسان إلى عبده السعيد، فإنّما يكون إطلاقه جلّ جلاله لذلك الإحسان لمن ظفر بمعرفة الله جلّ جلاله و معرفة رسوله صلّى الله عليه و آله و إمام الزمان، و كان صحيح الإيمان، فإنّ النقل عن صاحب الشريعة النبويّة ورد متظاهراً أنّه‌ مَنْ مَاتَ وَ لَمْ يَعْرِفْ إمام زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً.

  • و هذا عيد يوم الغدير الثامن عشر من ذي الحجّة، فيه كشف الله و رسوله عن واضح المحجّة، و نصّ بها على من اختاره للإمامة و الحجّة.

  • و اعلم أنّ منّة الله و إحسانه بكشفه، و المحنة بلطفه تكاد أن تزيد على الامتحان بصاحب النبوّة العظيم الشأن.

  • لأنّ الرسول المبعوث صلوات الله و سلامه عليه بعث في أوّل أمره بمكّة إلى قوم يعبدون أحجاراً و أخشاباً لا تدفع، و لا تنفع، و لا تسمع‌

    1. «كشف المحجّة»، الفصل ٩۸، ص ۱۰۷ إلى ۱۱٥، الطبعة الحجريّة.

معرفة الإمام ج٩

210
  • خطاباً، و لا تردّ جواباً. قد شهدت عقول أهل الوجود بجهل من اتّخذها آلهة من دون الله المعبود.

  • هذا من جهة، و من جهة اخرى لم يكن بين أهل مكّة و بين رسول الله صلّى الله عليه و آله عداوة قبل رسالته، و لا بينهم و بينه قتل، و لآدم قد سفكه، تمنع طبعاً و عقلًا من قبول نبوّته.

  • و أمّا مَوْلَانَا أمِيرُ المُؤْمِنِينَ عليه أفضل السلام الذي نصّ الله جلّ جلاله عليه على لسان رسوله في يوم الغدير، فإنّ أهل الإسلام كانوا قد اتّسعت عليهم شبهات العقول و الأحلام و تأويل ما يقدرون فيه على التأويل.

  • و كان أمِيرُ المُؤْمِنِينَ عليه السلام قد عادى كثيراً من الناس في الله جلّ جلاله، و في طاعة الرسول الجليل، فسفك دماء عظيمة من أسلافهم و عظمائهم، و أمثالهم. و سار مع رسول الله صلّى الله عليه و آله سيرة واحدة في معاداة من عاده من أوّل أمره إلى آخره من غير مراعاة لحفظ قلوب من كان عاداه من رجالهم. و ظهرت له من الكرامات و العنايات ما اقتضت حسد أهل المقامات، فحصل لإمامته من المعاداة و الحسد له على الحياة، و نفور الطباع أنّه ما سار إلّا سيرة رسول الله من غير وهن و لا مداهنة على ما كان عند بعثة النبيّ عليه أفضل الصلوات، فبلغ الأمر إلى ما قدّمناه قبل هذا الفصل من العداوات. ثمّ قال: فَصْلٌ و لقد حكى أبو هلال العسكريّ في كتاب «الأوائل» و هو من المخالفين المعاندين كلاماً جليلًا في سبب عداوة الناس لمولانا عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

  • خطبة أبي الهيثم بن التيّهان في سبب حسد قريش لأمير المؤمنين‌

  • فقال في مدح أبي الهَيْثَم بن التَّيِّهان‌۱ أنّه أوّل من ضرب على يد

    1. قال في «الإصابة» ج ٤، ص ٢۰۸: أبو الهيثم بن التَّيِّهان بفتح النقطتين الفوقيّة و كسرهما، ابن مالك بن عتيك بن عمرو، و قيل: اسمه مالك. شهد بدراً و حضر بيعة العقبة. آخى النبيّ بينه و بين عثمان بن مظعون. و ذهب كثيرون إلى أنّه استُشهد في حرب صفّين.

معرفة الإمام ج٩

211
  • رسول الله صلّى الله عليه و آله في ابتداء أمر نبوّته. ثمّ قال بإسناده إلى الهيثم بن التيّهان: إنَّهُ قَامَ خَطِيبَاً بَيْنَ يَدَيْ أمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلِيّ بْنِ أبي طَالِبٍ فَقَالَ: إنَّ حَسَدَ قُرَيْشٍ إيَّاكَ على وَجْهَيْنِ:

  • أمَّا خِيَارُهُمْ فَتَمَنَّوا أنْ يَكُونُوا مِثْلَكَ مُنَافَسَةً في المَلَاءِ وَ ارْتِفَاعِ الدَّرَجَةِ.

  • وَ أمَّا شِرَارُهُمْ فَحَسَدُوا حَسَداً أثْقَلَ القُلُوبَ وَ أحْبَطَ الأعْمَالَ. وَ ذَلِكَ أنَّهُمْ رَأوْا عَلَيْكَ نِعْمَةً قَدَّمَهَا إلَيْكَ الحَظُّ وَ أخَّرَهُمْ عَنْهَا الحِرْمَانُ فَلَمْ يَرْضَوا أنْ يَلْحَقُوا حتّى طَلَبُوا أنْ يَسْبِقُوكَ فَبَعُدَتْ وَ اللهِ عَلَيْهِمُ الغَايَةُ وَ سَقَطَ المِضْمَارُ.

  • فَلَمَّا تَقَدَّمْتَهُمْ بِالسَّبْقِ وَ عَجَزُوا عَنِ اللِّحَاقِ بَلَغُوا مِنْكَ مَا رَأيْتَ، وَ كُنْتَ وَ اللهِ أحَقَّ قُرَيْشِ بِشُكْرِ قُرَيْشٍ، نَصَرْتَ نَبِيِّهُمْ حَيَّاً وَ قَضَيْتَ عَنْهُ الحُقُوقَ مَيْتاً.

  • وَ اللهِ مَا بَغْيُهُمْ إلَّا على أنْفُسِهِمْ وَ لَا نَكَثُوا إلَّا بَيْعَةَ اللهِ. يَدُ اللهِ فَوْقَ أيْدِيهِمْ فِيهَا. وَ نَحْنُ مَعَاشِرَ الأنصَارِ أيْدِينَا وَ ألْسِنَتُنَا مَعَكَ! فَأيْدِينَا على مَنْ شَهِدَ، وَ ألْسِنَتُنَا على مَنْ غَابَ.۱

  • و كذلك قال المرحوم السيّد ابن طاووس: قال مصنّف كتاب «النَّشْر و الطَّيّ»: قال أبو سعيد الخُدْرِيّ: فلم ننصرف مع رسول الله من غدير خمّ حتّى نزلت هذه الآية:

    1. كتاب «الإقبال» لابن طاووس، ص ٤٥٩ إلى ٤٦۱.

معرفة الإمام ج٩

212
  • {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً}.۱ فقال النبيّ صلّى الله عليه و آله: الحَمْدُ لِلَّهِ على كَمَالِ الدِّينِ وَ تَمَامِ النِّعْمَةِ وَ رِضَا الرَّبِّ بِرِسَالَتي وَ وَلَايَةِ عَلِيّ بْنِ أبي طَالِبٍ. و نزلت هذه الآية:

  • {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ}‌.٢

  • قال صاحب كتاب «النَّشر و الطيّ»: فقال الصادق عليه السلام: يَئِسَ الكَفَرَةُ وَ طَمِعَ الظَّلَمَةُ.

  • و أنقل أنا و قال مسلم في صحيحه بإسناده إلى طَارِقِ بْنِ شَهَابٍ قال: قالت اليهود لعمر: لو علينا معشر اليهود نزلت هذه الآية: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً}، و نعلم اليوم الذي أنزلت فيه، لاتّخذنا ذلك اليوم عيداً.٣

  • و روى نزول هذه الآية يوم الغدير جماعة من المخالفين (السنّة) ذكرناهم في «الطرائف». و قال مصنّف كتاب «النَّشْر و الطيّ»: و روي أنّ الله عرض عليّاً على الأعداء يوم المباهلة، فرجعوا عن العداوة، و عرضه على الأولياء يوم الغدير، فصاروا أعداءً، فشتّان ما بينهما!

  • يوم الغدير عيد عند رسول الله و جميع الائمّة عليهم السلام‌

  • أجل، إنّ جميع هذه الميزات و الخصوصيّات و نزول الآيات تضفي على يوم الغدير أهمّيّة و جلالًا، إذ أسرّت الرسول الأكرم صاحب الرسالة الخاتميّة، و الأئمّة الطاهرين خلفاءه بالحقّ، و المؤمنين بعدهم، و هذه هي الحقيقة و المعنى الذي نريده من العيد.

    1. (۱ و ٢) الآية ٣، من السورة ٥: المائدة.
    2. (۱ و ٢) الآية ٣، من السورة ٥: المائدة.
    3. إنّ هذه الرواية التي ذكرها طارق بن شهاب في «تيسير الوصول» ص ٢٢٢، أوردها مسلم، و البخاريّ، و الترمذيّ، و النِّسائيّ، و مالك في كتبهم أيضاً.

معرفة الإمام ج٩

213
  • روى فُرات بن إبراهيم الكوفي عن محمّد بن ظهير، عن عبد الله بن الفضل الهاشميّ، عن الإمام جعفر الصادق، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام:

  • قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ: يَوْمُ غَدِيرِ خُمٍّ أفْضَلُ أعْيَادِ امَّتِي، وَ هُوَ اليَوْمُ الذي أمَرَنِي اللهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِنَصْبِ أخِي عَلِيّ بْنِ أبي طَالِبٍ عَلَماً لُامَّتِي يَهْتَدُونَ بِهِ مِنْ بَعْدِي، وَ هُوَ اليَوْمَ الذي أكْمَلَ اللهُ فِيهِ الدِّينَ، وَ أتَمَّ على امَّتِي فِيهِ النِّعْمَةَ وَ رَضِيَ لَهُمُ الإسْلَامَ دِيناً.۱

  • و في ضوء هذا العيد و معنى العيد، قال رسول الله: هَنِّئُونِي! هَنِّئُونِي! إذ إنّ التهنئة و التبريك من مواصفات العيد الخاصّة بعيدٍ كهذا.

  • و روى أبو سعيد الخركويّش النيسابوريّ بإسناده عن البراء بن عازب، عن أحمد بن حنبل، و عن أبي سعيد الخُدْريّ قال: ثمَّ قَالَ النَّبِيّ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ: هَنِّئُونِي! هَنِّئُونِي! إنَّ اللهَ تَعَالَى خَصَّنِي بِالنُّبُوَّةِ وَ خَصَّ أهْلَ بَيْتِي بِالإمَامَةِ. فَلَقِيَ عُمَرُ بْنُ الخَّطَابِ أمِيرَ المُؤمِنِينَ فَقَالَ:

  • طُوبَى لَكَ يَا أبَا الحَسَنِ! أصْبَحْتَ مَوْلَايَ وَ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَ مُؤْمِنَةٍ.٢

  • و اتّخذ أمير المؤمنين عليه السلام يوم الغدير عيداً اقتداءً بهدى رسول الله صلّى الله عليه و آله، كما وجدنا ذلك في خطبته التي نقلناها عن كتاب «مصباح المتهجّد». و عرف الأئمّة الطاهرون عليهم السلام هذا اليوم، و سمّوه عيداً، و أمروا كافّة المسلمين أن يتّخذوه عيداً، و يبثّوا فضائله، و يتحدّثوا للناس عن الثواب المضاعف لأعمال البرّ و الحسنات و الخيرات في ذلك اليوم.

    1. ۱ «تفسير فرات بن إبراهيم».
    2. ٢ كتاب «شرف المصطفي».

معرفة الإمام ج٩

214
  • و روى فرات بن إبراهيم أيضاً بسنده عن فرات بن أحنف، عن الإمام الصادق عليه السلام قال: قلت للإمام: جُعِلْتُ فداك! للمسلمين عيد أفضل من الفطر، و الأضحى، و يوم الجمعة، و يوم عرفة؟!

  • قال الإمام: نعم، أفضلها و أعظمها و أشرفها عند الله منزلة هو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين، و أنزل على نبيّه محمّد هذه الآية:

  • {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً}.

  • قلتُ: و أي يوم هو؟

  • قال: فقال [الإمام‌]: إنّ أنبياء بني إسرائيل كانوا إذ أراد أحدهم أن يعقد الوصيّة و الإمامة من بعده، ففعل ذلك، جعلوا ذلك اليوم عيداً.

  • [فأفضل الأعياد] هو اليوم الذي نصب فيه رسول الله صلّى الله عليه و آله عليّاً عليه السلام للناس عَلما، و أنزل فيه ما أنزل، و كمل فيه الدين، و تمّت فيه النعمة على المؤمنين.

  • قال: قلتُ: و أي يوم هو في السنة؟!

  • قال: فقال: إنّ الأيّام تتقدّم و تتأخّر، و ربما كان يوم السبت، و الأحد، و الاثنين إلى آخر الأيّام السبعة.

  • قال: قلتُ: فما ينبغي لنا أن نعمل في ذلك اليوم؟!

  • قال [الإمام‌]: هو يوم عبادة، و صلاة و شكر للّه و حمد له، و سرور، لما منّ الله به عليكم من ولايتنا، فإنِّي احبُّ لكم أن تصوموه!۱

  • و روى محمّد بن يَعقوب الكُلَيْني عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد، عن الإمام الصادق عليه السلام‌

    1. «تفسير فرات بن إبراهيم» سورة المائدة؛ و «بحار الأنوار» ج ٩، ص ٢۱٥.

معرفة الإمام ج٩

215
  • قال: قلت للإمام: جعلتُ فداك! للمسلمين عيد غير العيدين (الفِطر و الأضْحى)؟!

  • قال: نعم يا حسن! أعظمهما و أشرفهما!

  • قلت: و أي يوم هو؟!

  • قال: يوم نُصِبَ أمير المؤمنين عليه السلام عَلَماً [و إماماً للناس‌]!

  • قلتُ: جعلت فداك! و ما ينبغي لنا أن نصنع فيه؟!

  • قال: تصوم يا حسن! و تكثر الصلاة على محمّد و آله، و تبرأ إلى الله ممّن ظلمهم! فإنّ الأنبياء عليهم السلام كانوا يأمرون الأوصياء اليوم الذي كان يقام فيه الوصيّ أن يتّخذ عيداً.

  • قلتُ: فما لمن صامه؟!

  • قال: صيام ستّين شهراً! و أنت لا تدع صيام السابع و العشرين من شهر رجب! لأنّ النبوّة نزلت على محمّد صلّى الله عليه و آله في ذلك اليوم، و ثوابه لكم كصيام ستّين شهراً.۱

  • و روى الكليني أيضاً عن سَهْل بن زياد، عن عبد الرحمن بن سالم، عن أبيه أنّه قال: سألت الصادق عليه السلام: هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة، و الأضحى، و الفطر؟!

  • قال: نعم! أعظمها حرمة!

    1. «فروع الكافي» طبعة المطبعة الحيدريّة، كتاب الصيام، باب صيام الترغيب، ج ٢، ص ۱٤۸ و ۱٤٩؛ و رواها السيّد ابن طاووس في «الإقبال» عن رواية عليّ بن حسن فضّال في كتاب الصيام، عن الحسن بن راشد. و جاء فيها أنّ ذلك اليوم هو الثامن عشر من ذي الحجّة، و يستحبّ للإنسان أن يصوم في ذلك اليوم، و يتقرّب إلى الله عزّ و جلّ بأنواع أعمال الخير.
      (ص ٤٦٥)؛ و رواها الشيخ الطوسيّ في «مصباح المتهجّد» ص ٥۱٢ و ٥۱٣. و وردت في «بحار الأنوار» ج ٩، ص ٢۱٥.

معرفة الإمام ج٩

216
  • قلتُ: و أي عيد هو، جعلت فداك؟! قال: اليوم الذي نصب فيه رسول الله صلّى الله عليه و آله أمير المؤمنين عليه السلام، و قال: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ!

  • قلت: و أي يوم هو؟! قال: و ما تصنع باليوم؟ إنّ السنة تدور.۱ و لكنّه يوم ثمانية عشر من ذي الحجّة. فقلت: ما ينبغي لنا أن نفعل في ذلك اليوم؟!

