13

معرفة الإمام ج13

معرفة الإمام ج13 3634
مشاهدة المتن

المؤلّف العلامة آیة الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني

القسم العقائد

المجموعة معرفة الإمام


التوضيح

مجموعة‌ من‌ البحوث‌ التفسيريّة‌، والفلسفيّة‌، والروائيّة‌، والتأريخيّة‌ والاجتماعيّة‌ في الإمامة‌ والولاية‌ بشكل‌ عامّ، وفي إمامة‌ وولاية‌ أمير المؤمنين‌ علي بن‌ أبي طالب‌ والأئمّة‌ المعصومين‌ سلام‌ الله‌ عليهم‌ أجمعين‌ بشكل‌ خاصّ ؛ وذلك‌ في هيئة‌ دروس‌ استدلاليّة‌ علميّة‌ متّخذة‌ من‌ القرآن‌ الكريم‌ والروايات‌ الواردة‌ عن‌ الخاصّة‌ والعامّة،‌ وأبحاث‌ حليّة‌ ونقديّة‌ عن‌ الولاية‌ .
وتضمّ هذه‌ المجموعة‌ 270 درساً في ثمانية‌ عشر مجلداً. وقد جري فيها مناقشة وبحث مطالب من‌ قبيل‌: العصمة‌، الولاية‌ التكوينيّة‌، لزوم الإمام الحيّ، لزوم متابعة الأعلم، ضرورة‌ وجود الإمام‌ للمجتمع‌، معنى الولاية‌، شرح‌ حجّة‌ الوداع‌، شرح واقعة‌ غدير خمّ، حديث‌ الولاية، حديث المنزلة‌، شرائط‌ القيادة‌، علم الغيب و...
/٤۰۲
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

معرفة الإمام ج۱۳

1

معرفة الإمام ج۱۳

2
  • المقدَّمة

معرفة الإمام ج۱۳

3
  •  

  •  

  • بسم الله الرحمن الرحيم‌

  •  

  •  

  • كنّا قد وعدنا أن تبلغ دورة «معرفة الإمام» بحول الباري تعالى شأنه العزيز و قوّته اثني عشر جزءاً تستوعب مائة و ثمانين درساً. و نشكر الله سبحانه إذ مَنّ علينا بإكمال هذه الدروس في اثني عشر جزءاً، و ذلك في العاشر من شهر جُمادى الأولى، سنة ۱٤۰۸ الهجريّة القمريّة.

  • و لمّا أزمعنا تأليف دورة «معرفة الله»، دار في خلدنا أن نصنّف كتاب «توحيد علميّ و عينيّ» (= التوحيد العلميّ و العينيّ)، يتلوه كتاب «نور ملكوت قرآن» (= نور ملكوت القرآن) من دورة أنوار الملكوت، ثمّ نعرّج على دورة «معرفة الله».

  • و بدأنا في تأليف كتاب «التوحيد العلميّ و العينيّ» فاستغرق قرابة خمسة أشهر، ثمّ قُمنا بتأليف كتاب «نور ملكوت القرآن» الذي بلغ أربعة أجزاء، فطال زُهاء سنة و سبعة أشهر، و هذا ما أدّى إلى إرجاء تأليف كتاب «معرفة الله» قرابة سنتين.

  • و لمّا أردت الشروع في تأليف الكتاب المذكور هذا اليوم المصادف الخامس و العشرين من شهر ربيع الآخر سنة ۱٤۱۰ هـ. ق، جال في ظنّي أن لو أضفت جزءين آخرين إلى أجزاء كتاب «معرفة الإمام»، لكان أفضل و ذلك لما يأتي:

  • أوّلًا: على الرغم من أنّ كتاب «معرفة الإمام» كتاب جامع و شامل من كلّ الجهات بحمد الله تعالى، إلّا أنّ البحث في حديث الثقلين لم يرد فيه‌

معرفة الإمام ج۱۳

4
  • بنحو مفصّل و وافٍ. و مع أنّ الحديث قد ذُكر في مواطن كثيرة، و ورد مشفوعاً ببعض أسانيده أيضاً، لكنّا لم نفصّل الكلام في سنده و دلالته و هو من أعظم أدلّة الشيعة. فحريّ بنا أن ندرسه بصورة مفصّلة كي يتبصّر إخواننا الشيعة و السنّة على السواء.

  • ثانياً: ينبغي أن يكون لنا حديث أيضاً في تعريف الشيعة، و حقيقة التشيّع، و مزايا الشيعة على سائر الفرق، و ما يستلزمه التشيّع.

  • و يتضمّن هذا القسم مسائل من قبيل مسألة الرجعة، و وجود إمام العصر عجّل الله تعالى فرجه، و مسألة البداء، و مسألة التولّي و التبرِّي كليهما، إذ إنّ مَن تولّى آل محمّد و لم يتبرّأ من أعدائهم، فليس شيعيّاً، يُضاف إلى ذلك الانضواء تحت لواء ولايتهم، و النظر إلى أوامرهم على أنّها واجبة الإطاعة.

  • و من جملة المزايا: أنّ الجمهور -صورة عامّة- يرى أنّ الصلاح و العدالة و الرشاد كلّ ذلك هو العمل الصالح نفسه، نحو: الصلاة، و الصيام، و الصدق في الحديث. و يعتقد أنّ الانضمام إلى راية طاغٍ منتهك، و القتال من أجله، و دعم حكومته، كلّ ذلك ليس جوراً و ظلماً. و على سبيل المثال، يذهب أحمد بن حنبل إلى أنّ خالد بن عُرفطة المذكورة ترجمته في كتاب «الإصابة» رجل صالح، بينما كان على مقدّمة جيش عمر بن سعد يوم عاشوراء. و على هذا المنوال وُثِّق شمرُ بن ذي الجوشن، و عمر بن سعد و أشباههما الواردة سيرتهم في كتب التراجم.

  • و يرى الشيعة الاثنا عشريّة أنّ الإمام مفترض الطاعة سواء قام بالسيف، أم لم يقم. أمّا الزيديّة فيشترطون فيه قيامه بالسيف.

  • إن العامّة أو الجمهور مسلمون طاهرون، و لا يمكن الحكم بكفرهم، بَيْدَ أنّهم مفتونون بالدنيا، و كان أمير المؤمنين عليه السلام يُنزلهم بمنزلة

معرفة الإمام ج۱۳

5
  • فتنة لا بمنزلة ردّة.

  • و لا بدّ لنا من التطرّق إلى معنى الإمام و اشتقاقه و اختصاصه في عرف الشيعة و اصطلاحهم، إذ ينطبق على الإمام المعصوم، و لا يراد منه المعنى اللغويّ.

  • و كذلك التطرّق إلى معنى الغلوّ عند الشيعة -لأنّ كثيراً من علماء الشيعة يُحسبون من الغلاة- و سير الحديث عند الشيعة منذ عصر الرسول الأكرم، و سيره عند العامّة بعد قرن من الزمان؛ و الاجتهاد عند الشيعة، و غلق باب الاجتهاد عند العامّة، و حصر المذاهب في أربعة؛ و ولاية الإمام و حدودها؛ و ولاية الفقيه و حدودها، و الحديث عن مقام الإمام الصادق عليه السلام، و وجه تسمية المذهب الشيعيّ بالمذهب الجعفريّ. و الجهاد و الهجرة إلى الإمام في عصر الإمام وَ لَا يَقَعُ اسمُ الهِجْرَةِ عَلَى أحَدٍ إلَّا بِمَعْرِفَةِ الحُجَّةِ في الأرْضِ. و ما ماثل ذلك من المسائل في الاصول و الفروع، ممّا يميّز الشيعة عن السنّة. فلهذا نبدأ حديثنا فيما يأتي عن هذه المسائل. و ستبلغ أجزاء هذا الكتاب بحول الله و قوّته ثمانية عشر جزءاً بعد تأليف ستّة أجزاء اخرى. ثمّ نأتي على دورة «معرفة الله»وَ مَا تَوْفِيقِي إلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إلَيْهِ انِيبُ.

معرفة الإمام ج۱۳

7
  •  

  •  

  • الدَّرْسُ الحادى و الثَّمَانُونَ بَعْدَ المِائَةِ إلى الخَامِس و الثَّمَانِينَ بَعْدَ المائَةِ أمْرُ رَسُولِ اللهِ بِتَدْوِينِ الحَدِيثِ، وَ كِتَابَةِ حَدِيثِ الثَّقَلَيْنِ‌

  •  

  •  

معرفة الإمام ج۱۳

9
  •  

  •  

  • بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‌

  • و صلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ الطَّاهِرِينَ‌

  • و لَعْنَةُ اللهِ عَلَى أعْدَائهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ الآنَ إلَى قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ‌

  • و لَا حَولَ و لَا قُوَّةَ إلَّا بِاللهِ العَلِيّ العَظِيمِ‌

  •  

  •  

  • آيات سورة آل عمران في الفارّين يوم احد

  • قال الله الحكيم في كتابه الكريم:

  • وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ.۱

  • نزلت هذه الآية في غزوة احُد، و هي تتحدّث عن الذين ولّوا هاربين و تركوا النبيّ وحده في تلك المعركة الدامية عند ما شنّ عليهم العدوّ غارة شديدة. و لم يثبت مع رسول الله إلّا أمير المؤمنين عليه السلام، و أشخاص قليلون كأبي دُجانة الأنصاريّ،٢ و سهل بن حنيف، و هم يذبّون عن نفسه القدسيّة، و لم يتركوه فريسةً لسهام العدوّ و أسنّته و سيوفه و حجارته، و لم يُسلموه إلى أعدائه المتعطّشين بأجمعهم إلى قتله.

  • و تقع هذه الآية بين عدد من الآيات في سورة آل عمران. و هي‌

    1. الآية ۱٤٤، من السورة ٣: آل عمران.
    2. ذكر المامقانيّ ترجمته في «تنقيح المقال» ج ٢، ص ٦۸، و قال: سماك بن خراشة أبو دجانة الأنصاريّ الخزرجيّ الساعديّ. شهد بدراً و احُداً و جميع المشاهد مع رسول الله.

معرفة الإمام ج۱۳

10
  • تصوّر الوضع تصويراً حسناً.

  • وَ لا تَهِنُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ، إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَ تِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ‌ (و نذيق الناس جميعهم المصائب و نُنزل بهم المشاكل و الحوادث الواحد تلو الآخر) وَ لِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ، وَ لِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَمْحَقَ الْكافِرِينَ ، أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ يَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ، وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ، (فَلِمَ لُذتم بالفرار؟!) وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى‌ أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى‌ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ، (سيؤجرهم أجراً جميلًا و يثيبهم ثواباً لا يعدّ و لا يحصى) وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَ سَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ، وَ كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ ما ضَعُفُوا وَ مَا اسْتَكانُوا وَ اللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ، وَ ما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَ إِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَ ثَبِّتْ أَقْدامَنا وَ انْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ ، فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَ حُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ‌.۱

  • قال سماحة استاذنا الأكرم آية الله العلّامة الطباطبائيّ في ذيل الآية: وَ مَا مُحَمَّدٌ إلَّا رَسُولٌ، في‌ تفسير قوله: أ فَأين ماتَ أوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أعْقَابِكُمْ:

    1. الآيات ۱٣٩ إلى ۱٤۸، من السورة ٣: آل عمران.

معرفة الإمام ج۱۳

11
  • «المراد به الرجوع عن الدين دون التولّي عن القتال، إذ لا ارتباط للفرار من الزحف بموت النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله أو قتله، و إنّما النسبة و الرابطة بين موته أو قتله و بين الرجوع إلى الكفر بعد الإيمان.

  • و يدلّ على أنّ المراد به الرجوع عن الدين ما ذكره تعالى في قوله:

  • وَ طائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْ‌ءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْ‌ءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى‌ مَضاجِعِهِمْ وَ لِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَ لِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ، إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَ لَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ‌.۱ و٢

  • وصفهم الله تعالى في هذه الآيات بأنّهم يهتمّون بإنعاش أنفسهم و يظنّون ظنّ الجاهليّة. و قد زلّوا في الدين بسبب بعض ممارساتهم الذميمة، و تركوا النبيّ صلى الله عليه و آله وحده في مثل هذه الواقعة الخطرة.

  • على أنّ نظير ما وقع في احد من فرارهم من الزحف و تولّيهم عن القتال تحقّق في غيره كغزوة حنين و خيبر و غيرهما، و لم يخاطبهم الله‌

    1. الآيتان ۱٥٤ و ۱٥٥، من السورة ٣: آل عمران.
    2. ذكر السيّد شرف الدين العامليّ في كتاب «النصّ و الاجتهاد» ص ٢٥٢ و ٢٥٣، الطبعة الثانية: أنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله نزل يوم احد بأصحابه -و هم سبعمائة- في عُدوة الوادي (مكان بعيد في الصحراء)، و جعل ظهره إلى الجبل، و كان المشركون ثلاثة آلاف فيهم سبعمائة دارع، و مائتا فارس، و معهم خمس عشرة امرأة. و في المسلمين مائتا دارع و فارسان - انتهى. أقول: عُدوة بضمّ العين: المكان المتباعد. و بكسرها و فتحها: المكان المرتفع.

معرفة الإمام ج۱۳

12
  • بمثل هذا الخطاب و ما عبّر عن تولّيهم عن القتال بمثل هذه الكلمة، قال تعالى:

  • وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَ ضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ‌.۱ فالحقّ أنّ المراد بالانقلاب على الأعقاب الرجوع إلى الكفر السابق.

  • فمحصّل معنى الآية على ما فيها من سياق العتاب و التوبيخ: أنّ محمّداً صلى الله عليه و آله و سلّم ليس إلّا رسولًا من الله مثل سائر الرسل، ليس شأنه إلّا تبليغ رسالة ربّه لا يملك من الأمر شيئاً. و إنّما الأمر للّه و الدِّين دينه باقٍ ببقائه. فما معنى اتّكاء إيمانكم على حياته حيث يظهر منكم أن لو مات أو قتل تركتم القيام بالدين، و رجعتم إلى أعقابكم القهقرى و اتّخذتم الغواية بعد الهداية؟!

  • و هذا السياق أقوى شاهد على أنّهم ظنّوا يوم احد بعد حمي الوطيس أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قد قُتل فانسلّوا عند ذلك و تولّوا عن القتال. فيتأيّد بذلك ما ورد في الرواية و التأريخ -كما في ما رواه ابن هشام في «السيرة»- أنّ أنَس بن النضر -عمّ أنس بن مالك- انتهى إلى عمر بن الخطّاب، و طلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين و الأنصار -و قد ألقوا بأيديهم- فقال: ما يحبسكم؟!

  • قالوا: قُتل رسول الله. قال: فما ذا تصنعون بالحياة بعده؟! فموتوا على ما مات عليه رسول الله. ثمّ استقبل القوم فقاتل حتى قُتل.

  • معنى الشكر في الآية: وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ‌

  • و بالجملة: فمعنى هذا الانسلال و الإلقاء بالأيدي أنّ إيمانهم إنّما كان قائماً بالنبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم يبقى ببقائه و يزول بموته. و هو

    1. الآية ٢٥، من السورة ٩: براءة.

معرفة الإمام ج۱۳

13
  • إرادة ثواب الدنيا بالإيمان. و هذا هو الذي عاتبهم الله عليه. و يؤيّد هذا المعنى قوله بعده: وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ‌. فإنّ الله سبحانه كرّر هذه الجملة في الآية التالية بعد قوله: وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها، حيث قال: وَ سَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ‌ فافهم ذلك. لأنّ هذا الموضوع الدقيق جدير بالإمعان.

  • و قوله: وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ‌. بمنزلة الاستثناء ممّا قبله على ما يعطيه السياق. و هو الدليل على أنّ القوم كان فيهم من لم يظهر منه هذا الانقلاب [و رجوع القهقري‌] أو ما يشعر به كالانسلال و التولّي، و هم الشاكرون.

  • و حقيقة الشكر إظهار النعمة، كما أنّ الكفر الذي يقابله هو إخفاؤها و الستر عليها. و إظهار النعمة هو استعمالها في محلّها الذي أراده منعمها و ذكر المنعم بها لساناً و هو الثناء و قلباً من غير نسيان. [و بناءً على هذا] فشكره تعالى على نعمة من نعمه أن يُذكر عند استعمالها و توضع النعمة في الموضع الذي أراده منها و لا يُتعدّى ذلك.

  • و إن من شي‌ء إلّا و هو نعمة من نعمه تعالى، و لا يريد بنعمة من نعمه إلّا أن تُستعمل في سبيل عبادته. قال تعالى: وَ آتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ.۱

  • فشكره على نعمته أن يطاع فيها و يذكر مقام ربوبيّته عندها.

  • و على هذا فشكره المطلق من غير تقييد، ذكرهُ تعالى من غير نسيان، و إطاعته من غير معصيته. فمعنى قوله: وَ اشْكُرُوا لِي وَ لا تَكْفُرُونِ‌٢:

    1. الآية ٣٤، من السورة ۱٤: إبراهيم.
    2. الآية ۱٥٢، من السورة ٢: البقرة.

معرفة الإمام ج۱۳

14
  • اذكروني ذكراً لا يخالطه نسيان، و أطيعوا أمري إطاعة لا يشوبها عصيان و لا يُصغي إلى قول مَن يقول: إنّه أمر بما لا يُطاق، فإنّه ناشئٌ من قلّة التدبّر في هذه الحقائق و البعد من ساحة العبوديّة.

  • و قد عرفتَ فيما تقدّم من الكتاب أنّ إطلاق الفعل لا يدلّ إلّا على تلبّس ما، بخلاف الوصف فإنّه يدلّ على استقرار التلبّس و صيرورة المعنى الوصفيّ مَلَكةً لا تفارق الإنسان. ففرقٌ بين قولنا: الَّذِينَ أَشْرَكُوا، وَ الَّذِينَ صَبَرُوا، وَ الَّذِينَ ظَلَمُوا، والذين يعتدون، و بين قولنا: الْمُشْرِكِينَ‌، وَ الصَّابِرِينَ‌، وَ الظَّالِمِينَ‌، و الْمُعْتَدِينَ‌.

  • فالشاكرون هم الذين ثبت فيهم وصف الشكر و استقرّت فيهم هذه الفضيلة. و قد بان أنّ الشكر المطلق هو أن لا يذكر العبد شيئاً، و هو نعمة، إلّا و ذكر الله معه، و لا يمسّ شيئاً، و هو نعمة، إلّا و يطيع الله فيه.

  • مقام الشاكرين هو مقام المخلَصين الذي لا سبيل للشيطان إليه‌

  • فقد تبيّن أنّ الشكر لا يتمّ إلّا مع الإخلاص للّه سبحانه علماً و عملًا، فالشاكرون هم المخلصون للّه، الذين لا مطمع للشيطان فيهم.

  • و تظهر هذه الحقيقة ممّا حكاه الله تعالى عن إبليس. قال تعالى: قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ، إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ‌.۱ و قال أيضاً: قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ، إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ‌٢. فلم يستثنِ من إغوائه أحداً إلّا المخلَصين، و أمضاه الله سبحانه من غير ردّ.

  • و قال تعالى: قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ، ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ وَ لا تَجِدُ

    1. الآيتان ۸٢ و ۸٣، من السورة ٣۸: ص.
    2. الآيتان ٣٩ و ٤۰، من السورة ۱٥: الحجر.

معرفة الإمام ج۱۳

15
  • أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ.۱

  • و قوله: وَ لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ‌ بمنزلة الاستثناء. فقد بدّل المخلصين بالشاكرين و ليس إلّا، لأنّ الشاكرين هم المخلَصون الذين لا مطمع للشيطان فيهم، و لا صنع له لديهم. إنّما صنعه و كيده إنساء مقام الربوبيّة و الدعوة إلى المعصية [و أنّ آلته الحادّة و سلاحه كليلان لا يؤثّران في هؤلاء المخلَصين الغارقين في بحر ذِكر الله و التوجّه إليه، و الذين لا تصدر منهم المعصية كملكة متمكّنة في نفوسهم‌].

  • و ممّا يؤيّد ذلك من هذه الآيات النازلة في غزوة احد قوله تعالى فيما سيأتي من الآيات: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَ لَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ.٢ مع قوله في هذه الآية التي نحن فيها: وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ‌، و قوله فيما بعدها: وَ سَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ. و قد عرفتَ أنّه في معنى الاستثناء، [فهذه كلّها تدلّ على نفسها بنحو أبلغ‌].

  • فتدبّر فيها [أي في الآية] و اقضِ عجباً ممّا ربّما يقال: إنّ الآية، أعني قوله: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ‌ ناظرة إلى ما روى أنّ الشيطان نادى يوم احد: «ألَا قد قُتِل محمّد» فأوجب ذلك وهن المؤمنين و تفرّقهم عن المعركة! فاعتبر إلى أيّ مهبط اهبط كتاب الله من أوج حقائقه و مستوى معارفه العالية؟!

  • فالآية تدلّ على وجود عدّة منهم يوم احد لم يهنوا و لم يفتروا و لم يفرّطوا في جنب الله سبحانه سمّاهم الله شاكرين. و صدّق أنّهم‌

    1. الآيتان ۱٦ و ۱۷، من السورة ۷: الأعراف.
    2. الآية ۱٥٥، من السورة ٣: آل عمران.

معرفة الإمام ج۱۳

16
  • لا سبيل للشيطان إليهم و لا مطمع له فيهم؛ ليس في هذه الغزوة فحسب، بل هو وصف لهم ثابت فيهم مستقرّ معهم.

  • و لم يطلق اسم الشاكرين في مورد من القرآن على أحد بعنوان على طريق التوصيف إلّا في هاتين الآيتين. أعني: قوله: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ‌، و قوله: وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ. و لم يذكر ما يجازيهم به في شي‌ء من الموردَين إشعاراً بعظمته و نفاسته».۱

  • استبسال عليّ عليه السلام و شجاعته يوم احد

  • و أجمعت التواريخ الثابتة التي يقرّ بها العامّة على أنّ أبا بكر لم يُجرح في غزوة احد قطّ، و أنّه لجأ إلى الجبل مع عمر، و كلاهما اعتزل القتال، و ظنّا أنّ محمّداً قد قُتل. و فرّ عثمان مختفياً ثلاثة أيّام، ثمّ دخل المدينة. و ما كان إلّا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، و حمزة سيّد الشهداء عليهما السلام، و أبو دُجانة، و سهل بن حُنيف الأنصاريّ، إذ نهضوا بالحرب و بادروا إلى تفريق الجيش و إبادته. و هم الذين ثبتوا مع النبيّ الأعظم من أوّل الحرب حتى اللحظة الأخيرة منها، و فدوه بأرواحهم مستبسلين قُدّامه، ذائدين عن بيضة الإسلام، و عن حياته المقدّسة.

  • و نقل الواقديّ في مغازيه، و الطبريّ، و ابن الأثير في تأريخيهما أنّ كبش الكتيبة و صاحب الراية في عسكر قريش -و كان من بني عبد الدار، و اسمه طلحة بن أبي طلحة- لمّا وقف أمام عسكر المسلمين، و طلب مبارزاً و قال: يا معشر أصحاب محمّد! إنّكم تزعمون أنّ الله يعجّلنا بسيوفكم إلى النار، و يعجّلكم بسيوفنا إلى الجنّة! فهل أحد منكم يعجّله الله بسيفي إلى الجنّة أو يعجّلني بسيفه إلى النار؟

  • فمضى إليه أسد الله الغالب ليث التوحيد و الشجاعة أمير المؤمنين‌

    1. «الميزان في تفسير القرآن» ج ٤، ص ٣۷ إلى ٤۰.

معرفة الإمام ج۱۳

17
  • عليه أفضل صلوات المصلّين، و قال: بلى و الله؛ لا افارقك حتى أعجّلك بسيفي إلى النار أو تعجّلني بسيفك إلى الجنّة فضربه عليّ فقطع رِجله، فسقط فانكشفت عورته؛ فكبّر رسول الله صلى الله عليه و آله.۱ ثمّ أخذ لواء المشركين جماعة من بني عبد الدار واحداً بعد الآخر، و قتلهم أمير المؤمنين عليه السلام بأجمعهم، و سقط لواؤهم على الأرض، و لم يحمله أحد منهم.

  • النداء السماويّ: لَا فَتَى إلَّا عَلِيّ، لَا سَيْفَ إلَّا ذُو الفَقَارِ

  • و ذكر الطبريّ و ابن الأثير أنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام لمّا قتل أصحاب اللواء من المشركين، أبصر النبيّ صلى الله عليه و آله جماعة من المشركين، فقال لعليّ: احمل عليهم، فحمل عليه السلام عليهم ففرّقهم، و قتل عمرو بن عبد الله الجُمَحيّ. ثمّ أبصر رسول الله صلى الله عليه و آله جماعة اخرى، فقال لعليّ عليه السلام: احمل عليهم. فحمل عليهم ففرّق جماعتهم، و قتل شيبة بن مالك أحد بني عامر بن لؤي.

  • فقال جبرئيل: يا رسول الله! إنّ هذه لَلْمواساة!

  • فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: إنّه منّي و أنا منه.

  • فقال‌ جبرئيل: و أنا منكما، قال: فسمعوا صوتاً: لَا سَيْفَ إلَّا ذُو الفقار، وَ لَا فتى إلَّا عَلِيّ.٢

    1. «المغازي» للواقديّ، ج ۱، ص ٢٢٥، طبعة الأعلميّ، بيروت؛ و «تاريخ الطبريّ» ج ٢، ص ٥۰٩، طبعة دار المعارف، مصر؛ و «الكامل في التاريخ» ج ٢، ص ۱٥٢، طبعة دار صادر، بيروت.
    2. قال في «القاموس»: ذو الفقار (بالفتح) سيف العاص بن منبّه قتل يوم بدر كافراً، فصار إلى النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم، ثمّ صار إلى عليّ. و قال ابن الأثير في «النهاية»: إنّه كان اسم سيف النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم ذا الفقار، لأنّه كان فيه حفر صغار حسان. و المفقّر من السيوف الذي فيه حزوز مطمئنّة [عن متنه‌]. و قال دهخدا في «لغت نامه»(= المعجم اللغويّ): ذو الفقار، أي صاحب الفقرات. و الفقرة واحدة من فقرات الظهر التي يتكوّن منها العمود الفقريّ. قيل: لمّا كانت فقر صغار لَدِنة في ظهر سيف (ذو الفقار) لذلك عُرِف بهذا الاسم. و هذا السيف ممّا استخلصه رسول الله لنفسه ثمّ أعطاه عليّ بن أبي طالب عليه السلام. و إذا ظُنّ أنّ (ذو الفقار) له ظُبّتان أو حدّان فلا أساس لذلك. و جاء في ترجمة «تاريخ الطبريّ» في ذكر خبر غزوة احد أنّ الكفّار غلبوا و أحدقوا بالمسلمين، و وقف النبيّ صلى الله عليه و آله في مكان و لم يرجع. و كان يدعو الناس و لم يجبه أحد كما قال الله تعالى: حتى إِذا فَشِلْتُمْ وَ تَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ (الآية). و لم يبرح النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم مكانه و كان يحرّض الناس على الحرب. و كان عليّ عليه السلام يتقدّم الصفوف و هو يقاتل، و ضرب بالسيف الذي كان عنده رأس كافر فاتّقاها بلأمته. و انكسر سيفه لقوّة الحديد. و رجع أمير المؤمنين عليه السلام و قال: يا رسول الله! كنت اقاتل و انكسر سيفي. فلا سيف لي. فدفع إليه النبيّ صلى الله عليه و آله (ذو الفقار) و قال: خذه يا عليّ! فأخذه الإمام و قذف نفسه في لهوات الحرب. و رآه النبيّ يقاتل بشجاعة و يضرب به يميناً و شمالًا و أماماً و خلفاً، فقال: لَا فتى إلَّا عَلِيّ، لَا سَيْفَ إلأ ذو الفَقَارِ.
      حيدر كرّار كو تا بگه كارزار***از گهر لطف او آب دهد ذو الفقار
      للشاعر الخاقانيّ: يقول: «أين حيدر الكرّار فيأتي وقت الحرب ليُكسب ذا الفقار شأناً من جوهر لطفه (فيسقيه دماء الكفّار)؟».و أورد دهخدا أبياتاً كثيرة نظمها شعراء فُرس في (ذو الفقار). (أنظر: مادّة ذو الفقار - حرف الذال).

معرفة الإمام ج۱۳

18
  • و شرح خواند مير هذا الحديث الشريف في كتاب «روضة الصفا». و قال بعد عرض مفصّل في إيثار أمير المؤمنين عليه السلام و مواساته يوم احد، و هو ممّا يثير العجب حقّاً:

  • روى الحافظ أبو محمّد بن العزيز (الجنابذيّ) في كتاب «معالم العترة النبويّة» مرفوعاً عن قيس بن سعد، عن أبيه قال: سمعتُ عليّاً يقول: أصابتني يوم أحد ستّة عشر ضربة سقطتُ إلى الأرض في أربع منهنّ‌۱

    1. قال عبد الحليم الجنديّ مستشار المجلس الأعلى للشؤون الإسلاميّة بمصر في كتاب «الإمام جعفر الصادق» ص ٢۱: في يوم احد -أخطر معارك الإسلام- كان عليّ في الحرس إلى جوار النبيّ، حين اصيب النبيّ في المعركة. و كان طبيعيّاً أن يصاب عليّ بستّ عشرة ضربة، كلّ ضربة تلزمه الأرض. و كما يقول سعيد بن المسيِّب سيّد التابعين: فما كان يرفعه إلّا جبريل عليه السلام. فلمّا اشتدّ الخطب، و قتل حامل الراية -مصعب بن عمير- دفع الرسول الراية لعليّ.

معرفة الإمام ج۱۳

19
  • فجاءني رجلٌ حسن الوجه، طيّب الريح، فأخذ بضبعي فأقامني ثمّ قال: أقبل عليهم فإنّك في طاعة الله و طاعة رسوله و هما عنك راضيان. قال عليّ: فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم فأخبرته، فقال: يا عليّ! أ ما تعرف الرجل؟ قلت: لا، و لكنّي شبّهته بدحية الكلبيّ، فقال: يا عليّ أقرّ الله عينك؛ كان جبرئيل.

  • و ذكر محمّد بن حبيب في «الأمالى» أنّه لمّا هُزم جُلُّ الجيش الإسلاميّ، توجّهت أفواج الكفّار نحو رسول الله صلى الله عليه و آله كأمواج البحر. و اقترب منه زُهاء خمسين فارساً من بني عبد مناف. و حمل عليّ المرتضى عليه السلام على أولاد صفوان بن عوف، و أبي الشعثاء، و أبي الحمراء، و ستّة آخرين من أولاد أبي سفيان. و قتلهم بسيفه البتّار و أرسلهم إلى دار البوار.

  • و نقل بعض أصحاب السير أنّ جبرئيل قال لرسول الله بعد ذلك: يَا مُحَمَّدُ! إنَّ هَذِهِ لَلْمَوَاسَاةُ، وَ لَقَدْ عَجِبْتُ لِمُوَاسَاةِ هَذَا الفَتَى. فقال رسول الله: إنَّهُ مِنِّي وَ أنَا مِنْهُ‌. فقال جبرئيل: وَ أنَا مِنْكُمَاوَ سُمِعَ في ذَلِكَ اليَوْمِ صَوْتٌ مِنْ قِبَلِ السَّمَاءِ وَ لَا يرى شَخْصُ الصَّارِخِ يُنَادِي مِرَاراً: لَا فتى إلَّا عَلِيّ، لَا سَيْفَ إلأ ذو الفَقَارِ.

  • و سئل رسول الله صلى الله عليه و آله عن الصارخ، فقال: هو جبرائيل. ثمّ قال محمّد بن حبيب صاحب «الأمالى»: رواه جمع من المحدِّثين. و هو من الأخبار المشهورة. و وجدت بعض نسخ كتاب‌

معرفة الإمام ج۱۳

21
  • «المغازي» لمحمّد بن إسحاق و هي تخلو من هذا الحديث. و سألتُ استاذي و شيخي عبد الوهّاب رحمة الله عليه عن هذا الخبر، فقال: صحيح. فقلتُ: لِمَ لا تذكره كتب الصحاح؟ قال: أ وَ كُلُّ مَا كَانَ صَحِيحاً يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ كُتُبُ الصِّحَاحِ مِنَ الخَبَرِ؟۱

  • و يستبين هنا أنّ ما نقله صاحب «السيرة الحلبيّة» عن أبي العبّاس بن تيميّة في زعمه كذبَ هذا الحديث‌٢ بعيد عن الإنصاف جدّاً، و فيه خروج عن جادّة الحقيقة. و لا غَرْوَ إذا صدر ذلك عن ابن تيميّة المعروف بعدائه الشديد لأمير المؤمنين عليه السلام، و المعدود في زمرة النواصب لرذالته و خباثته، و المنكر للحكايات و الأخبار الصحيحة بحمله لها على محامل بعيدة. و هو الذي عقد نيّته على العناد و اللجاجة و الخصومة أنّي وجد حديثاً و خبراً في فضيلة سيّد الأولياء. و إنّما العجب من بعض أتباعه إذ يَقبلون كلامه على عميً مع ما يتّصفون به من الاطّلاع و سعة العلم، و قد صدّقوه إذ أوردوه في كتبهم بلا تحقيق حفظاً للسَّلَف!

  • أمير المؤمنين عليه السلام حامل الراية و اللواء في حرب احد

  • و نذكر فيما يأتي كلام الشيخ المفيد رضوان الله عليه في كتاب «الإرشاد» حتى تتبيَّن درجة كمال أمير المؤمنين عليه السلام و جهاده في هذه الغزوة، و كذلك نزول جبرائيل على النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله و سلّم بخبر لَا فتى إلَّا عَلِيّ. قال الشيخ المفيد:

  • و كانت راية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم يوم احُد بِيَدِ أمير المؤمنين عليه السلام كما كانت بيده يوم بدر، فصار اللواء إليه يومئذٍ،

    1. «روضة الصفا» ج ٢، في غزوة احد، الطبعة الحجريّة؛ و ذكره أيضاً مير خواند في «حبيب السير» ج ۱، ص ٣٤٥.
    2. «السيرة الحلبيّة» تصنيف عليّ بن برهان الدين الحلبيّ الشافعيّ، ج ٢، ص ٢٤٩.

معرفة الإمام ج۱۳

22
  • فهو صاحب الراية و اللواء جميعاً.۱ و كان الفتح له في هذه الغزاة كما كان له ببدر سواء. و اختصّ بحسن البلاء فيها و الصبر و ثبوت القدم عند ما زلّت من غيره الأقدام. و كان له من العناء برسول الله صلى الله عليه و آله ما لم يكن لسواه من أهل الإسلام، و قتل الله بسيفه رؤوس أهل الشرك و الضلال. و فرّج الله به الكرب عن نبيّه عليه السلام. و خطب بفضله في ذلك المقام‌

    1. قال في «مجمع البحرين» ص ۷٥، الطبعة الحجريّة، مادّة لواء: اللواية العَلَم الكبير، و اللواء دون ذلك. و العرب تضع اللواء موضع الشهرة. و منه قوله صلى الله عليه و آله و سلّم: لِوَاءُ الحَمْدِ بِيَدِي. يريد انفراده بالحمد يوم القيامة و شهرته به على رؤوس الخلائق.
      و قال في ص ٣٩، مادّة راية: و الراية العَلَم الكبير و اللواء دون ذلك و الراية هي التي يتولّاها صاحب الحرب و يقاتل عليها، و إليها تميل المقاتلة. و اللواء علامة كبكبة الأمير تدور معه حيث دار. و في الحديث ذكر الراية و هي القلادة التي توضع في عنق الغلام الآبق ليُعلَم أنّه أبق.
      و في «لسان العرب» ج ۱٤، ص ٣٥۱: الراية العَلَم لا تهمزها العرب، و الجمع رايات و رأى و أصلها الهمز ... إلى أن قال: و في حديث خيبر: سَاعْطِي الرَّايَةَ غَداً رَجُلًا يُحِبُّهُ اللهُ وَ رَسُولُهُ. الراية هاهنا العلم. يقال: ريَّيتُ الراية أي ركزتُها. [و قال‌] ابن سِيدة: أ رأيتُ الراية [أي‌] ركزتها. و في الحديث: الدِّينُ رَايَةُ اللهِ في الأرْضِ يَجْعَلُهَا في عُنُقِ مَنْ أذَلَّهُ.
      و قال ابن الأثير: الراية حديدة مستديرة على قدر العنق تُجعل فيه.
      و في «لسان العرب» ج ۱٥ ص ٢٦٦: اللواء: لواء الأمير، ممدود، و اللواء: العَلَم و الجمع ألوية و ألويات ... إلى أن قال: اللواء: الراية و لا يمسكها إلّا صاحبُ الجيش. و في الحديث: لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمُ القِيَامَةِ. أي علامة يشهر بها في الناس، لأنّ موضوع اللواء شهرة مكان الرئيس. و قال في «صحاح اللغة» في مادّة لواء: و لواء الأمير ممدود. و قال: غَدَاةَ تَسايلت من كلّ أوبٍ كتائب عاقدين لهم لوايا. و هي لغة لبعض العرب، تقول: احتميتُ احتماء. و ذكر في مادّة روا: و الراية: العَلَم - انتهى.
      و كانت الراية في غزوة احد في يد أمير المؤمنين، و كان لواء المهاجرين في يد مصعب بن عمير، و لواء الأنصار في يد سعد بن عبادة، فلمّا قُتل مصعب، أعطي رسول الله لواء المهاجرين إلى عليّ عليه السلام، فصار منذ يومئذٍ صاحب اللواء و صاحب الراية.

معرفة الإمام ج۱۳

23
  • جبرائيل عليه السلام في ملائكة الأرض و السماء. و أبان نبيّ الهدى عليه السلام من اختصاصه به ما كان مستوراً عن عامّة الناس.

  • فمن ذلك ما رواه يحيى بن عمارة، عن الحسن بن موسى بن رياح مولى الأنصار، عن أبي البختريّ القرشيّ، قال: كانت راية قريش و لواؤها جميعاً بِيَدِ قُصَيّ بن كلاب. ثمّ لم تزل الراية في يد ولد عبد المطّلب يحملها منهم من حضر الحرب حتى بُعِث رسول الله صلى الله عليه و آله فصارت راية قريش و غيرها إلى النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله فأقرّها في بني هاشم. فأعطاها رسول الله صلى الله عليه و آله عليّ بن أبي طالب عليه السلام في غزاة ودّان. و هي أوّل غزاة حُمِل فيها راية في الإسلام مع النبيّ صلى الله عليه و آله ثمّ لم تزل معه في المشاهد ببدر، و هي البَطْشَةُ الكبرى. و في يوم احد.

  • و كان اللواء يومئذٍ -و هو أصغر من الراية- في بني عبد الدار، فأعطاه رسول الله مصعب بن عمير، فاستُشهد. و وقع اللواء من يده، فتشوّفته القبائل، فأخذه رسول الله صلى الله عليه و آله فدفعه إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام‌۱ فجمع له يومئذٍ الراية و اللواء، فهما إلى اليوم في بني هاشم.

  • و عقد الشيخ المفيد رضوان الله عليه فصلًا مستقلًّا في مزايا الجهاد العظيم الذي اضطلع به أمير المؤمنين عليه السلام في غزوة احد، و قال:

  • فَصْلٌ: روى المفضَّل بن عبد الله، عن سِماك، عن عكرمة، عن عبد الله بن عبّاس أنّه قال: لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام‌

    1. قال ابن شهرآشوب في مناقبه، ج ۱، ص ۱٩۱ و ۱٩٢ طبعة قم: جعل‌ [رسول الله صلى الله عليه و آله‌] علي راية المهاجرين عليّاً عليه السلام. و علي راية الأنصار سعد بن عُبادة. و قعد في راية الأنصار و هو لابس دِرعَين.

معرفة الإمام ج۱۳

24
  • أربع ما هنّ لأحد: هُوَ أوَّلُ عَرَبِيّ وَ عَجَمِيّ صلى مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ صَاحِبُ لِوَائِهِ في كُلِّ رَجْفٍ،۱ وَ هُوَ الذي ثَبَتَ مَعَهُ يَوْمَ المِهْرَاسِ‌٢ يَعْنِي يَوْمَ احُدٍ وَ فَرَّ النَّاسُ، وَ هُوَ الذي أدْخَلَهُ قَبْرَهُ.

  • و روى زيد بن وهب الجهنيّ عن أحمد بن عمّار، عن شريك، عن عثمان بن المغيرة، عن زيد بن وهب قال: وجدنا من عبد الله بن مسعود يوماً طيب نفس فقلنا له: لو حدّثتنا عن يوم احد و كيف كان. فقال: أجل. ثمّ ساق الحديث حتى انتهى إلى ذكر الحرب فقال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم: اخرجوا إليهم على اسم الله. فخرجنا و صففنا لهم صفّاً طويلًا. و أقام على الشِّعب خمسين رجلًا من الأنصار، و أمّر عليهم رجلًا منهم، و قال: لَا تَبْرَحُوا مِنْ مَكَانِكُمْ هَذَا، وَ لَو قُتِلْنَا عَنْ آخِرِنَا. فَإنَّمَا نُؤْتى مِنْ مَوْضِعِكُمْ هَذَا.

  • و أقام أبو سفيان صخر بن حرب بإزائهم خالد بن الوليد. و كان اللواء من قريش في بني عبد الدار. و كان لواء المشركين مع طلحة بن أبي طلحة، يُدعى كبش الكتيبة.

  • و دفع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم لواء المهاجرين إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام و جاء حتى وقف تحت لواء الأنصار. و جاء

    1. قال ابن كثير الدمشقيّ، في «البداية و النهاية» ج ٤، ص ٢۰: روى عن ابن إسحاق أنّ اللواء كان أوّلًا مع عليّ بن أبي طالب عليه السلام. فلمّا رأى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم لواء المشركين مع‌ [بني‌] عبد الدار، قال: نَحْنُ أحَقُّ بِالوَفَاءِ مِنْهُمْ. [فلهذا] أخذ اللواء من عليّ بن أبيّ طالب عليه السلام فدفعه إلى مصعب بن عمير [من بني عبد الدار] فلمّا قُتل مصعب، أعطي‌ [رسول الله صلى الله عليه و آله‌] اللواء عليّ بن أبي طالب عليه السلام. و ذكر ابن هشام في سيرته، ج ٣، ص ٥٩٢ قصّة أخذ أمير المؤمنين عليه السلام اللواء يوم احد.
    2. المهراس ماء في احُد. و لذا سُمّيت وقعة احُد بوقعة المهراس أيضاً.

معرفة الإمام ج۱۳

25
  • أبو سفيان إلى أصحاب اللواء فقال: يا أصحاب الألوية! إنّكم قد تعلمون أنّما يؤتي القوم من قبل ألويتهم. و أنّما اوتيتم يوم بدر من قِبَلِ ألويتكم؛ فإن كنتم ترون أنّكم قد ضعفتم عنها فادفعوها إلينا نكفكموها. فغضب طلحة بن أبي طلحة و قال: أ لنا تقول هذا؟ و الله لأوردنّكم بها اليوم حياض الموت.

  • قال ابن مسعود: و كان طلحة يسمّى كبش الكتيبة، فتقدّم، و تقدّم عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقال: من أنت؟! قال: أنا طلحة بن أبي طلحة أنا كبش الكتيبة. فمن أنت؟! قال: أنا عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب. ثمّ تقاربا فاختلفت بينهما ضربتان. فضربه عليّ بن أبي طالب عليه السلام ضربة على مقدّم رأسه، فبدرت عينه و صاح صيحة لم يُسمع مثلها قطّ، و سقط اللواء من يده، فأخذه أخ له يقال له: مصعب. فرماه عاصم بن ثابت بسهم فقتله. ثمّ أخذ اللواء أخ له يقال له: عثمان فرماه عاصم أيضاً بسهم فقتله. فأخذه عبدٌ لهم يقال له: صواب، و كان من أشدّ الناس. فضرب عليّ عليه السلام يده فقطعها، فأخذ اللواء بيده اليُسرى، فضربه عليّ عليه السلام على يده اليُسرى فقطعها، فأخذ اللواء على صدره، و جمع يديه، و هما مقطوعتان عليه، فضربه عليّ عليه السلام على امّ رأسه، فسقط صريعاً، فانهزم القوم، و أكبّ المسلمون على الغنائم.

  • إخلاء الخندق القتاليّ و هجوم خالد بن الوليد

  • و لمّا رأى أصحاب الشِّعب الناس يغنمون قالوا: يذهب هؤلاء بالغنائم و نبقى نحن! فقالوا لعبد الله بن عمر بن حزم الذي كان رئيساً عليهم: نريد أن نغنم كما غنم الناس. فقال: إنّ رسول الله صلى الله عليه و آله أمرني أن لا أبرح من موضعي هذا. فقالوا له: إنّه أمرك بهذا و هو لا يدري أنّ الأمر يبلغ إلى ما نرى، و مالوا إلى الغنائم، و تركوه. و لم يبرح هو من موضعه، فحمل عليه خالد بن الوليد فقتله؛ ثمّ جاء من ظهر رسول الله صلى الله عليه‌

معرفة الإمام ج۱۳

26
  • و آله يريده. فنظر إلى النبيّ صلى الله عليه و آله في خفّ من أصحابه، فقال لمن معه: دونكم هذا الذي تطلبون فشأنكم به.

  • فحملوا عليه حملة رجل واحد ضرباً بالسيوف و طعناً بالرماح، و رمياً بالنبل، و رضخاً بالحجارة. و جعل أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله يقاتلون عنه، حتى قُتل منهم سبعون رجلًا و فرّ الباقون. و ثبت أمير المؤمنين عليه السلام و أبو دجانة، و سهل بن حنيف للقوم يدفعون عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله و كثر عليهم المشركون.

  • صمود أمير المؤمنين و أبي دُجانة و دفاعهما عن نفس النبيّ‌

  • ففتح رسول الله صلى الله عليه و آله عينيه، و نظر إلى أمير المؤمنين عليه السلام -و كان اغمي عليه ممّا ناله- فقال: يا عليّ! ما فعل الناس؟ فقال: نَقَضُوا العَهْدَ وَ وَلَّوُا الدُّبُرَ.

  • فقال‌ له: فاكفني هؤلاء الذين قد قصدوا قصدي! فحمل عليهم أمير المؤمنين عليه السلام فكشفهم. ثمّ عاد إليه و قد حملوا عليه من ناحية اخرى، فكرّ عليهم، فكشفهم.

  • و أبو دجانة، و سهل بن حنيف قائمان على رأسه، بِيَدِ كلّ واحد منهما سيفاً ليذبّ عنه. و ثاب إليه من أصحابه المنهزمين أربعة عشر رجلًا، منهم: طلحة بن عبيد الله، و عاصم بن ثابت، و صعد الباقون الجبل. و صاح صائح بالمدينة: قُتِلَ رَسُولُ اللهِ فانخلعت لذلك القلوب، و تحيّر المنهزمون، فأخذوا يميناً و شمالًا. و كانت هند بنت عتبة جعلت لوحشي جعلًا على أن يقتل رسول الله، أو أمير المؤمنين، أو حمزة بن عبد المطّلب عليهم السلام.

  • فقال وحشي: أمّا محمّد، فلا حيلة لي فيه لأنّ أصحابه يطيفون به. و أمّا عليّ، فإنّه إذا قاتل، كان أحذر من الذئب. و أمّا حمزة فإنّي أطمع فيه، لأنّه إذا غضب لم يبصر بين يديه. و كان حمزة يومئذٍ قد اعلم بريشة نعامة

معرفة الإمام ج۱۳

27
  • في صدره.۱

  • فكمن له وحشيّ في أصل شجرة، فرآه حمزة، فبرز بالسيف فضربه ضربة أخطأت رأسه. قال وحشيّ: و هززتُ حربتي حتى إذا تمكّنت منه رميته فأصبته في ارْبَته فأنفذته و تركته حتى إذا برد، صرت إليه. فأخذتُ حربتي و شغل عنّي و عنه المسلمون بهزيمتهم. و جاءت هند فأمرت بشقّ بطن حمزة و قطع كبده و التمثيل به. فجدعوا أنفه و اذنيه و مثّلوا به، و رسول الله صلى الله عليه و آله مشغول عنه لا يعلم بما انتهى إليه الأمر.

  • قال الراوي للحديث و هو زيد بن وهب: قلت لابن مسعود: انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه و آله حتى لم يبق معه إلّا عليّ بن أبي طالب عليه السلام و أبو دجانة، و سهل بن حنيف؟! فقال: انهزم الناس إلّا عليّ بن أبي طالب عليه السلام وحده. و ثاب إلى رسول الله نفر. و كان أوّلهم عاصم بن ثابت، و أبو دجانة، و سهل بن حنيف، و لحقهم طلحة بن عبيد الله.٢

    1. قال الواقديّ في «المغازي» ج ۱، ص ٢٥٩: كان أربعة من أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم يعلمون في الزحوف، أحدهم أبو دُجانة كان يعصب رأسه بعصابة حمراء، و كان قومه يعلمون أنّه إذا اعتصب بها أحسن القتال. و كان‌ [أمير المؤمنين‌] عليّ عليه السلام يُعلم بصوفة بيضاء. و كان الزُّبير يُعلم بعصابة صفراء. و كان حمزة يُعلم بريش نعامة.
    2. قال الطبرسيّ في «إعلام الوري» ص ٩۱: اصيب من المسلمين في غزوة احد سبعون رجلًا منهم أربعة من المهاجرين: حمزة بن عبد المطّلب، و عبد الله بن جحش، و مصعب بن عمير، و شماس بن عثمان بن الشريد. و الباقون من الأنصار. و أقبل يومئذٍ ابيّ ابن خلف و هو على فَرَسٍ له و هو يقول: هذا ابن أبي كبشة، بُؤْ بِذَنْبِكَ لَا نَجَوْتُ إنْ نَجَوْتَ. و رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم بين الحارث بن الصمّة و سهل بن حنيف يعتمد عليهما، فحمل عليه، فوقاه مصعب بن عمير بنفسه، فطعن مصعباً فقتله! فأخذ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم عَنَزة [العنَزَة: مثل نصف الرمح أو أكبر شيئاً، و فيها سنان مثل سنان الرمح - (م)] فطعن ابيّاً في جربّان الدرع فهوى يخور خوار الثور [حتّى هلك‌].

معرفة الإمام ج۱۳

28
  • فقلت له: وَ أيْنَ كَانَ أبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ؟

  • قال: كانا ممّن تنحّى. قلتُ: وَ أيْنَ كَانَ عُثْمَانُ؟ قال: جاء بعد ثلاثة من الوقعة.۱ فقال له رسول الله: لَقَدْ ذَهَبْتَ فِيهَا عَرَيضَةٍ.٢ فقلت له: و أين كنتَ أنت؟

  • قال: كنت ممّن تنحّى. قلتُ له: فمن حدّثك بهذا؟! قال: عاصم، و سهل بن حنيف.

  • قلتُ له: إنّ ثبوت عليّ عليه السلام في ذلك المقام لعجب، فقال: إن تعجّبت من ذلك، فقد تعجّب منه الملائكة. أ ما علمتَ أنّ جبرئيل قال في ذلك اليوم و هو يعرج إلى السماء: لَا سَيْفَ إلأ ذو الفَقَارِ، وَ لَا فتى إلَّا عَلِيّ؟

  • قلتُ: فمن أين عُلم ذلك من جبرئيل؟!

  • قال: سمع الناس صائحاً يصيح في السماء بذلك، فسألوا رسول الله صلى الله عليه و آله عنه، فقال: ذاك جبرئيل.

  • و جاء في حديث عِمران بن حصين أنّه قال: لمّا تفرّق الناس عن رسول الله صلى الله عليه و آله في يوم احد، جاء عليّ عليه السلام متقلّداً سيفه حتى قام بين يديه. فرفع رسول الله صلى الله عليه و آله رأسه إليه، فقال له: مَا بَالُكَ لَمْ تَفِرَّ مَعَ النَّاسِ‌؟! فقال عليه السلام: يَا رَسُولَ اللهِ‌! أرْجِعُ كَافِراً بَعْدَ إسْلَامِي‌؟!٣ فأشار له رسول الله إلى قوم انحدروا من‌

    1. ذكر خواند مير في «روضة الصفا» هزيمة عمر و أبي بكر، و فرار عثمان ثلاثة أيّام.
    2. قال ابن الأثير في «النهاية» ج ٣، ص ٢۱۰: العريض: الواسع. و في حديث احد قال رسول الله صلى الله عليه و آله للمنهزمين: لَقَدْ ذَهَبْتُمْ فِيهَا عَرِيضَةً، أيْ: وَاسِعَةً.
    3. ورد هذا الموضوع في «روضة الصفا» أيضاً.

معرفة الإمام ج۱۳

29
  • الجبل، فحمل عليهم فهزمهم. ثمّ أشار إلى قوم آخر، فحمل عليهم فهزمهم. ثمّ أشار إلى قوم آخرين، فحمل عليهم فهزمهم. فجاء جبرئيل عليه السلام فقال: يَا رَسُولَ اللهِ! لَقَدْ عَجِبَتِ المَلَائِكَةُ وَ عَجِبْنَا مَعَهَا مِنْ حُسْنِ مُوَاسَاةِ عَلِيّ لَكَ بِنَفْسِهِ؟!

  • فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: وَ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ هَذَا وَ هُوَ مِنِّي وَ أنَا مِنْهُ؟

  • فقال جبرئيل: يَا رَسُولَ اللهِ! وَ أنَا مِنْكُمَا.

  • أمير المؤمنين عليه السلام يهزم الكتائب وحده‌

  • و روى الحكم بن ظهير عن السُّدِّي، عن أبي مالك، عن ابن عبّاس أنّ طلحة بن أبي طلحة خرج يومئذٍ فوقف بين الصفَّين، فنادى: يَا أصْحَابَ مُحَمَّدٍ! إنَّكُمْ تَزْعَمُونَ أنَّ اللهَ يُعَجِّلُنَا بِسِيُوفِكُمْ إلَى النَّارِ، وَ يُعجِّلُكُمْ بِسِيُوفِنَا إلَى الجَنَّةِ، فَأيُّكُمْ يَبْرُزُ إلَيّ؟!

  • فبرز إليه أمير المؤمنين عليه السلام فقال: و الله لا افارقك اليوم حتى اعجّلك بسيفي إلى النار. فاختلفا ضربتين، فضربه عليّ عليه السلام على رِجلَيه، فقطعهما، فسقط. فانكشف عنه، فقال له: يَا بْنَ العَمِّ! أنشُدُكَ اللهَ وَ الرَّحِمَ‌. فانصرف عنه إلى موقفه. فقال له المسلمون: ألا أجهزتَ عليه! فقال: ناشدني الله و الرحم. و و الله لا عاش بعدها أبداً.

  • فمات طلحة في مكانه. و بُشِّر النبيّ صلى الله عليه و آله فسُرَّ به‌۱

    1. ذكر ابن هشام في سيرته ج ٣، ص ٥٩٣ هذه القصّة بتمامها و كمالها، و قال: لمّا اشتدّ القتال يوم احد، جلس رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم تحت راية الأنصار، و أرسل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام أن قدّم الراية. فتقدّم عليّ‌ [أمير المؤمنين‌] عليه السلام فقال: أنا أبو القَصْم أبو القُصَم. فناداه أبو سعد طلحة بن أبي طلحة -و هو صاحب لواء المشركين- أن هل لكَ يا أبا القُصَم في البراز من حاجة؟! قال: نعم. فبرزا بين الصفَّين، فاختلفا ضربتين ... إلى آخر القصّة المذكورة.

معرفة الإمام ج۱۳

30
  • و قال: هذا كبش الكتيبة.۱

  • و قد روى محمّد بن مروان، عن عمارة، عن عكرمة، قال: سمعت عليّاً عليه السلام يقول لمّا انهزم الناس يوم احد عن رسول الله صلى الله عليه و آله: لحقني من الجزع عليه ما لم يلحقني قطّ و لم أملك نفسي و كنت أمامه أضرب بسيفي بين يديه. فرجعت أطلبه فلم أره. فقلتُ: ما كان رسول الله ليفرّ و ما رأيته في القتلى. و أظنّه رفع من بيننا إلى السماء. فكسرتُ جفن سيفي و قلت في نفسي: لُاقاتلنّ به عنه حتى اقتل. و حملت على القوم، فأفرجوا عنّي و إذا أنا برسول الله صلى الله عليه و آله قد وقع على الأرض مغشيّاً عليه.

  • فقمتُ على رأسه، فنظر إليّ فقال: مَا مَنَعَ النَّاسَ يَا عَلِيّ‌؟! فقلتُ: كَفَرُوا يَا رَسُولَ اللهِ وَ وَلَّوُا الدُّبُرَ مِنَ العَدُوِّ وَ أسْلَمُوكَ‌!٢

  • فنظر النبيّ صلى الله عليه و آله إلى كتيبة قد أقبلت إليه، فقال لي: ردّ عنّي يا عليّ هذه الكتيبة! فحملتُ عليها أضربها بسيفي يميناً و شمالًا حتى ولّوا الأدبار. فقال الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله: أ مَا تَسْمَعُ يَا عَلِيّ مَدِيحَكَ في السَّمَاءِ، إنَّ مَلَكاً يُقَالُ لَهُ رِضْوَانٌ يُنَادِي: لَا سَيْفَ إلَّا ذُو الفَقَارِ، وَ لَا فتى إلَّا عَلِيّ‌؟! فَبَكيتُ سروراً و حمدت الله سبحانه و تعالى على نعمته.

  • و قد روى الحسن بن عرفة عن عمارة بن محمّد، عن سعد بن‌

    1. قال ابن الأثير في «النهاية»: الكتيبة: القطعة العظيمة من الجيش. و قال في ج ٤، ص ۱٤۸: و في حديث السقيفة: نَحْنُ أنْصَارُ اللهِ وَ كَتِيبَةُ الإسلَامِ. و الجمع الكتائب - انتهى. و الكبش في اللغة السيّد و أمير الجيش. فينبغي -إذن- أن يكون معنى كبش الكتيبة قائد الجيش فحسب.
    2. ذكر صاحب «روضة الصفا» هذه القصّة مع اختلاف يسير في اللفظ.

معرفة الإمام ج۱۳

31
  • طريف، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليه السلام عن آبائه عليهم السلام، قال: نادى ملك في من السماء يوم احُد: لَا سَيْفَ إلأ ذو الفَقَارِ، وَ لَا فتى إلَّا عَلِيّ.۱

  • و روى مثل ذلك إبراهيم بن محمّد بن ميمون، عن عمرو بن ثابت، عن محمّد بن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن جدّه‌ قال: مَا زِلْنَا نَسْمَعُ أصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَقُولُونَ: نَادَى في يَوْمِ احُدٍ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: لَا سَيْفَ إلأ ذو الفَقَارِ، وَ لَا فتى إلَّا عَلِيّ.

  • و روى سلام بن مسكين عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب قال: لَو رَأيْتَ مَقَامَ عَلِيّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَوْمَ احُدٍ لَوَجَدْتَهُ قَائِماً عَلَى مَيْمَنَةَ رَسُولِ اللهِ يَذُبُّ عَنْهُ بِالسَّيْفِ وَ قَدْ وَلَّى غَيْرُهُ الأدْبَارَ.

  • و روى الحسن بن المحبوب عن جميل بن صالح، عن أبي عُبيدة. عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهم السلام، قال: كان أصحاب لواء المشركين يوم احد تسعة، قتلهم عليّ بن أبي طالب عليه السلام عن آخرهم، و انهزم القوم، و طارت مخزوم، فضحها عليّ عليه السلام يومئذٍ.

  • قال: و بارز عليّ عليه السلام الحكم بن الأخنس، فضربه، فقطع رجله من نصف الفخذ، فهلك منها. و لمّا جال المسلمون تلك الجولة، أقبل اميّة بن أبي حذيفة بن المغيرة، و هو دارع، و هو يقول: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ فعرض له رجل من المسلمين، فقتله اميّة بن أبي حذيفة، و صمد له عليّ بن أبي طالب، فضربه بالسيف على هامته، فنشب في بيضة مغفره،

    1. قال ابن هشام في سيرته، ج ٣، ص ٦۱٥: روي بعض أهل العلم عن ابن أبي نجيح قال: نادي منادٍ يوم احد: لَا سَيْفَ إلأ ذو الفَقَارِ، وَ لَا فَتَى إلَّا عَلِيّ.

معرفة الإمام ج۱۳

32
  • و ضربه اميّة بسيفه، فاتّقاها أمير المؤمنين عليه السلام بدرقته، فنشب فيها.۱

  • و نزع أمير المؤمنين عليه السلام سيفه من مغفره، و خلّص اميّة سيفه من درقته أيضاً، ثمّ تناوشا. فقال عليّ عليه السلام: فنظرت إلى فتق تحت إبطه، فضربته بالسيف فيه، فقتلته، و انصرفت عنه.

  • و لمّا انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه و آله في يوم احُد و ثبت أمير المؤمنين عليه السلام، قال له النبيّ:

  • مَا لَكَ لَا تَذْهَبُ مَعَ القَوْمِ‌؟

  • قال أمير المؤمنين: أذْهَبُ وَ أدَعُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟! وَ اللهِ لَا بَرِحْتُ حتى اقْتَلَ أو يُنْجِزَ اللهُ لَكَ مَا وَعَدَكَ مِنَ النُّصْرَةِ.

  • فقال له رسول الله صلى الله عليه و آله: أبْشِرْ يَا عَلِيّ! فَإنَّ اللهَ مُنْجِزٌ وَعْدَهُ وَ لَنْ يَنَالُوا منّا مِثْلَهَا أبَداً.٢

  • ثمّ نظر رسول الله إلى كتيبة قد أقبلت إليه، فقال له: لو حملتَ على هذه يا عليّ! فحمل أمير المؤمنين عليه السلام عليها، فقتل منها هِشام بن اميّة المخزوميّ، و انهزم القوم. ثمّ أقبلت كتيبة اخرى، فقال له الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله: احمل على هذه! فحمل عليهم، فقتل منها عمرو بن عبد الله الجُمَحيّ، و انهزمت أيضاً. ثمّ أقبلت كتيبة اخرى فقال له النبيّ صلى الله عليه و آله: احمل على هذه! فحمل عليها، فقتل منها

    1. ذكر الواقديّ في «المغازي» ج ۱، ص ٢۷٩ قصّة قتال اميّة بن أبي حذيفة بن المغيرة بهذا النحو و قتله علي يد أمير المؤمنين عليه السلام مفصّلًا.
    2. ذكره مؤلّف «روضة الصفا» في كتابه أيضاً. و جاء في سيرة ابن هشام: ج ٣، ص ٦۱٥.

معرفة الإمام ج۱۳

33
  • بُشر بن مالك العامريّ، و انهزمت الكتيبة، و لم يعد بعدها أحد منهم.۱

  • و تراجع المنهزمون من المسلمين إلى النبيّ الأكرم، و انصرف المشركون إلى مكّة، و انصرف المسلمون مع النبيّ صلى الله عليه و آله إلى المدينة. و استقبلته فاطمه عليها السلام‌٢ و معها إناء فيه ماء، فغسل به وجهه، و لحقه أمير المؤمنين عليه السلام و قد خضّب الدم يده إلى كتفه، و معه ذو الفقار، فناوله فاطمة عليها السلام، و قال لها: خُذِي هَذَا السَّيْفَ فَقَدْ صَدَقَنِي اليَوْمَ. و أنشأ يقول:

  • أ فَاطِمُ هَاكِ السَّيْفَ غَيْرَ ذَمِيمِ‌***فَلَسْتُ بِرِعْدِيدٍ وَ لَا بِمُلِيمِ‌
  • لَعَمْرِي لَقَدْ أعْذَرْتُ في نَصْرِ أحْمَدٍ***وَ طَاعَةِ رَبِّي بِالعِبَادِ عَلِيمِ‌٣
  • أمِيطِي دِمَاءَ القَوْمِ عَنْهُ فَإنَّهُ‌***سَقَى آلَ عَبْدِ الدَّارِ كَأسَ حَمِيمٍ‌٤
    1. ذكره صاحب «روضة الصفا» في كتابه أيضاً؛ و ورد في سيرة ابن هشام: ج ٣، ص ٦۱٥.
    2. كانت فاطمة الزهراء سلام الله عليها قد ولدت الإمام الحسن عليه السلام قبل معركة احد بشهر واحد، إذ إنّ ولادة الإمام كانت في ۱٥ رمضان سنة ٣ هـ، و غزوة احُد وقعت في ۱٥ شوّال من نفس السنة. ذكر ذلك الطبريّ في تأريخه: ج ٢، ص ٥٣۷ و قال: و فيها علقت فاطمة بالحسين صلوات الله عليهما، و قيل: لم يكن بين ولادتها الحسن و حملها بالحسين إلّا خمسون ليلةً.
    3. أورد الحمّوئيّ هذين البيتَين في «فرائد السمطين» ج ۱، ص ٢٥٢؛ و في «بشارة المصطفي» ص ٣٤٦. و جاء فيهما معاً: (رحيم) مكانَ (عليم).
    4. ذكر الطبريّ هذه الأبيات عن أمير المومنين عليه السلام أربعة في تأريخه، ج ٢، ص ٥٣٣، الطبعة الثانية، دار المعارف، مصر. و كذلك فعل ابن شهرآشوب في مناقبه، ج ۱، ص ۱٥٢، طبعة المطبعة العلميّة، قم، نقلًا عنه. و أوردا البيتَين الثالث و الرابع كالآتي:
      وَ سَيْفِي بكَفِّي كَالشِّهَاب أهُزُّهـ***أجُذُّ بِهِ مِنْ عَاشِقٍ وَ صَمِيمِ‌
      فَمَا زِلْتُ حتى فَضَّ رَبِّي جُمُوعَهُمْ***وَ حتى شَفَيْنَا نَفْسَ كُلِّ حَلِيمِ‌

معرفة الإمام ج۱۳

34
  • و قال رسول الله صلى الله عليه و آله: خُذُيهِ يَا فَاطِمَةُ! فَقَدْ أدى بَعْلُكِ مَا عَلَيْهِ، وَ قَدْ قَتَلَ اللهُ بِسَيْفِهِ‌۱ صَنَادِيدَ قُرَيْشٍ.٢

  • و عقد الشيخ المفيد رضوان الله عليه هنا فصلًا مستقلًّا في أسماء أعلام المشركين الذين قُتلوا على يد أمير المؤمنين عليه السلام في غزوة احُد. و كان جمهورهم قتلاه فحسب. ثمّ قال:

  • أسماء من قُتل من المشركين بسيف عليّ عليه السلام يوم احُد

  • فصل: و قد ذكر أهل السير قتلي احُد من المشركين. و كان جمهورهم قتلي أمير المؤمنين عليه السلام.

  • روى عبد الملك بن هشام عن زياد بن عبد الله، عن محمّد بن إسحاق أنّه قال: كان صاحب لواء قريش يوم احد طلحة بن أبي طلحة بن عبد العزّى بن عثمان بن عبد الدار، قتله عليّ بن أبي طالب عليه السلام،

    1. المقصود من السيف هو ذو الفقار الذي أعطاه رسول الله صلى الله عليه و آله أمير المؤمنين عليه السلام في يوم احُد. و جاء في «ناسخ التواريخ» أنّه عُرف بهذا الاسم لفقرات و نتوءات في ظهره كالعظم. و كان العلويّون يتوارثونه بعد استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام حتى وصل إلى محمّد النفس الزكيّة بن عبد الله المحض بن الحسن المثنّى بن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام. و لمّا أحسّ بدنوّ أجله في حربه مع المنصور العبّاسيّ، دعا رجلًا من بني النجّار كان له عليه أربعمائة دينار و دفعه إليه و قال: خذه و احفظه عندك. فإذا رآه رجل من آل أبي طالب، يأخذه و يعطيك حقّك. و لمّا رُشّح جعفر بن سليمان العبّاسيّ لولاية المدينة و اليمن، طلب الرجل المذكور و دفع إليه أربعمائة دينار و أخذه منه.
    2. «الإرشاد» للشيخ المفيد، ص ٤٢ إلى ٤۸، الطبعة الحجريّة. و ذكر الواقديّ أصل القضيّة بلا أشعار، و ذلك في مغازيه: ج ۱، ص ٢٤٩.

معرفة الإمام ج۱۳

35
  • و قتل ابنه أبا سعيد بن طلحة، و أخاه خالد بن أبي طلحة. و قتل عبد الله بن حميد بن زُهرة بن الحارث بن أسد بن عبد العزّى، و أبا الحكم بن الأخنس بن شريق الثقفيّ، و الوليد بن أبي حذيفة بن المغيرة، و أخاه: اميّة بن أبي حُذَيْفة بن المغيرة، و أرْطاة بن شرَحْبيل، و هشام بن امَيَّة، و عمرو بن عبد الله الجمحيّ، و بُشر بن مالك، و صواباً مولى بني عبد الدار. هؤلاء كلّهم قتلوا على يد أمير المؤمنين عليه السلام و كان الفتح له يوم احُد.

  • و رجوع الناس من هزيمتهم إلى النبيّ صلى الله عليه و آله بمقامه عليه السلام يذبّ عنه دونهم. و توجّه العتاب من الله تعالى إلى كافّتهم لهزيمتهم يومئذٍ سواه عليه السلام و من ثبت معه من رجال الأنصار، و كانوا ثمانية نفر. و قيل: أربعة أو خمسة. و في قتله عليه السلام من قتل يوم احُد، و عنائه في الحرب و حُسن بلائه يقول الحجّاج بن عِلّاط السُّلَميّ:

  • لِلَّهِ أيّ مُذَبِّبٍ عَنْ حَرِيمِهِ‌***أعْنِي ابْنَ فَاطِمَةَ المُعِمَ‌۱ المُخْوِلَا٢
  • جَادَتْ يَدَاكَ لَهُ بِعَاجِلِ طَعْنَةٍ***تَرَكَتْ طُلَيْحَةَ لِلْجَبِينِ مُجَدَّلَا
  • وَ شَدَدْتَ شِدَّةَ بَاسِلٍ فَكَشَفْتَهُمْ‌***بِالسَّفْحِ إذْ يَهْوُونَ أسْفَلَ أسْفَلا
  • وَ عَلَلْتَ سَيْفَكَ بِالدِّمَاءِ وَ لَمْ تَكُنْ‌***لِتَرُدَّهُ حَرَّانَ حتى يَنْهَلَا٣
    1. المعمّ: من كرم أعمامه، و كذلك المخول. و المراد هنا أنّ أعمام أمير المؤمنين عليه السلام و أخواله كلّهم كرماء النفوس ذو و مجد و اعتبار و شأن.
    2. «الإرشاد» للشيخ المفيد ص ٤٩، الطبعة الحجريّة. و نقل ابن هشام الأبيات الثلاثة الأولى في سيرته، ج ٣، ص ٦٥٥. و ذكر مكان أسْفَلَ أسْفَلا: أخْوَلَ أخْوَلَا. و قال ابن الأثير الجَزَريّ في «الكامل» ج ٢، ص ۱٥۷ و ۱٥۸، طبعة بيروت: و قاتل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم يوم احُد قتالًا شديداً، فرمى بالنبل حتى فني نبله، و انكسرت سِيَةَ قَوسه و انقطع وتره. و لمّا جُرح رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم جعل عليّ‌ [عليه السلام‌] ينقل له الماء في درقته من المهراس و يغسله، فلم ينقطع الدم. فأتت فاطمة و جعلت تعانقه و تبكي، و أحرقت حصيراً و جعلت على الجرح من رماده، فانقطع الدم.
    3. «الإرشاد» للشيخ المفيد ص ٤٩، الطبعة الحجريّة. و نقل ابن هشام الأبيات الثلاثة الأولى في سيرته، ج ٣، ص ٦٥٥. و ذكر مكان أسْفَلَ أسْفَلا: أخْوَلَ أخْوَلَا. و قال ابن الأثير الجَزَريّ في «الكامل» ج ٢، ص ۱٥۷ و ۱٥۸، طبعة بيروت: و قاتل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم يوم احُد قتالًا شديداً، فرمى بالنبل حتى فني نبله، و انكسرت سِيَةَ قَوسه و انقطع وتره. و لمّا جُرح رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم جعل عليّ‌ [عليه السلام‌] ينقل له الماء في درقته من المهراس و يغسله، فلم ينقطع الدم. فأتت فاطمة و جعلت تعانقه و تبكي، و أحرقت حصيراً و جعلت على الجرح من رماده، فانقطع الدم.

معرفة الإمام ج۱۳

36
  • و أضاف ابن شهرآشوب إلى هؤلاء الذين ذكرهم الشيخ المفيد في «الإرشاد» في قتلى أمير المؤمنين عليه السلام أشخاصاً آخرين و هم: خالد، و مخلّد، و كَلدة، و محالس أولاد طلحة بن أبي طلحة الأربعة، فصاروا مع ابنه الآخر أبي سعيد خمسة، و الوليد بن أرطاة، و مُسافِع، و قاسِط بن شُرَيح العَبْديّ، و المغيرة بن المغيرة. ما عدا الذين قتلهم بعد الهزيمة.

  • صمود عليّ عليه السلام و فرار أبي بكر و عمر و عثمان يوم احُد

  • ثمّ قال ابن شهرآشوب: لا إشكال في هزيمة عمر و عثمان. و إنّما الإشكال في أبي بكر هل ثبت إلى وقت الفرج أو انهزم!۱

  • أجل، إنّ هدفنا من توسيع رقعة هذا البحث هو موقف الخلفاء المدّعين بالخلافة! إذ تخلّوا عن نبيّهم في أحرج اللحظات و الدقائق بعد ما أحدقت به كتائب العدوّ من كلّ جانب، و كانوا يريدون قتله بل أسره و تعذيبه،٢ فتركوه وحده و اختاروا الفرار على الصمود معه، و رأوا أنفسهم الملوّثة أكرم و أعظم و أعزّ و أحبّ من نفس النبيّ الأعظم صلى الله عليه و آله.

    1. «المناقب» ج ٢، ص ۸٢، طبعة قم؛ و في «روضة الصفا» ذُكرت أسماء بعض المقتولين بيده عليه السلام؛ و الواقديّ في «المغازي» ج ۱، ص ٣۰۷ و ٣۰۸، مقتل طلحة بن أبي طلحة، و أرطاة بن شرحبيل، و أبي الحكم بن الأخنس بن شريق، و اميّة بن أبي حذيفة ابن المغيرة بِيَدِ سيّد الشجعان عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
    2. قال الواقديّ في «المغازي» ج ۱، ص ٢٦۰: و كان كعب بن مالك يقول: أصابني الجراح يوم احُد. فلمّا رأيت مَثْلَ المشركين بقتلي المسلمين أشدّ المثل و أقبحه، قمتُ فتجاوزت عن القتلى حتى تنحّيت، فإنّي لفي موضعي، إذ أقبل خالد بن الأعلم العُقيليّ جامع اللأمَة يحوز المسلمين يقول: استوسقوا كما يُستوسق جُربُ الغَنَم مدجّجاً في الحديد يصيح: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! لَا تَقْتُلُوا مُحَمَّداً ائْسِرُوهُ أسِيراً حتى نُعَرِّفُهُ بِمَا صَنَعَ. و يصمد له قُزمان، فيضربه بالسيف ضربة على عاتقه رأيت منها سَحْرَه.

معرفة الإمام ج۱۳

37
  • فَوَيْلٌ لَهُمْ ثُمَّ وَيْلٌ.

  • قلنا: إنّ أبا بكر، و عمر، و عثمان لم يُجرحوا في هذه الغزوة، بل لم يُخدَشوا. و هذا ديدنهم في سائر غزوات رسول الله كبدر، و الأحزاب، و حُنَين. و لم نجد في التأريخ أنّهم جُرحوا في غزوة من الغزوات في حين جُرح أمير المؤمنين عليه السلام في غزوة احُد تسعين جُرحاً و هو القائل: كان ستّة عشر جرحاً منها عميقةً، و تلزمني الأرض و يُغمى عَلَيّ في كلّ منها، و لم أملك نفسي حتى كان جبرئيل يأتيني و يرفعني و هو يقول: قم يا عليّ، فليس لمحمّد غيرك معين! و لمّا وضعت الحرب أوزارها، و عاد رسول الله و أمير المؤمنين بالمسلمين إلى المدينة، لازم أمير المؤمنين عليه السلام الفراش. و وضعوا له فتيلة لمعاجلة جراحة، و ذلك بسبب عمقها.

  • الجراح التي ألمّت برسول الله صلى الله عليه و آله يوم احُد

  • و أمّا الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله فقد ضُرب في وجهه بالحجر حتى كُسر عظمه، و سال الدم، و لم ينقطع. و غرزت حلقات الدرع في عظم وجهه و عصت فلم تخرج. و ضُرب على شفتيه المباركتين بالسيف حتى سقطت رباعيّاته.۱ و اغمي عليه مرّات لشدّة ضغط الدرع الثقيل عليه، و سقط في الحفرة التي كان قد حفرها أبو عامر الراهب الفاسق في أرض احُد بمعاضدة المشركين، و اغمي عليه، و لم يتمكّن من الخروج، و بلغ منه العطش مبلغاً إذ حين اتي له بالماء بعد الحرب، و قرّبه من فمه، لم يستطع‌

    1. تسمّى الأسنان الأربع الأماميّة: ثنايا. و هما اثنتان في الفكّ العلويّ و اثنتان في الفكّ السفليّ. و تسمّى الأسنان الأربع المتّصلة بها: أنياب. اثنتان في الأعلى و اثنتان في الأسفل، و تسمّى الأسنان الأربع المتّصلة بها: رُباعيّات. اثنتان في أعلى الفم و اثنتان في أسفله.

معرفة الإمام ج۱۳

38
  • أن يشرب.

  • و الله أعلم كم عانى من النبال و الأحجار و الحِراب و السيوف، ذلك أنّ كتائب من الخيّالة و الرجّالة تتكوّن من ثلاثمائة أو مائتي رجل برئاسة خالد بن الوليد، و عكرمة بن أبي جهل، و ضِرار بن الخطّاب، و عتبة بن أبي وقّاص، و عبد الله بن شهاب و ابن قَميئة، و ابيّ بن خَلَف، كانت تحمل بمجموعها حملة رجل واحد. و لكن لمّا كان صلى الله عليه و آله متدرّعاً بدرعَين، و على رأسه مِغفر،۱ و كان أمامه عدد من أصحابه الأوفياء كأبي دُجانة، و سهل بن حُنيف، و قليل من الصالحين الملتزمين الباذلين مهجهم و هم يحوطونه. و كان أمير الولاية حيدر الكرّار يحمل عليهم كالليث الباسل و هو المدرّب على العرفان و التوحيد، و يفرّق صفوفهم و يمزّقهم و يبعثرهم، و من جهة اخرى كان الله تعالى قد وعده بالنصر، و هو الحافظ لروحه المقدّسة، لذلك لم يستطيعوا قتله.

  • قال الواقديّ في «المغازي»: و كان أربعة من قريش قد تعاهدوا و تعاقدوا على قتل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم و عرفهم المشركون بذلك، عبد الله بن شِهاب، و عتبة بن أبي وقّاص، و ابن قَميئَة، و ابيّ بن‌

    1. قال العلّامة السيّد عبد الحسين شرف الدين العامليّ في كتاب «النصّ و الاجتهاد» ص ٢٥٤، الطبعة الثانية: حين رأى خالد بن الوليد قلّة من بقي من الرماة [من أصحاب النبيّ‌]، حمل عليهم فقتلهم. و شدّ بمن معه على أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم من خلفهم. و تبادر المنهزمون من المشركين حينئذٍ بنشاط مستأنف لقتال المسلمين حتى هزموهم بعد أن قتلوا سبعين من أبطالهم فيهم أسد الله و [أسد] رسوله حمزة بن عبد المطّلب. و قاتل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم يومئذٍ قتالًا شديداً. فرمى بالنبل حتى فني نبله، و انكسرت سية قوسه، و انقطع وتره، و اصيب بجرح في وجنته، و آخر في جبهته، و كُسرت رباعيّته السفلى، و شقّت -بأبي هو و امّي- شفته، و علاه ابن قمئة بالسيف.

معرفة الإمام ج۱۳

39
  • خَلَف.

  • و رمى عُتبة يومئذٍ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم بأربعة أحجار، وَ كَسَرَ رُبَاعِيتَه -أشْظَى بَاطِنَهَا اليُمْنَى السُّفْلَى- وَ شُجَّ في وَجْنَتَيْهِ‌۱ (حتى غابَ حَلَقُ المِغْفَرِ في وَجْنَتِهِ) وَ اصِيبَتْ رُكْبَتَاهُ فَجُحِشَتَا.٢ و كانت حفر حفرها أبو عامر الفاسق كالخنادق للمسلمين. و كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم واقفاً على بعضها و لا يشعر به.

  • قال الواقديّ: و الثابت عندنا أنّ الذي رمى و جنتَي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم ابن قميئة، و هو يقول: دُلّوني على محمّد، فو الذي يُحلَف به، لئن رأيته لأقتلنّه. فعلاه بالسيف، و رماه عتبة بن أبي وقّاص مع تجليل السيف. و كان عليه صلى الله عليه و آله و سلّم درعان. فوقع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم في الحفرة التي أمامه فَجُحِشت رُكبتاه. و لم يصنع سيف ابن قميئة شيئاً إلّا وَهَن الضربة بثِقَل السيف، فقد وقع لها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم.٣ و انتهض رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم و طلحة يحمله من ورائه، و عليّ [عليه السلام‌] آخذ بيده حتى استوى قائماً.٤

    1. وَجْنَة، وِجْنَة، وُجْنَة، وَجَنَة، وَجِنَة، أجَنَة، إجَنَة، اجْنَة: ما ارتفع من الخدّين.
    2. جَحَشَ الجِلْدَ: قَشَرَهُ وَ خَدَشَهُ.
    3. قال الطبرسيّ في «إعلام الوري»، ص ٩٢: و قيل له في غزوة احد: أ لا تدعو عليهم؟! قال: اللَهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ. و رمي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم ابن قميئة بقذّافة فأصاب كفّه حتى ندر السيف من يده و قال: خُذها مِنِّي وَ أنَا ابنُ قميئة، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم: أذلّك الله و أقمأك. و ضربه عتبة بن أبي وقّاص بالسيف حتى أدمي فاه، و رماه عبد الله بن شهاب بقلاعة فأصاب مرفقه.
    4. «المغازي» ج ۱، ص ٢٤٣ و ٢٤٤.

معرفة الإمام ج۱۳

40
  • و قال الواقديّ أيضاً: و كان أبو سعيد الخُدريّ يحدّث أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم اصيب وجهه يوم احد فدخلت الحلقتان من المغفر في وجنتيه، فلمّا نُزِعتا جعل الدم يسرب كما يسرُب الشنّ.۱

  • نقول: في ضوء ما ذكرنا من الخصوصيّات و المواصفات، أ ليس من الإجحاف خذلان النبيّ الذي يزعم الإنسان أنّه يفديه بروحه و ماله و عرضه و ناموسه و كلّ شي‌ء في حياته؟ و بلغ الأمر أنّ الآية القرآنيّة المباركة الآتية تُنبئ المسلمين بهذا الفرار و تعنّفهم على ما ارتكبوه من خطيئة عظيمة:

  • إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلى‌ أَحَدٍ وَ الرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ.٢

  • هذه هي قصّة المنهزمين الفارّين، إذ تخاطب الآية المسلمين قائلة: ترقون الجبلَ فارّين و الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله يناديكم: يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ! أنَا رَسُولُ اللهِ! إلَيّ، إلَيّ، فَلَا يَلْوِي عَلَيْهِ أحَدٌ.

  • قال الواقديّ في سياق الآيات النازلة في غزوة احد عند تفسير قوله تعالى: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى‌ أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى‌ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ‌٣ إنّ إبليس تصوّر يوم احُد في صورة جُعال بن سراقة الثعلبيّ فنادى: إنّ محمّداً قد قُتل، فتفرّق الناس من كلّ وجه.٤

    1. «المغازي» ج ۱، ص ٢٤۷.
    2. الآية ۱٥٣، من السورة ٣: آل عمران.
    3. الآية ۱٤٤، من السورة ٣: آل عمران.
    4. حكى آية الله السيّد شرف الدين العامليّ في كتاب «النصّ و الاجتهاد» ص ٢٥٤، الطبعة الثانية، عن «الكامل» لابن الأثير (أنّ الناس لمّا جعلوا يقولون: قُتِل محمّد، قُتِل محمّد، فأوغل المسلمون في الهرب على غير رشد). و كان أوّل من عرف رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم كعب بن مالك، فنادى بأعلى صوته: يا معشر المسلمين! أبشروا، هذا رسول الله حيّ لم يُقْتَل. فأشار إليه‌ [رسول الله‌] أن أنصت. (مخافة أن يسمع العدوّ فيهجم عليه). و قال في ص ٢٥٥: بعد غلبة الكفّار و استشهاد حمزة و التمثيل به، أشرف أبو سفيان على المسلمين فقال: أ في القوم محمّد؟ ثلاثاً. فقال رسول الله: لا تُجيبوه! فقال أبو سفيان: انشدك الله يا عمر أ قتلنا محمّداً؟ قال عمر: اللهمّ لا و إنّه ليسمع كلامك! نرى هنا أنّ عمر خالف رسول الله بصراحة، و قد أعلن للعدوّ أنّه حيّ في وقت كانت حياته صلى الله عليه و آله في خطر.

معرفة الإمام ج۱۳

41
  • إقرار عمر بفراره في غزوة احُد

  • يقول عمر: كنت أرقى في الجبل كأنّي ارْوِيّة۱ حتى انتهيت إلى رسول الله صليّ الله عليه و آله و هو ينزل عليه: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ‌ (الآية).

  • و معنى قوله: وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى‌ عَقِبَيْهِ‌: يتولّى. وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا.٢

  • و كذلك روى الواقديّ عن الضحّاك بن عثمان، عن ضمرة بن سعيد، قال: قال رافع بن خَديج: [كنت يوم احُد] إلى جنب أبي مسعود الأنصاريّ و هو يذكر من قُتل من قومه و يسأل عنهم، فيُخبَر برجال منهم سعد بن ربيع و خارجة بن زُهير، و هو يسترجع و يترحّم عليهم، و بعضهم يسأل بعضاً عن حميمه، فهم يخبرون بعضهم بعضاً. فبينا هم على ذلك، ردّ الله المشركين ليذهب بالحزن عنهم، فإذا عدوّهم فوقهم قد علوا، و إذا كتائب المشركين. فنسوا ما كانوا يذكرون.

  • و نَدَبنا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم و حضّنا على القتال، و أنّي لأنظر إلى فلان و فلان في سفح الجبل يعدون.

  • فكان عمر يقول: لمّا صاح الشيطان: قُتِلَ مُحَمَّدٌ، أقبلتُ أرقى في‌

    1. قال في «صحاح اللغة» ص ٢٣٦٣: الارْوِيَّة: الانْثَي مِنَ الوُعُولِ.
    2. الآية ۱٤٥، من السورة ٣: آل عمران.

معرفة الإمام ج۱۳

42
  • الجبل كأنّي ارويّة، فانتهيتُ إلى النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم و هو يقول: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ.۱ (الآية). و أبو سفيان في سفح الجبل. قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم: اللَهُمَّ لَيْسَ لَهُمْ أنْ يَعْلُونَا.٢ فَانْكَشَفُوا.٣

  • و نقل الواقديّ أيضاً أنّ إبليس لمّا صاح: إنَّ مُحَمَّداً قَدْ قُتِلَ، تفرّق الناس، فمنهم من ورد المدينة، فكان أوّل من دخل المدينة يخبر أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم قد قُتِل سعد بن عثمان أبو عُبادة. ثمّ ورد بعده رجال حتى دخلوا على نسائهم، حتى جعل النساء يقلن: أ عَنْ رَسُولِ اللهِ تَفِرُّونَ؟!

  • قال يقول ابن امّ مكتوم: أ عن رسول الله تفرّون؟ ثمّ جعل يؤفّف بهم. و كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم خلّفه بالمدينة يصلّي بالناس. ثمّ قال: اعدلوني على الطريق -يعني طريق احُد- فعدلوه على الطريق. فجعل يستخبر كلّ من لقي عن طريق احُد حتى لحق القوم، فعلم بسلامة النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم ثمّ رجع.

  • بعض المسلمين الفارّين في حرب احُد

  • و كان ممّن ولّى فلان،٤ و الحارث بن حاطب، و ثَعْلَبة بن حاطب،

    1. الآية ۱٤٤، من السورة ٣: آل عمران
    2. و قال الطبريّ في تاريخه، ج ٢، ص ٥٢۱، الطبعة الثانية: لمّا أشرف أبو سفيان علي رسول الله و المسلمين و هو يهمّ بهم، قال رسول الله صلى الله عليه و آله: ليس لهم أن يعلونا. اللهمّ إن تُقتل هذه العصابة لا تُعبَد. ثمّ ندب أصحابه فرموهم بالحجارة حتى أنزلوهم.
    3. «المغازي» للواقديّ، ج ۱، ص ٢٩٥.
    4. قال في التعليقة: في ح: «عمر و عثمان». و ذكر البلاذريّ، عن الواقديّ، عثمان و لم يذكر عمر. («أنساب الأشراف» ج ۱، ص ٣٢٦).

معرفة الإمام ج۱۳

43
  • و سوّاد بن غَزيّة، و سعد بن عثمان، و عُقبة بن عثمان، و خارجة بن عامر بلغ مَلَل،۱ و أوس بن قيظيّ في نفر من بني حارثة بلغوا الشُّقْرة.٢ و لقيتهم امّ أيمن تحثي في وجوههم التراب، و تقول لبعضهم: هَاكَ المَغْزَلَ فَاغزِلْ بِهِ، وَ هَلُمَّ سَيْفَكَ! فوجّهت إلى احُد مع نُسَيَّات معها.٣

  • و روى الواقديّ أيضاً بسنده المتّصل عن نَمْلَة بن أبي نملة -و اسم أبي نملة عبد الله بن معاذ و كان أبوه مُعاذ أخ للبراء بن معرور لُامّه- فقال: لمّا انكشف المسلمون ذلك اليوم نظرتُ إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم و ما معه أحد إلّا نُفَير، فأحدق به أصحابه من المهاجرين و الأنصار و انطلقوا به إلى الشِّعب، و ما للمسلمين لواء قائم، و لا فئة، و لا جمع، و إنّ كتائب المشركين لتحوشهم مقبلة و مدبرة في الوادي، يلتقون و يفترقون. ما يرون أحداً من الناس يردّهم.

  • فاتّبعتُ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم فأنظر إليه و هو يؤمّ أصحابه. ثمّ رجع المشركون نحو عسكرهم و تآمروا في المدينة و في طلبنا. فالقوم على ما هم عليه من الاختلاف. و طلع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم إلى أصحابه، فكأنّهم لم يصبهم شي‌ء حين رأوا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم سالماً.٤

  • و روى الواقديّ أيضاً بسنده المتّصل عن أبي سفيان مولى ابن أبي‌

    1. مَلَل موضع في طريق مكّة بين الحرمين. قال ابن السكّيت: هو منزل علي طريق المدينة إلى مكّة عن ثمانية و عشرين ميلًا من المدينة. («معجم البلدان» ج ۸، ص ۱٥٣).
    2. الشُّقْرَة موضع بطريق فَيد بين جبال حمر علي نحو ثمانية عشر ميلًا من النخيل و علي يوم من بئر السائب، و يومين من المدينة («وفاء الوفا» ج ٢، ص ٣٣۰).
    3. «المغازي» للواقديّ، ج ۱، ص ٢۷۷ و ٢۷۸.
    4. «المغازي» للواقديّ، ج ۱، ص ٢٣۸.

معرفة الإمام ج۱۳

44
  • أحمد قال: سمعتُ محمّد بن مَسْلَمة يقول:

  • سَمِعَتْ اذُنَايَ وَ أبْصَرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يَقُولُ يَوْمَئِذٍ وَ قَدِ انْكَشَفَ النَّاسُ إلَى الجَبَلِ وَ هُمْ لَا يَلْوُونَ عَلَيْهِ، وَ إنَّهُ لَيَقُولُ: إلَيّ يَا فُلَانُ! إلَيّ يَا فُلَانُ!۱ أنَا رَسُولُ اللهِ فَمَا عَرَّجَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ عَلَيْهِ وَ مَضَيَا.٢

  • كلام خالد بن الوليد في فرار عمر

  • و روى الواقديّ أيضاً عن ابن أبي سَبْرَة، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي جَهْم، و اسم أبي جهم عُبَيد، قال: كان خالد بن الوليد يُحَدِّث و هو بالشام يقول: الحَمْدُ لِلَّهِ الذي هَدَانِي لِلإسلامِ! لقد رأيتني و رأيت عمر بن الخطّاب حين جالوا و انهزموا يوم احُد، و ما معه أحَد. و إنّي لفي‌

    1. قال ابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة» ج ۱٥، ص ٢٣، طبعة دار إحياء الكتب: حضرتُ عند محمّد بن معد العلويّ الموسويّ الفقيه على رأى الشيعة الإماميّة رحمه الله في داره بدرب الدواب ببغداد في سنة ثمان و ستمائة و قارئ يقرأ عنده «مغازي الواقديّ» فقرأ: حدّثنا الواقديّ. و تلا هذا الحديث. فأشار ابن معد إليّ أن أسمع! فقلتُ: و ما في هذا؟ قال: هذه كناية عنهما. فقلتُ: و يجوز ألّا يكون عنهما، لعلّه عن غيرهما. قال: ليس في الصحابة من يُحتشم و يُستحيا من ذكره بالفرار و ما شابهه من العيب، فيضطرّ القائل إلى الكناية إلّا هما. قلتُ له: هذا وَهْم فقال: دعنا من جدلك و منعك. ثمّ حلف أنّه ما عنى الواقديّ غيرهما و أنّه لو كان غيرهما، لذكره صريحاً و بان في وجهه التنكّر من مخالفتي له.
    2. «المغازيّ» للواقديّ، ج ۱، ص ٢٣۷.
      و روى الطبريّ في تأريخه، ج ٢، ص ٥۱٩، و ٥٢۰، الطبعة الثانية، بسنده عن السُّدِّيّ قال: أتي ابن قميئة الحارثيّ أحد بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة فرمى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم بحجر فكسر أنفه و رباعيّته، و شجّه في وجهه فأثقله و تفرّق عنه أصحابه. و دخل بعضهم المدينة و انطلق بعضهم فوق الجبل إلى الصخرة فقاموا عليها. و جعل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم يدعو الناس: إليّ عباد الله، إليّ عباد الله. فاجتمع إليه ثلاثون رجلًا فجعلوا يسيرون بين يديه. فلم يقف أحد إلّا طلحة و سهل بن حنيف.

معرفة الإمام ج۱۳

45
  • كتيبة خشناء فما عرفه منهم أحد غيري. فنكبت عنه و خشيتُ إن أغريتُ به من معي أن يصمدوا له،۱ فنظرتُ إليه موجّهاً إلى الشِّعب.٢

  • و روى الطبريّ في تاريخه بسنده عن قاسم بن عبد الرحمن بن رافع أخو بني عدي بن نجّار، قال: انتهى أنس بن النضر -عمّ أنس بن مالك- إلى عمر بن الخطّاب و طلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين و الأنصار و قد ألقوا بأيديهم. فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: قُتِلَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ. قال: فَمَا تَصْنَعُونَ بِالحَيَاةِ بَعْدَهُ؟ قُومُوا فَمُوتُوا (كِرَاماً) عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله و سلّم، ثمّ استقبل القوم فقاتل حتى قُتل. و به سُمّي أنس بن مالك.٣

  • و العجيب هنا أنّ بعض هؤلاء العديمي الغيرة الذين كانوا جالسين على الجبل و قد أطلقوا العنان لأنفسهم، قالوا: ليت لنا رسولًا إلى عبد الله بن ابيّ‌

    1. عمر بن الخطّاب ابن عمّة خالد بن الوليد. (السيرة الحلبيّة ج ٣، ص ٢٢۰؛ و «تاريخ أبو الفداء» ج ۷، ص ۱۱٥).
    2. «المغازي» للواقديّ، ج ۱، ص ٢٣۷. ذكر الشيخ الطبرسيّ في «إعلام الوري» ص ٩۰، ما نصّه: فخرج كمين المشركين عليهم خالد بن الوليد فانتهى إلى عبد الله بن جبير فقتله. ثمّ أتى الناس من أدبارهم، و وضع في المسلمين السلاح فانهزموا. و صاح إبليس لعنه الله: قُتِلَ مُحَمَّدُ. و رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم يدعوهم في اخراهم: أيُّهَا النَّاسُ! أنَا رَسُولُ اللهِ وَ إنَّ اللهَ قَدْ وَعَدَنِي النَّصْرَ فَإلَيّ، أيْنَ الفَرَار؟ فيسمعون الصوت و لا يلوون على شي‌ء. و ذهبت صيحة إبليس حتى دخلت بيوت المدينة. فصاحت فاطمة عليها السلام و لم تبق هاشميّة و لا قرشيّة إلّا وضعت يدها على رأسها و خرجت فاطمة تصرخ.
    3. «تاريخ الامم و الملوك» للطبريّ، ج ٢، ص ٥۱۷، الطبعة الثانية، دار المعارف بمصر؛ و نقلها أبو الفداء أيضاً في تاريخه؛ و كذلك أوردها ابن كثير الدمشقيّ في «البداية و النهاية» ج ٤، ص ٣٤.

معرفة الإمام ج۱۳

46
  • فيأخذ لنا أمَنَةً من أبي سفيان!

  • و ذكر الطبريّ في تاريخه أيضاً أنّه لمّا فشا خبر قتل رسول الله صلى الله عليه و آله قال بعض الفارّين إلى الجبل و كانوا على الصخرة:

  • لَيْتَ لَنَا رَسُولًا إلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ ابَيّ، فَيَأخُذَ أمَنَةً مِنْ أبِي سُفْيَانَ. يَا قَوْمِ! إنَّ مُحَمَّداً قَدْ قُتِلَ! فَارْجِعُوا إلَى قَوْمِكُمْ قَبْلَ أنْ يَأتُوكُمْ فَيَقْتُلُوكُمْ.

  • قال لهم أنس بن النضر: يَا قَوْمِ! إنْ كَانَ مُحَمَّدٌ قَدْ قُتِلَ فَإنَّ رَبَّ مُحَمَّدٍ لَمْ يُقْتَلْ، فَقَاتِلُوا عَلَى مَا قَاتَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ. اللَهُمَّ إنِّي أعْتَذِرُ إلَيْكَ مِمَّا يَقُولُ هَؤلاءِ وَ أبْرَا إلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ هَؤْلَاءِ! ثُمَّ شَدَّ بِسَيْفِهِ فَقَاتَلَ حتى قُتِلَ.۱

  • و انطلق رسول الله صلى الله عليه و آله يدعو الناس حتى انتهى إلى أصحاب الصخرة (و هم الذين اعتزلوا القتال و ارتقوا الصخرة)، فلمّا رأوه، وضع رجل سهماً في قوسه فأراد أن يرميه، فقال: أنا رسول الله.٢

  • إنّ أنس بن النضر ذلك الرجل الغيور الشهم الوجيه صاحب الحميّة و العزّة و ذو المنطق الرزين، الذي ذكرنا كيفيّة استشهاده قد رُمي بالنبال و ضُرب بالسيوف حتى أنّ اخته لم تستطع أن تعثر على جسده بعد استشهاده، و ما عرفته آخر الأمر إلّا من بنانه أو من ثناياه. و قيل: وجد به‌

    1. ذكرها ابن الأثير أيضاً في «الكامل» ج ٢، ص ۱٥٦ و ۱٥۷. و جاء في كتاب «النصّ و الاجتهاد» ص ٢٤۸، الطبعة الثانية: أنّ أنس بن النضر سمع نفراً من الفارّين -و فيهم عمر و طلحة- يقولون لمّا سمعوا أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم قُتِل: ليت لنا من يأتي عبد الله بن ابيّ بن سلّول ليأخذ لنا أماناً من أبي سفيان قبل أن يقتلونا. فقال لهم أنس: يا قوم! إن كان ... إلى آخره.
    2. «تاريخ الطبريّ» ج ٢، ص ٥٢۰، الطبعة الثانية.

معرفة الإمام ج۱۳

47
  • سبعون ضربة في جسده، و لم يسلم موضع من بدنه، و إنّما عرفته اخته من بنانه أو من ثناياه.۱

  • فرار عثمان و إيواؤه معاوية بن المغيرة

  • و أمّا عثمان فقد سمعتم الروايات المنقولة فيه عن تواريخ العامّة الموثّقة. و نذكر فيما يأتي وثيقة تأريخيّة مهمّة اخرى عن الطبريّ الذي يعدّ من المؤرّخين الموثّقين عند العامّة:

  • قال أبو جعفر الطبريّ: و قد كان الناس انهزموا عن رسول الله صلى الله عليه و آله [يوم احُد] حتى انتهى بعضهم إلى المنقي دون الأعوص. و فرّ عثمان بن عفّان، و عقبة بن عثمان، و سعد بن عثمان (رجلان من الأنصار) حتى بلغوا الجَلْعَب (و هو جبل بناحية المدينة ممّا يلي الأعوص) فأقاموا به ثلاثاً. ثمّ رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه و آله فزعموا أنّه قال لهم: لَقَدْ ذَهَبْتُمْ فِيهَا عَرِيضَةً.٢

  • و لم يفرّ عثمان فحسب، بل لمّا قدم المدينة آوى معاوية بن المغيرة

    1. قال الواقديّ في «المغازي» ج ۱، ص ٢۸۰: و قالوا: أتينا عمر بن الخطّاب في رهط من المسلمين قعوداً، و مرّ بهم أنس بن النضر بن ضمضم عمّ أنس بن مالك فقال: ما يقعدكم؟ قالوا: قُتل رسول الله. قال: فما تصنعون بالحياة بعده؟! قوموا فموتوا على ما مات عليه. ثمّ جالَد بسيفه حتى قُتل. فقال عمر بن الخطّاب: إنّي لأرجو أن يبعثه الله امّة وحده يوم القيامة. و وجد به سبعون ضربة في وجهه. ما عرف حتى عرفتْ اخته حُسن بنانه أو حُسن ثناياه. و ذكر ابن الأثير قصّته في «الكامل» ج ٢، ص ۱٥٦.
    2. «تاريخ الطبريّ» ج ٢، ص ٥٢٢، الطبعة الثانية. و جاء في الجزء الأوّل من «السيرة الحلبيّة»، ص ٢٤۰ أيضاً: و من المنهزمين عثمان بن عفّان، و الوليد بن عقبة، و خارجة بن زيد، و رفاعة بن المعلّى، أقَامُوا ثَلَاثَةَ أيَّامٍ ثُمَّ رَجَعُوا إلى رَسُولِ اللهِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ: ذَهَبْتُمْ فِيهَا عَرِيضَةً.

معرفة الإمام ج۱۳

48
  • ابن أبي العاص الذي كان من ألدّ أعداء رسول الله صلى الله عليه و آله و قد اشترك في هذه الغزوة. و هو الذي زعم أنّه مثّل بحمزة سيّد الشهداء عليه السلام و شقّ شفتي رسول الله و كسر رباعيّته. و كان رسول الله قد هدر دمه. و لمّا دلّت رقيّة بنت رسول الله الصحابة الذين كانوا يبحثون عنه على مكانه في البيت، ضربها بعصا رحله حتى اعتلّت و لزمت الفراش، ثمّ ماتت بعد ذلك.۱

  • و نحن نذكر هذه القضيّة عن مغازي الواقديّ الذي يعدّ من أقدم الوثائق التأريخيّة و أوثقها:

  • قال الواقديّ: و كان معاوية بن المغيرة بن أبي العاص قد انهزم يومئذٍ، فمضى على وجهه، فنام قريباً من المدينة. فلمّا أصبح دخل المدينة فأتى منزل عثمان بن عفّان، فضرب بابه، فقالت امرأته امّ كلثوم ابنة رسول الله صلى الله عليه و آله: ليس هو هاهنا. هو عند رسول الله صلى الله عليه و آله.

  • قال [معاوية]: فارسلي إليه فإنّ له عندي ثمن بعير اشتريته عام أوّل فجئته بثمنه، و إلأ ذهبتُ. قال: فأرسلتْ [أمّ كلثوم‌]٢ إلى عثمان، فجاء.

    1. أورد ابن الأثير الجزريّ قصّة معاوية بن المغيرة مفصّلًا في «كامل التواريخ» ج ٢، ص ۱٦٥، طبعة بيروت. و نصّ على أنّه هو الذي جدع أنف حمزة و مثّل به.
    2. الصحيح رقيّة. ذلك أنّ عثمان تزوّج امّ كلثوم بعد وفاة رقيّة. و كانت و فاتها في سنة ٩ هـ. و نقل المؤرّخون، و كذلك نصّ عليه المجلسيّ في «بحار الأنوار» ج ٦، ص ۷۰۷ و ۷۰۸، طبعة الكمبانيّ، أنّ رقيّة تزوّجها عتبة، و امّ كلثوم تزوّجها عتيق -و هما ابنا أبي لهب- قبل الإسلام. ثمّ طلّقاهما قبل زفافهما بأمر أبي لهب. فتزوّج عثمان رقيّة بالمدينة و ولدت له عبد الله صبيّاً لم يجاوز ستّ سنين، و كان ديكٌ نَقَرَهُ على عينه فمات. و تزوّج بعدها امّ كلثوم. و ماتت في السنة التاسعة من الهجرة.

معرفة الإمام ج۱۳

49
  • فلمّا رآه قال: وَيْحَكَ! أهْلَكْتَنِي وَ أهْلَكْتَ نَفْسَكَ. مَا جَاءَ بِكَ؟ قال: يا بن عمّ! لم يكن لي أحد أقرب إليّ منك و لا أحقّ! فأدخله عثمان في ناحية البيت. ثمّ خرج إلى النبيّ صلى الله عليه و آله يريد آن يأخذ له أماناً.

  • و قد قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم قبل أن يأتيه عثمان: إنّ معاوية قد أصبح بالمدينة فاطلبوه. فطلبوه فلم يجدوه. فقال بعضهم: اطلبوه في بيت عثمان بن عفّان. فدخلوا بيت عثمان، فسألوا امّ كلثوم، فأشارت إليه فاستخرجوه من تحت حِمارة۱ لهم، فانطلقوا به إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و عثمان جالس عند رسول الله صلى الله عليه و آله فلمّا رآه عثمان قد اتي به قال: و الذي بعثك بالحقّ، ما جئتك إلّا أن أسألك أن تؤمّنه! فهبه لي يا رسول الله! فوهبه له و أمّنه و أجّله ثلاثاً، فإن وُجدِ بعدهنّ قُتِل.

  • قال: فخرج عثمان [من دار الرسول الأكرم‌] فاشترى له بعيراً و جهّزه. ثمّ قال: ارتحل. فارتحل. و سار رسول الله صلى الله عليه و آله إلى حمراء الأسد.٢ و خرج عثمان مع المسلمين إلى حمراء الأسد [أيضاً]. و أقام معاوية [بن المغيرة في المدينة] حتى كان اليوم الثالث، فجلس على راحلته و خرج حتى إذا كان بصدور العقيق، قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم: إنّ معاوية قد أصبح قريباً فاطلبوه. فخرج الناس في طلبه، فإذا

    1. جاء في نهاية ابن الأثير، ج ۱، ص ٢٥۸: الحمارة ثلاثة أعواد يشدّ بعض أطرافها إلى بعض و يخالَف بين أرجلها و تعلّق عليها الإداوة ليبرد الماء.
    2. قال في «شرح المواهب اللدنّيّة» ج ٢، ص ۷۰: حمراء الأسد علي ثمانية أميال -و قيل عشرة- من المدينة عن يسار الطريق إذا أردت ذا الحليفة.

معرفة الإمام ج۱۳

50
  • هو قد أخطأ الطريق، فخرجوا في أثره حتى أدركوه في اليوم الرابع.

  • و كان زيد بن حارثة، و عمّار بن ياسر أسرعا في طلبه. فأدركاه بالجمّاء. فضربه زيد بن حارثة. و قال عمّار: إنّ لي فيه حقّاً. فرماه عمّار بسهم فقتلاه. ثمّ انصرفا إلى النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم فأخبراه. و يقال: ادرك بثَنِيَّة الشَّريد على ثمانية أميال من المدينة، و ذلك حيث أخطأ الطريق. فأدركاه، فلم يزالا يرميانه بالنبل، و اتّخذاه غرضاً حتّى مات.۱

  • و قال المؤرّخون: كان خلال الأيّام الثلاثة التي أقامها في المدينة يتسقّط أخبار النبيّ و المسلمين ليوافي بها كفّار قريش.

  • قصّة اعتقال معاوية بن المغيرة

  • قال ابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة»: روى البلاذريّ أنّ معاوية بن المغيرة هذا هو الذي جدع أنف حمزة سيّد الشهداء و مثّل به يوم احد. روى ذلك عن الكلبيّ و قال: هو ابن عمّ عثمان لحّاً، إذ إنّ عثمان ابن عفّان بن أبي العاص، و هو معاوية ابن المغيرة بن أبي العاص. و لا عقب له إلّا بنت تسمّى عائشة، تزوّجها مروان بن الحكم فولدت له ابنه عبد الملك.٢

  • مقتل رقيّة ابنة رسول الله بضرب عثمان‌

  • و أمّا قصّة مقتل رقيّة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله على ما نقله محمّد بن يعقوب الكلينيّ في كتاب «الكافي» فهي كما يأتي: روى بسنده عن يزيد بن خليفة الحاربيّ أنّه قال: سأل عيسى بن عبد الله أبا عبد الله عليه السلام [الإمام الصادق‌] و أنا حاضر فقال: تخرج النساء إلى الجنازة؟!

  • و كان متّكئاً فاستوى جالساً، ثمّ قال: إنّ الفاسق عليه لعنة الله‌٣ آوى‌

    1. «المغازي» للواقديّ»، ج ۱، ص ٣٣٣ و ٣٣٤.
    2. «شرح نهج البلاغة» ج ٥، ص ٤٦ و ٤۷، طبعة دار إحياء الكتب العربيّة.
    3. المراد عثمان. و جاء في الرواية: عمّه المغيرة. و لعلّها من إسقاط النسّاخ، و نحن ذكرنا في النصّ أعلاه: ابن عمّه معاوية بن المغيرة.

معرفة الإمام ج۱۳

51
  • ابن عمّه معاوية بن المغيرة بن أبي العاص و كان ممّن هدر رسول الله دمه. فقال لابنة رسول الله: لا تخبري أباكِ بمكانه! كأنّه لا يوقن أنّ الوحي يأتي محمّداً.

  • فقالت [رقيّة]: ما كنتُ لأكتم رسول الله صلى الله عليه و آله عدوّه. فجعله بين مشجب له و لحفه بقطيفة. فأتى رسول الله صلى الله عليه و آله الوحيُ فأخبره بمكانه. فبعث إليه عليّاً عليه السلام، و قال: اشتمل على سيفك و ائت بيت ابنة عمّك، فإن ظفرتَ بالمغيرة فاقتله. فأتى [أمير المؤمنين عليه السلام‌] البيت فجال فيه، فلم يظفر به، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه و آله فأخبره. فقال: يا رسول الله! لم أره. فقال [رسول الله‌]: إنّ الوحي قد أتاني فأخبرني أنّه في المشجب. و دخل عثمان بعد خروج عليّ عليه السلام فأخذ بِيَدِ ابن عمّه، فأتى به النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم. فلمّا رآه أكبّ و لم يلتفت إليه. و كان نبيّ الله صلى الله عليه و آله حيّياً كريماً.

  • فقال [عثمان‌]: يا رسول الله هذا ابن عميّ معاوية بن المغيرة بن أبي العاص، و الذي بعثك بالحقّ ما آمنُه. فأعادها ثلاثاً.

  • و أعادها أبو عبد الله عليه السلام ثلاثاً: كذب عثمان، و الذي بعثه بالحقّ نبيّاً. كان عثمان يأتي عن يمين رسول الله، ثمّ يأتي عن يساره. فلمّا كان في الرابعة، رفع رأسه إليه فقال: قد جعلت لك ثلاثاً، فإن قدرتُ عليه بعد ثلاثة، قتلتُه.

  • فلمّا أدبر و تولّى، قال رسول الله صلى الله عليه و آله: اللَهُمَّ العَنْ مُعَاوِيَةَ بْنَ المُغيرةِ وَ العَنْ مَنْ يُؤْوِيهِ، وَ العَنْ مَنْ يَحْمِلُهُ، وَ العَنْ مَنْ يُطْعِمُهُ،

معرفة الإمام ج۱۳

52
  • وَ العَنْ مَنْ يَسْقِيهِ، وَ العَنْ مَنْ يُجَهِّزُهُ، وَ العَنْ مَنْ يُعْطِيهِ سِقَاءً أو حِذَاءً أو رِشَاءً أو وِعَاءً!

  • و هو يعدّهنّ بيمينه. و انطلق به عثمان و آواه و أطعمه و سقاه و حمله و جهّزه حتى فعل جميع ما لعن عليه النبيّ صلى الله عليه و آله من يفعله به. ثمّ أخرجه في اليوم الرابع يسوقه.

  • فلم يخرج من أبيات المدينة حتى أعطب الله راحلته و نقب حذاءه و دميت قدماه، فاستعان بيده و ركبته، و أثقله جهازه حتى وجّر به، فأتى سُمرة فاستظلّ بها. فأتى رسول الله صلى الله عليه و آله الوحي فأخبره بذلك، فدعا عليّاً عليه السلام فقال: خذ سيفك فانطلق أنت و عمّار و ثالث لهم، فإنّ [معاوية] بن المغيرة بن أبي العاص تحت شجرة كذا. فأتاه‌

  • أمير المؤمنين عليه السلام، فقتله.۱

    1. روى المجلسيّ رضي الله عنه في «بحار الأنوار» ج ٦، ص ٥۱٦ عن الكازرونيّ في «المنتقى»، عن ربيعة بن الحارث في غزوة حمراء الأسد قال: و ظفر رسول الله صلى الله عليه و آله في طريقه بمعاوية بن المغيرة بن أبي العاص و بأبي غِرَّة الجمحيّ. و كان أبو غِرَّة اسر يوم بدر فأطلقه النبيّ صلى الله عليه و آله لأنّه شكى إليه فقراً و كثرة العيال، فأخذ رسول الله صلى الله عليه و آله عليه العهود أن لا يقاتله و لا يعين على قتاله. فخرج معهم يوم احد و حرّض على المسلمين. فلمّا اتى به رسول الله قال: يَا مُحَمَّد! امْنُنْ عَلَيّ. قال: المُؤمِنُ لَا يُلْدَغُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ. و أمر به فقتله. و أمّا معاوية و هو الذي جدع أنف حمزة و مثّل به مع من مثّل به، و كان قد أخطأ الطريق‌ [في رجوعه إلى مكّة]، فلمّا أصبح أتى دار عثمان بن عفّان. فلمّا رآه، قال له عثمان: أهْلَكْتَنِي وَ أهْلَكْتَ نَفْسَكَ. فقال: أنت أقربهم منّي رحماً و قد جئتك لتجيرني. فأدخله عثمان داره و صَيّره في ناحية منها. و عرض المجلسيّ هذا الموضوع عن الكازرونيّ مفصّلًا بالصورة التي نقلناها عن الواقديّ. و قال في آخره: و روى هذا الخبر ابن أبي الحديد أيضاً و أكثر اللفظ له. ثمّ قال: و يقال: إنّه ادرك على ثمانية أميال من المدينة. فلم يزل زيد و عمّار يرميانه بالنبل حتى مات. و هذا كان جدّ عبد الملك ابن مروان لُامّه - انتهى كلام الكازرونيّ.
      قال المجلسيّ: هذه القصّة كانت سبب قتل عثمان ابنة رسول الله صلى الله عليه و آله، كما سيأتي شرحه إن شاء الله في مثالبه، و باب أحوال أولاد رسول الله صلى الله عليه و آله - انتهى كلام المجلسيّ.
      و أنا أقول: لم تقتصر جرائم عثمان على إيوائه معاوية. قال المسعوديّ في «التنبيه و الإشراف» ص ٢٣٢ و ٢٣٣: و أمر رسول الله صلى الله عليه و آله‌ [في فتح مكّة] بقتل ابن الأخطل، و عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح، و مِقْيَس بن حبابة. و كان عبد الله بن سعد بن أبي سرح أخا عثمان لُامّه و أحد كتّاب الوحي فارتدّ مشركاً و لحق بمكّة. فلمّا أمر النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم بقتله أخفاه عثمان ثمّ أتى به النبيّ صلى الله عليه و آله سائلًا فيه. فصمت النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم طويلًا ثمّ قال: نعم! فلمّا انصرف به عثمان قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم لمن حضره من أصحابه: أمَا و الله لقد صمتُّ ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه فقال رجل من الأنصار: فهلّا أو ماتَ يا رسول الله؟ فقال: إنَّ النَّبِيّ لا يَقْتُلُ بِالإشَارَةِ. و يمكن أن نفهم من هذا الحديث أيضاً حرمة الاغتيال في الإسلام. و عبد الله بن سعد بن أبي سرح هذا هو الذي عزّزه عثمان و كرّمه أيّام حكومته الغاصبة ثمّ ولّاه على مصر.

معرفة الإمام ج۱۳

53
  • فضرب عثمان بنت رسول الله صلى الله عليه و آله [بخشبة المحمل ضرباً كثيراً] و قال: أنتِ أخبرتِ أباكِ بمكانه. فبعثت إلى رسول الله صلى الله عليه و آله تشكو ما لقيت. فأرسل إليها رسول الله صلى الله عليه و آله: اقْنِي حَيَاءَكِ، فَمَا أقْبَحَ بِالمَرْأةِ ذَاتِ حَسَبٍ وَ دِينٍ في كُلِّ يَوْمٍ تَشْكُو زَوْجَهَا. فأرسلت إليه مرّات، كلّ مرّة يقول لهأ ذلك [و يأمرها بالصبر و التحمّل‌]. فلمّا كان في الرابعة، دعا عليّاً و قال: خذ سيفك و اشتمل عليه ثمّ ائت بنت ابن عمّك فخذ بيدها فإن حال بينك و بينها فأحطمه بالسيف فأقبل رسول الله صلى الله عليه و آله كالواله من منزله إلى دار عثمان. فأخرج عليّ عليه السلام ابنة رسول الله. فلمّا نظرت إليه، رفعت صوتها بالبكاء. و استعبر رسول الله و بكى، ثمّ أدخلها منزله. و كشفت عن ظهرها. فلمّا أن‌

معرفة الإمام ج۱۳

54
  • رأى ما بظهرها قال ثلاث مرّات: قَتَلكِ قَتَلَهُ اللهُ. و كان ذلك يوم الأحد. و بات عثمان متلحّفاً بجاريتها. فمكثت الاثنين و الثلاثاء و ماتت في يوم الأربعاء. فلمّا حضر أن يخرج بها، أمر رسول الله صلى الله عليه و آله فاطمة عليها السلام فخرجت و نساء المؤمنين معها.

  • و خرج عثمان يشيّع جنازتها. فلمّا نظر إليه النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم قال: من أطاف البارحة بأهله أو بفتاته فلا يتّبعن جنازتها. فلم يخرج عثمان، و خرجت فاطمة عليه السلام و نساء المؤمنين و المهاجرين فصلّين على الجنازة.۱

  • و نطالع في كتاب «الغدير» للعلّامة الأمينيّ ردّاً على كتاب «حياة محمّد» للمستشرق أميل درمنغم، و قد ترجمه الاستاذ الفلسطينيّ مُحَمَّد عَادِل زُعَيْتِر، إذ انتقد العلّامة أصل الكتاب و مترجمه بشدّة. ذلك أنّ مؤلّفه يقول فيه: و كان صهرا النبيّ الأمويّان (عثمان و أبو العاص) أكثر مداراة للنبيّ من عليّ. فقال العلّامة في سياق جوابه عن هذا الموضوع: و إنّي لا يسعني المجال لتحليل كلمة الرجل: و كان صهرا النبيّ الأمويّان: و حسبك في مداراة عثمان حديث أنس عن رسول الله صلى الله عليه و آله لمّا شهد دفن رقيّة ابنته العزيزة و قعد على قبرها و دمعت عيناه فقال: أيّكم لم يقارف الليلة أهله؟! فقال أبو طلحة [الأنصاريّ‌]٢: أنا. فأمره أن ينزل‌

    1. ذكر المرحوم المجلسيّ هذا الحديث في «بحار الأنوار» ج ٦، ص ۷۰٩ و ۷۱۰، طبعة الكمبانيّ، في باب أحوال أولاد النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله، نقلًا عن الكلينيّ. و كذلك أورد في الكتاب نفسه و في هذا الموضع، و أيضاً في ج ۸، ص ٢۱٥، باب كفر الثلاثة و نفاقهم و فضائح أعمالهم، رواية قريبة من هذا المضمون عن «الخرائج و الجرائح» للراونديّ.
    2. جاء في «أسد الغابة» عند ترجمة أبي طلحة، ج ٦، ص ۱۸۱، رقم ٦۰٢٩: هو زيد ابن سهيل بن الأسود بن حرام الأنصاريّ الخزرجيّ. شهد بدراً و له يوم احد مقام مشهود و كان يقي رسول الله صلى الله عليه و آله بنفسه، و يرمي بين يديه و يتطاول بصدره ليقي رسول الله و يقول: نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ وَ نَفْسِي دُونَ نَفْسِكَ. و كان رسول الله يقول: صوت أبي طلحة في الجيش خير من مائة رجل. آخى رسول الله بينه و بين أبي عبيدة بن الجرّاح و شهد المشاهد كلّها مع رسول الله صلى الله عليه و آله. و كان زوج امّ سليم امّ أنس بن مالك.

معرفة الإمام ج۱۳

55
  • في قبرها.

  • قال ابن بَطّال: أراد النبيّ صلى الله عليه و آله أن يحرم عثمان النزول في قبرها. و قد كان أحقّ الناس بذلك، لأنّه كان بعلها و فقد منها علقاً لا عوض منه. لأنّه حين قال صلى الله عليه و آله: أيّكم لم يقارف الليلة أهله؟ سكت عثمان و لم يقل: أنا، لأنّه قد قارف ليلة ماتت بعض نسائه، و لم يشغله الهمّ بالمصيبة و انقطاع صهره من النبيّ صلى الله عليه و آله عن المقارفة. فحرم بذلك ما كان حقّاً له. و كان أولى به من أبي طلحة و غيره.

  • و هذا بيّن في معنى الحديث. و لعلّ النبيّ صلى الله عليه و آله قد كان علم ذلك بالوحي، فلم يقل له شيئاً لأنّه فعل فعلًا حلالًا غير أنّ المصيبة لم تبلغ منه مبلغاً يشغله حتى حرّم ما حرّم من ذلك بتعريض غير صريح. («الروض الانُف» ج ٢، ص ۱۰۷).۱

  • اعتراف عثمان بفراره في حرب احُد

  • و كان عثمان نفسه يعترف أنّه فرّ في معركة احُد ثلاثة أيّام كما أنّ عمر كان يعدّه في الفارّين. قال الواقديّ: كان بين عبد الرحمن بن عوف و عثمان كلام. فأرسل عبد الرحمن إلى الوليد بن عُقبة فدعاه فقال: اذهب إلى أخيك فبلّغه عنّي ما أقول لك، فإنّي لا أعلم أحداً يبلّغه غيرك. قال الوليد: أفعل.

  • قال: قل، يقول لك عبد الرحمن: شهدتُ بدراً و لم تشهد! و ثبتُ‌

    1. «الغدير» ج ٣، ص ٢٤.

معرفة الإمام ج۱۳

56
  • يوم احُد و ولّيتَ عنه! و شهدتُ بيعة الرضوان و لم تشهدها! فجاءه فأخبره. فقال عثمان: صدق أخي. تخلّفتُ عن بدر على ابنة رسول صلى الله عليه و آله و سلّم و هي مريضة. فضرب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم بسهمي و أجرى فكنت بمنزلة من حضر. و ولّيتُ يوم احُد فقد عفا الله ذلك عنّي. فأمّا بيعة الرضوان، فإنّي خرجتُ إلى أهل مكّة، بعثني رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم: إنّ عثمان في طاعة الله و طاعة رسوله، و بايع النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم إحدى يديه الاخرى، فكانت شمال النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم خيراً من يميني. فقال عبد الرحمن حين جاءه الوليد بن عُقبة: صدق أخي.

  • و قال الواقديّ: و نظر عمر بن الخطّاب إلى عثمان بن عفّان فقال: هذا ممّن عفا الله عنه، و الله ما عفا الله عن شي‌ء فردّه، و كان تولّى‌ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ.

  • و قال أيضاً: و سأل رجل [عبد الله‌] بن عمر عن عثمان فقال: إنّه أذنب يوم احُد ذنباً عظيماً، فعفا الله عنه، و هو مِمَّن تَوَلَّى يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ، و أذنب فيكم ذنباً صغيراً فقتلتموه!۱

  • و الآن ينبغي أن نعرف: هل عُفي عن عثمان؟ و هل صفح الله عنه و غفر له كما استفاد ذلك عمر و ابنُه من الآية القرآنيّة الكريمة؟ أم لا.

    1. انظر «المغازي» للواقديّ، ص ٢۷۸ و ٢۷٩. و ذكر ابن أبي الحديد هذه الروايات الثلاث في «شرح نهج البلاغة» ج ۱٥، ص ٢۱ و ٢٢، طبعة دار إحياء الكتب العربيّة. و قال ابن الأثير الجزريّ في «الكامل» ج ٢، ص ۱٥۸، طبعة بيروت: و انتهت الهزيمة بجماعة المسلمين، فيهم عثمان بن عفّان و غيره إلى الأعوص. فأقاموا به ثلاثاً ثمّ أتوا النبيّ صلى الله عليه و آله فقال لهم حين رآهم: لَقَدْ ذَهَبْتُمْ فِيهَا عَرِيضَةً.

معرفة الإمام ج۱۳

57
  • ليس كذلك، و لا يستفاد من الآية الكريمة المباركة أبداً أنّ الله قد عفا عنه و غفر له؟

  • و علينا أن نعرف سلفاً أنّ الفرار من ساحة القتال بلا عذر شرعيّ بيّنه الله، كبيرة من الكبائر عموماً، و هو من أشدّ أقسام المعاصي الكبيرة التي أوعد القرآن الكريم عليها جهنّم. قال تعالى‌: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ ، وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى‌ فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ.۱

  • خلوّ الآية القرآنيّة من الدلالة على العفو عن عثمان بمعنى الغفران‌

  • نلاحظ في هذه الآية أنّ المسلم لا يحقّ له أن يولّي العدوّ دبره إلّا في حالتين لا غير: الاولى: إذا أراد مثلًا أن ينتقل من الميمنة إلى الميسرة أومن القلب إلى الجناح لمصلحة قتاليّة. الثانية: إذا أراد أن يلحق بطائفة من المسلمين أو غير المسلمين ليستمدّهم القوّة و العِدّة و العُدّة للقتال. و في غير هاتين الحالتين لا يجوز الفرار من لقاء الكفّار. و مَن فعل فإنّه موعَد بغضب الله و ناره.٢

    1. الآيتان ۱٥ و ۱٦، من السورة ۸: الأنفال.
    2. لا تقتصر خيانات عثمان و جناياته على الفرار من الزحف، و إيواء معاوية بن المغيرة الذي مثّل بحمزة. و قتل السيّدة رقيّة بالضرب. فمن جناياته الاخرى إيواؤه (خفيةً) أخاه من الرضاعة عبد الله بن سعد بن أبي سرح و جلبه إلى المدينة. قال الطبريّ و ابن الأثير في تاريخهما في باب خلافة عثمان: لمّا زادت المعارضات على عثمان بن عفّان، و أنكر عليه الناس كثيراً من اموره، استشار مروان بن الحكم، و معاوية. فأشارا عليه بإنفاذ عسكر لفتح إفريقية حتى ينشغل الناس به، و لا يجدوا مجالًا للكلام فيه، فَلَا يَكُونُ هِمَّةُ أحَدِهِمْ إلَّا دُبَرة خَيْلِهِ وَ القُمَّلُ يَجْرِي على ظَهْرِهِ. و كذلك ذكر الطبريّ، و ابن الأثير، و صاحب «الاستيعاب» في ترجمة عبد الله بن سعد بن أبي سرح أنّ عثمان سرّح جيشاً إلى إفريقية و عليهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح. و لمّا فتح عبد الله إفريقية، دفع إليه عثمان خراجها كلّه لم يُشرك معه أحداً. و عبد الله هذا هو الذي ارتدّ و كفر بعد إسلامه فهدر رسول الله صلى الله عليه و آله دمه. و لمّا سار رسول الله إلى فتح مكّة، أوصى صحابته بقتله حيث وجدوه حتى لو كان متعلّقاً بأستار الكعبة. لكنّ عثمان أخفاه في مكّة. و لمّا تمّ فتح مكّة، أتى به عثمان إلى رسول الله مستشفعاً. فلم يقل رسول الله شيئاً، و انتظر حتى يقوم أحد أصحابه فيقتله. فقال عمر: هلّا أو مات يا رسول الله بقتله؟! فقال: نَحْنُ مَعَاشِرَ الأنْبِيَاءِ لَا يَنْبَغِي أنْ تَكُونَ لَنَا خَائِنَةُ الأعْيُنِ.

معرفة الإمام ج۱۳

58
  • من خيانات عثمان‌

  • و إذا تبيّن هذا الموضوع فإنّا نقول: على ما ذا يُحمل فرار عثمان ثلاثة أيّام في نقطة نائية عن المدينة غير البَوْء بغضب الله و مأواه جهنّم و بئس المصير؟ كيف غفر الله له؟ هل نُسخت الآية النازلة فيه و في أترابه؟ علماً أنّه لم يصلنا عن عثمان نفسه أنّه قد خجل و استحيا من فعله و تاب إلى الله توبةً نصوحاً.

  • و أمّا من استدلّ على غفرانه بقوله تعالى: وَ لَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ. فليعلم أنّ هذه الآية لا تدلّ على غفران. فالعفو هنا يعني عدم المؤاخذة الدنيويّة، و عدم إجراء الكفّارة و عدم تنفيذ حكم الإعدام فيه. و إلّا فإنّ حكم الإسلام في المتخلّف عن ساحة القتال مع الكفّار الإعدام. و الله تعالى لم يطبّق هذا الحكم على عثمان و نظائره، إذ ليس إلى ذلك من سبيل لأنّه لو طبّقه لُاعدم أكثر من نصف الجيش الذي شهد احُداً، و هذا ليس في مصلحة الإسلام الفتيّ، و إلّا لا يبقى أحد من المسلمين.

  • جاء حكم العفو الإلهيّ في آيتين من الآيات الواردة في سورة آل عمران و يختلف العفو في هاتين الحالتين:

  • الاولى: هذه الآيات: ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَ لَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ، إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلى‌ أَحَدٍ وَ الرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى‌ ما

معرفة الإمام ج۱۳

59
  • فاتَكُمْ وَ لا ما أَصابَكُمْ وَ اللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ ، ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى‌ طائِفَةً مِنْكُمْ.۱

  • و نرى في هذه الآيات أنّ طائفة من الذين فرّوا رجعوا إلى النبيّ صلى الله عليه و آله و كانوا عنده، فأثابهم الله غمّاً بغمّ، ثمّ غشاهم الاطمئنان و النعاس. و هؤلاء قد شملهم العفو بمعنى الغفران. و يؤيّد هذا المعنى قوله بعد العفو: وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.

  • أمّا الذين فرّوا و لم يرجعوا إلى النبيّ في ساحة القتال، فهم المعنيّون بقوله تعالى: وَ طائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ. إلى قوله: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَ لَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ.٢

  • و لم يرد غفران و رحمة للذين فرّوا و لم يرجعوا و كانوا يهتمّون بحفظ أنفسهم و حصانتها. و العفو يعني الصفح و عدم المحاكمة في الدنيا. و الدليل على ذلك قوله: أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ. و هو صبور على أعمالهم، و لم يقل: «رحيم»، أي: يرحمهم و يعطف عليهم.

  • إذاً، العفو الأوّل يشمل الذين ندموا على فرارهم و عادوا إلى النبيّ صلى الله عليه و آله و كان هذا في وقت فارق رسول الله صلى الله عليه و آله فيه المشركين و جاء إلى الشِّعب، و إن كان رجوع هذه الطائفة من المؤمنين تدريجيّاً و بعد علمهم بأنّ رسول الله لم يُقتل. و فيهم قال تعالى: وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.

    1. من الآية ۱٥٢ إلى قسم من الآية ۱٥٤، من السورة ٣: آل عمران.
    2. قسم من الآية ۱٥٤ و الآية ۱٥٥، من السورة ٣: آل عمران.

معرفة الإمام ج۱۳

60
  • أمّا العفو الثاني فيشمل الذين واصلوا فرارهم و ظنّوا بالنبيّ سوءاً، و قالوا: لو كنّا على الحقّ ما قُتِلنا. و فيهم قال سبحانه: أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ.

  • و من‌ الطبيعيّ أنّ الكلام يحوم حول المؤمنين من الصحابة إذ كانوا فريقين، و لا علاقة له بالمنافقين، لأنّ الله تبارك و تعالى يبيّن حالة المنافقين كعبد الله بن ابيّ و زمرته في آيات اخرى مستقلّة ستأتي.۱

  • و اعترف عمر نفسه أنّه فرّ يوم احُد. قال ابن أبي الحديد:٢ و احتجّ من روى أنّ عمر فرّ يوم احُد بما روى أنّه جاءته في أيّام خلافته امرأة تطلب بُرداً من برود كانت بين يديه، و جاءت معها بنت لعمر تطلب بُرداً أيضاً، فأعطى المرأة و ردّ ابنته، فقيل له في ذلك، فقال: إنّ أبا هذه ثبت يوم احُد، و أبا هذه فرّ يوم احُد و لم يثبت.٣

    1. استهدينا في هذا الموضوع بكتاب «الميزان في تفسير القرآن» ج ٤، ص ٤٣ إلى ٥٤. و قد عرضناه ملخّصاً.
    2. نقل ابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة» ج ۱۱، ص ۱۰۰، طبعة دار إحياء الكتب العربيّة، رواية عن فضيل بن عياض في عمر، قال فيها: أعطى رجلًا عطاءه أربعة آلاف درهم ثمّ زاده ألفاً. فقيل له: أ لا تزيد ابنك عبد الله كما تزيد هذا؟ قال: إنّ هذا ثبت أبوه يوم احُد، و إنّ عبد الله فرّ أبوه و لم يثبت.
    3. و من الأدلّة على فرار عمر و عثمان التشيّع الذي نسبه البعض إلى الواقديّ لأنّه لم يجعلهما في مكانتهما المعهودة كما جاء في كثير من مواضع كتابه، و من ذلك أنّه سمّي في كتابه عثمان و عمر، أو عمر، أو عثمان، و عدّهما من الفارّين في غزوة احُد. قال الدكتور مارسدن جونس في ص ۱۸ من مقدّمته على كتاب «المغازي» للواقديّ: مثلًا في المخطوطة التي اتّخذناها أصلًا لهذه النشرة، نرى قائمة بمن فرّ عن النبيّ يوم احُد، تبدأ بهذه الكلمات: و كان ممّن ولّى فلان، و الحارث بن حاطب، و ثعلبة بن حاطب، و سواد بن غزية، و سعد ابن عثمان، و عقبة بن عثمان، و خارجة بن عامر، و قد بلغ «ملل»، و أوس بن قيظي في نفر من بني حارثة، بينما نرى النصّ عند ابن أبي الحديد عمر و عثمان بدلًا من فلان. و يروي البلاذريّ عن الواقديّ عثمان، و لا يذكر عمر. و يظهر بوضوح أنّ النصّ في المخطوطة الامّ كان يذكر عثمان و عمر، أو عمر وحده، أو عثمان وحده ممّن ولّوا الأدبار يوم احد. و لكنّ الناسخ لم يقبل هذا في حقّ عمر أو عثمان، فابدل اسميهما أو اسم أحدهما بقوله: فلان. و لا شكّ أنّ نصّ الواقديّ الأصليّ وقع في أيدي طائفة من الشيعة و قرؤوا فيه هذه الأخبار التي أوردها في حقّ عمر و عثمان مثلًا، فاعتقدوا أنّه شيعيّ قطعاً. انتهى موضع الحاجة من كلام الدكتور مارسدن جونس.
      و قال الواقديّ في مغازيه، ج ۱، ص ٢۷۱: حدّثنا يعقوب بن محمّد، عن موسى بن ضمرة بن سعيد، عن أبيه، قال: اتِيَ عمرُ بن الخطّاب بمُروط (المِرط كساء من خزّ أو كتّان)، فكان فيها مرط واسع جيّد. فقال بعضهم: إنّ هذا المِرط لثمن كذا و كذا (المرط يُشبه الدِّثار في يومنا هذا) فلو أرسلتَ به إلى زوجة عبد الله بن عمر صفيّة بنت أبي عُبَيد -و ذلك حِدثان ما دخلت على ابن عمر- فقال: أبعث به إلى من هو أحقّ منها، امّ عُمارة نُسَيبة ابنة كعب. سمعتُ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم يوم احُد يقول: ما التفتُّ يميناً و لا شمالًا إلّا و أنا أراها تقاتل دوني. و هذه القصّة تماثل القصّة السابقة أيضاً.

معرفة الإمام ج۱۳

61
  • حديث نبويّ صريح في فرار عمر يوم احُد

  • و من الأدلّة الرصينة على فرار عمر بن الخطّاب رواية ذكرها الواقديّ في مغازيه و هي تدور حول قصّة الحُدَيبيّة، عن أبي سعيد الخُدريّ قال: كنت جالساً يوماً عند عمر بن الخطّاب فقال: لقد دخلني يومئذ من الشكّ، و راجعت النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم يومئذٍ مراجعة ما راجعته مثلها قطّ. و لقد عتقتُ فيما دخلني يومئذٍ رقاباً، و صمتُ دهراً و إنّي لأذكر ما صنعتُ خالياً فيكون أكبر همّي.

  • و ينقل عمر القصّة هنا مفصّلًا، و يستمرّ الراوي فيقول: و قال عمر و رجال معه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله: يا رسول الله! أ لم تكن حدّثتنا أنّك ستدخل المسجد الحرام، و تأخذ مفتاح الكعبة و تعرّف مع المعرّفين؟! و هَدْينا لم يصل إلى البيت و لا نحن!

  • فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم: قُلْتُ لَكمْ في سَفَرِكُمْ هَذَا؟! قال عمر: لَا. فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم: أمَا إنَّكُمْ‌

معرفة الإمام ج۱۳

62
  • سَتَدْخُلُونَهُ، و آخُذُ مِفْتَاحَ الكَعْبَةِ، وَ أحْلِقُ رَأسِي وَ رُؤُوسَكُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ، وَ اعَرِّفُ مَعَ المُعَرِّفِينَ.

  • ثم أقبل على عمر، فقال: أ نَسِيتُمْ يَوْمَ احُدٍ إذْ تُصْعِدُونَ وَ لَا تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ وَ أنَا أدْعُوكُمْ في اخْرَاكُمْ؟! أ نَسِيتُمْ يَوْمَ الأحْزَابِ‌۱ إذْ جَاءُوكُمْ مِن فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أسْفَلَ مِنْكُمْ وَ إذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ وَ بَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ؟! أ نَسِيتُمْ يَوْمَ كَذَا؟!

  • وَ جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يُذَكِّرُهُمْ امُوراً - أ نَسِيتُمْ يَوْمَ كَذَا؟

  • فقال المسلمون: صدق الله و رسوله يا نبيّ الله، ما فكّرنا فيما فكّرت فيه. لأنتَ أعلم بالله و بأمره منّا.

  • فلمّا دخل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم عام القضيّة (عمرة القضاء) و حلق رأسه، قال: «هذا الذي وعدتكم». فلمّا كان يوم الفتح أخذ المفتاح فقال: «ادعوا لي عمر بن الخطّاب، فقال: هذا الذي قلتُ لكم». فلمّا كان في حجّة الوداع بعَرَفة فقال: «أي عمر، هذا الذي قلتُ لكم».٢

    1. قال المستشار عبد الحليم الجنديّ في كتاب «الإمام جعفر الصادق» ص ٢۱: و في يوم الخندق أزفت الآزفة حيث تيمّم المشركون مكاناً ضيّقاً فاقتحموه بخيلهم. فخرج لهم عليّ بن أبي طالب في نفر من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة التي اقتحموا منها. و كان عمرو بن عبد ودّ -فارس العرب- يريد أن يعرف مكانه يوم الخندق. فنادى من فوق الخيل: هل من مبارز؟ فبرز له عليّ. قال له عمرو: ما احبّ أن أقتلك لما بيني و بين أبيك. و أصرّ عليّ و نزل عمرو عن فرسه، و تجاولا. فما انجلى النقع حتى قتله عليّ. و فرّ أصحاب الثغرة بخيولهم منهزمين.
    2. «المغازي» للواقديّ، ج ٢، ص ٦۰۷ إلى ٦۰٩.
      و ذكر الشيخ المفيد في «الإرشاد» ص ۸٢، الطبعة الحجريّة، أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله لمّا حاصر الطائف بعد فتح مكّة، و دام ذلك الحصار أكثر من عشرة أيّام، أنفذ أمير المؤمنين عليه السلام ليكسر كلّ صنم وجده. فكسر الأصنام و عاد إلى رسول الله. فلمّا رآه كبّر للفتح و أخذ بيده فخلا به و ناجاه طويلًا. فأتاه عمر بن الخطّاب، فقال: أ تُنَاجِيهِ دُونَنَا وَ تَخْلُو بِهِ؟! فقال: يَا عُمَرُ! مَا أنَا انْتَجَيْتُهُ، بَلِ اللهُ انْتَجَاهُ. فأعرض عمر و هو يقول: هَذَا كَمَا قُلْتَ لَنَا يَوْمَ الحُدَيْبِيَّةِ: لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرَامِ إن شَاءَ اللهُ آمِنِينَ، فَلَمْ نَدْخُلُهُ وَ صُدِدْنَا عَنْهُ. فَنَادَاهُ النَّبِيّ: لَمْ أقُلْ لَكُمْ إنَّكُمْ تَدْخُلُونَهُ في ذَلِكَ العَامِ. و وردت في ص ٥٢۷ من كتاب «غاية المرام» ثمانية أحاديث عن طريق العامّة، و ثمانية عشر حديثاً عن طريق الخاصّة في مناجاة رسول الله صلى الله عليه و آله أمير المؤمنين عليه السلام.

معرفة الإمام ج۱۳

63
  • يقول المستدلّون على فرار عمر أنّه لو لم يفرّ يوم احُد، لما قال له رسول الله: «أنسيتم يوم احُد إذ تُصعِدون و لا تلوون على أحد»؟۱

  • لم يشهد رسول الله لأبي بكر بالجنّة

  • و شهد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم على أنّ جميع المقتولين في غزوة احُد من أهل الجنّة، و أنّ كتاب أعمالهم خُتم بخير، و أنّهم أبلوا بلاءً محموداً، و أنّ السعادة مكتوبة لهم في دار الآخرة.

  • بَيدَ أنّ هذا لشهداء احُد فحسب، و ليس لكلّ من اشترك و جاهد في احُد. إذ إنّ من الممكن أن تمرّ بلاءات بعد احُد فلا يثبت فيها المغرورون بأنفسهم و مناصبهم، المتظاهرون بالتقوى و الصلاح، و هم ينشدّون إلى عالم الغرور في تلك النكات الدقيقة. و تتجلّى أنفسهم في الامّة بطابع فرعوني مع جميع ما لهم من أرصدة السبق و القِدَم، فينكرون الحقّ و يؤثِرون أنانيّتهم على الحقّ و الانقياد المحض إليه. و حينئذٍ، كيف تكون عاقبتهم خيراً إذا هلكوا و هم على هذه الحالة من الاستكبار و الزهو و العُجب و حبّ الذات، حتى لو كانوا بارزين في الزهد، بارعين في علوم القرآن، متشرّفين بصحبة رسول الله سنين طويلة! كما أنّ شهداء بدر من أهل الجنّة

    1. «شرح نهج البلاغة» لابن أبي الحديد ج ۱٥، ص ٢٥، طبعة دار إحياء الكتب العربيّة؛ ذكر ابن أبي الحديد غزوة احُد مفصّلًا في الجزء المذكور، ص ٣ إلى ٦۰.

معرفة الإمام ج۱۳

64
  • أيضاً، لا كلّ من شهد بدراً، لأنّه قد يتعرّض للبلاء، فلا يثبت فيه و لا يخرج منه مفلحاً.

  • إنّ الآيات القرآنيّة التي تتحدّث عن مجاهدي بدر و أصحاب بيعة الرضوان تحت الشجرة أثنت عليهم ثناءً مؤقّتاً كما يتطلّبه موقفهم يومئذٍ، و لم تثن عليهم ثناء مطلقاً إلى الأبد. و في بدر أدلّة، و في احُد أدلّة أيضاً.

  • كان طلحة بن عبيد الله من الذين ثبتوا و لم يفرّوا يوم احُد. و قد آزر النبيّ كثيراً، لكنّه نكث بيعة أمير المؤمنين عليه السلام في خلافته، فاريقت دماء الآلاف من الأبرياء على أثر ذلك. و كذلك دأب الزبير بن العوّام، و عبد الرحمن بن عوف، و سعد بن أبي وقّاص على اختلاف مراتبهم و درجاتهم.

  • و ذكر مالك حديثاً عجيباً في «الموطّأ»، و يمكن استنتاج أشياء مفيدة كثيرة منه بالمناط العامّ:

  • حَدَّثَني عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمْرَ بنِ عُبَيْدِ اللهِ أنَّهُ بَلَغَهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ لِشُهَدَاءِ احُدٍ: هَؤُلَاءِ أشْهَدُ عَلَيْهِمْ. فَقَالَ أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: أ لَسْنَا يَا رَسُولَ اللهِ إخْوَانَهُمْ؟ أسْلَمْنَا كَمَا أسْلَمُوا، وَ جَاهَدْنَا كَمَا جَاهَدُوا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: بلى، وَ لَكِنْ لَا أدْرِي مَا تُحْدِثُونَ بَعْدِي؟! فَبَكَى أبُو بَكْرٍ، ثُمَّ بَكَى، ثُمَّ قَالَ: أئِنَّا لَكَائِنُونَ بَعْدَكَ؟!۱

    1. «الموطّأ» لمالك، تحقيق و تعليق محمّد فؤاد عبد الباقي، ج ٢، ص ٤٦۱، و ٤٦٢، كتاب الجهاد، باب الشهداء في سبيل الله؛ و كتاب «تنوير الحوالك» للسيوطيّ، في شرح موطّأ مالك، الكتاب و الباب أنفسهما، ص ۱۸، أصل الحديث في صدر الصفحة، و شرحه و تفسيره في ذيلها.
      و ذكر محمّد بن عمر الواقديّ المتوفّى سنة ٢۰۷ في كتاب «المغازي» ج ۱، ص ٣۱۰، مثل هذا الحديث مع زيادة؛ قال: و كان طلحة بن عبيد الله، و ابن عبّاس، و جابر بن عبد الله يقولون: صلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم على قتلى احُد و قال: أنَا على هَؤلَاء شَهِيدٌ. فقال أبو بكر: يَا رَسُولَ اللهِ! أ لَيْسُوا إخْوَانَنَا، أسْلَمُوا كَمَا أسْلَمْنَا، وَ جَاهَدُوا كَمَا جَاهَدْنَا؟ قَالَ: بلى، وَ لَكِنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَأكُلُوا مِنْ اجُورِهِمْ شَيْئاً، وَ لَا أدْرِي مَا تُحِدْثُونَ بَعْدِي؟! فَبَكَى أبُو بَكْرٍ، وَ قَالَ: إنَّا لَكَائِنُونَ بَعْدَكَ؟!
      و ذكر الواقديّ أيضاً في كتابه المشار إليه، ص ٣۰٩، أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قال في حمزة و سائر شهداء احُد: أنَا الشَّهِيدُ على هَؤُلَاءِ يَوْمَ القِيَامَةِ.
      و أورد المولى المتّقي في «كنز العمّال» ج ۱۱، ص ۱۷٩، طبعة بيروت، حديثاً مماثلًا لهذا الحديث و رقمه ٣۱۱٢٢، عن رسول الله صلى الله عليه و آله أنّه قال: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أهْلَ القُبُورِ! لَوْ تَعْلَمُونَ مَا نَجَّاكُمُ اللهُ مِنْهُ مِمِّا هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكُمْ! هَؤُلَاءِ خَيْرٌ مِنْكُمْ، إنَّ هَؤُلَاءِ خَرَجُوا مِنَ الدُّنْيَا وَ لَمْ يَأكُلُوا مِنْ اجُورِهِمْ شَيْئاً وَ خَرَجُوا وَ أنَا الشَّهِيدُ عَلَيْهِمْ، وَ إنَّكُمْ مَنْ أكَلْتُمْ مِنْ اجُورِكُمْ وَ لَا أدْرِي مَا تُحْدِثُونَ مِنْ بَعْدِي. (ابن المبارك، عن الحسن مرسلًا).

معرفة الإمام ج۱۳

65
  • يقول محمّد فؤاد عبد الباقي في تعليقته: هذا الحديث مرسل عند جميع الرواة، لكنّ معناه يستند من وجوه صحاح كثيرة. و ذكر السيوطيّ هذا اللفظ نفسه في شرحه.۱

  • و قال في شرح قوله صلى الله عليه و آله: هَؤُلَاءِ أشْهَدُ عَلَيْهِمْ: يَعْنِي أشْهَدُ لَهُمْ بِالإيمَانِ الصَّحِيحِ وَ السَّلَامَةِ مِنَ الذُّنُوبِ المُوبِقَاتِ وَ مِنَ التَّبدِيلِ وَ التَّغْيِير وَ المُنَافَسَةِ في الدُّنْيَا وَ نَحْوَ ذَلِكَ. قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ البِرِّ.٢

  • و نفهم من هذا الحديث ما يأتي:

  • أوّلًا: أنّ الجهاد في احُد لم ينفع أبا بكر شيئاً، و أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله لم يؤيِّد سلامَة دينه، و خلاصَه من الذنوب الموبقة، و من التغيير و التبديل في العقيدة و النيّة، و الحوادث، و التنافس على الرئاسة

    1. «الموطّأ» لمالك، تحقيق محمّد فؤاد عبد الباقي، ج ٢، ص ٤٦۱.
    2. «تنوير الحوالك» ج ٢، ص ۱۸.

معرفة الإمام ج۱۳

66
  • و حبّ الجاه، و لم يشهد له بالإيمان الصحيح. و بعبارة موجزة: لم يؤيِّد كونه من أهل الجنّة.

  • ثانياً: لمّا كان النبيّ صلى الله عليه و آله عالِماً بالغيب، و أنّه أخبر بالوقائع و الحوادث قبل وقوعها و حدوثها بسنين طويلة، فإنّ كلامه: «لا أدري ما تُحدِثون بعدي». بمنزلة قوله: «لأنّي أعلم ما تُظهرون بعدي من البدع و ما تفتعلون من الحوادث». فلهذا أنتم لستم كشهداء احُد الذين رحلوا عن هذه الدنيا طاهرين مطهّرين. فأنتم -لا جرم- ستكونون من أصحاب النار!

  • ثالثاً: لو كان أبو بكر باحثاً عن الحقّ و الحقيقة، لسأل رسول الله بعد إخباره الصحابة، و بعد بكاء أبي بكر نفسه: و ما ذا نفعل إذاً؟ أرشدنا إلى سبيل النجاة من تلك الحوادث و الكوارث، كي لا نُمني بتلك الذنوب الموبقة المهلكة، و لا نُحدث تلك البدع، و لنظلّ سالمين و نكون من أهل الوجوه المبْيَضَّة شامخين كشهداء احُد! بَيدَ أنّه قطع كلام رسول الله، و حسم الموضوع ببكائه و قوله: أ إنّا لكائنون بعدك.۱

    1. روى الشيخ المفيد في أماليه، ص ٣۷ و ٣۸، طبعة جماعة المدرّسين، بسنده المتّصل عن ابن أبي مليكة، عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: إنِّي على الحَوْضِ أنْظُرُ مَنْ يَرِدُ عَلَيّ مِنْكُمْ وَ لَيُقْطَعَنَّ بِرِجَالٍ دُونِي، فَأقُولُ: يَا رَبِّ أصْحَابِي أصْحَابِي، فَيُقَالُ: إنَّكَ لَا تَدْرِي مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ! إنَّهُمْ مَا زَالُوا يَرْجِعُونَ على أعْقَابِهِم القَهْقَرَى.
      قال في التعليقة: قال المجلسيّ: اعلم أنّ أكثر العامّة على أنّ الصحابة كلّهم عدول، و قيل: هم كغيرهم مطلقاً. قيل: هم كغيرهم إلى حين ظهور الفتن بين عليّ عليه السلام و معاوية. و أمّا بعدها فلا يقبل الداخلون فيها مطلقاً.
      و قالت المعتزلة: هم عدول إلّا مَنْ عُلِمَ أنّه قاتل عليّاً عليه السلام فإنّه مردود.
      و ذهبت الإماميّة إلى أنّهم كسائر الناس من أنّ فيهم العادل، و فيهم المنافق و الفاسق و الضالّ، بل كان أكثرهم كذلك! و لا أظنّك ترتاب بعد ملاحظة تلك الأخبار المأثورة من الجانِبَيْنِ المتواترة بالمعنى في صحّة هذا القول - انتهى كلام المجلسيّ رضي الله عنه.
      و ذكر الشيخ محمّد جواد مغنية في «الشيعة و التشيّع» ص ۱٣، أنّه جاء في الحديث النبويّ أنّ مُحَمَّداً يرى يَوْمَ القِيَامَةِ أكْثَرَ امَّتِهِ تَدْخُلُ النَّارَ. وَ حِينَ يَسْألُ عَنِ السَّبَبِ يُقَالُ لَهُ: إنَّهُمْ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ على أدْبَارِهِمُ القَهْقَرَى («كتاب الجمع بين الصحيحين» الحديث ٢٦۷).
      و ورد في «صحيح البخاريّ» ج ٤، ص ۱٤٤. و في ج ۸، ص ۱٥۱، أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قال لأصحابه. سَتتَّبِعُونَ سُنَنَ مَن كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْراً بِشِبْرٍ وَ ذِرَاعاً بِذِرَاعٍ حتى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ! قَالُوا: أ تَرَاهُمُ اليَهُودَ وَ النَّصَارَى؟! قَالَ: فَمَنْ إذَاً؟
      و جاء في «صحيح البخاري» ج ۷، ص ٢۰٩: و «صحيح مسلم» في باب الحوض، أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قال: يُؤْتَى بِأصْحَابِي يَوْمَ القِيَامَةِ إلى ذَاتِ الشِّمَالِ. فَأقُولُ: إلى أيْنَ؟ فَيُقَال: إلى النَّارِ وَ اللهِ، فَأقُولُ: يَا رَبِّ هَؤُلَاءِ أصْحَابِي! فَيُقَالُ: إنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ! فَأقُولُ: سَحْقاً لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي وَ لَا أرَاهُ يَخْلَصُ مِنْهُمْ إلَّا مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ.
      و في «سنن الترمذي» كتاب الإيمان؛ و «سند أحمد بن حنبل» ج ٣، ص ۱٢۰؛ و «سنن ابن ماجه» كتاب الفتن، ج ٢، الحديث ٣٩٩٣، أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قال: سَتَفْتَرِقُ امَّتِي إلى ثَلَاثٍ وَ سَبْعِينَ فِرْقَةٍ، كُلُّهَا في النَّارِ إلَّا فِرْقَةٌ وَاحِدَةٌ.

معرفة الإمام ج۱۳

67
  • لقاء آية الله المعزّيّ الملايريّ مع العقيد سنبل في جدّة

  • يحسن بنا و قد بلغنا هذا الموضع أن نذكر آية الله العظمى البروجرديّ تغمّده الله برضوانه و نعيمه فنورد ما نقله عنه صديقنا العزيز الكريم و رفيقنا البرّ الشفيق الذي تربطنا به صحبة يزيد أمدها على أربعين سنة. و هو سماحة آية الله الشيخ إسماعيل المعزّيّ الملايريّ دامت بركاته.

  • حدّثني هذا الرجل حديثاً قبل ثلاثين سنة تقريباً، ثمّ طلبت منه أن يكتبه. فكتبه و أرسله لي بالبريد من قم إلى طهران، و خطّه الآن بين يديّ. و ها أنا أذكر فيما يأتي كلامه نصّاً.

  • قال بعد البسملة و التحميد و الصلوات و السلام و السؤال عن الأحوال، و الآداب المألوفة في المجاملات:

  • «و أمّا الموضوع فهو أنّي تشرّفت بالمثول بين يدي المرحوم آية الله‌

معرفة الإمام ج۱۳

68
  • العظمى السيّد البروجرديّ رضي الله عنه سنة ۱٣۷۸ هـ. ق لُاودّعه قبل سفري إلى حجّ بيت الله الأعظم، و كان كتاب «الموطّأ» لمالك بن أنس في يده، فقلَّبَ عدداً من أوراقه. ثمّ دفعه إليّ و قال: احفظ هذا الحديث فإنّه سينفعك يوماً! ثمّ أردف قائلًا: كان أبو بكر ماكراً إلى درجة أنّه تباكى و قطع الموضوع.

  • فحفظتُ الحديث. و بعد تشرّفى بزيارة مكّة، قدمنا جدّة لنعود إلى إيران، فراجعنا دائرة شئون الحجّاج، و كان مديرها عقيداً يُدعى «سنبل»، و لمّأ ذهبتُ إليه لتوقيع الجواز، دار بيني و بينه حديث طُرحَتْ فيه مسائل شتّى، و واصلناه حتى سألني قائلًا: هل ترون الشيخين من الذين حضروا بيعة الرضوان.۱

    1. يلاحظ في كتب العامّة كثيراً أنّ الشيخين كانا حاضرين في بيعة الرضوان، و قد و عدا برضا الله تعالى، إذ قال: رضي الله عن المؤمنين، فهما -إذاً- من أهل الجنّة. و لقد تحدّثنا عن هذا الموضوع مفصّلًا و قلنا:
      أوّلًا: إنّ الرضا هنا مؤقّت حسب ما يستدعيه الحال، و ما تستلزمه الجنّة هو عدم العدول، و الرضا الدائم، و هذا ما لا ينسجم مع الانحراف و ارتكاب الإثم و التلوّث بعد البيعة.
      ثانياً: اثر حديث نبويّ شريف في الجزء العاشر من كتابنا هذا، الدرس ۱٤٢، إلى ۱٤۸، عن «المستدرك» للحاكم و فيه أنّ الرسول الأكرم قال لعمر: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ؛ إنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. و هذا ما يمنع من كونهم من أهل الجنّة.
      و نقول هنا: أجمعت الشيعة و السنّة على أنّ رأس المنافقين و الجاحدين عبد الله بن ابيّ من أهل جهنّم، في حين أنّه شهد بيعة الرضوان و بايع رسول الله. فلو كانت البيعة في الحديبيّة تحت الشجرة وحدها كافية لضمان الجنّة، لكان المذكور من أهل الجنّة أيضاً.
      و قال آية الله السيّد عبد الحسين شرف الدين العامليّ في كتاب «النصّ و الاجتهاد» ص ۱٥٣، الطبعة الثانية، في المتن و التعليقة: خرج رسول الله صلى الله عليه و آله من المدينة مستهلّ ذي القعدة سنة ستّة للهجرة يريد العمرة ... فاستنفر الناس إلى العمرة معه، فلبّاه من المهاجرين و الأنصار و غيرهم من الأعراب ألف و أربعمائة رجل. و كان ممّن خرج معه المغيرة بن شعبة، و عبد الله بن ابيّ بن سلّول و بايعاه تحت الشجرة.
      و قال في ص ۱٥٦: ثمّ أخذ منهم البيعة فبايعوه بأجمعهم على الموت في نصرته، و كانوا ألفاً و أربعمائة رجل فيهم كهف المنافقين ابن سلّول، لم يتخلّف منهم عن هذه البيعة إلّا رجل يدعى الجدّ بن قيس الأنصاريّ.

معرفة الإمام ج۱۳

69
  • قلت: ورد في بعض الأحاديث أنّهما حضراها و بايعا رسول الله صلى الله عليه و آله أيضاً.

  • قال: فَلِمَ ترون أنّهما من أهل جهنّم؟!

  • قلتُ: لا، لا نرى أنّهما كذلك.

  • قال: فهل تعتقدون أنّهما من أصحاب الجنّة؟

  • قلتُ: لا. الجنّة و النار للّه تعالى، و نحن لا نعلم من يسوقه الله إلى الجنّة و من يسوقه إلى جهنّم. يَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَآءُ وَ يَحْكُمُ بِمَا يُرِيدُ.

  • قال: أنتم لستم على يقين من ذهاب أحد إلى الجنّة؟

  • قلتُ: و لِمَ ذلك! نحن على يقين أنّ رسول الله يذهب إلى الجنّة.

  • قال: كيف تقول ذلك؟

  • قلتُ: إذا لم يذهب إلى الجنّة و هو صفوة الخلق و نقاوته، فَلِمَ خَلَقَ الله الجنّة!

  • قال: و هل أنتم على يقين من ذهاب غيره إليها؟

  • قلتُ: نعم، نحن على يقين من ذهاب الحسن و الحسين عليهما السلام إليها أيضاً.

  • قال: ما الدليل على ذلك؟

  • قلتُ: حديث رسول الله صلى الله عليه و آله: الحسن و الحسين سيّدا شباب أهل الجنّة.

معرفة الإمام ج۱۳

70
  • قال: و هل أنتم على يقين من ذهاب غيرهما إليها؟

  • قلتُ: نعم، نحن على يقين من ذهاب عليّ بن أبي طالب إليها أيضاً.

  • قال: ما الدليل على ذلك؟

  • قلتُ: ما جاء في ذيل الحديث السابق، و هو قوله صلى الله عليه و آله: أبُوهُمَا خَيْرٌ مِنْهُمَا، فإذأ ذهب الحسن و الحسين إلى الجنّة، فلا جرم أنّ أباهما، و هو خير منهما، يذهب إليها أيضاً.

  • قال: و هل تعتقد أنّ شخصاً آخر يذهب إليها حتماً؟

  • قلتُ: نعم، فاطمة الزهراء عليها السلام.

  • قال: ما الدليل؟

  • قلتُ: ما ورد في الحديث، و هو قوله: فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، مَنْ آذَاها فَقَدْ آذَانِي، وَ مَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللهَ‌ ... إلى آخره، فإذا ساق الله فاطمة إلى جهنّم، فقد آذى فاطمة و نبيّه، و الله لا يؤذي نبيّه أبداً.

  • قال: يا خبيث؛ أراك تشكّ في ذهاب أبي بكر و عمر فحسب إليها.

  • قلتُ: لا أجد أخبث منّي إلّا أنت! عليك أن تتحدّث بدليل و برهان و تضرب عن التعصّب صفحاً، و إذا كان النبيّ و أبو بكر قد ارتابا في ذهاب أبي بكر إلى الجنّة، فكيف تزعم أنّك على يقين من ذهابه إليها!

  • قال: أين ورد أنّهما قد ارتابا في ذلك!

  • فقرأتُ الحديث، و قلتُ: لا يستبين من هذا الحديث شكّ النبيّ فحسب، بل يُشَمُّ منه أيضاً كفر القوم و دخولهم في جهنّم، لأنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قال بصراحة: لا أشهد.

  • على أيّة حال، هذا الحديث وارد، و أنت تقول: أنا على يقين. و إذا لم يشكّ أبو بكر، فَلِمَ سأل ذلك! و إذا لم يشكّ رسول الله، فَلِمَ قال: لا! و يتّضح من هذا الحديث أيضاً أنّ بيعة الرسول، و قتال أعداء الدِّين، و أداء

معرفة الإمام ج۱۳

71
  • سائر الفرائض، كلّ ذلك ينفع المرء إذا ظلّ مستقيماً و لم يقترف عملًا مخالفاً للّه و رسوله حتى آخر عمره، و إلّا فيمكن أن تُحبط بعضُ المعاصي أثر العبادات الماضية.

  • ثمّ قال: أرني هذا الحديث!

  • قلتُ: هات مُوَطَّأ مالك لُاريك. و عند ما رجعتُ إلى وطني، حدّثتُ المرحوم آية العظمى السيّد البروجرديّ بالحوار المذكور فسُرّ كثيراً».

  • إلى هنا تنتهي رسالته في شأن هذا الحديث، ثمّ قال: و لمّا تشرّفت بالحجّ من قابلٍ، التقيتُ بالعقيد سنبل و سألته عن أحواله. فقال: وجدتُ الحديث في مُوَطّأ مالك.۱

    1. قال العالم المصريّ الخبير المتضلّع الشيخ محمود أبو ريّة في كتابه القيِّم: «أضواء على السنّة المحمّديّة» ص ٢٩٥ و ٢٩٦، الطبعة الثانية، في المتن و التعليقة: قال الشافعيّ: أصحّ الكتب بعد كتاب الله موطّأ مالك. و قال الدهلويّ في «حجّة الله البالغة»: إنّ الطبعة الأولى من كتب الحديث منحصرة بالاستقراء في ثلاثة كتب: «الموطّأ» و «صحيح البخاريّ» و «صحيح مسلم»، و الثانية: كتب لم تبلغ مبلغ «الموطأ» و الصحيحين و لكنّها تتلوها، «سنن أبي داود» و «الترمذيّ» و «النسائيّ»، و الثالثة: مسانيد و مصنّفات صنّفت قبل البخاريّ و مسلم، و في زمانهما و بعدهما -جمعت بين الصحيح، و الحسن، و الضعيف، و المعروف، و الغريب، و الشاذّ، و المنكر، و الخطأ، و الصواب، و الثابت، و المقلوب- و على الطبقة الثانية اعتماد المحدّثين. و نقل السيوطيّ في «تنوير الحوالك» عن القاضي أبي بكر بن العربيّ أنّ «الموطّأ» هو الأصل الأوّل، و «البخاريّ» هو الأصل الثاني. و أنّ مالكاً روى مائة ألف حديث اختار منها في «الموطّأ» عشرة آلاف، ثمّ لم يزل يعرضها على الكتاب و السنّة (أي: السنّة العمليّة) حتى رجعت إلى خمسمائة حديث، أي: الحديث المسند،، و رواية ابن الهباب: ثمّ لم يزل يعرضه على الكتاب و السنّة و يختبرها بالآثار و الأخبار حتى رجعت إلى ٥۰۰ حديث. و وردت هناك روايات اخرى منها: «ما على ظهر الأرض كتاب بعد كتاب الله أصحّ من كتاب مالك»، و «لا أعلم كتاباً في العلم أكثر صواباً من كتاب مالك»، «ما على الأرض كتاب هو أقرب إلى القرآن من كتاب مالك»، و «ما بعد كتاب الله أنفع من الموطأ». و أطلق جماعة على «الموطّأ» اسم الصحيح.، الحديث المسند هو الحديث الذي رفعه الصحابيّ بسنده إلى الرسول الأكرم. و هو ظاهر الاتّصال. و المُرسل ما سقط من سنده الصحابيّ بأن يرويه التابعيّ عن رسول الله مباشرة. و الموقوف ما اضيف إلى الصحابيّ قولًا أو فعلًا أو نحوه متّصلًا كان أو منقطعاً. و المرفوع هو ما أخبر فيه الصحابيّ عن رسول الله. (الشيخ محمود أبو ريّة رحمه الله).

معرفة الإمام ج۱۳

72
  • و من الضروريّ هنا أن نشير إلى بعض النقاط:

  • الاولى: نقل دِهْخُدا في معجمه اللغويّ (معجم لغويّ فارسيّ)، مادّة (ذو الفقار) عن ترجمة تأريخ الطبريّ أنّ أبا بكر، و عمر جُرحا في غزوة احد و رجعا.۱

  • لقد بان رجوع أبي بكر، و عمر من الحرب، بَيدَ أنّ جرحهما كذب محض. فأمّا حدث تحريف متعمَّد في ترجمة «تاريخ الطبريّ» أو في النقل عن الترجمة. و على أيّة حال فعندي دورتين مختلفتين من «تاريخ الطبريّ»، و ليس فيهما هذا الموضوع. و كذلك هو لم يرد في تاريخ «البداية و النهاية» لابن كثير الدمشقيّ مع شدّة تعصّبه في تسنّنه، و لم يذكره صاحب «السيرة الحلبيّة»، و لا ابن هشام في سيرته. كما لم يُشَرْ إليه في كتاب «الكامل في التأريخ» لابن الأثير الجزريّ، و «روضة الصفا» لميرخواند، و «حبيب السير» لخواندمير، و «تاريخ المسعوديّ»، و «تاريخ اليعقوبيّ» بل لم يذكر في مغازي الواقديّ الذي يعدّ من أقدم الوثائق التأريخيّة، و لم ينقله ابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة».٢

  • لم يقصد رسول الله القتل يوم احُد

  • الثانية: أنّنا ذكرنا هنا الآية وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ‌ و شأن نزولها في‌

    1. حرف الذال، ص ۸٦، العمود الثالث.
    2. ذكر ابن أبي الحديد غزوة احُد مفصّلًا في «شرح نهج البلاغة» ج ۱٥، ص ٣ إلى ٦۰، طبعة دار إحياء الكتب العربيّة.