  • قال: تذكرون الله عَزَّ ذِكْرُهُ فيه بالصيام و العبادة و الذكر لمحمّد و آل محمّد! فإنّ رسول الله صلّى الله عليه و آله أوصى أمير المؤمنين عليه السلام أن يتّخذوا ذلك اليوم عيداً، و كذلك كان الأنبياء عليهم السلام يفعلون، كانوا يوصون أوصياءهم بذلك فيتّخذونه عيداً.٢

    1. نلحظ هنا أنّ السائل لما أراد أن يعرف يوم الغدير حسب الفصول و الشهور الشمسيّة، ردعه الإمام عليه السلام، و قال: المناط في حساب و تعيين الأيّام و الأعياد و غيرها هو الشهور القمريّة لا الشمسيّة. و عيد الغدير هو يوم الثامن عشر من ذي الحجّة، و لكنّ يومه غير محدّد حسب الشهور الشمسيّة، لأنّ الأيّام تدور باستمرار، و كلّ يوم من أيّام الشهر القمريّ لا يقع في يوم خاصّ من أيّام الشهر الشمسيّ، بل هو يدور دائماً. فقد يصادف يوم عيد الغدير مثلًا في الربيع و شهر الحمل، و قد يتّفق وقوعه في الجوزاء، و قد يكون في الصيف و شهر السرطان، و هكذا. و لما كان المدار في الامور الشرعيّة و الحساب هو الشهور القمريّة، فلا فائدة في معرفتها و تطبيقها على الشهور الشمسيّة. و لهذا قال للسائل: و مَا تَصْنَعُ باليوم إنَّ السّنَةَ تَدُورُ؟ و هذه الرواية، و كذلك الرواية التي نقلناها أخيراً عن فرات بن إبراهيم، التي يقول الإمام فيها: إنّ الأيّام تتقدّم و تتأخّر، دليل على عدم جواز الاستناد إلى الشهور الشمسيّة، إذ إنّ السائل يقول في هذه الرواية أيضاً: قلتُ: و أي يوم هو في السنة؟ فقال لي: إنّ الأيّام تتقدّم و تتأخّر و ربما كانت في السبت إلى آخره. و نحن ناقشنا هذا الموضوع بنحو وافٍ في الجزء السادس من هذا الكتاب، في المجلس ۸٣ إلى ٩۰، و كذلك في رسالة مستقلّة عنوانها «رسالة نوين در بناء اسلام بر سال و ماه قمري»(/ رسالة جديدة في بناء الإسلام على الشهور القمريّة).
    2. «فروع الكافي» ج ٢، ص ۱٤٩، الطبعة الحيدريّة؛ و كتاب «الإقبال» ص ٤٦٥؛ و «مصباح المتهجّد» ص ٥۱٢؛ «بحار الأنوار» ص ٢۱٥ و ٢۱٦.

معرفة الإمام ج٩

217
  • ثواب عمل الخير في يوم الغدير يعادل ثواب ثمانين شهراً

  • قال السيّد ابن طاووس بعد ذكر هاتين الروايتين اللتين نقلناهما عن «الكافي»:

  • و من اولئك الذين رووا في فضل الغدير: الشُّيُوخُ المُعَظَّمُونَ: أبُو جَعْفَر مُحَمَدُ بْنُ بَابَوَيْه، وَ المُفِيدُ محَمَّدُ بن محَمَّدُ بن النُّعْمَان، وَ أبُو جَعْفَر مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَن الطُّوسيّ بإسنادهم جميعاً عن الصادق عليه السلام: إنَّ العَمَلَ في يَوْمِ الغَدِيرِ: ثَامِنَ عَشَرَ ذي الحَجَّةِ يَعْدِلُ العَمَلَ في ثَمَانِينَ شَهْراً.۱

  • و في حديث آخر بإسنادهم جميعاً عن الصادق عليه السلام قال: صَوْمُ يَومِ غَدِيرِ خُمٍّ كَفَّارَةُ سِتِّينَ سَنَةً.٢

  • و من الرواة في فضيلة الغدير، مصنّف كتاب «النشر و الطيّ» بإسناده عن الحسن بن محمّد بن سعيد الهاشميّ الكوفي، عن فرات بن إبراهيم الكوفي، عن محمّد بن ظهير، عن عبد الله بن فضل الهاشميّ، عن الصادق عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، قَالَ النَّبِيّ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ: يَوْمُ غَدِيرِ خُمٍّ أفْضَلُ أعْيَادِ امَّتِي، هُوَ اليَوْمُ الذي أمَرَنِي فِيهِ بِنَصْبِ أخِي عَلِيّ بْنِ أبي طَالِبٍ فِيهِ عَلَمًا لُامَّتِي يَهْتَدُونَ بِهِ بَعْدِي. وَ هُوَ اليَوْمُ الذي أكْمَلَ اللهُ فِيهِ الدِّينَ وَ أتَمَّ على امَّتِي فِيه النِّعْمَةَ و رَضِيَ لَهُمُ الإسْلَامَ دِيناً.

  • ثمّ قال: مَعَاشِرَ النَّاسِ! إنَّ عَلِيَّاً مِنِّي وَ أنَا مِنْ عَلِيّ خُلِقَ مِنْ طِينَتي وَ هُوَ بَعْدي يُبَيِّنُ لَهُمْ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ سُنَّتِي. وَ هُوَ أميرُ المؤمِنِينَ وَ قَائِدُ

    1. ۱ «الإقبال» ص ٤٦٥.
    2. «الإقبال» ص ٤٦٦؛ و رواه في «مصباح المتهجّد» ص ٥۱٢، عن المفضّل بن عمر، عن الإمام الصادق عليه السلام.

معرفة الإمام ج٩

218
  • الغُرِّ المُحَجَّلِينَ وَ يَعْسُوبُ المُؤْمِنِينَ وَ خَيْرُ الوَصِيِّينَ وَ زَوْجُ سَيِّدَةِ نِسَاءِ العَالَمِينَ وَ أبُو الأئِمَّةِ المَهْدِيِّينَ.۱

  • و من اولئك: محمّد بن عليّ بن محمّد الطرازيّ في كتابه بإسناده المتّصل عن المُفَضَّل بن عُمَر قال: قال لي أبو عبد الله صلّى الله عليه: إذا كان يوم القيامة، زُفّت أربعة أيّام إلى الله عزّ و جلّ كما تزفّ العروس إلى خِدرِها. يوم الفطر، و يوم الأضحى، و يوم الجمعة، و يوم غدير خمّ. و يوم غدير خمّ بين الفطر و الأضحى، و يوم الجمعة كالقمر بين الكواكب.

  • و إنّ الله ليوكل بغدير خمّ ملائكته المقرّبين، و سيّدهم يومئذٍ جبرائيل عليه السلام. و أنبياء الله المرسلين و سيّدهم يومئذٍ محمّد صلّى الله عليه و آله. و أوصياء الله المنتجبين و سيّدهم يومئذٍ أمير المؤمنين. و أولياء الله و ساداتهم يومئذٍ سلمان، و أبو ذرّ، و المقداد، و عمّار.

  • حتّى يورده الجنان كما يورد الراعي بغنمه الماء و الكلأ.

  • قال المفضّل: قلتُ: سيّديّ! تأمرني بصيامه؟ قال لي: أي‌ وَ اللهِ! أي وَ اللهِ! أي وَ اللهِ!

  • عيد الغدير يوم نزول جميع الخيرات و البركات‌

  • إنّه [عيد الغدير هو] اليوم الذي تاب الله فيه على آدم عليه السلام، فصامه شكراً للّه على ذلك اليوم. و إنّه اليوم الذي نجّى الله تعالى فيه إبراهيم عليه السلام من النار فصام شُكْراً للّه تعالى. و إنّه اليوم الذي أقام موسى عليه السلام هارون عليه السلام عَلَماً، فصام شكراً للّه تعالى ذلك اليوم. و إنّه اليوم الذي أظهر عيسى عليه السلام وصيّه شمعون الصفا، فصام شكراً للّه عزّ و جلّ ذلك اليوم. و إنّه اليوم الذي أقام رسول الله صلّى الله عليه و آله علياً عليه السلام للناس عَلَماً، و أبان فيه فضله و وصيّه، فصام شكراً للّه

    1. «الإقبال» ص ٤٦٦.

معرفة الإمام ج٩

219
  • تعالى ذلك اليوم. و إنّه ليوم صيام، و قيام، و إطعام، و صلة الإخوان، و فيه مرضاة الرحمن، و مرغمة الشيطان.۱

  • و ذكر السيّد ابن طاووس بعد عرض هذه الروايات فصلًا في عِلَل و موجبات فضل عيد الغدير، و قال: فَصْلٌ في جواب من سأل عمّا في يوم الغدير من الفضل، و قصر فهمه عمّا ذكرناه من ذلك النقل.

  • اعلم أنّ من التنبيه على أنّ فضل يوم الغدير ما عرف مثله بعده و لا قبله لأحد من الأوصياء و الأعيان فيما مضى من الأزمان، وجوه منها:

  • إن الله جلّ جلاله جعل نفس عليّ عليه السلام نفس النبيّ صلّى الله عليه و آله في آية المباهلة، فقال تعالى:

  • {فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ}‌.٢

  • و قد ذكرنا في كتاب «الطرائف» عن المخالفين [من أهل السنّة] أنّ الأبناء: الحسن، و الحسين، و النساء: فاطمة، و أنفُسَنا: عليّ بن أبي طالب، عليهم السلام.

  • و منها: جرى من التعظيم لنفس رسول الله. فمولانا عليّ عليه السلام داخل فيما يكن دخوله فيه من ذلك المقام. و لو اقتصرنا على هذا الوجه الكبير لكفي في تعظيم يوم الغدير.

    1. «الإقبال» ص ٤٦٦.
    2. الآية ٦۱، من السورة ٣: آل عمران: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أبْنَآءَنَا وَ أبْنَآءَكُمْ وَ نِساءَنَا وَ نِسَاءَكُمْ وَ أنفُسَنَا وَ أنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَعْنَتَ اللهِ على الْكَاذِبِينَ. أي: كلّ من جادلك و حاجَّك في عيسى ابن مريم هل هو الله أو ابن الله بعد ما عرفت حقيقة المطلب من الله و علمت أنّه مخلوق، فقل تعالوا نحن و إيّاكم و أبناءنا و نساءنا و أنفسنا فنتباهل و ندعو بالهلاك على الكاذب.

معرفة الإمام ج٩

220
  • و منها: أنّنا روينا في «الطرائف» عن المخالف أنّ نور عليّ عليه السلام من نور النبيّ صلّى الله عليه و آله في أصل خلقتهما، و أنّ ذلك بيّنة على تعظيم منزلتهما.

  • و منها: أنّ مولانا عليّ عليه السلام في امّة رسول الله صلّى الله عليه و آله.۱

  • و منها: كلما عصمت حرمة المنصوص عليه بالخلافة، كان ذلك تعظيماً لمن كان عنه. و مولانا عليّ عليه السلام نائب عن الله و رسوله في كلّ رحمة و رأفة. و أمان من كلّ آفة و مخافة.

  • و منها: إنّ الله جلّ جلاله قال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}.٢

  • فيكون عليّ عليه السلام بمقتضى هذا الوصف المتمثّل بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، الذي لا يجحد و لا ينكر، الرئيس من الله‌

    1. تحدّث سماحة استاذنا العلّامة الطباطبائيّ رضوان الله عليه في الجزء الأوّل من «الميزان» ص ٣٢٢ إلى ٣٢۷ حديثاً جامعاً و مشبعاً عن أنّ المراد بالامّة الوسطى في الآية الشريفة ۱٤٣، من السورة ٢: البقرة: وَ كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ امَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ على النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا، ليس الامّة كلها، لأنّ عنوان: شهداء على الناس هو الاطّلاع على أعمال الدنيا و أسرارهم فيها. و ما لم يكن هذا العلم لأحد، فلا يمكن أن يكون شاهداً و شهيداً على الناس يوم القيامة. و لا محالة أنّ الامّة الوسطى أفراد مخصوصون من الامّة، مطّلعون على أسرار الناس و نيّاتهم و بواطنهم. يتحمّلون الشهادة و يؤدّونها يوم القيامة. و هذا يخُصّ الأئمّة الأطهار عليهم السلام و أولياء الله الشاهدين على أعمال الناس، و النبيّ شاهد على أعمالهم.
      فعلى هذا، و في ضوء هذا البيان، أنّ أمير المؤمنين عليه السلام من امّة رسول الله حقّاً، و هو داخل في هذه الجماعة فحسب.
    2. الآية ۱۱۰، من السورة ٣: آل عمران.

معرفة الإمام ج٩

221
  • و رسوله على هذه الامّة التي هي خير الامم، أعظم من كلّ رئيس في شرف القِدَم و علوّ الهِمَمم و كمال القسم.

  • و منها: أنّ الامتحان بنصّ الله جلّ جلاله و رسوله صلوات الله عليه على مولانا عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وجدناه أعظم من كلّ امتحان عرفناه للأوصياء، لأجل ما اتّفق لمولانا على من كثرة الحاسدين و أعداء الدين الذين عاداهم و جاهدهم في الله ربّ العالمين، و في نصرة سيّد المرسلين؛ و قد شهدت عدالة الألباب أنّ المنازل في الفضل تزيد بزيادة الامتحان الوارد من جانب مالك الأسباب.

  • و منها: أنّ مولانا عليّاً عليه السلام وقى النبيّ صلّى الله عليه و آله و حفظ الإسلام و المسلمين في عدّة مقامات عجز عنها كثير من قوّة العالمين.

  • فجازاه الله جلّ جلاله، و رسوله صلّى الله عليه و آله شرف ذلك الفضل المبين بهذا المقام المكين، مثل أنّه بات على فراش رسول الله بمكّة، و قد عجز عنها كلّ من قرب منه، و كانوا بين هارب و عاجز عنه، و لهذا فكلما جرى بالمهاجرة من الشهادة في الدنيا و الآخرة، فمولانا حيث فداه بمهجته، أصل الفوائد بنبوّته.

  • و منها: أنّ عليّاً عليه السلام أدّى سورة براءة و نبذ عهود المشركين لما نزل إلى خاتم النبيّين: إنَّهُ لَا يُؤَدِّيَها إلَّا أنْتَ أوْ رَجُلٌ مِنْكَ. فكان القائم مقام النبوّة مَوْلَانَا عَلِيّ أمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

  • و منها: مقامات مولانا عليّ عليه السلام في بَدْر، و خَيبر، و حُنَيْن، و احُد، و في كلّ موقف كان يمكن أن يخذل الوالد ولده.

  • و منها: قتل مولانا عليّ عليه السلام عَمْرو بن عَبْد ودٍّ العظيم الشأن. و قد روينا في كتاب «الطرائف» عن المخالفين من العامّة أنّ النبيّ صلّى الله‌

معرفة الإمام ج٩

222
  • عليه و آله قال: لَضَرْبَةُ عَلِيّ لِعَمْرو بْنِ عَبْدوُدٍّ أفْضَلُ مِنْ عَمَلِ امَّتِي إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ. و في حديث آخر: لَضَرْبَةُ عَلِيّ يَوْمَ الخَنْدَقِ أفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ الثَّقَلَيْنِ.

  • أمير المؤمنين علىّ بن أبي طالب عليه السلام هو الإسلام كلّه‌

  • و كذلك قال النبيّ صلّى الله عليه و آله لمّا برز مولانا عليّ إلى عمرو بن عبد ودّ: بَرَزَ الإسْلَامُ كُلُّهُ إلَى الكُفْرِ كُلِّهِ.

  • فما ظنّك برجل يرى النبيّ صلّى الله عليه و آله أنّه هو الإسلام كلّه؟! و كيف يدرك بالبيان و التبيان فضله؟

  • و للّه درّ القائل:

  • يَفْنَى الكَلَامُ وَ لَا يُحيطُ بِوَصْفِهِ‌***أ يُحيطُ مَا يَفْنَى بِمَا لَا يَنفَدُ
  • و منها: أنّ الله جلّ جلاله جعل النصّ منه جلّ جلاله، و من رسوله صلوات الله عليه و آله بالخلافة لعليّ صلوات الله عليه، يقوم مقام جميع فضل الرسالة و النبوّة. و هذا مقام لا يبلغ و صفي حقيقته. فقال جلّ جلاله:

  • {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}‌.۱

  • و قد ذكرنا في كتاب «الطرائف» عن المخالف، و في هذا الكتاب: [ «الإقبال»]: أنّ المراد بهذه الآية ولاية عليّ عليه السلام يوم الغدير من غير ارتياب.

  • و منها: أنّ عناية الله جلّ جلاله بمولانا عليّ عليه السلام بلغت بتكرار الآيات و المعجزات و الكرامات إلى أن ادّعى فيه خلق عظيم باقون إلى هذه الأوقات ما ادّعى بعض النصارى في عيسى عليه السلام، و أنّه ربّ العالمين الذي يجب أن توجّه العبادات إليه.

    1. الآية ٦۷، من السورة ٥: المائدة.

معرفة الإمام ج٩

223
  • و منها: أنّ مولانا عليّاً عليه السلام عذّب الذين ادّعوا فيه الإلهيّة، كما؛ أمره صاحب النبوّة الربّانيّة، و لم يزدهم تعذيبه لهم إلّا ملزماً بأنّه ربّ العالمين.

  • و ما عرفنا أنّ معبوداً عذّب من يعبده بمثل ذلك العذاب، و هو مقيم على عبادته بالجدّ و الاجتهاد. فكان ذلك تنبيهاً على أنّ ظهور فضله خرق العقول و البصائر، حتّى بلغ إلى هذا الأمر الباهر.

  • و ما نقدر على شرح فضائل مولانا عليّ عليه السلام على التفصيل. و قد ذكرنا في كتاب «الطرائف» وجوهاً دالّة على مقامه الجليل. و قد نطق القرآن الشريف بنعم الله على عباده مطلقاً على التجميل، فقال:

  • {وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها}،۱ فهذا [فنعمة ولايته و إمامته‌] يكون من تلك النعم التي لا تحصى، لأنّ أمير المؤمنين عليه السلام رئيس القوم الذين ظفروا بها و حصّلوها.٢

  • عظمة يوم الغدير، و ثواب الصيام في ذلك العيد

  • و روى الشيخ الطوسيّ في «مصباح المتهجّد» عن داود بن كثير الرِّقّي، عن أبي هارون: عمّار بن حَريز العبديّ أنّه قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام في يوم الثامن عشر من ذي الحجّة فوجدته صائماً، فقال لي: هَذَا يَوْمٌ عَظيمٌ، عَظَّمَ اللهُ حُرْمَتَهُ على المُؤْمِنِينَ وَ أكْمَلَ لَهُمْ فِيهِ الدِّينَ، وَ تمَّمَ عَلَيْهِمُ النِّعْمَةَ، وَ جَدَّدَ لَهُمْ مَا أخَذَ عَلَيْهِمْ مِنَ العَهْدِ وَ المِيثَاقِ.

  • فقيل له: ما ثواب صوم هذا اليوم؟!

  • قال: إنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ وَ فَرَحٍ وَ سُرُورٍ، وَ يَوْمُ صَوْمٍ شُكْراً لِلَّهِ. و إنّ صومه يعدل ستّين شهراً من أشهر الحُرُم.

    1. الآية ٣٤، من السورة ۱٤: إبراهيم.
    2. «الإقبال» ص ٤٦٦ و ٤٦۷.

معرفة الإمام ج٩

224
  • و من صلّى فيه ركعتين أي وقت شاء، و أفضله قرب الزوال، و هي الساعة التي اقيم فيها أمير المؤمنين عليه السلام بغدير خُمّ عَلَماً للناس، و ذلك أنّهُم كانوا قربوا من المنزل في ذلك الوقت. فمن صلّى في ذلك الوقت ركعتين ثمّ سجد و قال: شُكْراً لِلَّهِ مائة مرّة، و دعا بعقب الصلاة بالدعاء الذي سيأتي،۱ و رفع رأسه من السجود، ثمّ سجد و حمد الله و شكره مائة مرّة، و هو ساجد، كان كمن حضر يوم الغدير و بايع رسول الله على ولاية أمير المؤمنين. و كانت درجته مع درجة الصادقين الذين صدقوا الله و رسوله في موالاة مولاهم ذلك اليوم، و كان كمن استشهد مع رسول الله صلّى الله عليه و آله، و مع أمير المؤمنين صلّى الله عليه، و مع الحسن و الحسين عليهما السلام. و كان كمن يكون تحت راية القائم عليه السلام في فسطاطه من النجباء و النقباء.٢

  • و روى الشيخ الصدوق بسنده عن الحسن بن راشد، عن المفَضَّل بن عُمَر قال: قلتُ لأبي عبد الله عليه السلام: كم للمسلمين من عيد؟! قال: أربعة أعياد.

  • قال: قلتُ: قد عرفت العيدين (الفطر و الأضحى) و الجمعة.

  • فقال لي: أعظمها و أشرفها يوم الثامن عشر من ذي الحجّة، و هو اليوم الذي أقام فيه رسول الله صلّى الله عليه و آله أمير المؤمنين عليه السلام و نصبه للناس عَلَماً. قال: قلتُ: ما يجب علينا في ذلك اليوم؟ قال: يجب عليكم صيامه شُكْراً لِلَّهِ و حَمْداً لَهُ و مَع أنّه أهل أن يشكر كلّ ساعة. و كذلك أمرت الأنبياء أوصياءها أن يصوموا اليوم الذي يقام فيه الوصيّ‌ و

    1. الرواية إلى هنا مذكورة في «مصباح المتهجّد» ص ٥۱٣.
    2. هذه التتمّة في «الإقبال» ص ٤۷٣ و ٤۷٤.

معرفة الإمام ج٩

225
  • يتّخذونه عيداً. و من صامه، فهو أفضل من عمل ستّين سنة.۱

  • رواية الحِميَريّ في عظمة عيد الغدير، و الصلاة الواردة فيه‌

  • و قال السيّد في «الإقبال» عن محمّد بن عليّ الطرازيّ في كتابه بإسناده إلى عبد الله بن جعفر الحميريّ، قال: حدّثنا هارون بن مسلم، عن أبي الحسن الليثيّ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليهما السلام، أنّه قال لمن حضره من مواليه و شيعته: أ تعرفون يوماً شيّد الله به الإسلام، و أظهر به منار الدين، و جعله عيداً لنا و لموالينا و شيعتنا؟!

  • فقالوا: الله و رسوله و ابن رسوله أعلم، أيوم الفطر هو يا سيّدنا؟! قال: لا.

  • قالوا: أ فيوم الأضحى؟!

  • قال: لا! و هذان يومان جليلان شريفان. و يوم امناء الدين أشرف منهما. و هو اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة. و إنّ رسول الله لما انصرف من حجّة الوداع، و صار بغدير خمّ، أمر الله عزّ و جلّ جبرائيل أن يهبط على النبيّ صلّى الله عليه و آله وقت قيام الظهر من ذلك اليوم. و أمره أن يقوم بولاية أمير المؤمنين عليه السلام، و أن ينصبه عَلَماً للناس بعده، و أن يستخلفه في امّته.

  • فهبط إليه جبرائيل و قال له: يا حبيبي! إنّ الله يقرئك السلام، و يقول لك: قم في هذا اليوم بولاية عليّ عليه السلام ليكون عَلَماً لُامّتك بعدك يرجعون إليه و يكون لهم كأنت.

  • فقال النبيّ صلّى الله عليه و آله: يا حبيبي جبرئيل! إنِّي أخاف تغيّر أصحابي لما قد و تروه، و أن يبدوا ما يضمرون فيه!

  • فعرج جبرائيل، و ما لبث أن هبط بأمر الله، فقال:

    1. «الخصال» ص ٢٦٤، باب الأربعة، طبعة مطبعة الحيدريّ.

معرفة الإمام ج٩

226
  • {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‌!}

  • فقام النبيّ صلّى الله عليه و آله ذَعِراً مرعوباً خائفاً من شدّة الرمضاء، و قدماه تشويان، و أمر بأن ينظّف الموضع، و يُقَمَّ ما تحت الدوح من الشوك. ففعل ذلك.

  • ثمّ نادى: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، فاجتمع المسلمون، و فيهم أبو بكر، و عمر، و عثمان، و سائر المهاجرين و الأنصار، ثمّ قام خطيباً، و ذكر بعد الولاية، فألزمها المسلمين جميعاً، فأعلمهم أمر الله بذلك.

  • فقال قوم ما قالوا، و تناجوا، بما أسرّوا.

  • الدعاء و الصيام و زيارة أمير المؤمنين عليه السلام في عيد الغدير

  • فإذا كان صبيحة يوم عيد الغدير، وجب الغسل في صدر نهاره، و أن يلبس المؤمن أنظف ثيابه و أفخرها، و يتطيّب، و يرفع يده بالدعاء و يقول: اللهُمَّ إنَّ هَذَا اليَوْمَ الذي شَرَّفْتَنَا فِيهِ بِوَلَايَةِ وَلِيِّكَ عَلِيّ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِ وَ جَعَلْتَهُ أميرَ المُؤْمِنِينَ وَ أمَرْتَنَا بِمُوالاتِهِ وَ طَاعَتِهِ وَ أنْ نَتَمَسَّكَ بِمَا يُقَرِّبُنَا إلَيْكَ وَ يُزْلِفُنَا لَدَيْكَ أمْرُهُ وَ نَهْيُهُ!

  • اللهُمَّ قَدْ قَبِلْنَا أمْرَكَ وَ نَهْيَكَ وَ أطَعْنَا لِنَبِيِّكَ وَ سَلَّمْنَا وَ رَضِينَا فَنَحْنُ مَوَالِى عَلِيّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ أوْلِيَائِهِ كَمَا أمَرْتَ نُوَاليه، وَ نُعَادِي مَنْ يُعَادِيهِ، وَ نَبْرَا مِمَّنْ يَبْرَا مِنْهُ وَ نُبْغِضُ مَنْ أبْغَضَهُ، وَ نُحِبُّ مَنْ أحَبَّهُ، وَ عَلِيّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَوْلَانَا كَمَا قُلْتَ وَ إمَامُنَا بَعْدَ نَبِيِّنَا صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ كَمَا أمَرْتَ.

  • فإذا كان وقت الزوال، أخذتَ مجلسك بهدوء و سكون و وقار و هيبة و إخبات، و تقول:

  • الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ كَمَا فَضَّلَنَا في دِينِهِ على مَنْ جَحَدَ وَ عَنَدَ وَ في نَعِيمِ الدُّنْيَا على كَثِيرٍ مِمَّنْ عَمَدَ. و هَدَانَا بِمُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ شَرَّفَنَا بِوَصِيِّهِ وَ خَلِيفَتِهِ في حَيَاتِهِ وَ بَعْدَ مَمَاتِهِ أميرِ المُؤمِنِينَ عَلَيْهِ‌

معرفة الإمام ج٩

227
  • السَّلَامُ. اللهُمَّ إنَّ محَمَّداً صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ نَبِيُّنَا كَمَا أمَرْتَ وَ عَلِيَّاً عَلَيْهِ السَّلَامُ مَوْلَانَا كَمَا أقَمْتَ، وَ نَحْنُ مَوَاليه وَ أوْلِيَاؤُهُ.

  • ثمّ تقوم و تصلي شكراً للّه تعالى ركعتين و تقرأ في الاولى الحمد و القدر، و في الثانية الحمد و التوحيد، و تقنت، و تركع، و تتمّ الصلاة، و تسلم، و تخرّ ساجداً و تقول في سجودك:

  • اللهُمَّ إنَّا إلَيْكَ وُجُوهَنَا جُوهَنَا في يَوْمِ عِيدِنَا الذي شَرَّفْتَنَا فِيهِ بِوَلَايَةِ مَوْلَانَا أميرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيّ بْنِ أبي طَالِبٍ صلّى الله عَلَيْهِ؛ عَلَيْكَ نَتَوَكَّلُ، وَ بِكَ نَسْتَعِينُ في امُورِنَا.

  • اللهُمَّ لَكَ سَجَدَتْ وُجوهُنَا، وَ أشْعَارُنَا، وَ أبْشَارُهَا، وَ جُلُودُنَا، وَ عُرُوقُنَا، وَ أعْظُمُنَا، وَ أعْصَابُنَا، وَ لُحُومُنَا، وَ دِمَاؤُنَا.

  • اللهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ، وَ لَكَ نَخْضَعُ، وَ لَكَ نَسْجُدُ على مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ وَ دِينِ محَمَّد، وَ وَلَايَةِ عَلِيّ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ، حُنَفَاءَ مُسْلِمِينَ، وَ مَا نَحْنُ مِنَ المُشْرِكِينَ وَ لَا مِنَ الجَاحِدِينَ.

  • اللهُمَّ العَنِ الجَاحِدِينَ المُعَانِدِينَ المُخَالِفِينَ لأمْرِكَ وَ أمْرِ رَسُولِكَ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ. اللهُمَّ العَنِ المُبْغِضِينَ لَهُمْ لَعْناً كَثِيراً لَا يَنْقَطِعُ أوَّلُهُ وَ لَا يَنْفَدُ آخِرُهُ.

  • اللهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّد وَ آلِهِ، وَ ثَبِّتْنَا على مُوَالاتِكَ، وَ مُوَالاةِ رَسُولِكَ وَ آلِ رَسُولِكَ وَ مُوَالاةِ أميرِ المُؤْمِنِينَ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِم.

  • اللهُمَّ آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَ في الآخِرَةِ حَسَنَةً وَ أحْسِنْ مُنْقَلَبَنَا يَا سَيِّدِنَا وَ مَوْلَانَا.

  • ثمّ كُلْ و اشرب، و أظهر السرور، و أطعم إخوانك، و أكثر برّهم! و اقض حوائج إخوانك إعظاماً ليومك! و خلافاً على من أظهر فيه الاغتمام و الحزن، ضَاعَفَ اللهُ حُزْنَهُمْ وَ غَمَّهُمْ. و الحق بإخوانك، واسع في قضاء

معرفة الإمام ج٩

228
  • حوائجهم!۱

  • و ذكر العلّامة الأميني بإسناد الكليني، عن الحسين بن الحسن الحسيني، عن محمّد بن موسى الهَمْداني، عن عليّ بن حسّان الواسِطيّ، عن عليّ بن الحسين العَبْديّ قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:

  • صِيَامُ يَوْمِ غَدِيرِ خُمٍّ يَعْدِلُ عِنْدَ اللهِ في كُلِّ عَامٍ مِائَةَ حِجَّةٍ وَ مائِة عُمْرَةٍ مَبْرُورَاتٍ مُتَقَبَّلَاتٍ، وَ هُوَ عِيدُ اللهِ الأكْبَرُ (الحديث).٢

  • و في «مختصر بصائر الدرجات» بإسناده عن محمّد بن العَلاء الهَمْداني الواسِطيّ، و يحيى بن جريح البغداديّ، قالا في حديث: قصدنا جميعاً أحمد بن إسحاق القمّيّ، صاحب الإمام أبي محمّد العَسْكَريّ، المتوفي بمدينة قم سنة ٢٦۰، و قرعنا عليه الباب، فخرجت إلينا من داره صبيّة عراقيّة فسألناها عنه! فقالت: هو مشغول بعيده، فإنّه يوم عيد!

  • فتعجّبنا و قلنا: سُبْحَانَ اللهِ! أعياد الشيعة أربعة: الأضحى، و الفطر، و الغدير، و الجمعة (الحديث).٣

  • و جاء عن كتاب «النَّشْر و الطيّ»، عن الرضا عليه السلام، في حديث طويل: يوم الغدير يوم التهنئة، و إذا لقي المؤمن أخاه يقول:

  • الحَمْدُ لِلَّهِ الذي جَعَلَنَا مِنَ المُتَمَسِّكِينَ بِوِلَايَةِ أميرِ المؤمِنِينَ وَ الأئِمَّة عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.٤

  • و ورد في كتاب محمّد بن عليّ الطرازيّ، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديث: إذا لقيت أخاك المؤمن، فقل:

    1. «الإقبال» ص ٤۷٤ و ٤۷٥.
    2. (٢ و ٣) «الغدير» ج ۱، ص ٢۸٦ و ٢۸۷.
    3. (٢ و ٣) «الغدير» ج ۱، ص ٢۸٦ و ٢۸۷.
    4. «الإقبال»، ص ٤٦٤.