معرفة الإمام ج۱۳

73
  • غزوة احُد فحسب، و لم نتطرّق إلى مواصفات غزوة احُد و وقائعها كلّها، و هي كثيرة. و مَن وقف على تفاصيل تأريخها، وجد أنّ المشركين لم يحاربوا المسلمين يومئذٍ، بل ذبحوهم و قطّعوهم إرباً إرباً بسواطيرهم. مع ذلك لم يفكّر النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله بإراقة الدماء و ارتكاب المذابح، و لم يحاول التدارك و تسكين الفورات العاطفيّة، بل كان يدافع لا غير. و كان هذا دأبه كلّما حملوا عليه. و لم يأمر بالقتل و السلب و الغارة بعد أن وضعت الحرب أوزارها. إذ إنّ مهمّته الربّانيّة لم تكن القتل و الذبح، بل كانت مهمّته هداية المشركين و ارشادهم إلى الإسلام. و أنّ أخلاقه العظيمة و صفاته الكريمة هي التي دفعتهم إلى الإسلام، و قد أسلم كثير من امراء جيشهم كخالد بن الوليد، و عكرمة بن أبي جهل. فلاحظوا كم كانت مهمّته دقيقة، إذ جمع بين الدفاع و القتل، و بين إمساك يده رجاء إسلامهم و هدايتهم.

  • و كان اولئك الكافرون من أرحام رسول الله صلى الله عليه و آله، بل كان بعضهم من أرحامه القريبين. و كانوا منه بمنزلة الأبناء، و لكن أيّ أبناء! أبناء متغطرسون و مغرورون قطعوا قرابة خمسمائة كيلومتر من مكّة إلى المدينة لإطفاء النور النبويّ و بتلك الطريقة المعروفة لئلّا تكون الرئاسة و الإمارة للنبيّ صلى الله عليه و آله، و لكي لا ينقادوا لحكمه.

  • و هذا جهل، و هو جهل عميق مشوب بالكبر و الحسد و الغِلّ و الانتقام و الطمع، بَيدَ أنّ الرسول الكريم صلى الله عليه و آله واجه تلك الأفعال السيّئة القبيحة بدعائه المعروف: اللهُمَّ اهْدِ قَوْمي فَإنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.۱

    1. «روضة الصفا» مير خواند، ج ٢، الطبعة الحجريّة. و قال القمّيّ في «سفينة البحار» ج ۱، ص ٤۱٢: قال القاضي عياض في «الشفاء»: و روى أنّه لمّا كسرت رباعيّته و شجّ وجهه يوم احُد، شقّ ذلك على أصحابه شديداً و قالوا: لو دعوتَ عليهم! فقال: إنّي لم ابعث لعّاناً و لكنّي بُعِثتُ داعياً و رحمة. اللهمّ اهد قومي فإنّهم لا يعلمون.ثمّ قال القاضي بعد رواية اخرى قريبة من ذلك: انظر ما في هذا القول من جماع الفضل و درجات الإحسان و حسن الخُلق و كرم النفس و غاية الصبر و الحلم، إذ لم يقتصر صلى الله عليه و آله على السكوت عنهم حتى عفى عنهم ثمّ أشفق عليهم و رحمهم و دعا و شفّع لهم، فقال: اللهمّ اغفر أو اهدِ، ثمّ أظهر بسبب الشفقة و الرحمة بقوله: لقومي، ثمّ اعتذر عنهم بجهلهم، فقال: فإنّهم لا يعلمون.أقول: ما أجمل ما أنشده الشاعر الفارسيّ في وصفه صلى الله عليه و آله:
      اي قمر طلعت و مكّى مطلع***مَدَنى مهد و يمانى برقع‌
      شقّة برقع تو برق افروز***لمعة نور رُخت برقع سوز
      ليلة القدر ز مويت ثارى***وحى منزل ز لبت گفتارى‌
      با تو آنان كه در جنگ زدند***دُرّ دندان تو را سنگ زدند
      گوهرين جام لبت را خستند***ساغر دولت خود بشكستند
      دُر دندانت به خون پنهان شد***رشته لؤلو تو مرجان شد
      گوئيا صيرفى مُلك و مَلَك***زد از آن سنگ زرت را به محك‌
      لا جرم حُقّه‌ات از ضربت سنگ***اهد قومى به برون داد آهنگ‌
      يقول: «يا قمر الطلعة و يا مكّيّ المطلع، يا مدنيّ المهد و يا يمانيّ البرقع.إنّ قطعة برقعك تضي‌ء البرق، و إنّ تألّق نور وجهك يُحرق البرقع.إنّ ليلة القدر شعرة واحدة منك، و إنّ الوحي المنزل كلام من شفتك.إنّ الذين طرقوا عليك باب القتال، و حَصَبوا درّ أسنانك.و جرحوا شفتك التي هي كالجوهرة، إنّما كسروا كأس حظّهم.لقد اختفى درّ أسنانك بالدم، و صارت أسنانك مرجاناً.كأنّ صيرفيّ المُلك و المَلَك (الله تعالى) أراد أن يضع حجر ذهبك على المحك (أراد اختبارك).لا جَرَم أنّ ما نطق به فمك و ما ردّدته نغمة صوتك بعد ضربك بالحجر هو دعاؤك: اللهمّ اهدِ قومي إنّهم لا يعلمون».

معرفة الإمام ج۱۳

74
  • و نقل ابن أبي الحديد عن الواقديّ قوله: و روى سعد بن أبي وقّاص‌

معرفة الإمام ج۱۳

75
  • قال: و لقد حرصتُ على قتل أخي عتبة بن أبي وقّاص حرصاً ما حرصتُ على شي‌ء قطّ، و إن كان ما علمتُ لعاقّاً بالوالد، سيّئ الخُلُق، و لقد تخرّقتُ صفوف المشركين مرّتين أطلب أخي لأقتله، و لكنّه راغ منّي رَوَغان الثعلب. فلمّا كان الثالثة، قال لي رسول الله صلى الله عليه و آله: يَا عَبْدَ اللهِ! ما تُرِيدُ؟! أ تُرِيدُ أنْ تَقْتُلَ نَفْسَكَ‌؟ فكففتُ. فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم: اللهمّ لا تحولنّ الحول على أحدٍ منهم!۱

  • و نقل ابن أبي الحديد عن الواقديّ قال: [لمّا] رأى رسول الله صلى الله عليه و آله بحمزة مَثْلًا شديداً، حزنه ذلك. فقام أبو قَتادة الأنصاريّ فجعل ينال من قريش لما رأى من عَمّ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم. و في كلّ ذلك يشير إليه أن أجلس ثلاثاً، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: يَا أبَا قَتَادَةَ! إنَّ قُرَيْشاً أهْلُ أمَانَةٍ، مَنْ بَغَاهُمُ العَوَاثِرَ٢ كَبَّهُ اللهُ لِفِيهِ! وَ عَسَى أنْ طَالَتْ بِكَ مُدَّةٌ أنْ تَحْقِرَ عَمَلَكَ مَعَ أعْمَالِهِمْ، وَ فِعَالَكَ مَعَ فِعَالِهِمْ! لَوْ لا أنْ تَبْطَرَ قُرَيْشٌ لأخْبَرْتَهَا بِمَا لَهَا عِنْدَ اللهِ تَعَالَى.

  • فقال أبو قتادة: و الله يا رسول الله! ما غضبت إلّا للّه و رسوله حين نالوا منه (من حمزة) ما نالوا. فقال: صدقتَ! بِئْسَ القَوْمُ كَانُوا لِنَبِيِّهِمْ‌.٣

  • الثالثة: نقل ابن أبي الحديد عن الواقديّ أنّه قال: إنّ الذي شجّ رسول الله صلى الله عليه و آله في جبهته ابن شهاب، و الذي أشظى رباعيّته و أدمى شفتيه عُتبة بن أبي وقّاص، و الذي أدمى وَجْنَتَيْهِ حتى غاب الحلق فيهما ابن قميئة، و إنّه سال الدم من الشجّة التي في جبهته حتى أخضل‌

    1. «شرح نهج البلاغة» ج ۱٥، ص ٥، طبعة دار إحياء الكتب العربيّة.
    2. العاثور حفرة تُحفر للأسد. و يعني البئر أيضاً. جمعه عواثر و عواثير.
    3. «شرح نهج البلاغة» ج ۱٥، ص ۱۷ و ۱۸، طبعة دار إحياء الكتب العربيّة.

معرفة الإمام ج۱۳

76
  • لحيته. و كان سالم مولى أبي حذيفة يغسل الدم عن وجهه و رسول الله صلى الله عليه [و آله‌] يقول: كَيْفَ يَفْلَحُ قَوْمٌ فَعَلُوا هَذَا بِنَبِيِّهِمْ، وَ هُوَ يَدْعُوهُمْ إلَى اللهِ تَعَالَى‌؟! فأنزل الله تعالى قوله: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ‌ءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ.۱ و ٢

  • و نجد هنا أنّ الذات الأحديّة المقدّسة العزيزة العظيمة لا تُبقى لنبيّها حتى رجاءً واحداً، و تسلب منه الحكم بعدم الفوز و الفلاح، و يقول بجدّ: أنت عبدي و ليس لك أن تتدخّل في أمري! كيف تحكم بعدم فلاحهم؟! إنّي أنا الله، إنّي ذو العزّة و الجلال، و لا يرد في عظمتي حتى رجاء الغير و حكمه، و إن كان صادراً من خاتم الأنبياء و المرسلين.

  • الرابعة: نقل أمين الإسلام أبو عليّ الفضل بن الحسن في كتاب «إعلام الوري» عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: انهزم الناس عن رسول الله يوم احُد فغضب غضباً شديداً، وَ كَانَ إذَا غَضِبَ انْحَدَرَ مِنْ وَجْهِهِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤِ مِنَ العَرَقِ‌. فنظر فإذا عليّ عليه السلام إلى جنبه فقال: مَا لَكَ لَمْ تَلْحَقْ بِبَنِي أبِيكَ‌! فقال عليّ عليه السلام: يَا رَسُولَ اللهِ! أ كُفْراً بَعْدَ الإسْلَامِ؟ إنَّ لي بِكَ اسْوَةً (الحديث).٣

  • و نحن نعلم مقام مولى المتّقين عليه السلام و عظمته و إيثاره و اخوّته و تضحيته و سوابقه المتألّقة، بَيدَ أنّ المكان هنا هو مكان العزّة، و رسول الله‌

    1. الآية ۱٢۸، من السورة ٣: آل عمران.
    2. «شرح نهج البلاغة» ج ۱٥، ص ٤. و ذكره أيضاً ابن هشام في سيرته ج ٣، ص ٥٩۷، و مير خواند في «روضة الصفا» ج ٢ من الطبعة الحجريّة، و الطبريّ في تاريخه، طبعة دار المعارف، مصر، ج ٢، ص ٥۱٥. و قال الواقديّ في مغازيه، ج ۱، ص ٣٢۰ بعد ذكر هذه الآية المباركة عند تفسير قوله: فَإنَّهُمْ ظَالِمُونَ: يعني الذين انهزموا يوم احُد.
    3. «إعلام الوري بأعلام الهدي» ص ٩۱.

معرفة الإمام ج۱۳

77
  • في مقام الوحدة المنيع لا يستطيع أن يرى شخصاً آخراً غيره حتى لو كان عليّاً. و لهذا قال: «ما لك لم تذهب»؟! إلّا أن يصير عليّ هنا نفس النبيّ، و قد صار كذلك، و قال: أنا معك! «إنّ لي بك اسوة»!

  • و هذا الخطاب هو ما ينبغي أن يصدر عن رسول الله صلى الله عليه و آله كما ينبغي أن يُلقى مثل ذلك الجواب من أمير الموحّدين، تماماً كخطاب سيّد الشهداء عليه السلام أخاه أبا الفضل و أولاد عقيل ليلة عاشوراء.

  • الخامسة: ذكر ابن هشام في سيرته قائلًا: لمّا رأى رسول الله صلى الله عليه و آله جسد حمزة و قد مُثِّل به قال: لَوْ لا أنْ تَحْزَنَ صَفِيَّةُ، وَ يَكُونَ سُنَّةَ مِنْ بَعْدِي، لَتَرَكْتُهُ حتى يَكُونَ في بُطُونِ السِّبَاعِ وَ حَوَاصِلِ الطَّيْرِ. وَ لَئِنْ أظْهَرَنِي اللهُ عَلَى قُرَيْشٍ في مَوْطِنٍ مِنَ المَوَاطِنِ لأمْثُلَنَّ بِثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ.۱

  • و نقل ابن هشام عن ابن إسحاق أنّ هذه الآية نزلت: وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ، وَ اصْبِرْ وَ ما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ لا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ.٢ و٣

  • لا يقاوم شي‌ء في مقام العِزّة الربوبيّة

  • و نلحظ هنا أيضاً أنّ الله جعل نبيّه في ظلّ ذلّ العبوديّة المحضة و خاطبه قائلًا: ليس لك أن تحكم، فالحكم للّه، و هو الذي أمر أن تكون العقوبة على قدر الجريمة، لا أكثر، و في الوقت نفسه، فإنّ رفع اليد عن‌

    1. «سيرة ابن هشام» ج ٣، ص ٦۱۰ و ٦۱۱. و ذكر الطبريّ في تاريخه، ج ٢، ص ٥٢٩، طبعة دار المعارف، مصر: كانت صفيّة اخت حمزة لأبيه و امّه. و قال رسول الله لابنها الزبير بن العوّام: إلقها فأرجعها، لا ترى ما بأخيها. فلقيها الزبير و أبلغها. فقالت: لِمَ أرجع! و ذلك في الله قليل. فما أرضانا بما كان من ذلك! لأحتسبنّ و لأصبرنّ إن شاء الله.
    2. الآيتان ۱٢٦ و ۱٢۷، من السورة ۱٦: النحل.
    3. «سيرة ابن هشام» ج ٣، ص ٦۱۱.

معرفة الإمام ج۱۳

78
  • العقوبة أفضل، و هو محمود دائماً عند المؤمنين بالله.

  • و هذه الآية قائمة على أساس قانون العدالة، و قانون الأخلاق الكريمة في آن واحد. و هذان القانونان كلاهما محمودان و مرضيّان. و ينبغي أن يتجلّيا في نبيّ الله المتخلّق بأخلاق الله من طريق أولى، كما ينبغي أن يعمل بهما أفضل من غيره و أكثر. فلهذا، يأمر مقام العبوديّة المطلقة قائلًا: إصبر. و كان صلى الله عليه و آله يصبر في كلّ موطن و موضع، و لم يمارس أعماله من وحي الثأر و الانتقام، و كان يتعامل مع الناس كافّة بالمواساة و المساواة. صلى اللهُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ!

  • صبر رسول الله صلى الله عليه و آله و إحسانه‌

  • و جاء في كتب التأريخ جميعها أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قال: «لئن أظهرني الله لأمثلنّ بثلاثين منهم»، و انفرد صاحب «روضة الصفا» بقوله: بسبعين منهم.

  • و لعلّ درجة الإحسان تكون من نصيب المؤمن في مثل هذه المواطن من الصبر و التحمّل، إذ قال تعالى بعد الآيتين المذكورتين: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ.۱

  • و في الخبر أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله سئل عن مقام الإحسان، فقال‌ اعْبُدِ اللهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فَإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإنَّهُ يَرَاكَ!

  • أجل، إنّ هدفنا من الإسهاب في الحديث عن غزوة احُد هنا عند شرحنا آية الهداية: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ‌٢ هو أن يعلم الجميع أنّ الفاتح الوحيد و المتحمّس الحميم و المضحّي المتفاني و المولَع برسول الله أيّ ولع، و الحامي الفريد له، و الذابّ الحقيقيّ عن‌

    1. الآية ۱٢۸، من السورة ۱٦: النحل.
    2. الآية ۱٤٤، من السورة ٣: آل عمران.

معرفة الإمام ج۱۳

79
  • الإسلام و القرآن هو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام. و أنّ أبا بكر، و عمر، و عثمان كانوا من الفارّين، و أنّ الآية الكريمة: و ما محمد إلا رسول ... أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم و من ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا، نزلت فيهم و في أترابهم و نظائرهم.

  • و هؤلاء الذين تحمّسوا من أجل الإسلام بعد وفاة النبيّ و رفعوا عقيرتهم: وا إسلاماه! هم الذين تركوا النبيّ وحده بالأمس، و أودعوه بين الحديد و النار بأيدي المتهوّرين من مشركي قريش، و أنقذوا أنفسهم منهزمين إلى الجبل، و كان أحدهم كالارْويّة على حدّ تعبيره.

  • و ليس اعتباطاً حين يطلب رسول الله صلى الله عليه و آله كتفاً و دواةً ليُحْكِمَ أمر عليّ بن أبي طالب، أن ينسبه عمر إلى الهَجْر و الهذيان و التخريف. و في الوقت نفسه يتلو رسول الله هذه الآية لفلذّة كبده فاطمة الزهراء عليها السلام و يقول لها: بُنيّتي فاطمة: اقرئي هذه الآية: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ‌ - إلى آخر الآية.

  • اللحظات الأخيره من عمر رسول الله و وصيّته لفاطمة عليها السلام‌

  • قال الشيخ الكبير و المفسّر العظيم أمين الإسلام أبو عليّ الفضل بن الحسن الطبرسيّ قدّس الله نفسه صاحب تفسير «مجمع البيان» في كتابه النفيس الممتع «إعلام الوري»: وضع عليّ بن أبي طالب عليه السلام رأس رسول الله صلى الله عليه و آله في حجره، فاغمي عليه، و أكبّت فاطمة تنظر في وجهه و تندبه و تبكي و تقول:

  • وَ أبْيَضَ يُسْتَسْقَى الغَمَامُ بِوَجْهِهِ‌***ثِمَالُ اليَتَامَى عِصْمَةٌ لِلأرَامِلِ‌
  • ففتح رسول الله صلى الله عليه و آله عينيه و قال بصوت ضئيل: يَا بُنَيَّةُ! هَذَا قَوْلُ عَمِّكِ أبِي طَالِبٍ، لَا تَقُولِيهِ! وَ لَكِنْ قُولِي: «و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم».

  • فبكت طويلًا فأومأ إليها بالدنو منه. فدنت إليه. فأسرّ إليها شيئاً تهلّل‌

معرفة الإمام ج۱۳

80
  • له وجهها.۱ ثمّ قضى و يد أمير المؤمنين اليمنى تحت حنكه، ففاضت نفسه فيها فرفعها إلى وجهه فمسحه بها. ثمّ وجّهه و غمّضه و مدّ عليه إزاره و اشتغل بالنظر إلى أمره.

  • فسئلت: ما الذي قال لك رسول الله فسرى عنك؟! قالت: أخبرني أنّي أوّل أهل بيته لحوقاً به و أنّه لن تطول المدّة بي بعده حتى أدركه فسرى ذلك عنّي.٢

  • و من الواضح هنا أنّ رسول الله لم يُرِدْ أن يمنع فاطمة من حقيقة و مفاد الشعر الرفيع الذي أنشده أبو طالب عليه السلام. بل أراد أن يُشعرها بأنّ يوماً عصيباً ينتظرها، و أنّ الراجعين عن الإسلام سوف يقتلونها و يغصبون حقّها و حقّ بعلها، و كلّهم سيعودون إلى البربريّة و الجاهليّة حسب هذه الآية. و أنّها و بعلها عليّ بن أبي طالب من الشاكرين، و أنّ ذيل الآية: وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ‌ تعنيهما.

    1. روى البخاريّ في صحيحه، ج ٦، ص ۱۰، طبعة بولاق، باب مرض النبيّ من كتاب النبيّ بسنده عن عائشة قالت: دعا النبيّ صلى الله عليه و آله فاطمة عليها السلام في شكواه الذي قبض فيه، فسارّها بشي‌ء فبكت. ثمّ دعاها فسارّها بشي‌ء فضحكت. فسألنا عن ذلك، فقالت: سارّني النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم أنّه يُقبض في وجعه الذي توفّي فيه فبكيت. ثمّ سارّنى فأخبرني أنّي أوّل أهله يتبعه فضحكتُ.
    2. «إعلام الورى بأعلام الهدي» ص ۱٤٣. و ذكرها الشيخ المفيد أيضاً في «الإرشاد» ص ۱۷٣، طبعة إسلاميّة الحديثة سنة ۱٣٦٤ هـ. ش. و روى ابن سعد في طبقاته، ج ٢، ص ۱٩٣، بسنده عن ابن عبّاس أنّه لمّا نزلت إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ دعا رسول الله صلى الله عليه و آله فاطمة فقال: إنّي نُعِيَتْ إلَيّ نفسي. قالت: فبكيتُ. فقال: لا تبكِ فإنّكِ أوّل أهلي بي لحوقاً فضحكتُ. و قال رسول الله «إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ» و جاء أهل اليمن و هم أرقّ أفئدة و الإيمان يُمَان، و الحكمة يمانيّة. (فاستعدّ للارتحال إلى ربّك بالحمد و التسبيح و الثناء، فهو التوّاب الغفّار).

معرفة الإمام ج۱۳

81
  • كيف يمكن أن نتصوّر أنّ رسول الله يمنع بنته من شعر حاميه و معينه و ناصره الوحيد في مكّة في حين أنّه عند ما ذكر شعر أبي طالب سُرَّ سروراً بالغاً حتى ضحك من شدّة السرور و الفرح؟

  • شعر أبي طالب في مدح رسول الله صلى الله عليه و آله‌

  • ذكر عليّ بن عيسى الإربليّ في باب معجزات رسول الله أنّ من معجزاته نزول المطر بدعائه صلى الله عليه و آله، و ذلك حين شكا إليه أهل المدينة فدعا الله، فمطروا حتى أشفقوا من خراب دورها فسألوه في كشفه، فقال: اللهُمَّ حَوَالَيْنَا وَ لَا عَلَيْنَا. فَاسْتَدَارَ حتى صَارَ كَالإكْلِيلِ و الشَّمْسُ طَالِعَةٌ في المَدِينَةِ، و المَطَرُ يَجِي‌ءُ عَلَى مَا حَوْلَهَا يرى ذَلِكَ مُؤْمِنُهُمْ وَ كَافِرُهُمْ.

  • فضحك صلى الله عليه و آله و قال: لِلَّهِ دَرُّ أبِي طَالِبٍ لَوْ كَانَ حَيَّاً قَرَّتْ عَيْنَاهُ‌. فقام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام و قال: يا رسول الله! كأنّك تريد قوله:

  • وَ أبْيَضَ يُسْتَسْقَي الغَمَامَ بِوَجْهِهِ‌***ثِمَالُ اليَتَامَى عِصْمَةٌ للأرَامِلِ‌
  • يَطُوفُ بِهِ الهُلَّاكُ مِنْ آلِ هَاشِمٍ‌***فَهُمْ عِنْدَهُ في نِعْمَةٍ وَ فَوَاضِلِ‌۱
  • و أخرج البخاريّ في صحيحه عن عبد الله بن عمر قال: ربّمأ ذكرتُ قول أبي طالب و أنا أنظر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه و آله على المنبر يستسقى. فما ينزل حتى يجيش كلّ ميزاب:

  • وَ أبْيَضَ يُسْتَسْقَى الغَمَامَ‌٢ بِوَجْهِهِ‌***ثِمَالُ اليَتَامَى عِصْمَةٌ لِلأرَامِلِ‌٣
    1. «كشف الغمّة» ص ٩، الطبعة الحجريّة.
    2. قال في «جامع الشواهد»: الغمام منصوب بنزع الخافض. يعني: من الغَمام - انتهى. فيكون قوله: «بوجهه» نائب فاعل للفعل المجهول: يُسْتَسْقَى.
    3. «شرح شواهد المغني» لجلال الدين السيوطيّ، ج ۱، ص ٣٩۸. علماً أنّ ابن هشام صاحب كتاب «مغني اللبيب» ذكر هذا البيت في مُغنيه، الباب الأوّل، حرف (رُبَّ) و قال: قوله: «و أبيض» مجرور برُبّ المحذوفة، أي، و ربّ أبيض، و ربّ هنا للتقليل. و على هذا النهج ذكر «جامع الشواهد» هذا البيت مع البيتين الآخرين. أمّا السيوطيّ فقد قال في «شرح شواهد المغني»: «أبيض» منصوب بالعطف على قوله: «سيّداً» لا مجروراً بواو رُبّ (و الواو واو العطف لا واو رُبّ). و ممّن نبّه على ذلك الدمامينيّ ثمّ ابن حجر في «شرح البخاريّ» انتهى. أقول: يتمّ هذا الكلام إذا كان «سيّداً» في البيت السابق للبيت الذي فيه قوله: «و أبيض» و أمّا على فرض بعديّته، فلا يتمّ كما يستبين ذلك من كلام السيوطيّ.

معرفة الإمام ج۱۳

82
  • و روى البيهقيّ في «دلائل النبوّة» عن أنس أنّ أعرابيّاً جاء فقال: يا رسول الله! لقد أتيناك مَا لَنَا بعيرٌ يَنَطُّ،۱ وَ لَا صَبِيّ يَصِيحُ. فصعد صلى الله عليه و آله المنبر ثمّ رفع يديه فقال: اللهُمَّ اسْقِنَا غَيْثاً مُغِيثاً، مَرِيَّاً مَرِيعاً، غَدَقاً طَبَقاً، عَاجِلًا غَيْرَ رَابِثٍ،٢ نَافِعاً غَيْرَ ضَارٍّ! فما ردّ يديه في نحره حتى ألقت السماء بأردافها، و جاءوا يضجّون: الغَرَقَ الغَرَقَ.

  • فضحك رسول الله صلى الله عليه و آله حتى بدت نواجذه، ثمّ قال: لِلَّهِ دَرُّ أبِي طَالِبٍ لَوْ كَانَ حَيَّاً قَرَّتْ عَيْنَاهُ، مَنْ يُنْشِدُنَا قَوْلَهُ‌؟ فقام عليّ عليه السلام فقال: يا رسول الله! كأنّك أردت قوله:

  • وَ أبْيَضَ يُسْتَسْقَى الغَمَامَ بِوَجْهِهِ‌***ثِمَالُ اليَتَامَى عِصْمَةٌ لِلأرَامِلِ‌
  • يَلُوذُ بِهِ الهُلَّاكُ مِنْ آلِ هَاشِمٍ‌***فَهُمْ عِنْدَهُ في نِعْمَةٍ وَ فَوَاضِلِ‌٣
  • و قال السيوطيّ أيضاً: هذا من قصيدة لأبي طالب يمدح بها النبيّ صلى الله عليه و آله و يصف تمالؤ قريش عليه، و أوّلها:

  • وَ لَمَّا رَأيْتُ القَوْمَ لَا ودَّ فِيهِمُ‌***وَ قَدْ قَطَعُوا كُلَّ العُرَى وَ الوَسَائِلِ‌
  • إلى أن قال:

    1. في «الأمالي» للمفيد: يئطّ. و أطَّ الإبل: حنَّت.
    2. و فيه أيضاً: غير رائث، و راث: أبطأ.
    3. «شرح شواهد المغني» للسيوطيّ، ج ۱، ص ٣٩۸.

معرفة الإمام ج۱۳

83
  • كَذَبْتُمْ وَ بَيْتَ اللهِ نُبْزِي مُحَمَّداً***وَ لَمَّا نُطَاعِنْ حَوْلَهُ وَ نُنَاضِلِ‌
  • وَ نُسْلِمُهُ حتى نُصَرَّعَ حَوْلَهُ‌***وَ نَذْهَلَ عَنْ أبْنَائِنَا وَ الحَلائِلِ‌
  • و قال:

  • وَ مَا تَرَكَ قَوْمٌ لَا أبَا لَكَ سَيِّداً***يَحُوطُ الذِّمَارَ في مِكَرٍّ وَ نَائِلِ‌۱
  • و أضاف العلّامة الأمينيّ بعد البيتين اللذين يبدآن بقوله: و أبيض ... و يلوذ به الهلّاك ... هذا البيت:

  • وَ مِيزَانُ عَدْلٍ لا يخيسُ شَعِيرَةً***وَ وَزَّانُ صِدْقٍ وَزْنُهُ غَيْرُ هَائِلِ‌٢
  • يستبين من هذه المطالب أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله كان يحبّ السيّد أبا طالب حبّاً شديداً، و كان يهتمّ بشعره اهتماماً تامّاً، بَيدَ أنّه كان يرى في تلك المرحلة العصيبة -و هو على فراش الموت- و قائع مقلقة إلى درجة أنّ شعر أبي طالب يُنسى معها.٣

    1. «شرح شواهد المغني» للسيوطيّ، ج ۱، ص ٣٩٥ إلى ٣٩۸.
    2. «الغدير» ج ۷، ص ٣٤٦، عن «شرح صحيح البخاريّ» للقسطلاني، ج ٢، ص ٢٢۷؛ و «المواهب اللدنّيّة» ج ۱، ص ٤۸؛ و «الخصائص الكبرى» ج ۱، ص ۸٦ و ۱٢٤؛ و «شرح بهجة المحافل» ج ۱، ص ۱۱٩؛ و «السيرة الحلبيّة» ج ۱، ص ۱٢٥؛ و «السيرة النبويّة» لزيني دحلان في حاشية «الحلبيّة» ج ۱، ص ۸۷؛ و «طلبة الطالب» ص ٤٢.
    3. كان الدليل الواضح على أنّ قصد الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله من عدم قراءة شعر أبي طالب، و تلاوته هذه الآية، لفت أنظار المسلمين إلى ارتداد و كفر طلّاب السلطة من الصحابة. فقد ورد في القرآن الكريم الكثير من الآيات القرآنيّة في مقام و شأن و عظمة النبيّ و المؤمنين الحقيقيّين، كالآية ٢٩ من السورة ٤۸: الفتح: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَ رِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ... إلى آخر الآية. و الآية ٢ من السورة ٤۷: محمّد صلى الله عليه و آله: وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ آمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى‌ مُحَمَّدٍ وَ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ أَصْلَحَ بالَهُمْ. و حينئذٍ ما هو الداعي لرسول الله أن يغضّ الطرف عن تلاوة هذه الآيات، و يقرأ آية تدلّ على ارتداد الصحابة و كفرهم بعد وفاته؟

معرفة الإمام ج۱۳

84
  • هل يمكن أن نتصوّر خطراً أكثر من طعن رسول الله بالهذيان و التخريف؟ و من ثمّ عزل وليّ الدين الأعظم عليّ المرتضى سيّد الوصيّين أحد الثقلَين عن رئاسة المسلمين و زعامتهم؟ و التجرّؤ على ساحة الرسول الأكرم بوصفه بالهجر حين طلب كتفاً و دواة ليُحكم أمر عليّ، و يعلن للناس وصايته بتعليمات خطّيّة مؤكّدة، ناهيك عن خطبه و كلماته التي كان يُدلي بها! و إثارة الضجّة برفع الصوت عالياً بكلمة: كَفَانَا كِتَابُ اللهِ، و إكثار اللغط و الجَلَبة و الضوضاء؟ و إيذاء رسول الله و إعناته، ليفارق الدنيا مغموماً مهموماً حزيناً، بعد ثلاث و عشرين سنة من القيام بمهمّة النبوّة؟

  • أمر رسول الله بسدّ الأبواب و الإتيان بالكتف و الدواة لكتابة الوصيّة

  • قال مير خواند -و هو سنّيّ المذهب- في «روضة الصفا»: قالت امّ سلمة: شدّ رسول الله على رأسه المبارك عصابة أيّام مرضه، و صعد المنبر، و استهلّ كلامه بالاستغفار لشهداء احُد، ثمّ أمر بسدّ أبواب الصحابة الشارعة في المسجد إلّا باب عليّ. و قال: لا بدّ من صحبته لي و صحبتي له.

  • قال عمر: يا رسول الله! إئذن لي أن أدع خوخة أرى فيها خروجك من البيت إلى المسجد! فلم يأذن له. فقال أحد الصحابة: يا رسول الله! ما هو المراد من فتح الأبواب؟! و ما سبب سدّها؟ قال: ما بأمري سددتها و لا بأمري فتحتها.

  • (إلى أن قال): روى علماء السير أنّه لمّا اشتدّت العلّة برسول الله و كان أصحابه مجتمعين حوله في حجرته قال: إئتوني بدواة و صحيفة أكتب لكم كتاباً لا تضلّون بعده. فاختلفوا، فمن قائل: قرّبوا يكتب لكم. و من قائل: هل هذا كلام من اشتدّ به المرض، أم كلام جِدّ؟ فقال عمر: غلب على رسول الله الوجع. عندنا القرآن حسبنا كتاب الله. فمنهم من أيّد

معرفة الإمام ج۱۳

85
  • عمر، و منهم من أصرّ على خلافه و قالوا: قرّبوا له ما أراد، فاختصموا، و علت الأصوات في مجلسه المبارك، و تجاوز الاختلاف حدّ الاعتدال.

  • فقال النبيّ الأقدس صلى الله عليه و آله: قوموا، لا ينبغي عند نبيّ نزاع! و مع ذلك قال: اوصيكم بثلاث: أخرِجوا المشركين من جزيرة العرب! و أجيزوا الوفد بنحو ما كنت اجيزهم.

  • روى سليمان هذا عن سعيد بن جبير و قال: لا أعلم، لَمْ يَرَ سعيد بن جبير مصلحة في ذكر الثالثة، أو أنّه ذكرها لكنّ عناكب النسيان نسجت خيوطها في خاطري؟

  • قال ابن عبّاس: الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بين رسول الله و بين أن يكتب لهم.۱ (إلى أن قال:)

  • قال أمير المؤمنين عليّ عليه السلام: أوصى النبيّ في مرضه الذي مات فيه. و لمّا فرغ، نزلت سورة النصر. قلتُ: يا رسول الله‌! هذه وصيّة المودّعين؟

  • قال: نعم يا عليّ! ضاق صدري من هذه الدنيا. ثمّ اتّكأ، و أغمض عينه لحظة. و لمّا أفاق قال: يا جبرئيل! خذني و فِ بما وعدتني! ثمّ دعاني إليه و وضع رأسه المبارك على منكبي، و شحب لون وجهه الميمون، و تصبّب جبينه عرقاً.

  • حزن فاطمة عليها السلام لفقد أبيها

  • و لمّا رأت فاطمة ما به، قامت لجزعها، و أخذت‌

    1. هذه المطالب كلّها التي ذكرها مير خواند في «روضة الصفا» أوردها خواند مير في «حبيب السير»، ج ۱، ص ٤۱٩. و قال أيضاً: يرى علماء الشيعة أنّ سبب رفض الصحابة كتابة الكتاب هو أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله أراد أن يكتب وصيّة في ولاية أمير المؤمنين عليّ كرّم الله وجهه. و البيتان الآتيان الواردان في كتاب «كشف الغمّة» يُشعران بهذا المعنى:
      أوْصَى النَّبِيّ فَقَالَ قَائِلُهُمْ***قَدْ ضَلَّ يَهْجُرُ سَيِّدُ البَشَر
      وَ أرَى أبَا بَكْرٍ أصَابَ وَ لَمْ***يَهْجُرُ وَ قَدْ أوْصَى إلى عُمَر

معرفة الإمام ج۱۳

86
  • بأيدي الحسنين و صاحت: يا أبتاه! من يرحم حال ابنتك فاطمة بعدك؟ و من يواسي و لديك الحسنين؟! و من يحفظ أفواج الناس القادمين من أطراف الآفاق؟ يا أبتاه! بنفسي أنتَ! ويل اذُني التي لن تسمع كلامك الطيّب، و ويل عيني التي لن ترى وجهك الحسن!

  • و لمّا سمع النبيّ الأقدس صلى الله عليه و آله أنين فاطمة، فتح عينيه و دعاها إليه و وضع يده المباركة على صدر ابنته العزيزة و قال: اللهمّ اربط على قلب فاطمة! ثمّ قال لها: أبشري، فأنتِ أوّل أهلي لحوقاً بي!

  • قال عليّ عليه السلام: قلتُ: يا فاطمة! اسكتي و لا تذرّي الملح على جرح رسول الله! فقال النبيّ: دعها تذرف دموعها على أبيها! ثمّ أغمض عينيه المتعبتين. و قالت فاطمة للحسنين: قوما و ائتيا أبا كما الرحيم! لعلّه ينصحكما بما يسكّن قلبيكما. فامتثل قرّتا عين الزهراء كلام امّهما، و جاءا عند رسول الله. فقال الحسن: يا أبتاه كيف نصبر على فراقك؟! و من الذي نودعه أسرارنا؟! و من يرحمنا أنا و أخي و أبي بعدك؟! ...

  • قال عليّ بن أبي طالب: فبكيتُ جزعاً ...۱.

  • و قال رسول الله لعائشة: يا عائشة! عليكِ أن تجلسي في ركن بيتك،

    1. روى سليم بن قيس في كتابه ص ٢۱٣، (الطبعة الثالثة، النجف) عن ابن عبّاس أنّه قال: سمعت حديثاً من عليّ عليه السلام لم أفهم معناه، سمعته يقول: إنّ رسول الله أسَرَّ إلَيّ في مرضه و عَلَّمني مفتاح ألف باب من العلم يفتح كلّ باب ألف باب. و إنّي لجالس بذي قار في فسطاط عَلِيّ و قد بعث الحسن و عمّاراً يستنفران الناس إذ أقبل عَلِيّ عليه السلام فقال: يا ابن عبّاس! يقدم عليك الحسن و معه أحد عشر ألف رجل غير رجل أو رجلين. فقلت في نفسي: إن كان كما قال فهو من تلك الألف باب. فلمّا أظلّنا الحسن بذلك الجند استقبلتُ الحسن، فقلت لكاتب الجيش الذي معه أسماؤهم: كم رجل معكم؟ فقال: أحد عشر ألف رجل غير رجل أو رجلين.

معرفة الإمام ج۱۳

87
  • و تمسّكي بعروة الصبر و الستر و الحفظ الوثقى كما قال الحقّ تعالى: وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ.۱

  • قال هذا الكلام و بكى بكاءً سجرت به نار المصيبة عند الجميع. قالت امُّ سلمة: ممّ بكاؤك و قد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك و ما تأخّر؟!

  • قال: إنَّمَا بَكَيْتُ رَحْمَةً لُامَّتِي. ثمّ بشّر فاطمة، فسألته: أين أجدك يوم الفزع الأكبر؟! قال: تجديني على باب الجنّة تحت لواء الحمد، و أنا مشغول باستغفار الرحمن من ذنوب امَّتي ....

  • و وقف عزرائيل على باب حجرة رسول الله المباركة بهيئة أعرابيّ، و قال: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أهْلَ بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَ مَوْضِعَ الرِّسَالَةِ! أ تأذنوا لي بالدخول رحمكم الله؟!

  • و كانت فاطمة الزهراء جالسة على فراش أبيها، فقالت: رسول الله مشغول بنفسه فلا تتيسّر زيارته الساعة.

  • ثمّ استأذن مَلَك الموت ثانية فسمع الجواب نفسه. و في الثالثة رفع صوته عالياً حتى رجف لهيبته كلّ من كان حاضراً في المنزل المقدّس.

  • و كان رسول الله صلى الله عليه و آله مغميّاً عليه في تلك الساعة، فأفاق، و فتح عينيه المباركتين و سأل: ما خطبكم! فأخبروه. فقال: يا فاطمة! هل علمتِ مع مَن تكلّمتِ! قالت: اللهُ وَ رَسُولُهُ أعْلَمُ.

  • قال: هَذَا مَلَكُ المَوْتِ، هَادِمُ اللَّذَّاتِ، وَ قاطع الامْنِيَّاتِ، وَ مُفَرِّقُ‌

    1. الآية ٣٣، من السورة ٣٣: الأحزاب. وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى‌. هذه الآية تخاطب نساء النبيّ صلى الله عليه و آله. و أشار رسول الله قائلًا لعائشة و هو ينصحها: ما أنتِ و حرب الجمل و ركوبك الجمل تقودين الجيش في ساحة القتال؟! قرّي في بيتك أيّتها المرأة و لا تخرجي من قعره طاعة لهواكِ، و طلباً للرئاسة، و حقداً دفيناً على عليّ عليه السلام!

معرفة الإمام ج۱۳

88
  • الجَمَاعَاتِ، وَ مُرَمِّلُ النِّسَاءِ، وَ مُيَتِّمُ الأوْلَادِ.

  • و لمّا سمعت فاطمة ذلك قالت: يَا مَدِينَتَاهْ! خَرِبَتِ المَدِينَةُ.

  • فَأخذ رسول الله يدها و ضمّها إلى صدره المبارك، و لم يفتح عينيه برهة فظنّ الحاضرون أنّ روحه عرجت إلى ذي العرش. فهمست فاطمة في اذُنه قائلة: يَا أبَتَاهْ! فلم تسمع شيئاً، فقالت: روحي لك الفداء! انظر إليّ و حدّثني!

  • ففتح صلى الله عليه و آله عينيه و قال: يا بُنيّتي! دعي عنكِ البكاء فإنّ حَمَلَة العرش يبكون لبكائكِ. و نَكَفَ الدمع عن وجه عزيزته بيده، و اهتمّ بتسكينها و بشّرها و قال: اللهمّ مُنّ عليها بالصبر لفراقي! و قال لها: إذا قُبضت روحي فقولي: إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ‌. يا فاطمة! إنّ كلّ مَن أصابته مصيبة سيرى عنها عوضاً.

  • قالت فاطمة: يا رسول الله! من يكون و ما ذا يكون عنك عوضاً؟! ثمّ أغمض عينيه مرّة اخرى، فقالت فاطمة: وَا كَرباه‌! فقال رسول الله: لا كرب و لا غمّ على أبيكِ بعد اليوم. أي: أنّ الحزن و الاضطراب اللذين يسيطران على الإنسان سببهما التعلّقات الجسمانيّة، و الآن قطعت علائق البشريّة، و تناهى إلى الأسماع النداء المتمثّل بقوله تعالى: ارْجِعِي إِلى‌ رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً. و ستسرع الروح اللطيفة الوديعة إلى جوار رحمة ربّ العالمين. و قد شوهد الرَّوح و الريحان و جنّة النعيم، فلن تبقى حسرة و حزن و ألم. ۱

  • حديث العلّامة السيّد شرف الدين في فضيلة الزهراء عليها السلام‌ (ت)

    1. ذكر آية الله السيّد عبد الحسين شرف الدين العامليّ بعض المطالب في كتابه القيِّم «النصّ و الاجتهاد» ص ٩٣ إلى ٩٥، الطبعة الثانية، في المتن و التعليقة، و محصّلها:
      أوّلًا: إنّما فاطمة الزهراء سلام الله عليها بمثابة من القدس تعدل بها مريم ابنة
      (تابع الهامش في الصفحة التالية...)

معرفة الإمام ج۱۳

89
  • ...۱

    1. (... تتمة الهامش من الصفحة السابقة)
      عمران بحكم النصوص الصريحة في السنن المتضافرة الصحيحة، فمنها ما أخرجه ابن عبد البرّ في «الاستيعاب» و غيره من أعلام أثباتهم أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله عادها و هي مريضة. فقال: كيف تجدينك يا بُنيّة؟ قالت: إنّي لوجعة و إنّه ليزيدني أنّي ما لي طعام آكله. قال: يا بُنيّة! أ ما ترضين أنّكِ سيّدة نساء العالمين؟! قالت: يا أبه! فأين مريم ابنة عمران؟! قال: تلك سيّدة نساء عالمها و أنتِ سيّدة نساء عالمكِ! أما و الله لقد زوّجتكِ سيّداً في الدنيا و الآخرة ... إلى آخر الحديث.
      ثانياً: أنّ فاطمة الزهراء عليها السلام أفضل من مريم ابنة عمران. و تفضيلها على مريم عليها السلام أمر مفروغ منه عند أئمّة العترة الطاهرة و أوليائهم من الإماميّة و غيرهم. صرّح بأفضليّتها على سائر النساء حتى السيّدة مريم كثير من محقّقي أهل السنّة و الجماعة كالتقيّ السبكيّ، و الجلال السيوطيّ، و البدر، و الزركشيّ، و التقيّ المقريزيّ، و ابن أبي داود، و المناويّ فيما نقله عنهم العلّامة النبهانيّ في فضائل الزهراء، ص ٥٩ من كتابه «الشرف المؤبّد».
      ثالثاً: أنّ فاطمة، و مريم، و خديجة، و آسية أفضل نساء الجنّة. أخرجه الإمام أحمد من حديث ابن عبّاس في ص ٢٩٣ من الجزء الأوّل من مسنده. و رواه أبو داود كما في ترجمة خديجة من «الاستيعاب»، و قاسم بن محمّد كما في ترجمة الزهراء من «الاستيعاب» أيضاً.
      رابعاً: أنّ فاطمة و الثلاث خير نساء العالمين. أخرجه أبو داود كما في ترجمة خديجة من «الاستيعاب» بالإسناد إلى أنس. و رواه عبد الوارث بن سفيان كما في ترجمة الزهراء، و خديجة من «الاستيعاب».
      خامساً: أنّ فاطمة سيّدة نساء المؤمنين أو سيّدة نساء هذه الامة. أخرجه البخاريّ في ص ٦٤ من الجزء الرابع من صحيحه، و مسلم في باب فضائل فاطمة من الجزء الثاني من صحيحه، و الترمذيّ في الصحيح، و صاحب «الجمع بين الصحيحين»، و صاحب «الجمع بين الصحاح الستّة»، و الإمام أحمد من حديث الزهراء ص ٢۸٢ من الجزء السادس من مسنده، و ابن عبد البرّ في ترجمتها من استيعابه، و محمّد بن سعد في ترجمتها من الجزء الثامن من طبقاته، و في باب ما قاله النبيّ في مرضه من المجلّد الثاني من «الطبقات الكبرى» أيضاً. و اللفظ الذي نذكره الآن هو للبخاريّ في آخر ورقة من كتاب الاستئذان، من الجزء الرابع من صحيحه، قال: حدّثنا موسى عن أبي عوانة، عن فراس، عن عامر، عن مسروق، قال: حدّثتني عائشة امّ المؤمنين، قالت: إنّا كنّا أزواج النبيّ عنده جميعاً لم تغادر منّا واحدة، فأقبلت فاطمة تمشي، لا و الله ما تخفي مشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه و آله، فلمّا رآها رحّب، و قال: مرحباً بابنتي، ثمّ أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثمّ سارت فبكت بكاءً شديداً. فلمّا رأى حزنها، سارّها الثانية، إذا هي تضحك، فقلتُ لها أنا من بين نسائه: خصّكِ رسول الله بالسرّ من بيننا، ثمّ أنتِ تبكين؟! فلمّا قام رسول الله صلى الله عليه و آله سألتُها: عمّ سارّكِ؟ قالت: ما كنت لأفشي على رسول الله سرّه. فلمّا توفّى قلتُ لها: عزمت عليك بما لي عليكِ من الحقّ لما أخبرتني. قالت: أمّا الآن فنعم، فأخبرتني.
      قالت: أمّا سارّني في الأمر الأوّل فإنّه أخبرني أنّ جبريل كان يعارضه بالقرآن كلّ سنة مرّة، و أنّه قد عارضني به العام مرّتين، و لا أرى الأجل إلّا اقترب، فاتّقي الله و اصبري، فإنّي نِعْمَ السلف أنا لكِ! فبكيتُ بكائي الذي رأيتِ. فلمّا رأى جزعي، سارّني الثانية، قال: يا فاطمة! أ لا ترضين أن تكوني سيّدة نساء المؤمنين، أو نساء هذه الامّة؟! فضحكتُ.
      علماً أنّ السيّد شرف الدين ذكر هذين الحديثين أيضاً في كتابه الآخر: «الكلمة الغرّاء» ص ٢٤٢ و ٢٤٣.

معرفة الإمام ج۱۳

90
  • و يواصل مير خواند الموضوع فيقول: لمّا دُفن رسول الله، و رجع أصحابه من قبره، جاءوا إلى بيت فاطمة الزهراء عليها السلام و عزّوها. فسألتهم قرّة عين النبيّ: دفنتموه؟! قالوا: نعم! قالت: كيف طابت نفوسكم أن تحثوا عليه التراب؟! إنّه نبيّ الرحمة! قالوا: يا بنت رسول الله! نحن أيضاً محزونون لهذا المصاب، و لكن لا بدّ من التسليم لحكم الباري سبحانه و تعالى.

  • و جاء في «مقصد أقصي» (= المقصد الأقصى): كلّما نظرت فاطمة إلى الحسن و الحسين، تحسّرت و تأوّهت لِيُتم ولديها حتى تشبّ النار من قلبها، و يبكي الناس دماً لمصابها، و كان الأحباب و الأصحاب جميعهم يبكون معها و ينشدون هذه الأبيات في مخاطبة سيّد الكائنات و خلاصة

معرفة الإمام ج۱۳

91
  • الموجودات:

  • اى خواجه! زين شكسته دلان تا چه ديده‌اى‌***كز ما رميده جاى دگر آرميده‌اى!
  • نشناختيم قدر تو أي ساية خداى‌***زان روى سايه از سر ما در كشيده‌اى‌
  • اين تنگناى فرش چو در خور تو نبود***مسكن فراز عرش مُعلّا گزيده‌اى‌
  • بى بدرقه به كوى وصالش گذشته‌اى‌***بى واسطه به حضرت خاصش رسيده‌اى‌
  • تو مرغ آشيانه قدسى! غريب نيست‌***گر باز ازين قفس سوى گلشن پريده‌اى‌
  • ما را شمامه‌اى بفرست أي گل اميد***زان شمّه كز رياض حقايق شنيده‌اى‌۱
    1. «روضة الصفا» الجزء الثانى من الطبعة الحجريّة، باب وفاة رسول الله صلى الله عليه و آله؛ و كذلك ذكر خواند مير أحوال النبيّ أيّام مرض موته في «حبيب السير» ج ۱، ص ٤۱٩ إلى ٤٢٢.
      يقول: «أيّها السيّد العظيم! ما ذا رأيتَ منّا نحن البائسين فتركتنا و ذهبتَ إلى مكان آخر؟
      ما عرفنا قدرك يا ظلّ الله و لهذا منعتَ عنّا ظلّك.
      لم يَلِقْ بك هذا العالم الضيّق فاخترتَ الإقامة في العرش الأعلى.
      مضيتَ إلى وصاله بلا وداع، و بلغت ساحة قدسه الخاصّة بلا واسطة.
      و لا غرو فأنت طائر عشّه القدسيّ، إذ حلّقتَ ثانية من هذا القفص إلى الرياض.
      أفض علينا شيئاً من العبير الفوّاح يا زهرة الرجاء ممّا تعطّرتَ به مِن رياض الحقائق».

معرفة الإمام ج۱۳

92
  • در كام جان تشنه دلان جرعه‌اى بريز***زان خمرِ بى خمار كه از حقّ چشيده‌اى‌۱
  • أهمّيّة مقام ولاية رسول الله و خلافته‌

  • أجل، إنّ محنة رسول الله في مرضه الذي مات فيه يعود معظمها إلى رحمته بالمسلمين، إذ كان يرى امّته بلا راعٍ، و كان يدرك و يفهم جيّداً الخطط المدروسة المدبّرة لعزل أمير المؤمنين عليه السلام، و ترك الامّة بلا إمام و ولى.

  • و كان صلى الله عليه و آله يرى كالشمس الساطعة أنّ خلود نبوّته و حراستها و تثبيت القرآن و تعزيزه منوطان بوجود عليّ بن أبي طالب. و إذا كبراء القوم و رموزهم قد شدّوا عقد مآزرهم بخطط مريبة لاقتلاع هذه الشجرة و التربّع على مسند الإمامة. و الويل للُامّة التعِسة إذا ولى امورها إنسان غير بصير و غير مطّلع.

  • و إذا حلّ الغراب و الحدأة محلّ البلبل في روضة النور و الوحدة و العرفان و المعرفة، و يسجن الطائر الغرِّيد المحلّق في روضة العلم و الدراية و البصيرة في القفص مهيض الجناح. و يجلس الجلّادون و الصيّادون المتربّصون على أريكة الأمر و النهي و الحكومة باسم النصراء و الحماة و الناصحين و المتحمّسين و الأحمّاء، و يبدّلون النبوّة إلى حكومة و رئاسة ظاهريّة.

  • و كان أبو بكر، و عمر، و عثمان، و عبيدة بن الجرّاح، و المغيرة بن شُعبة، و اسيد بن حُضَير، و خالد بن الوليد، و قُنفذ بن عُمير، و سالم مولى أبى حذيفة من الأشخاص المعروفين الذين تخبّطوا كالمجانين لإطفاء نور

    1. يقول: «و اسكب في أفواه الظامئين جرعة من ذلك الخمر الذي ذقته من الحقّ و ليس فيه صداع».

معرفة الإمام ج۱۳

93
  • الولاية.۱

  • قال ابن أبي الحديد: و ممّن دخل بيت فاطمة مع عمر و عصابته: اسَيْد بن حُضَيْر، و سَلَمَة بن سَلَامَة بن قُرَيش، و قيس بن شمّاس، و عبد الرحمن بن عوف، و محمّد بن مَسْلَمة و هو الذي كسر سيفَ الزبير.٢

  • و كان هؤلاء رجالًا معروفين مشهورين بارزين خُدع عوامّ الناس بإجرائهم المذكور فساروا خلفهم كالدهماء. و تمّ التحرّك نحو الكفر و الضلال و الارتداد عن محور الولاية التي تمثّل روح النبوّة و حقيقتها من قبل شر ذمة قليلة، و سلك سائر الناس مسلكهم كالهمج الرعاع.

  • أمر رسول الله بخروج وجوه المهاجرين و الأنصار في جيش اسامة

  • و عقد النبيّ صلى الله عليه و آله -و هو على فراش الاحتضار- لواء الحرب لشابٍّ يدعى اسامة، و أمره بالخروج من المدينة فوراً. و أصدر

    1. روى الشيخ المفيد في أماليه، طبعة جماعة المدرّسين، ص ٤٩ و ٥۰، بسنده المتّصل عن مروان بن عثمان أنّه قال: لمّا بايع الناس أبا بكر دخل عليّ عليه السلام، و الزبير، و المقداد بيت فاطمة عليها السلام، و أبَوْا أن يخرجوا فقال عمر بن الخطّاب: اضرموا عليهم البيت ناراً. فخرج الزبير و معه سيفه. فقال أبو بكر: عليكم بالكلب. فقصدوا نحوه، فزلّت قدمه و سقط إلى الأرض و وقع السيف من يده. فقال أبو بكر: اضربوا به الحجر، فضرب بسيفه الحجر حتى انكسر. و خرج عليّ بن أبي طالب عليه السلام نحو العالية (كلّ ما كان من جهة نجد من المدينة من قراها و عمائرها إلى تهامة فهو العالية. و كلّ ما كان دون ذلك فهو السافلة) فلقيه ثابت بن قيس بن شمّاس، فقال: ما شأنك يا أبا الحسن؟! فقال: أرادوا أن يحرقوا عَلَيّ بيتي و أبو بكر على المنبر يُبايَع و لا يدفع عن ذلك و لا ينكره. فقال له ثابت: لا تفارق كفّي يدك حتى اقتل دونك! فانطلقا جميعاً حتى عادا إلى المدينة، و إذا فاطمة عليها السلام واقفة على بابها، و قد خلت دارها من أحد من القوم و هي تقول: لا عهد لي بقوم أسوأ محضراً منكم، تركتم رسول الله صلى الله عليه و آله جنازة بين أيدينا و قطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا و صنعتم بنا ما صنعتم و لم تروا لنا حقّاً.
    2. «شرح نهج البلاغة» الجزء الثاني من الطبعة ذات الأجزاء الأربعة، ص ۱٩.

معرفة الإمام ج۱۳

94
  • أمراً جازماً جادّاً يقتضي خروج جميع الوجوه المعروفة -الذين ذكر أسماءهم واحداً بعد آخر- تحت لواء اسامة. و كان هدف رسول الله -و هو يرى دنوّ أجله- من ذلك التأكيد و الإبرام و الإصرار بعد الإصرار، و لعن المتخلّفين عن جيش اسامة بذلك التعجيل و التشديد، إخلاء المدينة من شرّ وجود اولئك المدّعين الأظآر،۱ و تمهيد الأرضيّة لاستقرار حكومة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ليتحقّق أمر الخلافة بلا منازع ينازعه، و لا تكن هناك عقبة في طريقة.

  • و هل يُرتجى هدف غير هذا من وراء تعبئة ذلك الجيش العظيم بقيادة شابّ كاسامة، و أمر المشيخَة أن ينضووا تحت لوائه و يعملوا بأوامره و التعجيل في تحرّكه و خروجه؟!٢

  • قال ابن سعد في «الطبقات الكبرى»: لمّا كان يوم الأربعاء في أواخر صفر من السنة العاشرة من الهجرة بُدئ برسول الله صلى الله عليه و آله فحُمّ و صُدّع: فلمّا أصبح يوم الخميس عقد لُاسامة لواءً بيده ثمّ قال: اغز باسم الله في سبيل الله فقاتِل من كفر بالله!

  • فخرج بلوائه معقوداً و عسكر بالجُرْف. فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين و الأنصار إلّا انتدب في تلك الغزوة فيهم أبو بكر، و عمر بن الخطّاب، و أبو عبيدة الجرّاح، و سعد بن أبي وقّاص، و سعيد بن زيد،

    1. جمع ظئر، و هي العاطفة على ولد غيرها، و قيل: أ ظئر أعطف من امّ؟
    2. ذكر السيّد هاشم البحرانيّ في ص ٦۰٢ إلى ٦۰٦، البابان ۷٥ و ۷٦ من كتابه «غاية المرام» اثني عشر حديثاً عن طريق العامّة، و حديثاً عن طريق الخاصّة حول جيش اسامة. و فيها أنّ رسول الله جعل فيه أبا بكر، و عمر، و عثمان، و أبا عبيدة الجرّاح، و عبد الرحمن بن عوف، و طلحة، و الزبير، و غيرهم. و لعن من تخلّف عنه. و روى قول رسول الله: إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الأخير منهما، في أبي بكر.

معرفة الإمام ج۱۳

95
  • و قُتادة بن النعمان، و سَلمة بن أسلم بن حريش. فتكلّم قوم و قالوا: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأوّلين. فغضب رسول الله صلى الله عليه و آله غضباً شديداً فخرج و قد عصب على رأسه عصابة و عليه قطيفة. فصعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه، ثمّ قال:

  • أمّا بعد؛ أيّها الناس! فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري اسامة. و لئن طعنتم في إمارتي اسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه! زيد بن حارثة من قبله! و أيم الله إن كان للإمارة لخَليقاً و إنّ ابنه من بعده لخليق للإمارة، و إن كان لمن أحبّ الناس إليّ. و أنّهما لمُخيلان لكلّ خير. و استوصوا به خيراً فإنّه من خياركم.۱

  • قال هذا ثمّ نزل من المنبر، و ذلك يوم السبت ....

  • و ثقل رسول الله فجعل يقول: أنْفِذُوا بَعْثَ اسَامَة.٢

  • ذكر ابن هشام في سيرته أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله استبطأ الناس في بعث اسامة [بن زيد] و هو في وجعه. فخرج عاصباً رأسه حتى جلس على المنبر. و قد كان الناس قالوا في إمرة اسامة: أمّر غلاماً حَدَثاً

    1. روى ابن سعد في الجزء الثاني من طبقاته، ص ٢٤۸ إلى ٢٥۰، تحت عنوان: ما قال رسول الله صلى الله عليه و آله في مرضه لُاسامة بن زيد رحمه الله خمسة أحاديث في تأكيد الرسول الأكرم و إصراره على تجهيز جيش اسامة و منها هذا الحديث. و ذكر حديثاً آخر بسنده عن عروة بن الزبير أنّه قال: قد بعث رسول الله صلى الله عليه و آله اسامة و أمره أن يوطئ الخيل نحو البلقاء حيث قُتل أبوه و جعفر. فجعل اسامة و أصحابه يتجهّزون و قد عسكر بالجرف. فاشتكى رسول الله و هو على ذلك. ثمّ وجد في نفسه راحة فخرج عاصباً رأسه فقال: أيُّهَا النَّاسُ! أنْفِذُوا بَعْثَ اسَامَةَ -ثَلَاثَ مَرَّاتٍ- ثُمَّ دَخَلَ النَّبِيّ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَاسْتُعِزَّ بِهِ فَتُوُفِّي رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ.
    2. «الطبقات الكبرى» ج ٢، ص ۱٩۰، طبعة بيروت ۱٣۷٦ هـ. ق.

معرفة الإمام ج۱۳

96
  • على جِلّة المهاجرين و الأنصار. فحمد الله و أثنى عليه بما هو له أهل، ثمّ قال: أيّها الناس! انفذوا بعث اسامة! فلعمري لئن قلتم في إمارته لقد قلتم في إمارة أبيه من قبله. و إنّه لخليق للإمارة و إن كان أبوه لخليقاً لها.۱

  • ثمّ نزل رسول الله صلى الله عليه و آله و انكمش (أسرع) الناس في جهازهم.٢

  • خطبة رسول الله في التمسّك بالثقلين‌

  • روى ابن سعد بسنده عن أبي سعيد الخُدريّ عن رسول الله صلى الله عليه و آله أنّه قال: إنِّي اوشِكُ أن ادْعَى فَاجيبَ، و إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي، كِتَابُ اللهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إلَى الأرْضِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي. و إنَّ اللَّطِيفَ الخَبِيرَ أخْبَرَنِي أنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تُخَلِّفُونِّي فِيهِمَا!٣

    1. «السيرة النبويّة» ج ٤، ص ٢٩٩ و ٣۰۰، طبعة بيروت، دار إحياء التراث العربيّ؛ و «تاريخ الطبريّ» ج ٢، ص ٤٣۱، طبعة دار الاستقامة.
    2. «الطبقات الكبرى» لابن سعد، ج ٢، ص ۱٩٤، طبعة بيروت.
    3. إنّ من الأدلّة الساطعة على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام و عظمته هو أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله لم يؤمِّر عليه أحداً في جيش. و إذا ما أشخص جيشاً فهو الأمير عليه. و عند ما أمّر أبا بكر ثمّ عمر على الجيش الذي أنفذه لفتح خيبر، و لا ذا بالفرار، لم يكن أمير المؤمنين عليه السلام موجوداً فيه. بَيْدَ أنّه حينما قال: لُاعطين الراية غداً رجلًا يحبّه اللهُ و رسولُه و يحبّ الله و رسولَه كرّار غير فرّار. و أعطاها عليّاً عليه السلام و أمّره، جعل أبا بكر و عمر تحت قيادته. و لمّا أمر وجوه المهاجرين و الأنصار و أعلامهم أن ينضووا تحت لواء اسامة بن زيد، لم يأمر أمير المؤمنين عليه السلام بذلك. و كان هذا من أجل أن يبيّن للُامّة أنّ اسامة ابن السبع عشرة -أو الثماني عشرة أو التسع عشرة، أو العشرين، و لم ينصّ أحد على أكثر من ذلك- أهلٌ للإمارة، و غيره ليس أهلًا لها. و للّه درّ ابن أبي الحديد المعتزليّ إذ يقول في قصيدته الرائيّة، و هي إحدى علويّاته السبع، ذاكراً أفضليّة أمير المؤمنين عليه السلام:
      وَ لَا كَانَ في بَعْثِ ابن زِيدٍ مُؤَمَّرا***عَلَيْهِ لِيُضْحِى لإبْنِ زَيْدٍ مُؤَمَّرا
      وَ لَا كَانَ يَوْمَ الغَارِ يَهْفُوا جَنَانُهـ***حِذَاراً وَ لَا يَوْمَ العَرِيشِ تَسَتَّرَا
      وَ لَا كَانَ مَعْزُولًا غَدَاةَ بَرَاءَةٍ***وَ لَا في صَلَاةٍ امَّ فِيهَا مُؤَخَّرَا
      فتى لَمْ يُعَرِّقْ فِيهِ تَيْمُ ابْنُ مُرَّةٍ***وَ لَا عَبَدَ اللَّاتَ الخَبِيثَةَ أعْصُرَا
      إمَامُ هُدى بِالقُرْصِ آثَرَ فَاقْتَضَى***لَهُ القُرْصُ رَدَّ القُرْصِ أبْيَضَ أزْهَرَا
      يُزَاحِمُهُ جِبرِيلُ تَحْتَ عَبَاءَةٍ***لَهَا قِيلَ: كُلّ الصَّيْدِ في جَانِبِ الفَرَا
      (من القصيدة الثانية لابن أبي الحديد، مع شرح السيّد محمّد صاحب «المدارك» و قد طبع طباعة حجريّة في مجموعة مع المعلّقات السبع و قصيدة البردة).نجد أنّ أبا الحديد يعدّ هنا مناقب الإمام في مقابل مثالب أبي بكر و يقول: لم يكن الإمام في جيش اسامة بن زيد الذي كان رسول الله قد جعله أميراً، فيكون اسامة أميره. و لم يرتجف قلب الإمام في مبيته على فراش النبيّ إلى الصباح عند ما هاجر و التحق به أبو بكر في الغار و كان قلب أبي بكر يرتجف. و عند ما نشبت معركة بدر قتل أمير المؤمنين وحده خمسة و ثلاثين رجلًا و قتل الملائكة و باقي المسلمين خمسة و ثلاثين. أمّا أبو بكر فقد استتر في العريش الذي كان قد صُنع للنبيّ في حين لم يستتر أمير المؤمنين فيه. و لمّا أنفذ النبيّ صلى الله عليه و آله أبا بكر ليبلِّغ سورة براءة في مكّة ثمّ عزله و كلّف أمير المؤمنين بذلك، لم يعزله كما لم يُؤَخَّر في صلاة جماعة قطّ. و عليّ هو ذلك الفتى الذي لم يُضرب فيه بتيم بن مُرّة بعِرق، لأنّه ليس من قبيلة أبي بكر، ففيه عِرق أجداد رسول الله. كما لم يسجد أمام اللات الخبيثة و لم يعبدها أزماناً طويلة و أعصاراً متوالية كما كان يفعل أبو بكر. و عليّ هو إمام الهدى الذي أعطى السائل قرصه عند إفطاره فرُدّ له قرص الشمس الأبيض الساطع. و هو الذي أخذه رسول الله يوم المباهلة مع نصارى نجران، إذ جعله و فاطمة و الحسنين عليهم السلام تحت الكساء اليمانيّ فأدخل جبرائيل نفسه تحت الكساء و افتخر بصحبته. فهو جامع الفضائل و المناقب كما جاء في المثل المشهور: كلّ الصيد في جوف الفرا. أي: إذا أردت صيداً صحراويّاً لذيذاً ففتّش عنه في داخل بطن الحمار الوحشيّ، فهو ألذّ و صيده أشقّ.

معرفة الإمام ج۱۳

97
  • قال الشيخ المفيد في «الإرشاد»: ثمّ كان ممّا أكّد له رسول الله صلى الله عليه و آله من الفضل و تخصّصه منه بجليل رتبته ما تلا حجّة الوداع من الأمور المتجدّدة لرسول الله صلى الله عليه و آله و الأحداث التي اتّفقت بقضاء الله و قدره. و ذلك أنّه تحقّق من دنوّ أجله ما كان قدّم الذكر به‌

معرفة الإمام ج۱۳

98
  • لُامّته. فجعل يقوم مقاماً بعد مقام في المسلمين يحذّرهم الفتنة بعده و الخلاف عليه و يؤكّد وصايته بالتمسّك بسنّته و الإجماع عليها و الوفاق، و يحثّهم على الاقتداء بعترته و الطاعة لهم و النصرة و الحراسة و الاعتصام بهم في الدين، و يزجرهم عن الاختلاف و الارتداد. و كان فيمأ ذكره من ذلك صلى الله عليه و آله ما جاءت به الرواية على اتّفاق و اجتماع من قوله:

  • أيُّهَا النَّاسُ! إنِّي فَرُطُكُمْ وَ أنْتُمْ وَارِدُونَ عَلَيّ الحَوْضَ. ألَا وَ إنِّي سَائِلُكُمْ عَنِ الثَّقَلَيْنِ!

  • فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا، فَإنَّ اللَّطِيفَ الخَبِيرَ نَبَّأنِي أنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَلْقَيَانِي. وَ سَألْتُ رَبِّي ذَلِكَ فَأعْطَانِيهِ. ألَا وَ إنِّي قَدْ تَرَكْتُهُمَا فِيكُمْ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، لَا تَسْبِقُوهُمْ فَتَفَرَّقُوا، وَ لَا تَقْصُرُوا عَنْهُمْ فَتَهْلِكُوا، وَ لَا تُعَلِّمُوهُمْ فَإنَّهُمْ أعْلَمُ مِنْكُمْ.

  • أيُّهَا النَّاسُ! لَا الْفِيَنَّكُمْ بَعْدِي تَرْجِعُونَ كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ! فَتَلْقَوْنِي في كَتِيبَةٍ كَبَحْرِ السَّيْلِ الجَرَّارِ! ألَا وَ إنَّ عَلِيّ بْنَ أبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أخِي وَ وَصِيِّي، يُقَاتِلُ بَعْدِي عَلَى تَأوِيلِ القُرْآنِ كَمَا قَاتَلْتُ عَلَى تَنْزِيلِهِ.

  • وَ كَانَ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يَقُومُ مَجْلِساً بَعْدَ مَجْلِسٍ بِمِثْلِ هَذَا الكَلَامِ وَ نَحْوِهِ.

  • ثُمّ إنّه عقد لُاسامة بن زيد بن حارثة الأمرة، و أمره و ندبه أن يخرج بجمهور الامّة إلى حيث اصيب أبوه من بلاد الروم، و اجتمع رأيه عليه السلام على إخراج جماعة من مقدّمي المهاجرين و الأنصار في معسكره، حتى لا يبقى في المدينة عند وفاته من يختلف في الرئاسة و يطمع في التقدّم على الناس بالإمارة، و يستتبّ الأمر لمن استخلفه من بعده، و لا ينازعه في حقّه منازع. فعقد له الإمرة على ما ذكرناه، و جدّ صلى الله‌

معرفة الإمام ج۱۳

99
  • عليه و آله و سلّم في إخراجهم، و أمر اسامة بالبروز عن المدينة بمعسكره إلى الجرف، و حثّ الناس على الخروج إليه و المسير معه، و حذّرهم من التلوّم و الإبطاء عنه.

  • استغفار رسول الله لموتى البقيع و إخباره بإقبال الفتن‌

  • فبينا هو في ذلك إذ عرضت له الشكاة التي توفّي فيها. فلمّا أحسّ بالمرض‌۱ الذي عراه، أخذ بِيَدِ عليّ عليه السلام و اتّبعه جماعة من الناس و توجّه إلى البقيع. فقال للذي اتّبعه: إنّي قد امرت بالاستغفار لأهل البقيع، فانطلقوا معه حتى وقف بين أظهرهم و قال: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أهْلَ القُبُورِ، لِيَهْنِئْكُمْ مَا أصْبَحْتُمْ فِيهِ مِمَّا فِيهِ النَّاسُ! أقْبَلَتِ الفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ يَتْبَعُ أوَّلَهَا آخِرُهَا.

  • ثمّ استغفر لأهل البقيع طويلًا. و أقبل على أمير المؤمنين عليه السلام‌

    1. قال العلّامة آية الله السيّد عبد الحسين شرف الدين العامليّ في «الفصول المهمّة» ص ۸٦، الطبعة الثانية: كان اليوم الذي عبّأ فيه الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله جيش اسامة و جعل فيه وجوه المهاجرين و الأنصار كأبي بكر، و عمر، و أبي عبيدة، و سعد، و أمثالهم هو أربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة للهجرة. فلمّا كان من الغد، دعا اسامة، فقال له: سر إلى موضع قتل أبيك، فأوطئهم الخيل، فقد ولّيتك هذا الجيش. فلمّا كان يوم الثامن و العشرين من صفر، بدأ به صلى الله عليه و آله مرض الموت، فحُمّ و صدّع. فلمّا أصبح يوم التاسع و العشرين و وجدهم مثّاقلين، خرج إليهم، فحضّهم على السير و عقد صلى الله عليه و آله اللواء لُاسامة بيده الشريفة.
      و قال في ص ۸۷: تباطأ جيش اسامة و امتنع عن المسير حتى يوم السبت لعشر خلون من ربيع الأوّل فخرج صلى الله عليه و آله قبل وفاته بيومين و هو معصّب الرأس محموماً مألوماً. و خطب و غضب من طعنهم غضباً شديداً.
      و قال في ص ۸۸: رجع اسامة إلى المدينة يوم ۱٢ ربيع الأوّل و معه عمر و أبو عُبيدة و كان النبيّ يجود بنفسه. فرجع الجيش باللواء إلى المدينة.
      أقول: هذا هو المشهور عند العامّة. و المأثور عند الخاصّة أنّه توفّى صلى الله عليه و آله لليلتين بقيتا من صفر.

معرفة الإمام ج۱۳

100
  • فقال له: إنّ جبرائيل كان يعرض عَلَيّ القرآن في كلّ سنة مرّة، و قد عرضه عَلَيّ العام مرّتين و لا أراه إلّا لحضور أجلي. ثمّ قال: يا عليّ! إنّي خُيِّرتُ بين خزائن الدنيا و الخلود فيها أو الجنّة، فاخترت لقاء ربّي و الجنّة. فإذا أنا متُّ فاغسلني و استر عورتي، فإنّه لا يراها أحد إلّا أكمه. ثمّ عاد إلى منزله، فمكث ثلاثة أيّام موعوكاً، ثمّ خرج إلى المسجد معصوب الرأس معتمداً على أمير المؤمنين عليه السلام بيُمنى يديه، و على الفضل بن العبّاس باليد الاخرى حتى صعد المنبر فجلس عليه ثمّ قال:

  • مَعَاشِرَ النَّاسِ! قَدْ حَانَ مِنِّي خُفُوقٌ مِنْ بَيْنِ أظْهُرِكُمْ، فَمَنْ كَانَ لَهُ عِنْدِي عِدَةٌ فَلْيَأتِنِي اعْطِهِ إيَّاهَا! وَ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَيّ دَيْنٌ فَلْيُخْبِرْنِي بِهِ! مَعَاشِرَ النَّاسِ! لَيْسَ بَيْنَ اللهِ وَ بَيْنَ أحَدٍ شَي‌ءٌ يُعْطِيهِ بِهِ خَيْراً أو يَصْرِفُ عَنْهُ بِهِ شَرّاً إلَّا العَمَلُ! أيُّهَا النَّاسُ! لَا يَدَّعِي مُدَّعٍ وَ لَا يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ، وَ الذي بَعَثَنِي بِالحَقِّ نَبِيّاً لَا يُنْجِي إلَّا عَمَلٌ مَعَ رَحْمَةٍ، وَ لَوْ عَصَيْتُ لَهَويْتُ. اللَهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟!۱

    1. روى ابن أبي الحديد هذا الحديث أيضاً في «شرح نهج البلاغة» ج ٢، ص ٥٦۱، شرح الخطبة ۱٩٥ من «نهج البلاغة» طبعة مصر، دار إحياء الكتب العربيّة الكبرى. و خطب الإمام تلك الخطبة لدعوة الناس إلى الجهاد و بيان منزلته الخصيصة من رسول الله صلى الله عليه و آله، و كيفيّة وفاة رسول الله و هبوط الملائكة و عروجهم. و تبدأ الخطبة بقوله: وَ لَقَدْ عَلِمَ المُسْتَحْفَظُونَ مِنْ أصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أنِّي لَمْ أردَّ على اللهِ وَ على رَسُولِهِ سَاعَةً قَطُّ.
      و روى السيّد البحرانيّ الحديث الأوّل في «غاية المرام» ص ٢۱۷ و ٢۱۸ عن الخاصّة، عن الشيخ الصدوق بسنده المتّصل عن حذيفة بن اسَيْد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: معاشر الناس! إنّي فَرَطُكم و أنتم واردون عَلَيّ الحوض، حوضاً ما بين بُصَري و صَنعاء، فيه عدد النجوم قد حان من فضّةٍ، و إنّي سائلكم حتى تردون عَلَيّ الحوضَ عن الثَّقلين، فانظروا كيف تخلفونّي فيهما؟ الثقل الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله و طرفه بيدكم، فاستمسكوا به و لن تضلّوا و لا تبدّلوا في عترتي أهل بيتي فإنّه قد نبّأني اللطيف الخبير أنَّهما لن يَفتَرقا حتى يَردا عَلَيّ الحوضَ. معاشر أصحابي! كأنّي على الحوض أنتظر من يرد عَلَيّ منكم، و سوف تؤخّر أناسٌ دوني فأقول: يا ربّ! منّي و من امّتي. فيقال: يا محمّد! هل شعرتَ بما عملوا؟ إنّهم ما رجعوا بعدك يرجعون على أعقابهم. ثمّ قال: اوصيكم في عترتي خيراً و أهل بيتي فقام إليه سلمان فقال: يا رسول الله! منِ الأئمّة بعدك؟ أما هم من عترتك؟ فقال: هم الأئمّة من بعدي من عترتي عدد نقباء بني إسرائيل تسعة من صُلب الحسين، أعطاهم الله علمي و فهمي، فلا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم، و اتّبعوهم فإنّهم مع الحقّ و الحقّ معهم عليهم السلام.

معرفة الإمام ج۱۳

101
  • ثمّ نزل صلى الله عليه و آله فصلّى بالناس صلاة خفيفة. ثمّ دخل بيته، و كان إذ ذاك في بيت امّ سلمة رضي الله عنها فأقام به يوماً أو يومين. فجاءت عائشة إليها تسألها أن تنقله إلى بيتها لتتولّى تعليله، و سألت أزواج النبيّ في ذلك، فأذِنَّ لها، فانتقل إلى البيت الذي أسكنه عائشة، و استمرّ به المرض فيه أيّاما و ثقل. فجاء بلال عند صلاة الصبح و رسول الله صلى الله عليه و آله مغمور بالمرض فنادى: الصَّلَاةُ يَرْحَمُكُمُ اللهُ. فاوذن رسول الله بندائه فقال: يصلّي بالناس بعضُهم فإنّي مشغول بنفسي، فقالت عائشة: مُروا أبا بكر. و قالت حفصة: مروا عمر. فقال رسول الله صلى الله عليه و آله حين سمع كلامهما و رأى حرص كلّ واحدة منهما على التنويه بأبيها و افتتانهما بذلك و رسول الله حيّ! اكْفُفْنَ فَإنَّكُنَّ صُوَيْحَبَاتُ يُوسُفَ!

  • ثمّ قام صلى الله عليه و آله مبادراً خوفاً من تقدّم أحد الرجلين و قد كان أمرهما بالخروج مع اسامة و لم يكن عنده أنّهما قد تخلّفا. فلمّا سمع من عائشة و حفصة ما سمع علم أنّهما متأخّران عن أمره. فبدر لكفّ الفتنة و إزالة الشبهة. فقام -و أنّه لا يستقلّ على الأرض من الضعف- فأخذ بيده عليّ بن أبي طالب عليه السلام و الفضل بن العبّاس فاعتمد عليهما و رِجلاه‌

معرفة الإمام ج۱۳

102
  • تخطّان الأرض من الضعف.

  • فلمّا خرج إلى المسجد، وجد أبا بكر قد سبق إلى المحراب فأوما إليه بيده أن تأخّر عنه! فتأخّر أبو بكر، و قام رسول الله مقامه فكبّر و ابتدأ الصلاة التي كان قد ابتدأها أبو بكر و لم يبن على ما مضى من فعاله. فلمّا سلّم، انصرف إلى منزله و استدعى أبا بكر و عمر و جماعة ممن حضر بالمسجد من المسلمين ثمّ قال: أ لَمْ آمُرْكُمْ أنْ تُنْفِذُوا جَيْشَ اسَامَةَ؟! فقالوا: بلى يَا رَسُولَ اللهِ. قال: فَلِمَ تَأخَّرْتُمْ عَنْ أمْرِي‌؟! قال أبو بكر: إنّي خرجت ثمّ رجعتُ لُاجدّد بك عهداً! و قال عمر: يا رسول الله! إنّي لم أخرج لأنّني لم احبّ أن أسأل عنك الركب!

  • فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: نَفِّذُوا جَيْشَ اسَامَةَ! نَفِّذُوا جَيْشَ اسَامَةَ! يكرّرها ثلاث مرّات. ثمّ اغميَ عليه من التعب الذي لحقه و الأسَف الذي ملكه‌۱ فمكث هُنيئة مُغميً عليه. و بكى المسلمون، و ارتفع النحيب من أزواجه و ولده و نساء المسلمين و جميع من حضر من المسلمين.

  • منع عمر جلب الكتف و الدواة و قذفه النبيّ بالهجر

  • فأفاق رسول الله صلّى الله عليه و آله فنظر إليهم ثمّ قال: إئْتُونِي بِدَوَاةٍ وَ كَتِفٍ‌

    1. قال آية الله السيّد عبد الحسين شرف الدين العامليّ في «الفصول المهمّة» ص ٩۰، الطبعة الثانية: كان اسامة ابن سبع عشرة سنة حين أمّره رسول الله على الأظهر. و قيل: كان ابن ثمان عشرة سنة. و قيل: ابن تسع عشرة سنة. و قيل: ابن عشرين سنة. و لا قائل بأنّ عمره كان أكثر من ذلك. و إنّما أمّر عليهم اسامة ليّاً لأعنّة البعض، و ردّاً لجماح أهل الجماح منهم و احتياطاً على الأمن في المستقبل من نزاع أهل التنافس لو أمّر أحدهم كما لا يخفى، لكنّهم فطنوا إلى كلّ ما دبّر صلى الله عليه و آله فطعنوا في تأمير اسامة، و تثاقلوا عن السير معه، فلم يبرحوا من الجرف حتى لحق النبيّ صلى الله عليه و آله بربّه. فهمّوا حينئذٍ بإلغاء البعث و حلّ اللواء تارة، و بعزل اسامة اخرى. ثمّ تخلّف كثير منهم عن الجيش كما سمعتَ. فهذه خمسة امور في هذه السريّة لم يتعبّدوا فيها بالنصوص الجليّة إيثاراً لرأيهم في الامور السياسيّة و ترجيحاً لاجتهادهم فيها على التعبّد بنصوصه صلى الله عليه و آله.

معرفة الإمام ج۱۳

103
  • لأكْتُبَ لَكُمْ كِتَاباً لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ أبَداً!

  • ثمّ اغمي عليه. فقام بعض من حضره يلتمس دواة و كتفاً. فقال له عمر: ارْجِعْ فَإنَّهُ يَهْجُرُ. فرجع و ندم مَن حضر على ما كان منهم من التضييع في إحضار الدواة و الكتف و تلاوموا بينهم و قالوا: إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ‌. لقد أشفقنا من خلاف رسول الله. فلمّا أفاق صلى الله عليه و آله قال بعضهم: ألّا نأتيك بدواة و كتف يا رسول الله؟! فقال: أ بَعْدَ الذي قُلْتُمْ؟! لَا، وَ لَكِنِّي اوصِيكُمْ بِأهْلِ بَيْتِي خَيْراً. و أعرض بوجهه عن القوم فنهضوا و بقي عنده العبّاس، و الفضل بن العبّاس، و عليّ بن أبي طالب عليه السلام، و أهل بيته خاصّة.

  • فقال له العبّاس: يا رسول الله إن يكن هذا الأمر فينا مستقرّاً من بعدك فبشّرنا، و إن كنت تعلم أنّا نغلب عليه فاقض بنا. فقال: أنْتُمُ المُسْتَضْعَفُونَ مِنْ بَعْدِي‌. و صمت.۱

  • فنهض القوم و هم يبكون قد يئسوا من النبيّ صلى الله عليه و آله.٢

  • إنّ ما أوردناه هنا نقلناه عن العالم البصير الفقيه و المتكلّم الإماميّ أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان، الشيخ المفيد المولود سنة ٣٣٦

    1. روى الشيخ المفيد في أماليه، طبعة جماعة المدرّسين، ص ٢۱٢ بسنده عن زيد بن عليّ بن الحسين، عن أبيه عليهم السلام، قال: وضع رسول الله صلى الله عليه و آله في مرضه الذي توفّي فيه رأسه في حجر امّ الفضل و اغمي عليه، فقطرت قطرة من دموعها على خدّه، ففتح عينيه و قال لها: مَا لَكِ يَا امَّ الفَضْلِ؟ قالت: نُعِيَتْ إلَيْنَا نَفْسُكَ، وَ أخْبَرتَنَا أنَّكَ مَيِّت. فإن يكن الأمر لنا فبشّرنا، و إن يكن في غيرنا فأوص بنا. فقال لها النبيّ صلى الله عليه و آله: أنتم المقهورون المستضعفون من بعدي.
    2. «الإرشاد» للشيخ المفيد ص ٩۷ إلى ۱۰۱، الطبعة الحجريّة، و في الطبعة الحديثة: ص ۱٦٥ إلى ۱۷۱، الفصل ٥٢.

معرفة الإمام ج۱۳

104
  • أو ٣٣۸ هـ، و المتوفّى سنة ٤۱٣ هـ. و هو على درجة لا توصف من العظمة و الجلالة.