معرفة الإمام ج٩

229
  • الحَمْدُ لِلَّهِ الذي أكْرَمَنَا بِهَذَا اليَوْمِ، وَ جَعَلَنَا مِنَ المُؤْمِنِينَ وَ جَعَلَنَا مِنَ المُوفِينَ بِعَهْدِهِ الذي عَهِدَهُ إلَيْنَا وَ مِيثَاقِهِ الذي وَاثَقَنَا بِهِ مِنْ وِلَايَةِ وُلَاةِ أمْرِهِ وَ القُوَّامِ بِقِسْطِهِ وَ لَمْ يَجْعَلْنَا مِنَ الجَاحِدِينَ وَ المُكَذِّبِينَ بِيَوْمِ الدِّينِ.۱

  • و وردت في يوم الغدير أدعية مختصرة و مطوَّلة. و نقل المرحوم السيّد ابن طاووس أعلى الله تعالى درجته أدعية مطوّلة عن الإمام الصادق، و عن بعض الكتب القديمة، و رواية الشيخ المفيد.٢

  • و وردت في ذلك اليوم زيارة مخصوصة لمولى الموالى أمير المؤمنين عليه السلام يزار بها من قريب أو بعيد. و ثمّة زيارة اثرت عن الإمام الصادق عليه السلام نقلها ابن طاووس عن عدّة من مشايخ الشيعة، عن أبي عبد الله محمّد بن أحمد الصفواني في كتابه بإسناده إلى الإمام، قال: إذا كنت في يوم الغدير في مشهد مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، فادن من قبره بعد الصلاة و الدعاء! و إن كنت في بُعد، فأوم إليه بعد الصلاة! و اقرأ هذا الدعاء، اللهُمَّ صَلِّ على وَلِيِّكَ وَ أخِي نَبِيِّكَ وَ وَزِيرِهِ وَ حَبِيبِهِ وَ خَلِيلِهِ وَ مَوْضِعِ سِرِّهِ وَ خِيَرَتِهِ مِنْ اسْرَتِهِ وَ وَصِيِّهِ‌ إلى آخره.٣

  • و من الزيارات، زيارة أمين الله المعروفة، ذكرها ابن طاووس في زيارة الغدير. قال السيّد: فصْلٌ فيما نذكره من تعيين زيارة لمولانا عليّ عليه السلام في يوم الغدير.

  • اعلم أنّنا ذكرنا في كتاب «مِصْبَاحِ الزَّائرِ وَ جَنَاحَ المُسَافِر» عدّة روايات مطوّلات يضيق عن مثلها مثل هذا الميقات، لأنّ يوم الغدير

    1. «الإقبال» ص ٤۷٦.
    2. «الإقبال» ص ٤۷٦ إلى ٤٩٣.
    3. «الإقبال» ص ٤٩٣ و ٤٩٤.

معرفة الإمام ج٩

230
  • يختصّ بيومه زيارات في كتاب المَسَرَّة من كتاب‌ «المَزَار» لابن أبي قُرَّة. و هي زيارات يوم الغدير رويناها عن جماعة إلى ابن أبي قرّة:

  • منها، قال ابن أبي قُرَّة: أخبرنا محمّد بن عبد الله، قال: أخبرنا أبي، قال: أخبرنا الحسن بن يوسف بن عميرة، عن أبيه، عن جابر بن يزيد الجُعْفي، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام، قال: كان أبي عليّ بن الحسين عليهما السلام قد اتّخذ منزله من بعد مقتل أبيه الحسين بن عليّ عليهما السلام بيتاً من شعر، و أقام بالبادية، فلبث بها عدّة سنين، كراهيةً لمخالطته الناس و ملابستهم.

  • و كان دأبه أنّه يسير من البادية بمقامه بها إلى العراق زائراً لأبيه و جدّه عليهما السلام، و لا يشعر بذلك أحداً.

  • قال مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيّ: فخرج أبي سلام الله عليه متوجّهاً إلى العراق لزيارة أمير المؤمنين عليه السلام، و أنا معه، و ليس معنا ذو روح إلّا الناقتين.

  • فلما انتهى إلى النجف من بلاد الكوفة، و صار إلى مكانه منه، فبكى حتّى اخضلّت لحيته بدموعه، ثمّ قال: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ! وَ رَحْمَةُ اللهِ وَ بَرَكَاتُهُ. السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أمِينَ اللهِ في أرْضِهِ وَ حُجَّتَهُ على عِبَادِهِ، إلى أن بلغ قوله: مَشْغُولَةً عَنِ الدُّنْيَا بِحَمْدِكَ وَ ثَنَائِكَ. ثمّ وضع خدّه على القبر، و قال: اللهُمَّ إنَّ قُلُوبَ المُخْبِتِينَ إلَيْكَ وَالِهَةٌ، إلى أن قال: وَ غَايَةُ رَجَائِي، في مُنْقَلَبِي وَ مَثْوَايَ.

  • قال جابر الجعفي: قال لي الباقر عليه السلام: ما قال هذا الكلام، و لا دعا به أحد من شيعتنا عند قبر أمير المؤمنين عليه السلام، أو عند قبر أحد من الأئمّة عليهم السلام إلّا وقّع دعاؤه في دَرَج من نور، بطابع محمّد صلّى الله عليه و آله، [و كان محفوظاً كذلك‌] حتّى يسلّم إلى قائم آل محمّد

معرفة الإمام ج٩

231
  • صلوات الله عليه، فيتلقى صاحبه بالبشرى و التحيّة و الكرامة، إن شاء الله.۱

  • قال جابر: حدّثت بهذا الحديث أبا عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام، فقال: زد فيه: إذا ودّعت أحد الأئمّة، فقل:

  • السَّلَامُ عَلَيْكَ أيُّهَا الإمَامُ وَ رَحْمَةُ اللهِ وَ بَرَكَاتُهُ! أسْتَوْدِعُكَ اللهَ وَ عَلَيْكَ السَّلَامُ وَ رَحْمَةُ اللهِ! آمَنَّا بِالرَّسُولِ وَ بِمَا جِئتُمْ بِهِ وَ بِمَا دَعَوْتُمْ إلَيْهِ! اللهُمَّ لَا تَجْعَلْهُ آخِرَ العَهْدِ مِنْ زِيَارَتِي وَلِيَّكَ، اللهُمَّ لا تَحْرِمْني ثَوَابَ مَزَارِهِ الَّذِي أوْجَبْتَ لَهُ وَ يَسِّرْ لَنَا العَوْدَ إلَيْهِ إنْ شَاءَ اللهُ!

  • و قال السيّد ابن طاووس بعد نقل هذه الزيارة المعتبرة عن كتاب «المزار» لابن أبي قُرّة: أقول: و قد زار مولانا الصادق عليه السلام قبر أمير المؤمنين عليه السلام بنحو هذه الألفاظ من الزيارة، تركنا ذكرها خوف الإطالة.

  • و روى جدّي أبو جعفر الطوسيّ‌٢ هذه الزيارة ليوم الغدير عن جابر الجُعفي، عن الإمام الباقر عليه السلام أنّ مولانا عليّ بن الحسين‌

    1. روى الشيخ الطوسيّ هذه الزيارة إلى هنا في «مصباح المتهجّد» ص ٥۱٤ و ٥۱٥ مرسلةً عن جابر الجعفي.
    2. علىّ بن طاووس من جهة الأب من أولاد طاووس، و طاووس من أولاد الإمام الحسن المجتبى، بهذه السلالة: عليّ بن موسى بن جعفر بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن محمّد الطاوسيّ بن إسحاق بن الحسن بن محمّد بن سليمان بن داود بن الحسن المثنى بن الإمام المجتبى الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام. («الكنى و الألقاب» ج ٣، ص ٢٩٩؛ و «تنقيح المقال» ج ٢، ص ٣۱۱). و من جهة الامّ حفيد ابن إدريس، و ابن إدريس ابن حفيد الشيخ الطوسيّ. و أخوه لُامّه و أبيه السيّد أحمد بن طاووس («ريحانة الأدب» ج ۸، ص ۷٦).

معرفة الإمام ج٩

232
  • عليهما السلام زار أمير المؤمنين بهذه الزيارة في يوم الغدير، و في ألفاظها خلاف، و لم يذكر فيها وداع.۱

  • و من الأعمال في عيد الغدير: الصيام إذ مرّت في تضاعيف هذا البحث كثير من روايات الخاصّة و العامّة في فضيلة صوم هذا اليوم. و ذكر أنّ ثوابه يعدل ثواب صيام ستّين شهراً، و ثمانين شهراً، و ستّين سنة، و ستّين شهراً في الأشهر الحرم.

  • و ننقل فيما يأتي رواية عن ابن طاووس، عن كتاب محمّد بن عليّ الطرازيّ، عن أبي الحسن عبد القاهر بوّاب الإمام موسى بن جعفر، و أبي جعفر محمّد بن عليّ الجواد عليهما السلام، قال: حدّثنا أبو الحسن عليّ بن حَسَّان الواسطيّ بواسط في سنة ثلاثمائة، قال: حدّثني عليّ بن الحسن بن عليّ العبديّ، قال: سمعت أبَا عَبْدِ اللهِ جَعْفَر بن مُحَمَّدٍ الصَّادِق عليه و على آبائه و أبنائه السلام يقول:

  • صَوْمُ يَوْمِ غَدِيرِ خُمٍّ يَعْدِلُ صِيَامُ الدُّنْيَا لَوْ عَاشَ إنْسَانٌ عُمْرَ الدُّنْيَا ثمَّ لَوْ صَامَ مَا عُمِّرَتِ الدُّنْيَا لَكَانَ لَهُ ثَوَابُ ذَلِكَ. وَ صِيَامُهُ يَعْدِلُ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ مِائَةَ حِجَّةٍ وَ مِائَةَ عُمْرَةٍ وَ هُوَ عِيدُ اللهِ الأكْبَرُ.

  • وَ مَا بَعَثَ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ نَبِيَّاً إلَّا وَ تَعَيَّدَ في هَذَا اليَوْمِ، وَ عَرَفَ حُرْمَتَهُ. وَ اسْمُهُ في السَّمَاءِ يَوْمُ العَهْدِ المَعْهُودِ، وَ في الأرْضِ يَوْمُ المِيثَاقِ المأخُوذِ وَ الجَمْعِ المَشْهُودِ الحديث.٢

  • ثواب التفطير في يوم عيد الغدير

  • و من المَثُوبات و القُرُبات في يوم الغدير تفطير المؤمنين الذي تمّ التأكيد عليه في ذلك اليوم.

    1. «الإقبال» ص ٤۷۰ و ٤۷۱.
    2. «الإقبال» ص ٤۷٦؛ و «بحار الأنوار» ج ٢۰، ص ٣۱٤، طبعة الكمباني.

معرفة الإمام ج٩

233
  • و ذكر السيّد ابن طاووس رواية مفصلة في فضيلة يوم الغدير عن كتاب «النَّشر و الطَّيّ»، يقول الإمام الرضا عليه السلام في فقرات منها: وَ يَوْمُ تَفْطِيرِ الصَّائِمِينَ، فَمَنْ فَطَّرَ فِيهِ صَائِماً مُؤْمِنَاً كَانَ كَمَنْ أطْعَمَ فِئَامَاً۱ وَ فِئامَاً إلى أنْ عَدَّ عَشْرَاً، ثمَّ قَالَ: أ وَ تَدْرِي مَا الفِئام؟! قَالَ: لَا! قَالَ: مِائَةُ ألْفٍ، وَ هُوَ يَوْمُ التَّهْنِئَةِ يُهَنِّي‌ءُ بَعْضُكُمْ بَعْضَاً.٢

  • و في ضوء ما ذكرنا في كتابنا «معادشناسى»٣ (= معرفة المعاد)، أنّ ثواب العمل يرتكز على حقيقة العمل و باطنه، و على النيّة و درجة الخلوص و ارتباط العمل بالله، و أنّه يرفع الحجاب، و يولّد التقرّب الحقيقيّ من الله، يستبين لنا كيف تترتّب هذه المثوبات العظيمة و الجزاءات الوافية على أعمال يوم الغدير، لأنّ العمل لا قيمة له ما لم ينبع من الإخلاص، و لم تَشُبْهُ شائبة الرياء و السمعة و سائر الأغراض، فحقيقة صحّة الأعمال منوطة بعدم إنكار الله، و نبيّه، و الولاية، و إذا انتهجت النهج الإلهيّ في صراط القرب المستقيم، فإنّها تُقْبَل. و كلما تشرّب العمل بطعم المحبّة، و الخلوص، و الصفاء، و الوفاء، و الحقيقة، زادت قيمته.

  • إن يوم الغدير الذي هو يوم تمييز الحقّ من الباطل، و يوم إعداد الصفوف من جنود الله قبالة تشكيل جنود الشيطان، هو يوم الامتحان و البلاء العظيم، و يوم افتراق الظاهر و الصورة عن الحقيقة و الواقع و المعنى و الباطن.

    1. الفئام في اللغة الجماعة من الناس. و يقول الإمام هنا بخاصّة: المقصود من هذه الجماعة التي لها ثواب الصيام مائة ألف شخص.
    2. «الإقبال» ص ٤٦٤.
    3. في المجلس التاسع و العاشر من الجزء الأوّل، و في المجلس الثالث و الستّين من الجزء التاسع.

معرفة الإمام ج٩

234
  • إن يوم الغدير هو يوم محاربة الشيطان للّه، و يوم تجلي الولاية، و كلّ من كان في صفّ المؤمنين، و أقرّ بأمر رسول الله، و قبل الآيات النازلة في القرآن، و تقلّد ولاية عليّ طوعاً و رغبة بلا إكراه و إجبار، و فتح صدره و فرش قلبه للطاعة و التبعيّة، فإنّه يتبيّن عظم قدره و قيمته. و لذلك فإنّ يوم الغدير هو يوم الامتحان النهائيّ، و هو يوم النجاح و الرسوب. و الكلّ يعلمون أنّ جهود سنة، أو مرحلة، أو عمر، يبذلها الطالب تتجلّى يوم الامتحان. فكلّ ساعة من يوم الامتحان تعدل ساعات من غيره. و لو غاب طالب المدرسة في الأوقات العاديّة اسبوعاً أو أكثر، فإنّ غيابه يمكن تداركه و تلافيه، أمّا لو غاب ساعة من يوم الامتحان، فإنّ غيابه يساوي إهدار جميع أتعابه و مساعيه، و تحمّله المشاكل المختلفة طيلة سنة كاملة.

  • و إذا احترم أحد يوم الغدير، فإنّه احترم كلام الله و رسوله و خليفته. فيوم الغدير يعادل عمر الدهر، و ساعة من ساعاته تعدل الأيّام و الشهور، و دقيقة من دقائقه و لحظة من لحظاته تساوي الأيّام الاخرى، و هَلُمَّ جَرَّا.

  • و على هذا إذا صام امرؤ في يوم الغدير طائعاً راغباً، حبّاً لعليّ و الولاية، و استجابةً لنداء الحقّ، فإنّ كلّ لحظة من عطشه و جوعه مساوقة للأيّام و الشهور الاخرى. و لذا لاعجب، بل طبقاً للموازين العقليّة و النظريّة، أنّ الجزاء العظيم للعاملين في يوم عيد الغدير، إذا نتج عن قبول الولاية و ربطها بالأمام بلا شكّ، صحيح و ثابت.

  • و هذه هي مدرسة الشيعة، و هذا هو الانفتاح و الحقيقة و ذروة المحبّة و المودّة و الإيثار و الحقيقة التي تتدفّق منها كالنافورة. أمّا مدرسة العامّة الخائبة المسكينة فهي جامدة جافّة جوفاء، إذ إنّ أتباعها عند ما يصلون إلى رواية صحيحة مأثورة عن رسول الله على أنّ الصوم في يوم الغدير يعدل صوم ستّين شهراً، ينسون أنفسهم، و يقولون: كيف يمكن أن يكون صوم‌

معرفة الإمام ج٩

235
  • يوم واحد مستحبّ معادلًا لصوم ستّين شهراً؟!

  • و أورد ابن كثير الدمشقيّ في كتاب «البداية و النهاية» الرواية التي نقلناها سابقاً عن «تاريخ بغداد»، و ذكرنا أنّ الخطيب البغداديّ نصّ على عدالة و وثوق راويها حَبْشُون الخلّال، و أحمد بن عبد الله بن أحمد النيّريّ. و لما ورد فيها أنّ رسول الله عدّ صيام يوم الغدير معادلًا لصيام ستّين شهراً، أنكر ذلك. و فيما يأتي عبارة ابن كثير:

  • و أمّا الحديث الذي رواه ضمرة عن ابن شوذب، عن مطر الورّاق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، [و فيه‌]:

  • قَالَ: لَمَّا أخَذَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِيَدِ عَلِيّ قَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ. فَأنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}. قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ: وَ هُوَ يَوْمُ غَدِيرِ خُمٍّ. مَن صَامَ يَوْمَ ثَمَان عَشْرَةَ مِنْ ذي الحِجَّةِ كُتِبَ لَهُ صِيَامُ سِتِّينَ شَهْراً.

  • فإنّه حديث منكر جدّاً، بل كذب لمخالفته لما ثبت في الصحيحين عن عمر بن الخطّاب أنّ هذه الآية نزلت في يوم الجمعة يوم عرفة، و رسول الله صلّى الله عليه و آله واقف بها كما قدّمنا. و كذا قوله إنّ صيام يوم الثامن عشر من ذي الحجّة، و هو يوم غدير خمّ يعدل صيام ستّين شهراً لا يصحّ لأنّه قد ثبت ما معناه في الصحيح أنّ صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، فكيف يكون صيام يوم واحد يعدل ستّين شهراً. هذا باطل.

  • و قد قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبيّ بعد إيراده هذا الحديث: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ جِدَّاً.

  • و رواه حبشون الخلّال، و أحمد بن عبد الله بن أحمد النيّريّ -و هما صدوقان- عن عليّ بن سعيد الرملي، عن ضمرة.

  • قال الذهبيّ: و يروى هذا الحديث من حديث عمر بن الخطّاب‌

معرفة الإمام ج٩

236
  • و مالك بن الحُوَيْرِث، و أنس بن مالك، و أبي سعيد، و غيرهم بأسانيد واهية. و قال الذهبيّ أيضاً:

  • و صدر الحديث متواتر، أتيقّن أنّ رسول الله صلّى الله عليه و آله قاله. و أمّا اللهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ‌ فزيادة قويّة الإسناد. و أمّا هذا الصوم، فليس بصحيح، و لا و الله ما نزلت هذه الآية إلّا يوم عرفة قبل غدير خمّ بأيّام، و الله تعالى أعلم.۱

  • هذا هو كلام ابن كثير نصّاً، و قد نقلناه هنا حرفيّاً رعاية للأمانة.

  • و نقول في جواب الذهبيّ و تلميذه الذيلي: في ضوء قاعدة و قانون باب التعادل و التراجيح في علم الاصول، إذا تعارضت روايتان صحيحتان في المتن، فإنّهما تسقطان عند فقدان المرجّحات بسبب التعارض، و ينبغي الرجوع إلى دليل آخر.

  • إن الرواية الواردة عن عمر بن الخطّاب، المذكورة في الصحيحين، على فرض صحّة سندها، ينبغي أن تتعارض مع رواية الخطيب البغداديّ، لأنّ تلك الرواية صحيحة السند أيضاً. و ما هو الدليل و المرجّح على أن تعتبروا رواية عمر هي الأصل؟ و تسقطوا رواية الخطيب لاختلاف متنها مع متن الرواية المشار إليها؟!

  • إن رواة رواية الخطيب هم: أبو هريرة، و شهر بن حوشب الأشعريّ، و مطر بن طهمان الورّاق أبو رجاء الخراساني، و أبو عبد الرحمن شوذب، و ضمرة بن ربيعة القُرَشيّ، و أبو نصر عليّ بن سعيد الرملي، و حبشون بن موسى بن أيّوب الخلّال، و الحافظ أبو الحسن عليّ بن عمر الدارقطني. و هؤلاء كلّهم عدول ثقات عند العامّة، و هم حائزون على أعلى درجة في‌

    1. ۱ «البداية و النهاية» ج ٥، ص ٢۱٣ و ٢۱٤.

معرفة الإمام ج٩

237
  • شروط قبول الخبر، و الرواية التي أوردوها هي رواية صحيحة كما يصطلح عليها، و لا يتسنّى رفضها طاعةً للهوى، كما لا يمكن إهمالها و التغاضي عنها لمخالفة مضمونها مضمون رواية عمر بن الخطّاب.

  • و نستخلص من هنا أنّ مقياس الصحّة و الوثاقة و القبول و الردّ في كتب العامّة قائم على أساس مذهبهم، لا على قاعدة التراجيح، فلهذا لا يبقى لهذه الروايات شأن عموماً، لأنّه بناءً على مقياس المذهب و الانحياز إلى الخلفاء، تطعن و تقدح الرواية الواردة عنهم، كالشخص المدّعي الذي يجعل نفسه شاهداً على دعواه.

  • و ثانياً: إنّ نزول الآية {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‌} في‌ يوم الغدير كما تحدّثنا عن ذلك بالتفصيل سابقاً مدعوم بروايات اخرى رواها ابن مردويه، و الطبريّ، و الخطيب، و أبو نُعيم، و السجستاني، و الحَسْكاني، و ابن عساكر، و غيرهم في كتبهم، و هذه الروايات تؤيّد رواية حبشون و ترجّحها في مقابل رواية عمر.

  • و ثالثاً: يمكن أن تكون الآية قد نزلت مرّتين، كما قلنا سابقاً، الاولى في يوم عرفة بنحوٍ، و الثانية في يوم الغدير بنحوٍ آخر، ذلك أنّ قضيّة الولاية قد طرحت في يوم عرفة، و تمّ التأكيد عليها، كما تفيده خطبة رسول الله.

  • يقول ابن كثير: لما جاء في الرواية أنّ صوم عيد الغدير يعادل صوم ستّين شهراً، و إنّ هذا الكلام باطل، فإنّ هذا البطلان يستلزم ضعف الرواية من أصلها.

  • ينبغيّ أن نقول له: و لم لا يعادل صوم الغدير صوم ستّين شهراً؟ و يجيب بأنّه صوم مستحبّ، و أنّه ليس أهمّ من صوم شهر رمضان الواجب، و أنّ ثواب شهر رمضان يعدل ثواب عشرة أشهر. و عند ما

معرفة الإمام ج٩

238
  • تشرّفت بأداء فريضة الحجّ هذا العام، جرى نقاش ذات ليلة مع أحد علماء الوهّابيّة في المسجد الحرام، و كان قد حفظ كلام ابن كثير حول صوم الغدير نصّاً، و قال: لما كانت هذه الرواية تعتبر صوم يوم واحد معادلًا لصوم ستّين شهراً، و هذا لا يعقل، لذلك لا حجّيّة لها.

  • و كان شابٌّ من شيعة البحرين جالساً إلى جنبي، فقال له: كم يتقاضى هؤلاء السقّاءون الذين تراهم يتجوّلون في المسجد الحرام، و يتجشّمون العناء في إيصال آنية الماء الثقيلة إلى نقاط المسجد المختلفة؟! قال: خمسمائة ريال سعوديّ كحدٍّ أعلى!

  • قال الشابّ: لو جاء الملك السعوديّ يوماً لزيارة المسجد الحرام و الطواف فيه، و بادر أحد السقّائين فملأ له إنّاءً نظيفاً من الماء عطّره بشي‌ء من ماء الورد، و قدّمه إليه مع باقة ورد، أو ورقة خضراء، مظهراً له الاحترام الكثير و الأدب. فكافأه الملك بهديّة مقدارها ألف ريال، فهل أساء الملك في عمله هذا؟ قال: لا!

  • قال الشابّ: إنّ الراتب الشهريّ الذي يتقاضاه السقّاء لو قسّم على أيّام الشهر، فإنّه يأخذ في كلّ يوم ستّة و عشرين ريالًا و شيئاً قليلًا معها، و المبلغ الذي يستلمه طيلة الساعة التي يوجد فيها الملك لا تعدو ريالين أو ثلاثة، و هذا المبلغ يأخذه مع راتبه الشهريّ، فكيف يصحّ إعطاؤه ألف ريال بلا عوض إزاء عمل غير واجب، و يمدح ذلك العقلاء؟ فكذلك صوم الغدير الذي هو موهبة من مالك الملوك و ملكهم و ربّ الأرباب لعبد مخلص و مؤمن أراد التعبير عن حبّه و ولائه لعليّ عليه السلام من خلال صيام يوم واحد. فلم يحر الوهّابي جواباً، و الجم واجماً. {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ}.۱

    1. الآية ٢٥۸، من السورة ٢: البقرة.

معرفة الإمام ج٩

239
  • ضروب الثواب و الجزاء كلّها تفضّل و إحسان‌

  • قال الفخر الرازيّ في ذيل الآيات: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ، فِي جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ، يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَ إِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ، كَذلِكَ وَ زَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ، يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ، لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى‌ وَ وَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ، فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}‌.۱

  • و احتجّ أصحابنا بهذه الآية على أنّ الثواب يحصل تفضّلًا من الله تعالى لا بطريق الاستحقاق. لأنّه تعالى لما عدّد أقسام ثواب المتّقين، بيّن أنّها بأسرها إنّما حصلت على سبيل الفضل و الإحسان من الله تعالى. و قال بعد ذلك: ذلك هو الفوز العظيم. و احتجّ أصحابنا بهذه الآية على أنّ التفضيل أعلى درجة من الثواب المستحقّ، فإنّه تعالى وصفه بكونه فضلًا من الله، ثمّ وصف الفضل من الله بكونه فوزاً عظيماً.

  • و يدلّ عليه أيضاً أنّ الملك العظيم إذا أعطى الأجير اجرته، ثمّ خلع على إنسان آخر، فإنّ تلك الخلعة أعلى حالًا من إعطاء تلك الاجرة.٢

  • و قال ابن كثير نفسه في تفسير هذه الآية الكريمة: ثبت في الصحيح عن رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم أنّه قال: اعْمَلُوا وَ سَدِّدُوا وَ قَارِبُوا وَ اعْلَمُوا أنَّ أحَداً لَنْ يُدْخِلَهُ عَمَلُهُ الجَنَّةَ! قَالُوا: وَ لَا أنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟! قَالَ: وَ لَا أنَا إلَّا أنْ يَتَغَمَّدَنِي اللهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَ فَضْلٍ.٣

    1. الآيات ٥۱ إلى ٥٩، من السورة ٤٤: الدخان.
    2. «تفسير الفخر الرازيّ» ج ۷، ص ٤۷۷، طبعة مطبعة السعادة.
    3. «تفسير القرآن»، لابن كثير، ج ٦، ص ٢٦٢، طبعة دار الفكر، و جاءت هذه الرواية في «صحيح البخاريّ» ج ۸، ص ٩۸ و ٩٩، كتاب الرقاق، طبعة بولاق سنة ۱٣۱٢ ه عن أبي هريرة و عائشة. و في رواية أبي هريرة إضافة هي: سَدِّدُوا، وَ قَارِبُوا، وَ اغْدُوا، وَ رُوحُوا، وَ شَي‌ء مِنَ الدُّلْجَةِ، وَ القَصْدَ القَصْدَ تَبْلِغُوا!

معرفة الإمام ج٩

240
  • و من هنا نقف على أنّ الثواب الإلهيّ بمقدار ما يكشف العمل عن حقيقة الإيمان. و كلما كان الإيمان و الخلوص أكثر، كانت المثوبة أكثر. و معلوم أنّ الإيمان و الإخلاص اللذين هما من الصفات النفسيّة أدقّ و ألطف و أظرف من الأعمال البدنيّة و الخارجيّة المشهودة من واجبات و محرّمات و مستحبّات و مكروهات، إذ يكشفان مقام الامتثال في العبد، و يبيّنا مقدار حبّه و حقيقته. و هذه هي الأعمال المستحبّة و النوافل التي يؤدّيها العبد طائعاً راغباً بلا إلزام و إيجاب، تدنيه من مقام القرب، و تجعل له موضعاً في حرم الأمن و الأمان الإلهيّ، و تصيّره جليساً و أنيساً و كليماً و حبيباً للّه. و حينئذٍ لا يكون الثواب ثواب صيام ستّين شهراً، بل ستّين عاماً، أو بحجم عمر الدهر، كما جاء في بعض الروايات الاخرى، و بصورة عامّة، عند ما يخرج العبد في عمله و نيّته من الحدود و التعيّن إلى اللاتَعَيُّن، فليس هناك إلّا الله و جماله و جلاله و بحر عظمته الذي لا حدّ له، و محيط علمه و حياته و قدرته الذي لا أمد له. و ليس هناك حدّ و مقدار و حجم و كمّ و كيف و أين و متى و جِدَة و فعل و انفعال. و هناك عالم التوحيد الذي لم يزل و لا يزال. و هناك بحر الإيقان و الإيمان العميق، و الانصهار في القبسات الربّانيّة و النفحات السبحانيّة.

  • الحديث القدسيّ في آثار النوافل‌

  • روى البخاريّ في صحيحه بسنده المتّصل عن أبي هريرة أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه و آله:

  • إن اللهَ قَالَ: مَن عَادَى لي وَلِيَّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ. وَ مَا تَقَرَّبَ إلَيّ عَبْدِي بِشَي‌ءٍ أحَبَّ إلَيّ افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَ مَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوافِلِ حتّى احِبَّهُ، فَإذَا أحْبَبتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ بِهِ وَ بَصَرَهُ الذي يَبْصُرُ بِهِ وَ يَدَهُ التي يَبْطُشُ بِهَا وَ رِجْلَهُ التي يَمْشِي بِهَا. وَ إنْ سَألَني لأعْطِيَنَّهُ وَ لَئِنِ اسْتَعَاذَني لأعِيذَنَّهُ، وَ مَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَي‌ءٍ أنَا فَاعِلُهُ كَتَرَدُّدِي عَنْ نَفْس‌

معرفة الإمام ج٩

241
  • المؤْمِنِ يَكْرَهُ المَوْتَ وَ أنَا أكْرَهُ مَسَاءَتَهُ.۱

  • و جاء في الروايات جزاء كثير للأعمال المستحبّة، كصوم العشرة من‌

    1. «صحيح البخاريّ» ج ۸، كتاب الرقاق، ص ۱۰٥، طبعة بولاق. و جاء صدر هذا الحديث حتّى قوله: وَ إنْ سَألني أعطيته في الصفحة ٦۸ من كتاب «كلمة الله». و قال في الصفحة ٥۱۸ من هذا الكتاب: أصل هذا الحديث أوّلًا في «المحاسن» للبرقيّ عن عبد الرحمن بن حمادة، عن حنان بن سدير، عن الإمام الصادق عليه السلام. و الآخر في كتاب «الكافي» ج ٢، ص ٣٥٢ إذ ورد فيه بثلاثة أسناد: الأوّل: عن أبي عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار، و عن محمّد بن يحيى، و عن أحمد بن محمّد بن عيسى، و كلاهما رواه عن ابن فضّال، عن علىّ بن عقبة، عن حمّاد بن بشير، عن الإمام الصادق عليه السلام، عن رسول الله صلّى الله عليه و آله. الثاني: عن جماعة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقيّ، عن إسماعيل بن مهران، عن أبي سعيد القمّاط، عن أبان بن تغلب، عن الإمام الباقر عليه السلام. الثالث: عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن المعلى بن خنيس، عن الإمام الصادق عليه السلام، عن رسول الله صلّى الله عليه و آله. و ورد هذا الحديث في كثير من الكتب، و روته العامّة بألفاظ مختلفة. و قال آية الله الميرزا جواد آقا الملكيّ التبريزيّ رضوان الله عليه في كتاب «لقاء الله»: هذا الحديث القدسيّ متّفق عليه بين جميع أهل الإسلام. و ذكره الغزّالى في «إحياء العلوم» في كتاب المحبّة و الشوق إلى الله، ج ٤، ص ٢٦٣. و عدّه العراقيّ في ذيل الصفحة من حديث البخاريّ، عن أبي هريرة. و أوردناه نحن في المجلس التاسع من دورة «معادشناسى»(/ معرفة المعاد). و نقل ذيل هذا الحديث، و هو قوله: مَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَي‌ءٍ أنَا فَاعِلُهُ، مع اختلاف الألفاظ في «الأمالى» للشيخ الطوسيّ؛ ج ٢، ص ٢٩، طبعة النجف سنة ۱٣۸٤؛ و في «بحار الأنوار» ج ٦، ص ۱٥٢، الطبعة الحديثة عن «الأمالى» للطوسيّ؛ و كذلك في «المحاسن» للبرقيّ بسندين آخرين أحدهما: عن فضيل عن أبي حمزة الثمالى، عن الإمام الصادق عليه السلام. الثاني: عن ابن فضّال، عن أبي جميلة، عن محمّد بن عليّ الحلبيّ، عن الإمام الصادق عليه السلام. («المحاسن» للبرقيّ، كتاب الصفوة و النور و الرحمة من المحاسن، باب الانفراد، ص ۱٦۰) و نحن ذكرناه في المجلس الثامن من الجزء الأوّل من هذا الكتاب «معرفة الإمام».