  • يقول علماء الشيعة: كان عمر يعلم أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله أراد أن يوصي لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب و الأئمّة من ذرّيّته حتى قائمهم صلوات الله عليهم أجمعين خطّيّاً، فلهذا حال دون إحضار الدواة و الكتف، و أخلّ بنظم المجلس و نسب إلى رسول الله الهجر، و من أجل ذلك ظلّ في المدينة و تخلّف عن الخروج في جيش اسامة، و نقض سنّة رسول الله بصراحة، و لم يعمل بقوله صلى الله عليه و آله: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، بل بذل هو و أعوانه قصارى جهودهم من أجل طمس ذلك.

  • و ها نحن نذكر فيما يأتي بحول الله و قوّته هذه المطالب نقلًا عن أوثق كتب أهل السنّة و صحاحهم و نُثبت أنّ هذه المطالب و القضايا كلّها منقولة على لسان أهل السنّة أنفسهم، و مع ذلك يتعصّبون تعصّباً جاهليّاً فيتّبعونه عُمياً على غير بصيرة، و ينكّلون بالشيعة ظالمين لهم حتى ظهور إمام الحقّ الإمام المهديّ عجّل الله فرجه الشريف. إذَنْ يبتني إثباتنا معرفةَ الإمام على أساس قول إجماعيّ اتّفاقيّ لا على أساس خصوص أقوال علماء الشيعة و أحاديث أئمّتهم عليهم السلام و منهاجهم.

  • و سنستعرض هذا الموضوع باسلوب يُقنع كلّ عالِم متتبّع من أهل السنّة و يدفعه إلى التشيّع و الإمامة شاء أم أبى، ذلك أنّ البحث الاجتهاديّ القائم على اسسهم الثابتة في اصول العقائد مُلزم لهم.

  • روى ابن سعد في طبقاته بسنده عن أبى مُوَيْهِبَة غلام رسول الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله من جوف الليل: إنّي قد امرتُ أن أستغفر لأهل البقيع فانطلق معي! فخرج و خرجت معه حتى جاء البقيع‌

معرفة الإمام ج۱۳

105
  • فاستغفر لأهله طويلًا ثمّ قال (لهم مخاطباً): لِيَهْنِئْكُمْ مَا أصْبَحْتُمْ مِمَّا أصْبَحَ النَّاسُ فِيهِ! أقْبَلَتِ الفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضاً، يَتْبَعُ آخِرُها أوَّلَهَا، الآخرةُ شَرٌّ مِنَ الأولى.۱

  • و هذا الدعاء و الاستغفار هو نفسه الذي ذكره الشيخ المفيد إلّا أنّ الشيخ ذكر أنّه ذهب إلى البقيع مع عليّ بن أبي طالب، و جاء هنا أنّه ذهب مع أبي مُوَيْهِبةَ. و لا فرق بينهما في أصل الموضوع، و هو الإخبار عن الفتن المظلمة.

  • نقل الحاكم في مستدركه بسنده عن جماعة، عن عائشة أنّها قالت: إنّ رسول الله بدأه مرضه الذي مات به في بيت ميمونة، فخرج عاصباً رأسه فدخل عَلَيّ بين رَجلينِ تخطّ رجلاه الأرض. عن يمينه العبّاس، و عن يساره رجل.

  • قال عبيد الله (راوي الحديث) أخبرني ابن عبّاس أنّ الذي عن يساره‌

    1. «الطبقات الكبرى» ج ٢، ص ٢۰٤، في ذكر خروج رسول الله صلى الله عليه و آله إلى البقيع و استغفاره لأهله و الشهداء؛ و «تاريخ الطبريّ» ج ٢، ص ٤٣٢، طبعة مطبعة الاستقامة؛ و «المستدرك» للحاكم، ج ٣، ص ٥٢.
      و روى ابن شُبَّة أبو زيد عمر بن شُبَّة النميريّ البصريّ المولود سنة ۱۷٣ هـ و المتوفّى سنة ٢٦٢ هـ في «تاريخ المدينة» ج ۱، ص ۸۷، منشورات دار الفكر، قم سنة ۱٤۱۰ هـ، بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن أبي مويهبة قال: أهَبَّنِي رَسُولُ اللهِ، و كان ذلك في جوف الليل، فقال: إنّي قد امرت أن استغفر لأهل البقيع فانطلقتُ معه. و لمّا أشرف على البقيع قال: السلام عليكم يا أهل المقابر، لو تعلمون ما نجّاكم الله منه ليهن ما أصبحتم فيه ممّا أصبح الناس فيه. أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أوّلها. الآخرة شرّ من الأولى. ثمّ استغفر لهم، ثمّ قال: يا أبا مويهبة! إنّي قد اعطيت خزائن الدنيا و الخُلد ثمّ الجنّة، فخُيّرتُ بين ذلك و بين لقاء ربّي و الجنّة. فقلتُ: بأبي أنت و امّي! فخذ خزائن الدنيا و الخُلد ثمّ الجنّة! فقال: لا و الله يا أبا مويهبة، قد اخترت لقاء ربّي و الجنّة.

معرفة الإمام ج۱۳

106
  • عليّ.۱

  • اتّكاء رسول الله على عليّ و العبّاس، و دخوله حجرة عائشة

  • و روى الطبريّ في تاريخه بسنده عن عائشة قالت: تتامّ برسول الله وجعه و هو يدور على نسائه حتى استُعِزَّ به و هو في بيت ميمونة فدعا نساءه فاستأذنهنّ أن يُمَرَّض في بيتي.٢ فأذِنَّ له فخرج رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم بين رَجلين من أهله، أحدهما الفضل بن العبّاس و رجل آخر، تخطّ قدماه الأرض عاصباً رأسه حتى دخل بيتي. قال عبيد الله: فحدّثتُ هذا الحديث عنها عبد الله بن عبّاس فقال: هل تدري من الرجل! قلتُ: لا. قال: عليّ بن أبي طالب، و لكنّها كانت لا تقدر على أن تذكره بخير. و هي تستطيع أن تقول: بين الفضل بن العبّاس و عليّ بن أبي طالب.٣

  • و تحمل هذه الروايات أيضاً مضمون ما رواه الشيخ المفيد إلّا أنّ الفارق الوحيد فيها هو أنّ عائشة لم تقدر على النطق باسم عليّ، فقالت: رجل آخر.

  • الروايات الواردة في منع عمر كتابة رسول الله في مرض الموت‌

  • الروايات الواردة في منع عمر النَّبيّ صلى الله عليه و آله‌ أن يكتب كتاباً في المرض الذي توفّي فيه‌

  • ۱- روى البخاريّ في صحيحه بسنده عن عبيد الله بن عبد الله، عن‌

    1. «المستدرك على الصحيحين في الحديث» ج ٣، ص ٥٦.
    2. قال ابن سعد في طبقاته، ج ٢، ص ٢٣٢: في رواية ابن شهاب، قال: قالت فاطمة الزهراء سلام الله عليها لنساء رسول الله: إنّه يشقّ على رسول الله الاختلاف (التردّد في حجرات زوجاته) فأذِنّ له، فخرج من بيت مَيمونة إلى بيت عائشة.
    3. «تاريخ الطبريّ» ج ٢، ص ٤٣٣، طبعة مطبعة الاستقامة؛ و روى ابن سعد مثلها في طبقاته، ج ٢، ص ٢٣۱ و ٢٣٢؛ و ذكرها ابن هشام في سيرته، ج ۱، ص ٢٩۸، الطبعة الرابعة، بيروت.

معرفة الإمام ج۱۳

107
  • ابن عبّاس أنّه قال: لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ في البَيْتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، قَالَ النَّبِيّ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: هَلُمَ‌۱ أكْتُبْ لَكُمْ كِتَاباً لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ!

  • فَقَالَ عُمَرُ: إنَّ النَّبِيّ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الوَجَعُ، وَ عِنْدَكُمُ القُرْآنُ. حَسْبُنَا كِتَابُ اللهِ، فَاخْتَلَفَ أهْلُ البَيْتِ فَاخْتَصَمُوا، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمُ النَّبِيّ كِتَاباً لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ، وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا قَالَهُ عُمَرُ.

  • فَلَمَّا أكْثَرُوا اللَّغْوَ وَ الاخْتِلَافَ عِنْدَ النَّبِيّ، قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: قُومُوا.

  • فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ بَيْنَ أنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الكِتَابَ مِن اخْتِلَافِهِمْ وَ لَغَطِهِمْ.٢ و٣

  • و هذا الحديث من الأحاديث التي لا شكّ في صحّتها و صدورها عند العامّة،٤ لأنّ البخاريّ رواه عن إبراهيم بن موسى، عن هشام، عن مُعَمَّر،

    1. هَلُمَّ: تعال. و هو لازم، و قد يتعدّى كقوله تعالى: هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ و هلمّ اسم فعل يستوي فيه المفرد و الجمع و المذكّر و المؤنّث. و يُصْرَف و يُتَّخذ فعلًا و يُلْحَقُ به ضمير. و يقال في تثنيته: هَلُمَّا، و في تأنيثه: هلمِّي، و في الجمع: هلمّوا.
    2. اللَّغط: الصوت و الجَلَبة، أو أصوات مبهمة لا تُفهم.
    3. ذكر البخاريّ هذا الحديث في كتاب الطبّ و المرضي، في باب قول المريض: قوموا عنّي. ج ۷، ص ۱٢۰ في طبعة بولاق سنة ۱٣۱٢ هـ، و في: ج ٤، ص ٥، طبعة المطبعة العثمانيّة المصريّة، سنة ۱٣٥۱ هـ، و في: ج ٤، ص ٦، طبعة مطبعة دار إحياء الكتب العربيّة مع حاشية سندي؛ و نقله البخاريّ أيضاً في كتاب النبيّ، باب مرضه، طبعة بولاق، ج ٦، ص ٩ و ۱۰، و ذكر قوله: «قال بعضهم» مكان قوله: «قال عمر».
    4. و رواها الشيخ المفيد أيضاً في أماليه، طبعة جماعة المدرّسين ص ٣٦ و ٣۷ بسنده عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عبّاس بهذا المتن عينه. و جاءت كلمة «أبداً» بعد كلمة «بعده». و وردت «قوموا» مكان «قرّبوا»، و تلحظ فيه زيادة في كلام عمر: «لا تأتوه بشي‌ء» أيضاً. و قال في التعليقة: قال العلّامة المجلسيّ رضوان الله عليه: خبر طلب رسول الله صلى الله عليه و آله الدواة و الكتف و منع عمر عن ذلك مع اختلاف ألفاظه متواتر بالمعنى، و أورده البخاريّ و مسلم و غيرهما من محدّثي العامّة في صحاحهم، و قد أورده البخاريّ في مواضع من صحيحه منها في الصفحة الثانية من مفتتحه.

معرفة الإمام ج۱۳

108
  • و كذلك عن عبد الله بن محمّد، عن عبد الرزّاق، عن مُعَمَّر، عن الزُّهريّ، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عبّاس. و لا شبهة عند العامّة في توثيق هؤلاء و تعديلهم.

  • ٢- و كذلك روى البخاريّ في صحيحه عن يحيى بن سليمان، عن ابن وَهَب، عن يونس بن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عبّاس أنّه قال: لَمَّا اشْتَدَّ بِالنَّبِيّ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَجَعُهُ قَالَ: إئْتُونِي بِكِتَابٍ أكْتُبْ لَكُمْ كِتَاباً لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ! قَالَ عُمَرُ: إنَّ النَّبِيّ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ غَلَبَهُ الوَجَعُ وَ عِنْدَنَا كِتَابُ اللهِ حَسْبُنَا. فَاخْتَلَفُوا وَ كَثُرَ اللَّغَطُ.

  • قَالَ: قُومُوا عَنِّي وَ لَا يَنْبَغي عِنْدِيَ التَّنَازُعُ. فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ بَيْنَ كِتَابِهِ.۱

  • و هذا الحديث أيضاً من الأحاديث الصحيحة عند العامّة و لا شبهة و لا شكّ في رواته.

  • ٣- و كذلك روى البخاريّ عن قَبِيصَة، عن ابن عُيَيْنَة، عن سليمان الأحول، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عبّاس أنّه قال:

    1. «صحيح البخاريّ» ج ۱، ص ٣۰، كتاب العلم، باب كتابة العلم، طبعة بولاق مصر، و في طبعة المطبعة العثمانيّة المصريّة: ج ۱، ص ٢٢ و ٢٣، و في: طبعة دار إحياء الكتب العربيّة مع حاشية سندي: ج ۱، ص ٣٢ و ٣٣.

معرفة الإمام ج۱۳

109
  • يَوْمُ الخَمِيسِ وَ مَا يَوْمُ الخَمِيسِ؟ ثُمَّ بَكَى حتى خَضَبَ دَمْعُهُ الحَصْبَاءَ. فَقَالَ: اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَجَعُهُ يَوْمَ الخَمِيسِ، فَقَالَ: إئْتُونِي بِكِتَابٍ أكْتُبْ لَكُمْ كِتَاباً لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أبَداً. فَتَنَازَعُوا -وَ لَا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيّ تَنَازُعٌ- فَقَالُوا: هَجَرَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ.

  • قَالَ: دَعُونِي! فَالَّذِي أنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إلَيْهِ. وَ أوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ: أخْرِجُوا المُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ العَرَبِ، وَ أجِيزُوا الوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ اجِيزُهُمْ، وَ نَسِيتُ الثَّالِثَةَ.۱

  • و ذكر مسلم في صحيحه أيضاً، في آخر كتاب الوصايا ثلاثة أحاديث في هذا الشأن. يحمل الأوّل بعينه مضمون هذا الحديث الثالث الذي نقلناه عن البخاريّ لكنّه يختلف عنه فيما يأتي: أوّلًا: جاء مكان قوله: فَقَالُوا: هَجَرَ رَسُولُ اللهِ، قوله: وَ قَالُوا: مَا شَأنُهُ؟ أ هَجَرَ؟ اسْتَفْهِمُوهُ!

  • ثانياً: ذكر بدل قوله: وَ نَسِيتُ الثَّالِثَةَ، قوله: وَ سَكَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ، أوْ قَالَهَا فَانسِيتُهَا.

  • و يحمل الثالث نفسه مضمون الحديث الأوّل الذي نقلناه عن البخاريّ.

  • و من الجدير ذكره أنّ هذين الحديثين أوردهما مسلم بأسناد اخرى غير أسناد البخاريّ، و يتماثلان في المضمون فحسب. و روى الثاني عن‌

    1. «صحيح البخاريّ» ج ٤، ص ٦٩ و ۷۰، كتاب الجهاد و السير، باب جوائز الوفد، طبعة بولاق، و: ج ٢، ص ۱۱۷، طبعة المطبعة العثمانيّة بمصر، و: ج ٢، ص ۱۷۸، طبعة دار إحياء الكتب العربيّة.
      و تتمّة الحديث: يقول يعقوب بن محمّد: سألت المغيرة بن عبد الرحمن عن جزيرة العرب أين تكون؟ فقال: مكّة و المدينة و اليمامة و اليمن. و قال يعقوب: العرج أوّل تهامة.

معرفة الإمام ج۱۳

110
  • إسحاق بن إبراهيم، عن وكيع، عن مالك بن المِغْوَل، عن طلحة بن مُصَرّف، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عبّاس أنّه قال: يَوْمُ الخَمِيسِ وَ مَا يَوْمُ الخَمِيسِ؟ ثُمَّ جَعَلَ تَسِيلُ دُمُوعُهُ حتى رَأيْتُ عَلَى خَدَّيْهِ كَأنَّهَا نِظَامُ اللُّؤْلُؤ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: إئْتُونِي بِالكَتِفِ وَ الدَّوَاةِ (أوِ اللَّوْحِ وَ الدَّواة)۱ اكْتُبْ لَكُمْ كِتَاباً لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أبَداً، فَقَالُوا: إنَّ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَهْجُرُ.٢

  • و روى أحمد بن حنبل الأحاديث الثلاثة التي نقلناها عن البخاريّ بنفس الأسناد و الألفاظ في ص ٣٢٥ و ٢٢٢ و ٣٥٥ من الجزء الأوّل من مسنده بالتسلسل.

  • أجل، إنّ حديث طلب الدواة و الكتف، و منع عمر، و قذف رسول الله بالهجر و الهذيان، و رزيّة يوم الخميس التي كان يبكي منها ابن عبّاس كلّما ذكرها، كلّ ذلك من القضايا المشهورة و المعروفة عند أصحاب السِّير و السُّنن و الأخبار. نقلها كبار العامّة في كتبهم و أقرّوا بها.٣

    1. قال في «المصباح»: اللوح كلّ صحيفة من خشب و كتف، إذا كُتب عليه سمّي لوحاً؛ و الدواة هي التي يُكْتَب فيها.
    2. انظر: «صحيح مسلم» ج ٢، ص ۱٥ و ۱٦، طبعة عيسى البابيّ الحلبيّ بمصر، و في طبعة دار إحياء التراث العربيّ، تحقيق محمّد فؤاد عبد الباقي: ج ٣، ص ۱٢٥۷ و ۱٢٥۸، الأحاديث المرقّمة ٢۰ و ٢۱ و ٢٢. و معنى قوله: سكت عن الثالثة، أنّ ابن عبّاس امتنع عن ذكرها. و معنى قوله: انسيتها، أنّ سعيد بن جبير نساها.
    3. ذكر ابن الأثير الجزريّ في كتاب «الكامل في التاريخ» ج ٢، ص ٣٢۰، طبعة بيروت ۱٣۸٥ هـ، الرواية الثالثة التي نقلناها عن البخاريّ. و أورد أبو الفداء الدمشقيّ في «البداية و النهاية» ج ٥، ص ٢٢۷، الحديث الذي نقلناه عن مسلم في صحيحه، و جاء فيه: ما شأنه؟ يهجر استفهموه، و نقله أبو الفداء عن مسلم و البخاريّ كليهما، و الحديث الأوّل الذي نقلناه عن البخاريّ و مسلم. نقله هو أيضاً عنهما.

معرفة الإمام ج۱۳

111
  • ذكر ابن سعد في طبقاته تسعة أحاديث في هذا المجال. و أورد الحديث الأوّل و الثالث -اللذين نقلناهما عن البخاريّ- عن مسلم، و عن يحيى بن حمّاد بسنده عن سعيد بن جُبير، عن ابن عبّاس، و فيه: فَقَالَ بَعْضُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ: إنَّ نَبِيّ اللهِ لَيَهْجُرُ.

  • و أورد حديثاً عن محمّد بن عبد الله الأنصاريّ بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ، و حديثاً عن حفص بن عمر الحوضيّ بسنده عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، و حديثاً عن محمّد بن عمر بسنده عن جابر، بحديثين آخرين: الأوّل: عن محمّد بن عمر، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسْلَم، عن أبيه، عن عمر بن الخطّاب أنّه قال:

  • كُنَّا عِنْدَ النَّبِيّ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ بَيْنَنَا وَ بَيْنَ النِّسَاءِ حِجَابٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: اغْسِلُونِي بِسَبْعِ قِرَبٍ وَ أتُونِي بِصَحِيفَةٍ وَ دَوَاةٍ أكْتُبْ لَكُمْ كِتَاباً لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أبَداً! فَقَالَ النِّسْوَةُ: إئْتُوا رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِحَاجَتِهِ! قَالَ عُمَرُ: فَقُلْتُ: اسْكُتْنَ فَإنَّكُنَّ صَوَاحِبُهُ. إذَا مَرِضَ عَصَرْتُنَّ أعْيُنَكُنَّ. وَ إذَا صَحَّ أخَذْتُنَّ بِعُنُقِهِ!۱ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: هُنَّ خَيْرٌ مِنْكُمْ!

  • و أخرجه الطبرانيّ أيضاً في أوسطه عن عمر.٢

  • الثاني: عن محمّد بن عمر بسنده عن عكرمة، عن ابن عبّاس أنّه قال: إنَّ النَّبِيّ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ في مَرَضِهِ الذي مَاتَ فِيهِ: إئْتُونِي‌

    1. و يمكن أن يكون المعني كالآتي: إذا مرض، تبكين عليه، و إذا صحّ، تأخذن بعنقه. (كناية عن إعناته و إيقاعه في المشقّة).
    2. كما روي الملّا علي المتّقي الهنديّ في «كنز العمّال» ج ٣، ص ۱٣۸، الطبعة الأولى.

معرفة الإمام ج۱۳

112
  • بِدَوَاةٍ وَ صَحِيفَةٍ أكْتُبْ لَكُمْ كِتَاباً لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أبَداً! فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ: مَنْ لِفُلَانَةَ وَ فُلَانَةَ مَدَائِنِ الرُّومِ؟ إنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لَيْسَ بِمَيِّتٍ حتى نَفْتَحَهَا، وَ لَوْ مَاتَ لَا نتَظَرْنَاهُ كَمَا انْتَظَرَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ موسى. فَقَالَتْ زَيْنَبُ زَوْجُ النَّبِيّ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: أ لَا تَسْمَعُونَ النَّبِيّ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَعْهَدُ إلَيْكُمْ؟! فَلَغَطُوا، فَقَالَ: قُومُوا! فَلَمَّا قَامُوا قُبِضَ النَّبِيّ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مَكَانَهُ!۱

  • مقدّمة عمر للحؤول دون كتابة رسول الله‌

  • و الآن -بعد أن تحدّدت مصادر هذا الحديث في هذه الرزيّة من كتب الصحاح و السنن الموثوقة من الدرجة الأولى لأهل السنّة-٢ نعرض فيما يأتي عدداً من الأبحاث حول مفاد ما تقدّم:

  • البحث الأوّل: يستفاد من هذه الأحاديث و الروايات أنّ هذه الواقعة لم تكن مفاجئة، حيث ينكر القوم ابتداءً تخطيط الرسول الأعظم للكتابة،

    1. «الطبقات الكبرى» ج ٢، ص ٢٤٢، طبعة بيروت، سنة ۱٣۷٦ هـ: ذكر الكتاب الذي أراد رسول الله صلى الله عليه و آله أن يكتبه لُامّته في مرضه الذي مات فيه.
    2. أورد المرحوم آية الله السيّد محسن الأمين العامليّ رحمه الله في كتاب «أعيان الشيعة» ج ٢، ص ٢٢٦ إلى ٢٣٢، الطبعة الثانية، من المطالب التي ذكرها الشيخ المفيد في «الإرشاد» و التي نقلناها هنا و كذلك روايات العامّة عن البخاريّ، و مسلم. و ذكر السيّد ابن طاووس كثيراً من هذه الروايات في طرائفه، طبعة مطبعة الخيّام بقم، ص ٤٣۱ إلى ٤٣٥ تحت عنوان: منع عمر النبيّ صلى الله عليه و آله عند وفاته أن يكتب كتاباً لا يضلّ بعده أبداً، عن محمّد بن عليّ المازندرانيّ في كتاب «أسباب نزول القرآن»، و عن الحميديّ في «الجمع بين الصحيحين»، و عن مسند أحمد بن حنبل، و صحيح مسلم، و صحيح البخاريّ. و عرض بحثاً كلاميّاً دقيقاً. خاطب عمر و حاكمه و عاتبه في مواطن كثيرة منتحلًا اسم عبد المحمود. فأدان عمر إدانة قاطعة و حمّله آثام الامّة كلّها، و ألقى على عاتقه جميع أسباب الخلافات، و نشوب الحروب و المذابح و النهب و السلب، و ضلال الامّة بعد رسول الله. و عدّه السبب الوحيد للانحراف.

معرفة الإمام ج۱۳

113
  • بل تدلّ القرائن المشهودة على أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله كان يعلم بتآمرهم على حكومة عليّ عليه السلام، لذلك أنفذ جيش اسامة. و كان قد أدرك جيّداً الخطط المدبّرة من خلال الأخبار المبثوثة داخل بيته من قبل حزب النساء المعارضات، و كذلك من خلال الأخبار التي تناهت إلى سمعه من خارج البيت و دارت حول تأخير جيش اسامة و تخلّف أبي بكر، و عمر عن اللحاق به، فلهذا طلب الدواة و الكتف في مثل هذا الظرف على أساس تلك الشواهد و المشهودات.

  • و لم يجتمع عمر و شر ذمته في ذلك المجلس صدفة و بغتة، بل كانوا يجتمعون مراراً في مجالس سابقة و يخطّطون لغصب ولاية المسلمين و إمارتهم. و كان اجتماعه الأخير مع زمرته و أترابه مخطَّطاً له من قبل. و كيف يمكن أن نتصوّر أنّ حضور عمر مع جميع أعوانه -الذين كان عددهم من الكثرة بحيث أوجدوا جبهتين في مجلس الرسول الأكرم و صاحوا و قالوا: حَسْبُنَا كِتَابُ اللهِ، و بلغ الذمر أنّهم تميّزوا عن الصحابة المؤمنين المطيعين الذين كانوا في حجرة نبيّهم، و زاد لَغَطُهم حتى غلبوهم- كان صدفة، و قد تحقّق بصورة تلقائيّة اعتياديّة! كيف يتسنّى لنا تصوّر ذلك في مجلس زعيم الحاضرين و متكلّمهم فيه عمر الذي حاكاه رفقاؤه في كلامه فاعترضوا على كلام رسول الله؟۱

    1. يُستشفّ من أخبار العامّة و أحاديثهم أنّ لعمر صحابة و أتباع و عصابة كما كان لرسول الله صحابة و أتباع. روى العلّامة شرف الدين في «النصّ و الاجتهاد» ص ۱۷۷، الطبعة الثانية، عن «سنن أبي داود» المثبّتة في هامش شرح الزرقانيّ على موطّأ مالك، و كذلك في ص ۱۰٣ من الجزء الثاني لشرح الزرقانيّ الموجود في هامش الصفحة، في باب حجّ التمتّع و كراهة عمر التمتّع بالنساء وسط العمرة إلى الحجّ، قال: وَ هذا ما كَرِهَهُ عُمَر و بعضُ أتباعِهِ فقال قائلهم: أ نَنطلقُ و ذكورنا تقطر؟ من جهة اخرى، لمّا سأل أبو موسى الأشعريّ عمر عن هذه المسألة -وفقاً لرواية الإمام أحمد في ص ٥۰ من الجزء الأوّل لمسنده من حديث عمر- قال له عمر مجيباً: قد علمتُ أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قد فعله هو و أصحابه و لكن كرهت أن يضلّوا بها معرّسين في الأراك ثمّ يروحون بالحجّ تقطر رؤوسهم! و نجد هنا بكلّ وضوح أنّ عمر و أصحابه في جانب، و رسول الله و صحابته في جانب آخر. فافهم و تأمّل و اغتنم.

معرفة الإمام ج۱۳

114
  • رأينا في الحديث الأوّل الذي نقله البخاريّ أنّ ابن عبّاس يقول: اختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول: قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمُ النَّبِيّ كِتَاباً لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ. و منهم من يقول ما قاله عمر. أي: أنّ رسول الله يهجر. و يتبيّن هنا أنّ عمر كان إمام المعترضين و زعيمهم، و أوّل من نطق بهجر رسول الله.

  • البحث الثاني: لا شكّ و لا شبهة أنّ الجملة التي تفوّه بها عمر هي قوله: إنَّ رَسُولَ اللهِ يَهْجُرُ. بَيدَ أنّ أصحاب السنن و الأخبار لمّا رأوا أنّ كلمته مستهجنة جدّاً، أرادوا أن يخفّفوا من استهجانها، و يدافعوا عن أدب عمر فاستبدلوا بها كلمتهم: إنَّ النَّبِيّ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الوَجَعُ.

  • نسبة عمر الهجر إلى رسول الله صلى الله عليه و آله‌

  • و الدليل على كلامنا رواية ذكرها ابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة» بتخريج أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ في كتاب «السقيفة» بإسناده إلى ابن عبّاس أنّه قال: لَمَّا حَضَرَتْ رَسُولُ اللهِ الوَفَاةُ وَ في البَيْتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ: إئْتُونِي بِدَوَاةٍ وَ صَحِيفَةٍ أكْتُبْ لَكُمْ كِتَاباً لَا تَضِلُّونَ بَعْدَهُ‌ (قَالَ): فَقَالَ عُمَرُ كَلِمَةً مَعْنَاهَا أنَّ الوَجَعَ قَدْ غَلَبَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، ثُمَّ قَالَ: عِنْدَنَا القُرْآنُ، حَسْبُنَا كِتَابُ اللهِ.

  • فَاخْتَلَفَ مَنْ في البَيْتِ وَ اخْتَصَمُوا فَمِنْ قَائِلٍ: قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمُ النَّبِيّ، وَ مِنْ قَائِلٍ: مَا قَالَ عُمَرُ. فَلَمَّا أكْثَرُوا اللَّغَطَ وَ اللَّغْوَ وَ الإخْتِلَافِ‌

معرفة الإمام ج۱۳

115
  • غَضِبَ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ: قُومُوا! إنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيّ أنْ يُخْتَلَفَ عِنْدَهُ هَكَذَا. فَقَامُوا، فَمَاتَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ في ذَلِكَ اليَوْمِ.

  • فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إنَّ الرَّزِيَّةَ مَا حَالَ بَيْنَنَا وَ بَيْنَ كِتَابِ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، يَعْنِي الاخْتِلَافَ وَ اللَّغَطَ.

  • يقول ابن أبي الحديد: هذا الحديث قد خرّجه الشيخان: محمّد بن إسماعيل البخاريّ، و مسلم بن الحجّاج القُشَيْريّ في صحيحيهما. و اتّفق كافّة المحدّثين على روايته.۱

  • و نكتفي هنا بذكر النكتة الآتية التي تمثّل الدليل على ما نقول:

  • يقول هنا: قال عمر كلمة معناها أنّ الوجع قد غلب على رسول الله. و هذا صريح أنّ كلمة عمر كانت شيئاً آخراً. و لمّا لم يرغب القوم في ذكر كلمته نصّاً، استبدلوا بها مفادها و معناها. و تلك الكلمة هي الهَجْر.٢

  • و دليلنا الآخر هو عقد مقارنة بين الروايات المذكورة، إذ لو وضعناها جنباً إلى جنب و وازنّا بينها، لتبيّن لنا بلا مراء أنّ كلمة عمر كانت قوله: إنَ‌ النَّبِيّ يَهْجُرُ.

  • إنّ البخاريّ الذي ذكر في الصحيحتين الأولى و الثانية اسم المعترض بصراحة -و هو عمر- قال: كانت كلمته: قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الوَجَعُ، بَيدَ أنّه لم يصرّح باسمه في صحيحته الثالثة، و كذلك لم يفعل مسلم في صحيحته، بل قالا بنحو عامّ: قَالُوا، و أوردا كلمة عمر نفسها: يَهْجُر. فَقَالُوا: هَجَرَ رَسُولُ اللهِ. فَقَالُوا: إنَّ رَسُولَ اللهِ لَيَهْجُرُ.٣ و قال ابن سعد في طبقاته في‌

    1. «شرح نهج البلاغة» ج ٢، ص ٢۰، طبعة دار الكتب العربيّة الكبرى.
    2. هَجَرَ يَهْجُرُ هَجْراً في نَوْمِهِ أوْ مَرَضِهِ: خَلَطَ وَ هَذَي.
    3. حتى البخاريّ الذي نقلنا عنه الرواية الأولى عن كتاب الطبّ، في باب قول المريض: قوموا عنّي و ذكر فيها هذا اللفظ: فقال عمر، نجد قد أورد هذه الرواية عينها بنفس اللفظ و السند في كتاب النبيّ، باب مرضه، طبعة بولاق، ج ٦، ص ٩ و ۱۰، و قال: قال بعضهم. و ذكر عبارة: و منهم من يقول غير ذلك مكان عبارة: و من قائل ما قال عمر.

معرفة الإمام ج۱۳

116
  • الرواية التي نقلناها عن سعيد بن جُبَيْر: فَقَالَ بَعْضُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ: إنَّ نَبِيّ اللهِ لَيَهْجُرُ. و هنا لمّا لم يتعيّن قائل كلمة: يَهْجُرُ بنفسه، و ذُكر بلفظ: قَالُوا، أو: قَالَ بَعْضُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ، فإنّ الإتيان بكلمة هَجَرَ و يَهْجُرُ لم تُسْتَهْجَنْ بل ذُكرت كما هي.

  • و لكنّنا عند ما نوازن بين هذه الروايات، يستبين لنا جيّداً أنّ قائل كلمة يَهْجُرُ في قولهم: قَالُوا، أو: بَعْضُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ هو عمر نفسه، بَيْدَ أنّ هؤلاء المحرّفين و المبدّلين و حماة أريكة الاستبداد و الظلم استبدلوا بها في تلك الروايات كلمتهم: قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الوَجَعُ حماية لعمر و لشأنه.

  • تغيير لفظة الهجر من قبل أنصار عمر

  • و قد لاحظنا في إحدى روايات مسلم بن الحجّاج أنّه ذكر عمر بكلامه: أ هَجَرَ؟ اسْتَفْهِمُوهُ! و من الواضح أنّ لفظ عمر لا يحمل الاستفهام و الشكّ و قد قال ما قال جازماً، إذ تفوّه بكلمته: هَجَرَ. و إذا بعض المدافعين عنه قالوا: لعلّه قال: هَجَرَ على سبيل الاستفهام، و لا فرق بينهما في الكتابة. ثمّ جاء بعض آخر فأراد أن يثبّت هذا الاستفهام و يؤيّده، فوضع همزة الاستفهام في أوّل الكلمة و قال: أ هَجَرَ؟ ثمّ أضاف مدافعون آخرون جملة: اسْتَفْهِمُوهُ، لتثبيت كلمتهم: أ هَجَرَ؟

  • و نجد في الروايات كثيراً من هذه التصرّفات التي تتّضح للشخص الخبير مواضع التغيير و التحريف فيها. و قد استبان جيّداً من خلال بحثنا هذا، و من خلال عقد المقارنة بين روايات البخاريّ، و مسلم، و ابن سعد أنّ كلمة عمر كانت هَجَرَ و يَهْجُرُ، و لا ريب أنّ التغييرات الواردة في ألفاظ

معرفة الإمام ج۱۳

117
  • الروايات المختلفة نابعة من تدخّل الرواة و المحدِّثين و تحريفهم.

  • البحث الثالث: ما ذا كان يقصد رسول الله صلى الله عليه و آله من الكتابة؟ و ما هو الشي‌ء الذي أراد أن يكتبه فلا تضلّ امّته بعده أبداً؟

  • و يمكننا أن نستخرج الجواب ابتداءً من كلام عمر نفسه: عِنْدَكُمُ القُرْآنُ حَسْبُنَا كِتَابُ اللهِ و هو الوارد في صحيحة البخاريّ الأولى. و كذلك من كلامه الآخر: عِنْدَنَا كِتَابُ اللهِ حَسْبُنَا، و هو المأثور في صحيحته الثانية. أي: أنّنا نستطيع أن نفهم ما ذا أراد الرسول الأعظم أن يكتب عند ما طلب دواة و كتفاً، و ذلك من خلال كلام عمر نفسه، بلا رجوع إلى الأخبار و الشواهد التأريخيّة، و الروايات و القرائن الموجودة. و لمّا كان عمر في مقام الاعتراض على كتابة رسول الله. قال: حَسْبُنَا كتاب الله و كَفَانَا كتاب الله. و ينكشف لنا أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله كان يريد أن يلحق بالقرآن شيئاً آخراً، أو يجعله حجّة للمسلمين، بَيدَ أنّ عمر منع من إلحاقه بالقرآن أو إفراده بالحجّيّة و الولاية. و ليس هذا الشي‌ء إلّا العترة الطاهرة المتمثّلة بأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب و أبنائه المعصومين.

  • و ذلك هو ما جاءت به الأحاديث المتواترة -بل التي فاقت حدّ التواتر- و هي التي ذكرها الشيعة و العامّة في كتبهم بمئات الأسانيد، و فيها أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله خطب في مواطن عديدة، منها في مرضه الذي مات فيه، حيث ذهب إلى المسجد، فقال: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي‌. و نحن قد ذكرنا في بحثنا هذا خطبة رسول الله -حين مرضه- في المسجد حول حجّيّة القرآن و العترة و خلافتهما باللفظ المذكور نقلًا عن الشيخ المفيد في «الإرشاد»،۱ و ابن سعد

    1. «الإرشاد» ص ٩۷، الطبعة الحجريّة.

معرفة الإمام ج۱۳

118
  • في «الطبقات الكبرى».۱

  • قصد رسول الله من الكتابة الوصيّة لعليّ‌

  • و لكنّ القوم لمّا حالوا دون تطبيق تلك الخطب الشفويّة عمليّاً، و حاولوا معارضة ذلك و طمسه، و كان رسول الله يعرف هذا الموضوع، لذلك أراد أن يثبّته و يعزّزه خطّيّاً و هو على فراش المرض، و في يوم الخميس الذي سمّاه ابن عبّاس يوم الرزيّة، أثار عمر الخلاف بجلبته و ضجيجه و لغطه و صياحه و لغوه فجرح مشاعر رسول الله، حتى أعرض صلى الله عليه و آله بوجهه الكريم عنهم و قال لهم: قوموا!

  • فلهذا لمّا قالوا: نأتيك بالدواة و الكتف! قال: أ بَعْدَ الذي قُلْتُمْ؟ لَا، وَ لَكِنِّي اوصِيكُمْ بِأهْلِ بَيْتِي خَيْراً. و يتبيّن أنّ موضوع كتابته هم أهل البيت، بَيدَ أنّه لمّا تعذّرت عليه الوصيّة الخطّيّة، اجتزأ بالوصيّة الشفويّة.

  • و نقرأ في رواية البخاريّ الثالثة و رواية مسلم الأولى اللتين ذكرناهما هنا أنّ رسول الله يوصي بثلاث. و الراوي هو سعيد بن جبير عن ابن عبّاس. قال: وَ سَكَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ أوْ انسِيتُهَا. سكت ابن عبّاس عن الثالثة، أو قال: و أنا سعيد بن جبير راوي هذا الحديث قد نسيتها. و الواضح هو أنّ‌

    1. «الطبقات» ج ٢، ص ۱٩٤، طبعة بيروت؛ و هذا الجزء نفسه، الدرس ۱۸۱ إلى ۱۸٥. و من الأدلّة الفاضحة الواضحة اعتراف الشهرستانيّ و كلامه أنّ القائل كان عمر. قال العلّامة الحلّيّ في كتاب «منهاج الكرامة» ص ٤۸ و ٤٩، طبعة عبد الرحيم: و قد ذكر الشهرستانيّ و هو أشدّ المتعصّبين على الإماميّة: أنّ منشأ الفساد بعد إبليس الاختلافات الواقعة في مرض النبيّ صلى الله عليه و آله: فأوّل تنازع في مرضه فيما رواه البخاريّ بإسناده إلى ابن عبّاس قال: لمّا اشتدّ بالنبيّ صلى الله عليه و آله مرضه الذي توفّي فيه، قال: إئتوني بدواة و قرطاس أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعدي! فقال عمر: إنّ صاحبكم ليهجر حسبنا كتاب الله! و كثر اللَّغَط. فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: قوموا عنّي لا ينبغي عندي التنازع!

معرفة الإمام ج۱۳

119
  • تلك الوصيّة هي الأمر بالتمسّك بالعترة، و حجّيّة إمارة و ولاية أمير المؤمنين و ذرّيّته حتى الإمام الثاني عشر عليهم السلام، و هو ما جاء في حديث الثَّقَلَين. و لا جرم أنّ ابن عبّاس لم يسكت، و ابن جبير لم يَنْسَ، و إنّما هي ظُلمة عصر السياسة و الاستبداد التي انتهت بسيف الحجّاج بن يوسف الثَّقَفيّ أنست سعيد بن جبير و منعته من ذكرها.۱

  • و أمّا الاحتمال القائل إنّ الوصيّة الثالثة هي الوصيّة بجيش اسامة، فليس له محلٌّ من الإعراب هنا، و هو ما ذكره محمّد فؤاد عبد الباقي في تعليقه على صحيح مسلم نقلًا عن المهلّب. و هذا ليس بِذِي بالٍ فيُسكت ابن عبّاس أو يُنسي ابن جبير.

  • إنّ الدليل الواضح على أنّ المراد من كتابة رسول الله صلى الله عليه و آله الوصيّة بخلافة أمير المؤمنين عليه السلام هو ما قاله عمر نفسه: إنّي كنتُ أعلم أنّ رسول الله أراد أن يوصي في مرضه لعليّ بن أبي طالب فخالفته و صددته.٢

  • ذكر ابن أبي الحديد سفر ابن عبّاس مع عمر إلى الشام، و نقل أنّ عمر أخبره في الطريق بعتابه لأمير المؤمنين عليه السلام لعدم اصطحابه في‌

    1. هل يعقل أنّ الصحابة الحاضرين في المجلس ينسون وصيّة رسول الله و هم الذين نُقل عنهم جودة حفظهم و قدرة أذهانهم، إذ كانت تُقرأ عليهم القصائد الطويلة مرّة واحدة فيحفظونها، و تُتلى عليهم الخطب البديعة المفصّلة فيحفظونها بلا أدنى تغيير؟ فهل يخال المرء أنّ مثل هؤلاء الرجال ينسون الوصيّة النبويّة الثالثة؟! لا، ليس الأمر كذلك، و لكنّ السياسة الحاكمة الجائرة أرغمتهم على النسيان و عدم الذكر، و ذلك ما أصبح العوبة بِيَدِ اللاعبين و موضعاً لسخرية اولئك الصحابة الجهلاء حقّاً. و لا يخامرنا أدنى شكّ في أنّ تلك الوصيّة هي الوصيّة باستخلاف أمير المؤمنين عليه السلام، و قد ذكرها الراوي.
    2. «صحيح مسلم» ج ٣، ص ۱٢٥۸، طبعة دار إحياء التراث، التعليقة رقم ٤.

معرفة الإمام ج۱۳

120
  • سفره إلى الشام، و هو يراه واجداً عليه. و بلغ كلامه موضعاً قال فيه: ذُكر جواب عمر لابن عبّاس بطريق آخر و هو قوله: إنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أرَادَ أنْ يَذْكُرَهُ لِلأمْرِ في مَرَضِهِ فَصَدَدْتُهُ عَنْهُ خَوْفاً مِنَ الفِتْنَةِ وَ انْتِشَارِ أمْرِ الإسْلَامِ، فَعَلِمَ مَا في نَفْسِي وَ أمْسَكَ، وَ أبى اللهُ إلَّا إمْضَاءَ مَا حَتَمَ.۱

  • و قد ذكرنا تفصيل هذا السفر في الجزء السابع من كتابنا هذا «معرفة الإمام». و تحدّثنا أيضاً في بعض المواضع عن منع عمر رسول الله من الكتابة.٢ و لكنّ حديثنا كان في كلّ موضع حسب مناسبته الخاصّة، و ورد هنا لمناسبة الأمر بالكتابة و حديث الثقلين. لذلك فمضافاً إلى أنّ مطالباً بديعة و واضحة قد مرّت في كلّ موضع، فهذا الموضع أيضاً قد فصّلنا فيه إجمالًا، بَيدَ أنّه ليس فيه تكرار أبداً، بل إنّ المطالب فيه جديدة أيضاً.

  • قبول القرآن دون قبول كلام الرسول خطأ فادح‌

  • البحث الرابع: لو تغاضينا عن الوصاية لأمير المؤمنين عليه السلام، فإنّ كلام عمر: حَسْبُنَا كِتَابُ اللهِ، وَ عِنْدَكُمُ القُرْآنُ خطأ في حدّ نفسه سواء أوصى النبيّ لأمير المؤمنين بالخلافة أم لم يُوصِ، ذلك أنّ لكلام‌

    1. «شرح نهج البلاغة» ج ٣، ص ۱٤، سطر ٢۷ و ٢۸، طبعة دار إحياء الكتب العربيّة الكبرى. و ذكر العلّامة البحرانيّ في «غاية المرام» ص ٥٩٥ إلى ٦٢۰، سبعة عشر حديثاً عن طريق العامّة، منها ثمانية عن ابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة»، و سبعة عن صاحب كتاب «سير الصحابة»، كما ذكر حديثين عن طريق الخاصّة: أحدهما: مفصّل جدّاً عن كتاب سُليم بن قيس الهلاليّ، و الآخر عن مؤلّف كتاب «الصراط المستقيم». و كلّها تدور حول تجرّؤ عمر بن الخطّاب علي رسول الله، إذ كان يعلم أنّ النبيّ أراد أن يكتب نصّاً علي ولاية عليّ عليه السلام في مرضه الذي مات فيه.
    2. كما في الدرس ۱٤، الجزء الأوّل من كتابنا هذا «معرفة الإمام» الدرس ٩۱ إلى ٩٣ من الجزء السابع منه. و الدرس ۱۱۰ إلى ۱۱٥ من الجزء الثامن منه.

معرفة الإمام ج۱۳

121
  • رسول الله حُجّيّة في كلّ موضوع حسب ما نصّ عليه القرآن الكريم. قال تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ.۱ و قال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ.٢ و قال: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ.٣ و قال: وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا.٤ و قال: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ، ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ، مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ، وَ ما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ.٥

  • في ضوء هذه الآيات القرآنيّة و آيات كثيرة غيرها، تكون طاعة الرسول واجبة كطاعة الله المتمثّلة في كتاب الله. و أنّ فرز حُجّيّة القرآن عن حُجّيّة كلام الرسول جمع بين المتناقضين.٦

  • مضافاً إلى ذلك أنّ القرآن نفسه يثبت وجوب قبول قول النبيّ. و أنّ العمل بالكتاب دون طاعة الرسول نقض للعمل بالكتاب. إذن كان عمر أوّل مَن رفض السُّنَّة، أي: أوّل من تجاهل و أهمل قول رسول الله. بل هو لم يعمل حتى بقوله: حَسْبُنَا كِتَابُ اللهِ، فهو قد رفض الكتاب و السنّة معاً

    1. الآية ۸۰، من السورة ٤: النساء.
    2. الآية ٥٩، من السورة ٤: النساء.
    3. الآية ٦٤، من السورة ٤: النساء.
    4. الآية ۷، من السورة ٥٩: الحشر.
    5. الآيات ۱٩ إلى ٢٢، من السورة ۸۱: التكوير.
    6. ألّف أحمد أمين المصريّ كتاباً في اخريات حياته تراجع فيه عن كثير من التهم التي كان قد لصقها بالشيعة في كتابَيْه: «فجر الإسلام»، و «ضحى الإسلام»، و كتابه المذكور في الحقيقة كتاب توبة و إن لم يصرّح فيه بالتوبة و الاعتذار. قال في ص ۱٢ منه: وَ أمّا السُّنَّة فهي أهمّ مصدر بعد القرآن، و قد تجرّأ قوم فأنكروها و اكتفوا بالعمل بالقرآن وحده. و هذا خطأ. ففي السُّنَّة تفسير كثير من النبيّ صلى الله عليه و آله في القرآن. ثمّ يشرح أحمد أمين هذا الموضوع بشكل مفصّل نسبيّاً.

معرفة الإمام ج۱۳

122
  • و نبذهما جانباً. أمّا الشيعة فقد عملوا بالكتاب و السنّة كليهما. فهم السنّة الحقيقيّون حقّاً. أمّا السُّنَّة فلا كتاب لهم و لا سنّة، إذ رفضوا السنّة، و من ثمّ رفضوا الكتاب، مع ذلك فإنّهم وضعوا لهم اسماً بلا مسمّى و لا محتوى، أي: أهل السنّة و التابعين كلام رسول الله، و سمّوا الشيعة رافضةً، في حين هم الرافضة أنفسهم، و الشيعة هم السنّة الحقيقيّون. و هذه مكيدة من مكائدهم إذ يرون أنفسهم محقّين من خلال اسم و نسبة غير صحيحة، و يرون الشيعة مبطلين بلا دليل مقنع.

  • البحث الخامس: هل توافق القرآن نسبةُ الهجر و الهذيان إلى رسول الله، أو قولُ: قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الوَجَعُ، و رفع الصوت عالياً عند رسول الله، و نبذ رأيه و تقديم آرائهم مهما كان المنطلق و النيّة؟ فالقرآن الكريم يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ.۱ لا تُبدوا آراءكم في العمل و الإرادة، و لا تقدّموا آراءكم و عقائدكم بل اتّبعوهما دائماً و اقتفوا أحكامهما!

  • و يقول أيضاً: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ‌٢

  • و يقول بعدها: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى‌ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ عَظِيمٌ.٣

    1. الآية ۱، من السورة ٤٩: الحجرات.
    2. الآية ٢، من السورة ٤٩: الحجرات.
    3. الآية ٣، من السورة ٤٩: الحجرات.
      و من العجيب حقّاً أنّ هذه الآيات نزلت في أبي بكر و عمر لمّا تصايحا و تنازعا عند رسول الله. قال السيّد شرف الدين العامليّ في كتاب «النصّ و الاجتهاد» ص ۱٩٦ و ۱٩۷، الطبعة الثانية: و كان سبب نزولها أن قدم على رسول الله صلى الله عليه و آله ركب من بني تميم يسألونه أن يؤمّر عليهم رجلًا منهم، فقال أبو بكر -فيما أخرجه البخاريّ في تفسير الحجرات من الجزء الثالث من صحيحه ص ۱٢۷-: يا رسول الله! أمّر عليهم القعقاع بن معبد! متقدِّماً بقوله هذا و مبادراً برأيه. فقال عمر على الفور من قول صاحبه: بل أمّر الأقرع بن حابس أخا بني مجاشع يا رسول الله! فقال أبو بكر: ما أردتَ إلّا خلافي يا عمر. و تماريا جدالًا و خصومةً، و ارتفعت أصواتهما في ذلك. فأنزل الله تعالى هذه الآيات الحكيمة بسبب تسرّعهما في الرأي، و تقدّمهما فيه بين يدي رسول الله و رفع أصواتهما فوق صوته صلى الله عليه و آله.
      ثمّ فسّر السيّد شرف الدين الآية: لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ كالآتي: نهى عن القول المشعر بأنّ لهم مدخلًا في الامور أو وزناً عند الله و رسوله، لأنّ من رفع صوته فوق صوت غيره، فقد جعل لنفسه اعتباراً خاصّاً، و صلاحيّة خاصّة، و هذا ممّا لا يجوز و لا يحسن من أحد عند رسول الله صلى الله عليه و آله.

معرفة الإمام ج۱۳

123
  • و حينئذٍ ما هو التناسب بين رفع الصوت و الجَلَبة و اللَّغَط لطمس إمامة عليّ المعصوم و آله الطاهرين. و بين موازين القرآن؟ و أيّ صوت و جلبة و لَغَط؟ إنّه الصوت و الجلبة و اللَّغَط الذي آذى رسول الله!

  • البحث السادس: كان عمر يعلم أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله هو الاسوة الوحيدة للحقّ و الحقيقة و إقصاء الباطل: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ وَ ذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً.۱

  • و كان يعلم أنّ كلّ دعوة لرسول الله صلى الله عليه و آله هي دعوة إلى الحياة الحقيقيّة: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ.٢

    1. الآية ٢۱، من السورة ٣٣: الأحزاب.
    2. الآية ٢٤، من السورة ۸: الأنفال.

معرفة الإمام ج۱۳

124
  • و كان يعلم أنّ مصير مَن يخالف رسول الله صلى الله عليه و آله و يخاصمه جهنّم. قال تعالى: وَ مَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى‌ وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَ ساءَتْ مَصِيراً.۱

  • و كان يعلم قوله تعالى: وَ النَّجْمِ إِذا هَوى‌ ، ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَ ما غَوى‌ ، وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى‌ ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى‌ ، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى‌.٢

  • و كان يعلم أنّ قول رسول الله ليس قولًا شعريّاً خياليّاً لفّقه من عنده. إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ، وَ ما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ ، وَ لا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ ، تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ.٣

  • كان عمر يعلم ذلك كلّه جيّداً، و هذه آيات كانت تتلى ليل نهار، لعلّ أطفال المدينة كانوا يعلمونها أيضاً. و لا يعقل مسلماً ينسب الهجر أو الكلام الصادر من شدّة الوجع و المحكي عبثاً و لغواً إلى نبيّه أبداً.

  • كان عمر يعرف ذلك بأسره، و أنّ ما نسبه من الهجر إلى رسول الله‌

    1. الآية ۱۱٥، من السورة ٤: النساء.
      و قال آية الله العلّامة السيّد شرف الدين العامليّ في خطبة كتاب «النصّ و الاجتهاد» هامش ص ٥۰، الطبعة الأولى ۱٣۷٥، بعد الاستشهاد بهذه الآية: أخرج ابن مردويه في تفسير الآية أنّ المراد بمشاققة الرسول هنا إنّما هي المشاققة في شأن عليّ‌ [بن أبي طالب‌]. و أنّ الهدى في قوله: بعد ما تبيّن له الهدى إنّما هو شأنه عليه السلام. و أخرج العيّاشيّ في تفسيره نحوه. و الصحاح متواترة من طريق العترة الطاهرة في أنّ سبيل المؤمنين إنّما هو سبيلهم عليهم السلام.
    2. الآيات ۱ إلى ٥، من السورة ٥٣: النجم.
    3. الآيات ٤۰ إلى ٤٣، من السورة ٦٩: الحاقّة.

معرفة الإمام ج۱۳

125
  • لم يقله صادقاً، إذ إنّه نفسه لم يعتقد أنّ النبيّ يهجر، بَيدَ أنّه تفوّه بذلك اللفظ البذي‌ء لإثارة اللَّغَط و الفتنة و الفوضى. و أراد هو و أعوانه أن يؤذي النبيّ من خلال افتعال ذلك الموقف الشائن، و من ثمّ يحول دون تحقيق هدف النبيّ، و قد بلغ ما أراد.

  • فلهذا عند ما قال صلى الله عليه و آله: قُومُوا، قاموا قاطبة و ذهبوا و لم يقل أحد منهم إنّ هذا الكلام (قوموا) هَجْر! و ما علينا إلّا الجلوس و عدم الذهاب!

  • و كان ينبغي أن تكتب رسالة النبيّ الأعظم في وصاية أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلّين في مثل ذلك المجلس الذي كان يضمّ عُلِّيَّة القوم و وجهاءهم من قريش، و بعبارة اخرى، أهل الحلّ و العقد منهم، لتكون حجّة عليهم، و إلّا كان صلى الله عليه و آله قادراً على أن يكتب ذلك في الخفاء أو بمحضر بعض الصحابة من أولى النُّهَى و البصائر، لكنّهم كانوا سينكرونها، إذ لن يقولوا: هذا ليس إملاء النبيّ و ختمه، بل يقولون: كتب ذلك من وحي الهجر و غلبة المرض. إنّهم بتكتّلهم تقوّلوا على النبيّ الهجر و هو حيّ بين ظهرانيهم، فكيف إذا غاب عنهم؟ أ لا يفعلون في غيابه كما فعلوا في حياته؟

  • و ما فتئ صلى الله عليه و آله يدعو إلى وصاية عليّ عليه السلام و خلافته طول عصر نبوّته ابتداءً من اليوم الأوّل لدعوته العامّة في دار أبي طالب، إذ أنذر عشيرته الأقربين، حتى اللحظات الأخيرة من حياته المقدّسة. بَيدَ أنّه امر بالتوقّف عند غدير خُمّ لإعلان ذلك رسميّاً، فأوقف الركب كلّه و ألقى خطبته الغرّاء الشاملة الكاملة في الحاضرين.

  • لكنّه لمّا أحسّ أنّ زاعمي الخلافة و أترابهم لم يهتمّوا بتلك الخطبة، و أنّ روح النبوّة في خطر بسبب عزل عليّ عليه السلام، عزم على تدوين ما

معرفة الإمام ج۱۳

126
  • قاله شفويّاً و رأى ذلك لزاماً عليه، فبادر إلى الكتابة و ختمها بختم النبوّة.

  • تواطؤ عمر و أبي بكر للحؤول دون خلافة عليّ عليه السلام‌

  • و كان عمر يتحدّث يوماً في أيّام خلافته مع ابن عبّاس. و دار حديثه حول عليّ بن أبي طالب، و أقرّ في حديثه بأنّ أحداً لا يليق بالخلافة بعد رسول الله غيره، و ذكر بأنّ سبب إقصائه هو حداثة سنّه و حبّه بني عبد المطّلب،۱ و قال بصراحة: كان أبو بكر منذ اليوم الأوّل كارهاً خلافة عليّ.٢

  • من هذا المنطلق نجد أنّ عمر و أبا بكر كانا مترافقين متعاونين دائماً سواء في حياة رسول الله أو بعد مماته. و قد تاخيا معاً في المؤاخاة التي عقدها رسول الله. و كلاهما تخلّف عن جيش اسامة قبيل رحيل رسول الله، و تباطا و فترا و أتيا بالمعاذير الواهية، إلى أن قُبِض رسول الله فأسرعا إلى السقيفة عاجلًا، وَ كَانَا يَتَسَابَقَانِ على حدّ تعبير ابن أبي الحديد.

  • و على هذا الأساس قال عمر بمحضر رسول الله في مجلس الرزيّة المعهود: إذا مات النبيّ، فنحن ننتظره حتى يرجع فيفتح حواضر الروم، كأصحاب موسى الذين انتظروه و رجع إليهم. و كان كلام عمر هذا من أجل أن يقول حين وفاة النبيّ أنّه لم يمت. و قد فعل ذلك، و شهر سيفه، و جاب أزقّة المدينة و هو يقول: ما مات رسول الله و مَن قال إنّه مات ضربت عنقه بسيفي هذا. لما ذا كان ذلك؟ كان ذلك لأنّ أبا بكر لم يكن حاضراً في المدينة وقتئذٍ، إذ كان ذهب إلى زوجته في السُّنْح على فرسخ من المدينة.

    1. «شرح نهج البلاغة» لابن أبي الحديد، ج ٢، ص ٥۷ ضمن الخطبة ٢٦، طبعة دار الإحياء، إذ قال عمر لابن عبّاس: خشيناه علي حداثة سنّه و حبّه بني عبد المطّلب.
    2. «شرح نهج البلاغة» ج ٢، ص ٥۸ ضمن الخطبة ٢٦، طبعة دار الإحياء، إذ قال عمر لابن عبّاس: يا بن عبّاس! إنّ أوّل من ريّثكم عن هذا الأمر أبو بكر! إنّ قومكم كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة و النبوّة.

معرفة الإمام ج۱۳

127
  • و ما كان يتمّ أمر الخلافة بدون قدوم أبي بكر، و كان قلقاً من انثيال الناس على أمير المؤمنين فور سماعهم خبر وفاة النبيّ، إذ يبادر المهاجرون و الأنصار إلى بيت رسول الله الذي كان فيه أمير المؤمنين فيبايعونه، و حينئذٍ تبطل خططهم و يُنْقَضُ نسجهم و تذهب جهودهم كلّها أدراج الرياح. فلهذا سلّ سيفه و نادى إنّ رسول الله لم يمت، حتى تزبّد شدقاه، و أراد من ذلك أن يُبقي الناس على ما هم عليه ريثما يعود أبو بكر من السنح.

  • و ما إن قال أبو بكر: مات النبيّ‌ وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ‌ إلى آخر الآية، قال عمر هذا صحيح، مات رسول الله. و كلاهما لم يأت دار رسول الله، و لم يشهدا جنازته، و لم يصلّيا عليه. بل توجّها إلى سقيفة بني ساعدة، و نصب عمر صاحبه أبا بكر خليفة للمسلمين بمكيدة و كلمات سجّلها التأريخ.

  • و من الجلاء بمكان أنّ هذا الطريق هو طريق الضلال و الغي، و لو تعبّدوا بنصّ رسول الله، و استجابوا لأمره في الكتابة لأمِنُوا مِنَ الضَّلَالِ، و رتعوا في وادي الأمن و الأمان الخصب، و كانوا على الصراط المستقيم السويّ، لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال: لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أبَداً.۱ لكنّهم‌

    1. على الرغم من أنّ عمر كان يعلم و يدرك أنّ عليّاً أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و آله، لكنّه بادر إلى غصب الخلافة منه. روى المرحوم السيّد ابن طاووس في طرائفه، طبعة مطبعة الخيّام بقم، ص ۱٣٣ عن الفقيه الشافعيّ ابن المغازليّ في مناقبه بإسناده إلى نافع غلام ابن عمر قال: قلتُ لابن عمر -و نحن نعلم أنّ رأى ابن عمر كرأي عمر في مثل هذه المسائل- مَن خيرُ الناسِ بعد رسول الله صلى الله عليه و آله؟ قال ابن عمر: ما أنت و ذاك لا امّ لك؟ ثمّ قال: أستغفر الله، خيرهم بعده من كان يحلّ له ما يحلّ له، و يحرم عليه ما يحرم عليه. قلتُ: من هو؟! قال: عليّ بن أبي طالب عليه السلام. سدّ أبواب المسجد و ترك باب عليّ و قال له: لك في هذا المسجد ما لي و عليك فيه ما عَلَيّ، و أنت وارثي و وصيّي تقضي دَيني و تنجز عداتي و تقتل على سنّتي، كذب من زعم أنّه يبغضك و يحبّني. و هذه الرواية موجودة في «مناقب ابن المغازليّ» ص ٢٦۱، و «بحار الأنوار» ج ٣٩، ص ٣٣، الطبعة الحديثة.

معرفة الإمام ج۱۳

128
  • غرقوا في الضلالة و أوّل درجتها نسبة الهجر و الهذيان إلى رسول الله.

  • القرآن وحده لا يكفي‌

  • وليتهم اكتفوا بعدم امتثال أمر رسول الله، و عدم جلب الدواة و الكتف، و لم يردّوا كلام رسول الله بقولهم: حَسْبُنَا كِتَابُ اللهِ. و كأنّ النبيّ لم يعرف منزلة كتاب الله بينهم! أو كانوا أعرف منه بخواصّ الكتاب و فوائده و آثاره و أرادوا أن ينبّهوه على هذه النقطة.

  • وليتهم اكتفوا بقوله: حَسْبُنَا كِتَابُ اللهِ، و لم يتفوّهوا بكلمتهم القبيحة: هَجَرَ رَسُولُ اللهِ بوجه ذلك النبيّ المبعوث رحمةً للعالمين و هو يُحْتَضَر. ما ذا قالوا في وداع النبيّ الأكرم و هو في اللحظات الأخيرة من حياته؟ لقد قاموا من المجلس تاركين له و هم يقولون: هَجَرَ رَسُولُ اللهِ!

  • وليتهم أدركوا أنّهم بحاجة ماسّة إلى كتابة رسول الله، و أنّ القرآن وحده لا يكفيهم، لأنّ القرآن هو الذي جعل كلام رسول الله حجّة، و ضمّ في طيّاته قوله: وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا.۱ وليتهم عرفوا أنّ النبيّ و الإمام هما روح القرآن، و أنّ كلامهما سند القرآن و أنّ القرآن بلا إمام كالقِربة بلا ماء.

  • وليتهم و آلاف ليتهم كانوا يفهمون، فلم يجرّوا أنفسهم و الامّة وراءهم إلى الضلال حتى يوم القيامة.

  • و نحن إذا نظرنا في كلام رسول الله صلى الله عليه و آله: إئْتُونِي أكْتُبْ لَكُمْ كِتَاباً لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ. و كلامه الآخر في حديث الثقلين: إنِّي تَارِكٌ‌

    1. الآية ۷، من السورة ٥٩: الحشر.

معرفة الإمام ج۱۳

129
  • فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي! و وازنّا بينهما، نجدهما ذوَي مفاد واحد، و هو ضمان عدم الضلالة الأبديّة على نهج واحد. فوجودهما معاً (الكتاب و العترة) لازم و ضروريّ. و لا شكّ أنّ ما أراد أن يكتبه رسول الله هو: «عَلَيْكُم بِعَلِيّ بن أبي طالب و وُلْده المعصومين من بعدي إماماً و خليفةً» و أمثال هذه العبارات. و هذه الكتابة في الحقيقة تفصيل إجمال حديث الثَّقَلين، إذ أراد رسول الله أن يعيّن الثقل الآخر باسمه و سِمَته خطّيّاً.۱

  • سبب إعراض النبيّ عن كتابة الكتاب بعد نسبة الهجر إليه‌

  • البحث السابع: سبب عدم كتابة رسول الله صلى الله عليه و آله في وقت كان عمر و مرافقوه لم يقوموا بعد و لم يذهبوا، إذ طلب بعض الحاضرين من النبيّ أن يأتيه بما أراد، فقال: لا! بعد الذي قلتم.

  • لعلّ شخصاً يقول هنا: ما ضرّ لو أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله كتب ما أراده بعد انصرافهم، و أودعه أمير المؤمنين أو عمّه العبّاس ليكون حجّة قاطعة على الجميع، بخاصّة في مثل هذا الموضوع الخطير الذي يكفل سعادة الامّة و ينقذها من الضلال؟

  • و جوابه أنّ الظروف كانت بنحو لو أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله كتب فيها ما أراد، لرفع الحزب المعارض عقيرته قائلًا: لقد كتب‌

    1. قال ابن حجر في «الصواعق المحرقة» أواخر الفصل الثاني من الباب التاسع، ص ۷٥: قال رسول الله صلى الله عليه و آله في حجرته المباركة في مرضه و الحجرة غاصّة بأصحابه: أيُّهَا النَّاسُ! يُوشك أن اقبضَ قبضاً سريعاً فَيُنْطَلق بي، و قد قدّمتُ إليكم القولَ معذرة إليكم، ألا إنّي مُخلِّفٌ فيكم كتابَ ربّي عزّ و جلّ و عترتي أهل بيتي. ثمّ أخذ بِيَدِ عليّ فرفعها فقال: هذا عليّ مع القرآن، و القرآن مع عليّ لا يفترقان حتى يَرِدَا عَلَيّ الحوضَ (الحديث). و نقله السيّد شرف الدين رحمه الله أيضاً في مراجعاته ص ۱٥ و ۱٦، الطبعة الأولى، عن «الصواعق».

معرفة الإمام ج۱۳

130
  • رسول الله هذه الورقة من وحي الهجر و خبط الدماغ و العياذ بالله من ذلك، و حينئذٍ تفقد جميع كلماته التي تفوّه بها في مرضه حُجّيّتها. و تدلّ القرائن و الشواهد على أنّ القوم بلغوا هذه المرحلة من انتهاك الحُرمة. و أنّ مَن نسب إلى رسول الله الهجر و الهذيان بمحضر الصحابة و النساء اللائي كُنَّ خلف الستار و رسول الله حيّ، يسهل عليه الإنكار و القذف بالهجر أيضاً، كما نسب أبو بكر الكذب إلى الصِّديقة الكبرى فاطمة الزهراء سلام الله عليها التي امتلأت مجاميع أهل السُّنَّة و كتبهم بالأحاديث النبويّة في شأنها، و منها أنّ رسول الله قال: «سيّدة نساء أهل الجنّة»، و فيها و في أبيها و بعلها و ولديها الحسنين نزلت آية التطهير في القرآن الكريم. و من المؤلم حقّاً أن يكذّبها أبو بكر، و يطلب منها شاهداً على فدك، و يغصب منها فدكاً بحديث موضوع هو وضعه و نسبه إلى أعرابيّ بَوَّال على عَقِبَيْه: «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث، و ما ورّثناه صدقة للمسلمين».

  • و أنّ من وضع الحبل في عنق أمير المؤمنين عليه السلام و قاده إلى المسجد من أجل البيعة، و جرّ صدّيقته معفّرةً بالتراب ملطّخةً بالدم، و أسقط جنينها، و ضربها بالسوط على عضدها حتى ظلّ بادياً كالدملج إلى أن ماتت، فهذا الشخص ممّ يخاف إن أنكر كتابة رسول الله؟ و ممّ يخشى إن تقوّل بالهجر و عدّ كلمات رسول الله في مرضه لغواً و عبثاً؟ إنّ الموضوع المهمّ هنا هو أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله تنازل عن الكتابة احتراماً لسُّنَّته و صوناً لحرمته، و حجّيّة قوله الذي هو عِدل كتاب الله، و أغضى عن هذا الأمر حفظاً لجماعة المسلمين و شوكتهم، و حرصاً على بقاء كتاب الله. كما كان يُرجئ الخطبة الغديريّة التي كُلِّف بإلقائها لتعريف عليّ خوفاً من حدوث الانشقاق بين المسلمين إلى أن هبط جبرائيل مهدّداً

معرفة الإمام ج۱۳

131
  • بقوله تعالى: وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ.۱

  • لقد واجه عمر رسول الله في مواطن عديدة، و تصرّف معه بغلظة و فظاظة. و أنّ رزيّة يوم الخميس التي كان يبكي لها ابن عبّاس حتى ابتلّت الأرض من دموع عينيه التي كانت تسيل من وجهه ليست أوّل تصرّف فظّ اجترحه عمر مع رسول الله، فقد سبقه تصرّفه الشائن في صلح الحديبيّة، إذ افتعل تلك الواقعة التأريخيّة، و كان على رأس المناوئين لرسول الله و المتّهمين إيّاه بالكذب،٢ حتى قال هو نفسه من أجل كفّارة ذلك: مَا زِلْتُ أصُومُ وَ أتَصَدَّقُ وَ اصَلِّي وَ اعْتِقُ مَخَافَةَ كَلَامِي الذي تَكَلَّمْتُ بِهِ.٣

  • و كان تصرّفه قبيحاً فظّاً شاذّاً مع النبيّ عند ما أراد أن يصلّي على جنازة عبد الله بن ابيّ حتى صرفه عن ذلك باعتراضه قائلًا: لِمَ تصلّي على رجل منافق؟ و هذا ما أثبتته كتب التأريخ كلّها.٤

    1. الآية ٦۷، من السورة ٥: المائدة.
    2. ذكر أصحاب السير و التواريخ في كتبهم قصّة نفاق عمر و ارتداده في صلح الحديبيّة مفصّلًا، منهم البخاريّ في صحيحه، في كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد، ج ٢، ص ۱٢٢، و مسلم في صحيحه، باب صلح الحديبيّة، ج ٢.
    3. السيرة الحلبيّة، باب صلح الحديبيّة، ج ٢، ص ۷۰٦.
      و قال آية الله السيّد شرف الدين العامليّ في كتاب «النصّ و الاجتهاد» ص ۱٦۰، الطبعة الثانية: أخرج الإمام أحمد من حديث المسوّر بن مخرمة، و مروان بن الحكم في مسنده، و نصّ الحلبيّ في غزوة الحديبيّة من سيرته و غير واحد من أهل الأخبار: أنّ عمر جعل يردّ على رسول الله الكلام، فقال له أبو عبيدة الجرّاح: أ لا تسمع يا بن الخطّاب رسول الله صلى الله عليه و آله يقول ما يقول؟ نعوذ بالله من الشيطان الرجيم! قال الحلبيّ و غيره: و قال رسول الله صلى الله عليه و آله يومئذٍ: يا عمر إنّي رضيتُ و تأبى!
    4. ذكرنا قصّة عبد الله بن ابيّ مفصّلًا في الجزء العاشر من كتابنا هذا، الدرس ۱٤٢ إلى ۱٤۸.

معرفة الإمام ج۱۳

132
  • أمّا رزيّة يوم الخميس فقد كانت أشدّ، لأنّه هو و زمرته كانوا جميعهم حاضرين في مجلس رسول الله، و قد أخلّوا بنظم المجلس، و هو نفسه نسب الهجر و الهذيان إلى رسول الله، و دعمه أترابه، أي: كلّهم تقوّلوا بالهجر و الهذيان حتى عطّلوا المجلس و لم يستطع النبيّ أن يحقّق هدفه. فلو كتب النبيّ ورقة في مثل ذلك الجوّ، أ لا يمزّقونها؟ أ لم يمزّق عمر سند فدك الذي كانت فاطمة عليها السلام قد أخذته من أبي بكر؟ و جاء إلى أبي بكر و قال له بفظاظة: كيف تُرجع السند إلى فاطمة في مثل هذه الحالة التي يحتاج فيها المسلمون إلى المال؟!

  • بيان العلّامة الطباطبائيّ في عدم التصريح باسم عليّ في القرآن‌

  • سألتُ سماحة سيّد الأساتذة آية الله العلّامة الطباطبائيّ قدّس الله نفسه الزكيّة يوماً فقلتُ له: ما ضرّ لو صرّح الله تعالى باسم عليّ في القرآن كما صرّح باسم محمّد تجنّباً لهذا الخلاف العميق؟ فقال: لو فعل ذلك لحذفوه بسهولة. فلهذا لم يصرّح به حفظاً لكتابه العظيم.

  • إذن، غياب اسم عليّ عن القرآن لا يضرّ الإسلام و الإيمان و الولاية و المؤمنين، لأنّ الذين اتّبعوا السنّة و اقتفوا كلام نبيّهم كانوا شيعة عليّ الذائبين فيه يوم كان نبيّهم بين ظهرانيهم. و المؤمنون حقّ الإيمان هم شيعته المغرمون به منذ يوم الخميس الذي لم يستطع أن يكتب فيه رسول الله شيئاً إلى يومنا هذا. و ها هو التشيّع اليوم يرتقى في سيره التصاعديّ و تعلو رايته في أرجاء شتّى من العالم، إذ نشهد سنويّاً إقبالًا متعاظماً عليه من أتباع مختلف المذاهب.۱

    1. كالعالم الجليل و العلّامة المجاهد الكبير قاضي القضاة في حلب السوريّة الشيخ محمّد مرعي أمين الأنطاكيّ الذي اعتنق مذهب التشيّع، و ألّف كتابه المعروف: «لما ذا اخترتُ مذهب الشيعة مذهب أهل البيت؟» و له الأبيات الآتية:
      لما ذا اخترتُ مذهب آل طهـ***و حاربتُ الأقارب في ولاها
      و عفتُ ديار آبائي و أهلي***و عيشاً كان ممتلئاً رفاها؟
      لأنّي قد رأيتُ الحقّ نصّاً***و ربّ البيت لم يألف سواها
      فمذهبي التشيّع و هو فخرٌ***لمن رام الحقيقة و امتطاها
      و هل ينجو بيوم الحشر فردٌ***مشى في غير مذهب آل طه؟
      لقد طالعتُ الكتاب المذكور فرأيته نفيساً ثميناً حقّاً. و كذلك الدكتور السيّد محمّد التيجانيّ السماويّ و هو من أهل قفصة التونسيّة، و له كتاب عنونه: «ثمّ اهتديتُ»، ذكر فيه سفره إلى الحجاز و العراق و التقاءه بعلماء الشيعة في النجف الأشرف. و نقل أنّه تأثّر كثيراً بكلام المرحوم آية الله السيّد محمّد باقر الصدر أعلى الله مقامه الذي استُشهد على يد حزب البعث في العراق. ثمّ اختار مذهب التشيّع بعد تحقيق عميق في صحاح العامّة و سننهم دام ثلاث سنين. و قد وصلني الكتاب في هذه السنة و طالعتُه كلّه فوجدته عذباً رائعاً يشدّه الدليل و البرهان. أطال الله بقاء مؤلّفه و نصر الله به الحقّ في تأييد المذهب المبين.

معرفة الإمام ج۱۳

133
  • سبب الحئول دون تدوين الحديث النبويّ‌

  • البحث الثامن: تزعزع شأن الولاية و فُتح باب الاجتهاد في مقابل النصّ في موقف عمر بتقدّمه على كلام رسول الله صلى الله عليه و آله و سنّته يوم الخميس. و لقد آثر هو و صاحبه أبو بكر رأييهما على سنّة رسول الله مصلحة للمسلمين بزعمهما، و كانت محصّلة ذلك إقصاء السنّة و الكتاب معاً، و تراكم الآراء الفاسدة في مقابل القرآن. و قد ضيّعا الحقائق في كلّ موضوع من الموضوعات بذريعة المصلحة. و فُتح باب الاجتهاد في مقابل كتاب الله و سنّة رسوله بنحو لم يُعْهَدْ مثله حتى ذلك اليوم قطّ. و لوحظ في كلّ يوم موضوع جديد يغاير الكتاب و السنّة، و وقع أصل الدين و حقائقه في الخطر بغلالة ولاية المصلحة التي يتطلّبها الزمان، حتى وصل الدور إلى عثمان الذي قدّم رأيه على كتاب الله بصراحة، و حطّم سنّة رسول الله عمليّاً، و ضرب معاوية على وتر: «أنا ربّكم الأعلى» في الشام. و أخيراً، أغار الأمويّون على الكتاب و السنّة خلال ثمانين سنة من‌

معرفة الإمام ج۱۳

134
  • حكمهم، و جاء بعدهم العبّاسيّون ففعلوا كفعل أسلافهم طول خمسمائة سنة من حكمهم، و جرى كلّ ذلك تحت غطاء الإمارة و الولاية و مصلحة المسلمين. و هُجرت حقيقة الكتاب و الولاية و غُربت. و فُتح هذا الباب حتى قيام قائم آل محمّد صلى الله عليه و آله.

  • و قد أمضى فقهاء العامّة و قضاتهم من أمثال شُريح جرائم حكّام الجور و امراء الظلم جميعها تحت عنوان: تَأوَّلَ فَأخْطَأ. و أيّدوهم في جرائمهم. و في باب ولاية الفقيه و الحاكم. أحبطوا و خرّبوا أحكام القرآن الثابتة و سنّة رسول الله المقطوع بها، أو نسوا أو تناسوا أنّ ولاية الفقيه في الموضوعات الشخصيّة الاجتماعيّة، لا في تبديل و تغيير الكتاب و أحكام السنّة. و سمّوا امراء الجور خلفاء تجب طاعتهم حسب سنّة عمر و أبي بكر، و أضفوا عليهم لقب اولو الأمر. و أبادوا معارضيهم تحت لظى سياطهم و تعذيبهم و حبسهم و إعدامهم و صلبهم و تخريب بيوتهم على رؤوسهم بتهمة مخالفة رأى الفقيه و الحاكم المفترض الطاعة.

  • البحث التاسع: من الواضح أنّ الوضع الذي أوجده الحزب المناوئ لأمير المؤمنين عليه السلام منذ ذلك الحين، و ما كان يمارسه هذا الحزب، إذ كان يتبادل الأخبار على شكل شبكة اتّصال بين ما يجري داخل البيت النبويّ (عائشة و حفصة و غيرهما) و بين ما يجري خارج البيت، و قد أتى بعمر إلى الميدان و حطّم السنّة من خلال انتهاك حرمة الرسول الأعظم بنطق الهذيان و الهجر، فذلك الوضع لا يمكن للحزب المنتصر معه أن يعمل حسب نهج رسول الله إذا أراد أن يبقى ممسكاً بزمام الامور، إذ إنّ ذلك النهج كان قراءة كتاب الله و التدبّر فيه، و نقل حديث رسول الله و بيانه، و ذِكره و عرض مواعظه و أحكامه و خطبه في كلّ مجلس و محفل.

  • أجل، إذا أراد هذا الحزب أن يدع الناس أحراراً في بيان الحديث‌

معرفة الإمام ج۱۳

135
  • و السنّة، فلا شكّ أنّ الحديث سيدور حول مقام و منزلة أهل بيت العترة و علوم أمير المؤمنين عليه السلام اللامتناهية و فضائله و مناقبه، و سيرة الصدِّيقة الكبرى و منهاجها، و طهارة آل العباء و عصمتهم، و أمثال هذه الموضوعات التي كان المؤمنون يسمعونها من رسول الله منذ بداية النبوّة حتى ذلك الحين. و سيحوم الكلام حول مثالب الخلفاء المتحكّمين و سيّئاتهم، و حزبهم في داخل بيت النبيّ (عائشة و حفصة)، و خارجه الذي يُمثّله الفارّون من الحروب، و كذلك يحوم حول انتهاك حرمة الرسول، و قتل ابنته رقيّة على يد عثمان، و مقتل الصدِّيقة الكبرى بعد غارة الحزب المنتصر على بيتها لإخراج المعتصمين فيه، من أجل البيعة و التسليم لذلك النظام الظالم. و سيحوم أيضاً حول تفسير الآيات القرآنيّة التي بيّنها النبيّ كلّها، و هي حافلة بذكر مولى المتّقين و مقامه و شأن نزول الآيات فيه. و سيتناول الحديث حقائق و أسرار لا شأن للحزب المذكور بها طبيعيّاً.

  • فلهذا، ما إن تصرّمت سنتا أبي بكر، و جاء دور عمر، حتى منع طرح السنّة النبويّة تماماً، فعادت لا تذكر في المساجد و المحافل و المدارس و خطب العيدين و الجمعة على امتداد مائة و خمسين سنة بعد المنع، كما لم يدوّن كتاب في الحديث و السنّة قرابة مائة عام.

  • أي: أنّ ردّ عمر كلام رسول الله قد هيّأ هذه اللوازم الواسعة، ثمّ تطوّع الوضّاعون من متزلّفي بلاط معاوية كأبي هريرة و أبي الدرداء اللذين كانا من الصحابة، فوضعوا من الأحاديث في مناقب أبي بكر و عمر و عثمان، و عائشة بخاصّة ما ملأ الكتب و طوامير المسانيد و الصحاح، و قلّلوا الأحاديث المأثورة في فضائل أمير المؤمنين و آل العبا إلى درجة أنّك نادراً ما تجد فيها حديثاً بشأنهم.

  • و عليه، فإنّ الأحاديث الواردة كلّها في هذا المجال موضوعة،

معرفة الإمام ج۱۳

136
  • و لا ينظر الشيعة إلى صحّة السند في مثل هذه الحالات، بل يرون المتن دليلًا على كذبه، لأنّه من الواضح أنّ الحزب الذي انتصر و قمع معارضيه بالسيف و الحجر و القتل صبراً، و ارتكب الجرائم النكراء -كجريمته في واقعة الطفّ، و واقعة محمّد و إبراهيم وَلَدَي عبد الله المحض، و واقعة زيد بن عليّ بن الحسين و ابنه يحيى، و واقعة الحسين بن عليّ صاحب فخّ القريبة من المدينة، و هي كواقعة الطفّ، ثمّ تأمير العبّاسيّين أنفسهم و سعيهم في إطفاء نور منافسيهم من أولاد فاطمة عليها السلام و حياتهم و علمهم و حتى حياتهم المادّيّة- سوف لن يتورّع في تحريف السنّة النبويّة و افتراء الأحاديث الكاذبة على رسول الله ممّا يقبله الناس جميعهم.

  • حديث البخاريّ المنحول في تقليل منزلة عليّ عليه السلام‌

  • و من الأحاديث المختلقة التي وضعت بدهاءٍ تامّ، و تبدو عليها آثار الكذب بقرائن و شواهد عديدة، حديث أورده البخاريّ في صحيحه، و نحن نذكره فيما يأتي بسنده ثمّ نناقشه:

  • حدّثني إسحاق عن بِشر بن شُعَيْب بن أبي حمزة قال: حدّثني أبي عن الزُّهريّ، قال: أخبرني عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاريّ -و كعب ابن مالك أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم- أنّ عبد الله بن عبّاس أخبره:

  • إنَّ عَلِيّ بْنَ أبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ في وَجَعِهِ الذي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَقَالَ النَّاسُ: يَا أبَا حَسَنٍ! كَيْفَ أصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ؟! فَقَالَ: أصْبَحَ بِحَمْدِ اللهِ بَارِئاً! فَأخَذَ بِيَدِهِ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ فَقَالَ لَهُ: أنْتَ وَ اللهِ بَعْدَ ثَلَاثٍ عَبْدُ العَصَا!۱ وَ إنِّي وَ اللهِ لأرَى رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ سَوْفَ‌

    1. أي: أنّك ستتعرّض إلى الأذي و سيخيفونك بعد ثلاثة أيّام. و جاء في «أقرب الموارد»: الناس عبيد العصا: يهابون مَن آذاهم.

معرفة الإمام ج۱۳

137
  • يُتَوَفَّى مِنْ وَجَعِهِ هَذَا. إنِّي لأعْرِفُ وُجُوهَ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ عِنْدَ المَوْتِ، اذْهَبْ بِنَا إلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَلْنَسْألْهُ فِيمَنْ هَذَا الأمْرُ؟ إنْ كَانَ فِينَا عَلِمْنَأ ذلِكَ، وَ إنْ كَانَ في غَيْرِنَا، عَلِمْنَاهُ فَأوْصَى بِنَا!

  • فقال عليّ: إنّا و الله لئن سألناها رسول الله صلى الله عليه و آله فمنعناها لا يُعطيناها الناس بعده، و إنّي و الله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه و آله.۱

  • الجواب عن حديث البخاريّ المنحول‌

  • تفرّد البخاريّ وحده في نقل هذا الحديث، إذ لم يُلْحَظْ في أيّ كتاب من كتب أهل السنّة و صحاحهم، و كلّ مَن جاء بعده من مصنّفي كتب السيرة و التأريخ أخذه منه. و الله أعلم هل وضعه البخاريّ نفسه أو أخذه من وضّاع آخر؟ و لا ريب أنّ البخاريّ كان ضاغناً على أمير المؤمنين عليه السلام، إذ ذكر الأحاديث المرويّة في مناقبه و فضائله مبتورةً، و قد وجدنا عنده حالات كثيرة من هذا القبيل.