معرفة الإمام ج٩

242
  • ذي الحجّة، إذ يعدل ثوابه ثواب صيام سنة، و ليلة فيها بليلة القدر.۱

  • و كرواية عبد الله بن عمر إذ قال: كنّا و نحن مع رسول الله صلّى الله عليه و آله نعدل صوم يوم عرفة بسنتين.٢

  • و ورد في صوم اليوم السابع و العشرين من شهر رجب أنّه يعدل صيام ستّين شهراً.٣ و أمثال هذه الروايات التي تزخر بها كتب العامّة.

  • و على ابن كثير و أمثاله أن يعلموا أنّ الذنب ليس ذنب الرواية، بل هو ذنب لفظة الغدير، و يوم العيد، و نزول آية الإكمال، و كلمة عَلِيّ و المولى و أمثالها الواردة في هذه الرواية. و هذه الألفاظ لا ذنب لها أيضاً إلّا أنّها تدعو البشريّة إلى السعادة المطلقة و التوحيد و الكمال النفساني و الابتعاد عن البهيميّة و الشيطنة. {وَ ما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}.٤

  • {وَ ما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ}‌.٥

  • سَوَّدْتُ صِحيفَةَ أعْمَالِي‌***وَ وَكَّلْتُ الأمْرَ إلى حَيْدَرْ
  • هُوَ كَهْفي مِنْ نُوَبِ الدُّنْيَا***وَ شفِيعِي في يَوْمِ المَحْشَرْ
  • قَدْ تَمَّتْ لي بِوَلَايَتِهِ‌***نِعَمٌ جَمَّتْ عَنْ أنْ تُشْكُرْ
  • لأُصِيبَ بِهَا الحَظَّ الأوْفَى‌***وَ اخَصَّصَ بِالسَّهمِ الأوْفَرْ٦
    1. «سنن ابن ماجه» ج ۱، ص ٥٥۱، باب صيام العشر؛ طبعة دار إحياء الكتب العربيّة، و «إحياء العلوم» ج ۱، ص ٢۱٣.
    2. «الغدير» ج ۱، ص ٤۰۷ عن الطبراني في «الأوسط.
    3. «السيرة الحلبيّة» ج ۱، ص ٢۷٢ عن الدمياطيّ في سيرته.
    4. الآية ۸، من السورة ۸٥: البروج.
    5. الآية ۷٤، من السورة ٩: التوبة.
    6. أبيات من القصيدة الكوثريّة للمرحوم السيّد رضا الهنديّ العربيّ رحمه الله، و قد نقلناها تامّة في الدرس ۱۰٢ إلى ۱۰۷ من الجزء السابع من كتابنا هذا «معرفة الإمام.

معرفة الإمام ج٩

243
  •  

  •  

  • الدَّرْسُ الخَامِسُ وَ الثَّلَاثُونَ بَعْدَ المِائَة: تَعْمِيمُ رَسُولِ اللهِ أمِيرَ المُؤْمِنينَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ في يَوْمِ عِيد الغَديرِ

  •  

  •  

معرفة الإمام ج٩

245
  •  

  •  

  • بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‌

  • و صلّى الله على محمّد و آله الطَّاهرين‌

  • و لعنة الله على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين‌

  • و لا حول و لا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم‌

  •  

  •  

  • أفضل اللباس ما لا يشغل الإنسان عن الله بغير الله‌

  • قال الله الحكيم في كتابه الكريم:

  • {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا، أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ يَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَ إِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَ حَسُنَتْ مُرْتَفَقاً}.۱

  • نلحظ في هذه الآية المباركة أنّها جعلت لباس أهل الجنّة من اللون الأخضر، و من السندس و الإستبرق اللذين هما من أحسن أنواع الحرير.

  • {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ، فِي جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ، يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَ إِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ‌}.٢

  • فالناس المتّقون الذين يخافون الله و هم في عصمته و حفظه في مقامٍ أمين و محلّ ليس فيه أذى. و في جنّات مغطّاة بالأشجار إلى جانب العيون و الأنهار و هم يرتدون السندس و الإستبرق و يجلسون متقابلين.

    1. الآيتان ٣۰ و ٣۱، من السورة: ۱۸: الكهف.
    2. الآيات ٥۱ إلى ٥٣، من السورة ٤٤: الدخان.

معرفة الإمام ج٩

246
  • {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ، وَ هُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَ هُدُوا إِلى‌ صِراطِ الْحَمِيدِ}.۱

  • و اعتبرت هذه الآيات المباركة أيضاً لباس أهل الجنّة من السندس و الإستبرق و الحرير.

  • إن هذا الضرب من اللباس جزاء أو تجسيد للباس التقوى و الأثواب البسيطة غير الملوّثة التي كانت لهم في الدنيا. ذلك أنّ التزيّن بالذهب و ارتداء الحرير الخالص يحرمان على الرجال في الشريعة الإسلاميّة. فالرجال و النساء المؤمنون المتّقون الذين يتحرّكون على نهج الأصالة و التحقيق و الولاية، و لباسهم بسيط و اقتصاديّ يرتدون يوم القيامة لباس الإستبرق و الحرير.

  • و قال أمير المؤمنين عليه أفضل التحيّة و السلام في لباس المتّقين عند حديثه عن صفاتهم في خطبة همّام: وَ مَلْبَسُهُمُ الاقْتِصادُ.٢ و يكتفون في إشباع شهواتهم و ميولهم النفسانيّة بقدر الحاجة في ضرورة الحياة و مواصلتها.

  • و على هذا فإنفاقهم في الشؤون الخاصّة يقتصر على أشياء بسيطة كاللباس الذي يستر أجسامهم، بَيدَ أنّهم يتوسّعون في الخيرات و المبرّات و الإيثار فيشمل توسّعهم نطاقاً شاسعاً من عمل الصالحات.

  • قال في «مصباح الشريعة» قال الصَّادق عليه السلام: أزين اللباس للمؤمن لباس التقوى. و أنعمه الإيمان. قال الله تعالى: {وَ لِباسُ التَّقْوى‌

    1. الآيتان ٢٣ و ٢٤، من السورة ٢٢: الحجّ.
    2. «نهج البلاغة» الخطبة ۱٩۱.

معرفة الإمام ج٩

247
  • ذلِكَ خَيْرٌ}.۱

  • و أمّا اللباس الظاهر فنعمة من الله تعالى تستر بها عورات بني آدم. و هي كرامة أكرم الله بها ذريّة آدم ما لم يكرم بها غيرهم. و هي للمؤمنين آلة لأداء ما افترض الله عليهم.

  • ثمَّ قَالَ: وَ خَيْرُ لِبَاسِكَ مَا لَا يَشْغَلُكَ عَنِ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ، بَلْ يُقَرِّبُكَ مِنْ ذِكْرِهِ وَ شُكْرِهِ وَ طَاعَتِهِ، وَ لَا يَحْمِلُكَ على العُجْبِ وَ الرِّيَاءِ وَ التَّزْيينِ وَ التَّفَاخُرِ وَ الخُيَلاءِ، فَإنَّهَا مِنْ آفَاتِ الدِّينِ وَ مُورِثَةُ القَسْوَةِ في القَلْبِ.٢

  • نلحظ هنا أنّ الإمام الصادق عليه السلام يرى أنّ أفضل لباس هو اللباس الذي لا يشغل الإنسان عن الله بغيره. و هذا كلام جامع و كامل يمكن أن نفرّع منه فروعاً كثيرة.

  • ذلك أنّه جعل المعيار الوحيد للباس من حيث جنسه و نوعه، و قدمه وجدته، و قيمته و تفاهته، و سائر الجهات الاخرى هو أنّه لا يشغل الإنسان عن الله بغير الله. و هذا كلام كلي و عامّ يشمل ملابس متنوعة حسب المصاديق المختلفة.

  • إذ إنّ البعض عند ما يرتدي لباساً قشيباً، يغفل عن ذكر الله. فلا ينبغي له أن يرتديه. و البعض الآخر عند ما يرتدي لباساً قديماً و مرقّعاً، فإنّه يركّز نظره و انتباهه على قِدَمه و ترقيعه، فليس له أن يلبسه، ذلك أنّه عند ما يشغل باله باللباس، سواء من حيث جماله، أم من حيث قِدَمه، فإنّ هذا الانشغال انشغال بغير الله.

  • و يجب أن يكون اللباس عاديّاً، و لا يثير اختلافاً عند لابسه، قديماً

    1. الآية ٢٦، من السورة ۷: الأعراف.
    2. «مصباح الشريعة»: الباب السابع.

معرفة الإمام ج٩

248
  • كان أم جديداً، و مرقّعاً كان أم سليماً، و يكون عاديّاً تماماً، و لا يجلب انتباه صاحبه، و إلّا فإنّ جلب الانتباه هذا مذموم.

  • و كذلك يمكن بتنقيح المناط القطعيّ أن نستنتج من هذه العبارة ما يأتي: خَيْرُ مَعَاشِكَ مَا لَا يَشْغَلُكَ عَنِ اللهِ. وَ خَيْرُ دَارِ سُكْنَاكَ مَا لا يَشْغَلُكَ عَنِ اللهِ، وَ خَيْرُ رَفِيقِكَ مَنْ لا يَشْغَلُكَ عَنِ اللهِ، وَ خَيْرُ زَوْجَتِكَ مَنْ لا تَشْغَلُكَ عَنِ اللهِ! وَ خَيْرُ بَنِيكَ مَنْ لَا يَشْغَلُونَكَ عَنِ اللهِ! وَ خَيْرُ وَطَنِكِ! وَ خَيْرُ عُمْرِكَ! وَ خَيْرُ عِلْمِكَ! وَ خَيْرُ عَمَلِكَ! وَ هَلُمَّ جَرَّاً!

  • و نقل المحدّث القمّيّ عن الشيخ إبراهيم البيجوريّ شارح «الشمائل المحمديّة» أنّه قال في لباس رسول الله صلّى الله عليه و آله: إنّ المصطفى صلّى الله عليه و آله قد أثر رثاثة الملبس، و كان أكثر لبسه الخشن من الثياب. و كان يلبس الثوب و لم يقتصر من اللباس على صنف بعينه، و لم تطلب نفسه التعالى فيه بل اقتصر على ما تدعو إليه ضرورته، لكنّه كان يلبس الرفيع منه أحياناً. فقد اهديت له حلّة اشتريت بثلاثة و ثلاثين بعيراً أو ناقة فلبسها مرّة.

  • إلى أن قال: و قد تبع السلف النبيّ صلّى الله عليه و آله في رثاثة الملبس إظهاراً لحقارة ما حقّره الله لما رأوا تفاخر أهل اللهو بالزينة و الملبس. و الآن قست القلوب و نسي ذلك المعنى، فاتّخذ الغافلون الرثاثة شبكة يصيدون بها الدنيا فانعكس الحال.

  • و قد أنكر شخص ذو أسمال على الشاذلي. جمال هيئته، فقال: يا هذا! هيئتي تقول: الحمد للّه، و هيئتك تقول: اعطوني!

  • و في «نهج البلاغة» لما رؤي على أمير المؤمنين عليه السلام إزار خلق مرقوع، فقيل له في ذلك. فقال: يخشع له القلب، و تذلّ به النفس، و يقتدي به المؤمنون.

معرفة الإمام ج٩

249
  • التأسّي برسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم يوجب النجاة

  • و جاء في رواية عن الإمام الصادق عليه السلام أنّ لباس أمير المؤمنين عليه السلام القميص إلى فوق الكعب، و الإزار إلى نصف الساق، و الرداء من بين يديه إلى ثدييه، و من خلفه إلى إليته، اشترى كلها بدينار، و لمّا لبسه، رفع يده إلى السماء فلم يزل يحمد الله على ما أكساه! حتّى دخل منزله، ثمّ قال: هذا اللباس الذي ينبغي للمسلمين أن يلبسوه.۱

  • و معلوم أنّ التأسّي بهؤلاء العظماء، و الاقتداء بسنّة هؤلاء الكبار من أولياء الله تعالى، كم هو مفيد لسعادة الدنيا و الآخرة. و كم يؤدّي الابتعاد عن هذا النهج القويم إلى سقوط البشر في مستنقع الآراء و الأهواء الآسن، و إغراقهم فيه، حتّى يبدو الأمل بعيداً في التخلّص منه.

  • و نقرأ في «نهج البلاغة» أنّ أمير المؤمنين عليه السلام تحدّث عن عدد من الأنبياء كموسى، و داود، و عيسى عليهم السلام، ثمّ دعا إلى التأسّي برسول الله صلّى الله عليه و آله، و كرّر دعوته إلى ذلك.

  • قال في البداية: وَ لَقَدْ كَانَ في رَسُولِ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ كَافٍ لَكَ في الاسْوَةِ، وَ دَلِيلٌ لَكَ على ذَمِّ الدُّنْيَا وَ عَيْبِهَا وَ كَثْرَةِ مَخَازِيها وَ مَساوِيهَا.

  • و قال بعد شرح شي‌ء من منهاج رسول الله:

  • فَتَأسَّ بِنَبِيِّكَ الأطْيَبِ الأطْهَرِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ، فَإنَّ فِيهِ اسْوَةً لِمَنْ تَأسَّى وَ عَزَاءً لِمَنْ تَعَزَّى، وَ أحَبُّ العِبَادِ إلَى اللهِ المُتأسِّي بِنَبِيِّهِ وَ المُقْتَصُّ لأثَرَهِ.

  • و بعد أن تحدّث عن أحوال رسول الله صلّى الله عليه و آله و نهجه في الخضوع و الخشوع و التواضع و الإعراض عن الدنيا و زينتها التي أبعدها

    1. «سفينة البحار» ج ٢، ص ٥۰٣ و ٥۰٤.

معرفة الإمام ج٩

250
  • حتّى عن قلبه و عينه، و لم يجب أن يذكرها، قال:

  • وَ لَقَدْ كَانَ في رَسُولِ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ مَا يَدُلُّكَ على مَسَاوِي الدُّنْيَا وَ عُيُوبِهَا، إذْ جَاعَ مَعَ خَاصَّتِهِ وَ زُوِيَتْ عَنْهُ زَخَارِفُهَا مَعَ عَظِيمِ زُلْفَتِهِ، فَلْيَنْظُرْ نَاظِرٌ بِعَقْلِهِ أ أكْرَمَ اللهُ بِذَلِكَ مُحَمَّدَاً أمْ أهَانَهُ؟!

  • فَإنْ قَالَ: أهَانَهُ، فَقَدْ كَذَبَ وَ العَظِيمِ، وَ إنْ قَالَ: أكْرَمُهُ، فَلْيَعْلَمْ أنَّ اللهَ قَدْ أهَانَ غيرهُ حَيْثُ بَسَطَ الدُّنْيَا لَهُ، وَ زَوَاهَا عَنْ أقْرَبِ النَّاسِ مِنْهُ.