  • و قال ابن كثير الذي نقل هذا الحديث في تأريخه: انْفَرَد بِهِ البُخَارِيّ.٢

  • و ذكره مير خواند في «روضة الصفا» بنحو يقبله العقل تقريباً. و لعلّ أصل الحديث هو المذكور عنده، ثمّ حُرِّف عند البخاريّ و اتّخذ ذلك الطابع‌

    1. «صحيح البخاريّ» ج ٦، ص ۱٢، كتاب النبيّ، باب مرضه، طبعة بولاق؛ و ذكره ابن أبي الحديد في شرحه علي النهج، ج ٢، ص ٥۱؛ و كذلك نقله المقريزيّ في كتاب «النزاع و التخاصم فيما بين بني اميّة و بني هاشم» طبعة النجف، سنة ۱٣۸٦، ص ٣٢، عن البخاريّ، عن حديث الزهريّ.
    2. «البداية و النهاية» لأبي الفداء ابن كثير الدمشقيّ، ج ٥، ص ٢٢۷؛ و ابن سعد في طبقاته، ج ٢، ص ٢٤٥، طبعة بيروت؛ و «السيرة النبويّة» لابن هشام، ج ٤، ص ٣۰٤، الطبعة الرابعة، بيروت.

معرفة الإمام ج۱۳

138
  • الذي لا يُعقل.

  • يقول مير خواند: ينقل أنّ عليّاً عليه السلام خرج يوماً من عند رسول الله في مرضه الذي مات منه، فقال له الصحابة: كيف حال رسول الله هذا اليوم يا أبا الحسن؟! فقال: أصبح بحمد الله على أحسن وجه. فأخذ العبّاس يد عليّ و قال له بصوت خفيض: سينتقل النبيّ إلى جوار رحمة ربّ العالمين بعد ثلاثة أيّام، لأنّي أرى أمارات الموت على وجهه المبارك. و الآن تقتضي المصلحة أن نذهب عنده و نسأله لمن تكون الخلافة بعده؟ فإذا كانت لنا، فيها، و إذا كانت لغيرنا، سألناه أن يوصيه بنا. فامتنع عليّ عليه السلام و قال: و الله لا أسأله و لا أطلب الدنيا.۱

  • نلاحظ في نحل هذا الحديث أنّ عدداً من النقاط المهمّة قد زُوِّرت و دُسّت في جواب عليّ عليه السلام لابن عبّاس.

  • الاولى: يُشعرنا الحديث أنّ الإمام عليه السلام لم يعلم بخلافته. و بعامّة لم يُنْصَبْ أحدٌ خليفةً لرسول الله، و كانت هناك حاجة إلى سؤال النبيّ صلى الله عليه و آله. و هذه أهمّ نقطةً دقيقة يتوكّأ عليها الحزب المناوئ، و يريد أن يُثبت أحقّيّته على هذا الأساس.

  • الثانية: يُحتمل أن يمنع رسول الله صلى الله عليه و آله عليّاً عليه السلام من الخلافة بعد سؤاله رسولَ الله، و حينئذٍ لن تكون الخلافة من نصيبه. و هذه من أبدع مكائد التزوير، إذ تُتيح للحزب المناوئ فرصة أكبر لأن يجول و يصول أنّي شاء، كما تمنحه مجالًا أوسع لتوطيد دعائمه.

  • الثالثة: يبيّن لنا الحديث أنّ عليّاً عليه السلام رجل محبّ للدنيا

    1. «روضة الصفا» الطبعة الحجريّة، الجزء الثاني، تاريخ رسول الله، ذِكر مرض موت رسول الله صلى الله عليه و آله.

معرفة الإمام ج۱۳

139
  • و الرئاسة و الإمارة، فإذا ما منعه رسول الله، فإنّ الناس لن ينصبوه خليفة. فلندع السؤال إذن، إذ يزول عندئذٍ احتمال الرئاسة و الإمارة و إن كان في أعصار بعيدة.

  • هذه هي الاحتمالات الواردة في الحديث المذكور، و مواطن الدسّ و التزوير واضحة فيه إلى درجة أنّ كلّ من له اطّلاع مجمل على سيرة الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله، و سيرة أمير المؤمنين عليه السلام، و تأريخ ذينك العظيمين، يعلم أنّه كذب و افتراء. فإنّ خلافته قد عُيِّنَتْ من قبل، و أنّ رسول الله يراه خليفته الوحيد الفريد، و كان هو نفسه مطّلعاً على هذا الموضوع، و أنّ أمر سقيفة بني ساعدة و ترشيح أبي بكر للخلافة كان غامضاً لديه و لا يمكن قبوله كما يبدو. و تدلّ على ذلك خطب «نهج البلاغة» و سائر الخطب و الأحاديث المأثورة عن الشيعة و العامّة، و العالم كلّه يعلم بما فيه مؤرّخو اليهود و النصارى، و المستشرقون أنّ عليّاً عليه السلام لم يكن طالب حكم و رئاسة. لقد كان رجلًا إلهيّاً بما لهذه الكلمة من معنى، و لم تزنه الخلافة، بل هو زانها. و نجد أنّ بعض العامّة يقرّون أنّه لم يكن من أهل السياسة، بل كان هو و خاصّة أصحابه كالمسيح و حواريّيه شغلهم الشاغل هو الشؤون المعنويّة و الروحانيّة و الإلهيّة. لقد كان عليه السلام ملاكاً سماويّاً، فما شأنه و الانهماك في الشؤون الدنيويّة و اللعب السياسيّة و مزاولتها؟

  • إنّ الحديث المذكور و أمثاله على درجة واضحة من النحل و الافتراء بحيث إنّ كلّ من كان له أدنى اطّلاع على الأخبار و التأريخ يحكم بتزويره فور رؤيته. و نحن عند ما امرنا من قِبل رسول الله صلى الله عليه و آله أن نعرض الأخبار على كتاب الله فنقبل منها ما وافقه و نرفض ما خالفه، فإنّنا نرى أنّ معظم الآيات القرآنيّة قد نزلت في شأنه و فضائله. حتى نقل أثباتُ‌

معرفة الإمام ج۱۳

140
  • العامّة و مشاهيرهم مصدِّقين أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قال: مَا أنْزَلَ اللهُ آيَةً فِيهَا يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إلَّا وَ عَلِيّ رَأسُهَا وَ أمِيرُهَا.۱

  • و عند ما نجد أنّ أعيان العامّة رووا فيه أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قال للأنصار: يَا مَعْشَرَ الأنْصَارِ! أ لَا أدُلُّكُمْ عَلَى مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أبَداً؟! قَالُوا: بلى يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: هَذَا عَلِيّ فَأحِبُّوهُ بِحُبِّي وَ أكْرِمُوهُ بِكَرَامَتِي، فَإنَّ جِبْرِيلَ أمَرَني بِالَّذِي قُلْتُ لَكُمْ مِنَ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ.٢

  • و عند ما نقرأ أنّهم رووا فيه أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قال له: يَا عَلِيّ! أخْصِمُكَ بِالنُّبُوَّةِ وَ لَا نُبُوَّةَ بَعْدِي.٣ و أنت فُقتَ الناس جميعهم بسبع خصال.

  • و عند ما نجد أنّ الآيات القرآنيّة نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام كما في التفاسير الموثوقة لأهل السنّة كتفسير الثَّعْلَبي، و القُرطبيّ، و «الدرّ المنثور»، علمنا أنّ الحديث المذكور منحول و موضوع.

    1. الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الإصفهانيّ المتوفّى سنة ٤٣۰ في كتاب «حلية الأولياء» ج ۱، ص ٦٤؛ و «مناقب الخوارزميّ» ص ۱۷٩، الطبعة الحجريّة، بسنده المتّصل عن ابن عبّاس، عن رسول الله صلى الله عليه و آله.
    2. «حلية الأولياء» ج ۱، ص ٦٣ بسنده المتّصل عن رسول الله أنّه قال: ادعوا لي سيّد العرب! يعني عليّ بن أبي طالب، قالت عائشة: أ لستَ سيّد العرب؟! فقال: أنا سيّد ولد آدم و عليّ سيّد العرب. و لمّا قَدِم عليّ، قال للأنصار: يا معشر الأنصار ...
    3. «حلية الأولياء» ج ۱، ص ٦٥ و ٦٦، بسنده المتّصل عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: يا عَلِيّ! أخصمك بالنبوّة و لا نبوّة بعدي، و تخصم الناس بسبع و لا يحاجّك فيها أحد من قريش: أنت أوّلهم إيماناً بالله، و أوفاهم بعهد الله، و أقومهم بأمر الله، و أقسمهم بالسويّة، و أعدلهم في الرعيّة، و أبصرهم بالقضيّة، و أعلمهم عند الله مزيّة.

معرفة الإمام ج۱۳

141
  • و يمكننا من خلال الموازنة بين الأحاديث أن نقف على صدقها و كذبها، فنرفضها أو نقبلها.

  • و كذلك عند ما نجد أنّ القرآن الكريم أحبط عمل الذين يرفعون أصواتهم فوق صوت النبيّ صلى الله عليه و آله، أي: أنّ جميع حسناتهم و أعمالهم الصالحة التي قاموا بها من قبل تُحبَط و تزول فور القيام بالعمل المذكور (و هذا هو معنى حبط الأعمال)، عند ما نجد ذلك، و نلاحظ من جهة اخرى أنّ عمر رفع صوته فوق صوت رسول الله و نسب إليه الهجر، و أعدّ هو و أصحابه مجلس الانتهاك و التعدّي حقّاً، فحينئذٍ نفهم أنّ الأحاديث التي نقرأها في كتب العامّة حول فضائله و مناقبه كلّها منحولة موضوعة. لأنّ رسول الله قال: قيسوا صحّة الحديث بكتاب الله! فإذا جعل كتابُ الله جزاءَ رفع الصوت عند رسول الله حبطاً للأعمال، فكيف يتسنّى لنا إذن أن نسلّم بهذه المناقب المنحولة؟!

  • كلام أبي الفداء الدمشقيّ الماكر في الجمع بين أحاديث الوصيّة

  • البحث العاشر: قال أبو الفداء ابن كثير الدمشقيّ في تاريخه بعد إيراد الحديث الأوّل الذي نقلناه عن البخاريّ، ثمّ ذكرناه عن مسلم، و هو أيضاً رواه عنهما، و جاء فيه: مَا شَأنُهُ؟ أ هَجَرَ؟ اسْتَفْهِمُوهُ! وَ هَذَا الحَدِيثُ مِمَّا قَدْ تَوَهَّمَ بِهِ بَعْضُ الأغْبِيَاء مِنْ أهْلِ البِدَعِ مِنَ الشِّيعَةِ وَ غَيْرِهِمْ؛ كُلٌّ مُدَّعٍ أنَّهُ كَانَ يُرِيدُ أنْ يَكْتُبَ في ذَلِكَ الكِتَابِ مَا يَرْمُونَ إلَيْهِ مِنْ مَقَالاتِهِمْ. ثمّ قال: هذا توهّم باطل. و هذا هو التمسّك بالمتشابه و ترك المحكم، و أهل السنّة يأخذون بالمحكَم و يردّون ما تشابه إليه. و هذه هي طريقة الراسخين في العلم كما وصفهم الله عزّ و جلّ في كتابه.

  • ثمّ قال: و هذا الموضع ممّا زلّ فيه أقدام كثير من أهل الضلالات. و أمّا أهل السنّة فليس لهم مذهب إلّا اتّباع الحقّ يدورون معه كيفما دار. و هذا الذي كان يريد رسول الله صلى الله عليه و آله أن يكتبه قد جاء في‌

معرفة الإمام ج۱۳

142
  • الأحاديث الصحيحة التصريح بكشف المراد منه. فإنّه قد قال الإمام أحمد ابن حنبل عن مؤمّل، عن نافع، عن ابن عمر، و ابن أبي مليكة، عن عائشة أنّها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه و اله في مرض موته: ادْعُوا لي أبَا بَكْرٍ وَ ابْنَهُ لِكَي لَا يَطْمَعَ في أمْرِ أبِي بَكْرٍ طَامِعٌ وَ لَا يَتَمَنَّاهُ مُتَمَنٍّ. ثمّ قال: يَأبَى اللهُ ذَلِكَ وَ المُؤْمِنُونَ مَرَّتَيْنِ. انفرد به أحمد من هذا الوجه.

  • و روى أحمد بن حنبل أيضاً عن أبي معاوية، عن عبد الرحمن بن أبي بكر القرشيّ، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة قالت: لمّا ثقل رسول الله، قال لعبد الرحمن بن أبي بكر: ائْتِنِي بِكَتِفٍ أوْ لَوْحٍ حتى أكْتُبَ لأبِي بَكْرٍ كِتَاباً لَا يَخْتَلِفُ عَلَيْهِ أحَدٌ. فلمّأ ذهب عبد الرحمن ليقوم، قال: أبى اللهُ وَ المُؤْمِنُونَ أنْ يَخْتَلِفَ عَلَيْكَ يَا أبَا بَكْرٍ! انفرد به أحمد من هذا الوجه أيضاً.

  • و روى أيضاً عن يحيى بن يحيى، عن سليمان بن بلال، عن يحيى ابن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن عائشة أنّها قالت: قال رسول الله: لَقَدْ هَمَمْتُ أن ارْسِلَ إلَى أبِي بَكْرٍ وَ ابْنِهِ فَأعْهَدَ أنْ يَقُولَ القَائِلُونَ أوْ يَتَمَنَّى مُتَمَّنُونَ، فَقَالَ: يَأبَى اللهُ - أوْ يَدْفَعُ المُؤْمِنُونَ، أوْ يَدْفَعُ اللهُ وَ يَأبَى المُؤْمِنُونَ.۱

  • الأحاديث المتقدّمة من وضع عائشة

  • لا يداخلنا الريب أنّ هذه الأحاديث من صنع عائشة، إذ وضعتها لتعزيز موقع أبيها و أخيها عبد الرحمن الذي ارصد له العذاب الأبديّ حسب الآيتين الكريمتين: وَ الَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَ تَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَ قَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَ هُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ، أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ‌

    1. «البداية و النهاية» ج ٥، ص ٢٢۷ و ٢٢۸.

معرفة الإمام ج۱۳

143
  • الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ،۱ و عائشة هي التي أو قدت نار الجَمَل، و سبّبت في قتل اثني عشر ألفاً من المسلمين، بعد أن ركبت جملها و تولّت قيادة الجيش من أجل إطفاء نور أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب الإمام بالحقّ و الحجّة على الخلق و مركز الولاية و مصدر الصدق و الحقيقة.

  • و هي التي كانت تقول في عثمان: اقْتُلُوا نَعْثَلًا فَقَدْ كَفَرَ. و لكن لمّا بايع الناس أمير المؤمنين عليه السلام، قالت: عليّ قاتل عثمان، و كتبت إلى الأمصار تدعو الناس إلى حرب أمير المؤمنين متذرِّعة بأنّ عثمان قُتل مظلوماً و أنّ عليّاً هو الذي قتله.

  • و لكن ما عسانا أن نقول لإخواننا السنّة الذين يرون أنّ عائشة هي الصدِّيقة الوحيدة، و قد أضفوا عليها لقب حبيبة رسول الله، و عدّوها طاهرة مطهّرة أمينة صادقة، و صحّحوا الأحاديث المنقولة عنها.

  • و نحن ندعو القرّاء الكرام إلى مطالعة كتاب «أحاديث امّ المؤمنين عائشة» للعلّامة الجليل المجاهد ابن خالنا المكرّم سماحة آية الله السيّد

    1. الآيتان ۱۷ و ۱۸، من السورة ٤٦: الأحقاف. نقل العلّامة الطباطبائيّ في تفسير «الميزان» ج ۱۸، ص ٢٢٥ رواية عن تفسير «الدر المنثور» في أنّ هذه الآية نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر. و قال: قصّة خطبة مروان في مسجد المدينة و دعوته الناس إلى قبول استخلاف معاوية يزيد، و إنكار عبد الرحمن ذلك عليه، و جواب مروان له بقوله: أ لستَ الذي قال لوالديه: افٍّ لكما؟ و جواب عبد الرحمن بقوله: أ لست ابن اللعين الذي لعن أباك رسولُ الله؟ كلّ ذلك معروف. يريد العلّامة أن يستفيد من هذه الآية شيئاً، إذ لمّا جاء فيها. حقّ عليهم القول، فيمكن أن يفهم منها أنّ إسلام عبد الرحمن كان صوريّاً لا أثر له فهو من المخلّدين في النار و من الخاسرين إلّا أن ننكر هذه الروايات فيه كما أنكرتها اخته عائشة.

معرفة الإمام ج۱۳

144
  • مرتضى العسكريّ‌۱ أطال الله بقاءه، و أمدّ في عمره الشريف و نفع المسلمين بدوام حياته و مؤلّفاته، و ذلك من أجل أن تستبين لهم سيرة عائشة و أحاديثها.

  • و لا نروم التحدّث عن عائشة و أحاديثها المنحولة الموضوعة هنا أو في مواطن اخرى. و إنّما يحوم حديثنا حول أبي الفداء الدمشقيّ مؤلّف كتاب «البداية و النهاية» الذي عدّ الأحاديث المنقولة عن ابن عبّاس في رزيّة يوم الخميس التي طلب فيها رسول الله الكتف و الدواة متشابهة، و الأحاديث الموضوعة على لسان عائشة محكمة، و أرجع تلك الأحاديث إلى هذه الأحاديث، و تقوّل على الشيعة و قذفهم بالغباء و الحمق، إذ استهدوا بها دليلًا على ولاية أمير المؤمنين و خلافته.

  • و نكتفي في شرح و توضيح بطلان كلام هذا الرجل المتعصّب بالقول: حسناً، نحن لا نقول شيئاً إذ حسبتَ تلك الأحاديث (الأحاديث المنقولة عن ابن عبّاس) متشابهة، و هذه الأحاديث (المنقولة عن عائشة) محكمة، لكن كيف تنكر الحقيقة و المعالم واضحة دالّة عليها؟ إذا كان مراد رسول الله من كتابته الوصيّة لأبي بكر، فلما ذا زعق عمر و أعوانه؟ و لما ذا نسب الهجر إلى رسول الله؟ و لما ذا أخلّوا بنظم المجلس و كثر اللَّغط و علت الجَلَبة؟ و لما ذا قال رسول الله: هذه النساء خير منكم؟ و قال: قوموا، اذهبوا؟ و لما ذا عدّ ابن عبّاس تلك القضيّة رزيّة؟ و لما ذا ذكر شدّة تلك المصيبة و صعوبتها بقوله: يوم الخميس و ما يوم الخميس؟ و لما ذا بكى‌

    1. العلّامة الحاج السيّد مرتضى العسكريّ سبط المرحوم المحدّث العظيم آية الله ميرزا محمّد الطهرانيّ الشريف العسكريّ، و هذا المرحوم قدّس الله نفسه خال والدي المرحوم السيّد محمّد صادق.

معرفة الإمام ج۱۳

145
  • حتّى ابتلّ الحصى بدموع عينيه، و كانت دموعه تسيل كحبّات اللؤلؤ؟

  • كان عمر النصير الوحيد لأبي بكر، و كان معينه و أخاه و أداته التنفيذيّة! فلا بدّ أن يبتهج إذا ما أراد النبيّ أن يوصي له، و لا بدّ أن يؤيّده، و يرى كلامه و حياً منزلًا! فلما ذا أثار تلك الضجّة مشاقّة لرسول الله، فيقول بعض الحاضرين: ائتوا بالكتف و الدواة كما قال رسول الله، و بعض آخر يرى ما رآه عمر فلا حاجة إلى ذلك؟

  • هذه كلّها قرائن و أدلّة ساطعة كالشمس، و هي تكشف لنا أنّ المراد من كتابة رسول الله كتابة خلافة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام و تفصيل حديث الثَّقَلَين المتكرّر.

  • و لو كانت الأحاديث المأثورة عن عائشة صحيحة أيضاً، فعليك أن تعدّها محكمة بهذه القرائن الكثيرة، في الأحاديث العديدة التي ذكرها البخاريّ، و مسلم، و أحمد، و غيرهم، و سندها صحيح أيضاً، و تعدّ أحاديث أحمد متشابهة، و تُرجع تلك إلى هذه، فتكون قد قمت بعمل عقلائيّ، و أرحتَ نفسك و المسلمين و أتباع مذهبك، و نفضتَ عنك غبار الجهل و الإصرار على العناد بشهادة أنَّ عَلِيَّاً أمِيرُ المُؤْمِنِينَ وَ سَيِّدُ الوَصِيِّينَ وَ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللهِ! و هذا هو الصراط المستقيم.

  • بَيْدَ أنّك لم تفعل ذلك! و حسبتَ الشيعة ضالّين إذ وصفتهم بالغباء و الحمق، و ظننتَ أنّ الموضوع قد انتهى عند هذا الحدّ! هَيهاتَ! هَيهاتَ! فإنّ الآيات الظاهرة مَعْلَم على إخفاء الحقيقة. و نحن الشيعة نحمّلكم أنتم العلماء و المصنّفون و المؤلّفون وِزر الامّة المسكينة و إصرها، فإنّكم زوّرتم الحقائق مع علمكم و تدبيركم! إنّكم عجزتم عن أن تفعلوا شيئاً لهذه الأحاديث الصحيحة المرويّة في صحاحكم عن ابن عبّاس و هي أظهر من الشمس في دلالتها! و عجزتم عن أن تقدحوا في صحّتها! و عجزتم عن أن‌

معرفة الإمام ج۱۳

146
  • تتغاضوا عنها فتريحوا أنفسكم من شرّها! عجزتم عن ذلك كلّه و جئتم فحسبتموها متشابهة بهذا التزوير و الدسّ، و خلتم أنفسكم من الراسخين في العلم و جلستم مجلسهم‌ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ‌۱ وا حسرتاه، إذ لم تعلموا أنّهم يريدون أن يضلّوكم و ينزلوكم من مجلسكم.

  • أجوبة علماء العامّة في الاعتذار عن عمل عمر مرفوضة كلّها

  • البحث الحادي عشر: إنّ الأجوبة التي قدّمها علماء العامّة لهذا الحديث تتمثّل في أنّ مراد رسول الله صلى الله عليه و آله من هذه الكتابة لم يكن الوصيّة لعليّ بن أبي طالب عليه السلام، و تعود محصّلة تلك الأجوبة إلى عدد من الأجوبة، هي:

  • الأوّل: لعلّ رسول الله حين أمرهم بإحضار الدواة و الكتف لم يكن قاصداً لكتابة شي‌ء من الأشياء، و إنّما أراد بكلامه مجرّد اختبارهم، هل يطيع أحد أمره أم لا؟ كاختبار الله تعالى إبراهيم في ذبح ولده، اذ لم يكن القصد حقيقة الذبح، بل هو اختبار إبراهيم عليه السلام.

  • و تنبّه عمر الفاروق وحده هنا لهذه النقطة دون غيره من الصحابة، فمنعهم من الإحضار، فيجب -على هذا- عدّ تلك الممانعة في جملة كراماته و موافقاته لربّه تعالى.

  • و لا يصحّ هذا الجواب، لأنّ قوله: لَا تَضِلُّوا يأبى ذلك، لأنّه جواب ثان لأمر رسول الله: ائْتُونِي، و جوابه الأوّل: أكْتُبْ. فمعناه أنّكم إن أتيتم بالدواة و الكتف، أكتب لكم، و إذا كتبتُ لا تضلّوا بعده! و لا يخفى أنّ الإخبار بمثل هذا الخبر لمجرّد الاختبار إنّما هو نوع من الكذب الواضح الذي يجب تنزيه كلام الأنبياء عليهم السلام عنه، لا سيّما في موضع يكون ترك إحضار الدواة و الكتف أولى من إحضارهما.

    1. الآية ۷، من السورة ٣: آل عمران.

معرفة الإمام ج۱۳

147
  • مضافاً إلى ذلك، أنّ صريح الحديث يدلّ على أنّ هذه الواقعة إنّما كانت حال احتضار رسول الله، فالوقت لم يكن وقت اختبار، و إنّما كان وقت إعذار و إنذار، و وصيّة بكلّ مهمّة، و نظر في الامور الواجبة الذكر، و نصح تامّ للُامّة.

  • و المحتضر بعيد عن الهزل و المفاكهة، مشغول بنفسه و بمهمّاته، و مهمّات ذويه، و لا سيّما إذا كان نبيّاً. و إذا كانت صحّته مدّة حياته كلّها لم تسع اختبارهم، فكيف يسعها وقت احتضاره؟

  • على أنّ قوله صلى الله عليه و آله حين أكثروا اللغو و اللَّغَط و الاختلاف عنده: «قوموا» ظاهر في استيائه منهم. و لو كان الممانعون مصيبين لاستحسن ممانعتهم، و أظهر الارتياح إليها.

  • و مَن ألَمَّ بأطراف هذا الحديث، و بخاصّة قول عمر: هَجَرَ رَسُولُ اللهِ يقطع بأنّهم كانوا عالمين أنّه إنّما يريد أمراً يكرهونه، و لذا تجاسروا بكلمة هَجَرَ رَسُولُ اللهِ تلك و أكثروا عنده اللغو و اللغط و الاختلاف كما لا يخفى، و بكاء ابن عبّاس بعد ذلك لهذه الحادثة، و عدّها رزيّة دليل على بطلان هذا الجواب.

  • و لو كان هذا الأمر للاختبار، فإنّه دليل على ذمّ عمر لا مدحه، لأنّه سقط فيه! و نحن نجد في الأمر الاختباريّ كما في قصّة إبراهيم عليه السلام أنّه عمل حسب الأمر الموجَّه إليه، لكنّ الله حال بينه و بين تنفيذ العمل. أمّا عمر فإنّه لم يأتمر بل خالف منذ البداية. و لو قام و أتى بالكتف و الدواة، و منعه رسول الله صلى الله عليه و آله من ذلك، لكان هذا التسويغ موجّهاً، بَيدَ أنّ الموضوع على عكس ذلك!

  • الثاني: إنّ أمره صلى الله عليه و آله هنا لم يكن أمر عزيمة و إيجاب حتى لا يجوز ردّه، و يصير الرادّ عاصياً، بل كان أمر مشورة. لأنّ الناس‌

معرفة الإمام ج۱۳

148
  • كانوا يردّون كلام النبيّ في بعض تلك الأوامر، و لا سيّما عمر، فإنّه كان يعلم من نفسه أنّه موفّق للصواب في إدراك المصالح، و كان صاحب إلهام من الله تعالى. و قد أراد التخفيف عن النبيّ إشفاقاً عليه من التعب الذي يلحقه بسبب إملاء الكتاب في حال المرض و الوجع، و قد رأى أنّ ترك إحضار الدواة و البياض أولى.

  • و ربّما خشى أن يكتب النبيّ صلى الله عليه و آله اموراً يعجز الناس فيستحقّون العقوبة بسبب ذلك، لأنّها تكون منصوصة لا سبيل إلى الاجتهاد فيها.

  • و لعلّه خاف من المنافقين أن يقدحوا في صحّة ذلك الكتاب لكونه في حال المرض فيصير سبباً للفتنة، فقال: حَسبُنَا كِتَابُ اللهِ لقوله تعالى: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ‌ءٍ.۱ و قوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي.٢ و كأنّ عمر أ مِنَ من ضلال الامّة حيث أكمل الله لها الدين و أتمّ عليها النعمة، لذا قال: حَسْبُنَا كِتَابُ اللهِ.

  • و هذا الجواب لا يصحّ أيضاً، لأنّ قول رسول الله صلى الله عليه و آله: لَا تَضِلُّوا يفيد أنّ الأمر أمر عزيمة و إيجاب لا أمر مشورة. لأنّ السعي فيما يوجب الأمن من الضلال واجب مع القدرة عليه بلا ارتياب. و استياء النبيّ صلى الله عليه و آله منهم و قوله لهم: قوموا، حين لم يمتثلوا أمره دليل آخر على أنّ أمره إنّما كان للإيجاب لا للمشورة.

  • و مضافاً إلى ذلك فإنّهم قالوا: إنّ عمر كان موفّقاً للصواب في إدراك المصالح، و كان صاحب إلهام من الله تعالى. و هذا ممّا لا يُصغي إليه في‌

    1. الآية ٣۸، من السورة ٦: الأنعام.
    2. الآية ٣، من السورة ٥: المائدة.

معرفة الإمام ج۱۳

149
  • مقامنا هذا، لأنّه يرمي إلى أنّ الصواب في هذه الواقعة إنّما كان في جانبه لا في جانب النبيّ صلى الله عليه و آله، و أنّ إلهام عمر يومئذٍ كان أصدق من الوحي الذي نطق عنه الصادق الأمين صلى الله عليه و آله.

  • و إذا قال أحد هنا لردّ الأمر الإيجابيّ: لو كان الإتيان بالدواة و الكتاب واجباً، و كانت الكتابة واجبة على النبيّ، ما تركها بمجرّد مخالفتهم، كما أنّه لم يترك التبليغ بسبب مخالفة الكافرين.

  • و جوابه: لو تمّ هذا الكلام، فإنّما يفيد كون كتابة ذلك الكتاب غير واجبة على النبيّ صلى الله عليه و آله. و هذا لا يُنافي وجوب الإتيان بالدواة و الكتف عليهم حين أمرهم النبيّ به، و بيّن لهم أنّ فائدته الأمن من الضلال و دوام الهداية لهم. إذ الأصل في الأمر إنّما هو الوجوب على المأمور، لا على الأمر، و لا سيّما إذا كانت فائدته إلى المأمور خاصّة، و الوجوب عليهم هو محلّ الكلام، لا الوجوب عليه. على أنّه يمكن أن يكون واجباً على النبيّ أيضاً، ثمّ سقط الوجوب عنه بعدم امتثالهم، و قولهم: هَجَرَ، حيث لم يبق لذلك الكتاب أثر سوى الفتنة و الفساد.

  • الثالث: إنّ عمر لم يفهم من كلام رسول الله صلى الله عليه و آله أنّ ذلك الكتاب سيكون سبباً لحفظ كلّ فرد من أفراد الامّة من الضلال، بحيث لا يضلّ بعده منهم أحد أصلًا، و إنّما فهم من قوله: لا تضلّوا، أنّكم لا تجتمعون على الضلال بقضّكم و قضيضكم، و كان يعلم أنّ اجتماعهم على الضلال ممّا لا يكون أبداً، و بسبب ذلك لم يجد أثراً لكتابته. و ظنّ أنّ مراد النبيّ ليس إلّا زيادة الاحتياط في الأمر، لما جُبِل عليه من وفور الرحمة. فعارضه تلك المعارضة بناءً منه على أنّ الأمر ليس للإيجاب.

  • و هذا الجواب غير سديد أيضاً، لأنّ قوله: لا تضلّوا يفيد أنّ الأمر للإيجاب، و استياءه منهم دليل على أنّهم تركوا أمراً من الواجبات عليهم.

معرفة الإمام ج۱۳

150
  • و هذا المعنى هو المتبادر من الحديث إلى أفهام الناس، و فهم القرويّ و الحضريّ على أنّه لو كُتب، لكان علّة تامّة في حفظ كلّ فرد من الضلال. و عمر لم يكن بهذا المقدار من البعد عن الفهم، فيفهم أنّ مراده عدم اجتماع الامّة على الضلال.

  • و كان عمر يعلم يقيناً أنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله لم يكن خائفاً على امّته أن تجتمع على الضلال، لأنّه كان يسمع قوله صلى الله عليه و آله: لَا تَجْتَمِعُ امتِي عَلَى ضَلَالٍ. وَ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى الخَطَأ. و كان يسمع قوله: لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ امَّتِي ظَاهِرينَ عَلَى الحَقِّ. و كان يقرأ قوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى‌ لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً.۱ إلى كثير من نصوص الكتاب و السنّة الصريحين بأنّ الامّة لا تجتمع بأسرها على الضلال.

  • فلا يعقل مع هذا أن يسنح في خواطر عمر أو غيره أنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله حين طلب الدواة و الكتف كان خائفاً من اجتماع امّته على الضلال. و الذي يليق بعمر أن يفهم من الحديث ما يتبادر منه إلى الأذهان، لا ما تنفيه صِحاح السنّة و محكمات القرآن.

  • على أنّ استياء رسول الله منهم دليل على أنّ الذي تركوه كان من الواجب عليهم. و لو كانت معارضة عمر عن اشتباه منه في فهم الحديث كما زعموا، لأزال النبيّ شبهته، و أبان له مراده منه، بل لو كان في وسع النبيّ أن يقنعهم بما أمرهم به، لما آثر إخراجهم عنه.

    1. الآية ٥٥، من السورة ٢٤: النور.

معرفة الإمام ج۱۳

151
  • و بكاء ابن عبّاس و جزعه من أكبر الأدلّة على ما نقوله. و الإنصاف أنّ هذه الرزيّة من أعظم الرزايا التي حلّت بالنبيّ و الإسلام و الشرف و الإنسانيّة، و هي ممّا يضيق عنها نطاق العذر عن عمر دفاعاً عن ساحته.

  • و قولهم: خاف عمر من المنافقين أن يقدحوا في صحّة ذلك الكتاب لكونه صلى الله عليه و آله في حال المرض، فيصير سبباً للفتنة، اعتباط و محال، مع وجود قوله صلى الله عليه و آله: لا تضلّوا، لأنّه نصّ بأنّ ذلك الكتاب سبب للأمن عليهم من الضلال، فكيف يمكن أن يكون سبباً للفتنة بقدح المنافقين؟

  • و إذا كان عمر خائفاً من المنافقين أن يقدحوا في صحّة ذلك الكتاب، فلما ذا بذر لهم بذرة القدح، حيث عارض و مانع و قال: هَجَرَ رَسُولُ اللهِ.

  • و أمّا قولهم في تفسير قوله: حسبنا كتاب الله أنه‌ تعالى قال: «ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ‌ءٍ» و قال: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ» فغير صحيح، لأنّ الآيتين لا تفيدان الأمن من الضلال، و لا تضمنان الهداية للناس. فكيف يجوز ترك السعي في ذلك الكتاب اعتماداً عليهما؟

  • و لو كان وجود القرآن العزيز موجباً للأمن من الضلال، لما وقع في هذه الامّة من الضلال و التفرّق ما لا يُرجَى زواله.

  • و لم يكن مراد رسول الله من الكتاب كتابة الأحكام، حتى يقال في جوابه: حَسْبُنَا كِتَابُ اللهِ‌. و لو فرض أنّ مراده كان كتابة الأحكام، فلعلّ النصّ عليها منه كان سبباً للأمن من الضلال، فلا وجه لترك السعي في ذلك النصّ اكتفاءً بالقرآن.

  • و لو فرضنا أنّه لم يكن لذلك الكتاب أثر إلّا الأمن من الضلال بمجرّده، لما صحّ تركه و الإعراض عنه أيضاً اعتماداً على أنّ كتاب الله جامع لكلّ شي‌ء. و هذا كلام لا يُعقَل.

معرفة الإمام ج۱۳

152
  • إنّ الامّة الإسلاميّة بحاجة ماسّة إلى السنّة المقدّسة، و لا تستغني عنها بكتاب الله تعالى و إن كان جامعاً مانعاً، لأنّ الاستنباط منه غير مقدور لكلّ أحد.

  • و لو كان كتاب الله مغنياً عن بيان الرسول، ما أمر الله نبيّه ببيانه للناس، إذ قال: وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ.۱

  • و أجاب البعض عن فعل عمر بأنّه على خلاف سيرة القوم كَفَرْطَةٍ سَبَقَتْ وَ فَلْتَةٍ نَذَرَتْ. و نحن لا نعلم وجه صحّته مفصّلًا.

  • و هذا غير سديد أيضاً، لأنّ القضيّة لو كانت زلّة مؤقّتة مضت في وقتها و لم تُعْقِب شيئاً، لأمكن التغاضي عنها. بَيدَ أنّها لم تكن كذلك، إذ أعقبت نتائج سيّئة للنبوّة و الولاية و حياة البشريّة و المسلمين حتى قيام قائم آل محمّد صلى الله عليه و آله.

  • إنّ هذه الفرطة و الفلتة كعمل ضئيل يسير يتمثّل في إصدار قائد الجيش أمراً يُبيد فيه جنوده برمّتهم. و هي كالضغط على زرّ قنبلة هيدروجينيّة أو ذرّيّة، فيحيل الضاغط قارّة بأسرها رماداً على غرّة. و ينبغي أن لا نقول عملًا ضئيلًا يمكن التغاضي عنه، إذ لا بدّ أن نرى مدى‌

    1. الآية ٤٤، من السورة ۱٦: النحل.
      و الأجوبة الواردة في البحث الحادي عشر، التي قدّمها علماء العامّة للدفاع عن عمر في ردّ كتابة رسول الله، و أجوبتها كلّها مأخوذة من الكتاب النفيس الثمين «المراجعات» ص ٢٤٦ إلى ٢٥۱، المراجعتان ۸۷ و ۸۸، الطبعة الأولى. و كان المرحوم آية الله السيّد شرف الدين العامليّ قد سافر إلى مصر سنة ۱٣٢٩ هـ. و ناظر فيها أحد علمائها الأعلام -الذي كان شيخ الإسلام في ربوعها- ثمّ تبودلت مناظراتهما عبر المراسلة. و قد طُبع هذا السِّفر الكريم لحدّ الآن (سنة ۱٤۱۰ هـ) عشرين مرّة. و رحّب جميع المسلمين بموضوعاته، و تشيّع الكثيرون من إخواننا السُّنَّة ببركة مطالعته. و هو من الكتب الخالدة. و ينبغي للجميع مطالعته.

معرفة الإمام ج۱۳

153
  • أثره إلى أقصى مداه في العالم. مضافاً إلى ذلك، أنّنا لم نجد أنّ عمر قد ندم على عمله، بل كان يزداد انتهاكاً و تعدّياً على مرِّ الأيّام منذ الوقت الذي رتّب فيه ذلك المجلس المعروف. فهل يمكن التغاضي عن هذا الإصر؟!

  • جرائم عمر غيّرت مجرى التأريخ‌

  • إن جرائم عمر لم تقتصر على أهل بيت النبوّة و بني عبد المطّلب و على رأسهم عليّ بن أبي طالب و بضعة الرسول الكريمة فاطمة الزهراء، بل امتدّت فغيّرت مجرى التأريخ الإسلاميّ. إنّه أساء إلى خطّ النبوّة و انتهك قداسته، و خان إبراهيم و موسى و المسيح، و أضرّ بأصل الإنسانيّة و مسّ شرفها و خلودها. و أغار على موكب السائرين في طريق المعرفة، و ترك الدنيا ناراً مستعرة، و شلّ الخطّة التي أتى بها رسول الله بأمر ربّه من أجل خير الناس و إعدادهم لدخول الجنّة. فلو كانت قضيّة عمر منحصرة في جنايته على أمير المؤمنين و فاطمة الزهراء و حدهما، لأمكن التغاضي عنها.

  • إنّه حطّم كيان الصدق و الأمانة، و اشتبك مع روح النبوّة من خلال نسبة الهجر إلى القطب الأوّل في عالم الوجود، و تشكيل مشهد المنع، و ردّ الاعتراض. إنّه طَيَّن عين الشمس.

  • شور بختان به آرزو خواهند***مقبلان را زوال نعمت و جاه‌
  • گر نبيند به روز شب‌پره چشم‌***چشمه آفتاب را چه گناه‌
  • راست خواهى هزار چشم چنان‌***كور، بهتر كه آفتاب سياه‌۱
    1. «گلستان سعدي» ص ۱٥، طبعة عبد العظيم گرگانى.
      يقول: «يتمنّى الأشقياء من صميم قلوبهم أن تزول نعمة السعداء و جاههم.
      و إذا لم يبصر الخفّاش طريقه في النهار، فما هو ذنب عين الشمس؟
      إذا رُمتَ الصواب و الحقيقة فإنّ ألف عين عمياء كعيون الخفّاش خير من أن تكون الشمس كاسفة».

معرفة الإمام ج۱۳

154
  • لقد كان أمير المؤمنين عليه السلام روح رسول الله صلى الله عليه و آله و سرّه و نفسه النفيسة. و كان عالماً بالكتاب و السنّة، عارفاً بالله و مبدأه و معاده. و لم يكن أحد مثله كما أجمعت على ذلك الامّة بأسرها. أمّا عمر فقد سلّط فأسه على جذر هكذا شجرة، و حاول تنزيله من مقامه الشامخ ليرديه إلى الأرض! لقد عزل أمير المؤمنين، أو حقيقة العلم و المعلّم الثاني للُامّة بعد رسول الله، و لم يعزله خمساً و عشرين سنة فحسب، بل عزله حتى ظهور الإمام المهديّ. و قد طمس معنى القرآن و تفسيره و تأويله، و قدّمه إلى الامّة جسداً بلا روح كالورق. و لو كان عمله جزئيّاً و فلتة و فرطة، فلا معنى عندنا للعمل العامّ و المهمّ.

  • و هنا يتبيّن كلام رسول الله: مَا اوذِيَ نَبِيّ مِثْلَ مَا اوذِيتُ قَطُّ. إنّه الأذى الروحي الذي عاناه رسول الله صلى الله عليه و آله من مقرّبين كهؤلاء حتى قال و هو يحتضر: قوموا، اذهبوا، و أعرض بوجهه الكريم عنهم، و رأى أنّ أفضل هديّة يقدّمها لابنته فاطمة بعده هي الموت. و لمّا أخبرها أنّها أوّل أهله لحوقاً به، سُرَّتْ و ضحكت. أيّ فاطمة هي؟ إنّها فاطمة التي قال الشاعر في حقّها:

  • مِشْكَاةُ نُورِ اللهِ جَلَّ جَلَالُهُ‌***زَيْتُونَة عَمَّ الوَرَى بَرَكَاتُهَا
  • هي قُطْبُ دَائِرَةِ الوُجُودِ وَ نُقْطَةٌ***لَمَّا تَنَزَّلَتْ أكْثَرَت كَثَراتِهَا
  • هي أحْمَدُ الثَّانِي وَ أحْمَدُ عَصْرِهَا***هي عُنْصُرُ التَّوْحِيدِ في عَرَصَاتِهَا۱
    1. نقلًا عن كتاب «خصائص الفاطميّة» للميرزا محمّد باقر واعظ الطهرانيّ. ذكرها عن الشيخ الحرّ العامليّ.

معرفة الإمام ج۱۳

155
  • صبر رسول الله و عليّ عليهما السلام و تحمّلهما أمام المشاكل‌

  • و أوصى رسول الله صلى الله عليه و آله عليّ بن أبي طالب عليه السلام بالصبر و الاستقامة حفظاً للإسلام و بقاءً للشرف الإنسانيّ، و صبر عليه السلام و استقام حتى حار الصبر و الاستقامة منه.

  • و ينبغي أن لا نتلمّس شجاعة علىّ في السيف يوم احُد، و بدر، و الأحزاب، و حُنَين. بل نتلمّسها هنا، إذ السيف بيده و لم يضرب به، و لم يسفك قطرة دم واحدة حتى لو عصروا فاطمة بين الباب و الجدار. ذلك أنّ حبيبه رسول الله قال له: إن لم تجد ناصراً، فلا تُشهر سيفك!

  • غير از على، كه لايق پيغمبرى بُدى؟***گر خواجهء رسل نبُدى ختم أنبياء
  • فردا كه هر كسى به شفيعى زنند دست‌***دست من است و دامن معصوم مرتضي‌۱
  • يقول القاضي نور الله الشوشتريّ في «مجالس المؤمنين» في باب تشيّع سعدي الشيرازيّ: من جملة أشعار الشيخ العظيم التي تدلّ على صحّة عقيدته البيتان المذكوران اللذان رأيتهما في نسخة قديمة من ديوانه.

  • و يمكن أن نعد شعره في ديباجة «بوستان» دليلًا آخراً على تشيّعه أيضاً؛ يقول:

  • خدايا به حقّ بنى فاطمه‌***كه بر قول ايمان كنم خاتمه‌
  • اگر دعوتم رد كنى يا قبول‌***من و دست دامان آل رسول‌٢
    1. يقول: «لو لم يكن سيّد الرسل خاتم الأنبياء، فمن يليق بالنبوّة غير عليّ؟
      و إذا استشفع المرء بأحد غداً فإنّي أمسك بتلابيب المعصوم المرتضى».
    2. يقول: «إلهي! بحقّ بني فاطمة وفّقني أن أختم حياتي بالإيمان.
      و إذا رددتني أو قبلتني فإنّي أمسك بحبل آل الرسول».

معرفة الإمام ج۱۳

156
  • و يرشدنا البيت الآتي أيضاً بصراحة إلى ولائه لإمامة أمير المؤمنين عليه السلام و ولايته:

  • سعديا شرمى بدار آخر چه مى‌ترسى بگو***نيست بعد از مصطفى مولاي ما إلّا على‌۱
  • روى أبو نُعَيم الإصفهانيّ بسنده عن أبي صالح الحنفيّ، عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنّه قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أوْصِنِي! قَالَ: قُلْ رَبِّيَ اللهُ ثُمَّ اسْتَقِمْ! قَالَ: قُلْتُ: اللهُ رَبِّي وَ مَا تَوْفِيقِي إلَّا بِاللهِ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إلَيْهِ انِيبُ! فَقَالَ: لِيَهنِكَ العِلْمُ أبَا الحَسَنِ لَقَدْ شَرِبْتَ العِلْمَ شُرْباً، وَ نَهِلْتَهُ نَهْلًا.

  • و نحن‌ لا نجد أحداً من الصحابة مطّلعاً على سرّ عالَم الوجود و سبيل الخير و السعادة و طريق الحصانة من الآفات و العاهات الروحيّة و المعنويّة كأمير المؤمنين عليه السلام، و خطبه و كلماته كخطب رسول الله و كلماته، و كأنّه هو و رسول الله قد تناميا من جذر واحد. فهما عليهما الصلاة و السلام‌

    1. يقول: «أ ما تستحي يا سعدي؟ ممّ تخاف؟ قل: ليس لنا مولى بعد المصطفى إلّا عليّ».يرى البعض أنّ سعدي كان سنّيّاً، مستدلّين بظاهر عباراته و أشعاره، بخاصّة قصيدته التي نظمها في رثاء المستعصم و سمّاه فيها: أمير المؤمنين. و منها هذا البيت.
      آسمان را حق بود گر خون ببارد بر زمين***بر زوال ملك مستعصم أمير المؤمنين‌
      (يقول: «حقيق لو مطرت السماء دماً لزوال ملك أمير المؤمنين المستعصم»). و ذهب كثير من العلماء إلى أنّه كان شيعيّاً، حاملين أشعاره و كلماته في الخلفاء على التقيّة، و نخصّ منهم القاضي نور الله الشوشتريّ الذي ذكر البيتين الأوّلين اللذين نقلناهما في النصّ، و قال إنّه رآهما في نسخة قديمة من نسخ ديوانه. و عندي أنّ سعدي، و العطّار، و محيي الدين بن عربي و أمثالهم كانوا في البداية سُنّة، ثمّ أدركوا الحقيقة في الفترة الأخيرة من أعمارهم بسبب كثرة مطالعاتهم أو بسبب تألّق نور العرفان في قلوبهم، فتشيّعوا.

معرفة الإمام ج۱۳

157
  • من منظار التحليل العلميّ في خطّ واحد و مسير واحد. لذا يجب أن يكون عليّ خليفة محمّد صلى الله عليهما و سلّم.

  • كلماتٌ لأمير المؤمنين عليه السلام‌

  • انظر في الكلمات الآتية المأثورة عن أمير المؤمنين، فهي في قوّتها و رصانتها ككلمات رسول الله صلى الله عليه و آله:

  • روى أبو نُعَيم بسنده عن قيس بن أبي حازم أنّه قال: قال عليّ عليه السلام: كُونُوا لِقَبُولِ العَمَلِ أشَدَّ اهْتِمَاماً مِنْكُمْ بِالعَمَلِ! فَإنَّهُ لَنْ يَقِلَّ عَمَلٌ مَعَ التَّقْوَى، وَ كَيْفَ يَقِلُّ عَمَلٌ يُتَقَبَّلُ؟

  • و روى أيضاً عن عبد خَير، عن عليّ عليه السلام قال: لَيْسَ الخَيْرَ أنْ يَكْثُرَ مَالُكَ وَ وَلَدُكَ وَ لَكِنَّ الخَيْرَ أنْ يَكْثُرَ عِلْمُكَ، وَ يَعْظُمَ حِلْمُكَ، وَ أنْ تُبَاهِيَ النَّاسَ بِعِبَادَةِ رَبِّكَ. فَإنْ أحْسَنْتَ حَمِدتَ اللهَ، وَ إنْ أسَأتَ اسْتَغْفَرْتَ اللهَ. وَ لَا خَيْرَ في الدُّنْيَا إلَّا لأحَدِ رَجُلَيْنِ: رَجُلٍ أذْنَبَ ذَنْباً فَهُوَ تَدَارَكَ ذَلِكَ بِتَوْبَةٍ، أوْ رَجُلٍ يُسَارِعُ في الخَيْرَاتِ، وَ لَا يَقِلُّ عَمَلٌ في تَقْوَى، وَ كَيْفَ يَقِلُّ مَا يُتَقَبَّلُ؟

  • و روى أيضاً بسنده‌ عن عِكَرَمة بن خالد أنّه قال، و كذلك بسنده الآخر عن أبي زَغَل أنّه قال: قال عليّ بن أبي طالب عليه السلام: احْفَظُوا عَنِّي خَمْساً! فَلَوْ رَكِبْتُمُ الإبِلَ في طَلَبِهَا لأنْضَيْتُمُوهُنَّ قَبلَ أن تُدْرِكُوهُنَّ: لَا يَرْجُو عَبْدٌ إلَّا رَبَّهُ، وَ لَا يَخَافُ إلأ ذنْبَهُ، وَ لَا يَسْتَحْيِي جَاهِلٌ أن يَسْألَ عَمَّا لَا يَعْلَمُ، وَ لَا يَسْتَحْيِي عَالِمٌ إذَا سُئِلَ عَمَّا لَا يَعْلَمُ أن يَقُولَ: اللهُ أعْلَمُ. وَ الصَّبْرُ مِنَ الإيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأسِ مِنَ الجَسَدِ. وَ لَا إيمَانَ لِمَنْ لَا صَبْرَ لَهُ.

  • و روى أيضاً بسنده عن المهاجر بن عُمَير أنّه قال: قال عليّ بن أبي طالب عليه السلام: إنَّ أخْوَفَ مَا أخَافُ اتِّبَاعُ الهَوَى وَ طُولُ الأمَلِ. فَأمَّا اتِّبَاعُ الهَوَى فَيَصُدُّ عَنِ الحَقِّ، وَ أمَّا طُولُ الأمَلِ فَيُنْسِي الآخِرَةَ.

  • ألَا وَ إنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَرَحَّلَتْ مُدْبِرَةً. ألَا وَ إنَّ الآخِرَةَ قَدْ تَرَحَّلَتْ مُقْبِلَةً،

معرفة الإمام ج۱۳

158
  • وَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَنُونَ. فَكُونُوا مِنْ أبْنَاءِ الآخِرَةِ، وَ لَا تَكُونُوا مِنْ أبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإنَّ اليَوْمَ عَمَلٌ وَ لَا حِسَابٌ، وَ غَداً حِسَابٌ وَ لَا عَمَلٌ.۱

  • و كذلك روى بسنده عن عاصم بن ضُمَرَة أنّه قال: قال عليّ بن أبي طالب عليه السلام: ألَا إنَّ الفَقِيهَ كُلَّ الفَقِيهَ الذي لَا يُقَنِّطَ النَّاسَ مِن رَحْمَةِ اللهِ، وَ لَا يُؤَمِّنُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللهِ، وَ لَا يُرَخِّصُ لَهُمْ في مَعَاصِي اللهِ، وَ لَا يَدَعُ القُرْآنَ رَغْبَةً عَنْهُ إلى غَيْرِهِ. وَ لَا خَيْرَ في عِبَادَةٍ لَا عِلْمَ فِيهَا، وَ لَا خَيْرَ في عِلْمٍ لَا فَهْمَ فِيهِ، وَ لَا خَيْرَ في قِرَاءَةٍ لَا تَدَبُّرَ فِيهَا.٢

  • و روى أيضاً بسنده عن عمرو بن مُرَّة، عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنّه قال: كُونُوا يَنَابِيعَ العِلْمِ، مَصَابِيحَ اللَّيْلِ، خَلِقَ الثِّيَابِ، جُدُدَ القُلُوبِ، تُعْرَفُوا بِهِ في السَّمَاءِ، وَ تُذْكَرُوا بِهِ في الأرْضِ.٣

  • و روى بسنده عن أبي أراكة أنّه قال: صلى عَلِيّ الغَدَاةَ ثُمَّ لَبِثَ في مَجْلِسِهِ حتى ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ قَيْدَ رُمْحٍ كَأنَّ عَلَيْهِ كَآبَةً. ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ رَأيْتُ أثَراً مِنْ أصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَمَا أرَى أحَداً يُشْبِهُهُمْ. وَ اللهِ إنْ كَانُوا لَيُصْبِحُونَ شُعْثاً غُبْراً صُفْراً، بَيْنَ أعْيُنِهِمْ مِثْلُ رُكَبِ المَعْزَى، قَدْ بَاتُوا يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، يُرَاوِحُونَ بَيْنَ أقْدَامِهِمْ وَ جِبَاهِهِمْ (بين السجود و القيام)،٤ إذَأ ذكِرَ اللهُ مَادُوا كَمَا تَمِيدُ الشَّجَرَةُ في يَوْمِ رِيحٍ، فَانْهَمَلَتْ‌

    1. انظر في جميع ما تقدّم ممّا نقله أبو نعيم: «حلية الأولياء» ج ۱، ص ٦٥ إلى ۷٦.
    2. «حلية الأولياء» ج ۱، ص ۷۷. و ذكره الكُلينيّ أيضاً بسندين في «اصول الكافي» ج ۱، ص ٢٦، كتاب العلم، باب صفة العلماء، طبعة حيدري.
    3. «حلية الأولياء» ج ۱، ص ۷۷.
    4. أي: كانوا يتلون القرآن في ركعات صلاة الليل وقوفاً، ثمّ يركعون و يسجدون بعد الفراغ من التلاوة. و هذه هي كيفيّة صلاة الليل و تلاوة القرآن. و نحن تحدّثنا مفصّلًا عن هذا الموضوع في كتاب «نور ملكوت القرآن» ج ٣، البحث السادس.

معرفة الإمام ج۱۳

159
  • أعْيُنُهُمْ حتى تَبَلَّ وَ اللهِ ثِيَابُهُمْ، وَ اللهِ لَكَأنَّ القَوْمَ بَاتُوا غَافِلِينَ.۱

  • و روى بسنده عن نوف البِكاليّ أنّه قال: رأيتُ عليّ بن أبي طالب خرج و نظر في النجوم و قال: يَا نَوْفُ! أ رَاقِدٌ أنْتَ أمْ رَامِقٌ؟! قُلْتُ: بَلْ رَامِقٌ يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ! فَقَالَ: يَا نَوْفُ! طُوبَى لِلزَّاهِدِينَ في الدُّنْيَا، الرَّاغِبِينَ في الآخِرَةِ، اولَئِكَ قَوْمٌ اتَّخَذُوا الأرْضَ بِسَاطاً، وَ تُرابَهَا فِرَاشاً، وَ مَاءَهَا طِيباً، وَ القُرآنَ و الدُّعَاءَ دِثَاراً وَ شِعاراً، قَرَضُوا الدُّنْيَا عَلَى مِنْهَاجِ المَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

  • يَا نَوْفُ! إنَّ اللهَ تَعَالَى أوْحَى إلَى عيسى أنْ مُرْ بَنِي إسْرَائِيلَ أنْ لَا يَدْخُلُوا بَيْتاً مِنْ بُيُوتِي إلَّا بِقُلُوبٍ طَاهِرَةٍ، وَ أبْصَارٍ خَاشِعَةٍ، وَ أيْدٍ نَقِيَّةٍ، فَإنِّي لَا أسْتَجِيبُ لأحَدٍ مِنْهُمْ وَ لأحَدٍ مِنْ خَلْقِي عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ.

  • يَا نَوْفُ! لَا تَكُنْ شَاعِراً، وَ لَا عَرِيفاً، وَ لَا شُرْطِيّاً، وَ لَا جَابِياً، وَ لَا عَشَّاراً، فَإنَّ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَامَ في سَاعَةٍ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ: إنَّهَا سَاعَةٌ لَا يَدْعُو عَبْدٌ إلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ فِيهَا، إلَّا أنْ يَكُونَ عَرِيفاً، أوْ شُرطِيّاً، أوْ جَابِياً، أوْ عَشَّاراً، أوْ صَاحِبَ عُرْطُبَةِ -وَ هُوَ الطُّنْبُورُ- أوْ صَاحِبَ كُوبَةٍ -وَ هُوَ الطَّبْل-.٢

  • هل تعلمون لما ذا لم يَنْقَدْ أبو بكر، و عمر و زمرتهما من قريش لأمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلّين؟ لأنّهم يعلمون أنّه رجل من هذا الطراز. و هذا هو خطّه و منهجه، و هذه هي علومه و زهده، و هذا هو إنصافه و عدله، و هذه هي كلماته و مواعظه.

  • إنّ عليهم أن يلملموا رحلهم في ظلّ حكومة عليّ، و عليهم أن يكونوا

    1. «حلية الأولياء» ج ۱، ص ۷٦.
    2. «حلية الأولياء» ج ۱، ص ۷٩.

معرفة الإمام ج۱۳

160
  • مأمورين بالسير في هذه الطرق، بَيدَ أنّهم لا يريدون ذلك، يريدون أن يكونوا امراء، امراء في تعبئة الجيوش، و الانتهاك، و العدوان، و الغارة، و الأسر، لا للّه و لا في الله، بل حبّاً لرئاستهم، و إن اقترنت أعمالهم تلك بضروب الظلم و العدوان، لذلك فهم يهجون حكومة عليّ، و يرونها في غير سَدَد.

  • و أنا مشغول الآن بكتابة هذه الكلمات، خطر في ذهني معنى لقول عمر: هَجَرَ رَسُولُ اللهِ‌. و هو أنّه أراد أن يقول: رئاسة عليّ و إمارته، و حكومته هَجْر و هذيان، كقولنا: إنّ الموضوع الفلانيّ ناتج عن رؤيا مضطربة. أنّه يقول: إنّ كلام رسول الله في أبديّة الثقلين يتعذّر قبوله إلى درجة أنّه عين الهجر و الهذيان.

  • أمّا عليّ فقد اجتاز أنانيّة الهوى و الهوس، و لَحِقَ بالحقّ، و اندكّ في الذات الأحديّة، و وقّف نفسه فداءً للّه و رسوله، فما علاقته بمكيدة القوم التي استخدموها لإقرار حكومتهم؟

  • شعر في مدح أمير المؤمنين عليه السلام‌

  • و ما أروع الشعر الذي نظمه سماحة استاذنا الأكرم آية الله العلّامة الطباطبائيّ قدّس الله نفسه الشريفة! حيث قال:

  • دامن از انديشة باطل بكش‌***دست از آلودگى دل بكش‌
  • كار چنان كن كه در اين تيره خاك‌***دامن عصمت نكنى چاك‌چاك‌۱و٢
    1. يقول: «طهّر نفسك من الباطل و ارْعَوِ عن تدنيس قلبك.
      اعملْ في هذه الدنيا المظلمة عملًا تحافظ فيه علي عصمتك و طهارتك (و تصون فيه سمعتك و ماء وجهك)».
    2. حسينى طهرانى، سيد محمد حسين، معرفة الإمام، ۱۸جلد، دار المحجة البيضاءبيروتلبنان، چاپ: ۱، ۱٤۱٦ ه.ق.

معرفة الإمام ج۱۳

161
  • يا به دل انديشة جانان ميار***يا به زبان، نام دل و جان ميار
  • پيش نياور سخن گنج را***ور نه فراموش نما رنج را
  • يا منگر سوى بتان تيز تيز***يا قدم دل بكش از رستخيز
  • روى بتان گر چه سراسر خوش است‌***كشتهء آنيم كه عاشق كش است‌
  • عشق بلند آمد و دلبر غيور***در أدب آويز رها كن غرور
  • چرخ بدين سلسله پا در گل است‌***عقل بدين مرحله لا يعقل است‌
  • جان و جسد سوخته زين مرهمند***مُلك و مَلَك سوخته اين غمند۱
    1. يقول: «إمّا لا تُشْعِر قلبك بفكرة الله، أو لا تذكر اسم الحبيب على لسانك.لا تتحدّث بالكنز و إذا أردتَ أن تتحدّث به فانسَ العناء.إمّا لا تنظر بوَلَعٍ إلى ذوي الوجوه الحسان، أو اصدف عن الاعتقاد بيوم القيامة.إن الوجوه الحسان و إن كانت مُبهجة كلّها بَيدَ أننا ضحايا حبيب يقتل العاشقين.إن عالم العشق رفيع جدّاً و إنّ محبوبنا و معشوقنا غيور فراعِ الأدب و دعِ الغرور.الكون كلّه مقيّد بسلسلة العشق و أقدام الجميع غاطسة في الوحل، و العقل في هذه المرحلة لا يعقل.إن الأرواح و الأجساد احترقت من هذا المرهم، و المُلك و المَلَك احترقا بنار العشق و غمّه».و قد نشرت صحيفة «قُدس» المحلّيّة الصادرة في مدينة مشهد المقدّسة هذه الأبيات للعلّامة الطباطبائيّ قدّس سرّه في العدد ٥٤٩، السنة الثانية، يوم الأربعاء ۱٥ ربيع الآخر ۱٤۱۰ هـ المصادف ٢٤/ ۸/ ۱٣٦۸ هـ. ش، (الموافق ۱٥/ ۱۱/ ۱٩۸٩ م).و من المؤسف أنّ الصحيفة المذكورة جعلت الذكرى السنويّة لوفاة العلّامة في اليوم المشار إليه حسب التأريخ الشمسيّ. و حسبت الذكرى وفقاً للسنة الشمسيّة على خلاف الموازين الشرعيّة كلّها. و كان يوم وفاة العلّامة في الثامن عشر من محرّم الحرام، و ليس الخامس عشر من ربيع الثاني، فتأمّل و افهم و انظر إلى أين يجرّ الضلالُ الإنسانَ.
      خشت اوّل چون نهد معمار كج***تا ثريّا مى‌رود ديوار كج‌
      يقول: «إذا وضع المعمار اللبنة الأولى معوجّة، فإنّ الجدار يظلّ معوجّاً و لو ارتقى إلى الثريّا».

معرفة الإمام ج۱۳

162
  • أجل، إنّ عليّاً هو الذي اجتاز الكون و المكان، و طاطأ رأسه مسلّماً خاضعاً لعبوديّة الحقّ.

  • صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ يَا أبَا الحَسَنِ وَ عَلَى زَوْجَتِكَ الطَّاهِرَةِ وَ أوْلَادِكَ الطَّاهِرِينَ مَا بَقِيَ اللَّيْلُ وَ النَّهَارُ.

  • مهر تو را به عالم امكان نمي‌دهم‌***اين گنج پر بهاست من ارزان نمي‌دهم‌
  • يك قطره از سرشگ كه ريزم به يادشان‌***آن قطره را به گوهر غلطان نمي‌دهم‌
  • گر انتخاب جنّت و كوثر به من دهند***كوى تو را به جنّت و رضوان نمي‌دهم‌۱
    1. يقول: «لا اقايض حبَّك بعالَم الإمكان (لا أرتضي بعالم الإمكان، عن حبّك بدلًا) فهو كنز ثمين لا اعطيه زهيداً.
      إن الدمعة التي أسكبها عند ذكرهم لا اعادلها بالجوهرة المستديرة.
      لو خُيِّرتُ بين الجنّة و الكوثر و بين دربك لما اخترتُ الجنّة و الرضوان دونه».

معرفة الإمام ج۱۳

163
  • نام تو را به نزد أجانب نمي‌برم‌***چون اسم أعظم است، به ديوان نمي‌دهم‌
  • من را غلامى تو بود تاج افتخار***اين تاج را به افسر شاهان نمي‌دهم‌
  • دست طلب ز دامنشان من نمي‌كشم‌***دل را به غير عترت و قرآن نمي‌دهم‌
  • درّ ولايتى كه نهفتم ازو به دل‌***تابنده گوهرى است من ارزان نمي‌دهم‌
  • در عاريت سراى جهان! جان عاريت‌***جز در ثناى حضرت جانان نمي‌دهم‌
  • آل على است جان جهان و جهان جان‌***بى مهرشان به قابض جان، جان نمي‌دهم‌
  • جان مى‌دهم به شوق وصال تو يا على‌***تا بر سرم قدم ننهى جان نمي‌دهم‌۱
    1. يقول: «لا أذكر اسمك عند الأجانب (خوفاً من هتك حرمته) فهو الاسم الأعظم، و لا اعطيه العفاريت.
      إن عبوديّتي لك تاجُ فخرٍ لي و لا أبتغي تاج الملوك عنه بدلًا.
      لا أقبض يدي عن التعلّق بأذيالهم (عن أهل البيت) و قلبي لا ينشدّ إلّا إلى القرآن و العترة.
      إن درّ الولاية الذي أخذته منه و أخفيته في قلبي جوهر ساطع لا اعطيه زهيداً.
      إن روحي المودعة بين جَنْبَيّ في هذه الدنيا العارية لا أفديها إلّا في الثناء على الحبيب المعشوق.
      إن آل عليّ روح العالَم و عالَم الروح و لا اسلّم روحي لقابض الأرواح بدون حبّهم.
      أبذل مهجتي شوقاً إلى لقائك يا عليّ، و لا أجود بروحي ما لم تضع قدمك على رأسي».

معرفة الإمام ج۱۳

164
  • امروز هر كسي به بُتى جان سپرده است‌***من سر به غير قبلهء ايمان نمي‌دهم‌۱
  • و روى أبو نعيم الإصفهانيّ بسنديه عن حُذيفة بن اليمان أنّه قال: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أ لَا تَسْتَخْلِفُ عَلِيَّاً؟ قَالَ: إنْ تُوَلُّوا عَلِيَّاً تَجِدُوهُ هَادِياً مَهْدِيَّاً يَسْلُكُ بِكُمُ الطَّرِيقَ المُسْتَقِيمَ.٢

  • و كذلك روى بسندين عن حُذيفة أنّه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: إنْ تَسْتَخْلِفُوا عَلِيَّاً -وَ مَا أرَاكُمْ فَاعِلين- تَجِدُوهُ هَادِياً مَهْدِيَّاً يَحْمِلُكُمْ عَلَى المَحَجَّةِ البَيْضَاءِ.٣

  • حَفِظْتَ رَسُولَ اللهِ فِينَا وَ عَهْدَهُ‌***إلَيْكَ وَ مَنْ أولى بِهِ مِنْكَ مَنْ وَ مَنْ‌
  • أ لَسْتَ أخَاهُ في الهُدَى وَ وَصِيَّةُ***وَ أعْلَمَ مِنْهُمْ بِالكِتَابِ وَ بِالسُّنَن‌٤
    1. يقول: «لقد عكف الناسُ اليومَ كلٌّ على صنمه، أمّا أنا فلا أتوجّه إلّا شطر قِبلة الإيمان».عن كتاب «مصيبة الأولياء» طبعة إقبال، من نظم أحمد الحسينيّ الفيروزآباديّ. و قد نظمها صاحبها في الإمام الحسين عليه السلام، فلذا جاء البيت الآتي بعد البيت الرابع:
      اى خاك كربلاى تو مهر نماز من***آن مهر را به مهر سليمان نمي‌دهم‌
      يقول: «يا مَن تربة كربلائك تربة صلاتى، فلا اقايض تلك التربة بخاتم سليمان».و جاء في البيت ما قبل الأخير قوله:
      جان مى‌دهم به شوق وصال تو يا حسين***...
      يقول: «أبذل مهجتي شوقاً إلى لقائك يا حسين».بَيدَ أنّا لمّا أوردنا هذه الأبيات في أمير المؤمنين عليه السلام، فقد نقلناها بالنحو المذكور على سبيل الاقتباس و الاستخدام.
    2. «حلية الأولياء» ج ۱، ص ٦٤.
    3. المصدر السابق.
    4. «المراجعات» ص ٢۸۷، الطبعة الأولى. و البيتان لحسّان بن ثابت.

معرفة الإمام ج۱۳

165
  • وَ إنَّ وَلِيّ الأمْرِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ***عَلِيّ وَ في كُلِّ المَوَاطِنِ صَاحِبُهْ‌
  • وَصِيّ رَسُولِ اللهِ حَقَّاً وَ صِنْوُهُ‌۱***وَ أوَّلُ مَنْ صلى وَ مَنْ لَانَ جَانِبُهْ‌٢
    1. «المراجعات» ص ٢۸٦. و البيتان لعبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب.
    2. «المراجعات» ص ٢۸٦. و البيتان لعبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب.

معرفة الإمام ج۱۳

167
  •  

  •  

  • الدَّرْسُ السَّادِسُ وَ الثَّمانُونَ بَعْدَ المِائَةِ إلى التِّسْعِينَ بَعْدَ المِائَةِ تواتر حديث الثقلين‌

  •  

  •  

معرفة الإمام ج۱۳

169
  •  

  •  

  • بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‌

  • و صلى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ الطَّاهِرِينَ‌

  • و لَعْنَةُ اللهِ عَلَى أعْدَائهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ الآنَ إلَى قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ‌

  • و لَا حَولَ و لَا قُوَّةَ إلَّا بِاللهِ العَلِيّ العَظِيمِ‌

  •  

  •  

  • مهمّة رسول الله في بيان الآيات للناس‌

  • قال الله الحكيم في كتابه الكريم:

  • وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ، بِالْبَيِّناتِ وَ الزُّبُرِ وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ.۱

  • شاهِدُنا هنا هو ذيل الآية الثانية: وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ. أي: أنّنا أرسلنا القرآن إلى الناس تدريجيّاً، و نزوله الدفعيّ إليك من أجل أن تبيّنه للناس و تشرحه و تفسّره، فأنت نافذة و آية لعبور الوحي إلى الناس؛ و نزل القرآن في الحقيقة إليهم و عليهم عبر مرآة نفسك و آيتها و نافذتها الوحيدة! و هكذا فبيانه و توضيحه و شرحه و تفسيره عليك أنت لا على غيرك!

  • قال سماحة استاذنا الأكرم آية الله العلّامة الطباطبائيّ قدّس سرّه في تفسير هذه الفقرة:

  • لا شكّ أنّ تنزيل الكتاب على الناس، و إنزال الذكر على النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله واحد، بمعنى أنّ تنزيله على الناس هو إنزاله إليه‌

    1. الآيتان ٤٣ و ٤٤، من السورة ۱٦: النحل.

معرفة الإمام ج۱۳

170
  • ليأخذوا به و يوردوه مورد العمل كما قال تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً.۱ و قال: لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَ فَلا تَعْقِلُونَ.٢

  • فيكون محصّل المعنى أنّ القصد بنزول هذا الذكر إلى عامّة البشر و أنّك و الناس في ذلك سواء. و إنّما اخترناك لتوجيه الخطاب و إلقاء القول لا لنحمّلك قدرة غيبيّة و إرادة تكوينيّة إلهيّة فنجعلك مسيطراً عليهم و على كلّ شي‌ء! بل لأمرين:

  • أحدهما: أن تبيّن للناس ما نُزِّل إليهم، لأنّ المعارف الإلهيّة لا ينالها الناس بلا واسطة! فلا بدّ من بعث واحدٍ منهم للتبيين و التعليم. و هذا هو غرض الرسالة ينزل إليه الوحي فيحمله ثمّ يؤمر بتبليغه و تعليمه و تبيينه.

  • و الثاني: رجاءَ أن يتفكّروا فيك فيتبصّروا أنّ ما جئت به حقّ من عند الله. فإنّ الأوضاع المحيطة بك و الحوادث و الأحوال الواردة عليك في مدى حياتك من اليُتم، و خمود الذكر، و الحرمان من التعلّم و الكتابة، و فقدان مُرَبّ صالح، و الفقر و الاحتباس بين قوم جهلة أخسّاء صفر الأيدي من مزايا المدنيّة و فضائل الإنسانيّة، كانت جميعاً أسباباً قاطعة أن لا تذوق من عين الكمال قطرة، و لا تقبض من عُرى السعادة على مسكة، لكنّ الله سبحانه و تعالى أنزل إليك ذكراً تتحدّى به الجنّ و الإنس مهيمناً على سائر الكتب السماويّة تبياناً لكلّ شي‌ء و هدى و رحمة و برهاناً و نوراً مبيناً.

  • (إلى أن قال): و من لطيف التعبير في الآية قوله: وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ‌، و: ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ‌ بتفريق الفعلين بالإفعال الدالّ على اعتبار الجملة و الدفعة،

    1. الآية ۱۷٤، من السورة ٤: النساء.
    2. الآية ۱۰، من السورة ٢۱: الأنبياء.

معرفة الإمام ج۱۳

171
  • و التفعيل الدالّ على اعتبار التدريج.

  • و لعلّ الوجه في ذلك أنّ العناية في قوله: وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ بتعلّق الإنزال بالنبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله فقط من غير نظر إلى خصوصيّة نفس الإنزال، و لذلك أخذ الذكر جملة واحدة، فعبّر عن نزوله من عنده تعالى بالإنزال.

  • و أمّا الناس، فإنّ الذي لهم من ذلك هو الأخذ و التعلّم و العمل، و قد كان تدريجيّاً، و لذلك عُني به، و عبّر عن نزوله إليهم بالتنزيل.

  • و في الآية دلالة على حُجّيّة قول النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله في بيان الآيات القرآنيّة.

  • و أمّا ما ذكره بعضهم أنّ ذلك في غير النصّ و الظاهر من المتشابهات، أو فيما يرجع إلى أسرار كلام الله و ما فيه من التأويل فممّا لا ينبغي أن يُصغى إليه.

  • هذا في نفس بيانه صلى الله عليه و آله، و يلحق به بيان أهل بيته لحديث الثقلين المتواتر و غيره. و أمّا سائر الامّة من الصحابة أو التابعين أو العلماء، فلا حجّيّة لبيانهم، لعدم شمول الآية و عدم وجود نصّ معتمد عليه يعطي حجّيّة بيانهم على الإطلاق.

  • و أمّا قوله تعالى: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ‌، فقد تقدّم أنّه إرشاد إلى حكم العقلاء بوجوب رجوع الجاهل إلى العالم من غير اختصاص الحكم بطائفة دون طائفة.

  • هذا كلّه في نفس بيانهم المتلقّي بالمشافهة. و أمّا الخبر الحاكي له، فما كان منه بياناً متواتراً أو محفوفاً بقرينة قطعيّة، و ما يلحق به فهو حجّة لكونه بيانهم. و أمّا ما كان مخالفاً للكتاب أو غير مخالف لكنّه ليس بمتواتر و لا محفوفاً بالقرينة، فلا حجّيّة فيه لعدم كونه بياناً في الأوّل،

معرفة الإمام ج۱۳

172
  • و عدم إحراز البيانيّة في الثاني. و للتفصيل محلّ آخر.۱

  • القرآن كلام الله و تجلّيه في هذا اللباس للخلائق قاطبة من جنّ و إنس، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: فَتَجَلَّى لَهُمْ سُبْحَانَهُ في كِتَابِهِ مِنْ غَيْرِ أنْ يَكُونُوا رَأوْهُ.٢

  • و قال الإمام الصادق عليه السلام أيضاً: لَقَدْ تَجَلَّى اللهُ لِخَلْقِهِ في كَلَامِهِ وَ لَكِنَّهُمْ لَا يُبْصِرُونَ.٣

  • و من الواضح أنّ معنى التجلّي هو الظهور، و الظهور غير البينونة كما أنّ التجلّي غير التجافي. و يُلحَظُ في التجلّي أنّ المتجلِّي، و المتجلَّى فيه، و حقيقة التجلّي شي‌ء واحد. و كذلك يُلْمَسُ في الظهور أنّ الظاهر، و المَظهَر، و حقيقة الظهور شي‌ء واحد.

  • إن عالم الوجود بما فيه القرآن الكريم تجلّى الله حسب المنظور القرآنيّ. و هذا الموضوع من الثوابت في مدرسة أهل البيت، و يُعَدُّ من أبجديّتها و ألفبائها. و لا تعني الخلقة بينونة المخلوق عن الخالق و تولّده منه، فللّه سبحانه و تعالى معيّة وجوديّة و ذاتيّة ترافق الموجودات و المخلوقات بأسرها، و حينئذٍ لا يُتَصَوَّرُ الانفصال و البينونة. أمّا الجاهلون بمعارف القرآن و أهل البيت، فإنّهم لم يدركوا هذا المعنى، و كفّروا القائلين بوحدة الوجود، بينما هم منغمسون في الشرك من رأسهم حتى أخمصهم.

  • إنّهم ظنّوا أنّ معنى وحدة الوجود يتمثّل في لباس الاتّحاد أو الحلول‌

    1. «الميزان في تفسير القرآن» ج ۱٢، ص ٢۷٥ إلى ٢۷۸.
    2. «نهج البلاغة» ج ۱، ص ٢٦٥، الخطبة ٤٥، تعليق الشيخ محمّد عبده، طبعة مصر.
    3. «بحار الأنوار» ج ٩٢، ص ۱۰۷، الطبعة الحديثة، طهران.

معرفة الإمام ج۱۳

173
  • و أمثال ذلك ممّا يستلزم تكثّر ذات الحقّ المقدّسة. و هذا ليس معنى الوحدة. بل معناها الوحدة في الذات و الاسم و الصفة، و معيّته الحقيقيّة لا الاعتباريّة. و هذه نقطة دقيقة سامية يبتني عليها أصل التوحيد القرآنيّ.

  • و لمّا كان القرآن تجلّياً للّه، فإنّ الله معه في العوالم الخمسة النازلة المسمّاة الحَضَرات الخَمْس كلّها إلى أن يصل عالم الحسّ و الشهادة هذا.

  • و كذلك معنى القرآن و حقيقته الحافظة له، و المهيمنة عليه، فهي معه اعتباراً من روح القُدُس الذي هو أعظم الملائكة، إلى هذا العالم، عالم المادّة الذي هو أظلم العوالم. طَرَفٌ منه: وَ إِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ،۱ و طرف في هذا العالم الملي‌ء بالصخب و الضجيج، و الناس المبتلين بالآفات و العاهات و الغرائز و الحواسّ: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هُدىً وَ بُشْرى‌ لِلْمُسْلِمِينَ.٢

  • الإمام مع القرآن في جميع العوالم‌

  • إنّ النبيّ و الإمام الحاملَين للقرآن الحافظَين له هما مع القرآن الكريم في المراحل الملكوتيّة و المُلكيّة برمّتها، و هذا الموضوع شرط ولايتهما الكلّيّة، إذ هما مع كلّ موجود في كلّ عالم، و لا يفترقان عنه أبداً.

  • روى عليّ بن إبراهيم القمّيّ في تفسيره، و المجلسيّ في «بحار الأنوار» عن كتاب «الغيبة» للنعمانيّ، بثلاثة أسناد عن أمير المؤمنين، و الباقر، و الصادق عليهم السلام أنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله قال في خطبته المشهورة التي ألقاها في حجّة الوداع في مسجد الخيف: إنِّي وَ إنَّكُمْ وَارِدُونَ عَلَى الحَوْضِ، حَوْضاً عَرْضُهُ مَا بَيْنَ بُصْرَي‌٣ إلى صَنْعَاءَ،

    1. الآية ٦، من السورة ٢۷: النمل.
    2. الآية ۱۰٢، من السورة ۱٦: النحل.
    3. بُصري قريبة من دمشق، و صنعاء مدينة عامرة باليمن مليئة بالمياه و الأشجار. و قصد النبيّ هنا سعة الحوض، إذ يشغل مساحة الجزيرة العربيّة كلّها، لأنّ صنعاء في جنوبها، و بصري في شمالها.

معرفة الإمام ج۱۳

174
  • فيه قِدْحَانٌ‌۱ عَدَدَ نُجُومِ السَّمَاءِ، وَ إنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: الثَّقَلُ الأكْبَرُ القُرْآنُ، وَ الثَّقَلُ الأصْغَرُ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، هُمَا حَبْلُ اللهِ مَمْدُودٌ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ، مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَمْ تَضِلُّوا، سَبَبٌ مِنْهُ بِيَدِ اللهِ وَ سَبَبٌ بِأيْدِيكُمْ.٢

  • و في حديث آخر: طَرَفٌ مِنْهُ بِيَدِ اللهِ وَ طَرَفٌ مِنْهُ بِأيْدِيكُمْ، إنَّ اللَّطِيفَ الخَبِيرَ قَدْ نَبَّأنِي أنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ، كَإصْبَعَيّ هَاتَيْنِ -وَ جَمَعَ بَيْنَ سَبَّابَتَيْهِ- وَ لَا أقُولُ كَهَاتَيْنِ - وَ جَمَعَ بَيْنَ سَبَّابَتِهِ وَ الوُسْطَى فَتَفْضُلَ هَذِهِ عَلَى هَذِهِ.

  • و نقل المجلسيّ عن كتاب «العلل» لمحمّد بن عليّ بن إبراهيم أنّ العلّة في قوله صلى الله عليه و آله «لن يفترقا حتى يردا عَلَيّ الحوض» أنّ القرآن معهم في قلوبهم في الدنيا، فإذا صاروا إلى عند الله عزّ و جلّ كان معهم. و يوم القيامة يردون الحوض و هو معهم.٣

  • و الطريف في هذا الخبر قوله: هُمَا حَبْلُ اللهِ مَمْدُودٌ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ اللهِ عَزَّ وَ جَلَ‌. أي: كما أنّ القرآن من الله لخلقه، و كلام الله الصادر عن عالم التجرّد لكم أيّها البشر في عالم الطبيعة -فهو حبل ممدود من هناك إلى هنا- فكذلك عترة رسول الله، إذ هم من الله، و هم كلمته التكوينيّة الإلهيّة من‌

    1. جاء في كتب اللغة جميعها أنّ جمع قدح أقداح، كما ورد في «المصباح المنير»، و «لسان العرب»، و «مجمع البحرين» مثل سَبَب أسباب.
    2. «تفسير القميّ» ص ٤ و ٥؛ و «بحار الأنوار» ج ٩٢، ص ۱۰٢ و ۱۰٣، عن كتاب «الغيبة» للنعمانيّ، ص ۱۷.
    3. «بحار الأنوار» ج ٩٢، ص ۱۰٦.

معرفة الإمام ج۱۳

175
  • عالم التجرّد لكم أيّها الناس المغمورون في عالم الحسّ و الشهادة، و هم الحبل المعنويّ و الحقيقيّ و واسطة الفيض من الله إلى خلقه، و هداية خلق الله إلى الله بأمر الله الملكوتيّ.

  • و هذا هو المراد من الولاية الكلّيّة و السيطرة التكوينيّة و الوجوديّة لتلك الذوات المقدّسة على عوالم الوجود بأسرها، و هو معنى الولاية نفسه. و كون القرآن معهم، و هم معه في كلّ عالم من هذه العوالم يفيد أنّنا لو أردنا -فرضاً- أن نلقي القرآن في نقطةً من النقاط بدونهم، فهذا يعني أنّنا لا قرآن عندنا، و لو أردنا أن نلقاهم في موطن من المواطن خالين من القرآن فهذا يعني أنّنا لا أئمّة عندنا.

  • و في ضوء هذا المنطق، نجد أنّ قول القائل: عِنْدَكُمُ القُرْآنُ، حَسْبُنَا كِتَابُ اللهِ خلاف ضرورة العقل و القواعد القويمة للشرع المبين. و المعادلة التي نستنتجها هي:

  • كتاب الله -عترة رسول الله = كتاب الله- كتاب الله.

  • إذ إنّ كتاب الله جعل كلام رسول الله و سنّته حجّة، و كلام رسول الله هو الذي نطق بكتاب الله. و لا شبهة و لا تردّد عند أحد المسلمين في وجوب اتّباع كتاب الله و العمل به. بينما جعل كتابُ الله أمَر رسول الله و نهيه و كلامه و سنّته و خطّه و منهاجه و وصيّته حجّةً، و عليه قدّم رسول الله عترته الذين هم أهل بيته بوصفهم القائمين بالأمر، و الأئمّة، و الامراء، و القادة، و السادة، و الرؤساء، و الحكّام، و حرّاس كتاب الله، و حافظيه، و مُبيّنيه، و مفسّريه، و حامليه، و صائنيه، و العلماء به، و معلّميه. و كما كان واجباً على الناس في عصره أن يرجعوا إليه، و يأخذوا منه كتاب الله علماً و عملًا، و ينظروا إليه على أنّه الإمام و الاسوة و المقتدى و واجب الطاعة، فكذلك عرّف رسول الله عترته بعده بهذه المنزلة و المكانة، و جعل الإمامة فيهم‌

معرفة الإمام ج۱۳

176
  • واحداً بعد آخر حتى مهديّهم و قائمهم عليهم السلام.

  • النتيجة: العمل بكتاب الله واجب، و العمل بسنّة رسول الله على أساس كتاب الله واجب. و حينئذٍ يكون العمل بمنهاج العترة و خطّها، و اتّباعها على أساس سنّة رسول الله واجباً أيضاً.

  • مقدّم چون پدر، تالى چون مادر***نتيجه هست فرزند أي برادر۱
  • لو فرضنا هنا أنّنا لا نملك دليلًا روائيّاً و تاريخيّاً و تفسيريّاً من كتب العامّة في وجوب طاعة أهل البيت و إمامتهم و خلافتهم -في حين نجد أنّ كتبهم مشحونة بذلك و قد بلغت في الكثرة مبلغاً أنّنا قد لا نجد مثلها في كتب الشيعة و أثبتنا حقّانيّتهم و وصايتهم و خلافتهم بلا فصل، و لزوم اتّباعهم اعتماداً على كلامهم و كتبهم كـ «الاصول الأربعمائة»، و «نهج البلاغة»، و «الصحيفة السجّاديّة»، و «مصحف فاطمة»، و كتاب عليّ، و الأحاديث المتقنة الموثوقة من طرق الشيعة كسُلَيْم بن قيس الهلاليّ، لكفانأ ذلك، و كانت الحجّة قد تمّت على عامّة المسلمين، و لا يلزم الدَّوْر، فيُقال: إنّ إثبات إمامتهم يبتني على صحّة هذه المطالب، و صحّة هذه المطالب تبتني على إثبات إمامتهم. و هذا هو الدَّوْر.

  • ذلك أنّنا نثبت مطالبهم و لزوم اتّباعهم من كلام رسول الله، إذ جعلهم حجّة في أحاديثه المتواترة كحديث الغدير، و حديث الثقَلَين، و حديث السفينة، و حديث باب حطّة بني إسرائيل و أمثالها التي وصلت إلينا بالتواتر. و ينبغي أن يعتقد أهل العلم و الاطّلاع من المسلمين جميعهم بتواترها و ثبوتها.

  • و على هذا فإنّ إثبات كلام أمير المؤمنين في «نهج البلاغة» أو سائر

    1. يقول: «أيّها الأخ! إنّ المقدّم كالأب، و المؤخّر كالامّ، و منهما يكون الولد».

معرفة الإمام ج۱۳

177
  • كلمات الأئمّة و أقوالهم، أو حديث الثقلين محرزٌ، إذ يصدّقه الطرفان. فكيف يستلزم الدَّوْر؟

  • روايات الشيعة في حديث الثقلين‌

  • روى الشيخ الصدوق في كتاب «عيون أخبار الرضا» بثلاثة أسناد عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: كَأنِّي قَدْ دُعِيتُ فَأجَبْتُ، وَ إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ أحَدُهُمَا أكْبَرُ مِنَ الآخَرِ: كِتَابَ اللهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إلَى الأرْضِ، وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي. فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا!۱

    1. «بحار الأنوار» ج ٩٢، ص ۱٣، الطبعة الحديثة، طهران؛ «عيون الأخبار» ج ٢، ص ٣۱. و من الجدير ذكره أنّ خَلَفَ يَخْلُفُ خِلَافةً من باب (نصر ينصر) بمعنى: صار خليفة. أي: كان خليفتهـ صار خليفته في أهله. و خَلَّفَ تَخْلِيفاً من باب التفعيل بمعنى جعل أحداً خليفة. و أمّا صيغة تَخْلُفُونِّي فقد كانت في الأصل تَخْلُفُونَنِي ثمّ ادغمت نون الإعراب بنون الوقاية فصارت تَخْلُفُونِّي. أي: على أيّ نحو تحفظونني و تحفظون حقيقتي و آثاري -و أخيراً جميع شئوني و خصوصيّاتي- في ذينك الاثنين، و تؤدّون حقّ خلافتي فيهما؟! قال في «صحاح اللغة» جمع الخليفة: الخلائف جاءوا به على الأصل مثل كريمة و كرائم، و قالوا أيضاً: خُلَفاء من أجل أنّه لا يقع إلّا على مذكّر، و فيه الهاء، جمعوه على إسقاط الهاء فصار مثل ظريف و ظرفاء، لأنّ فعيلة بالهاء لا تجمع على فعلاء. و يقال: خَلَفَ فلانٌ فلاناً إذا كان خليفته. [و] يقال: خَلَفَهُ في قومه خلافةً. و منه قوله تعالى: وَ قالَ مُوسى‌ لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي. و خَلَفْتُهُ أيضاً إذا جئتُ بعده، و ورد في «لسان العرب» (ج ٩، ص ۸٣، العمود الأيسر): وَ خَلَفَ فلانٌ فلاناً إذا كان خليفته. ثمّ ذكر ما أوردناه عن «صحاح اللغة» آنفاً. و قال في ص ۸٢، العمود الأيسر: وَ خَلَفَهُ يَخْلُفُهُ: صَارَ خَلْفَهُ. وَ اخْتَلَفهُ: أخَذَهُ مِنْ خَلَفِهِ. اخْتَلَفَهُ وَ خَلَّفَهُ وَ أخْلَفَهُ: جَعَلَهُ خَلْفَهُ. و قال ابن الأثير في «النهاية» ج ٢، ص ٦٩ بعد شرحٍ لمعنى خلف: و في حديث أبي بكر، جاءه أعرابيّ فقال له: أنتَ خليفة رسول الله صلى الله عليه و آله؟! قال: لا! قال: فما أنتَ؟! قال: أنَا الخَالِفةُ بَعْدَهُ. ثمّ قال ابن الأثير: الخليفة مَن يقوم مقام الذاهب و يسدّ مسدّه. و الهاء فيه للمبالغة. و جمعه الخلفاء على معنى التذكير لا علي اللفظ مثل ظريف وظرفاء. و يجمع اللفظ خلائف كظريفة و ظرائف. ثم قال: فأما
      (تابع الهامش في الصفحة التالية...)

معرفة الإمام ج۱۳

178
  • ...۱

    1. (... تتمة الهامش من الصفحة السابقة)
      الخَالِفَةُ فَهُوَ الذي لا غِناء عنده و لا خير فيه؛ و كذلك الخالف. و قيل: هو الكثير الخلاف.
      ثمّ قال صاحب «النهاية» هنا: و هو (أبو بكر) بيّن الخلافة بالفتح. و إنّما قال ذلك تواضعاً و هضماً من نفسه حين قال له: أنتَ خليفةُ رسول الله.
      و ذكر صاحب «لسان العرب» هذا الكلام مع ذيله في ج ٩، ص ۸٩، العمود الأيمن و الأيسر من كتابه نقلًا عن ابن الأثير. و قال مؤلّف «مجمع البحرين» بعد نقل هذه الواقعة عن ابن الأثير: و هو لعمري عذرٌ فاضحٌ غير واضحٌ. و على قولنا: عذر أسوأ من ذنب. فأبو بكر نفسه يقرّ بتخلّفه لكنّ المتملّقين أوحوا إلى فكره الفاسد الزورَ و الكذب.
      و قال في «شرح القاموس» -بالفارسيّة- و خَلَف فُلَانٌ خَلَافَةٌ بفتح الأوّل و خُلُوف كسرور، أي: أفِنَ الأحمق؛ فذلك الشخص خالف ككامل، و خالفة ككاملة. قال المترجم: و قد مضى قبل ذلك أيضاً قوله: و بالضمّ العَيْبُ و الحُمق كالخِلافة. و قال بعد فاصلة قليلة: و الخَالِفَة الأحمقُ كالخالفِ، فهو مكرّر. و خَلَفَ عن خُلق أبيه. و خَلَفَ فلاناً صار خليفتهـ انتهى كلام «شرح القاموس».
      و قال في «لسان العرب» (ص ٩۱، العمود الأيسر): و في الحديث أنّ اليهود قالت: لقد علمنا أنّ محمّداً لم يترك أهله خُلوفاً. أي: لم يتركهنّ سُدى لا راعيَ لهنّ و لا حامي.
      أجل، أوصى رسول الله الناس بطاعة أهل بيته، و أوصى أهل بيته بالتصدّى لولاية الناس و إمامتهم. و ترسيخ القرآن و الإسلام الحقيقيّ في أوساطهم. فأهل البيت خلفاء رسول الله في الولاية و الإمامة، و الناس خلفاؤه في رعاية أهل البيت و المحافظة عليهم كرعاية رسول الله نفسه و المحافظة عليه. و هذا هو المعنى المقصود من قوله: فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا؟! أمّا أهل البيت فقد جدّوا و اجتهدوا في رعاية خلافة النبيّ حتى جادوا بأرواحهم و بذلوا مهجهم في هذا السبيل. و أمّا الناس فقد ضيّعوا خلافته حتى قتّلوا أهل بيته. قال في «لسان العرب» (ص ۸٩، العمود الأيمن): يقال في الفعل منه: خَلَفَهُ في قومه و في أهلِهِ يَخْلُفُهُ خَلَفاً و خِلَافَةً. و خَلَفَنِي فَكَانَ نِعْمَ الخَلَفُ أوْ بِئسَ الخَلَفُ. و منه خَلَفَ الله عليك بخير خَلَفاً و خِلَافَةً. و الفاعل منه خَلِيفٌ و خَلِيفَةٌ و الجمع خُلَفَاء و خَلَائِف. فالخَلَفُ في قولهم: نِعْمَ الخَلَف و بِئسَ الخَلَف، و خَلَفُ صِدْقٍ و خَلَفُ سُوءٍ، و خَلَفٌ صالِحٌ و خَلَفٌ طالِحٌ، هو في الأصل مصدر سُمِّي به مَن يكون خليفةً، و الجمع أخلاف كما تقول: بَدَلٌ و أبْدَالٌ لأنّه بمعناه. و يتحصّل من هذا أنّ أهل بيت النبوّة كانوا نِعم الخَلَف لرسول الله و أنّ الناس كانوا بئس الخَلَف له في أهل بيته.

معرفة الإمام ج۱۳

179
  • و قال ابن شهرآشوب في مناقبه: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: لَمْ يَمُتْ نَبِيّ قَطُّ إلَّا خَلَّفَ تَرِكَتَهُ، وَ قَدْ خَلَّفْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي.۱

  • و روى العيّاشيّ في تفسيره عن مسعدة بن صدقة أنّه قال: قال الصادق عليه السلام:

  • إنَّ اللهَ جَعَلَ وَلَايَتَنَا أهْلَ البَيْتِ قُطْبَ القُرآنِ، وَ قُطْبَ جَمِيعِ الكُتُبِ عَلَيْهَا يَسْتَدِيرُ مُحْكَمُ القُرآنِ، وَ بِهَا يُوهَبُ الكُتُبُ، وَ يَسْتَبِينُ الإيمَانُ، وَ قَدْ أمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أنْ يُقْتَدَى بِالقُرآنِ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ في آخِرِ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: الثَّقَلَ الأكْبَرَ وَ الثَّقَلَ الأصْغَرَ، فَأمَّا الأكْبَرُ فَكِتَابُ رَبِّي، وَ أمَّا الأصْغَرُ فَعِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، فَاحْفَظُونِي فِيهِمَا فَلَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا.٢

  • و قال المجلسيّ في موضع آخر، قد مضى في احتجاج الحسن بن عليّ عليهما السلام و أصحابه على معاوية أنّه عليه السلام قال: نَحْنُ نَقُولُ أهْلَ البَيْتِ: إنَّ الأئِمَّةَ مِنَّا، وَ إنَّ الخِلافَةَ لَا تَصْلَحُ إلَّا فِينَا، وَ إنَّ اللهَ جَعَلَنَا أهْلَهَا في كِتَابِهِ وَ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، و إنَّ العِلْمَ فِينَا وَ نَحْنُ أهْلُهُ، وَ هُوَ عِنْدَنَا مَجْمُوعٌ كُلُّهُ بِحَذَافِيرِهِ، وَ إنَّهُ لَا يَحْدُثُ شىْ‌ءٌ إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ حتى أرْشُ الخَدْشِ إلَّا وَ هُوَ عِنْدَنَا مَكْتُوبٌ بِإمْلَاءِ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ خَطِّ عَلِيّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِيَدِهِ.٣

    1. «غاية المرام» ص ٢٣۰، الحديث التاسع و الأربعون عن الخاصّة.
    2. «بحار الأنوار» ج ٩٢، ص ٢۷؛ «تفسير العيّاشيّ» ج ۱، ص ٦.
    3. «بحار الأنوار» ج ٩٢، ص ٤۷.

معرفة الإمام ج۱۳

180
  • جمعُ عليّ عليه السلام القرآن و حمله إلى المسجد

  • و روى عن مناقب ابن شهرآشوب، عن أبي نُعَيم في حليته، و عن الخطيب في «الأربعين» بإسناده عن السُّدّيّ، عن عبد خَيْر، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أقْسَمْتُ -أوْ حَلَفْتُ- أن لَا أضَعَ رِدَايَ عَلَى ظَهْرِي حتى أجْمَعَ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ. فَمَا وَضَعْتُ رِدَايَ حتى جَمَعْتُ القُرْآنَ.

  • و في أخبار أهل البيت عليهم السلام: إنَّهُ آلَى أنْ لَا يَضَعَ رِدَاءَهُ عَلَى عَاتِقِهِ إلَّا لِلصَّلَاةِ حتى يُؤَلِّفَ القُرْآنَ وَ يَجْمَعَهُ. فَانْقَطَعَ عَنْهُمْ مُدَّةً إلَى أنْ جَمَعَهُ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْهِم بِهِ في إزَارٍ يَحْمِلَهُ وَ هُمْ مُجْتَمِعُونَ في المَسْجِدِ، فَأنْكَرُوا مَصِيرَهُ بَعْدَ انْقِطَاعٍ مَعَ التِّيهِ.۱ فَقَالُوا: لأمْرٍ مَا جَاءَ أبُو الحَسَنِ؟!

  • فَلَمَّا تَوَسَّطَهُمْ وَضَعَ الكِتَابَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ: إنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمْ مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا، كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي! وَ هَذَا كِتَابُ اللهِ وَ أنَا العِتْرَةُ.

  • فَقَامَ إلَيْهِ الثَّانِي فَقَالَ: إنْ يَكُنْ عِنْدَكَ قُرآنٌ فَعِنْدَنَا مِثْلُهُ، فَلَا حَاجَةَ لَنَا فِيكُمَا! فَحَمَلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الكِتَابَ وَ عَادَ بِهِ بَعْدَ أنْ ألْزَمَهُمُ الحُجَّةَ.٢

  • و في خبر طويل عن الصادق عليه السلام أنّه حَمَلَهُ و ولّى راجعاً نحو حجرته و هو يقول: فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَ اشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ‌.٣ و لهذا قرأ ابن مسعود: إنَّ عَلِيَّاً جَمَعَهُ وَ قَرَأ بِهِ وَ إذَا قَرَأ فَاتَّبِعُوا قِرَاءَتَهُ.٤

    1. التِّيه: النُّبل و الكِبر. و جاء في بعض نسخ «البحار» الإلبة. و تعني: القوم تجمعهم عداوةُ واحد.
    2. «بحار الأنوار» ج ٩٢، ص ٥٢.
    3. الآية ۱۸۷، من السورة ٣: آل عمران.
    4. تُنْظَرُ الآيتان ۱۷ و ۱۸، من السورة ۷٥: القيامة. «بحار الأنوار» ج ٩٢، ص ٥٣، عن مناقب ابن شهرآشوب، ص ٤۱.
      و قال الشيخ المفيد في «الإرشاد»: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: أيُّهَا الناس! أنا فَرَطكم و أنتم واردون عَلَيّ الحوضَ، ألا إنِّي سائلكم عن الثقلين، فانظروا كيف تَخْلُفونّي فيهما؟! فإنّ اللطيفَ الخبيرَ نبّأني أنّهما لن يفترقا حتى يلقياني، و سألتُ ربّي ذلك فأعطانيه. ألا و إنّي قد تركتهما فيكم: كتاب الله و عترتي أهل بيتي، فلا تسبقوني فتمرقوا، و لا تقصروا عنهم فتهلكوا، و لا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم. («غاية المرام» ص ٢٢٩، ص ٢٣۰، الحديث ٤٦). و ذكر الشيخ المفيد «في الإرشاد» أيضاً حديث غدير خمّ الذي جاء فيه الأمر بالتمسّك بالثقلين مفصّلًا. («غاية المرام» ص ٢٣۰، الحديث ٤۷ عن الخاصّة. و قال أيضاً: رواه الطبرسيّ في «إعلام الوري»).

معرفة الإمام ج۱۳

181
  • تعريف رسول الله عليّاً عليهما السلام في الحجرة

  • و روى الشيخ الطوسيّ في أماليه بسنده عن أبي ثابت غلام أبي ذرّ، عن امّ سلمة رضي الله عنها أنّها قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ في مَرَضِهِ الذي قُبِضَ فِيهِ، يَقُولُ وَ قَدِ امْتَلأتِ الحُجْرَةُ مِنْ أصْحَابِهِ: أيُّهَا النَّاسُ! يُوشِكُ أنْ اقْبَضَ قَبْضاً سَرِيعاً فَيُنْطَلَقَ بِي، وَ قَدْ قَدَّمْتُ إلَيْكُمْ القَوْلَ مَعْذِرَةً إلَيْكُمْ، ألَا إنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمْ كِتَابَ رَبِّي عَزَّ وَ جَلَّ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي.

  • ثُمَّ أخَذَ بِيَدِ عَلِيّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَرَفَعَهَا فَقَالَ: هَذَا عَلِيّ مَعَ القُرْآنِ وَ القُرْآنُ مَعَ عَلِيّ، خَليفَتَانِ بَصِيرَتَانِ لَا يَفْتَرِقَانِ حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ، فَأسْألُهُمَا مَا ذَا خُلِّفْتُ فِيهِمَا؟۱

  • و ذكر ابن حجر هذا الحديث في «الصواعق المحرقة» بالألفاظ نفسها،

    1. «بحار الأنوار» ج ٩٢، ص ۸۰؛ و «الأمالي» للطوسيّ، ج ٢، ص ٩٢؛ و ذكره أيضاً السيّد حامد حسين الهنديّ في «عبقات الأنوار» كتاب الثقلين، ج ٢، ص ٦٢٥، نقلًا عن «جواهر العقدين» للسمهوديّ بتخريج ابن عقدة عن جعفر بن محمّد الرزّاز، عن امّ سلمة. و رواه صاحب «ينابيع المودّة» في ص ٤۰ من كتابه بتخريج ابن عقدة، عن طريق عروة بن خارجة، عن فاطمة الزهراء عليها السلام.

معرفة الإمام ج۱۳

182
  • إلّا أنّ ما جاء في آخره هو قوله: فَاسْألُوهُمَا ما خُلِّفْتُ فِيهِمَا.۱ و كذلك ذكره آية الله السيّد شرف الدين العامليّ في أوّل كتاب «المراجعات».٢

  • و هذا الحديث أيضاً رائع جدّاً، لأنّ قول امّ سلمة عن رسول الله صلى الله عليه و آله: عَلَيّ مَعَ القُرآنِ وَ القُرآنُ مَعَ عَلِيّ‌ ورد في كثير من الكتب بهذا اللفظ و بلا شي‌ء يُضَمّ إليه. بَيدَ أنّ ذِكره بهذه المواصفات و بيان الثقلينِ، ثمّ الاستشهاد بمعيّة الإمام للقرآن بهذا اللفظ، ناهيك عن رفعه يد الإمام و تقديمه إلى الناس بعينه و بشخصه، و قوله إنّ كلامه آخر حجّة يُلقيها، كلّ اولئك من المزايا و الأدلّة على تأكيد معيّة عليّ و القرآن، و عدم افتراقهما حتى ورودهما على رسول الله الحوض معاً.

  • و لعلّ ذلك المجلس كان منطلَق الشيخ الطوسيّ، إذ روى في أماليه بسند آخر عن أبي ثابت غلام أبي ذرّ، عن امّ سلمة أنّها سمعت رسول الله يقول: إنَّ عَلِيَّاً مَعَ القُرْآنِ وَ القُرْآنُ مَعَ عَلَيّ، لَا يَفْتَرِقَانِ حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ‌.٣

  • مقام العترة في بيان الأئمّة عليهم السلام‌

  • و جاء في تفسير عليّ بن إبراهيم أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال: ألَا إنَّ العِلْمَ الذي هَبَطَ بِهِ آدَمُ مِنَ السَّمَاءِ إلى الأرضِ وَ جَمِيعِ مَا فُضِّلْ بِهِ النَّبِيُّونَ إلَى خَاتَمِ النَّبِيِّينَ عِنْدِي وَ عِنْدَ عِتْرَةِ خَاتَمِ النَّبيِّينَ، فَأيْنَ يُتَاهُ بِكُمْ بَلْ أيْنَ تَذْهَبُونَ؟٤

    1. «الصواعق المحرقة» لابن حجر الهيتميّ، الفصل الثالث، الباب التاسع بعد أربعين حديثا ذكرها في هذا الفصل، ص ۷٥.
    2. «المراجعات» ص ۱٥ و ۱٦، الطبعة الأولى.
    3. «بحار الأنوار» ج ٩٢، ص ۸۰؛ و «الأمالي» للطوسيّ، ج ٢، ص ۱٢۰؛ و «غاية المرام» ص ٢٣۰، الحديث عن الخاصّة، عن كتاب «الأربعين».
    4. «بحار الأنوار» ج ٩٢، ص ۸۰؛ و «تفسير القمّيّ» ص ٥.

معرفة الإمام ج۱۳

183
  • و ذكر العيّاشيّ عن مرزام أنّه قال: سمعتُ أبا عبد الله عليه السلام [الإمام الصادق‌] يقول: إنَّا أهْلُ بَيْتٍ لَمْ يَزَلِ اللهُ يَبْعَثُ فِينَا مَنْ يَعْلَمُ كِتَابَهُ مِنْ أوَّلِهِ إلَى آخِرهِ. و إنَّ عِنْدَنَا مِنْ حَلَالِ اللهِ وَ حَرَامِهِ مَا يَسَعُنَا مِنْ كِتْمَانِهِ، مَا نَسْتَطِيعُ أنْ نُحَدِّثَ بِهِ أحَداً.۱

  • و كذلك ذكر العيّاشيّ عن يوسف بن السخت البصريّ أنّه قال: رأيتُ التوقيع بخطّ محمّد بن محمّد بن عليّ‌٢ فكان فيه:

  • الَّذِي يَجِبُ عَلَيْكُمْ وَ لَكُمْ أنْ تَقُولُوا: إنَّا قُدْوَةٌ وَ أئِمَّةٌ وَ خُلَفَاءُ اللهِ في أرْضِهِ، وَ امَنَاؤُهُ عَلَى خَلْقِهِ، وَ حُجَجُهُ في بِلَادِهِ، نَعْرِفُ الحَلالَ وَ الحَرَامَ، وَ نَعْرِفُ تَأوِيلَ الكِتَابِ وَ فَصْلَ الخِطَابِ.٣

  • و قال أمير المؤمنين عليه السلام في «نهج البلاغة»:

  • أيُّهَا النَّاسُ خُذُوهَا عَنْ خَاتَمَ النَّبِيِّينَ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: إنَّهُ يَمُوتُ مَنْ مَاتَ مِنَّا وَ لَيْسَ بِمَيِّتٍ، وَ يَبْلَى مَنْ بلى مِنَّا وَ لَيْسَ بِبَالٍ، فَلَا تَقُولُوا بِمَا لَا تَعْرِفُونَ، فإنَّ أكْثَرَ الحَقِّ فِيمَا تُنْكِرُونَ، وَ أعْذِرُوا مَنْ لَا حُجَّةَ لَكُمْ عَلَيْهِ وَ أنَا هُوَ. أ لَمْ أعْمَلْ فِيكُمْ بِالثَّقَلِ الأكْبَرِ (كتاب الله‌) وَ أتْرُكْ فِيكُمُ الثَّقَلَ الأصْغَرَ؟٤ وَ رَكَزْتُ فِيكُمْ رَايَةَ الإيمَانِ؟ وَ وَقَفْتُكُمْ عَلَى حُدُودِ الحَلَالِ‌

    1. «بحار الأنوار» ج ٩٢، ص ٩٦؛ و «تفسير العيّاشيّ» ج ۱، ص ۱٦.
    2. قال في الهامش: كذا في الأصل. و في «تفسير العيّاشيّ» ذيل هذا الحديث: كذا في نسخَتَي الأصل و «البحار». و في نسخة «البرهان» ج ۱، ص ۱۷: «محمّد بن محمّد بن الحسن بن عليّ» و الظاهر «محمّد بن الحسن بن عليّ» و هو الحجّة المنتظر المهديّ صلوات الله عليه و على آبائه الطاهرين.
    3. «بحار الأنوار» ج ٩٢، ص ٩٦. و «تفسير العيّاشيّ» ج ۱، ص ۱٦.
    4. قال الشيخ محمّد عبده في الهامش: الثقل الأصغر ولداه. و قيل: عترته قدوة للناس. و في الحديث عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله قال: تركتُ فيكم الثقلين: كتاب الله، و عترتي. أي: النفيسينِ.

معرفة الإمام ج۱۳

184
  • وَ الحَرَامِ؟ وَ ألْبَسْتُكُمُ العَافِيَةَ مِنْ عَدْلِي؟ وَ فَرَشْتُكُمُ المَعْرُوفَ مِنْ قَوْلِي وَ فِعْلِي؟ وَ أرَيْتُكُمْ كَرَائِمَ الأخْلَاقِ مِنْ نَفْسِي؟! فَلَا تَسْتَعْمِلُوا الرَّأيَ فِيمَا لَا يُدْرِكُ قَعْرَهُ البَصَرُ، وَ لَا تَتَغَلْغَلُ إلَيْهِ الفِكْرُ.۱

  • خطب «نهج البلاغة» في لزوم التمسّك بالعترة

  • و قال عليه السلام في «نهج البلاغة» أيضاً: وَ إنِّي لعَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي، وَ مِنْهَاجٍ مِنْ نَبِيِّي، وَ إنِّي لَعَلَى الطَّرِيقِ الوَاضِحِ ألقُطُهُ لَقْطاً.٢

  • انْظُرُوا أهْلَ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ! فَالزَمُوا سَمْتَهُمْ، وَ اتَّبِعُوا أثَرَهُمْ، فَلَنْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ هُدى، وَ لَنْ يُعِيدُوكُمْ في رَدَى، فَإنْ لَبِدُوا فَالْبُدُوا، وَ إنْ نَهَضُوا فَانْهَضُوا! فَلَا تَسْبِقُوهُمْ فَتَضِلُّوا، وَ لَا تَتَأخَّرُوا عَنْهُمْ فَتَهْلِكُوا!٣

  • و كذلك قال عليه السلام فيه: عِتْرَتُهُ خَيْرُ العِتَرِ، وَ اسْرَتُهُ خَيْرُ الاسَرِ، وَ شَجَرَتُهُ خَيْرُ الشَّجَرِ، نَبَتَتْ في حَرَمٍ، وَ بَسَقَتْ في كَرَمٍ، لَهَا فُرُوعٌ طِوالٌ وَ ثَمَرَةٌ لَا تُنَالُ. فَهُوَ إمَامُ مَنِ اتَّقَى، وَ بَصِيرَةُ مَنِ اهْتَدَى.

  • سِرَاجٌ لَمَعَ ضَوْؤُهُ، وَ شِهَابٌ سَطَعَ نُورُهُ، وَ زَنْدٌ بَرَقَ لَمْعُهُ. سِيَرتُهُ القَصْدُ، وَ سُنَّتُهُ الرُّشْدُ، وَ كَلَامُهُ الفَصْلُ، وَ حُكْمُهُ العَدْلُ.٤

  • و قال فيه: بِنَا اهْتَدَيْتُمْ في الظَّلْمَاءِ، وَ تَسَنَّمْتُمْ العَلْيَاءَ، وَ بِنَا انْفَجَرْتُمْ عَنِ السِّرَارِ. وَقِرَ سَمْعٌ لَمْ يَفْقَهِ الوَاعِيَةَ.٥

  • يريد الإمام من قوله: بِنَا اهْتَدَيْتُمْ رسول الله و هو نفسه، إذ كان رفيق‌

    1. من الخطبة ۸٥، طبعة مصر، بتعليق الشيخ محمّد عبده، ج ۱، ص ۱٥٤ و ۱٥٥.
    2. ذكر الشيخ محمّد عبده في شرحه أنّ الإمام سمّي اتّباعه لمنهاج الحقّ لقطاً، لأنّ الحقّ واحد و الباطل ألوان مختلفة، فهو يلتقط الحقّ من بين ضروب الباطل.
    3. من الخطبة ٩٥، طبعة مصر، بتعليق الشيخ عبده، ج ۱، ص ۱۸٩.
    4. الخطبة ٩٢، طبعة مصر، بتعليقة عبده، ج ۱، ص ۱۸٥.
    5. من الخطبة ٤، طبعة مصر، بتعليقة محمّد عبده، ج ۱، ص ٣۸.

معرفة الإمام ج۱۳

185
  • دربه في مراحل التعليم و الإرشاد و الهداية و الهجرة و الجهاد و تحمّل المشاكل و المصاعب.

  • و قال في خطبة بعد بيان فضائل الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله: أيُّهَا النَّاسُ اسْتَصْبِحُوا مِنْ شُعْلَةِ مِصْبَاحِ وَاعِظٍ مُتَّعِظٍ، وَ امْتَاحُوا مِنْ صَفْوِ عَيْنٍ قَدْ رُوِّقَتْ مِنَ الكَدَرِ.۱ و المراد علومه عليه السلام التي تمثّل ينبوع المعارف الزلال الصافي.

  • و قال في خطبة أيضاً بعد بيان زهد رسول الله و إعراضه عن زينات الدنيا: نَحْنُ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ، وَ مَحَطُّ الرِّسَالَةِ، وَ مُخْتَلَفُ المَلَائِكَةِ، وَ مَعَادِنُ العِلْمِ، وَ يَنَابِيعُ الحِكَمِ. نَاصِرُنَا وَ مُحِبُّنَا يَنْتَظِرُ الرَّحْمَةَ، وَ عَدُوُّنَا وَ مُبْغِضُنَا يَنْتَظِرُ السَّطْوَةَ.٢

  • و نقل صاحب «الصواعق المحرقة» فيه عن ابن عبّاس أنّه قال: نَحْنُ أهْلَ البَيْتِ شَجَرةُ النُّبُوَّةِ وَ مُخْتَلَفُ المَلَائِكَةِ وَ أهْلُ بَيْتِ الرِّسَالَةِ وَ أهْلُ بَيْتِ الرَّحْمَةِ، وَ مَعْدِنُ العِلْمِ.٣

  • و خطب الإمام عليه السلام خطبة تحدّث فيها عن بعثة الأنبياء، و وصف أهل البيت، ثمّ تطرّق إلى فريق آخر فقال: أيْنَ الَّذِينَ زَعَمُوا أنَّهُمُ الرَّاسِخُونَ في العِلْمِ دُونَنَا، كِذْباً وَ بَغْياً عَلَيْنَا؟ أنْ رَفَعَنَا اللهُ وَ وَضَعَهُمْ، وَ أعْطَانَا وَ حَرَمَهُمْ، وَ أدخَلَنَا وَ أخْرَجَهُمْ.

  • بِنَا يُسْتَعْطَي الهُدَى، وَ يُسْتَجْلَي العَمَى. إنَّ الأئِمَّةَ مِنْ قُرَيشٍ، غُرِسُوا

    1. من الخطبة ۱۰٢، طبعة مصر، بتعليقة محمّد عبده، ص ٢۰۱.
    2. من الخطبة ۱۰۷، طبعة مصر، بتعليقة عبده، ج ۱، ص ٢۱٥.
    3. «الصواعق المحرقة» لابن حجر الهيتميّ، ص ۱٤٢ في آخر باب خصوصيات أهل البيت. و نقل علماء العامّة هذه العبارات عن ابن عبّاس في كتبهم.

معرفة الإمام ج۱۳

186
  • فِي هَذَا البَطْنِ مِنْ هَاشِمٍ، لَا تَصْلَحُ عَلَى سِوَاهُمْ، وَ لَا تَصْلَحُ الوُلَاةُ مِنْ غَيْرِهِمْ.

  • (مِنْهَا) آثَرُوا عَاجِلًا وَ أخَّرُوا آجِلًا، و تَرَكُوا صَافِياً، وَ شَرِبُوا آجِناً.۱

  • نلاحظ في هذه العبارات التي يتحدّث فيها الإمام صلوات الله عليه عن الأنبياء، ثمّ عن ولاية و خلافة بني هاشم خاصّة لا قريش كلّها، يتبعه ذمّ الآخرين من غير بني هاشم ممّن ظلموا و غصبوا الخلافة - أنّ الإمام يقصد الخلفاء الثلاثة الماضين الذين أدانوا الأنصار في السقيفة باستدلالهم إنّ الأئمّة من قريش، بَيدَ أنّهم خانوا، إذ لم يذكروا فرع بني هاشم خاصّة، فلهذا عند ما بلغ الإمام استدلالهم، قال: احْتَجُّوا بِالشَّجَرَةِ وَ أضَاعُوا الثَّمَرَةَ.

  • و قال عليه السلام في سعادة و نجاة المتمسّكين بولاية أهل البيت: فإنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ عَلَى فِرَاشِهِ وَ هُوَ عَلَى مَعْرِفَةِ حَقِّ رَبِّهِ وَ حَقِّ رَسُولِهِ وَ أهْلِ بَيْتِهِ مَاتَ شَهِيداً وَ وَقَعَ أجْرُهُ عَلَى اللهِ، وَ اسْتَوْجَبَ ثَوَابَ مَا نَوَى مِنْ صَالِحِ عَمَلِهِ، وَ قَامَتِ النِّيَّةُ مَقَامَ إصْلَاتِهِ لِسَيْفِهِ. وَ إنَّ لِكُلِّ شَيْ‌ءٍ مُدَّةً وَ أجَلًا.٢

  • أحاديث «الصواعق المحرقة» في إمامة الأئمّة الطاهرين‌

  • و ذكر ابن حجر في «الصواعق المحرقة» هذه الكلمات عن الإمام، و هي قوله: نَحْنُ النُّجَبَاءُ،٣ وَ أفْرَاطُنَا٤ أفْرَاطُ الأنْبِيَاءِ، وَ حِزْبُنَا حِزْبُ اللهِ‌

    1. من الخطبة ۱٤٢، طبعة مصر، بتعليقة الشيخ محمّد عبده، ج ۱، ص ٢٦٢.
    2. من الخطبة ۱٥۸، طبعة مصر، بتعليق الشيخ محمّد عبده، ج ۱، ص ٣٦۸.
    3. النجيب هو الرجل المحمود في النظر أو في القول أو في العمل. و يعني أيضاً: الفاضل النفيس في نوعه. و جمعه: النجباء.
    4. الفَرَط: العَلَم يُهتدي به. و جمعه: أفراط. و من معانيه: المتقدّم قومه إلى الماء ليعثر عليه. و من معانيه: ما لم يُدرِك من الوُلد، الذي يسبق أباه و امّه إلى الثواب و الجنّة ... .

معرفة الإمام ج۱۳

187
  • عَزَّ وَ جَلَّ، وَ الفِئَةُ البَاغِيَةُ حِزْبُ الشَّيْطَانِ، وَ مَنْ سَوَّى بَيْنَنَا وَ بَيْنَ عَدُوِّنَا فَلَيْسَ مِنَّا.۱

  • و قال ابن حجر أيضاً في «الصواعق المحرقة» في تفسير الآية الخامسة من الآيات التي ذكرها في الفصل الأوّل من الباب الحادي عشر في فضائل أهل بيت النبيّ، و هي قوله تعالى: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً٢: ذكر الثعلبيّ في تفسيره عن الإمام الصادق عليه السلام أنّ دأب الإمام أبي محمّد عليّ بن الحسين زين العابدين و سيّد الساجدين إذا تلا قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ.٣ يدعو الله عزّ و جلّ دعاءً طويلًا يشتمل على طلب اللحوق بدرجات الصادقين و الدرجات العلية، و يتضمّن وصف المحن و ما انتحلته المبتدعة المفارقة لأئمّة الدين، و الشجرة النبويّة. ثمّ يقول: وَ ذَهَبَ آخَرُونَ إلَى التَّقصِير في أمْرِنَا، وَ احْتَجُّوا بِمُتَشَابِهِ القُرْآنِ، فَتَأوَّلُوا بِآرَائِهِمْ، وَ اتَّهَمُوا مَأثُورَ الخَبَرِ فِينَا.

  • إلى أن قال: فَإلَى مَنْ يَفْزَعُ خَلَفُ هَذِهِ الامَّةِ، وَ قَدْ دَرَسَتْ أعْلَامُ هَذِهِ المِلَّةِ، وَ دَانَتِ الامةُ بِالفُرْقَةِ وَ الاخْتِلَافِ، يُكَفِّرُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَ اللهُ تَعَالَى يَقُولُ: «وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ».٤

  • فَمَنِ المَوْثُوقُ بِهِ عَلَى‌ إبْلَاغِ الحُجَّةِ، وَ تَأوِيلِ الحُكْمِ إلَّا أعْدَالُ الكِتَابِ وَ أبْنَاءُ أئِمَّةِ الهُدَى، وَ مَصَابِيحُ الدُّجَى، الَّذِينَ احْتَجَّ اللهُ بِهِمْ عَلَى عِبَادِهِ، وَ لَمْ يَدَعِ الخَلْقَ سُدَى مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ. هَلْ تَعْرِفُونَهُمْ أوْ تَجِدُونَهُمْ إلَّا

    1. «الصواعق المحرقة» ص ۱٤٢.
    2. الآية ۱۰٣، من السورة ٣: آل عمران.
    3. الآية ۱۱٩، من السورة ٩: التوبة.
    4. الآية ۱۰٥، من السورة ٣: آل عمران.

معرفة الإمام ج۱۳

188
  • مِنْ فُرُوعِ الشَّجَرَةِ المُبَارَكَةِ، وَ بَقَايَا الصَّفْوَةِ الَّذِينَ أذهَبَ اللهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ، وَ طَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً، وَ بَرَّأهُمْ مِنَ الآفَاتِ، وَ افْتَرَضَ مَوَدَّتَهُمْ في الكِتَابِ.۱

  • و قال ابن حجر أيضاً في «الصواعق المحرقة»: نصّ الإمام الحسن المجتبى عليه السلام عليه أيّام خلافته، لمّا بدره رجل من بني أسد فطعنه بخنجر و هو ساجد -و لم يستشهد الإمام على أثر تلك الطعنة، و عاش بعدها عشر سنوات- فقام خطيباً فقال:

  • يَا أهْلَ العِرَاقِ اتَّقُوا اللهَ فِينَا! فَإنَّا امَرَاؤُكُمْ وَ ضِيفانُكُمْ وَ نَحْنُ أهْلَ البَيْتِ الَّذِينَ قَالَ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِيهِمْ: «إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا». قَالُوا: وَ لأنْتُمْ هُمْ؟! قَالَ: نَعَمْ!٢

  • الأحاديث الواردة عن العامّة في التمسّك بالثقلين‌

  • و أخرج الترمذيّ في سننه عن زيد بن أرقم أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قال: إنِّي تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي‌،

    1. قال ابن حجر في ص ٩۰ من صواعقه: روى الثعلبيّ في تفسيره عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنّه قال: نَحن حبل الله الذي قال الله: «وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَ لَا تَفَرَّقُوا». و إذا تلا جدّه زين العابدين هذه الآية يقول: ... إلى آخره.
      و قال القندوزيّ في «ينابيع المودّة» ص ٢۷٣ و ٢۷٤: و قد أخرج الحافظ عبد العزيز بن الأخضر عن أبي الطفيل عامر بن واثلة - و هو آخر الصحابة موتاً بالاتّفاق قال: كان عليّ بن الحسين بن عليّ عليه السلام إذا تلا هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ‌. يقول: اللهم ارفعني في درجات هذه الندبة، و أعني بعزم الارادة حتى تتجرد خواطر الدنيا عن قلبي. و ذكر ما يشتمل على المحن و ما انتحلته طوائف من هذه الامّة بعد مفارقتها لأئمّة الدين و الشجرة النبويّة. إلى أن قال: و ذهب آخرون إلى التقصير في أمرنا ... إلى آخر ما ذكره القندوزيّ في المتن نقلًا عن تفسير الثعلبيّ. و في آخره قول الإمام: هم العروة الوثقى و معدن التُّقى و خير حبال العالمين و وثيقها.
    2. «الصواعق المحرقة» ص ۱٣۷.

معرفة الإمام ج۱۳

189
  • أحَدُهُما أعْظَمُ مِنَ الآخَرِ: كِتَابَ اللهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إلَى الأرْضِ، وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، وَ لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا.۱

  • و أخرج الترمذيّ و النسائيّ عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قال: يَا أيُّهَا النَّاسُ! إنِّي تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إنْ أخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي.٢

  • و أخرج أحمد بن حنبل من حديث زيد بن ثابت بطريقين صحيحين أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قال: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ خَلِيفَتَيْنِ: كِتَابَ اللهِ‌

    1. «كنز العمّال» للملّا علي المتّقي، ج ۱، ص ٤٤ الحديث ۸۷٤، و ج ۱، ص ۱٥٤، طبعة حيدرآباد سنة ۱٣٦٤ هـ. ق.
      و روى في كتاب «الجمع بين الصحاح الستّة» ج ٣ من أربعة أجزاء، عن صحيح أبي داود و هو سننه، و عن صحيح الترمذيّ بإسنادهما عن رسول الله صلى الله عليه و آله أنّه قال: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي، أحَدُهُمَا أعظم من الآخَر، و هُوَ كِتاب الله، حبل ممدود من السماء إلى الأرض، و عترتي أهل بيتي، لن يفترقا حتى يردا عَلَيّ الحوض فانظروا كيف تخلفونّي فيهما؟! رواه الترمذيّ في صحيحه ج ۱٣، ص ٢۰۰؛ و السيّد ابن طاووس في طرائفه ص ۱۱٥؛ و في كتاب «العمدة» ص ٣٦؛ و في «بحار الأنوار» ج ٢٣، ص ۱۰۸، الطبعة الحديثة.
    2. «كنز العمّال» ج ۱، ص ٤٤، باب الاعتصام بالكتاب و السنّة، الحديثان ۸۷۱ و ۸۷٢، و ج ۱، ص ۱٥٣ من طبعة حيدرآباد.
      و روى ابن المغازليّ بطرق متعدّدة مع أسانيدها منها أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قال: إنِّي اوشك أن ادعى فاجيب، و إنّي قد تركتُ فيكم الثَّقَلَين: كتاب الله، حبل ممدودٌ من السماء إلى الأرض، و عترتي أهل بيتي، و إنّ اللطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عَلَيّ الحوض، فانظروا ما ذا تخلفونّي فيهما؟! و ذكره السيّد ابن طاووس في «الطرائف» ص ۱۱٥ و ۱۱٦. و جاء في مناقب ابن شهرآشوب، ص ٢٣٥؛ و في «بحار الأنوار» ج ٢٣، ص ۱۰۸، الطبعة الحديثة.

معرفة الإمام ج۱۳

190
  • حَبْلٌ مَمْدُودٌ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الأرْضِ -أوْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إلَى الأرْضِ- وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، وَ إنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.۱

  • و أورد الحاكم في مستدركه أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قال: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ أهْلَ بَيْتِي، وَ إنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.٢

  • و قال الحاكم بعد إيراده هذه الحديث: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين و لم يخرِّجاه. و أورده الذهبيّ أيضاً في «تلخيص المستدرك» معترفاً بصحّة سنده على شرط الشيخين.

  • و روى الملّا على المتَّقي عن الباورديّ، عن أبي سعيد الخُدْريّ أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قال: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ: كِتَابَ اللهِ سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللهِ وَ طَرَفُهُ بِأيْديكُمْ، وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، وَ إنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.٣

  • و روى أحمد بن حنبل، و أبو شَيْبة، و أبو يَعْلَى، و ابن سعد، عن أبي سعيد الخُدريّ أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: إنِّي اوشِكُ أنْ ادْعَى فَاجِيبَ وَ إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ عِتْرَتِي. كِتَابُ اللهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إلَى الأرْضِ وَ عِتْرَتِي أهْلُ بَيْتِي. وَ إنَّ اللَّطِيفَ الخَبِيرَ أخْبَرَنِي أنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا؟٤

    1. «مسند أحمد بن حنبل» ج ٥، ص ۱۸٢ و ۱۸٩؛ و الطبرانيّ في «المعجم الكبير»، و «كنز العمّال» ج ۱، ص ٤٤، الحديث ۸۷٣، و من طبعة حيدرآباد: ج ۱، ص ۱٥٤.
    2. «المستدرك علي الصحيحين» ج ٣، ص ۱٤۸.
    3. «كنز العمّال» ج ۱، ص ۱٦٥، الحديث ٩٤٤، طبعة حيدرآباد.
    4. «مسند أحمد بن حنبل» ج ٣، ص ۱۷ و ٢٦؛ و «كنز العمّال» ج ۱، ص ٤۷، الحديث ٩٤٥، و من طبعة حيدرآباد: ج ۱، ص ۱٦٥ و ۱٦٦.

معرفة الإمام ج۱۳

191
  • و أخرج الحاكم في «المستدرك» بطريقين صحيحين عن زيد بن أرقم أنّه قال: لمّا رجع رسول الله صلى الله عليه و آله من حجّة الوداع، و نزل غدير خمّ، أمر بدوحات فقُممن، فقال: كَأنِّي دُعِيتُ فَأجَبْتُ، إنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ أحَدُهُمَا أكْبَرُ مِنَ الآخَرِ: كِتَابَ اللهِ تَعَالَى وَ عِتْرَتِي، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا، فَإنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.

  • ثُمَّ قَالَ: إنَّ اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ مَوْلَايَ وَ أنَا مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ. ثُمَّ أخَذَ بِيَدِ عَلِيّ فَقَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذَا وَلِيُّهُ. اللَهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ‌. إلى آخر الحديث بطوله.۱

  • و أخرجه الذهبيّ في «تلخيص المستدرك» معترفاً بصحّة سنده.

  • و روى الطبرانيّ، و السيوطيّ، و النبهانيّ عن عبد الله بن حنطب أنّه قال: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ بِالجُحْفَةِ فَقَالَ: أ لَسْتُ أولى بِكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ؟! قَالُوا: بلى يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: فَإنِّي سَائِلُكُمْ عَنِ اثْنَيْنِ: القُرْآنِ وَ عِتْرَتِي.٢

  • كلام العلّامة السيّد شرف الدين حول حديث الثقلين‌

  • قال آية الله السيّد شرف الدين العامليّ بعد ذكر كثير من هذه الأخبار: و الصحاح الحاكمة بوجوب التمسّك بالثقلين متواترة، و طرقها عن‌

    1. «المستدرك على الصحيحين» ج ٣، ص ۱٦٩ و ٥٣٣. و أخرجه في الحديث الأوّل مرفوعاً و قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. و قال في الحديث الثاني أيضاً: هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرّجاه.
    2. «المراجعات» ص ۱٥، الطبعة الأولى، عن «معجم الطبراني»، و «إحياء الميت» للسيوطيّ، و «أربعين الأربعين» للنبهانيّ. ثمّ قال: و أنت تعلم أنّ خطبته صلى الله عليه و آله يومئذٍ لم تكن مقصورةً على هذه الكلمة، فإنّه لا يقال عمّن اقتصر عليها إنّه خطبنا، لكنّ السياسة كم اعتقلت ألسُن المحدّثين و حبست أقلام الكاتبين، و مع ذلك فإنّ هذه القطرة من ذلك البحر، و الشذرة من ذلك البذر كافية وافية و الحمد للّه.

معرفة الإمام ج۱۳

192
  • بضع و عشرين صحابيّاً متضافرة. و قد صدع بها رسول الله صلى الله عليه و آله في مواقف له شتّى. تارةً يوم غدير خمّ، و تارةً يوم عَرَفَة في حجّة الوداع، و تارةً بعد انصرافه من الطائف، و مرّة على منبره في المدينة، و اخرى في حجرته المباركة في مرضه، و الحجرة غاصّة بأصحابه.

  • و قد اعترف بذلك جماعة من أعلام الجمهور. حتى قال ابن حجر -إذ أورد حديث الثقلين- ثُمَّ اعْلَمْ لحديث التمسّك بهما طرقاً كثيرة وردت عن نيف و عشرين صحابيّاً. و مرّ له طرق مبسوطة في حادي عشر الشُّبَه.۱

  • و في بعض تلك الطرق أنّه قال ذلك بحجّة الوداع بعرفة، و في اخرى أنّه قاله بالمدينة في مرضه، و قد امتلأت الحجرة بأصحابه. و في اخرى أنّه قال ذلك بغدير خُمّ، و في اخرى أنّه قال ذلك لمّا قام خطيباً بعد انصرافه من الطائف. و لا تنافي، إذ لا مانع من أنّه كرّر عليهم ذلك في تلك المواطن و غيرها اهتماماً بشأن الكتاب العزيز و العترة الطاهرة.٢

  • و حَسْبُ أئمّة العترة الطاهرة أن يكونوا عند الله و رسوله بمنزلة الكتاب‌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ.٣ و كفى بذلك حجّة تأخذ بالأعناق إلى التعبّد بمذهبهم. فإنّ المسلم لا يرتضى بكتاب الله بدلًا، فكيف ينبغي عن أعداله حِوَلًا؟

    1. ذكر ابن حجر في الباب الخامس من صواعقه شبهات الشيعة الخمس عشرة و أجاب عنها بزعمه.
    2. «الصواعق المحرقة» ص ۸٩. ذكر ذلك في آخر الصفحة عند تفسير الآية الرابعة من الآية الواردة في الفصل الأوّل من الباب الحادي عشر في شأن أهل البيت و فضائلهم، و هي قوله: وَ قِفُوهُمْ إنَّهُمْ مسْئُولُونَ.
    3. الآية ٤٢، من السورة ٤۱: فصّلت.

معرفة الإمام ج۱۳

193
  • على أنّ المفهوم من قوله: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي. إنّما هو ضلال من لم يستمسك بهما معاً كما لا يخفى.

  • و يؤيّد ذلك قوله صلى الله عليه و آله في حديث الثقلين عند الطبرانيّ: فَلَا تَقَدَّمُوهُمَا فَتَهْلِكُوا، وَ لَا تُقْصِرُوا۱ عَنْهُمَا فَتَهْلِكُوا، وَ لَا تُعَلِّمُوهُمْ فَإنَّهُمْ أعْلَمُ مِنْكُمْ.

  • قال ابن حجر: و في قوله صلى الله عليه و آله: فَلَا تَقَدَّمُوهُمَا فَتَهْلِكُوا، وَ لَا تُقْصِرُوا عَنْهُمَا فَتَهْلِكُوا، وَ لَا تُعَلِّمُوهُمْ فَإنَّهُمْ أعْلَمُ مِنْكُمْ‌ دليل على أنّ من تأهَّلَ منهم للمراتب العليّة و الوظائف الدينيّة كان مقدّماً على غيره.٢

  • أجل، إنّ حديث الثقلين -كما مرّت الإشارة إليه- من أقوى أسناد الشيعة على إمامة مولى الموحّدين أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌

    1. أقصر من باب الأفعال، إذا تعدّى بعن أفاد معنى الكَفّ عن الشي‌ء و تركه مع القدرة عليه. أقصر عن الأمر: أمسك عنه مع القدرة عليه.
    2. «الصواعق المحرقة» ص ۱٣٥ في باب وصيّة النبيّ بهم؛ و «المراجعات» ص ۱٥ إلى ۱۷، الطبعة الأولى. ثمّ قال في الهامش رادّاً على ابن حجر: ثمّ سله لما ذا قدّم الأشعريّ عليهم في اصول الدين، و الفقهاء الأربعة في الفروع؟ و كيف قدّم في الحديث عليهم عمران ابن حطّان و أمثاله من الخوارج، و قدّم في التفسير عليهم مقاتل بن سليمان المرجئ المجسِّم، و قدّم في علم الأخلاق و السلوك و أدواء النفس و علاجها معروفاً و أضرابه؟! و كيف أخّر في الخلافة العامّة و النيابة عن النبيّ أخاه و وليّه الذي لا يؤدّي عنه سواه؟ ثمّ قدّم فيها أبناء الوزغ على أبناء رسول الله صلى الله عليه و آله؟ و من أعرض عن العترة الطاهرة في كلّ ما ذكرناه من المراتب العليّة و الوظائف الدينيّة و اقتفى فيها مخالفيهم، فما عسى أن يصنع بصحاح الثقلين و أمثالها؟ و كيف يتسنّى له القول بأنّه متمسّك بالعترة و راكب سفينتها و داخل باب حطّتها؟

معرفة الإمام ج۱۳

194
  • السلام و خلافته بلا فصل. و قد أورد علماء الشيعة رضوان الله عليهم منذ صدر الإسلام حتى اليوم هذا الحديث المتواتر الصحيح السَّند المقطوع الصدور في كتبهم الكلاميّة، و استدلّوا على مفاده و محتواه، و اهتمّوا به اهتماماً بالغاً إلى عصرنا هذا حيث دوّن المرحوم سماحة آية الله العظمى البروجرديّ رضوان الله عليه كتابه النفيس الممتع: «جامع أحاديث الشيعة» الذي تحدّث في مقدّمته حديثاً وافياً شافياً حول سنده و دلالته.

  • و إذا كانت هذه المقدّمة قد كتبت بقلم سماحة آية الله الشيخ إسماعيل الملايريّ دامت بركاته و بفضل تتبّعه، و هو من أعزّ أصدقائنا و رفقائنا أيّام دراسة العلوم الدينيّة في حوزة قم المقدّسة، بَيدَ أنّها دُوِّنت جميعها بإرشادات الاستاذ آية الله البروجرديّ الخاصّة و توجيهاته المسدِّدة، و قد أشرف عليها بنفسه.۱ و نلاحظ في هذه المقدّمة أنّه ينسب الحديث المذكور إلى أربعة و ثلاثين صحابيّاً و صحابيّة. لكنّي تتبّعت رواته فوجدتهم أكثر من أربعة و ثلاثين، مع أنّ ابن حجر ذكر في صواعقه عشرين و نيّفاً، و أنّ العلّامة الخبير المتضلّع المتتبّع نحرير البحث و نقّاد الكلام سماحة آية الله مير حامد حسين الكهنويّ الهنديّ النيسابوريّ لم يزد على خمسة و عشرين راوياً كما في كتابه النفيس الثمين «عَبَقَات الأنْوار».

  • «عبقات الأنوار» و شرح حديث الثقلين‌

  • و قد وقّف العالم المذكور رضوان الله عليه الجزءَ الأوّل من الجزء الثاني عشر من عبقاته على البحث في سند الحديث المشار إليه، و تحدّث فيه حديثاً تامّاً وافياً عن مائة و سبعة و ثمانين رجلًا من مشاهير علماء أهل السنّة الذين رووا هذا الحديث أو أثبتوه أو صحّحوه، و شغل حديثُه قَرابة

    1. «جامع أحاديث الشيعة» ج ۱، ص ٢٩ إلى ٥٢، المقدِّمة، طبعة رحليّة.

معرفة الإمام ج۱۳

195
  • ألف صفحة من ذلك الجزء.

  • و أورد السيّد المؤلّف ترجمة هؤلاء العلماء مفصّلًا، و ذكر متن الحديث بألفاظه المختلفة و تعابيره المتباينة مع الكتب التي ادرج فيها، و أسماء الرواة. و أثبت الحديث بنحو رائع جذّاب، و إشارات و تتبّعات جميلة لطيفة متقنة متينة. و بغضّ النظر عن سائر أجزاء هذه الموسوعة المباركة، يمكننا أن نعدّ هذا الجزء وحده (جزء الثقلين) كنزاً من العلم و البصيرة و الخبرة.۱ و نقل الكتاب أسماء علماء السنّة الذين ذكروا الحديث، حسب التسلسل الزمنيّ اعتباراً من القرن الثاني حتى القرن الثالث عشر الهجريّ.

  • و إذا كان كثير من العلماء الأعلام قد صنّفوا كتباً مستقلّة في هذا الحديث بعد تلك الآية العظمى (المرحوم مير حامد حسين أعلى الله مقامه)، غير أنّهم جميعاً اقتبسوا من مشكاة أنوار هذا المجاهد العظيم و الآية الإلهيّة العلميّة الكبرى، فحقيق أن نقول: كُلُّ الصَّيْدِ في جَوفِ الفَرَا، لأنّ كثيراً من مصادر تحقيقه و تأليفه مخطوطات فذّة فريدة.

  • و ألّف المرحوم ابن خالى آية الله الميرزا نجم الدين شريف العسكريّ قدّس الله نفسه كتاباً جميلًا لطيفاً تحت عنوان: «مُحَمَّدٌ وَ عَليّ وَ حَدِيثُ الثَّقَلَيْنِ وَ حَدِيثُ السَّفِينَةِ» و هو رائع حقّاً، بَيدَ أنّه كما أشار بل نصّ على أنّه استهدى بـ «العبقات» في معظم المواطن.

  • إنّ الجزء المذكور من كتاب «عبقات الأنوار» يدور حول حوار

    1. تمّت الطبعة الأولى لهذا الكتاب في جزءين سنة ۱٣۱٤ هـ. ق بالهند. أمّا طبعته الثانية فقد كانت في إصفهان سنة ۱٣۷٩ و ۱٣۸۰ هـ. ق من قِبَلِ «مؤسّسة نشر نفايس مخطوطات اصفهان»(= مؤسّسة نشر نفائس المخطوطات في إصفهان).

معرفة الإمام ج۱۳

196
  • المؤلّف مع صاحب «التُّحْفَة الاثنا عَشَرِيَّة» بخصوص حديث الثقلين. و قد أماط اللثام رحمه الله عن مغالطاته و تخديعاته‌۱ و تحريفاته العشرة عند نقل الحديث (المقصود مغالطات صاحب التحفة و ...).

  • و من المناسب -إذ بلغ كلامنا حول الحديث الشريف المذكور هذا الموضع- أن نتوسّع في كلامنا نوعاً ما ليدور حول قوّة سنده و عظمة و إتقان مفاده و معناه، و ذلك لمزيد اطّلاع المؤمنين و استبصار المستبصرين.

  • مشاهير علماء العامّة الذين رووا حديث الثقلين‌

  • فمن جملة مشاهير العلماء و الرواة الذين رووا هذا الحديث أو أثبتوه أو صحّحوه:

  • ۱- ابن راهْوَيه إسحاق بن إبراهيم الحنظليّ شيخ البخاريّ، رواه عن أمير المؤمنين عليه السلام. و يسمّيه العامّة أمير المؤمنين في فنّ الحديث.

  • ٢- مسلم بن الحجّاج القُشَيْريّ في صحيحه، رواه عن زيد بن أرقم.

  • ٣- أبو عبد الله محمّد بن ماجه القزوينيّ، صاحب السنن، عن زيد ابن أرقم.

  • ٤- أبو داود السجستانيّ، صاحب السنن، عن زيد بن أرقم.

  • ٥- التِّرمَذيّ أبو عيسى محمّد بن عيسى؛ صاحب «الصحيح»، عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ، و أبي ذرّ، و أبي سعيد الخُدريّ، و زيد بن أرقم، و حُذَيفَة بن اسَيْد.

  • ٦- عبد الله بن أحمد بن حنبل، صاحب «زيادات المسند»، عن‌

    1. خدّعه بالسيف: ضربه ضرباً لا ينفذ و لا يُحيك. أي: أنّ حملات صاحب «التحفة الاثنا عشريّة» ليست إلّا حملات عقيمة لا طائل تحتها كالذي يضرب شخصاً بسيفه فلا ينفذ و لا يؤثّر فيه. و الملحوظ أنّ السيّد حامد حسين يستعمل كلمة «تخديعات» كثيراً. منها قوله في ص ۷ من الجزء الأوّل، حديث الثقلين: إنّ أوّل تخديع صدر من المخاطَب هنا هو ... إلى آخره.

معرفة الإمام ج۱۳

197
  • زيد بن أرقم.

  • ۷- النّسَائيّ أبو عبد الرحمن، صاحب «السنن»، عن زيد بن أرقم.

  • ۸- الطبريّ أبو جعفر، صاحب التاريخ، عن أمير المؤمنين عليه السلام، و أبي سعيد، و زيد بن أرقم.

  • ٩- ابن عَبْدِ رَبِّهِ القُرْطُبِيّ الاندلُسيّ، صاحب «العِقْد الفَريد» و بيان مصدر حديثه.

  • ۱۰- ابن عُقْدَة الحافظ أحمد بن محمّد بن سعيد الكوفيّ، عن أمير المؤمنين عليه السلام، و جابر، و أبي ذرّ، و امّ سلمة، و أبي رافع، و امّ هاني، و خُزَيْمَةَ بن ثابت، و ضُمَيْرَة الأسْلَميّ.

  • ۱۱- الطبرانيّ، صاحب «المعجم الكبير و الأوسط و الصغير»، عن أبي سعيد، و زيد بن أرقم، و زيد بن ثابت، و عبد الله بن حَنْطَب.

  • ۱٢- الدارقطنيّ الحافظ أبو الحسن عليّ بن عمر، عن امّ سلمة.

  • ۱٣- الذَّهَبيّ أبو طاهر محمّد بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد.

  • ۱٤- الحاكم النيسابوريّ أبو عبد الله، صاحب «المستدرك على الصحيحين»، عن زيد بن أرقم.

  • ۱٥- الثَّعْلَبي أبو إسحاق أحمد، صاحب تفسير «الكشف و البيان»، عن أبي سعيد.

  • ۱٦- أبو نُعَيْم الإصفهانيّ، صاحب «حِلْيَة الأولياء» في «مَنقَبة المُطَهَّرين»، عن جُبَيْر بن مُطْعم، و أبي سعيد، و زيد بن أرقم، و أنس بن مالك، و البَراء بن عَازِب، و في «حلية الأولياء» مفصّلًا عن حُذَيفة بن اسَيْد.

  • ۱۷- البَيْهَقيّ الحافظ أبو بكر، صاحب «السنن»، عن زيد بن أرقم.

  • ۱۸- القُرطُبيّ الأندُلُسيّ أبو عبد الله بن عبد البرّ، صاحب «الاستيعاب»، و «التمهيد»، و «جامع بيان العلم»، عن زيد بن أرقم.

معرفة الإمام ج۱۳

198
  • ۱٩- الخطيب البغداديّ، صاحب «تاريخ بغداد»، عن جابر.

  • ٢۰- ابن المغازليّ، صاحب «المناقب» بأسناد عديدة، عن زيد بن أرقم و أبي سعيد.

  • ٢۱- السَّمعانيّ أبو المُظفَّر، صاحب «فضائل الصَّحَابة»، عن أبي سعيد.

  • ٢٢- رَزين بن معاوية العَبْدَريّ، صاحب «الجمع بين الصحاح الستّة»، عن زيد بن أرقم.

  • ٢٣- القاضي عياض اليَحْصُبيّ، صاحب «الشفا بتعريف حقوق المصطفي»، بلا سند.

  • ٢٤- الخوارزميّ: أخطب خوارزم، صاحب «المناقب»، عن زيد بن أرقم.

  • ٢٥- ابن عساكر الحافظ أبو القاسم، صاحب «تاريخ دمشق»، عن حُذَيفة بن اسَيد الغفاريّ، و زيد بن أرقم.

  • ٢٦- أبو الفتوح العِجْلِيّ الإصفهانيّ، صاحب «فضائل الخلفاء»، عن عامر بن ليلى بن ضمرة.

  • ٢۷- ابن الأثير الجَزَريّ مجد الدين، صاحب «جامع الاصول» و «النهاية»، عن جابر و زيد بن أرقم.

  • ٢۸- ابن الأثير الجَزَريّ عزّ الدين، صاحب «اسد الغابة»، و هو أخو مجد الدين، عن زيد بن أرقم، و عبد الله بن حَنْطَب.

  • ٢٩- محمّد بن طلحة الشافعيّ، صاحب «مطالب السَّئول»، عن زيد ابن أرقم.

  • ٣۰- سِبط بن الجوزيّ، صاحب «تذكرة خواصّ الامّة»، عن زيد بن أرقم.

معرفة الإمام ج۱۳

199
  • ٣۱- محمّد بن يوسف الكنجيّ، صاحب «كفاية الطَّالب»، عن زيد ابن أرقم.

  • ٣٢- محبّ الدين الطَّبريّ، صاحب «ذخائر العُقْبَي»، عن أبي سعيد، و زيد بن أرقم.

  • ٣٣- الحمّوئيّ صدر الدين إبراهيم بن مؤيّد، صاحب «فرائد السِّمْطَيْن»، عن أبي سعيد الخُدْريّ، و حُذَيفة بن اسَيْد الغفاريّ، و زيد بن أرقم.

  • ٣٤- الخازن البغداديّ علاء الدين عليّ، صاحب التفسير، عن زيد ابن أرقم.

  • ٣٥- الذهبيّ شمس الدين محمّد، صاحب «ميزان الاعتدال» تصحيح حديث زيد بن أرقم.

  • ٣٦- الزَّرَنْديّ المَدَنيّ جمال الدين محمّد، صاحب «نظم دُرَر السِّمْطَين»، عن جابر، و زيد بن أرقم.

  • ٣۷- ابن كثير الدمشقيّ إسماعيل بن عمر، صاحب «التفسير»، بأسناد كثيرة في آية التطهير و آية المودّة، عن زيد بن أرقم، و جابر، و أبي سعيد، و أبي ذرّ، و حذيفة بن اسَيد.

  • ٣۸- السيّد عليّ الهمدانيّ بن شهاب الدين، صاحب «مودّة القُربي»، عن أبي سعيد، و جُبَيْر بن مُطْعِم.

  • ٣٩- التفتازانيّ سعد الدين، صاحب «شرح المقاصد»، أثبت الحديث.

  • ٤۰- الهيتميّ نور الدين عليّ، صاحب «مجمع الزَّوائد»، بلا سند.

  • ٤۱- الفيروزآباديّ مجد الدين، صاحب «القاموس» في مادّة ثقل في قاموسه.

معرفة الإمام ج۱۳

200
  • ٤٢- الخواجة محمّد بارسا، صاحب «فصل الخطاب»، عن جابر، و حُذَيفة بن اسَيْد، و زيد بن أرقم.

  • ٤٣- السخاويّ شمس الدين، صاحب «الضَّوء اللامع» في «استجلاب ارتقاء الغُرَف»، عن جمع كثير من الصحابة.

  • ٤٤- الملّا حسين الواعظ الكاشفيّ، صاحب «التفسير»، بلا سند.

  • ٤٥- السيوطيّ الحافظ جلال الدين عبد الرحمن، في كتب عديدة: «إحياء الميّت بفضائل أهل البيت»، و «نهاية الإفضال في شرف الآل»، و «أساسٌ في مناقب بني العبّاس»، و «إنافَةٌ في رُتبة الخلافة»، و «بُدُور سافِرة عن امور الآخرة»، و «الجامع الصغير»، و «الدُّرّ المنثور»، و «الدُّرّ النَّثير»، عن زيد بن أرقم، و أبي هُرَيرة، و أبي سعيد، و أبي ذرّ، و عبد الله بن حَنطَب، و حنطب والد عبد الله، و زيد بن ثابت، و جابر بن عبد الله الأنصاريّ.

  • ٤٦- ابن حَجَر الهَيْتَمي شهاب الدين، صاحب «الصواعق المحرقة» بسند صحيح، عدد من الأحاديث عن زيد بن أرقم.

  • ٤۷- السمهوديّ نور الدين عليّ شريف، صاحب «جواهر العقدين»، عن أمير المؤمنين عليه السلام، و امّ هاني، و امّ سلمة، و أبي ذرّ، و حُذَيفة بن اسَيْد، و أبي الطُّفَيْل، و زيد بن أرقم، و زيد بن ثابت.

  • ٤۸- روزبهان فضل الله الخنجيّ الشيرازيّ، في شرح الرسالة الاعتقاديّة.

  • ٤٩- القسطلانيّ المدنيّ شهاب الدين أحمد، صاحب «المواهب اللدنيّة»، عن زيد بن أرقم.

  • ٥۰- شاه وليّ الله الدِّهْلويّ، صاحب «إزالة الخَفَاء»، عن زيد بن أرقم.

  • ٥۱- الزبيديّ السيّد محمّد مرتضى، صاحب «تاج العروس» شارح‌

معرفة الإمام ج۱۳

201
  • القاموس، بلا سند.

  • ٥٢- العُجَيْليّ أحمد بن عبد القادر، صاحب «ذَخيرة المآل» في مواضع متعدّدة، عن زيد بن أرقم.

  • و ننقل فيما يأتي بحول الله و قوّته جميع الأحاديث المأثورة عن خمسة و عشرين صحابيّاً من صحابة رسول الله صلى الله عليه و آله بطرق العامّة و أسانيدهم المختلفة من غير أن نكرّر المتن، مكتفين منه بالمقدار اللازم من حديث الثقلين. علماً أنّي أحصيتُ زُهاء مائة متن متباين العبارة.

  • الأوّل: حديث الثَّقَلَيْنِ برواية أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام

  • ۱- قال: قَالَ رَسوُلُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: إنِّي مَقْبُوضٌ، وَ إنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ أهْلَ بَيْتِي، وَ إنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا.۱

  • ٢- قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ: إنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمْ مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ طَرَفُهُ بِيَدِ اللهِ وَ طَرَفُهُ بِأيْدِيكُمْ، وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، وَ لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.٢

  • ٣- إنِّي مَقْبُوضٌ، و إنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي. وَ إنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا، وَ إنَّهُ لَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ حتى يُبْتَغَى‌

    1. برواية السيوطيّ في كتاب «إحياء الميّت بفضائل أهل البيت» المطبوع في حاشية «الاتحاف بحبّ الأشراف» للشبراويّ، ص ٢٤۷، الحديث رقم ٢٣، و بتخريج الهيتميّ في «مجمع الزوائد» ج ٩، ص ۱٦٣. و جاءت كلمة (يعني) فقط بعد لفظ (الثقلين).
    2. الشيخ عبيد الله الحنفيّ في كتاب «أرجح المطالب» ص ٣٣۷ بتخريج البزّاز و الدولابيّ. و ورد في «عبقات الأنوار» ج ٢، ص ٥۸۱، برواية الجعابيّ أيضاً، و «ينابيع المودّة» ص ٣٩، عن الجعابيّ.

معرفة الإمام ج۱۳

202
  • أصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ كَمَا يُبْتَغَى الضَّالَّةُ فَلَا تُوجَدُ.۱

  • ٤- تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إنْ أخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ سَبَبُهُ بِيَدِهِ وَ سَبَبُهُ بِأيْدِيكُمْ، وَ أهْلَ بَيْتِي.٢

  • ٥- قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إنْ أخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللهِ وَ طَرَفُهُ بِأيْدِيكُمْ.٣

  • ٦- قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إنْ أخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ سَبَبٌ بِيَدِهِ وَ سَبَبٌ بِأيْدِيكُمْ وَ أهْلَ بَيْتِي.٤

  • ۷- إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي، وَ لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.٥

  • ۸- أيُّهَا النَّاسُ! إنِّي تَرَكْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ، لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ‌

    1. «عبقات الأنوار» ج ٢، ص ٥۸۱، جزء الثَّقلين، طبعة إصفهان، بتخريج البزّاز.
    2. «عبقات الأنوار» ج ٢، ص ٥۸۱، عن شمس الدين محمّد بن عبد الرحمن السخاويّ القاهريّ الشافعيّ في كتاب «استجلاب ارتقاء الغرف بحبّ أقرباء الرسول ذوي الشرف» بتخريج إسحاق بن راهويه شيخ البخاريّ في مسنده و برواية الدولابيّ في كتاب «الذرّيّة الطاهرة».
    3. «ينابيع المودّة» للشيخ سليمان القندوزيّ الحنفيّ، ص ٣٩، طبعة إسلامبول الأولى، سنة ۱٣۰۱ هـ. ق، عن «مسند إسحاق بن راهويه». و قال: هذا سند جيّد، و كذلك ذكره الدولابيّ في «الذُّرّيّة الطاهرة».
    4. «أرجح المطالب» ص ٣٣۷ عن «مسند إسحاق بن راهويه»؛ و «كنز العمّال» ج ۱، ص ٩٦، و قال: ذكره ابن جرير في «تهذيب الآثار» و صحّحه.
    5. «فرائد السمطين» للحمّوئيّ، ج ٢، ص ۱٤۷، باب ٣٣ من السمط الثاني، بتخريج الشيخ الصدوق ابن بابويه؛ و ذكره الصدوق في «إكمال الدين» ج ۱، ص ۱٣۸ من الطبعة الأولى، أواسط الباب ٢٢؛ و أورده السيّد هاشم البحرانيّ بنفس اللفظ و السند في «غاية المرام» ص ٢۱٥، الحديث ٢٩ عن طريق العامّة، عن «فرائد السمطين» للحمّوئيّ.

معرفة الإمام ج۱۳

203
  • بِهِمَا، الأكْبَرُ مِنْهُمَا كِتَابُ اللهِ، وَ الأصْغَرُ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، وَ إنَّ اللَّطِيفَ الخَبِيرَ عَهِدَ إلَيّ أنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ كَهَاتَيْنِ -وَ أشَارَ بالسَّبَّابَتَيْنِ- وَ لَا أنَّ أحَدَهُمَا أقْدَمُ مِنَ الآخَرِ، فَتَمَسَّكُوا بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا، وَ لَا تَقَدَّمُوا مِنْهُمْ، وَ لَا تَخَلَّفُوا عَنْهُمْ، وَ لَا تُعَلِّمُوهُمْ فَإنَّهُمْ أعْلَمُ مِنْكُمْ.۱

  • ٩- إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، وَ إنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ، وَ إنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا إنِ اتَّبَعْتُمْ وَ اسْتَمْسَكْتُمْ بِهِمَا.٢

  • ۱۰- إنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: يَعْنِي كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، وَ إنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا.٣

  • ۱۱- أيُّهَا النَّاسُ: إنِّي تَرَكْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: الثَّقَلَ الأكْبَرَ وَ الثَّقَلَ الأصْغَرَ، فَأمَّا الأكْبَرُ هُوَ حَبْلٌ فَبِيَدِ اللهِ طَرَفُهُ، وَ الطَّرَفُ الآخَرُ بِأيدِيكُمْ وَ هُوَ كِتَابُ اللهِ، إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا، وَ لَنْ تَذِلُّوا أبَداً، وَ أمَّا الأصْغَرُ فَعِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي.

  • إنَّ اللهَ اللَّطِيفَ الخَبِيرَ أخْبَرَنِي أنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ، وَ سَألْتُ ذَلِكَ لَهُمَا فَأعْطَانِي. وَ اللهُ سَائِلُكُمْ كَيْفَ خَلَفْتُمُونِّي في‌

    1. «ينابيع المودّة» ص ٣٤، عن «مناقب ابن شهرآشوب»، عن «كتاب سُليم بن قيس» في يوم عرفة علي الناقة القصوي و في مسجد الخيف، و يوم الغدير، و يوم الوفاة عن أمير المؤمنين، عن النبيّ.
    2. «ينابيع المودّة» ص ٣٥، عن «مناقب ابن شهرآشوب»، عن أبي ذرّ أنّه قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام لطلحة، و عبد الرحمن بن عوف، و سعد بن أبي وقّاص: هل تعلمون أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قال كذا؟! قالوا: نعم.
    3. «ينابيع المودّة» ص ٣٩، برواية البزّاز.

معرفة الإمام ج۱۳

204
  • كِتَابِ اللهِ وَ أهْلِ بَيْتِي؟!۱

  • ۱٢- ثُمَّ قَامَ فَحَمِدَ اللهَ وَ أثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أيُّهَا النَّاسُ مَا أنْتُم قَائِلُونَ؟! قَالُوا: قَدْ بَلَّغْتَ! قَالَ: اللَهُمَّ اشْهَدْ -ثَلَاثَ مَرَّاتٍ- ثُمَّ قَالَ: إنِّي اوشِكُ أنْ ادْعَى فَاجِيبَ، وَ إنِّي مَسْؤُولٌ وَ أنْتُم مَسْؤُولُونَ!

  • ثُمَّ قَالَ: أيهَا النَّاسُ إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا؟! وَ إنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى - يَرِدا عَلَيّ الحَوْضَ. نَبَّأنِي بِذَلِكَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ.

  • ثُمَّ قَالَ: إنَّ اللهَ مَوْلَايَ وَ أنَا مَوْلَى المُؤْمِنِينَ. أ لَسْتُم تَعْلَمُونَ أنِّي أولى بِكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ؟! قَالُوا: بلى ذَلِكَ ثَلَاثاً.

  • ثُمَّ أخَذَ بِيَدِكَ يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ! فَرَفَعَهَا وَ قَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذَا عَلِيّ مَوْلَاهُ. اللَهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَ عَادِ مَن عَادَاهُ.

  • فَقَالَ عَلِيّ: صَدَقْتُمْ وَ أنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ!٢

    1. «ينابيع المودّة» ص ٣٩، عن ابن عقدة، عن طريق سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين عليه السلام، و عن أبي رافع غلام رسول الله صلى الله عليه و آله. 
    2. «ينابيع المودّة» ص ٣۸، عن أبي نُعَيم في «حلية الأولياء».
      ذكر محمّد بن يعقوب بسنده المتّصل عن سليم، عن أمير المؤمنين عليه السلام حديثاً مفصّلًا في كلامه: أدنى ما يكون به العبد مؤمناً، و في آخره قال عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه و آله في آخر خطبة خطبها: إنِّي قَد تركتُ فيكم أمرين لن تضلّوا بعدي إن تمسّكتم بهما: كتاب الله عزّ و جلّ و عترتي أهل بيتي فإنّ اللّطيف الخبير قد عهد إلَيّ أنّهما لن يفترقا حتى يردا عَلَيّ الحَوض -و جمع بين مُسبّحتيهـ و لا أقول: كهاتين- و جمع بين المسبّحة و الوُسطى - فتسبق إحداهما الاخرى، فتمسّكوا بهما لا تزلّوا و لا تضلّوا، و لا تقدّموهم فتضلّوا. («غاية المرام» ص ٢٣۰، الحديث ٥۰، عن الخاصّة»، و ذكر في ص ٢٣٢ و ٢٣٣، عن الخاصّة، عن الصدوق بسنده المتّصل، عن أمير المؤمنين أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قال: إنّي مَقبوض و اوشك أن ادعى فاجيب، و إنّي قد تركتُ فيكُمُ الثَّقَلَيْنِ أحدهما أفضل من الآخر: كتاب الله و عترتي أهل بيتي، لن يفترقا حتى يردا عَلَيّ الحوضَ (الحديث ٦٤).

معرفة الإمام ج۱۳

205
  • روى أبو نُعَيم في «حلية الأولياء» و غيره عن أبي الطُّفَيل أنّ علياً عليه السلام قام فحمد الله و أثنى عليه. ثمّ قال: انشد الله من شهد يوم غدير خمّ إلّا قام! و لا يقوم رجل يقول: نُبّئتُ أو بلغني إلّا رجل سمعت اذُناه و وعاه قلبُه. فقام سبعة عشر رجلًا منهم: خُزَعْةُ بن ثابت، و سَهْلُ بنُ سَعْدٍ، و عَدِيّ بنُ حاتَم، و عُقبَةُ بنُ عامرٍ، و أبو أيّوب الأنصاريّ، و أبو سعيد الخُدريّ، و أبو شُرَيح الخُزاعيّ، و أبو قُدامة الأنصاريّ، و أبو يَعْلَى الأنصاريّ، و أبو الهَيثَم بن التَّيِّهان، و رجال من قريش. فقال عليّ عليه السلام: هاتوا ما سمعتم!

  • فقالوا: نشهد أنّا أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه و آله من حجّة الوداع نزلنا بغدير خُمّ، ثمّ نادى بالصلاة فصلّينا معه.۱

  • ۱٣- إنِّي تَارِكٌ فيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، لَنْ تَضِلُّوا مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا، لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ؟ قَالُوا: اللَهُمَّ نَعَمْ.٢

  • ۱٤- يَا أيُّهَا النَّاسُ! إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ و عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي. فَتَمَسَّكُوا بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا! فَإنَّ اللَّطِيفَ الخَبِيرَ أخْبَرَنِي وَ عَهِدَ إلَيّ أنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.

    1. «ينابيع المودّة» ص ٣۸، عن أبي نُعَيم في «حلية الأولياء».
    2. «مناقب الخوارزميّ» ص ٢۱۸ و ٢۱٩، الطبعة الحجريّة، ذكره في سياق مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام أصحاب الشوري الذين قالوا كلّهم بعد إتمام المناشدة: اللهمّ نعم! و هذه المناشدة مهمّة جدّاً و تتضمّن مقالات مولي الموحّدين و درجاته. و اقتصرنا منها هنا علي حديث الثقلين مكتفين به.

معرفة الإمام ج۱۳

206
  • و فيه: فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ شِبْهَ المُغْضِبِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أ كُلُّ أهْلِ بَيْتِكَ؟! فَقَالَ: لَا، وَ لَكِنْ أوْصِيَائِي مِنْهُمْ، أوَّلُهُمْ أخِي وَ وَزِيرِي وَ خَلِيفَتِي في امَّتِي وَ وَلِيّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي، هُوَ أوَّلُهُمْ، ثُمَّ ابْنِي الحَسَنُ (ثُمَّ ابْنِي الحُسَيْنُ) ثُمَّ تِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ الحُسَيْنِ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ حتى يَرِدُوا عَلَيّ الحَوْضَ، شُهَدَاءُ اللهِ في أرْضِهِ وَ حُجَجُهُ عَلَى خَلْقِهِ وَ خُزَّانُ عِلْمِهِ وَ مَعَادِنُ حِكْمَتِهِ. مَنْ أطَاعَهُمْ فَقَدْ أطَاعَ اللهَ، وَ مَنْ عَصَاهُمْ فَقَدْ عَصَى اللهَ.۱

  • ۱٥- أيُّهَا النَّاسُ! أ لَسْتُ أولى بِكُمْ مِنْ أنفُسِكُمْ؟! قَالُوا بلى! قَالَ: فَإنِّي كَائِنٌ لَكُمْ عَلَى الحَوْضِ فَرَطاً وَ سَائِلُكُمْ عَنِ اثْنَيْنِ: عَنِ القُرْآنِ وَ عَنْ عِتْرَتِي.٢

  • ۱٦- أيُّهَا النَّاسُ! إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، فَإنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ. نَبَّأنِي بِذَلِكَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ. ثُمَّ أخَذَ بِيَدِ عَلَيّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ.٣

    1. «فرائد السمطين» للحمّوئيّ، ج ۱، ص ٣۱۷ و ٣۱۸، باب ٥۸، و هذا الحديث مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام و احتجاجه القويّ المستدلّ في عهد عثمان في مسجد رسول الله صلى الله عليه و آله. و هو مفصّل جدّاً و يضمّ مطالب عالية. و يستغرق سبع صفحات، من ص ٣۱٢ إلى ٣۱۸؛ و رواه البحرانيّ في «غاية المرام» ص ٣۷ إلى ٣٩، الباب ٣٤، عن طريق العامّة، عن «فرائد السمطين» عن سليم بن قيس الهلاليّ.
    2. «حلية الأولياء» ج ٩، ص ٦٤، رواه بسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله خطب بالجحفة و قال: ... .
    3. ذكر صاحب كتاب «أرجح المطالب» في ص ٣٣٩ منه عن أبي الطفيل أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قام خطيباً فقال: من سمع يوم الغدير و حفظ فليقم. فقام سبعة عشر فشهدوا، فقال الإمام في ختام ذلك: صدقتم و أنا على ذلك من الشاهدين.
      و روى في «غاية المرام» ص ٢٢٢ الحديث ۱۱، عن الخاصّة، عن ابن بابويه بسنده المتّصل، عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قال: إنّي مخلّف فيكم الثقلين: كتاب الله و عترتي أهل بيتي، و إنّهما لن يفترقا حتى يردا عَلَيّ الحوض كهاتين، و ضمّ بين سبّابتيه، فقام إليه جابر بن عبد الله، فقال: يا رسول الله! مَن عترتك؟ قال: عليّ و الحسن و الحسين و الأئمّة من ولد الحسين إلى يوم القيامة.

معرفة الإمام ج۱۳

207
  • الثاني: حديث الثقلين برواية السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام

  • ۱۷- قالَتْ: سَمِعْتُ أبِي صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ في مَرَضِهِ الذي قُبِضَ فِيهِ يَقُولُ وَ قَدْ امْتَلأتِ الحُجْرَةُ مِنْ أصْحَابِهِ: أيُّهَا النَّاسُ! يُوشِكُ أنْ اقْبَضَ قَبْضاً سَرِيعاً وَ قَدْ قَدَّمْتُ إلَيْكُمُ القَوْلَ مَعْذِرَةً إلَيْكُمْ، ألَا إنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمْ كِتَابَ رَبِّي عَزَّ وَ جَلَّ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي!