  • فَتَأسَّى مُتَأسٍّ بِنَبِيِّهِ، وَ اقْتَصَّ أثَرَهُ، وَ وَلَجَ مَوْلِجَهُ، وَ إلَّا فَلَا يَأمَنِ الهَلَكَةَ، فَإنَّ اللهَ جَعَلَ مُحَمَّدَاً صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ عَلَمَاً لِلسَّاعَةِ، وَ مُبَشِّراً بِالجَنَّةِ وَ مُنْذِرَاً بِالعُقُوبَةِ.۱

  • و نَقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى: {لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ وَ ذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}.٢

  • قبّعة المسلمين و لباسهم ينبغي أن يكونا مثل ما كان لرسول الله منهما

  • و نستخلص ممّا قيل أنّ رسول الله كان اسوة بارزة و ماثلة و قابلة للتأسّي الصالح، سواء في الامور الدنيويّة أم الاخرويّة، و الظاهريّة أم الباطنيّة، و الفرديّة أم الاجتماعيّة، و اللباس و المسكن، و الغذاء، و النكاح، و الحرب و السلم.

  • و ما دام المسلمون يتّبعون ذلك المَعْلم‌٣ الحقّ المتحقّق بالحقيقة في هذه الامُور، و كانت قبّعتهم بسيطة، و عمامتهم على رأسهم، و لباسهم‌

    1. «نهج البلاغة» الخطبة ۱٥۸. ذكر الشيخ رضيّ الدين أبو نصر الحسن بن فضل الطبرسيّ، أحد أعيان علماء الشيعة و عظمائهم في القرن السادس، هذه الخطبة كلها في أوّل كتابه: «مكارم الأخلاق». و وضع كتابه المذكور على أساسها. و يعتبر كتاب «مكارم الأخلاق» من الكتب النفيسة التي تحوي مطالب مهمّة. و كان العلماء الأبرار السابقون يحملونه معهم دائماً في سفرهم و حضرهم.
    2. الآية ٢۱، من السورة ٣٣: الاحزاب.
    3. معلم: مفرد معالم: ما يستدل به على الطريق (المنجد)

معرفة الإمام ج٩

251
  • واسعاً، و لم يكن قصيراً، و فراشهم بسيطاً بلا تجملّ، و بيوتهم و عوائلهم على ذلك المنهاج، فإنّ حياتهم طيّبة مقرونة بالعيش الهانئ، و هدوء البال، و سكينة الخاطر. و يقضون أعمارهم بالصحّة و سلامة الروح و العزّة و اطمئنان الفكر و الإيقان و الإيمان.

  • و عند ما ترك المسلمون تلك التقاليد و الآداب بسبب سيطرة الغرب، و غلبة الكفّار عليهم، لبسوا القبّعات، و وضعوا الرباط و الزنّار الذي هو الصليب الخاصّ بالنصارى، و ضيّقوا لباسهم و قصّروه، حتّى بلغ تحت الظهر، بحيث إنّهم إذا انحنوا، فإنّ أجسامهم تظهر من تحت اللباس، و لبسوا السترة و البنطلون بدل الإزار و الجبّة.۱ و حلقوا لحاهم. و بصورة عامّة، أنّ رجالهم و نساءهم على السواء قلّدوا آداب الكفر، و خاطوا ملابسهم مطابقة لأزيائهم، و عيّنوا نوعها و موضتها وفقاً ذلك، و تختّموا بحلقة أو خاتم من الذهب في يدهم اليسرى، بدل التختّم بخاتم فضّة أو

    1. ذكر الطبريّ، و ابن الأثير الجزريّ في تاريخهما، و نقل المحدّث القمّيّ عنهما أيضاً ما نصّه: وَ لمّا بقي الحسين في ثلاثة أو أربعةً، دَعَا بِسَرَاويل مُحَقَّقَةَ يَلْمَعُ فِيهَا البَصَرُ، يماني مُحَقَّق، ففزَّرَهُ وَ نَكَثَهُ لِكَيْلَا يُسْلَبَهُ. فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أصْحَابِهِ: لَوْ لَبستَ تَحتَهُ التُّبَّان! قَالَ: ذَلِكَ ثَوْبُ مَذَلَّةٍ وَ لَا يَنْبَغِي لي أن ألَبسَهُ، فَلَمَّا قُتِلَ سَلَبَهُ بَحْرُ بْنُ كَعْبٍ فَتَرَكَهُ مُجَرَّداً. (التُّبَّان و التُّنبان سروال قصير يبلغ طول كلّ فردة منه شبراً) (تاريخ الامم و الملوك للطبريّ، طبعة مطبعة الاستقامة بالقاهرة سنة ۱٣٥۸، ج ٤، ص ٢٤٥، و طبعة دار المعارف بمصر، الطبعة الثانية ج ٥، ص ٤٥۱؛ و «الكامل في التاريخ» ج ٤، ص ۷۷، طبعة بيروت ۱٣۸٥،؛ و «نفس المهموم» ص ٢٢٤ و ٢٢٥). و ذكر صاحب هذا الكتاب: سراويل مخفّفة بالفاء، و هذا سهو منه، لأنّ خفّتها لا تنسجم مع السياق إلّا قليلًا، على عكس: محقّقة بالقاف، أي، قويّة النسج. أجل، إنّ القصد من بيان هذا الحديث هو أنّ الإمام الحسين عليه السلام عدّ السروال القصير من لباس الذلّة، و أبي لبسه. و على أساس هذه السيرة الإسلاميّة تمتنع الامّة المسلمة من ارتداء اللباس القصير مطلقاً، على عكس الكفّار الذين ينتشر بينهم اللباس القصير.

معرفة الإمام ج٩

252
  • الفيروزج أو العقيق بيدهم اليُمنى، و ارتدوا لباس الذلّة و الأسر، و استُرقّوا خاضعين للسيطرة الفكريّة التي تفرضها حكومة الكفر عليهم، ففقدوا بذلك السعادة بكلّ ضروبها، و ضيّعوها مجّاناً، و نشروا على رؤوسهم تراب الذلّة و المسكنة و عسر المعيشة و الحياة الضنكى و الذليلة بأيديهم.

  • في أي ملّة و مذهب، و أي طريقة و دين، و أي عقل و ضمير طاهر، يسمح الإنسان لنفسه أن يحلق لحيته في كلّ يوم؟! هل وردت فيه مصلحة في كتب الطبّ؟ أو أنّ له علامة و أمارة في كتب الآداب؟ أو جاء في كتب الاقتصاد شرح لثمراته و معطياته؟ و في أي منطق و حكم يجيز المرء لنفسه أن يرتدي لباساً ضيّقاً، و يُمنى بأنواع المرض؟ هل الرباط و الزُّنَّار و الصليب منطقيّ و برهاني، و هو الذي كان يشدّه النصارى على بطونهم قبل الحروب الصليبيّة، ثمّ شدّوه على أعناقهم بعدها، و تعليقه في العنق من المحرّمات، و هو من الملابس المختصّة بالكافرين، كما أنّه يبطل الصلاة؟

  • و هل لخاتم الذهب من دليل و برهان؟ و هو الذي لا شكّ في حرمته للرجال، و لا ريب في إبطاله الصلاة؟ أ ليست هذه الفصوص الجميلة و القيّمة التي أجازها الإسلام كالفيروزج، و الياقوت، و العقيق، و الدُّرّ، و الزبرجد، و اللؤلؤ، و الزمرّد أجمل من لبس خاتم الذهب لو صيغت على الفضّة جيّداً؟ في أي حساب أعمى يجيز المسلم لنفسه أن يقوم بهذه الأعمال و التصرّفات، و يقلّد تقليداً بحتاً أشخاصاً لا ثقافة لهم، و لا دين، و لا شرف، و لا فضيلة، و لا علم و لا تقوى، و لا إيثار و لا حميّة، و لا ناموس و لا غيرة؟!

  • أ لم تكن الآية الكريمة: {وَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ} كافية لأن توقظ هؤلاء و تنبّههم؟ نعم، إنّها كافية بحمد الله. و نرى اليوم شباباً أذكياء من شباب الامّة الإسلاميّة قد طرحوا

معرفة الإمام ج٩

253
  • جميع تلك الآداب و التقاليد التي كان يعمل بها الشيوخ الطاعنون في السنّ المصابون بمرض الاستعمار، و اتّخذوا ذلك المنهاج هزواً، و قد أقبلوا على الثقافة الإسلاميّة الأصيلة ببصر ثاقب، و بصيرة حادّة، و ذهن وقّاد، و تفحّص و تحسّس جدير بالثناء، و لم يجدوا في طريقهم عقبة إلّا و حطّموها بزحفهم القويّ المتواصل ... و هم يقتربون أكثر من هدف النبيّ الكريم و مناره، و يشربون من كأس الجنّة، و ينشدّون إلى ذلك المنهاج القويم و برنامج الحياة الأساس، و يسعون بوعي لبلوغ تلك الحقائق الأصيلة، و محو الاعتبارات الزائفة، و الأفكار و الأوهام الواهية على كرور الايّام.

  • شَكَرَ اللهُ مَسَاعِيَهُمُ الجَمِيلَةَ وَ بَلَّغَهُمْ غَايَةَ مُنَاهُمْ على النَّهْجَةِ المَرْضِيَةِ.

  • عمائم رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم‌

  • و كان رسول الله صلّى الله عليه و آله يضع العمامة على رأسه، و أحياناً يضع القَلَنْسُوة۱ أو البُرْطُلَة.٢ و أفضل ما يضع على رأسه هو العمامة التي كان يثني عليها و يسمّيها تاج الملائكة و تاج العرب.

  • قال المجلسيّ في «بحار الأنوار»: و كان يلبس صلّى الله عليه و آله القلانس تحت العمامة، و يلبس القلانس بغير العمامة، و العمامة بغير القلانس. و كان يلبس البرطلة. و كان يلبس من القلانس التيهيّة اليمنيّة، و من البيض المصريّة (المضرّبة في نسخة البدل) و يلبس القلانس ذوات‌

    1. القَلَنْسُوة و القُلَنْسِيَة نوع من ملابس الرأس، و هو على هيئات متعدّدة. و جمعه قَلَانِس، و قَلانيس، و قَلَاس، و قَلَاسِي.
    2. البُرطُل على وزن قُنفذ و ارْدُن نوع من القلنسوة، و البُرْطُلة شي‌ء كانوا يضعونه على الرأس و يمنع حرارة الشمس.

معرفة الإمام ج٩

254
  • الآذان في الحرب. منها ما يكون من السياجان‌۱ الخضر.

  • و كان [رسول الله‌] ربما نزع قلنسوته فجعلها سترة بين يديه يصلي إليها.٢

  • و كان كثيراً ما يتعمّم العمائم الخزّ السود في أسفاره و غيرها، و يعتجر اعتجاراً. و ربما لم يكن له العمامة فيشدّ العصابة على رأسه أو على جبهته. و كثيراً ما كان يُرى قد شدّ العصابة على رأسه أو على جبهته.

  • و كانت له عمامة يعتمّ بها يقال لها: السحاب. فكساها عليّاً. و كان ربما طلع عليّ فيها. فيقول النبيّ صلّى الله عليه و آله: أتَاكُمْ عَلِيّ في السَّحَابِ‌!

  • و قالت عائشة: و لقد لبس رسول الله صلّى الله عليه و آله جبّة صوف و عمامة صوف، ثمّ خرج فخطب الناس على المنبر. فما رأيتُ شيئاً ممّا خلق الله تعالى أحسن منه فيها.٣

  • في يوم عيد الغدير شدّ رسول الله صلّى الله عليه و آله العمامة على رأس أمير المؤمنين عليه السلام، و كان ذلك بسبب انتصابه في مقام الخلافة و الإمامة و الولاية، لأنّ صاحب الخلافة قد تعيّن و تحدّد لرسول الله في هذا اليوم، و اضفي عليه عنوان الإمارة و الحكومة و خلافة مقام النبوّة و حمل أعباء الولاية، و لا بدّ من التتويج طبعاً يومئذٍ، و لكن ليس كتتويج الملوك الجائرين و السلاطين الجبّارين الذين صنعوا العقيق و الياقوت و الدرّ من‌

    1. الساج شجرة كبيرة. و خشبه من أصلب أنواع الخشب.
    2. هذه المطالب مذكورة في «كنز العمّال» ج ۷، ص ۷٢ و ۷٣. من الطبعة الثانية، حيدرآباد، سنة ۱٣۷۸ ه.
    3. «بحار الأنوار»، ج ٦، ص ۱٥٥، طبعة الكمباني، و ج ۱٦، ص ٢٥۰ و ٢٥۱ الطبعة الحديثة، نقله عن كتاب «النبوّة» الذي رواه عن أنس بن مالك.

معرفة الإمام ج٩

255
  • دموع الأرامل و الأيتام، و أنّات الأيتام و المحرومين، و وضعوه على قبّعاتهم الذهبيّة.

  • فالتتويج ليس من هذا الضرب، بل هو مَعْلَمُ فخرٍ و شرف لفضيلة الإمامة الإلهيّة الحقّة. و الولاية الربوبيّة الحقيقيّة الكبرى، و أنّ الرسول الأكرم خاتم السفراء المكرّمين، و أفضل الأنبياء و المرسلين دعا خليفته الوحيد الذي هو كنفسه، ذو قيمة و مقام و منصب، و عمّمه بعمامته المعروفة بالسحاب التي لها طرفان، الأوّل معلّق من الأمام و هو أقصر، و الثاني معلّق من الخلف، و هو أطول. و لُفّت هذه العمامة على رأس عليّ عدّة لفّات، و أصبح بذلك متوّجاً بتاج الكرامة و علامة الولاية. و تلك العمامة هي عمامة السحاب التي هي من مختصّات عمائم رسول الله كفصّ الخاتم الذي ينزعه السلطان من يده و يضعه في يد خليفته، أو كالتاج الذي يرفعه من رأسه و يضعه على رأس القائم مقامه من بعده، أو كردائه و عباءته و لباسه الخاصّ به الذي ينزعه و يلبسه إيّاه، و كلّ ذلك دليل على إعطاء المنصب.

  • العمامة تاج العزّة

  • أجل، كانت العمامة عند العرب لباساً محترماً و معظّماً يلبسه أشرافهم و كبارهم، و هي بمنزلة التاج الذي كان ملوك الفرس يضعونه على رؤوسهم.

  • أخرج مجد الدين بن الأثير الجزريّ في حديث قُتَادة أنّ رسول الله صلّى الله عليه و آله قال: العَمَائِمُ تِيجَانُ العَرَبِ.

  • ثمّ قال في شرحها: التيجان جمع تاج، و هو ما يصاغ للملوك من الذهب و الجواهر. [و معناه أن تقول‌]: وَ قَدْ تَوَّجْتُهُ إذا ألبَسْتَهُ التاج أراد [رسول الله‌] أنّ العمائم للعرب بمنزلة التيجان للملوك، لأنّهم أكثر ما يكونون في البوادي مكشوفي الرءوس أو بالقلانس، و العمائم فيهم‌

معرفة الإمام ج٩

256
  • قليلة.۱

  • و ذكر السيوطيّ في «الجامع الصغير» أنّ رسول الله صلّى الله عليه و آله قال:

  • العَمَائِمُ تِيجَانُ العَرَبِ، فَإذَا وَضَعُوا العَمَائِمَ وَضَعُوا عِزَّهُمْ‌.٢ و روى السيوطيّ هذا الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام، و عدّه حديثاً صحيحاً.

  • و قال عبد الرءوف المناويّ في حاشية «الجامع الصغير» إنّ رسول الله قال: العَمَائِمُ تِيجَانُ العَرَبِ، إذَا وَضَعُوهَا وَضَعَ اللهُ عِزَّهُمْ‌.٣

  • و قال الزبيديّ في «تاج العروس»: التاج: الإكْليل، و الفضّة، و العمامة، و الأخير على التشبيه، و جمعه تيجان و أتواج. و العرب تسمّي العمامة: التاج. ثمّ ذكر حديث رسول الله، و نقل ما أوردناه هنا عن الجزريّ في «النهاية». ثمّ قال: وَ تَوَّجَهُ، أي: سَوَّدَهُ وَ عَمَّمَهُ.٤

  • و قال الزبيديّ أيضاً في مادّة عَمَمَ: وَ العِمامة بالكسر المغفر و البيضة،٥ يكنى بها عنهما. قال شيخنا: و ضبطه بعض شرّاح كتاب «الشمائل» بالفتح أيضاً، و هو غلط. و الأصل فيها ما يلفّ على الرأس. و الجمع عَمَائم، و عمام بالكسر. إلى أن قال:

    1. «النهاية» مادّة تَوَجَ، ج ۱، ص ۱٩٩.
    2. «الجامع الصغير» ج ٢، ص ۷۰، الطبعة الرابعة؛ و «كنز العمّال» ج ۱٩، ص ٢٢٢.
    3. «كنوز الحقائق في حديث خير الخلائق» المطبوع في هامش «الجامع الصغير» للسيوطيّ، الطبعة الرابعة، حرف العين، ص ٢۱.
    4. «تاج العروس»، مادّة تَوَجَ، ج ٢، ص ۱٢.
    5. المِغْفَر زرد منسوج من الحديد يلبسه المحاربون تحت خوذتهم و قلنسوتهم، و البيضة بفتح الباء خوذة من حديد.