  • ثُمَّ أخَذَ بِيَدِ عَلِيّ فَقَالَ: هَذَا عَلِيّ مَعَ القُرْآنِ وَ القُرآنُ مَعَ عَلَيّ لَا يَفْتَرِقَانِ حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ فَأسْألُكُمْ مَا تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا.۱

  • الثالث: حديث الثقلين برواية امّ هاني اخت أمير المؤمنين عليه السلام

  • ۱۸- فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: أيُّهَا النَّاسُ! إنِّي اوشِكُ أنْ ادْعَى فَاجيبَ وَ قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا أبَداً: كِتَابَ اللهِ حَبْلٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللهِ وَ طَرَفُهُ بِأيْدِيكُمْ، وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي. اذَكِّرُكُمُ اللهَ في أهْلِ بَيْتِي، ألَا إنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.٢

  • ۱٩- أمَّا بَعْدُ أيُّهَا النَّاسُ! فَإنِّي مُوشِكٌ أنْ ادْعَى فَاجِيبَ وَ قَدْ تَرَكْتُ‌

    1. قال: في «ينابيع المودّة» ص ٤۰، أخرجه ابن عقدة من طريق عروة بن خارجة عن فاطمة الزهراء سلام الله عليها.
    2. و قال فيه أيضاً: أخرج البزّاز في مسنده عن امّ هاني بنت أبي طالب قالت: رجع رسول الله صلى الله عليه و آله من حجّته حتى نزل بغدير خمّ، ثمّ قام خطيباً بالهاجرة، فقال ... .

معرفة الإمام ج۱۳

208
  • فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أبَداً: كِتَابَ اللهِ طَرَفٌ بِيَدِ اللهِ وَ طَرَفٌ بِأيْدِيكُمْ، وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي ألَا إنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.۱

  • ٢۰- ذكر صاحب «العبقات» هذا المضمون عينه، بَيدَ أنّه أورد كلمة يوشك‌ مكان‌ مُوشكٌ‌، و أضاف هذه العبارة: اذَكِّرُكُمُ اللهَ في أهْلِ بَيْتِي‌ بعد قوله: وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي.٢

  • و لا فرق حقّاً بين هذه العبارة و العبارة الواردة في «ينابيع المودّة»، إذ جاء فيها قوله: اوشِكُ‌ مكان‌ يوشِكُ‌ المكسورة الشين.

  • الرابع: حديث الثقلين برواية امّ المؤمنين امّ سلمةَ

  • ٢۱- قالت امّ سلمة: أخذ رسول الله صلى الله عليه و آله بِيَدِ عليّ عليه السلام بغدير خُمّ فرفعها حتى رأينا بياض إبطه فقال: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ. ثُمَّ قَالَ: أيُّهَا النَّاسُ! إنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي، وَ لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.٣

  • ٢٢- متن الحديث الوارد عن فاطمة الزهراء عليها السلام في المرض‌

    1. «عبقات الأنوار» ج ٢، ص ٥۸٢، قال: روي السخاويّ حديث امّ هاني بتخريج ابن عقدة عن حديث عمر بن سعيد بن (عن ظ) عمر بن جعدة بن هبيرة عن أبيه، عن امّ هاني.
    2. ذكره صاحب «العبقات» في عبقاته، ج ٢، ص ٦٤٤ و ٦٤٥، عن «جواهر العقدين» للسمهوديّ، بتخريج ابن عقدة عن حديث عمرو بن سعيد بن عمرو بن جعدة بن هبيرة، عن أبيه، عن جدّه أنّه سمع امّ هاني تقول كذا.
    3. أورده في «ينابيع المودّة» ص ٤۰، بتخريج ابن عقدة، عن طريق عمرو بن سعيد ابن عمرو بن جعدة بن هبيرة، عن أبيه، عن جدّه، عن امّ سلمة؛ و نقله صاحب «العبقات» في عبقاته، ج ٢، ص ٥۸٢، عن كتاب «استجلاب ارتقاء الغرف» للسخاويّ، بتخريج ابن عقدة من حديث هارون بن خارجة، عن فاطمة ابنة عليّ عليه السلام عن امّ سلمة؛ و ذكره صاحب «أرجح المطالب» أيضاً في ص ٣٣۸ من كتابه المذكور؛ و ورد في «عبقات الأنوار» أيضاً ج ٢، ص ٦٤٥، عن «جواهر العقدين» للسمهوديّ باختلاف يسير في اللفظ.

معرفة الإمام ج۱۳

209
  • الذي مات فيه رسول الله صلى الله عليه و آله و الحجرة غاصّة بالناس. و نحن ذكرناه في الرقم ۱۷ بثلاثة فروق مختصرة هي:

  • ۱- أخَذَ بِيَدِ عَلِيّ فَرَفَعَهَا.

  • ٢- قَبْضاً سَرِيعاً فَيَنْطَلَقُ بِي.

  • ٣- فَأسْألُهُمَا مَا خُلِّفْتُ فِيهِمَا.۱

  • الخامس: حديث الثقلين برواية أبي ذرّ الغفاريّ

  • ٢٣- إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي، فَإنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا؟٢

  • ٢٤- يَا أيُّهَا النَّاسُ! إنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إنْ أخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي.٣

  • ٢٥- مَثَلُ أهْلِ بَيْتِي كَمَثَلِ سَفِينَةِ نُوحٍ مَنْ رَكِبَهَا نَجَا، وَ مَنْ تَرَكَهَا هَلَكَ. وَ يَقُولُ: مَثَلُ أهْلِ بَيْتِي فِيكُمْ مَثَلُ بَابِ حِطَّةٍ في بَنِي إسرائيلَ مَنْ‌

    1. «عبقات الأنوار» ج ٢، ص ٦٤٥ عن «جواهر العقدين» للسمهوديّ، بتخريج جعفر بن محمّد الرزّاز، عن امّ سلمة، و: ج ۱، ص ٢٩٥، بتخريج الدارقطنيّ؛ و «غاية المرام» ص ٢٣۱، الحديث ٥٤، عن الخاصّة.
      و روى في «غاية المرام» عن كتاب الأربعين، حديث في الأربعين بسنده المتّصل عن أبي ثابت غلام أبي ذرّ، عن امّ سلمة أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قال: عليّ مع القرآن و القرآن معه لن يفترقا حتى يردا عَلَيّ الحوض.
    2. «ينابيع المودّة» ص ٣٩، و قال: أخرجه الترمذيّ في جامعه بسنده عن أبي ذرّ أنّه أخذ بحلقة باب الكعبة فقال: إنّي سمعتُ رسول الله صلى الله عليه و آله يقول ... و ذكره صاحب «العبقات» في ج ۱، ص ٢٦٩، عن السخاويّ، عن الترمذيّ، بتخريج ابن عقدة.
    3. رواه صاحب «أرجح المطالب» في ص ٣٣٥ إلى ٣٤۱، بهذا اللفظ نفسه عن جابر بعد أن أورده عن جماعة من الصحابة، ثمّ قال بعد ذلك: روى في هذا الباب عن أبي ذرّ، و أبي سعيد، و زيد بن أرقم، و حذيفة.

معرفة الإمام ج۱۳

210
  • دَخَلَهُ غُفِرَ لَهُ. وَ يَقُولُ: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي، وَ لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.۱

  • ٢٦- يَا أيُّهَا النَّاسُ إنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إنْ أخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي.٢

  • ٢۷- إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، فَإنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ. ألَا وَ إنَّ أهْلَ بَيْتِي فِيكُمْ مَثَلُ بَابِ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَ مَثَلُ سَفِينَةِ نُوحٍ.٣

  • ٢۸- إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي، فَإنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا؟!٤

    1. روى في «ينابيع المودّة» ص ٢۸، عن سُليم بن قيس الهلاليّ قال: بينا أنا و حبيش بن المعتمر بمكّة إذ قام أبو ذرّ و أخذ بحلقة باب الكعبة فقال ... و ورد في «غاية المرام» ص ٢٢۷، الحديث ٣٦، عن الخاصّة برواية سُليم.
    2. «ينابيع المودّة» ص ٣۰، عن الترمذيّ في باب مناقب أهل البيت، عن جابر في يوم عرفة. و قال: و في الباب عن أبي ذرّ.
    3. «زين الفتى في تفسير سورة هل أتي» للعاصميّ، بسنده عن أبي إسحاق، عن حَنَش أنّه قال: رأيتُ أبا ذرّ و قد تعلّق بباب الكعبة و هو يقول: من عرفني فقد عرفني. و من لم يعرفني فأنا أبو ذرّ. قال حنش: قال بعض أصحابي: سمعناه يقول ... و رواه صاحب «العبقات» في عبقاته، ج ۱، ص ٣٩۸، بهذا اللفظ عن العاصميّ.
    4. روى في «العبقات» ج ٢، ص ٥۸۱، عن السخاويّ في «استجلاب ارتقاء الغرف» أنّه ذكره عن الترمذيّ في جامعه، بتخريج ابن عقدة من حديث سعد بن طريف عن الأصبغ، عن أبي ذرّ أنّه أخذ بحلقة باب الكعبة و قال: ... .
      و روى في «غاية المرام» ص ٢٣٣، الحديث ۷۰، عن الخاصّة، عن ابن بابويه بسنده عن عيسى بن المعتمر أنّه قال: رأيتُ أبا ذرّ الغفاريّ و قد أخذ بحلقة الكعبة و هو يقول: ألا من عرفني فقد عرفني. و من لم يعرفني فأنا جندب بن السكين سمعت رسول الله يقول: إنّي مخلّف فيكم الثقلين: كتاب الله و عترتي أهل بيتي و إنّهما لن يفترقاحتّي يردا عليّ الحوض و إنّ مَثَلَهُمَا كسفينة نوح من ركب فيها نجا و من تخلّف عنها غرق.

معرفة الإمام ج۱۳

211
  • السادس: حديث الثقلين برواية ابن عبّاس

  • ٢٩- يَا مَعْشَرَ المُؤْمِنِينَ! إنَّ اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ أوْحَى إلَيّ أنِّي مَقْبُوضٌ، أقُولُ لَكُمْ قَوْلًا إنْ عَمِلْتُمْ بِهِ نَجَوْتُمْ وَ إن تَرَكْتُمُوهُ هَلَكْتُمْ. إنَّ أهْلَ بَيْتِي وَ عِتْرَتِي هُمْ خَاصَّتِي وَ حَامَّتِي، وَ إنَّكُمْ مَسؤُولُونَ عَنِ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي، إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا؟۱

  • السابع: حديث الثقلين برواية جابر بن عبد الله الأنصاريّ

  • ٣۰- يَا أيُّهَا النَّاسُ! إنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إنْ أخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي.٢

  • ٣۱- أيُّهَا النَّاسُ! قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي. فَلَا تَنَافَسُوا وَ لَا تَحَاسَدُوا وَ لَا تَبَاغَضُوا وَ كُونُوا إخواناً كَمَا أمَرَكُمْ اللهُ. ثُمَّ اوصِيكُمْ بِعِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، ثُمَّ اوصِيكُمْ بِهَذَا الحَيّ مِنَ الأنصَارِ.٣

    1. روي صاحب «ينابيع المودّة» ص ٣٥، بإسناده عن عطاء بن السائب، عن أبي يحيي، عن ابن عبّاس أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله خطب و قال ... و ذكره البحرانيّ في «غاية المرام» ص ٢۱٩، الحديث ۸، عن الخاصّة مفصّلًا.
    2. «أرجح المطالب» ص ٣٣٦، من حديث جابر أنّه قال: رأيت رسول الله في حجّة الوداع يوم عرفة و هو علي ناقته العضباء يخطب، و يقول ... و ذكره في «ينابيع المودّة» ص ٣۰، عن الترمذيّ في باب مناقب أهل البيت عن جابر أيضاً، و أورده صاحب «الينابيع» أيضاً في ص ٤۱ من ينابيعه عن الترمذيّ، عن جابر بسند آخر.
    3. «ينابيع المودّة» ص ٤۰، بتخريج السيّد أبي الحسين يحيي بن الحسن في كتابه «أخبار المدينة» عن محمّد بن عبد الرحمن، عن خلّاد، عن جابر بن عبد الله قال: أخذ النبيّ صلى الله عليه و آله بيد عليّ و الفضل بن عبّاس في مرض وفاته فيعتمد عليهما حتى جلس علي المنبر فقال ... .

معرفة الإمام ج۱۳

212
  • ٣٢- أيُّهَا النَّاسُ! إنِّي مَسْئُولٌ وَ أنْتُمْ مَسْؤُولُونَ، فَمَا أنْتُمْ قَائِلُونَ؟! قَالُوا: نَشْهَدُ أنَّكَ بَلَّغْتَ وَ أدَّيْتَ! قَالَ: إنِّي لَكُمْ فَرَطٌ وَ أنْتُمْ وَارِدُونَ عَلَيّ الحَوْضَ! وَ إنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، وَ إنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.

  • ثُمَّ قَالَ: أ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أنِّي أوْلَى بِكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ؟! قَالُوا: بلى! فَقَالَ آخِذاً بِيَدِ عَلِيّ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ. ثُمَّ قَالَ: اللَهُمَّ وَالِ مَن وَالاهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ.۱

  • ٣٣- أمَّا بَعْدُ، أيُّهَا النَّاسُ! فإنِّي لأرَانِي يُوشِكُ أنْ ادْعَى فَاجِيبَ، وَ إنِّي مَسْؤُولٌ وَ أنْتُمْ مَسْؤُولُونَ، فَمَا أنْتُمْ قَائِلُونَ؟! قَالُوا: نَشْهَدُ أنَّكَ بَلَّغْتَ الرِّسَالَةَ وَ نَصَحْتَ وَ أدَّيْتَ! قَالَ: إنَّنِي لَكُمْ فَرَطٌ وَ أنْتُمْ وَارِدُونَ عَلَيّ الحَوْضَ، وَ إنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ‌ (وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي - صح ظ).٢

    1. «ينابيع المودّة» ص ٤۱، بتخريج ابن عقدة، عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ أنّه قال: كنّا مع النبيّ صلى الله عليه و آله في حجّة الوداع. فلمّا رجع إلى الجحفة نزل ثمّ خطب الناس، فقال: ... .
    2. قال صاحب «عبقات الأنوار» في ج ۱، ص ٢٦۷ منه: أخرج ابن عقدة في كتاب «الولاية» عن طريق يونس بن عبد الله بن أبي فروة، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ، عن جابر رضي الله عنه أنّه قال: كنّا مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم في حجة الوداع. فلمّا رجع الجُحفة أمر بدوحات فقُممن ثمّ قال: ... رواه العلّامة شمس الدين السخاويّ في كتاب «استجلاب ارتقاء الغرف» عن ابن عقدة. أجل، ذكر صاحب «العبقات» هذه المطالب كلّها في ترجمة ابن عقدة. و من الخليق بالذكر أنّ مؤلّف «العبقات» أورد هذه المطالب نفسها و هذا الحديث عينه في ج ٢، ص ٥۷۸ عند ترجمة السخاويّ الذي روى عن ابن عقدة و قال: ذكر السخاويّ هذه المطالب في كتاب «استجلاب ارتقاء الغرف بحبّ أقرباء الرسول ذوي الشرف» الذي اقتنيت أنا القاصر الكاسف البال نسخة قديمة منه بحمد الله المنعم المفضال بحسن سعى أحد المتمسّكين بأذيال السادات قادات الأقيال و لطف إقباله، لا زال ناهلًا من مناهل العلم و الكمال بحرمتهم الباهرة الجلال عليهم آلاف السلام من الملك المتعال.

معرفة الإمام ج۱۳

213
  • إذا تأمّلنا متن هذا الحديث، فسيتّضح لنا أنّه نفس الحديث الذي نقلناه عن «ينابيع المودّة» في التسلسل ٣٢، و لكنّ يد التحريف في الأحاديث الواردة في مناقب أهل البيت قد امتدّت إليه فورد أبتراً ناقصاً. و لعلّه وصل السخاويّ ناقصاً أو أنّ النسّاخ بتروأ ذيله بعده.

  • و هذا المتن الوارد في الحديث الأخير هو أفضل و أعلى مضمون وصل في أحاديث هذا الباب من حيث المحتوى، إذ جاء فيه: وَ إنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ‌ فجمع بين لفظ الثقلين، و لفظ التخليف‌ ذي المفاد و المفهوم الذي يوحي بعنوان الخليفة تذكاراً له.

  • و اللفظ الأكثر تصريحاً و إشراقاً من هذا هو قوله الذي سيأتينا بَعْدُ، و نصّه:

  • إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ خَلِيفَتَيْنِ.۱

  • إنّ الحديث الذي أوردناه عن جابر في التسلسل (٣۰) مذكور بنفس اللفظ و المتن و بلا كلمة (بعدي) في «كنز العمّال»،٢ و «جامع الاصول»،٣

    1. ورد هذا الحديث في «كنز العمّال» ج ۱، ص ۱٥٤، طبعة حيدرآباد، سنة ۱٣٦٤، عن زيد بن ثابت برواية أحمد بن حنبل في مسنده، و الطبرانيّ في معجمه الكبير، تحت الرقم ۸۷٣.
    2. «كنز العمّال» ج ۱، ص ۱٥٢ و ۱٥٤، رقم ۸۷٢.
    3. «جامع الاصول» لابن الأثير الجَزَريّ. أخرج مبارك بن محمّد بن محمّد بن عبد الكريم حديث جابر باللفظ المذكور عن رسول الله في حجّة الوداع يوم عرفة و هو علي ناقة قُصوَى. و قال في آخره: أخرجه الترمذيّ ح. غ. ز. ت.

معرفة الإمام ج۱۳

214
  • و «مصابيح السُّنَّة»،۱ و «استجلاب ارتقاء الغرف»،٢ و «نَظْم دُرَر السِّمْطَيْن»،٣ و ورد في المصادر المشار إليها بهذا اللفظ:

  • ٣٤- إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إنْ أخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي. و جاء في كتاب «الشفا» مضافاً إليه قوله صلى الله عليه و آله: فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا.٤

  • ٣٥- تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا إن اعْتَصَمْتُمْ بِهِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي.٥

    1. «مصابيح السنّة» للبغويّ، ج ٢، ص ٢۰٦، عن جابر، عن رسول الله صلى الله عليه و آله و هو على الناقة القصوى يوم عرفة.
    2. قال صاحب «عبقات الأنوار» في ج ٢، ص ٥۷۷ و ٥۷۸ عند ترجمة السخاويّ: قال السخاويّ في كتاب «استجلاب ...»: روى الترمذيّ حديث جابر في جامعه بهذا اللفظ عن طريق زيد بن الحسن الأنماطيّ، عن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: رأيت رسول الله يوم عرفة و هو على ناقة قصوى يقول ...
    3. «نظم دُررِ السِّمطين» للزرنديّ الشافعيّ، ص ٢٣٢، طبعة النجف، رواه عن جابر باللفظ المذكور نفسه: يوم عرفة على ناقة قصوى.
    4. كتاب «الشفا بتعريف حقوق المصطفي» للقاضي عياض بن موسى اليحصبيّ. ذكر صاحب «عبقات الأنوار» لفظه هذا عند ترجمته في ج ۱، ص ٣۷۸.
    5. «كنز العمّال» ج ۱، ص ۱٦۷ عن ابن أبي شيبة، و الخطيب في «المتّفق و المفترق» عن جابر.
      و روى في كتاب «غاية المرام» ص ٢٢٤، الحديث التاسع عشر عن الخاصّة، عن سعد بن عبد الله الأشعريّ القمّيّ في كتاب «بصائر الدرجات» بسنده المتّصل عن الإمام الباقر عليه السلام، عن جابر بن عبد الله أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: يَا أيّهُا النَّاس! إنّي تَاركٌ فيكم الثقلين: الثقل الأكبر و الثقل الأصغر إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا و لن تبدّلوا، فإنّي سألت الله اللطيف الخبير لا يفترقان حتى يردا علَيّ الحوض فاعطيتُ ذلك. فقيل: فما الثقل الأكبر؟ و ما الثقل الأصغر؟ فقال: الأكبر كتاب الله عزّ و جلّ، سببٌ طرفه بِيَدِ الله عَزَّ وَ جَلَّ، و الثقل الأصغر عترتي أهل بيتي.

معرفة الإمام ج۱۳

215
  • الثامن: حديث الثقلين برواية حُذَيفة بن اليَمَان

  • ٣٦- مَعَاشِرَ أصْحَابِي! اوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَ العَمَلِ بِطَاعَتِهِ، وَ إنِّي ادْعَى فَاجِيب، وَ إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهَا۱ لَنْ تَضِلُّوا، وَ إنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ؛ فَتَعَلَّمُوا مِنْهُمْ وَ لَا تُعَلِّمُوهُمْ فَإنَّهُمْ أعْلَمُ مِنْكُمْ.٢

  • قال حذيفة بن اليمان: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه و آله الظهر، ثمّ أقبل بوجهه الكريم إلينا، فقال: معاشر أصحابي ....

  • و العجيب في هذا الحديث أنّه يقول فيه: إن تمسّكتم بأهل البيت، لن تضلّوا، في مقابل بقيّة الأحاديث التي توصي بالتمسّك بهما. و سرّ ذلك أنّ من تمسّك بالعترة فقد تمسّك بكتاب الله لا محالة.

  • التاسع: حديث الثَّقَلَيْنِ برواية حُذَيفَة بن اسَيْدٍ الغفاريّ٣

    1. مصدرنا: «ينابيع المودّة» طبعة إسلامبول (مطبعة أختر) سنة ۱٣۰۱ هـ. و جاء فيه: «بها». أمّا في «غاية المرام» فقد ورد فيه: «بهما». و ذلك حديث آخر بسند آخر، عن الخاصّة، مع أنّ ذِكر الكلام الآتي يؤيّد وجود ضمير المؤنّث المفرد في الجملة: و من تمسّك بعترتي من بعدي، كان من الفائزين. و من تخلّف عنهم كان من الهالكين.
    2. أخرجه في «ينابيع المودّة» ص ٣٥، عن مناقب أحمد بن حنبل، عن أحمد بن عبد الله بن سلام عن حذيفة بن اليمان أنّه قال: ... .
      و روى صاحب «غاية المرام» هذه الخطبة مفصّلًا عن حذيفة و فيها أسماء الأئمّة عليهم السلام كلّهم. المصدر المذكور، ص ٢۱۸، الحديث الثاني، عن الخاصّة.
    3. نقل صاحب «فرائد السمطين» ج ٢، ص ٢۷٤ و ٢۷٥، الباب ٥٥، حديث حذيفة ابن اسيد الغفاريّ بسنده عن أبي الطفيل، عن حذيفة بالنصّ الآتي: لمّا رجع رسول الله صلى الله عليه و آله من حجّة الوداع خطب فقال: أيّها الناس! إنّه قد نبّأني اللطيف الخبير أنّه لن يُعَمَّرَ نَبِيّ إلّا مثل نصف عمر الذي يليه من قبل، و إنّي أظنّ أنْ يُوشِك أن ادعى فاجيب و إنّي فرطكم على الحوض و إنّي سائلكم حين تَرِدون علَيّ عن الثقلين. فانظروا كيف تَخْلُفُونِّي فيهما؟! الثقل الأكبر كتاب الله سبب طرف (منه) بِيَدِ الله و طرف بأيديكم، فاستمسكوا به و لا تضلّوا و لا تبدّلوا، و عترتي أهل بيتي، فإنّي قد نبّأني اللطيف الخبير أنّهما لن يتفرّقا حتى يردا عَلَيّ الحوض.

معرفة الإمام ج۱۳

216
  • ٣۷- يَأ أيُّهَا النَّاسُ! إنِّي قَدْ نَبَّأنِي اللَّطِيفُ الخَبِيرُ أنَّهُ لَنْ يُعَمَّرَ نَبِيّ إلَّا نِصْفَ عُمْرِ الذي يَلِيهِ مِنْ قَبْلِهِ. وَ إنِّي يُوشِكُ أنْ ادْعَى فَاجِيبَ، وَ إنِّي مَسْؤُولٌ وَ أنْتُمْ مَسْؤُولُونَ، فَمَا ذَا أنْتُمْ قَائِلُونَ؟

  • قَالُوا: نَشْهَدُ أنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَ جَاهَدْتَ وَ نَصَحْتَ!

  • قَالَ: أ لَيْسَ تَشْهَدُونَ أنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ، وَ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ، وَ أنَّ جَنَّتَهُ حَقٌّ، وَ نَارَهُ حَقٌّ، وَ أنَّ المَوْتَ حَقٌّ وَ أنَّ البَعْثَ حَقٌّ بَعْدَ المَوْتِ، وَ أنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَ أنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ في القُبُورِ؟!

  • يَا أيُّهَا النَّاسُ! إنَّ اللهَ مَوْلايَ وَ أنَا مَوْلَى المُؤْمِنِينَ أولى بِهِمْ مِنْ أنفُسِهِمْ، فَمَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذَا مَوْلَاهُ - يَعْنِي عَلِيَّاً اللَهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ.

  • يَا أيُّهَا النَّاسُ! إنِّي فَرَطُكُمْ وَ إنَّكُمْ وَارِدُونَ عَلَيّ الحَوْضَ، أعْرَضُ مَا بَيْنَ بُصْرَى إلَى صَنْعَاء، فِيهِ عَدَدَ النُّجُومِ قِدْحَانٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَ إنِّي سَائِلُكُمْ حِينَ تَرِدُونَ عَلَيّ عَنِ الثَّقَلَيْنِ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا، الثَّقَلُ الأكْبَرُ كِتَابُ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ - سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللهِ وَ طَرَفُهُ بِأيْدِيكُمْ، فَاسْتَمْسِكُوا بِهِ لَا تَضِلُّوا وَ لَا تُبَدِّلُوا وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي فَإنَّهُ قَدْ نَبَّأنِي اللَّطِيفُ الخَبِيرُ أنَّهُمَا لَنْ يَنْقَضِيَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.۱

    1. روى صاحب «كنز العمّال» في كتابه المذكور، ج ۱، ص ۱٦۸ و ۱٦٩، طبعة حيدرآباد، سنة ۱٣٦٤، عن «نوادر الاصول» للحكيم الترمذيّ، و عن «المعجم الكبير» للطبرانيّ بسنديهما عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن اسيد أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله ... و أخرجه صاحب «ينابيع المودّة» في ينابيعه ص ٣۷ عن الطبرانيّ في معجمه الكبير، و عن الضياء في «المختارة»؛ و ذكر العلّامة البحرانيّ مختصره في «غاية المرام» ص ٢۱٦، الحديث ٣٣، عن العامّة برواية الحمّوئيّ.و من الجدير ذكره أنّ راوى هذا الحديث عن حذيفة بن اسيد هو أبو الطفيل: عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمرو الليثيّ المكّيّ الذي وردت ترجمته في كتاب «المراجعات» ص ۷۱ كالآتي: وُلِد عام احُد، و أدرك من حياة النبيّ صلى الله عليه و آله ثمان سنين. عدّه ابن قتيبة في كتاب «المعارف» في أوّل الغالية من الرافضة، و ذكر أنّه كان صاحب راية المختار، و آخر الصحابة موتاً. و ذكره ابن عبد البرّ في الكني من «الاستيعاب» فقال: نزل الكوفة، و صحب عليّاً في مشاهده كلّها. فلمّا قُتل عليّ، انصرف إلى مكّة، إلى أن قال: و كان فاضلًا عاقلًا، حاضر الجواب فصيحاً، و كان متشيّعاً في عليّ، و قال: قدم أبو الطفيل يوماً على معاوية فقال: كيف وَجْدُكَ على خليلك أبي الحسن؟ قال: كوجد امّ موسى على موسى، و أشكو إلى الله التقصير؛ و قال له معاوية: كنت فيمن حصر عثمان؟ قال: لا، و لكنّي كنتُ فيمن حضره. قال: فما منعك من نصره؟ قال: و أنت فما منعك من نصره؟! إذ تربّصتَ به ريب المنون، و كنت في أهل الشام و كلّهم تابع لك فيما تريد. فقال له معاوية: أو ما ترى طلبي لدمه نصرة له؟! قال: إنّك لَكَما قال أخو جعف:
      لُالفينّك بعد الموت تَنْدُبنى***و في حياتى ما زَوَّدْتَنى زادا

معرفة الإمام ج۱۳

217
  • و من الجدير بالذكر أنّ هذا الحديث الشريف أخرجه جماعةٌ من أكابر علماء العامّة في كتبهم بهذه الألفاظ المشار إليها، منهم ابن عساكر الذي قيل فيه إنّه أخذ أحاديثه عن ألف و ثلاثمائة شيخ، و ثمانين و نيّف شيخة. و أخرج هذا الحديث عنه ابن كثير في تاريخه، في محلّ ذِكر الحديث.۱

  • و منهم: شمس الدين السخاويّ في كتاب «استجلاب ارتقاء

    1. روي ابن عساكر حديثه عن معروف بن خرّبوذ المالكيّ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن حذيفة بن اسيد كما في «عبقات الأنوار» ج ۸، ص ٢۷٢، طبعة الهند.

معرفة الإمام ج۱۳

218
  • الغُرَف».۱ و منهم: نور الدين السمهوديّ في كتاب «جواهر العقدين».٢ و منهم: الشيخ سليمان القُندوزيّ في كتاب «ينابيع المودّة».٣ و منهم: شيخ الإسلام الحمّوئيّ في «فرائد السمطين».٤

  • و من الجدير ذكره أيضاً أنّ أبا موسى المدائنيّ صاحب «سِيَر الصحابة» روى حديث الثقلين في كتابه بسنده المتّصل عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن اسيد الفزاريّ، و لا نلاحظ في هذا الحديث الإضافات الموجودة في حديث «كنز العمّال» الذي نقلناه في التسلسل ٣۷. بَيدَ أنّها موجودة تماماً في «غاية المرام» ص ٢۱٤، الحديث ۱٩، عن طريق العامّة. و لا نوردها هنا رغبة منّا في عدم الإطالة، و نكتفي منها بذكر ما يأتي:

  • ٣۸- ألَا وَ إنِّي سَائِلُكُمْ حِينَ تَنْزِلُونَ عَلَيّ عَنِ الثَّقَلَيْنِ! فَانْظُرُوا كَيْفَ‌

    1. «عبقات الأنوار» ج ٢، ص ٥۷۸ و ٥۸۸، طبعة إصفهان، ۱٣٦٤، عن السخاويّ، روي هذا الحديث عن الطبرانيّ في معجمه الكبير، عن طريق سلمة بن كهيل، عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن اسيد الغفاريّ، و عن زيد بن أرقم، و قال في آخره: و من هذا الوجه روي الضياء في «المختارة» و أبو نعيم في «الحلية» و غيرهما من حديث زيد بن الحسن الأنماطيّ عن معروف بن خرّبوذ، عن أبي الطفيل، عن حذيفة.
    2. «عبقات الأنوار» ص ٦٤۰ و ٦٤۱، عن السمهوديّ، عن حذيفة أو عن زيد بن أرقم، و قال السمهوديّ في آخره: رواه الطبرانيّ في معجمه الكبير، و الضياء في «المختارة» عن طريق سلمة بن كهيل، عن أبي الطفيل -و هما من رجال الصحيح- عن حذيفة مع الشكّ في صحبته، و أمّا أبو نعيم فقد رواه في حليته، و رواه غيره من حديث زيد بن الحسن الأنماطيّ -الذي حسّنه الترمذيّ و ضعّفه غيرهـ عن معروف بن خرّبوذ عن أبي الطفيل- و هما من رجال الصحيح عن حذيفة وحده بلا شكّ في صحبته.
    3. «ينابيع المودّة» ص ٣۷ و ٣۸؛ بتخريج الطبرانيّ في «المعجم الكبير»، و الضياء في «المختارة».
    4. «فرائد السمطين» ج ٢، ص ٢۷٤، الحديث ٥٣٩، من الباب ٥٥، من السمط الثاني.

معرفة الإمام ج۱۳

219
  • تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا حِينَ تَلْقَوْنِّي؟! قَالُوا: وَ مَا الثَّقَلَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟!

  • قال: الثَّقَلُ الأكْبَرُ كِتَابُ اللهِ -سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللهِ وَ طَرَفُهُ بِأيْدِيكُمْ، فَاسْتَمْسِكُوا بِهِ وَ لَا تَضِلُّوا وَ لَا تُبَدِّلُوا- وَ الثَّقَلُ الأصْغَرُ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي.

  • قَدْ نَبَّأنِي اللَّطِيفُ الخَبِيرُ أنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَلْقَيَانِّي، وَ سَألْتُ رَبِّي لَهُمَا ذلِكَ فَأعْطَانِي. لَا تُسَابِقُوهُمْ فَتَهْلِكُوا، وَ لَا تُقْصِرُوا عَنْهُمْ فَتَهْلِكُوا، وَ لَا تُعَلِّمُوهُمْ فَهُمْ أعْلَمُ مِنْكُمْ.۱

  • ٣٩- أيُّهَا النَّاسُ! إنَّ اللهَ مَوْلَايَ وَ أنَا أولى بِكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ. ألَا وَ مَنْ كُنتُ مَوْلَاهُ فَهَذَا مَوْلَاهُ - وَ أخَذَ بِيَدِ عَلِيّ فَرَفَعَهَا حتى عَرَفَهُ القَوْمُ أجْمَعُونَ ثُمَّ قَالَ: اللَهُمَّ وَالِ مَن وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ.

  • ثُمَّ قَالَ: وَ إنِّي سَائِلُكُمْ حِينَ تَرِدُونَ عَلَيّ الحَوْضَ عَنِ الثَّقَلَيْنِ! فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا؟! قَالُوا: وَ مَا الثَّقَلَانِ؟!

  • قَالَ: الثَّقَلُ الأكْبَرُ كِتَابُ اللهِ -سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللهِ وَ طَرَفُهُ بِأيْدِيكُم- وَ الأصْغَرُ عِتْرَتِي. وَ قَدْ نَبَّأنِي اللَّطِيفُ الخَبِيرُ أنْ لَا يَفْتَرِقَا حتى يَلْقِيَانِّي، وَ سَألْتُ رَبِّي لَهُمْ ذَلِكَ فَأعْطَانِي، فَلَا تَسْبِقُوهُمْ فَتَهْلِكُوا، وَ لَا تُعَلِّمُوهُمْ فَإنَّهُمْ أعْلَمُ مِنْكُمْ.٢

    1. أورده صاحب «عبقات الأنوار» في عبقاته ج ٢، ص ٦٤٢ و ٦٤٣، عن نور الدين السمهوديّ في «جواهر العقدين» بتخريج ابن عقدة في كتاب «الموالاة» عن طريق عبد الله بن سنان، عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن اسيد و زيد بن أرقم، و كذلك عن أبي موسى المدائنيّ في كتاب «سِيَر الصحابة» عن طريق ابن عقدة. و قال: غريبٌ جدّاً، و ذكره الحافظ أبو الفتوح العجليّ في كتابه: «الموجز في فضائل الخلفاء».
    2. «ينابيع المودّة» ص ٣۸ و ٣٩، بتخريجَي ابن عقدة في كتاب «الموالاة»، الأوّل: عن عامر بن أبي ليلي بن ضمرة و حذيفة بن اسيد، و الثاني: عن عبد الله بن سنان، عن أبي الطفيل، عن عامر و حذيفة بن اسيد.

معرفة الإمام ج۱۳

220
  • إذا ألقينا نظرة خاطفة على مضمون هذه الأحاديث الواردة عن حُذَيفة بن اسَيْد، يتبيّن لنا أنّ حديثه كان واحداً لا أكثر، و يعرض فيه موضوع غدير خُمّ، بخاصّة أنّ راوي حديثه شخص واحد، و هو أبو الطُّفيل عامر بن واثلة. و هذا الحديث هو الذي ذكره المدائنيّ في كتاب «سِيَر الصَّحابة»، و نقله عنه العلّامة البحرانيّ مفصّلًا في كتاب «غاية المرام»، و لكنّ يد التحريف و التبديل أو جزته بتلك الصِّيَغ المتقدّمة. و يماثل أصله جدّاً الحديث المفصّل الوارد عن زيد بن أرقم.

  • العاشر: حديث الثقلين برواية أبي رافع غلام رسول الله صلى الله عليه و آله

  • من الجدير بالذكر أنّ العلّامة الكبير السيّد حامد حسين الهنديّ أعلى الله تعالى مقامه الشريف ذكر حديث الثقلين برواية أبي رافع في ثلاثة مواضع من كتابه الكريم: «عبقات الأنوار»، و هي متماثلة تماماً من حيث المضمون و اللفظ، و أخرجها ابن عقدة جميعها في كتابه: «الموالاة».

  • و يبيّن المؤلّف تخريج ابن عقدة في موضعين عن طريق محمّد بن عُبَيْد الله (عبد الله) بن أبي رافع، عن جدّه أبي رافع غلام رسول الله صلى الله عليه و آله،۱ و في موضع عن طريق سعد بن طَريف، عن الأصبغ بن نُباتة، عن أبي ذرّ، و أبي رافع.٢ و فيما يأتي متن الحديث:

  • ٤۰- قَالَ: لَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ [و آله‌] وَ سَلَّمَ وَ رَضِيَ‌

    1. جزء الثقلين من «العبقات» ج ۱، ص ٢٦٩ عن السخاويّ في كتاب «استجلاب ارتقاء الغرف» و تخريج ابن عقدة، و «العبقات» ج ٢، ص ٥۸۱ و ٥۸٢، عن السخاويّ و تخريج ابن عقدة أيضاً.
    2. «العبقات» ج ٢، ص ٦٤٤، عن السمهوديّ في «جواهر العقدين في فضل الشرفين شرف العلم الجليّ و النسب العليّ» و تخريج ابن عقدة.

معرفة الإمام ج۱۳

221
  • عَنْهُ عِنْدَ غَدِيرِ خُمّ مَصْدَرِهِ مِنْ حِجَّةِ الوَدَاعِ قَامَ خَطِيباً بالنَّاسِ بِالهَاجِرَةِ فَقَالَ:

  • أيُّهَا النَّاسُ! إنِّي تَرَكْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: الثَّقَلُ الأكْبَرُ وَ الثَّقَلُ الأصْغَرُ، فَأمَّا الثَّقَلُ الأكْبَرُ فَبِيَدِ اللهِ طَرَفُهُ وَ الطَّرَفُ الآخَرُ بِأيديكُمْ وَ هُوَ كِتَابُ اللهِ، فَإنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا وَ لَنْ تَذِلُّوا (تَزِلُّوا) أبَداً. وَ أمَّا الثَّقَلُ الأصْغَرُ فَعِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي.

  • إنَّ اللهَ هُوَ الخَبِيرُ أخْبَرَنِي أنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ، وَ سَألْتُهُ ذَلِكَ لَهُمَا. وَ الحَوْضُ عَرْضُهُ مَا بَيْنَ بُصْرَى وَ صَنْعَاءَ، فِيهِ مِنَ الآنِيَةِ عَدَدَ الكَوَاكِبِ. وَ اللهُ سَائِلُكُمْ كَيْفَ خَلَفْتُمُونِي في كِتَابِهِ وَ أهْلِ بَيْتِي (الحديث).

  • و أخرجه الشيخ عبيد الله الآمر تسرّي الهنديّ عن ابن عقدة بهذا اللفظ أيضاً.۱

  • و أمّا الشيخ سليمان القُندوزيّ فقد ذكره في «ينابيع المودّة» بهذا اللفظ و بتخريج ابن عقدة عن طريق سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نُباتة، عن أمير المؤمنين عليه السلام، و عن أبي رافع. و أمّا بتخريج ابن عقدة عن طريق محمّد بن عبد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن جدّه، و عن أبي هريرة، فقد جاء باللفظ الآتي:

  • ٤۱- إنِّي خَلَّفْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا أبَداً: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، وَ لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.٢ و إذا لاحظنا متن هذا الحديث الذي ذكرناه، عن طريق محمّد بن عبد الله بن أبي‌

    1. «أرجح المطالب» ص ٣٣۷.
    2. «ينابيع المودّة» ص ٣٩ و ٤۰.

معرفة الإمام ج۱۳

222
  • رافع، يستبين لنا حجم التحريف الذي ناله في هذا الطريق الذي وصل فيه بِيَدِ شيخ الإسلام القُندوزيّ، و يظهر إلى أيّ مدى نُقل فيه هذا الحديث ناقصاً.

  • الحادي عشر: حديث الثقلين برواية زيد بن ثابت

  • ٤٢- إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ أهْلَ بِيْتِي، وَ إنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.۱

  • ٤٣- قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ خَلِيفَتَيْنِ: كِتَابَ اللهِ -حَبْلٌ مَمْدُودٌ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الأرض- وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، وَ إنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.٢

    1. نقل أحمد بن حنبل هذا الحديث بالألفاظ نفسها عن زيد بن ثابت بطريقين صحيحين: الأوّل في بداية ص ۱۸٢، و الثاني في آخر ص ۱۸٩ من الجزء الخامس من مسنده؛ و أخرجه الطبرانيّ في معجمه الكبير بإضافة كلمة (من بعدي) بعد كلمة (الثقلين) كما نقل الميرزا محمّد البدخشانيّ في «مفتاح النجا» و «نُزُل الأبرار». («عبقات الأنوار» ج ۱، ص ٢۸۰)؛ و رواه المجلسيّ في «بحار الأنوار» ج ۷، ص ٣۱، طبعة الكمبانيّ، عن السيوطيّ في «الدرّ المنثور» عن أحمد بن حنبل، عن زيد بن ثابت؛ و ذكره البحرانيّ في «غاية المرام» ص ٢۱٢، الحديث الثالث، عن العامّة.
    2. نقله صاحب «كنز العمّال» في كنزه المطبوع بحيدرآباد، سنة ۱٣٦٤، ج ۱، ص ۱٥٤، رقم ۸۷٣، عن «مسند أحمد بن حنبل» و الطبرانيّ في «المعجم الكبير» عن زيد بن ثابت، كما نقله مؤلّف «العبقات» في عبقاته، ج ۱، ص ٢۸۰ و ٢۸۱، عن السيوطيّ في «الجامع الصغير»، و «إحياء الميّت» ص ٢۷۰، رقم ٥٦، و عن ابن باكثير في «وسيلة المآل» عن «مسند أحمد»، و عن الطبرانيّ في معجمه الكبير، و عن البدخشانيّ في «مفتاح النجا» عن الطبرانيّ؛ و ذكره بدون لفظ حبل ممدود عن ابن باكثير، عن الطبرانيّ، و أورده بإضافة ما بين السماء إلى الأرض بعد لفظ ما بين السماء و الأرض عن الطبرانيّ، كما نقل السمهوديّ في «جواهر العقدين»، و عن أحمد بن حنبل؛ و جاء أيضاً في «ينابيع المودّة» ص ۱۸٣، عن أحمد و الطبرانيّ في «المعجم الكبير». و روى السيّد ابن طاووس في «الطرائف» ص ۱۱٤، عن أحمد بن حنبل في مسنده، عن زيد بن ثابت أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قال: إنَّي تَارِك فيكم الثَّقلين خليفتين: كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء إلى الأرض، و عترتي أهل بيتي و إنَّهما لن يفترقا حتى يردا عَلَيّ الحَوْضَ.

معرفة الإمام ج۱۳

223
  • ٤٤- إنِّي لَكُمْ فَرَطٌ، وَ إنَّكُمْ وَارِدُونَ عَلَيّ الحَوضَ، عَرْضُهُ مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ إلى بُصْرَى، فِيهِ عَدَدَ الكَوَاكِبِ مِنْ قِدْحَانِ الذَّهَبِ وَ الفِضَّةِ.

  • فَانظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي في الثَّقَلَيْنِ؟! قِيلَ: وَ مَا الثَّقَلَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟!

  • قَالَ: الأكْبَرُ كِتَابُ اللهِ، سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللهِ وَ طَرَفُهُ بِأيْدِيكُمْ، فَتَمَسَّكُوا بِهِ لَنْ تَزِلُّوا وَ لَا تَضِلُّوا؛ وَ الأصْغَرُ عِتْرَتِي، وَ إنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ. وَ سَألْتُ لَهُمَا ذلِكَ رَبِّي، وَ لَا تَقَدَّموهُما فَتَهْلِكُوا، وَ لَا تُعَلِّمُوهُمَا فَإنَّهُمَا أعْلَمُ مِنْكُمْ.۱

  • ٤٥- إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ ما إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ بَعْدِي لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، وَ إنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.٢

  • روى الحمّوئيّ هذا الحديث في «فرائد السِّمطين» عن زيد بن ثابت، بطريق أبى جعفر بن بابويه المتّصل، و لفظه:

    1. نقله صاحب «كنز العمّال» في كنزه، ج ۱، ص ۱٦٦، رقم ٩٤۷، عن الطبرانيّ في معجمه الكبير، عن زيد بن ثابت.
    2. «كنز العمّال» ج ۱، ص ۱٦٦، رقم ٩٤٦، عن عبد بن حميد و ابن الأنباريّ، عن زيد بن ثابت. و أورده صاحب «ينابيع المودّة»، في ص ٣۸ من ينابيعه بعد الحديث المنقول في التسلسل ٤٣ بتخريج ابن عقدة؛ و ذكره بسند جيّد عن أحمد بن حنبل خالياً من كلمة (بعدي)، و قال في آخره: و أخرج الطبرانيّ في «المعجم الكبير» برجال ثقات، و لفظه: إنِّي تارك فيكم خليفتين: كتاب الله، و أهل بيتي. و إنّهما لن يفترقا حتى يردا عَلَيّ الحوض، فانظروا كيف تَخلُفُونِّي فِيهما؟!

معرفة الإمام ج۱۳

224
  • ٤٦- قَالَ النَّبِيّ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي. ألَا وَ هُمَا الخَلِيفَتَانِ مِنْ بَعْدِي، وَ لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.۱

  • يُعدّ هذا الحديث أعلى و ألطف حديث ورد في هذا الباب من حيث المتن و المضمون، لأنّه جاء بلفظ: تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ‌ أوّلًا، و لفظ ألَا وَ هُمَا الخَلِيفَتَانِ مِنْ بَعْدِي‌ ثانياً، فنصّ على خليفته الفذّ الفريد بأبين العبارات و أوضح الدلالات، و نلحظ أنّ صراحة هذا الحديث أكثر من صراحة الحديثين السابقين: إنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ، وَ إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ خَلِيفَتَيْنِ.

  • الثاني عشر: حديث الثقلين برواية أبي سعيد الخُدريّ

  • إنّ طرق الأحاديث الواردة عن أبي سعيد الخُدريّ و مضامينها كثيرة. و نقل إبراهيم بن محمّد الحمّوئيّ ثلاثة أحاديث عنه في «فرائد السِّمطين»:

  • الأوّل: بسنده المتّصل عن عطيّة العوفيّ، عنه:

  • ٤۷- قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ أمْرَيْنِ، أحَدُهُمَا أطْوَلُ مِنَ الآخَرِ: كِتَابَ اللهِ - حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إلَى الأرْضِ، طَرَفٌ بِيَدِ اللهِ وَ عِتْرَتِي. ألَا وَ إنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ. فَقُلْتُ: مَنْ عِتْرَتُهُ؟ قَالَ: أهْلُ بَيْتِهِ.٢ و هذا السؤال الأخير سأله عطيّة راوي الحديث أبا سعيد.

  • الثاني: بسنده المتّصل أيضاً عن أبي سعيد أنّه قال:

    1. «فرائد السمطين» ج ٢، ص ۱٤٤، الباب ٣٣، الحديث ٤٣۷؛ و «غاية المرام» ص ٢۱٥، الحديث ٢٦، عن العامّة، برواية الحمّوئيّ، و بلفظ يفترقا، و ذكره في ص ٢٢٢، الحديث ۱۰، عن الخاصّة، برواية الصدوق عن يزيد بن ثابت.
    2. «فرائد السمطين» ج ٢، الباب ٣٣، ص ۱٤٤، و ۱٤٥، الحديث رقم ٤٣۸؛ و «غاية المرام» ص ٢۱٥، الحديث ٢۷، عن العامّة.

معرفة الإمام ج۱۳

225
  • ٤۸- قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ، أحَدُهُمَا أكْبَرُ مِنَ الآخَرِ: كِتَابَ اللهِ -حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إلَى الأرْضِ- وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، وَ إنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.۱

  • رواه عبد الله بن حنبل بسنده المتّصل عن أبي إسرائيل، عن عطِيّة، عن أبي سعيد في «مسند أحمد بن حنبل».٢

  • و رواه الطبرانيّ في «المعجم الصغير» بسنده عن كثير النوّاء، عن عطيّة، عن أبي سعيد.٣ و قال: لم يروه عن كثير النوّاء غير المسعوديّ.

  • و رواه أبو نُعيم الإصفهانيّ في كتاب «مَنْقَبَة المُطَهَّرين» عن زيد بن أرقم و أبي سعيد الخُدريّ. و في آخره قوله: فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا؟!٤

  • الثالث: عن الشيخة الصالحة زينب بنت القاضي عماد الدين أبي صالح نصر بن عبد الرزّاق بسنده المتّصل عن محمّد بن طلحة، عن الأعمش، عن أبي سعيد:

  • ٤٩: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: إنِّي اوشِكُ أنْ ادْعَى فَاجِيبَ، وَ إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ [حَبْلٌ‌] مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إلى الأرْضِ، وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، وَ إنَّ اللَّطِيفَ الخبيرَ أخْبَرَ [نِي]

    1. «فرائد السمطين» ج ٢، ص ۱٤٦، الحديث ٤٤۰؛ و «غاية المرام» ص ٢۱٥، الحديث ٢۸، عن العامّة.
    2. «مسند أحمد بن حنبل» ج ٣، ص ۱٤؛ و الطبرانيّ في «المعجم الصغير».
    3. «عبقات الأنوار» ج ۱، ص ٢۷٥ و ٢۷٦، طبعة إصفهان.
    4. «عبقات الأنوار» ج ۱، ص ٣۱۰ و ٣۱۱، و قال: روي هذا الحديث عن أبي نُعيم علي ما نُقِل.

معرفة الإمام ج۱۳

226
  • أنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا۱ حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ. فَانْظُرُوا مَا تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا؟٢

  • رواه ابن المغازليّ بسنده المتّصل عن محمّد بن طلحة، عن عطيّة، عن أبي سعيد.٣ و ذكره أيضاً أحمد بن حنبل،٤ و ابن سعد الكاتب الواقديّ،٥ و «غاية المرام» عن السمعانيّ في كتاب «فضائل الصحابة»،٦ و أورده نور الدين السمهوديّ في «جواهر العقدين»،۷ و شمس الدين السخاويّ في «استجلاب ارتقاء الغرف»،۸ و السيوطيّ في «إحياء الميّت‌

    1. هذا الحديث الذي رواه البحرانيّ في «غاية المرام» ص ٢۱٥ و ٢۱٦، الحديث ٣٢ عن العامّة، عن «فرائد السِّمطين» جاء بلفظ (لن يفترقا).
    2. «فرائد السِّمطين» ج ٢، الباب ٥٤، ص ٢۷٢، رقم الحديث ٥٣۸.
    3. «مناقب ابن المغازليّ» ص ٢٣٥ و ٢٣٦، الحديث ٢۸٣. و جاءت كلمة ما ذا مكان كلمة ما.
    4. «مسند أحمد بن حنبل» ج ٣، ص ۱۷، و لم يرد فيه لفظ ممدود من السماء إلى الأرض.
    5. «طبقات ابن سعد» في طبعة مصر: ج ٢، ص ۱٩٤، و في طبعة ليدن: ج ٢، ص ٢، ق ٢.
    6. «غاية المرام» ص ٢۱٣، الحديث ۱٥، عن العامّة؛ و «عبقات الأنوار» ج ۱، ص ٣٥۸، عن «الرسالة القواميّة» المعروفة بـ «فضائل الصحابة».
    7. «العبقات» ج ٢، ص ٦٣۸، عن السمهوديّ، و قال السمهوديّ في آخره: ذكره الطبرانيّ في «المعجم الأوسط» و أبو يعلي بسند جيّد؛ و أورده الحافظ أبو محمّد عبد العزيز ابن الأخضر في «معالم العترة النبويّة».
    8. «العبقات» ج ٢، ص ٥۷٥، و ٥۷٦، عن السخاويّ، و قال السخاويّ في آخره: حديث أبي سعيد عند أحمد في مسنده من حديث الأعمش، و كذا من حديث أبي إسرائيل الملّائيّ إسماعيل بن خليفة، و عبد الملك بن أبي سليمان؛ و رواه الطبرانيّ في «الأوسط» من حديث كثير النوّاء، أربعتهم عن عطيّة؛ و رواه أبو يعلي و آخرون أيضاً. و تعجّبت من إيراد ابن الجوزيّ له في «العلل المتناهية» بل أعجب من ذلك قوله: إنّه حديث لا يصحّ.

معرفة الإمام ج۱۳

227
  • بفضائل أهل البيت»،۱ و أبو نُعيم في «منقبة المطهّرين»،٢ و الطبريّ في تاريخه،٣ و القندوزيّ في «ينابيع المودّة».٤

  • و ذكر الملّا عليّ المتّقي الهنديّ في «كنز العمّال» أربعة أحاديث عن أبي سعيد الخُدريّ: الأوّل:

  • ٥۰- إنّي اوشِكُ أنْ ادْعَى فَاجِيبَ، وَ إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلِيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي؛ كِتَابُ اللهِ حَبْلٌ مَمْدودٌ مِنَ السَّمَاءِ إلَى الأرْضِ، وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، وَ إنَّ اللَّطِيفَ الخَبِيرَ خَبَّرَنِي أنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ. فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا؟

  • رواه عن «مُسنَد ابن أبي شيبة»، و ابن سعد، و أحمد بن حَنبل، و أبي يعلى عن أبي سعيد.٥

  • و قال العلّامة آية الله مير حامد حسين: قال أحمد بن فضل بن محمّد با كثير في كتاب «وسيلة المآل»: أخرجه أحمد في «المسند»، و الطبرانيّ في «الأوسط»، و أبو يعلي، و غيرهم، و لا بأس بسنده.٦ و رواه العلّامة البحرانيّ‌

    1. «إحياء الميّت بفضائل أهل البيت» في حاشية «الإتحاف بحبّ الأشراف» ص ٢٦٩.
    2. «العبقات» ج ۱، ص ٣۱۰، بدون عبارة حبل ممدود، عن أبي نعيم، علي ما نُقل عنه، و بإضافة جملة فاتّقوا الله بعد كلمة الحوض.
    3. «أبو جعفر محمّد بن جرير الطبريّ في تاريخه، علي ما نقل صاحب «عبقات الأنوار» ج ۱، ص ٢٢٤.
    4. «ينابيع المودّة» ص ٣٦، و قال: و أخرجه أيضاً الطبرانيّ في «الأوسط»، و أبو يعلي و غيرهما، و سنده لا بأس به.
    5. «كنز العمّال» ج ۱، ص ۱٦٥ و ۱٦٦، الحديث ٩٤٥ طبعة حيدرآباد؛ و «ذخائر العُقبي» ص ۱٦، باب فضل أهل البيت، عن أحمد بن حنبل؛ و ذكره نفسه أيضاً صاحب «عبقات الأنوار» ج ۱، ص ٤۷٢، نقلًا عن محبّ الدين الطبريّ صاحب «ذخائر العُقبي».
    6. «العبقات» ج ۱، ص ٢۷٦، و ذكره أيضاً في ج ۱، ص ٢٩۸، عن الذهبيّ.

معرفة الإمام ج۱۳

228
  • في «غاية المرام» باللفظ نفسه عن السمعانيّ في «فضائل الصحابة».۱

  • و رواه السيوطيّ في كتاب «إحياء الميّت» باللفظ الآتي:

  • ٥۱- إنِّي اوشِكُ أنْ ادْعَى فَاجِيبَ، وَ إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، وَ إنَّ اللَّطِيفَ الخَبِيرَ خَبَّرَنِي أنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ. فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا؟٢

  • الثاني:

  • ٥٢- كَأنِّي قَدْ دُعِيتَ فَأَجَبْتُ، إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ، حَبْلٌ مَمْدُودٌ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الأرْضِ، وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، وَ إنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ. فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا؟! ثمّ قال الملّا عليّ: رواه أبو يعلى، و الطبرانيّ عن أبي سعيد.٣

  • و رواه أيضاً الميرزا محمّد البدخشانيّ في كتاب «مفتاح النجا» بتخريج أبي يعلى، و الطبرانيّ في «معجمه الكبير» عن أبي سعيد الخُدريّ.٤

  • الثالث:

  • ٥٣- يَا أيُّهَا النَّاسُ! إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إنْ أخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي: أمْرَيْنِ، أحَدُهُمَا أكْبَرُ مِنَ الآخَرِ: كِتَابَ اللهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الأرْضِ، وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي. وَ إنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ. قال الملّا عليّ المتّقي هنا: أخرجه أبو يعلى، و الطبرانيّ عن‌

    1. «غاية المرام» ص ٢۱٣، الحديث ۱٥، عن العامّة.
    2. «إحياء الميّت ...» في حاشية «الإتحاف ...» ص ٢٤۱، الحديث الثامن.
    3. «كنز العمّال» ج ۱، ص ۱٦۷، الحديث ٩٥٣، طبعة حيدرآباد؛ و «غاية المرام» ص ٢٣٢، الحديث ٦۱، عن الخاصّة.
    4. «العبقات» ج ۱، ص ٢۷۷، و قال مير حامد حسين هنا: و ورد أيضاً في «الدرّ المنثور» أنّ الطبرانيّ أخرج هذا الحديث الشريف برواية أبي سعيد.

معرفة الإمام ج۱۳

229
  • أبي سعيد.۱

  • و ذكره السيوطي في «الدرّ المنثور»٢ و الطبرانيّ في «المعجم الكبير»،٣ و العلّامة الميرزا محمّد البدخشانيّ في «مفتاح النجا».٤ و ابن كثير الدمشقيّ في تاريخه،٥ و الترمذيّ في صحيحه.٦

  • الرابع:

  • ٥٤- إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ: كِتَابَ اللهِ -سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللهِ وَ طَرَفُهُ بِأيدِيكُمْ- وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي. وَ إنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ. قال الملّا عليّ: أخرجه الباورديّ عن أبي سعيد.۷

  • حديث أبي جعفر محمّد بن جرير الطبريّ -كما قال العلّامة مير حامد حسين- عن حديث «كنز العمّال» بالنحو الآتي:

  • ٥٥- كَأنْ (كَأنِّي ظ) قَدْ دُعِيتُ فَأجَبْتُ (و ظ) إنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ، أحَدُهُمَا أكْبَرُ مِنَ الآخَرِ: كِتَابَ اللهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إلَى الأرْضِ، وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي. فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا؟! فَإنَّهُمَا

    1. «كنز العمّال» ج ۱، ص ۱٦٦ و ۱٦۷، الحديث ٩٥۰، طبعة حيدرآباد؛ و جاء أيضاً في «بحار الأنوار» ج ۷، ص ٣۱، طبعة الكمبانيّ، عن سعيد، و أحمد، و الطبرانيّ.
    2. تفسير «الدرّ المنثور» ج ٢، ص ٦.
    3. «العبقات» ج ۱، ص ٢۷۷.
    4. المصدر السابق.
    5. «العبقات» ج ٢، ص ٥۱٥ و ٥۱٦، و قال: تفرّد الترمذيّ في رواية هذا الحديث.
    6. «العبقات» ج ۱، ص ٢۰۱ و ٢۰٢، و قال الترمذيّ في آخره: هذا حَسَنٌ غريبٌ.
    7. «كنز العمّال» ج ۱، ص ۱٦٥، الحديث ٩٤٤ طبعة حيدرآباد؛ و أخرجه السيوطيّ في «إحياء الميّت ...» في هامش «الإتحاف بحبّ الأشراف» ص ٢٦٩، رقم ٥٥، عن الباورديّ بدون كلمة (بعده).

معرفة الإمام ج۱۳

230
  • لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.۱

  • و روى عبد الله بن أحمد بن حنبل حديثاً في مسند أبيه عن أبي سعيد الخُدريّ باللفظ الآتي:

  • ٥٦- قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: إنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمُ الثَّقَليْنِ، أحَدُهُمَا أكْبَرُ مِنَ الآخَرِ: كِتَابَ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ - حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إلَى الأرْضِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، ألَا إنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.٢

  • و كذلك روى عبد الله حديثاً آخر عن أبيه بسنده المتّصل عن أبي سعيد الخُدريّ قال:

  • ٥۷- قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: إنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ -مَا إنْ أخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي-: الثَّقَلَيْنِ، أحَدُهُمَا أكْبَرُ مِنَ الآخَرِ: كِتَابَ اللهِ- حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إلَى الأرْضِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي. ألَا وَ إنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.٣

  • و قال أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبيّ في تفسيره المعروف بـ «الكشف و البيان عن تفسير القرآن» عند تفسير الآية: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً: حدّثنا الحسن بن محمّد بن حبيب المفسِّر، قال: وجدت في كتاب جدّي الذي بخطّه أنّه قال: حدّثنا أحمد بن الأحجم القاضي المرفديّ (المرنديّ ظ) قال: حدّثنا الفضل بن موسى الشيبانيّ قال:

    1. «العبقات» ج ۱، ص ٢٢٤.
    2. «مسند أحمد بن حنبل» ج ٣، ص ٢٦.
    3. «مسند أحمد بن حنبل» ج ٣، ص ٥٩. و ذكر العلّامة الزرنديّ في كتاب «نظم درر السمطين» ص ٢٣٢، هذا المتن بدون لفظ الثقلين، و ورد فيه لفظ و الأرض مكان إلى الأرض. و أورده السيّد ابن طاووس في «الطرائف» ص ۱۱٤، بتغيير مكان كلمة الثقلين.

معرفة الإمام ج۱۳

231
  • أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطيّة العوفيّ، عن أبي سعيد الخُدريّ:

  • ٥۸- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَقُولُ: يَا أيُّهَا النَّاسُ إنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ خَلِيفَتَيْنِ إنْ أخَذْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي، أحَدُهُمَا أكْبَرُ مِنَ الآخَرِ: كِتَابَ اللهِ - حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إلَى الأرْضِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي. ألَا وَ إنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.۱

  • و روى شيخ الإسلام القندوزيّ الحنفيّ هذا الحديث في «ينابيع المودّة» عن تفسير الثعلبيّ، عن عطيّة، عن أبي سعيد، لكنّه يختلف عنه بثلاثة أشياء: أوّلًا: عدم وجود يا في قوله: أيّها الناس. ثانياً: ذكر كلمة ثقلين‌ مكان كلمة خليفتين‌ثالثاً: ليس فيه لفظ بعدي‌ بعد لفظ لن تضلّوا.٢

    1. «العبقات» ج ۱، ص ٣۰۷ و ٣۰۸ في ترجمة الثعلبيّ. و قال صاحب «العبقات» أيضاً: و قال الثعلبيّ في كتاب «الكشف و البيان» عند تفسير الآية: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ: قال بعض أهل المعاني: كلّ شي‌ء نفيس خطير يتنافس في أخذه الناس يسمّى ثَقَلًا. و منه سمّى بيضُ النعام المصون: ثقلًا، لأنّ الصيّاد و الطالب له يفرح إذا وجده. قال الشاعر:
      فتذاكرا ثَقلًا رشيداً بعد ما***ألقت ذكاء يمينها في كافرِ
      و قال النبيّ صلى الله عليه و آله: إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله و عترتي. فجعل الكتاب و العترة ثقلين إعظاماً لقدرهما و تفخيماً لشأنهما.
    2. «ينابيع المودّة» ص ٣٢.و قال العلّامة الميرزا نجم الدين الشريف العسكريّ في كتاب «عليّ و الوصيّة» ص ٥۷، الحديث ٢٤: عثرنا على جزء من تفسير الثعلبيّ في خزانة كتب الإمام الثامن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام. و فيه روى عند تفسير الآية: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا بسنده عن أبي سعيد أنّه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: أيّها الناس! إنّي تركت فيكم الثقلين خليفتين إن أخذتم بهما لن تضلّوا بعدي، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض -أو قال: ما بين السماء و الأرض- و عترتي أهل بيتي: ألا و إنّهما لن يفترقا حتى يردا عَلَيّ الحوض.

معرفة الإمام ج۱۳

232
  • و نقل القندوزيّ أيضاً حديثاً آخر عن تفسير الثعلبيّ بسنده المتّصل عن عطيّة، عن أبي سعيد بالمضمون الآتي:

  • ٥٩- قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي، أحَدُهُمَا أعْظَمُ مِنَ الآخَرِ: كِتَابَ اللهِ -حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إلَى الأرْضِ- وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، وَ لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ. فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا؟۱

  • و روى القندوزيّ أيضاً حديثاً آخر عن «مسند أحمد بن حنبل» بسنده المتّصل بأبي سعيد، قال:

  • ٦۰- قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: إنِّي اوشِكُ أنْ ادْعَى فَاجِيبَ، وَ إنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: الثَّقَلَيْنِ، أحَدُهُمَا أكْبَرُ مِنَ الآخَرِ، أمَّا الأكْبَرُ كِتَابُ اللهِ - حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إلَى الأرْضِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي. ألَا إنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.٢

  • قال ابن نمير: قال بعض أصحابنا: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: انْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا؟!٣

  • و روى القندوزيّ عن عبد الله بن أحمد بن حنبل في «زيادات مسند أحمد» بسنده المتّصل عن أبي سعيد الخُدريّ أنّه قال:

  • ٦۱- قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ -حَبْلٌ مَمْدُودٌ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الأرْضِ- وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي.

    1. «ينابيع المودّة» ص ٣۰.
    2. «ينابيع المودّة» ص ٣۱.
    3. «ينابيع المودّة» ص ٣٢.

معرفة الإمام ج۱۳

233
  • وَ إنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.۱

  • و جمع العلّامة شمس الدين السخاويّ حديث الثقلين عن جماعة من الصحابة و التابعين بألفاظ مختلفة و أسانيد متفاوتة، منها: في حديث مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام اولئك القوم أن يقوموا و يشهدوا! و لا يشهد إلّا من سمعته اذنه و وعاه قلبه! فقام سبعة عشر و شهدوا، منهم أبو سعيد الخُدريّ. و جاء في سياق خطبة غدير خمّ قوله صلى الله عليه و آله:

  • ٦٢- ثُمَّ قَالَ: أيُّهَا النَّاسُ! إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، فَإنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ. نَبَّأنِي بِذَلِكَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ.٢

  • و قال العلّامة آية الله مير حامد حسين الهنديّ في ترجمة الطبرانيّ: و ذكر الطبرانيّ أيضاً حديث أبي سعيد في «المعجم الصغير» بسند آخر، كما قال: حدّثنا ... عن أبي سعيد الخُدريّ، عن رسول الله صلى الله عليه و آله أنّه قال:

  • ٦٣- إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي. وَ إنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ. و لم يروه عن هارون‌

    1. «ينابيع المودّة» ص ٣٢. و ذكر صاحب «العبقات» حديث الثقلين في ج، ص ٥۱۸ و ٥۱٩، برواية صاحب كتاب «مودّة القربي» عن أبي سعيد الخدريّ كالآتي: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: إنِّي تَارك فيكم الثقلين: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض و أهل بيتي. (و يُروي و عترتي). لم (لن ظ) يفترقا حتى يردا عَلَيّ الحوض.
    2. «العبقات» ج ٢، ص ٥۷٩، في سياق بيان حديث خزيمة؛ و «ينابيع المودّة» ص ٢٤٥، عن كتاب «مودّة القربي» للمير السيّد عليّ بن شهاب الهمدانيّ، بلفظ من السماء، مرفوعاً عن أبي سعيد الخدريّ.

معرفة الإمام ج۱۳

234
  • ابن سعد إلّا يونس.۱ و أخرجه الطبرانيّ أيضاً في «المعجم الأوسط» برواية أبي سعيد الخُدريّ.

  • و قال نور الدين السمهوديّ في «جواهر العقدين» بعد نقل حديث الثقلين عن لفظ الترمذيّ: روى أحمد معناه في مسنده عن أبي سعيد الخُدريّ، و لفظه:

  • ٦٤- إنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ: إنِّي اوشِكُ أنْ ادْعَى فَاجِيبَ، وَ إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ - حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إلَى الأرْضِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، فَإنَّ اللَّطِيفَ الخَبِيرَ (ظ) أخْبَرَنِي أنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ، فَانْظُرُوا بِمَا تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا؟٢

  • و أخرجه أيضاً الطبرانيّ في «الأوسط» و أبو يعلى و غيرهما بسند لا بأس به!

  • الثالث عشر: حديث الثقلين برواية زيد بن أرقم

  • إنّ مضامين الأحاديث الواردة عن طريق زيد بن أرقم و أسنادها

    1. «مودّة القربي» ج ۱، ص ٢۷٦.
    2. «العبقات» ج ۱، ص ٢۷٦؛ و ذكره الحمّوئيّ في «فرائد السمطين» ج ٢، ص ٢۷٢، الباب ٥٤؛ و «غاية المرام» ص ٢۱٢، الحديث ۸.
      و ذكر القندوزيّ سبعين منقبة لأمير المؤمنين عليه السلام في «ينابيع المودّة» و منها منقبة ذكرها في ص ٢٤۱، الحديث ٦۸ عن أبي سعيد الخُدريّ، و لفظه أنّه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم فقال: يَا أيُّها الناس! إنّي تركتُ فيكم الثقلين خليفتي إنْ أخذتم بهما لن تضلّوا بعدي، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض و عترتي و هم أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا عَلَيّ الحوض. ثمّ قال القندوزيّ: أورده الثعلبيّ، و ذكره الإمام أحمد بن حنبل في مسنده. أقول: و ذكره العلّامة الميرزا نجم الدين الشريف العسكريّ في كتاب «عليّ و الوصيّة» ص ٥٤، و يُلحظ حذف في نقل لفظه، و ذكرت كلمة عترتي بينما جاء فيه عترتي أهل بيتي.

معرفة الإمام ج۱۳

235
  • أكثر من الواردة عن الطرق الأخرى جميعاً. و كذلك علماء العامّة الذين رووا حديثه فإنّهم أكثر من غيرهم. و نتطرّق فيما يأتي إلى بعض الأحاديث الواردة عنه، التي أوردها علماء العامّة في كتبهم:

  • قال السمهوديّ في «جواهر العِقدَين في فضل الشَّرفين: شرف العلم الجَليّ وَ النَّسَبِ العَلِيّ»:۱ روى الطبرانيّ في «الأوسط»، و أبو يَعْلى، و غيرهما بسند جيّد، و الحافظ أبو محمّد عبد العزيز في «معالم العترة النَّبويَّة»، و في «صحيح مسلم» و غيره عن زيد بن أرقم، قال: قام رسول الله صلى الله عليه و آله يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خمّاً بين مكّة و المدينة، فحمد الله و أثنى عليه، و وعظ، و ذكّر. ثمّ قال:

  • ٦٥- ألَا يَا أيُّهَا النَّاسُ! إنَّمَا أنَا بَشَرٌ يُوشِكٌ أنْ يَأتِي رَسُولُ رَبِّي فَاجِيبَ، وَ إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ، أوَّلَهُمَا كِتَابُ اللهِ فِيهِ الهُدَى وَ النُّورُ، فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ وَ اسْتَمْسِكُوا بِهِ - فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَ رَغَّبَ فِيهِ. ثُمَّ قَالَ: -وَ أهْلُ بَيْتِي- اذَكِّرُكُمُ اللهَ في أهْلِ بَيْتِي، اذَكِّرُكُمُ اللهَ في أهْلِ بَيْتِي، اذَكِّرُكُمُ اللهَ في أهْلِ بَيْتِي.٢

    1. قال القندوزيّ بحقّه في «ينابيع المودّة» ص ٣٦: «جواهر العقدين» للشريف السمهوديّ المصريّ، العلّامة في بلاد مصر و الحجاز، مصنّف «تاريخ المدينة المنوّرة النبويّة» علي صاحبها آلاف آلاف التحيّة و الصلوات.
    2. «العبقات» ج ٢، ص ٦٣۷ و ٦٣۸؛ و «صحيح مسلم» ج ٤، ص ۱۸۷٣، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عليّ بن أبي طالب عليه السلام، الحديث ٣٦، طبعة محمّد فؤاد؛ و أيضاً في «العبقات» ج ۱، ص ٣٤٢، عن الأزديّ الحميديّ، صاحب كتاب «الجمع بين الصحيحين»، و فيه أيضاً: ج ۱، ص ٣۷٤ و ٣۷٥، عن رزين العبدريّ صاحب كتاب «الجمع بين الصحاح الستّة»؛ و رواه أيضاً في: ج ۱، ص ٤٢٥، عن ابن الأثير الجزريّ صاحب كتاب «جامع الاصول»؛ و ذكره القندوزيّ أيضاً في «ينابيع المودّة» ص ٢٩، عن مسلم. و أورده محبّ الدين الطبريّ في «ذخائر العقبي» ص ۱٦؛ و ذكره ابن حجر الهيتميّ في «الصواعق المحرقة» ص ۸٩؛ و أورده السيّد ابن طاووس في طرائفه، ص ۱۱٥؛ و البحرانيّ في «غاية المرام» ص ٢۱٢، الحديث الرابع عن العامّة؛ و ذكره الحمّوئيّ في «فرائد السمطين» ج ٢، ص ٢٦۸.

معرفة الإمام ج۱۳

236
  • الثاني: حديث ذكره مسلم في صحيحه. و هو المتن الأوّل نفسه مضافاً إليه ما أخرجه جرير عن أبي حيّان، عن زيد بن أرقم، و زاد فيه:

  • ٦٦- كِتَابُ اللهِ فِيهِ الهُدَى وَ النُّورُ، مَنِ اسْتَمْسَكَ بِهِ وَ أخَذَ بِهِ كَانَ عَلَى الهُدَى، وَ مَنْ أخْطَأهُ ضَلَّ.۱

  • الثالث: حديث ذكره مسلم بسند آخر عن ابن مسروق، عن يزيد ابن حيّان، عن زيد بن أرقم (أنّ ابن مسروق) قال دخلنا (أنا و يزيد بن حيّان) على زيد، فقال له يزيد: لقد رأيتَ خيراً: لقد صاحبتَ رسول الله صلى الله عليه و آله و صلّيت خلفه! و يسوق الحديث هنا بنحو حديث أبي حيّان غير أنّه يروي كلام رسول الله صلى الله عليه و آله بالشكل الآتي:

  • ٦۷- ألَا وَ إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أحَدُهُمَا كِتَابُ اللهِ هُوَ حَبْلُ اللهِ، مَنِ اتَّبَعَهُ كَانَ عَلَى الهُدَى، وَ مَنْ تَرَكَهُ كَانَ عَلَى ضَلَالَةٍ.٢ و فيه: فقلنا: مَن أهل بيته، نساؤه؟!

  • قال: أيم الله إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر، ثمّ يطلّقها فترجع إلى أبيها و قومها. و أهل بيته صلى الله عليه و آله أصله و عصبته‌

    1. «صحيح مسلم» ص ۱۸۷٤؛ و أخرجه القندوزيّ في «ينابيع المودّة» ص ۱۸٣، عن أحمد، و عبد حميد، و مسلم بالمتن الأخير عينه، و قوله صلى الله عليه و آله: اذكّركم الله في أهل بيتي مرّة واحدة.
    2. «صحيح مسلم» ج ٤، ص ۱۸۷٤، الحديث ٣۷. و نقله في «ينابيع المودّة» ص ٢٩، عن مسلم بإضافة قوله: و عترتي أهل بيتي؛ و ذكر البحرانيّ المتن نفسه في «غاية المرام» ص ٢۱٢، الحديث السادس عن العامّة.

معرفة الإمام ج۱۳

237
  • الذين حرموا الصدقة بعده.۱

  • ذكر ابن المغازليّ في مناقبه حديثاً بسنده المتّصل، و لفظه: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، وَ إنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.٢ و أورده الحاكم في مستدركه،٣ و الحافظ الترمذيّ في جامعه.٤ و أيضاً الحاكم في «المستدرك»،٥ و الطبرانيّ في معجمه الكبير.٦

  • و ذكر حديثاً ثالثاً بسنده المتّصل، و هو كالحديث الأوّل عن «صحيح مسلم» من حيث اللفظ. و نحن نقلناه في التسلسل (٦٥) المتقدّم.۷

  • و رواه الحافظ الدارميّ في سننه،۸ كتاب فضائل القرآن، و أحمد بن‌

    1. «صحيح مسلم» ج ٤، ص ۱۸۷٤، الحديث ٣۷. و نقله في «ينابيع المودّة» ص ٢٩، عن مسلم بإضافة قوله: و عترتي أهل بيتي؛ و ذكر البحرانيّ المتن نفسه في «غاية المرام» ص ٢۱٢، الحديث السادس عن العامّة.
    2. «مناقب ابن المغازليّ» ص ٢٣٤، الحديث ٢۸۱؛ و أورد القندوزيّ هذا اللفظ في «ينابيع المودّة» ص ٣۷ عن «صحيح مسلم» بدون لفظ عترتي و ذلك في طريق الحديث الثالث الذي نقله صاحب كتاب «معالم العترة النبويّة»؛ و جاء أيضاً في «غاية المرام» ص ٢٣٢، الحديث ٥٩، عن الخاصّة، برواية ابن بابويه؛ و نقله الحمّوئيّ في «فرائد السِّمطين» ج ٢، ص ۱٤٢ و ۱٤٣، الباب ٣٣، بدون لفظ أهل بيتي و فيه لن يتفرّقا مكان لن يفترقا.
    3. «المستدرك علي الصحيحين» ج ٣، ص ۱٤۸. و قال الحاكم: هذا الحديث صحيح السند علي شرط الشيخين، و لم يُخرجاه.
    4. «جامع صحيح الترمذيّ» ۱٣/ ٢۰۰، طبعة الصاويّ.
    5. «المستدرك» ج ٣، ص ۱۰٩، بلفظ: إنّي قد تركت، و إضافة جملة أحدهما أكبر من الآخر، و قال: هذا الحديث صحيح أيضاً علي شرط الشيخين، و لم يخرجاه.
    6. نسخة جامعة طهران، رقم ۱٣۷.
    7. «مناقب ابن المغازليّ» ص ٢٣٦، الحديث ٢۸٤.
    8. «سنن الدارميّ» ج ٢، ص ٤٣۱.

معرفة الإمام ج۱۳

238
  • حنبل في مسنده‌۱ بذكر نصّ الحديث، و بالاعتراف بقطعه و ثبوته في موضع آخر،٢ و الحافظ البيهقيّ.٣ كلّهم رووه عن أبي حيّان التيميّ بنفس السند و اللفظ؛ و أورد ابن المغازليّ حديثاً آخراً سنأتي عليه في التسلسل (۸۰).

  • و ذكر الملّا عليّ المتّقي في «كنز العمّال» أربعة أحاديث عن زيد بن أرقم:

  • الأوّل: نفس المضمون الذي ذكرناه في التسلسل (٤٣) من الأحاديث الواردة عن زيد بن ثابت، و هو رواها أيضاً عن «مسند أحمد بن حنبل»، و عن الطبرانيّ في «المعجم الكبير»، و سعيد بن منصور في «السنن» عن زيد بن ثابت، و عن الطبرانيّ في «المعجم الكبير» عن زيد بن أرقم.٤

  • الثاني: عن «مستدرك الحاكم» عن زيد بن أرقم أنّ رسول الله قال:

  • ٦۸- أيُّهَا النَّاسُ! إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ أمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا إنِ اتَّبَعْتُمُوهُمَا: كِتَابَ اللهِ وَ أهْلَ بَيْتِي عِتْرَتِي.٥ تَعْلَمُونَ أنِّي أولى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أنفُسِهِمْ! مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ.٦

  • الثالث: حديث نقله عن الطبرانيّ في «المعجم الكبير»، و عن الحاكم‌

    1. «مسند أحمد» ج ٤، ص ٣٦۷.
    2. «مسند أحمد» ج ٤، ص ٣۷۱.
    3. «البيهقيّ في «السنن» ج ۱۰، ص ۱۱٣، و: ج ٢، ص ۱٤۸؛ و في كتاب «الاعتقاد» ص ۱٦٤.
    4. «كنز العمّال» ج ۱، ص ۱٦٦، رقم ٩٤۸، طبعة حيدرآباد.
    5. إلى هنأ ذكره القندوزيّ في «ينابيع المودّة» ص ٣۷، بلفظ الطريق الثاني، عن «صحيح مسلم» نقلًا عن كتاب «معالم العترة النبويّة».
    6. «كنز العمّال» ج ۱، ص ۱٦۷، الحديث رقم ٩٥۱.

معرفة الإمام ج۱۳

239
  • في «المستدرك»، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم:

  • ٦٩- كَأنِّي قَدْ دُعِيتُ فَأجَبْتُ! إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ، أحَدُهُمَا أكْبَرُ مِنَ الآخَرِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي. فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا؟! فَإنّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ. إنَّ اللهَ مَوْلَايَ وَ أنَا وَلِيّ كُلِّ مُؤْمِنٍ، مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ. اللَهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ، وَ عَادِ مَن عَادَاهُ.۱

  • الرابع: حديث رواه عن الطبرانيّ في «المعجم الكبير»، عن أبي الطفيل،٢ عن زيد بن أرقم. ثمّ عرض خطبة رسول الله صلى الله عليه و آله‌

    1. «كنز العمّال» ج ۱، ص ۱٦۷، الحديث ٩٥٤؛ و «العبقات» ج ۱، ص ٢۷۸ و ٢۷٩؛ عن الطبرانيّ.
    2. أبو الطفيل نفسه من أصحاب رسول الله، لكنّه لم يروِ هذا الحديث بلا واسطة. فلعلّه لم يشهد يوم الغدير. ذكر آية الله السيّد حسن الصدر ترجمته في كتاب «تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام» ص ۱۸٦، ضمن شعراء الشيعة، و قال: و منهم: أبو الطفيل عامر بن واثلة الصحابيّ، ذكره في «نسمة السحر في ذكر مَن تشيّع و شعر»، قال: فاضل اجتمعت له الصحبة و حبّ أهل البيت؛ و قال أبو الفرج الإصفهانيّ: كان من خيار أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله، و روى الحديث و عمّر بعده طويلًا، و صحب عليّاً عليه السلام، و كان من وجوه الشيعة، و له منه محلّ خاصّ. و كان فارساً كريماً شجاعاً شاعراً، و عاش بعد عليّ عليه السلام، فخرج مع المختار طالباً بدم الحسين عليه السلام، فكان معه حتى قتل المختار، و عمّر بعد ذلك. قال قطرب بن خليفة: سمعت أبا الطفيل يقول: لم يبق من الشيعة غيرى، ثمّ تمثّل:
      و خلّفت سهماً في الكنانة واحداً***سيرمي به أو يكسر السهمَ كاسِرُه‌
      إلى أن قال صاحب «نسمة السحر»: كانت وفاته سنة مائة، و هو آخر الصحابة مَوتاً - انتهى.و قال ابن قتيبة في كتاب «المعارف» عند ذكره لأبي الطفيل: و شهد مع عليّ عليه السلام المشاهد كلّها، و كان مع المختار صاحب رايته، و كان يؤمن بالرجعة، و ذكر البيتين السابقين و بيتين آخرين.

معرفة الإمام ج۱۳

240
  • في غدير خُمّ، و إشهاده المؤمنين، إلى أن بلغ قوله صلى الله عليه و آله:

  • ألَا هَلْ تَسْمَعُونَ؟! فَإنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الحَوْضِ وَ أنْتُمْ وَارِدُونَ عَلَيّ الحَوْضَ، وَ إنَّ عَرْضَهُ أبْعَدُ مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَ بُصْرَى، فِيهِ أقْدَاحٌ عَدَدَ النُّجُومِ مِنْ فِضَّةٍ. فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي في الثَّقَلَيْنِ؟!

  • قَالُوا: وَ مَا الثَّقَلَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟!