معرفة الإمام ج٩

257
  • و من المجاز عُمِّمَ بالضمّ، أي: سُوِّدَ، لأنّ تيجان العرب العمائم. فكلما قيل في العجم: توّج من التاج، قيل في العرب: عُمِّمِ. قال الشاعر: وَ فِيهِمْ إذْ عَمَّمَ المُعَمِّم.

  • و كانوا إذا سوّدوا رجلًا، عمّموه عِمَامَة حَمْرَاء، و كانت الفُرس تتوّج ملوكها، فيقال له: مُتَوَّج، كما قالت العرب: مُعَمَّم. و عَمَّمَ رَأسَهُ: لُفَّت عليه العمامة مثل عُمَّ بالضمّ.۱

  • و قال الشَّبْلَنجِيّ: من ألقاب رسول الله صلّى الله عليه و آله: صاحب التاج. و المراد من التاج: العمامة، لأنّه كما ورد في الحديث: العَمَائِمُ تِيجَانُ العَرَبِ‌.٢

  • رسول الله يضع العمامة على رأس أمير المؤمنين في يوم عيد الغدير

  • و على هذا الأساس عمّم رسول الله صليّ الله عليه و آله عليّ بن أبي طالب بهيئة خاصّة تعرب عن الجلال و العظمة، و توَجه بهذا التاج، و كلّله بهذا الإكليل، و لفّ بيده المباركة عمامة السحاب على رأسه، و ذلك بعد أن نصبه في الولاية، و قال: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ. و سمّاه أمير المؤمنين و عيّنه أميراً على اولئك الأشخاص، و أمر أصحابه و نساءه أن يهنّئوه و يسلموا عليه بلفظ الإمارة قائلين: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ. و دلّ بعمله هذا في ذلك المحتشد العظيم على أنّ له. الإمارة و الولاية و الحكومة كالرسول الأكرم صلّى الله عليه و آله و سلّم مع الفارق المتمثّل أنّ رسول الله هو الأصل، و عليّاً هو الفرع و القائم مقامه من بعده.

  • الروايات الواردة في فضيلة الاعتمام‌

  • و روى شيخ الإسلام الحمّوئيّ بعد عرض روايتين في غدير خمّ، و ذكر أشعار حسّان بن ثابت، روى بسنده المتّصل عن أبي راشد، عن‌

    1. «تاج العروس» مادّة عَمَمَ، ج ۸، ص ٤۱۰.
    2. «نور الأبصار»، ص ٢٥.

معرفة الإمام ج٩

258
  • عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنّه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ: إنَّ اللهَ أيَّدَنِي يَوْمَ بَدْرٍ وَ حُنَيْنٍ بِمَلَائِكَةٍ مُعْتَمِّينَ هَذِهِ العِمَامَةَ. وَ العِمَامَةُ [هِيَ‌] الحَاجِزُ بَيْنَ المُسْلِمِينَ وَ المُشْرِكِينَ.

  • قَالَهُ لِعَلِيّ لَمَّا عَمَّمَهُ يَوْمَ غَديرِ خُمٍّ بِعِمَامَةٍ سَدَلَ طَرَفَهَا على مِنْكَبِهِ.۱

  • و أخرج بسندٍ متّصل آخر عن أحمد بن عيسى بن عبد الله المعروف بأبي طاهر، و عن أبيه، عن جدّه، عن جَعفر بن محمّد عليهما السلام قال: حَدَّثَني أبي عَنْ جَدِّي أنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ عَمَّمَ عَلَيّ بْنَ أبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ عِمَامَتَهُ السَّحَابَ، فَأرْخَاهَا مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ، ثمَّ قَالَ: أقْبِلْ فَأقْبَلَ، ثمَّ قَالَ [لَهُ‌] أدْبِرْ فَأدْبَرَ، [فَ‌] قَالَ: هَكَذَا جَاءَتَنِي المَلَائِكَةُ.٢

  • و كذلك روى الحمّوئيّ بسند متّصل آخر، عن أبي راشد الحَرَّاني، عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنّه قال: عَمَّمَني رَسُولُ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَوْمَ غَديرِ خُمٍّ بِعِمَامَةٍ فَسَدَلَ طَرَفَهَا على مِنْكَبي، وَ قَالَ: إنَّ اللهَ أيَّدَنِي يَوْمَ بَدْرٍ وَ حُنَيْنٍ بِمَلَائِكَةٍ مُعْتَمِّينَ بِهَذِهِ العِمَامَةِ.٣

  • و قال العلّامة الأميني: روى الحافظ عبد الله بن أبي شيبة، و أبو داود الطيالسيّ، و ابن منيع البغويّ، و أبو بكر البيهقيّ، كما في «كنز العمّال» عن عليّ عليه السلام:

  • عَمَّمَني رَسُولُ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ بِعِمَامَةٍ فَسَدَلهَا خَلْفي (و في لَفْظٍ: فَسَدَلَ طَرَفَهَا على مِنْكَبي) ثمَّ قَالَ: إنَّ اللهَ‌

    1. «فرائد السمطين»، ج ۱، الباب ۱٢، ص ۷٥، الحديث رقم ٤۱.
    2. «فرائد السمطين»، ج ۱، الباب ۱٢، ص ۷٦، الحديث رقم ٤٢.
    3. «فرائد السمطين»، ج ۱، الباب ۱٢، ص ۷٦، الحديث ٤٣.

معرفة الإمام ج٩

259
  • أمَدَّنِي يَوْمَ بَدْرٍ وَ حُنَيْنٍ بِمَلَائِكَةٍ يَعْتَمُّونَ هَذِهِ العِمَّةَ. وَ قَالَ: إنَّ العِمَامَةَ حَاجِزَةٌ بَيْنَ الكُفْرِ وَ الإيمَانِ.۱

  • ثمّ قال الأميني: و رواه من طريق السيوطيّ عن الأعلام الأربعة السيّد أحمد القشاشيّ في «السِّمْط المجيد».

  • و في «كنز العمّال» عن مسند عبد الله بن الشخير، عن عبد الرحمن بن عديّ البحراني، عن أخيه عبد الأعلى بن عديّ: إنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِه دَعَا عَلِيّ بْنَ أبي طَالِبٍ فَعَمَّمَهُ وَ أرْخَى عَذَبَةَ العِمَامَةِ مِنْ خَلْفِهِ‌.٢ (لديلميّ).

  • و عن الحافظ الديلميّ، عن ابن عبّاس قَالَ: لَمَّا عَمَّمَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ عَلِيَّاً بِالسَّحَابِ، قَالَ لَهُ: يَا عَلِيّ! العَمَائِمُ تِيجَانُ العَرَبِ.

  • و عن ابن شاذان في مشيخته عن عليّ بن أبي طالب: إنَّ النَّبِيّ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ عَمَّمَهُ بِيَدِهِ فَذَنَّبَ العِمَامَةَ مِنْ وَرَائِهِ وَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، ثمَّ قَالَ لَهُ النَّبِيّ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ: أدْبِرْ فَأدْبَرَ. ثمَّ قَالَ لَهُ: أقْبِلْ فَأقْبَلَ.

  • وَ أقْبَلَ على أصْحَابِهِ فَقَالَ النَّبِيّ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ: هَكَذَا تَكُونُ تِيجَانُ المَلَائِكَةِ.

  • و أخرج الحافظ أبو نعيم في «معرفة الصحابة»، و محبّ الدين الطبريّ في «الرياض النضرة» عن عبد الأعلى بن عديّ النهرواني: إنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ دَعَا عَلِيَّاً يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ فَعَمَّمَهُ وَ أرْخَى عَذَبَةَ

    1. «روى هذا الحديث في «كنز العمّال» ج ۱٩، ص ٢٢٢. الطبعة الثانية، حيدرآباد، عن الطيالسيّ و البيهقيّ: عن علىّ بن أبي طالب عليه السلام.
    2. ««الغدير» ج ۱، ص ٢٩۱.

معرفة الإمام ج٩

260
  • العِمَامَةِ مِنْ خَلْفِهِ.

  • و ذكر العلّامة الزرقاني في «شرح المواهب».۱

  • و نقل المولى عليّ المتّقي الهنديّ أحاديث عن رسول الله في فضيلة العمامة. فيما يأتي بعضها: أخرج الباورديّ عن ركانة، قال: العِمَامَةُ على القَلَنْسُوةِ فَصْلُ مَا بَيْنَنَا وَ بَيْنَ المُشْرِكِينَ، وَ يُعْطَى يَوْمَ القِيَامَةِ بِكُلِّ كَوْرَةٍ يَدُورُهَا على رَأسِهِ نُورَاً.

  • و عن «المعجم الكبير» للطبراني، عن ابن عبّاس، و عن الطبراني أيضاً، عن اسامة: اعْتَمُّوا تَزْدَادُوا حِلْمَاً!

  • و عن البيهقيّ في «شعب الإيمان»، عن خالد بن معدان مرسلًا: اعْتَمُّوا خَالِفُوا الامَمَ قَبْلَكُمْ!

  • و عن الديلميّ في «مسند الفردوس» لجابر: رَكْعَتَانِ بِعِمَامَةٍ خَيْرٌ مِنْ سَبْعِينَ رَكْعَةً بِلَا عِمَامَةٍ.

  • و عن ابن عساكر، عن عبد الله بن عمر: صَلَاةُ تَطَوَّعٍ أوْ فَرِيضَةٍ بِعِمَامَةٍ تَعْدِلُ خَمْساً وَ عِشْرِينَ صَلَاةً بِلَا عِمَامَةٍ وَ جُمْعَةٌ بِعِمَامَةٍ تَعْدِلُ سَبْعِينَ جُمْعَةً بِلَا عِمَامَةٍ.

  • و عن الطبراني، عن ابن عمر، و عن البيهقيّ في «شعب الإيمان»، عن عبادة:

  • عَلَيْكُمْ بِالعَمَائِمِ، فَإنَّها سِيمَا المَلَائِكَةِ، وَ أرْخُوا لَهَا خَلْفَ ظُهُورِكُمْ!

  • إئْتُوا المَسَاجِدَ حَسِرَاً وَ مُعَصَّبِينَ! فَإنَّ العَمَائِمَ تِيجَانُ المُسْلِمِينَ!٢

  • و عن الديلميّ، عن عمران بن حصين: العَمَائِمُ وَ قَارٌ لِلمُؤمِنِ، و عِزٌّ

    1. «الغدير» ج ۱، ص ٢٩۱.
    2. «كنز العمّال» ج ۱٩، ص ٢٢٢ و ٢٢٣، الطبعة الثانية، حيدرآباد، سنة ۱٣٩۱.

معرفة الإمام ج٩

261
  • لِلعَرَبِ، فَإذَا وَضَعَتِ العَرَبُ عَمَائِمَهَا وَ ضَعَتْ عِزَّهَا.

  • و عن الديلميّ أيضاً، عن ركانة، لَا تَزَالُ امَّتي على الفِطْرَةِ مَا لَبِسُوا العَمَائِمَ على القَلَانِسْ.۱

  • أجل، كما رأينا في أحاديث كثيرة أنّها سنّة أكيدة على المسلمين أن يعتمّوا، و ذلك عزّ و شرف. و يوجب قبول الصلاة و الجزاء عليها أضعافاً مضاعفة، لأنّ هذا اللباس لباس النبيّ و أمير المؤمنين. و لكن ينبغي أن نعلم أنّ تلك العمامة الواردة في الشرع المطهّر ليست كالعمائم المألوفة، لأنّها ليست أكثر من كَورتين أو ثلاث كورات أوّلًا. و ثانياً: ينبغي أن يُرْخَى طرفاها من الأمام و من الخلف، لا أن يُدْخَلَا في طيّاتها.

  • و كذلك يستحبّ للإنسان مطلقاً، و بخاصّة عند الصلاة، و خطبة الجمعة، و العيدين. أن يحمل الرداء على منكبه. و الرداء غير العباءة المألوفة هذا اليوم، بل هو حلّة بهيئة لباس الإحرام يُلْقَى على المنكب.

  • و نأمل أن تعود الميول و الاتّجاهات من هذه العادات و التقاليد إلى حقيقتها الاولى بعد الركون إلى حقائق الإسلام.

  • كم كان الاستعمار الكافر يقظاً في زحفه على المسلمين، إذ خطّط لمؤامرة ثقافيّة و أدبيّة ملحّة، و استعمل التعذيب و السجن، فقام أوّل ما قام بنزع العمائم عن الرءوس. و لم تكن العمامة سابقاً لباساً خاصاً للفقهاء و العلماء، بل كان يلبسها جميع الناس بشتّى طبقاتهم، إمّا بدون طربوش أو يشدّونها عليه.

  • كان الاستعمار يأخذ الناس إلى القوميسيريّة، و ينزع عمائمهم. و يشقّ جُبَبَهم، و يسلب عباداتهم، و يقول لهم: من الضروريّ أن تلبسو زيّاً

    1. «كنز العمّال» ج ۱٩، ص ٢٢٣.

معرفة الإمام ج٩

262
  • موحّداً! و أي زيّ؟ إنّه الزيّ الاوروبّيّ. ضعوا على رؤوسكم، و البسوا السترة و البنطلون. و إنّ حلق اللحى، و لبس الزنّار و ربطة العنق هي من الواجبات في الدوائر الحكوميّة.

  • و كانوا يقولون: ليس شرف الإنسان في اللباس، بل بالعلم، و العلم حيثما كان، علم، و العالم في أي لباس كان، هو عالم.

  • لقد كانوا يقولون خطأ و يغالطون. فشرف الإنسان بلباس النبيّ، و بالهيئة التي عليها عمامة المولى أمير المؤمنين. و لو كان العالم في لباس النبيّ، فهو عالم ديني. و لباس الكفر يمثّل مدرسة الكفر و يجسّد الإلحاد و الانحراف. و إنّ جنود كلّ مملكة يعرفون بلباسهم و لونه و شعاره.

  • و في العصر البهلويّ عند ما كانوا ينزعون العمائم، و لم يسمحوا بالعِمَّة قطّ، نُقل عن أحد علماء تبريز أنّه كان يقول: جاء مدير الشرطة ذات يوم إلى بيتي يبلّغني أن أخلع العمامة، فرفضت، فقال لي: يا سماحة السيّد! إنّ العلم ليس بالعمامة و اللباس. و لا تختلف شخصيّة الإنسان سواء كان بالعمامة أم بغيرها، و ما هو تأثير العمامة؟! فأجبته قائلًا: كنّا نخال إلى الآن أنّ العمامة لا تأثير لها على الشخصيّة و العلم، و العالم يبقى عالماً مهما كان لباسه، بَيدَ أنّ إصرارك و إلحاحك على نزع العمامة أثار عندنا الشكّ و جعلنا نوقن أنّ للعمامة تأثيرها الملحوظ، فلهذا نحن مجدّون في الاحتفاظ بعمائمنا.

  • للّه الحمد و له المنّة إذ انكسر الكأس هذا اليوم و اريق شرابه.

  • أجل، لم نقصّر إلى الآن في شرح الأبحاث المتعلّقة بغدير خمّ ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا، و له الشكر إذ نختم بهذا الشكل النفيس ما انساب من القلم. و سنواصل حديثنا عن الأبحاث الباقية من دروس «معرفة الإمام»، و له الحمد في الاولى و الآخرة، و آخر دعوانا أن الحمد للّه‌

معرفة الإمام ج٩

263
  • ربّ العالمين. تمّ في عصر يوم العشرين من شهر ربيع المولود سنة ستّ و أربعمائة و ألف هجريّة في مدينة مشهد المقدّسة على شاهدها آلاف التحيّة و الإكرام.