  • قَالَ: كِتَابُ اللهِ -طَرَفُهُ بِيَدِ اللهِ وَ طَرَفُهُ بِأيْدِيكُمْ، فَاسْتَمْسِكُوا بِهِ وَ لَا تَضِلُّوا- وَ الآخَرُ عِتْرَتِي. وَ إنَّ اللَّطِيفَ الخَبِيرَ نَبَّأنِي أنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ. فَسَألْتُ ذَلِكَ لَهُمَا رَبِّي، فَلَا تَقَدَّمُوهُمَا فَتَهْلِكُوا، وَ لَا تُقْصِرُوا عَنْهُمَا فَتَهْلِكُوا. وَ لَا تُعَلِّمُوهُمْ فَإنَّهُمْ أعْلَمُ مِنْكُمْ.۱

  • مَنْ كُنْتُ أولى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ، فَعَلِيّ وَلِيُّهُ. اللَهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ.٢

  • قال الحاكم النيسابوريّ في «المستدرك» بعد بيان حديث زيد بن أرقم كما ذكرناه في التسلسل (٦٩) عن «كنز العمّال»، بعد قول رسول الله‌ وَ أنا وليّ كلّ مؤمن: فأخذ يد عليّ و قال: مَنْ كُنتُ مَوْلَاهُ (فَهَذَا وَلِيُّهُ) اللَهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ.٣

  • و ذكر الحاكم أيضاً في آخر الحديث الذي نقلناه عن «كنز العمّال» في التسلسل (٦۸) ما نصّه: ثُمَّ قَالَ: أ تَعْلَمُونَ أنِّي أولى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أنفُسِهِمْ؟! -ثَلَاثَ مَرَّاتِ- قَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ‌

    1. ذكره في «بحار الأنوار» إلى هنا عن السيوطيّ، عن الطبرانيّ في: ج ۷، ص ٣۱، طبعة الكمبانيّ.
    2. «كنز العمّال» ج ۱، ص ۱٦۸، الحديث ٩٥۸.
    3. «المستدرك» ج ٣، ص ۱۰٩. و قال الحاكم في آخره: هذا الحديث صحيح علي شرط الشيخين (البخاريّ و مسلم)، و لم يُخرجاه.

معرفة الإمام ج۱۳

241
  • وَ آلِهِ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ.۱

  • و أخرج الذهبيّ هذين الحديثين أيضاً في «تلخيص المستدرك»، و طُبعا في ذيل الصفحة المطبوعة.

  • روى الخوارزميّ: موفّق بن أحمد، أخطب خوارزم بسنده المتّصل عن زيد بن أرقم قال: لمّا رجع رسول الله صلى الله عليه و آله من حجّة الوداع، نزل غدير خُمّ و أمر بدوحات فقُممن، ثمّ قام فقال:

  • ۷۰- كَأنِّي قَدْ دُعِيتُ فَأجَبْتُ، إنِّي تَرَكْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ، أحَدُهُمَا أكْبَرُ مِنَ الآخَرِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي. فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا؟! فَإنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.

  • ثُمَّ قَالَ: إنَّ اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ مَوْلَايَ وَ أنَا وَلِيّ كُلِّ مُؤْمِنٍ‌٢ وَ مُؤْمِنَةٍ. ثُمَّ أخَذَ بِيَدِ عَلِيّ فَقَالَ: مَنْ كُنْتُ وَلِيُّهُ فَهَذَا وَلِيُّهُ. اللَهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ.

  • قال أبو الطفيل راوي الحديث عن زيد بن أرقم: قلتُ له: أنتَ سمعتَ هذا منه (من رسول الله صلى الله عليه و آله)؟! قال: نعم، و ما كان هناك (أي تحت الدوحات) أحد إلّا و قد رآه بعينه و سمعه باذنه.٣

    1. «المستدرك» ج ٣، ص ۱۱۰ و قال: حديث بُريدة الأسلميّ صحيح علي شرط الشيخين.
    2. ذكر القندوزيّ هذا الحديث إلى هنا في «ينابيع المودّة»، بلفظ الطريق الأوّل عن «صحيح مسلم» نقلًا عن كتاب أبي محمّد عبد العزيز الأخضر في «معالم العترة النبويّة».
    3. «مناقب الخوارزميّ» في الطبعة الحجريّة: ص ۱٣، و في الطبعة الحديثة بالنجف: ص ٩٣؛ و «العبقات» ج ۱، ص ٣٩٩، في ترجمة الخوارزميّ؛ و «ينابيع المودّة» ص ٣٢، عن الخوارزميّ؛ و «غاية المرام» ص ٢٣٢، رقم ٦۰، عن الخاصّة؛ و ذكره أبو الفداء بن كثير الدمشقيّ في كتاب «البداية و النهاية» ج ٥، ص ٢۰٩، بدون لفظ أحدهما أكبر من الآخر؛ و أورده النسائيّ في «خصائص» مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، ص ٢۱، بكلمة تارك مكان تركتُ.

معرفة الإمام ج۱۳

242
  • ذكر العلّامة آية الله مير حامد حسين الهنديّ ثلاثة أحاديث نقلًا عن أبي نُعيم الإصفهانيّ في كتاب «منقبة المطهّرين»، الأوّل: عن أبي سعيد و زيد بن أرقم، أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قال:

  • ۷۱- إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ، أحَدُهُمَا أثْقَلُ مِنَ الآخَرِ: كِتَابَ اللهِ -حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إلَى الأرْضِ- وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، فَإنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ. فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا؟!۱

  • الثاني: عن زيد بن أرقم، قال: رجعنا مع رسول الله إلى الجحفة بعد الحجّ، و صلى الظهر في غدير خُمّ، ثمّ قام خطيباً فقال:

  • ۷٢- يَا أيُّهَا النَّاسُ! هَلْ تَسْمَعُونَ؟! إنِّي رَسُولُ اللهِ إلَيْكُمْ، إنِّي اوشِكُ أنْ ادْعَى، إنِّي مَسْؤُولٌ وَ إنَّكُمْ مَسْؤُولُونَ، إنِّي مَسْؤُولٌ هَلْ بَلَّغْتُكُمْ؟ وَ أنْتُمْ مَسْؤُولُونَ هَلْ بُلِّغْتُمْ؟ فَمَا ذَا أنْتُمْ قَائِلُونَ؟!

  • قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ بَلَّغْتَ وَ جَهَدْتَ. قَالَ: اللَهُمَّ اشْهَدْ وَ أنَا مِنَ الشَّاهِدِينَ. ألَا هَلْ تَسْمَعُونَ؟ إنِّي رَسُولُ اللهِ إلَيْكُمْ، مُخَلِّفٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا؟! قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ وَ مَا الثَّقَلَانِ؟!

  • قَالَ: الثَّقَلُ الأكْبَرُ كِتَابُ اللهِ، سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللهِ وَ طَرَفُهُ بِأيْدِيكُمْ فَتَمَسَّكُوا بِهِ لَنْ تَهْلِكُوا وَ تَضِلُّوا، وَ الآخَرُ عِتْرَتِي، فَإنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.٢

    1. «العبقات» ج ۱، ص ٣۱۰ و ٣۱۱؛ و «ذخائر العقبي» ص ۱٦ بلفظ أعظم من الآخر، عن الترمذيّ؛ و «الصواعق المحرقة» ص ۸٩.
    2. «العبقات» ج ۱، ص ٣۱۱.

معرفة الإمام ج۱۳

243
  • الثالث: عن زيد بن أرقم أيضاً أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله وقف في مكان بين مكّة و المدينة فيه ماء يقال له: خُمّ، فقام فينا خطيباً، و حمد الله و أثنى عليه و قال:

  • ۷٣- أمَّا بَعْدُ؛ ألَا يَا أيُّهَا النَّاسُ! إنَّمَا أنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أنْ يَأتِيَنِي رَسُولُ رَبِّي عَزَّ وَ جَلَّ فَاجِيبَ. وَ إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَليْنِ. أوَّلُهُمَا كِتَابُ اللهِ فِيهِ الهُدى وَ النُّورِ، فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ فَاسْتَمْسِكُوا بِهِ!

  • فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَ رَغَّبَ فِيهِ وَ قَالَ (ثُمَّ قَالَ: و ظ) أهْلُ بَيْتِي. اذَكِّرُكُمُ اللهَ في أهْلِ بَيْتِي! اذَكِّرُكُمُ اللهَ في أهْلِ بَيْتِي!

  • قال له الحصين (و هو ممّن حضر و سأل): يا زيد! مَنْ أهل بيته؟ أ ليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: بلى، إنّ نساءه من أهل بيته، و لكنّ أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قال: و مَن هُم؟ قال: آل عليّ، و آل جعفر، و آل عقيل، و آل العبّاس!۱

  • إنّ التفسير المذكور لأهل البيت كلام زيد نفسه. و هو تفسير باطل لأسباب عديدة، و قدح بعض علماء العامّة في هذا التفسير أيضاً. و سنتحدّث عن هذا الموضوع إن شاء الله تعالى.٢

  • من الجدير ذكره أنّ الحديث الأخير الذي نقلناه عن صاحب «العبقات»، و هو نقله عن أبي نُعَيم، و أوردناه في التسلسل (۷٣)، ذكره كثير من علماء العامّة، منهم: الزَّرنْديّ في «نظم دُرَر السِّمطين»،٣ و البيهقيّ في‌

    1. «العبقات» ج ۱، ص ٣۱۱؛ و «غاية المرام» ص ٢۱٥، الحديث ٣۰، عن العامّة، برواية الحمّوئيّ في «فرائد السمطين».
    2. في آخر هذا الكتاب.
    3. «نظم درر السمطين» ص ٢٣۱، طبعة النجف.

معرفة الإمام ج۱۳

244
  • «السنن»،۱ و ابن حَجَر الهيتميّ في «الصواعق المحرقة»،٢ و العلّامة الشيخ رضي الدين الصنعانيّ في كتاب «مشارق الأنوار النبويّة من صحاح الأخبار المصطفويّة»، و الفارق فيها أنّ لفظ: اذَكِّرُكُمُ اللهِ في أهْلِ بَيْتِي‌ ذكر ثلاث مرّات.

  • يُضاف إلى هذا الحديث، و الحديث الذي أوردناه في التسلسل (٥٩) عن أبي سعيد الخُدريّ -و قد صرفنا النظر عنه هنا رغبة في عدم تكرار مضمونه برواية زيد بن أرقم- حديثٌ آخر نقله الزرنديّ في «نظم درر السمطين» عن زيد بن أرقم، عن رسول الله صلى الله عليه و آله في يوم حجّة الوداع بالمضمون الآتي:

  • ۷٤- إنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الحَوْضِ وَ أنْتُمْ تَبَعي، وَ إنَّكُمْ تُوشِكُونَ أنْ تَرِدُوا عَلَيّ الحَوْضَ فَأسْألُكُمْ عَنْ ثَقَلَيّ كَيْفَ خَلَّفْتُمُونِي فِيهِمَا؟! فقام رجل من المهاجرين و قال: ما الثقلان؟ قَالَ: الأكْبَرُ مِنْهُمَا كِتَابُ اللهِ سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللهِ وَ سَبَبٌ طَرَفُهُ بِأيدِيكُمْ، فَتَمَسَّكُوا بِهِ، وَ الأصْغَرُ عِتْرَتِي.

  • فَمَنِ اسْتَقْبَلَ قِبْلَتِي وَ أجَابَ دَعْوَتِي فَلْيَسْتَوْصِ لَهُمْ خَيْراً - أوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَلَا تَقْتُلُوهُمْ، وَ لَا تَقْهَرُوهُمْ، وَ لَا تُقْصِرُوا عَنْهُمْ، وَ إنِّي سَألْتُ اللَّطِيفَ الخَبِيرَ، فَأعْطَانِي أنْ يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ كَهَاتَيْنِ -وَ أشَارَ بِالمُسَبِّحَتَيْنِ- نَاصِرُهُمَا لي نَاصِرٌ، وَ خَاذِلُهُمَا لي خَاذِلٌ، وَ وَلِيُّهُمَا لي وَلِيّ، وَ عَدُوّهُمَا لي عَدُوٌّ.٣

    1. «سنن البيهقيّ» ج ۱۰، ص ۱۱٣ و ۱۱٤، و قال في آخره: أخرجه مسلم في صحيحه عن حديث أبي حيّان التيميّ.
    2. «الصواعق المحرقة» ص ۱٣٦.
    3. «نظم درر السمطين» ص ٢٣٣ و ٢٣٤؛ و ورد في لفظ الكتاب: ناصرهما إليّ و خاذلهما إليّ، فصحّحناهما بلفظ ناصرهما لي. و خاذلهما لي؛ و نقل القندوزيّ هذا الحديث في «ينابيع المودّة» ص ٣۷، عن الزرنديّ في «نظم دُرَر السمطين» بدون لفظ أو كما قال رسول الله، و ورد في أربعة مواضع لي مكان إليّ، ثمّ قال: و في الباب زيادة على عشرين من الصحابة؛ و أخرجه ابن عقدة في كتاب «الموالاة»؛ و أورده السيّد ابن طاووس في طرائفه ص ۱۱۷، الحديث ۱۷٩، عن ابن المغازليّ باختلاف يسير، و أضاف في آخره هذا اللفظ: ألا و إنّه لن تهلك امّة قبلكم حتى تدين بأهوائها، و تظاهر على نبيّها، و تقتل من يأمر بالقسط فيها. و حكاه المجلسيّ في «بحار الأنوار» ج ٢٣، ص ۱۰٩ و ۱۱۰، الطبعة الحديثة، عن «الطرائف».

معرفة الإمام ج۱۳

245
  • قال البدخشانيّ في كتاب «مفتاح النَّجا»: ذكر الطبرانيّ في معجمه الكبير عن زيد بن أرقم أنّه قال:

  • ۷٥- قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: إنِّي لَكُمْ فَرَطٌ، وَ إنَّكُمْ وَارِدُونَ عَلَيّ الحَوْضَ -عَرْضُهُ مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ إلَى بُصْرَى، فِيهِ عَدَدَ الكَوَاكِبِ مِنْ قِدْحَانِ الذَّهَبِ وَ الفِضَّةِ- فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي في الثَّقَلَيْنِ؟!

  • قِيلَ: وَ مَا الثَّقَلَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟!

  • قَالَ: الأكْبَرُ كِتَابُ اللهِ سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللهِ وَ طَرَفُهُ بِأيْدِيكُمْ، فَتَمَسَّكُوا بِهِ لَنْ تَزِلُّوا وَ لَا تَضِلُّوا، وَ الأصْغَرُ عِتْرَتِي، وَ إنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ. وَ سَألْتُ لَهُمَا ذلِكَ رَبِّي، فَلَا تَقَدَّمُوهُمَا فَتَهْلِكُوا، وَ لَا تُعَلِّمُوهُمْ فَإنَّهُمْ أعْلَمُ مِنْكُمْ.۱

  • و نقل الحمّوئيّ في «فرائد السمطين» حديثاً بسنده المتّصل عن يزيد ابن حيّان. قال: دخلنا على زيد بن أرقم، فقال لنا: خطبنا رسول الله صلى الله عليه و آله فقال:

  • ۷٦- إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: أحَدُهُمَا كِتَابُ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ، مَنْ تَبِعَهُ‌

    1. «العبقات» ج ٢، ص ۷٤٤، في ترجمة الميرزا محمّد البدخشيّ.

معرفة الإمام ج۱۳

246
  • كَانَ عَلَى الهُدَى، وَ مَنْ تَرَكَهُ كَانَ عَلَى ضَلَالَةٍ، ثُمَّ أهْلُ بَيْتِي. اذَكِّرُكُمُ اللهَ في أهْلِ بَيْتِي، قالها ثلاثاً.۱

  • و نقل ابن المغازليّ في كتاب «فضائل القرآن» حديثاً آخراً عن زيد ابن أرقم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم:

  • ۷۷- إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي وَ قَرَابَتِي (الحديث)‌.٢

  • و اخرج حديث في الثقلين عن الطبرانيّ في معجمه الكبير برواية حذيفة بن اسَيد الغفاريّ أو زيد بن أرقم، و نحن نذكره فيما يأتي برواية العلّامة آية الله مير حامد حسين الهنديّ أعلى الله مقامه الشريف لأهمّيّته و شدّة اهتمام علماء العامّة به، قال:

  • قال العلّامة السخاويّ في «استجلاب ارتقاء الغرف»: [أمّا حديث‌

    1. «فرائد السمطين» ج ٢، ص ٢٥۰، الباب ٤۸، الحديث ٥۰٢۰.
    2. «غاية المرام» ص ٢۱٤، الحديث ٢۱، عن العامّة؛ و روى السيّد هاشم البحرانيّ هنا حديثاً آخراً عن ابن المغازليّ تحت الرقم ٢٢، عن العامّة، فقد ذكر بإسناده إلى عليّ بن أبي ربيعة أنّه قال: لقيتُ زيد بن أرقم، و هو يريد أن يدخل على المختار، فقلت: بلغني عنك. قال: و ما هو؟ قلتُ: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: إنِّي قد تركتُ فيكم الثقلين: كتاب الله و عترتي أهل بيتي؟! قال: اللهمّ نعم! و روى الحديث الأوّل في «غاية المرام» ص ٢۱۱، عن العامّة، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل بسنده عن عليّ بن ربيعة قال: لقيتُ زيد بن أرقم و هو داخل على المختار أو خارج من عنده، فقلتُ له: سمعتَ رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: إنِّي تارك فيكم الثقلين؟! قال: نعم؛ و ذكره في «ينابيع المودّة» ص ٣٢، عن «زيادات مسنده» لعبد الله بن أحمد بن حنبل؛ و أورده السيّد ابن طاووس في «الطرائف» ص ۱۱٤، عن أحمد بن حنبل في مسنده، عن إسرائيل بن عثمان بن المغيرة بن ربيعة؛ و نقله في ص ۱٦ من طرائفه عن عليّ بن ربيعة. و جاء أيضاً في «بحار الأنوار» ج ٢٣، ص ۱۰٩، الطبعة الحديثة.

معرفة الإمام ج۱۳

247
  • حُذَيفة بن اسَيْد الغفاريّ، فقد رواه الطبرانيّ في معجمه الكبير عن طريق سلمة بن كهيل، عن أبي الطفيل، عن أبي سعيد، عن زيد بن أرقم رضي الله عنهما، قال:]

  • ۷۸- لَمَّا صَدَرَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مِنْ حِجَّةِ الوَدَاعِ، نَهَى أصْحَابَهُ عَنْ شَجَراتٍ بِالبَطْحَاءِ مُتَقَارِبَاتٍ أنْ يَنْزِلُوا تَحْتَهُنَّ، ثُمَّ بَعَثَ إلَيْهِنَّ، فَقُمَّ مَا تَحْتَهُنَّ مِنَ الشَّوْكِ، وَ عَمَدَ إلَيْهِنَّ فَصَلَّى تَحْتَهُنَّ.

  • ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: يَا أيُّهَا النَّاسُ! إنِّي قَدْ نَبَّأنِي اللَّطِيفُ الخَبِيرُ أنَّهُ لَنْ يُعَمَّرَ نَبِيّ إلَّا نِصْفَ عُمْرِ الذي يَلِيهِ مِنْ قَبْلِهِ. وَ إنِّي لأظُنُّ أنْ يُوشِكَ أنْ ادْعَى فَاجِيبَ، وَ إنِّي مَسْؤُولٌ وَ إنَّكُمْ مَسْؤُولُونَ، فَمَا ذَا أنْتُمْ قَائِلُونَ؟!

  • قَالُوا: نَشْهَدُ أنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَ جَهَدْتَ وَ نَصَحْتَ، فَجَزَاكَ اللهُ خَيْراً.

  • فَقَالَ: أ لَيْسَ تَشْهَدُونَ أنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ، وَ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ، وَ أنَّ جَنَّتَهُ حَقٌّ، وَ نَارَهُ حَقٌّ، وَ أنَّ المَوْتَ حَقٌّ، وَ أنَّ البَعْثَ حَقٌّ بَعْدَ المَوْتِ، وَ أنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَ أنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ في القُبُورِ؟!

  • قَالُوا: بلى! نَشْهَدُ بِذَلِكَ، قَالَ: اللَهُمَّ اشْهَدْ!

  • ثُمَّ قَالَ: يَا أيُّهَا النَّاسُ! إنَّ اللهَ مَوْلَايَ وَ أنَا مَوْلَى المُؤْمِنِينَ، وَ أنَا أولى بِهِمْ مِنْ أنفُسِهِمْ، فَمَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذَا مَوْلَاهُ -يَعْنِي عَلِيَّاً- اللَهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ.

  • ثُمَّ قَالَ: أيُّهَا النَّاسُ! إنِّي فَرَطُكُمْ وَ إنَّكُمْ وَارِدُونَ عَلَيّ الحَوْضَ، حَوْضٌ عَرْضُهُ مَا بَيْنَ بُصْرَى إلى صَنْعَاءَ، فِيهِ عَدَدَ النُّجُومِ قِدْحَانٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَ إنِّي سَائِلُكُمْ حِينَ تَرِدُونَ عَلَيّ عَنِ الثَّقَلَيْنِ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا؟! الثَّقَلُ الأكْبَرُ كِتَابُ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللهِ وَ طَرَفُهُ بِأيْدِيكُمْ، فَاسْتَمْسِكُوا بِهِ لَا تَضِلُّوا وَ لَا تُبَدِّلُوا، وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي؛ فَإنَّهُ قَدْ

معرفة الإمام ج۱۳

248
  • نَبَّأنِي اللَّطِيفُ الخَبِيرُ أنَّهُمَا لَنْ يَنْقَضِيَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.۱

  • ثمّ قال السمهوديّ، راوي هذا الحديث عن الطبرانيّ: من هذا الطريق رواية الضياء في «المختارة»، و أبو نُعَيْم في «الحِلية» و غيرهما. رووه من حديث زيد بن الحسن الأنماطيّ، عن معروف بن خرّبوذ، عن أبي الطفيل، عن حذيفة.

  • و يتّضح من إفادة العلّامة السمهوديّ في «جواهر العِقدين»، و محمّد

    1. «العبقات» ج ۱، ص ٢۷٩، في سياق ترجمة الطبرانيّ؛ و في «العبقات» ج ۱، ص ٤۰٢ أيضاً، رواه ابن عساكر الدمشقيّ عن حذيفة بن اسيد. و قال ابن عساكر في آخره: روى هذا الحديث الشريف عن زيد بن أرقم.
      قال ابن الصبّاغ المالكيّ في «الفصول المهمّة» في الطبعة الحجريّة: ص ٢٤، و في الطبعة الحديثة: ص ٢٢: روى الترمذيّ عن زيد بن أرقم أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قال: من كنتُ مولاه فعليّ مولاه. ذكر الترمذيّ هذا اللفظ و لم يضف عليه شيئاً، و أمّا الزُّهريّ فقد ذكر اليوم و الزمان و المكان؛ و ذكر الحديث كما يأتي: لمّا حجّ رسول الله صلى الله عليه و آله حجّة الوداع و عاد قاصداً إلى المدينة قام بغدير خُمّ و هو ماء بين مكّة و المدينة و ذلك في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة الحرام وقت الهاجرة فقال: يا أيّها النّاس إنّي مسؤول و أنتم مسؤولون، هل بلّغت؟ قالوا: نشهد أنّك قد بلّغتَ و نصحتَ. قال: و أنا أشهد أنّي قد بلّغت و نصحت، ثمّ قال: أيّها الناس أ ليس تشهدون أن لا إله إلّا الله و أنّي رسول الله؟ قالوا: نشهد أن لا إله إلّا الله و أنّك رسول الله. قال: و أنا أشهد مثل ما شهدتم. ثمّ قال: أيّها الناس قد خلّفتُ فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي: كتاب الله و أهل بيتي، ألا و إنّ اللطيف أخبرني أنّهما لم يفترقا حتى يردا عَلَيّ الحوض، حوضي ما بين بُصرى و صنعاء عدد آنيته عدد النجوم، إنّ الله مسائلكم كيف خلفتموني في كتابه و أهل بيتي. ثمّ قال: أيّها الناس! من أولى الناس بالمؤمنين؟ قالوا: الله و رسوله أعلم. قال: إنّ أولى الناس بالمؤمنين أهل بيتي (قال ذلك ثلاث مرّات) ثمّ قال في الرابعة و أخذ بِيَدِ عليّ: اللهمّ مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ والِ من والاه و عاد من عاداه (يقولها ثلاث مرّات) ألا فليبلّغ الشاهد الغائب. روى عليّ بن عيسى الإرْبليّ متن هذا الحديث عن الزُّهريّ في «كشف الغمّة» ص ۱٦.

معرفة الإمام ج۱۳

249
  • ابن يوسف الشاميّ في كتاب «سُبُل الهُدى و الرشاد» المعروف بـ «السيرة الشاميّة»، و ابن حَجَر المكّيّ في «الصواعق المحرقة»، و الفخر الجَهْرُميّ في «البراهين القاطعة»، و نور الدين الحلبيّ في كتاب «إنسان العيون» المعروف بـ «السيرة الحلبيّة»، و أحمد بن فضل بن محمّد با كثير في «وسيلة المآل»، و محمود بن محمّد القادريّ في «الصراط السويّ»، و الميرزا محمّد البَدَخشانيّ في «مفتاح النَّجا»، و «نُزُل الأبرار»، و محمّد صدر العالم في «معارج العُلى»، و أحمد بن عبد القادر العُجَيليّ في «ذخيرة المآل»، و مولوى وليّ الله الكهنويّ في «مرآة المؤمنين» أنّ الطبرانيّ أخرج هذا الحديث كما ستطّلع عليه فيما بعد إن شاء الله تعالى.۱

  • و قال الميرزا محمّد البدخشانيّ في «مفتاح النَّجا» أيضاً: أخرج الحاكم عن زيد بن أرقم، و أخرج الطبرانيّ في «المعجم الكبير» عن زيد بن أرقم، و زيد بن ثابت أنّه:

  • ۷٩- قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيِهِ وَ آلِهِ: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ مِنْ بَعْدِي: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، وَ إنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.٢

  • و أورد ابن البطريق حديث الغدير المفصّل و الخطبة المذكورة بألفاظ اخرى تماثل ألفاظ حديث الطبرانيّ مفاداً و معنى. و ذلك في كتاب «العمدة» بسنده المتّصل عن وليد بن صالح، عن زيد بن أرقم. و نقل عن‌

    1. «العبقات» ج ۱، ص ٢۷٩ و ٢۸۰، في ترجمة الطبرانيّ.
    2. «العبقات» ج ۱، ص ٢۸۰؛ و رواه السيّد هاشم البحرانيّ في «غاية المرام» ص ٢۱٣، الحديث ۱٦، عن صاحب «العمدة» و هو ابن البطريق نفسه بدون لفظ من بعدي و قال: ذكره صاحب «العمدة» من طريق المخالفين بالأسناد عن زيد بن أرقم، و هذا يدلّ علي أنّ ابن البطريق كان شيعيّاً.

معرفة الإمام ج۱۳

250
  • رسول الله صلى الله عليه و آله بخصوص التوصية بالثقلين قوله:

  • ۸۰- ألَا وَ إنِّي فَرَطُكُمْ وَ إنَّكُمْ تَبَعِي تُوشِكُونَ أنْ تَرِدُوا عَلَيّ الحَوْضَ، وَ أسْألُكُمْ حِينَ تَلْقَوْنِّي عَنْ ثَقَلَيّ كَيْفَ خَلَفْتُمُونِّي فِيهِمَا؟! فَأعْضَلَ عَلَيْنَا مَا نَدْرِي مَا الثَّقَلَانِ؟ حتى قَامَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ‌ فَقَالَ: بِأبِي أنْتَ وَ امِّي يَا نَبِيّ اللهِ مَا الثَّقَلَانِ؟!

  • قَالَ: الأكْبَرُ مِنْهُمَا كِتَابُ اللهِ سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللهِ تعالى وَ طَرَفٌ بِأيْدِيكُمْ، فَتَمَسَّكُوا بِهِ وَ لَا تَزِلُّوا وَ لَا تَضِلُّوا؛ وَ الأصْغَرُ مِنْهُمَا عِتْرَتِي (الخطبة).۱

    1. «العبقات» ج ۱، ص ٣٤۰ و ٣٤۱. و ذكر في ترجمة ابن المغازليّ قائلًا: و قال ابن المغازليّ أيضاً في كتاب «المناقب» على ما نقل عنه العلّامة ابن البطريق طاب ثراه في كتابه الموسوم بـ «العمدة»: أخبرنا ... إلى آخر الخطبة الطويلة جدّاً و الشاملة على ملاحظات دقيقة. و يستفاد تشيّع الرجل و جلالة إيمانه من تعبير صاحب «العبقات» بقوله: طاب ثراه.
      و هذا حديث ابن المغازليّ الذي ذكره في «المناقب» ص ۱٦ إلى ۱۸، الرقم ٢٣، بسنده المتّصل عن وليد بن صالح، عن امرأة زيد بن أرقم. و فيه أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قال بعد العبارات المذكورة: مَن استقبل قبلتي و أجاب دعوتي! فلا تقتلوهم و لا تقهروهم و لا تقصروا عنهم فإنّي سألت لهم اللطيف الخبير فأعطاني، ناصرهما لي ناصر، و خاذلهما لي خاذل، و وليّهما لي وليّ و عدوّهما لي عدوّ. ألا و إنّها لم تهلك امّة قبلكم حتى تتديّن بأهوائها و تظاهر على نبوّتها، و تقتل من قام بالقسط، ثمّ أخذ بِيَدِ عليّ بن أبي طالب عليه السلام فرفعها ثمّ قال: مَن كنتُ مولاه فهذا مولاه. و من كنتُ وليَّه فهذا وليُّه. اللهمّ وال من والاه، و عاد من عاداه. كرّر رسول الله صلى الله عليه و آله هذه الجملة ثلاث مرّات. هذا كان آخر الخطبة و جاء في النسخة المطبوعة من «المناقب»، و «ينابيع المودّة» ص ٢٢، عن ابن المغازليّ، عن امرأة زيد بن أرقم. و نقل ابن المغازليّ الحديث عن امرأة زيد بن أرقم و قال في الهامش: في «البحار» نقلًا عن «عمدة ابن البطريق» ص ٥۱، ابن امرأة زيد بن أرقم. و هكذا أخرجه في «الغدير» ۷/ ٣۷ عن «العمدة» - انتهى. و أمّا في النسخة المطبوعة من «العبقات» في إصفهان، التي نقلنا عنها، عن ابن امرأة زيد بن أرقم، فإنّ العلّامة مير حامد حسين صحّح ذلك بذكر زيد بن أرقم كما يبدو.

معرفة الإمام ج۱۳

251
  • و ذكر الشيخ أحمد بن عبد القادر العُجيليّ الشافعيّ في كتابه «ذخيرة المآل في شرح عقد جواهر اللآل» ما يشبه مضمون ابن البطريق عن زيد بن أرقم أيضاً.

  • و أورده جلال الدين السيوطيّ في «الجامع الصغير» عن «مسند أحمد ابن حنبل»، و «صحيح مسلم»، و «مسند عبد بن حميد» باللفظ الآتي:

  • ۸۱- أمَّا بَعْدُ؛ ألَا أيُّهَا النَّاسُ! فَإنَّمَا أنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أنْ يَأتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَاجِيبَ، وَ أنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ، أوَّلُهُمَا كِتَابُ اللهِ فِيهِ الهُدَى وَ النُّورُ، مَنِ اسْتَمْسَكَ وَ أخَذَ بِهِ كَانَ عَلَى الهُدَى، وَ مَنْ أخْطَأهُ ضَلَّ، فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ تعالى وَ اسْتَمْسِكُوا بِهِ، وَ أهْلُ بَيْتِي. اذَكِّرُكُمُ اللهَ في أهْلِ بَيْتِي! اذَكِّرُكُمُ اللهَ في أهْلِ بَيْتِي. ثمّ قال السيوطيّ: حديثٌ صحيح.۱

  • و نقل ابن حَجَر الهيتميّ في «الصواعق المحرقة» حديثاً آخراً أيضاً عن زيد بن أرقم، و قال: روايةٌ صحيحةٌ.

  • ۸٢- كَأنِّي قَدْ دُعِيتُ فَأجَبْتُ، إنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: أحَدُهُمَا آكَدُ مِنَ الآخر: كِتَابَ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ، وَ عِتْرَتِي، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخلُفُونِّي فِيهِمَا؟! فَإنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.٢

  • و في حديث آخر: وَ إنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ، سَألْتُ رَبِّي ذَلِكَ لَهُمَا فَلَا تَقَدَّمُوهُمَا فَتَهْلِكُوا، وَ لَا تَقْصُرُوا عَنْهُمَا فَتَهْلِكُوا، وَ لَا تُعَلِّمُوهُمْ فَإنَّهُمْ أعْلَمُ مِنْكُمْ.٣

  • ثمّ قال: و لهذا الحديث طرق كثيرة عن بضع و عشرين صحابيّاً. و في‌

    1. «الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير» ج ۱، ص ٦٤، الطبعة الرابعة.
    2. «الصواعق المحرقة» ص ۱٤٩، طبعة مكتبة القاهرة، دار الطباعة المحمّديّة.
    3. المصدر السابق.

معرفة الإمام ج۱۳

252
  • هذه الأحاديث لا سيّما قوله صلى الله عليه و آله: انْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا؛ وَ اوصِيكُمْ بِعِتْرَتِي خَيْراً؛ وَ اذَكِّرُكُمُ اللهَ في أهْلِ بَيْتِي‌ الحثّ الأكيد على مودّتهم، و مزيد الإحسان إليهم، و احترامهم، و إكرامهم، و تأدية حقوقهم الواجبة و المندوبة. كيف و هم أشرف بيت وجد على وجه الأرض فخراً و حسباً و نسباً؟

  • و يستفاد من كلام رسول الله صلى الله عليه و آله: لَا تَقَدَّمُوهُمَا فَتَهْلِكُوا، وَ لَا تَقْصُرُوا عَنْهُمَا فَتَهْلِكُوا وَ لَا تُعَلِّمُوهُمْ فَإنَّهُمْ أعْلَمُ مِنْكُمْ‌ أنّ من تأهّل منهم للمراتب العلية و الوظائف الدينيّة كان مقدّماً على غيره.۱

  • الرابع عشر: حديث الثقلين برواية عبد الله بن حنطب

  • قال السيوطيّ في كتاب «إحياء الميِّت»: أخرج الطبرانيّ عن المطَّلب ابن عبد الله بن حنطب، عن أبيه عبد الله أنّه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه و آله بالجحفة فقال:

  • ۸٣- أ لَسْتُ أولى بِكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ؟! قَالُوا: بلى يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: فَإنِّي سَائِلُكُمْ عَنِ اثْنَيْنِ: عَنِ القُرْآنِ وَ عِتْرَتِي.٢

  • و أخرج العلّامة آية الله مير حامد حسين الهنديّ عن السيوطيّ في كتاب «الإنافة في رتبة الخلافة» عن الطبرانيّ، عن عبد الله بن حنطب نفسه أنّه قال:

  • خطبنا رسول الله صلى الله عليه و آله فقال:

    1. «الصواعق المحرقة» ص ۱٣٦.
    2. «إحياء الميّت بفضائل أهل البيت» في حاشية «الإتحاف بحبّ الأشراف» ص ٢٦۱ و ٢٦٢، الحديث ٤٣؛ و ذكره أيضاً في «عبقات الأنوار» ج ٢، ص ٦٢٥، عند ترجمة السيوطيّ.

معرفة الإمام ج۱۳

253
  • ۸٤- أ لَسْتُ أولى بِكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ؟! قَالُوا: بلى يَا رَسُول اللهِ! قَالَ: فَإنِّي سَائِلُكُمْ عَنِ اثْنَيْنِ: عَنِ القُرْآنِ وَ عَنْ عِتْرَتِي، ألَّا تَقَدَّمُوا فَتَضِلُّوا، وَ لَا تَخَلَّفُوا عَنْهَا (عَنْهُمَا - ظ) فَتَهْلِكُوا!۱

  • الخامس عشر: حديث الثقلين برواية جُبَيْر بن مُطْعِم

  • روى شيخ الإسلام القندوزيّ الحسينيّ الحنفيّ في كتاب «ينابيع المودّة» عن كتاب «مودّة القربي» للسيّد عليّ الهمدانيّ، عن جبير بن مطعم أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قال:

  • ۸٥- إنِّي اوشِكُ أنْ ادْعَى فَاجِيبَ، وَ إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ رَبِّنَا، وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي. فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا؟!٢ و ذكره السيّد عليّ الهمدانيّ في كتاب «مودّة القُربي» عن جبير بن مطعم مرفوعاً باللفظ الآتي:

  • ۸٦- أ لَسْتُ بِمَوْلَاكُمْ؟! قَالُوا: بلى يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: إنِّي اوشِكُ أنْ ادْعَى فَاجِيبَ، وَ إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ رَبِّنَا، وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي. فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخلُفُونِّي فِيهِمَا.٣

  • و ذكره العلّامة آية الله مير حامد حسين أعلى الله درجته عن كتاب «منقبة المطهَّرين» لأبي نعيم الإصفهانيّ، عن جبير بن مطعم بهذا اللفظ: قال رسول الله صلى الله عليه و آله:

  • ۸۷- أ لَسْتُ مَوْلَاكُمْ؟! أ لَسْتُ مَوْلَاكُمْ؟! قَالُوا: بلى!

  • قَالَ: فَإنِّي فَرَطٌ لَكُمْ عَلَى الحَوْضِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَ إنَّ اللهَ سَائِلُكُمْ‌

    1. «العبقات» ج ٢، ص ٦٢۷.
    2. «ينابيع المودّة» ص ٣۱.
    3. كتاب «مودّة القربي» المودّة الثانية الواردة ضمن كتاب «ينابيع المودّة» ص ٢٤٦.

معرفة الإمام ج۱۳

254
  • عَنِ اثْنَيْنِ: عَنِ القُرْآنِ وَ عَنْ عِتْرَتِي.۱

  • السادس عشر: حديث الثقلين برواية البراء بن عازب

  • أخرج أبو نُعَيم الإصفهانيّ في كتاب «منقبة المطهَّرين» على ما نقل عنه بسنده عن البراء بن عازب، قال: لمّا نزل رسول الله صلى الله عليه و آله [في‌] الغدير، قام في الظهرة فأمر بقم الشجرات، و أمر بلالًا في الناس و اجتمع المسلمون؛ (و بعد اجتماعهم قال):

  • ۸۸- يَا أيُّهَا النَّاسُ! ألَا وَ يُوشِكُ أنْ ادْعَى وَ اجِيبَ، وَ إنَّ اللهَ سَائِلِي وَ سَائِلُكُمْ. فَمَا ذَا أنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قَالُوا: نَشْهَدُ أنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَ نَصَحْتَ!

  • قَالَ: وَ إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ! قَالُوا: وَ مَا الثَّقَلَانِ؟!

  • قَالَ: كِتَابُ اللهِ سَبَبٌ عِنْدَهُ (بِيَدِهِ - ظ) في السَّمَاءِ وَ سَبَبٌ بِأيْدِيكُمْ في الأرْضِ؛ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، وَ قَدْ سَألْتُهُمَا رَبِّي فَوَعَدَنِي أنْ يُورِدَهُمَا عَلَيّ الحَوْضَ، وَ عَرْضُهُ مَا بَيْنَ بُصْرَى وَ صَنْعَاءَ، وَ أبَارِيقُهُ كَعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ. فَلَا تَسْبِقُوا أهْلَ بَيْتِي فَتَفَرَّقُوا، وَ لَا تَخَلِّفُوا عَنْهُمْ فَتَضِلُّوا، وَ لَا تُعَلِّمُوهُمْ فَهُمْ أعْلَمُ، فَإنَّهُمْ (وَ إنَّهُمْ - ظ) لَنْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ بَابِ هُدَى، وَ لَنْ يُدْخِلُوكُمْ في بَابِ ضَلَالَةٍ؛ أحْلَمُ النَّاسِ كِبَاراً، وَ أعْلَمُهُمْ صِغَاراً.٢

  • و رواه أبو نُعَيم أيضاً في «حِلية الأولياء»، و أخرجه بسياقه الطويل عن حُذيفة بن اسَيْد الغِفاريّ كما عرفتَ سابقاً من استفادة العلّامة السخاويّ في «استجلاب ارتقاء الغرف».

  • روى أحمد بن حنبل في مسنده، عن عفّان، عن حمّاد بن سَلِمَة، عن زيد بن عليّ بن ثابت، عن البراء بن عازب أنّه قال: كنّا مع رسول الله‌

    1. «العبقات» ج ۱، ص ٣۱۰، ضمن ترجمة الحافظ أبي نُعيم الإصفهانيّ.
    2. «العبقات» ج ۱، ص ٣۱٢، في ترجمة أبي نعيم الإصفهانيّ.

معرفة الإمام ج۱۳

255
  • صلّى الله عليه و آله و سلّم في سفره، فنزلنا بغدير خُمّ، و نودي فينا الصلاة جامعة، فصلّى رسول الله الظهر، و أخذ بِيَدِ عَليّ فقال:

  • ۸٩- أ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أنِّي أولى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ؟! قَالُوا بلى!

  • قَالَ: أ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أنِّي أولى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ؟! قَالُوا: بلى! آخِذاً بِيَدِ عَلِيّ فَقَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ. اللَهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ.

  • فَلَقِيَهُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ فَقَالَ: هَنِيئاً لَكَ يَا بْنَ أبِي طَالِبٍ، أصْبَحْتَ مَوْلَي كُلِّ مُؤْمِنٍ وَ مُؤْمِنَةٍ.۱

  • و أخرج الثعلبيّ أيضاً هذا الحديث بلفظه عن البراء بن عازب.٢

  • و نقل القندوزيّ عدداً من الأحاديث بعد الحديث المذكور، ثمّ قال: نقله في «مشكاة المصابيح» عن أحمد بن حنبل بهذا اللفظ، و خطاب عمر بن الخطّاب.٣

  • السابع عشر: حديث الثقلين برواية خزيمة بن ثابت

  • نقل أبو نُعَيم الإصفهانيّ في «حلية الأولياء» حديث مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام. و فيه أنّ سبعة عشر رجلًا شهدوا على واقعة الغدير و حديث الثقلين، منهم خزيمة بن ثابت الذي نقل حديث الثقلين باللفظ الآتي: ثُمَّ قَالَ: يَا أيُّهَا النَّاسُ! إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا! فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا؟! وَ إنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ، نَبَّأنِي بِذَلِكَ اللَّطِيفُ‌

    1. «ينابيع المودّة» ص ٢٩.
    2. «ينابيع المودّة» ص ٣۰.
    3. «ينابيع المودّة» ص ٣۱.

معرفة الإمام ج۱۳

256
  • الخَبِيرُ.۱ و هذا هو نفس اللفظ الذي ذكرناه عن أمير المؤمنين عليه السلام في التسلسل (۱٢).

  • و روى السخاويّ في «استجلاب ارتقاء الغُرَف» حديثاً عن طريق ابن عقدة، عن أبي الطفيل. و فيه مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام بهذه الكيفيّة، إلّا ما يعود إلى الثقلين فقد جاء باللفظ الآتي: أيُّهَّا النَّاسُ! إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، فَإنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ. نَبَّأنِي بِذَلِكَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ.٢

  • و هذا هو نفس اللفظ الذي نقلناه عن أبي سعيد الخُدريّ في التسلسل (٦٢).

  • و أورد الشيخ عبيد الله الهنديّ في كتاب «أرْجَح المطالب» حديث السخاويّ مع اختلاف يسير في اللفظ.٣

  • الثامن عشر: حديث الثقلين برواية أنس بن مالك:

  • روى أبو نُعَيْم الإصفهانيّ بسنده عن أنس بن مالك على ما نقل عنه في كتاب «منقبة المطهَّرين» أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قال:

  • ٩۰- «الَّذِينَ آمَنُوا وَ تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ».٤ أ تَدْرِي مَنْ هُمْ يَا امَّ سُلَيْمٍ (يا بنَ امّ سُلَيم - ظ)؟

  • قُلْتُ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟!

  • قَالَ: نَحْنُ أهْلَ البَيْتِ وَ شِيعَتُنَا ذكْرُ الثَّقَلَيْنِ، وَ إنَّهُمَا القَرِينَانِ‌

    1. «ينابيع المودّة» ص ٣۸.
    2. «العبقات» ج ٢، ص ٥۷٩.
    3. «أرجح المطالب» ص ٣٣٩.
    4. الآية ٢۸، من السورة ۱٣: الرعد.

معرفة الإمام ج۱۳

257
  • لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.۱

  • إنّ ما يتبادر إلى ذهني في تفسير تلك الآية المباركة حسب هذا الحديث هو معنى دقيق و عميق لم تعرضه الأحاديث الاخرى. و يتجسّد هذا المعنى في أنّ ذكر الثقلين مثنّى مضاف بحذف النون و بواسطة الإضافة، و كان في الأصل (ذكران).

  • و حينئذٍ يُفَسِّر الإمام قوله تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا وَ تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ» بأهل البيت و شيعتهم الذين يتّبعونهم سبيلًا و اسلوباً، و يقتفون منهجهم القويم في العقيدة و الأخلاق و المعارف، و ذلك حين يقول: أهل البيت و الشيعة ذِكر الثقلين. أي: ذِكر الله و حقيقة الولاية؛ و هذه هي حقيقة الله تعالى و أصالته، إذ يتجلّى بذكره بين الخلائق مقترناً بحقيقة الولاية. و هما متلازمان لا يقبلان الانفصال و الافتراق ما دامت الدنيا قائمة. فالتوحيد في الولاية، و الولاية أثر التوحيد و مرآته و معلَمه. و التوحيد عين الولاية و الولاية عين التوحيد. و الذات متجلّية في الولاية، و الولاية تتجلّى فيها الذات.

  • الله تعالى غير منفصل عن عليّ، و عليّ غير منفصل عن الله. فهو ظاهر في هذا الاسم و هذا مظهره و ظهوره. و لمّا كان المظهر عين الظاهر، و المتجلَّى فيه عين المتجلّي، فستتحقّق هذه العينيّة التي هي أعلى من المعيّة من خلال هويّة الوحدة في الكثرة، و الكثرة في الوحدة.

  • التاسع عشر: حديث الثقلين برواية أبي هريرة

  • روى السمهوديّ في كتاب «جواهر العِقدين» عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله:

    1. «العبقات» ج ۱، ص ٣۱۱، في ترجمة أبي نُعيم.

معرفة الإمام ج۱۳

258
  • ٩۱- إنِّي خَلَّفْتُ فِيكُمُ اثْنَتَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا أبَداً: كِتَابَ اللهِ وَ نَسَبِي، وَ لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ‌. أخرجه البزّاز في مسنده.۱

  • و روى العلّامة آية الله مير حامد حسين الهنديّ أعلى الله مقامه هذا الحديث نفسه عن أبي هريرة و نصّ على تخريج البزّاز له في مسنده، و ذلك عند ترجمة محمود بن محمّد بن عليّ الشيخانيّ القادريّ المدنيّ نقلًا عن «الصراط السويّ في مناقب آل النبيّ».٢

  • و قال في أوّل كلامه: أقتني نسخة عتيقة من «الصراط السَّويّ في مناقب آل النبيّ» بخطّ عربيّ.٣

  • و ذكر الشيخ عبيد الله الهنديّ هذا الحديث عينه في «أرجح المطالب» عن أبي هريرة بلفظ نِسبَتي مكان نَسَبِي.٤

  • و روى السيوطيّ في «إحياء الميّت»،٥ و السَّخاويّ في «استجلاب ارتقاء الغرف»٦ حديث أبي هريرة بلفظ اثنَتَيْن أيضاً، كما نُقل عن السمهوديّ و الشيخانيّ القادريّ.

  • أمّا الشيخ سليمان القندوزيّ فقد رواه في «ينابيع المودّة» بلفظ الثَّقَلَيْنِ بتخريج ابن عقدة في كتاب «الموالاة» عن أبي هريرة.۷ و يتّضح من‌

    1. «العبقات» ج ٢، ص ٦٤٤، في ترجمة السمهوديّ.
    2. «العبقات» ج ٢، ص ۷۱٥، في ترجمة محمود الشيخانيّ القادريّ.
    3. «العبقات» ج ٢، ص ۷۱۰.
    4. «أرجح المطالب» ص ٣٣۷.
    5. «إحياء الميّت» ص ٢٤۷، الحديث ٢٢ بتخريج البزّاز.
    6. «العبقات» ج ٢، ص ٥۸٢، في ترجمة السخاويّ، ذكره بلفظ: إنّي قانتٌ فيكم اثنين.
    7. «ينابيع المودّة» ص ٣٩، بتخريج ابن عقدة عن طريق محمّد بن عبد الله بن أبي رافع، عن أبيه و أبي هريرة.

معرفة الإمام ج۱۳

259
  • الموازنة بين ألفاظ هذه الأحاديث أنّ التحريف قد نال تلك الأحاديث، و الصحيح هو تخريج ابن عقدة نفسه. و لعلّ ذلك الحديث حديث آخر غيره.۱

  • العشرون: حديث الثقلين برواية عامر بن ليلى بن ضُمرة

  • نقل السخاويّ في كتاب «استجلاب ارتقاء الغرف»،٢ و السمهوديّ في «جواهر العِقدين»،٣ و الحافظ أبو الفتوح العِجليّ في «الموجَز من فضائل الخلفاء»،٤ عن ابن عقدة في كتاب «الموالاة» أنّه أخرج عن طريق عبد الله ابن سنان، عن أبي الطفيل، عن عامر بن ليلى بن ضُمرة و حذيفة بن اسيد قالا: خطب رسول الله صلى الله عليه و آله يوم الغدير فقال كذا و كذا. و رويا في التوصية بالثقلين عين اللفظ الذي أوردناه عن زيد بن أرقم في التسلسل (۷۸): ألَا وَ إنِّي سَائِلُكُمْ حِينَ تَرِدُونَ عَلَيّ عَنِ الثَّقَلَيْنِ - إلى آخر الحديث.

  • و روى القندوزيّ هذا الحديث أيضاً في «ينابيع المودّة» بتخريج ابن عقدة في كتاب «الموالاة» عن عامر بن أبي ليلى بن ضمرة و حذيفة بن اسَيد، و اكتفى بذيله الذي فيه توصية رسول الله صلى الله عليه و آله بولاية

    1. روي في «غاية المرام» ص ٢٣٢، الحديث ٦٢، عن الخاصّة برواية ابن بابويه بسنده المتّصل عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: إنِّي خَلَّفْتُ فِيكُمُ شَيْئَينِ، لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أبَداً مَا أخَذْتُمْ بِهِمَا وَ عَمِلْتُمْ بِمَا فِيهِمَا: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي، فَإنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.
    2. «العبقات» ج ٢، ص ٥۸۰، في ترجمة السخاويّ.
    3. «العبقات» ج ٢، ص ٦٤٢.
    4. «العقبات» ج ٢، ص ٦٤٣.

معرفة الإمام ج۱۳

260
  • أمير المؤمنين عليه السلام، و الثقلين حسب اللفظ الأخير نفسه.۱

  • الحادي و العشرون: حديث الثقلين برواية ضُمَيْرَة الأسْلَميّ

  • ذكر السخاويّ في «استجلاب ارتقاء الغرف»٢ و السمهوديّ في «جواهر العِقدين»٣ نقلًا عن ابن عقدة في كتاب «الموالاة» أنّه أخرج عن ضُمَيْرَة الأسلَميّ قال: لمّا رجع رسول الله صلى الله عليه و آله من حجّة الوداع أمر بدوحات في وادي خُمّ فقُممن و رُفع ما تحتهنّ من الشوك و القَشّ، ثمّ قام وسط النهار في حرّ الظهيرة و خطب قائلًا:

  • ٩٢- أمَّا بَعْدُ، أيُّهَا النَّاسُ! فَإنِّي مَقْبُوضٌ اوشِكُ أنْ ادْعَى فَاجِيبَ، فَمَا أنْتُمْ قَائِلُونَ؟! قَالُوا: نَشْهَدُ أنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَ نَصَحْتَ وَ أدَّيْتَ!

  • قَالَ: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي. ألَا وَ إنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ. فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا؟!

  • و ذكر القندوزيّ هذا الحديث في «ينابيع المودّة» عن الطبرانيّ في «المعجم الكبير» عن ضميرة الأسلميّ لكنّه قطع منه، و أورد ذيله من قوله: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ إلى آخر ما يتلوه.٤ و هذا القطع هنا مُخلّ بالمقصود.

  • الثاني و العشرون: حديث الثقلين برواية عبد الرحمن بن عوف

  • روى السخاويّ في «استجلاب ارتقاء الغرف» بتخريج ابن أبي شيبة و أبي يعلى في مسنديهما، و بتخريج البزّاز في مسنده أنّ عبد الرحمن بن‌

    1. «ينابيع المودّة» ص ٣۸ و ٣٩.
    2. «العبقات» ج ٢، ص ٥۷٩ و ٥۸۰، في ترجمة السخاويّ.
    3. «العبقات» ج ٢، ص ٦٤٢، في ترجمة السمهوديّ، و ذكره بلفظ: و عن حمزة (ضميرة ظ).
    4. «ينابيع المودّة» ص ٣۸.

معرفة الإمام ج۱۳

261
  • عوف قال: لمّا فتح رسول الله صلى الله عليه و آله مكّة، توجّه إلى الطائف، فحاصرها سبعة عشر أو تسعة عشر يوماً، ثمّ قام خطيباً فحمد الله و أثنى عليه، و قال:

  • ٩٣- اوصِيكُمْ بِعِتْرَتِي خَيْراً، وَ إنَّ مَوْعِدَكُمُ الحَوْضُ؛ وَ الذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُقِيمُنَّ الصَّلَاةَ وَ تُؤْتُنَّ الزَّكَاةَ، أوْ لأبْعَثَنَّ إلَيْكُمْ رَجُلًا مِنِّي -أو كَنَفْسِي- يَضْرِبُ أعْنَاقَكُمْ!

  • ثُمَّ أخَذَ بِيَدِ عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَ قَالَ: هَذَا.۱

  • الثالث و العشرون: حديث الثقلين برواية عبد بن حميد٢

  • قال القندوزيّ في «ينابيع المودّة»: أخرج أحمد بن حنبل عن عبد بن حميد بسند جيّد، و لفظه:

  • ٩٤- إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي؛ وَ إنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.٣

  • و قال أيضاً: و أخرج الطبرانيّ في «المعجم الكبير» برجال ثقات،

    1. «العبقات» ج ٢، ص ٥۸۱ و ٥۸٢، في ترجمة السخاويّ؛ و «ينابيع المودّة» ص ٤۰، بتخريج ابن عقدة و الحافظ أبي الفتوح العجليّ، و الديلميّ، و ابن أبي شيبة، و أبي يعلي.
    2. من الجدير ذكره أنّ عبد بن حميد ليس صحابيّاً، بل هو أحد مصادر تخريج هذا الحديث الذي رواه عنه أحمد بن حنبل. قال الزركليّ في «الأعلام» ج ٤، ص ٤۱: عبد بن حميد بن نصر الكِسيّ أبو محمّد. من حفّاظ الحديث، مات سنة ٢٤٩. قيل: اسمه عبد الحميد، و خُفِّف. نسبته إلى كِس مدينة قرب سمرقند. من كتبه: «المسند الكبير» و «تفسير للقرآن الكريم» و قال في ج ۱، ص ۱٩٢: كانت وفاة أحمد بن حنبل سنة ٢٤۱ - انتهى. فيستبين أنّ عبد بن حميد كان معاصراً لأحمد بن حنبل. و لا إشكال في رواية أحمد عنه، مع أنّه توفّي قبله بثمان سنين.
    3. «ينابيع المودّة»، ص ٣۸.

معرفة الإمام ج۱۳

262
  • و لفظه:

  • ٩٥- إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ خَلِيفَتَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي؛ وَ إنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.۱

  • الرابع و العشرون: حديث الثقلين برواية زيد بن اسلَم

  • روى الشيخ عبيد الله آمر تسرّي الهنديّ حديث الثقلين في كتاب «أرجح المطالب» بتخريج أحمد بن حنبل في «المسند»، و الطبرانيّ في «المعجم الكبير» عن زيد بن أسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله:

  • ٩٦- إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ خَلِيفَتَيْنِ: كِتَابَ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الأرْضِ، وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، وَ إنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.٢

  • و روى السخاويّ هذا اللفظ نفسه في «استجلاب ارتقاء الغرف» برواية أحمد بن حنبل في مسنده، عن زيد بن أسلم.٣

  • من الجدير ذكره أنّ هذا اللفظ واضح جدّاً في دلالته على خلافة أهل البيت و لا نصّ أعلى منه و أبلغ. لأنّه يقول: تركتُ لكم خليفتين هما كنفسي من الجهات جميعها. و هما خليفتاي من بعدي. و لا يقتصر صدور هذا اللفظ عن رسول الله صلى الله عليه و آله على رواية زيد بن أسلم. بل ذُكر مُماثِلُه في التسلسل (٥۸) عن أبي سعيد، و كذلك في التسلسل (٤٣) عنه. و روى عن زيد بن ثابت أيضاً. و ذكره أعلام العامّة في كتبهم بهذا

    1. «ينابيع المودّة»، ص ٣۸.
    2. «أرجح المطالب» ص ٣٣٦.
    3. «العبقات» ص ٥۷٩، في ترجمة السخاويّ.

معرفة الإمام ج۱۳

263
  • اللفظ.

  • و عرفنا أنّ السيوطيّ أخرجه في «إحياء الميّت»،۱ و «الدرّ المنثور».٢ و أخرجه القندوزيّ في «ينابيع المودّة»،٣ و الملّا عليّ المتّقى في «كنز العمّال»،٤ و العلّامة البدخشانيّ في «مفتاح النَّجا»،٥ و أحمد بن حنبل في «المسند»،٦ و السمهوديّ في «جواهر العِقدين»،۷ و الثعلبيّ في تفسير «الكشف و البيان»،۸ بأسنادهم المتّصلة.

  • إنّ هذا الحديث المبارك الذي رواه ما يربو على عشرة من علماء الشافعيّة و الحنفيّة و غيرهما يُعدّ من أقوى الأدلّة على حقّانيّة أهل البيت الطاهرين و إمامتهم و إمارتهم بعد رسول الله صلى الله عليه و آله حقّاً.

  • الخامس و العشرون: حديث الثقلين برواية الإمام الحسن المجتبى عليه السلام

  • ذكر القندوزيّ في «ينابيع المودّة» أنّ أحمد بن حنبل، و ابن حبان أخرجا عن الإمام الحسن بن عليّ عليهما السلام أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله:

  • ٩۷- إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ خَلِيفَتَيْنِ: كِتَابَ اللهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مَا بَيْنَ‌

    1. «إحياء الميّت» ص ٢٦٩.
    2. «الدرّ المنثور» ج ٢، ص ٦۰.
    3. «ينابيع المودّة» ص ٣۸.
    4. «كنز العمّال» ج ۱، ص ۱٦٦، الحديث ٩٤۸، طبعة حيدرآباد.
    5. «العبقات»، ج ٢، ص ۷٤٤.
    6. «مسند أحمد» ج ٥، ص ۱۸۱.
    7. «جواهر العقدين»؛ «العبقات»، ج ٢، ص ٦٤٢.
    8. «الكشف و البيان»؛ «العبقات» ج ۱، ص ٣۰۸.

معرفة الإمام ج۱۳

264
  • السَّمَاءِ وَ الأرْضِ، وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، وَ إنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.۱

  • و هذا الحديث من حيث المضمون كالحديث الذي أوردناه عن زيد ابن أسلم في التسلسل (٩٦)، و لا يختلف عنه إلّا في ذكر عبارة عزَّ و جلّ‌ بعد لفظ الجلالة.

  • و الحديث الآخر هو الذي نقله القندوزيّ في «ينابيع المودّة» ص ٢۱ عن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام بعد بيعة الناس له بولاية الأمر. و سنذكره في عداد موارد الاحتجاج بحديث الثقلين إن شاء الله.

  • و روى القندوزيّ في «ينابيع المودّة» عن كتاب «المناقب» لأحمد بن حنبل، عن عبد الله بن الحسن المُثنَّى بن الحسن المجتبى بن عليّ المرتضى عليهم السلام، عن أبيه، عن جدّه: الحسن السبط عليه السلام أنّه قال: خطب جدّي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم يوماً. فقال بعد ما حمد الله و أثنى عليه:

  • مَعَاشِرَ النَّاسِ! إنِّي ادْعَى فَاجِيبُ، وَ إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي؛ إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا، وَ إنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ. فَتَعَلَّمُوا مِنْهُمْ وَ لَا تُعَلِّمُوهُمْ فَإنَّهُمْ أعْلَمُ مِنْكُمْ، وَ لَا تَخْلُو الأرْضُ مِنْهُمْ وَ لَوْ خَلَتْ لَانْسَاخَتْ بِأهْلِهَا.

  • ثُمَّ قَالَ: اللَهُمَّ إنَّكَ لَا تُخْلِي الأرْضَ مِنْ حُجَّةٍ عَلَى خَلْقِكَ لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَّتُكَ؛ وَ لَا تُضِلُّ أوْلِيَاءَكَ بَعْدَ إذ هَدَيْتَهُمْ.

  • اولَئِكَ الأقَلُّونَ عَدَداً، وَ الأعْظَمُونَ قَدْراً عِندَ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ. وَ لَقَدْ دَعَوْتُ اللهَ تَبَارَكَ وَ تعالى أنْ يَجْعَلَ العِلْمَ وَ الحِكْمَةَ في عَقِبي وَ عَقِبَ‌

    1. «ينابيع المودّة» ص ۱۸٣.

معرفة الإمام ج۱۳

265
  • عَقِبِي، وَ في زَرْعِي وَ زَرْعَ زَرْعِي إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، فَاسْتُجِيبَ لي.۱

  • هذه سبعة و تسعون حديثاً نقلناها عن خمسة و عشرين صحابيّاً من صحابة رسول الله صلى الله عليه و آله، و قد انتقيناها بأنفسنا من بطون الكتب هادفين أن نعرضها، أوّلًا: أحاديثَ مسندة، لا مُرسَلة و لا مرفوعة و لا مقطوعة. ثانياً: أحاديث مأثورة عن نفس الصحابة الذين سمعوها من رسول الله صلى الله عليه و آله، لا أحاديث التابعين أو أحاديث اخرى وردت في الكتب و ذُكرت بلا سندٍ متّصل بالصحابيّ. ثالثاً: أحاديث خالية من التكرار لفظاً. و لو أردنا أن نأتي بالأحاديث كلّها، و إن كانت بلفظ واحد عن رواة شتّى، لأنافت على مائتي حديث.

  • و ذكر السخاويّ في كتاب «استجلاب ارتقاء الغرف» أسماء ثمانية عشر رجلًا و امرأتين من الصحابة الذين رووا هذا الحديث. و مجموعهم عشرون صحابيّاً و صحابيّةً.

  • أمّا الرجال، فهم: جابر بن عبد الله، حُذَيفَة بن اسَيد، خُزَيمة بن ثابت، سهل بن سعد الساعديّ، ضُميرة الأسلميّ، عامر بن ليلى، عبد الرحمن بن عوف، عبد الله بن عبّاس، عبد الله بن عمر، عَدِيّ بن حاتم، عقبة بن عامر، أبو ذرّ، أبو رافع، عليّ بن أبي طالب عليه السلام، أبو شُرَيح الخُزاعيّ، أبو قُدامة الأنصاريّ، أبو هريرة، أبو الهيثم بن التَّيِّهان، و رجال من قريش.

  • و أمّا المرأتان الصحابيّتان، فهما: امّ سَلَمة، و امّ هاني بنت أبي طالب.٢

    1. «ينابيع المودّة» ص ٢۰.
    2. ذكر صاحب «العبقات» أسماء عشرين صحابيّاً و صحابيّة في: ج ٢، ص ٥۷٥ إلى ٥۷٩، عن السخاويّ في كتاب «استجلاب ارتقاء الغرف بحبّ أقرباء الرسول ذوي الشرف»، و نقل أحاديثهم في ص ۱٣٦.

معرفة الإمام ج۱۳

266
  • و ذكر ابن حجر الهيتميّ في «الصواعق المحرقة» بضعاً و عشرين منهم.۱ و أورد الفقيه الفقيد سماحة آية الله البروجرديّ تغمّده الله برضوانه في مقدّمة كتاب «جامع الأحاديث» أربعة و ثلاثين منهم.٢ و قال سماحة العلّامة الطباطبائيّ: إنّ بعض علماء الحديث أنهى رواته من الصحابة إلى خمسة و ثلاثين راوياً.٣

  • مجموع رواة حديث الثقلين عندي هو ستّة و ثلاثون صحابيّاً

  • و أمّا أنا فقد أحصيتُ رواة حديث الثقلين من الصحابة أنفسهم فوجدتهم ستّة و ثلاثين صحابيّاً: خمسة و عشرين منهم ذكرت أسماؤهم و أحاديثهم مفصّلًا، و منهم الصِّدِّيقة الكبرى سلام الله عليها. و ثمانية غيرهم ممّن ذُكروا في حديث مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته، إذ طلب ممّن شهد يوم الغدير أن يقوم و يشهد فقام سبعة عشر منهم و شهدوا، و هم ممّن سمعته آذانهم و وعته قلوبهم.

  • و هذا الحديث خبر مشهور ورد في كتب الشيعة و العامّة بنحو تامّ. و رواه أبو نُعَيم الإصفهانيّ في «حِلية الأولياء» و غيره عن أبي الطفيل.

    1. «الصواعق المحرقة» ص ۸٩؛ و كذلك ذكر صاحب «ينابيع المودّة» أكثر من عشرين منهم في ص ٣۷ من كتابه. و قال في «العبقات» ج ٢، ص ٥٣۰: قال عبد الرءوف المناويّ في «فيض القدير»: و وهم من زعم وضعه كابن الجوزيّ، و في الباب ما يزيد علي عشرين من الصحابة. و قال القندوزيّ في ص ٤۰ من «ينابيع المودّة»: قال في «الصواعق المحرقة»: روي هذا الحديث ثلاثون صحابيّاً. و أنّ كثيراً من طرقه صحيح و حسن. و قال ابن حجر الهيتميّ في «الصواعق المحرقة» ص ۱٣٦، في ثلثي الصفحة الماضية: له طرق كثيرة. و روي عن بضع و عشرين صحابياً.
    2. «جامع أحاديث الشيعة» ص ٢٩، السطر ۱٢.
    3. «الميزان في تفسير القرآن» ج ٣، ص ٤۱۸.

معرفة الإمام ج۱۳

267
  • و نلحظ بين السبعة عشر الذين شهدوا ثمانية لم ترد أسماؤهم في عداد الصحابة الذين رووا عن رسول الله صلى الله عليه و آله. و هم: ۱- سهل بن سعد الساعديّ. ٢- عديّ بن حاتم الطائيّ. ٣- عقبة بن عامر. ٤- أبو أيّوب الأنصاريّ. ٥- أبو شُرَيح الخُزاعيّ. ٦- أبو قُدامة الأنصاريّ. ۷- أبو يَعْلَى الأنصاريّ. ۸- أبو الهيثم بن التَّيِّهان. و نحن ذكرناهم هنا نقلًا عن «ينابيع المودّة».۱ و إذا ضممنا هؤلاء الثمانية إلى الخمسة و العشرين المشار إليهم سلفاً، يكون المجموع ثلاثة و ثلاثين.

  • و يعرض القندوزيّ حديث الثقلين في «ينابيع المودّة» مرويّاً عن أبي ذرّ في مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام يوم الشورى، إذ قال لطلحة و عبد الرحمن بن عوف، و سعد بن أبي وقّاص: هَلْ تَعْلَمُونَ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، وَ إنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ، وَ إنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا إنِ اتَّبَعْتُمْ وَ اسْتَمْسَكْتُمْ بِهِمَا؟! قَالُوا: نَعَم!٢

  • و حينئذٍ يتّضح لنا جيّداً أنّ هؤلاء الصحابة الثلاثة من رواة الحديث المذكور. و لمّا كنّا قد أوردنا اسم عبد الرحمن بن عوف بين الصحابة الخمسة و العشرين، فسيكون اسم طلحة، و سعد بن أبي وقّاص في عِداد رواته أيضاً. و إذا ضممناهما إلى الثلاثة و الثلاثين المشار إليهم سابقاً، فسيصبح المجموع خمسة و ثلاثين.

  • قال القندوزيّ في «ينابيع المودّة»: و روى حديث الثقلين أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، و الحسن بن عليّ عليه السلام، و جابر بن‌

    1. «ينابيع المودّة» ص ٣۸.
    2. «ينابيع المودّة» ص ٣٥.

معرفة الإمام ج۱۳

268
  • عبد الله الأنصاريّ، و ابن عبّاس، و زيد بن أرقم، و أبو سعيد الخدريّ، و أبو ذرّ، و زيد بن ثابت، و حُذيفة بن اليمان، و حُذيفة بن اسَيد، و جُبير بن مطعم، و سلمان الفارسيّ رضي الله عنهم.۱

  • ذكرت إلى الآن أسماء الصحابة الذين رووا حديث الثقلين ما عدا الصحابيّ الكبير سلمان الفارسيّ الذي أثنى عليه النبيّ صلى الله عليه و آله بقوله: مِنَّا أهْلَ البَيْتِ. و إذا ضممناه إلى الخمسة و الثلاثين، يصبح المجموع ستّة و ثلاثين.٢

  • و بلغ مجموع الأحاديث التي ذكرها المحقّق المتضلّع الخبير السيّد هاشم البحرانيّ في «غاية المرام» (۸٢) حديثاً عن طريق الخاصّة، و (٣٦) حديثاً عن طريق العامّة.٣ و ألحق العلّامة الخبير و المحدِّث الكبير المرحوم الميرزا نجم الدين الشريف العسكريّ رضي الله عنه كتاب «غاية المرام» بمستدرك. و هو نفسه يقول في كتاب «محمّد و عليّ و حديث الثقلين‌

    1. «ينابيع المودّة» ص ٣٦؛ و نقل صاحب «العبقات» ج ٢، ص ٦٣۸ إلى ٦٤٥، أنّ السمهوديّ الشافعيّ روى حديث الثقلين عن أمير المؤمنين عليه السلام، و فاطمة الزهراء عليها السلام، و امّ هاني اخت أمير المؤمنين، و فاطمة بنت أمير المؤمنين عليه السلام، و امّ سلمة، و زيد بن أرقم، و أبي سعيد الخُدريّ، و جابر بن عبد الله الأنصاريّ، و حذيفة بن اسيد الغفاريّ، و زيد بن ثابت، و ضميرة الأسلميّ، و عامر بن ليلى بن ضمرة، و أبي ذرّ الغفاريّ، و أبي رافع غلام النبيّ، و أبي هريرة.
    2. أحد رواة هذا الحديث عمر بن الخطّاب كما ورد ذلك في «غاية المرام» ص ٢۱۸، الحديث الثالث عن الخاصّة، عن ابن بابويه بسنده المتّصل عن عمر بن الخطّاب. و قال عمر في آخر الحديث: قلتُ يا رسول الله! مَن عترتُك؟ قال: أهل بيتي من ولد عليّ و فاطمة و تسعة من صلب الحسين أئمّة أبرار. هم عترتي من لحمي و دمي. (فمجموع الرواة إذن يبلغ سبعة و ثلاثين راوياً).
    3. «غاية المرام» ص ٢۱۱ إلى ٢٣٥.

معرفة الإمام ج۱۳

269
  • و حديث السفينة»: «أخرج السيّد هاشم البحرانيّ في غاية المرام» تسعة و ثلاثين حديثاً من كتب علماء السنّة في الباب (أي في باب حديث الثقلين). و أخرجنا ما يقرب الأربعين حديثاً من حديث الثقلين من كتب علماء السنّة و جعلناها مستدركاً لمأ ذكره السيّد رحمه الله ...».۱

  • أجل، لا يخفى على طلّاب الحقّ و الحقيقة أنّ هذه الأحاديث كلّها تثبت بكثرتها و مضامينها العديدة أمراً واحداً فحسب، و هو أنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله أرشد امّته إلى مَن تتمسّك به في أمر دينها، و دلّها على مَن تأخذ منه أحكام دنياها و آخرتها، و هداها إلى مرجعها في الشدائد و الخطوب و الحوادث الواقعة بعده! و هذا أمر ملحوظ بأوضح الألفاظ في الأحاديث جميعها! و هو في غنى عن الشرح و البيان و التفسير و التأويل.

  • منتخب من الأحاديث الماثورة في التمسّك بالثقلين‌

  • ألقوا نظرة مجملة على الأحاديث المنتخبة من المجموعة السبعة و التسعين لتروا كيف بلّغ النبيّ صلى الله عليه و آله هذا المرام بأجلى نداء، و أعلى نغمة:

  • ۱- إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ رَبِّي وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي! ألَا وَ هُمَا الخَلِيفَتَانِ مِنْ بَعْدِي، وَ لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.٢

  • ٢- إنِّي تَرَكْتُ فِيكُمْ خَلِيفَتَيْنِ! إنْ أخَذْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، وَ إنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.٣

    1. «محمّد و عليّ و حديث الثقلين و حديث السفينة» ص ۷۷.
    2. عن «فرائد السمطين» ج ٢، ص ۱٤٤، رقم ٤٦، الباب ٣٣، الحديث ٤٣۷؛ و «مسند أحمد» ج ٥، ص ۱۸۱؛ و الطبرانيّ في «المعجم الكبير»؛ كما في «العبقات» ج ۱، ص ٢۸۰ و ٢۸۱؛ و لكن ذكره بلفظ: إنِّي تَارِك فِيكُم خلِيفتين.
    3. رقم ٥۸ من «العبقات»، عن الثعلبيّ في «الكشف و البيان».

معرفة الإمام ج۱۳

270
  • ٣- إنِّي خَلَّفْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ! إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي.۱

  • ٤- إنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ! إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي.٢

  • ٥- إنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمْ كِتَابَ رَبِّي عَزَّ وَ جَلَّ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي.٣

  • ٦- إنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمْ مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي.٤

  • ۷- إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي.٥

  • ۸- إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ أحَدَهُمَا أكْبَرُ مِنَ الآخَرِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي.٦

  • ٩- إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ؛ الثَّقْلَ الأكْبَرَ، وَ الثَّقَلَ الأصْغَرَ، الثَّقْلُ‌

    1. رقم ٩۰، كما جاء بهذا اللفظ في رواية «ينابيع المودّة» عن أبي هريرة، ص ٣٩، عن كتاب «الموالاة» لابن عقدة؛ و ورد في آخر اللفظ: و لن يتفرّقا حتى يردا عَلَيّ الحَوْضَ.
    2. رقم ٣٢، بتخريج ابن عقدة عن جابر، بناءً علي نقل «ينابيع المودّة» ص ٤۱.
    3. رقم ۱۷، بناءً علي رواية «ينابيع المودّة» ص ٤۰، بتخريج ابن عقدة، عن فاطمة الزهراء عليها السلام.
    4. رقم ٢، عن كتاب «أرجح المطالب» ص ٣٣۷، بتخريج البزّاز و الدولابيّ؛ و «ينابيع المودّة» ص ٣٩، عن الجُعابيّ؛ و «العبقات» ج ٢، ص ٥۸۱، عن الجعابيّ.
    5. رقم ٣٤، عن كتاب «الشفا بتعريف حقوق المصطفي» للقاضي عياض اليحصبيّ، بناءً علي نقل «العبقات» ج ۱، ص ٣۷۸.
    6. رقم ٦٩، عن «كنز العمّال» ج ۱، ص ۱٦۷، الحديث ٩٥٤؛ و «العبقات» ج ۱، ص ٢۷۸، عن الطبرانيّ.

معرفة الإمام ج۱۳

271
  • الأكْبَرُ كِتَابُ اللهِ، وَ الثَّقَلُ الأصْغَرُ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي.۱

  • ۱۰- إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي! فَتَمَسَّكُوا بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا.٢

  • ۱۱- إنِّي تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إنْ أخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي.٣

  • ۱٢- إنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إن أخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي.٤

  • ۱٣- تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أبَداً: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي.٥

  • ۱٤- تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا إنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي.٦

  • عدم اقتصار الأحاديث الواردة في أهل البيت على حديث الثقلين‌

  • هذه الأحاديث التي تدعو إلى أهل البيت و أمير المؤمنين عليه السلام لا تتلخّص في حديث الثقلين. فقد ذكّر النبيّ صلى الله عليه و آله في مواطن كثيرة و بألفاظ عديدة باتّحاد نفس أمير المؤمنين و آله الذين هم آل‌

    1. رقم ٤۰، بلفظ تركت فيكم الثقلين، عن «أرجح المطالب»، ص ٣٣۷.
    2. رقم ۱٤، عن «فرائد السمطين» للحمّوئيّ، ج ۱، ص ٣۱۷ و ٣۱۸، الباب ٥۸.
    3. رقم ٣۰، «أرجح المطالب» ص ٣٣٦.
    4. رقم ٢٤، عن «ينابيع المودّة» ص ٣۰، عن «جامع الترمذيّ» عن أبي ذرّ، و أيضاً في «العبقات» ج ۱، ص ٢٦٩، عن السخاويّ، عن الترمذيّ، بتخريج ابن عقدة.
    5. رقم ٢٦، عن «ينابيع المودّة» ص ٣۰، عن الترمذيّ في باب مناقب أهل البيت، عن جابر.
    6. رقم ٣٥، عن «كنز العمّال» ج ۱، ص ۱٦۷، عن ابن أبي شيبة؛ و الخطيب في «المتّفق و المفترق» عن جابر.

معرفة الإمام ج۱۳

272
  • رسول الله، و أصرّ على ذلك إصراراً وثيقاً، و أبرمه إبراماً أكيداً. و هذه الحقيقة كانت مشهودة ملحوظة.

  • روى الحافظ جمال الدين الزرنديّ عن عبد الله بن زيد بن ثابت، عن أبيه أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: مَنْ أحَبَّ أنْ يُنْسَأ لَهُ -أي يُتَأخَّرُ في أجَلِهِ- وَ أنْ يُمَتَّعَ بِمَا خَوَّلَهُ اللهُ فَلْيُخْلُفْنِي في أهْلِي خِلَافَةً حَسَنَةً، فَمَنْ لَمْ يَخْلُفْنِي فِيهِمْ بُتِرَ عُمْرُهُ، وَ وَرَدَ عَلَيّ يَوْمَ القِيَامَةِ مُسْوَدَّاً.۱

  • و رواه الطبرانيّ في مجمعه الأوسط عن ابن عمر أنّه قال: آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيّ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: اخلُفُونِي في أهْلِ بَيْتِي خَيْراً.٢ (أي: اجعلوني و اجعلوا حقّي في أهل بيتي خيراً، و ارعوني و ارعوا حقّي فيهم).

  • و ذكر الملّا عليّ المتّقي في «كنز العمّال» بتخريج الديلميّ عن أنس، و أبي سعيد الخُدريّ أنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله قال: يَا عَلِيّ! أنْتَ تُبَيِّنُ لُامَّتِي مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ بَعْدِي.٣

  • و في «كنز العمّال» أيضاً بنصّ ابن عبّاس أنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله قال: أنَا المُنْذِرُ، وَ عَلِيّ الهَادِي، وَ بِكَ يَا عَلِيّ يَهْتَدِي المُهْتَدُونَ‌.٤

    1. ذكره في «نظم درر السمطين» ص ٢٣۱، عن عبد الله بن بدر عن أبيه، و بلفظ: من أحبّ أن يسأله في أجله. و الحديث الذي أوردناه في المتن نقلناه عن «ينابيع المودّة»، ص ٤۱.
    2. «ينابيع المودّة» ص ٤۱، عن كتاب «جواهر العِقدين».
    3. «مناقب الخوارزميّ» ص ٢٤، طبعة النجف؛ و الملّا عليّ المتّقي في «كنز العمّال» ج ٦، ص ۱٥٦، الطبعة القديمة، و قال هناك: أخرجه الديلميّ عن أنس.
    4. «ميزان الاعتدال» ج ۱، ص ٢٥٥، طبعة دار السعادة؛ و كذلك ذكره في «كنز العمّال» ج ٦، ص ۱٥۷، الطبعة القديمة، بتخريج الديلميّ في «فردوس الأخبار».

معرفة الإمام ج۱۳

273
  • و روى الصفوريّ الشافعيّ عن رسول الله صلى الله عليه و آله أنّه قال لأمير المؤمنين عليه السلام:

  • أنْتَ الصِّدِّيقُ الأكْبَرُ، وَ أنْتَ الفَارُوقُ الذي تُفَرِّقُ بَيْنَ الحَقِّ وَ البَاطِلُ.۱

  • و كذلك روى في «كنز العمّال» عن كعب بن عُجَرَة أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: تَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ فُرْقَةٌ وَ اخْتِلَافٌ فَيَكُونُ هَذَا وَ أصْحَابُهُ عَلَى الحَقِّ. - يَعْنِي صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عَلِيَّاً.٢

  • و روى في «كنز العمّال» أيضاً أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قال: مَنْ أحَبَّ أنْ يَحْيَا حَيَاتِي، وَ يَمُوتَ مِيتَتِي، وَ يَدْخُلَ الجَنَّةَ التي وَعَدَنِي رَبِّي قُضْبَاناً مِنْ قُضْبَانِهَا غَرَسَهُ بِيَدِهِ وَ هي جَنَّةُ الخُلْدِ، فَلْيَتَوَلَّ عَلِيَّاً وَ ذُرِّيَّتَهُ مِنْ بَعْدِي، فَإنَّهُمْ لَنْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ بَابِ هُدَى وَ لَنْ يُدْخِلُوكُمْ في بَابِ ضَلَالَةٍ.٣

  • و في ضوء هذه الروايات المتضافرة، و الأحاديث المتكاثرة، و إجماع أهل اليقين و الأوفياء لرسول الله و الحفّاظ لميعاد الربّ الودود و ميثاقه، علت صيحات الشيعة منذ عصر الرسول الأكرم حتى يومنا هذا و هي تارةً مظفّرة. و اخرى مظلومة، و حيناً غالبة، و آخر مهجورة. و الشيعة هم الذين تمسّكوا بالثقلين، و التزموا بكلام نبيّهم طائعين راغبين، إذ يعلمون أنّ من تقدّم على أهل بيت نبيّه، فقد هلك، و من تأخّر عنهم‌

    1. «نزهة المجالس» للصفوريّ، ج ۱، ص ٢۰٥، طبعة القاهرة.
    2. الطبرانيّ في «المعجم الكبير»؛ كما نقل صاحب «كنز العمّال» ج ٦، ص ۱٥۷.
    3. «مناقب الخوارزميّ» ص ٣٤، طبعة النجف؛ و كذلك ذكره الطبرانيّ في «المعجم الكبير»، و الحاكم في «المستدرك»، و أبو نُعيم في «فضائل الصحابة»؛ كما نقل ذلك المتّقي في «كنز العمّال» ج ٦، ص ۱٥٥.

معرفة الإمام ج۱۳

274
  • و لم يلحق بهم، فقد هوى. و ليس لأحد أن يعلّمهم لأنّهم أعلم من كلّ أحد.

  • اللَهُمَّ وَفِّقْنَا لِلْعَمَلِ بِكِتَابِكَ الكَرِيمِ، وَ لِاتِّبَاعِ عَلِيّ وَ ذُرِّيَّتِهِ خَاتَمِ الوَصِيِّينَ وَ أوْصِيَاءِ النَّبِيّ المُقَرَّبِينَ. 

  • الحَمْدُ لِلَّهِ الذي هَدَانَا لِهَذَا وَ مَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أنْ هَدَانَا اللهُ.

  • أشعار في أمير المؤمنين عليه السلام‌

  • وَ كَانَ هَوَانَا في عَلَيّ وَ إنَّهُ‌***لأهْلٌ لَهَا مِنْ حَيْثُ تَدْرِي وَ لَا تَدْرِي‌
  • فَذَاكَ بِعَونِ اللهِ يَدْعُو إلى الهُدُى‌***وَ يَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَ البَغْيِ وَ النُّكْرِ
  • وَصِيّ النَّبِيّ المُصْطَفَى وَ ابْنُ عَمِّهِ‌***وَ قَاتِلُ فَرْسَانِ الضَّلَالَةِ وَ الكُفْرِ۱
  • ألَا إنَّ خَيْرَ النَّاسِ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ‌***وَصِيّ المُصْطَفَى عِنْدَ ذِي الذِّكْرِ
  • وَ أوَّلُ مَنْ صلى وَ صِنْوُ نَبِيِّهِ‌***وَ أوِّلُ مَنْ أرْدَى الغُوَاةَ لَدَى بَدْرِ٢
  • هَذَا وَصِيّ رَسُولِ اللهِ قَائِدُكُمْ‌***وَ صِهْرُهُ وَ كِتَابُ اللهِ قَدْ نُشِرا٣
  • و من أبيات حُجر بن عَدِيّ الكنديّ التي قالها يوم الجمل:

  • يَا رَبَّنَا سَلِّم لَنَا عَلِيَّا***سَلِّمْ لَنَا المُبَارَكَ المُضِيَّا
    1. «المراجعات» ص ٢۸٦، الطبعة الأولى، و هذه الأبيات للنعمان بن عجلان، أحد شعراء الأنصار و كبارهم، و هي من قصيدة خاطب فيها ابن العاص.
    2. «المراجعات» ص ٢۸٦، و هذان البيتان للفضل بن عبّاس، مع أبيات اخرى.
    3. «المراجعات» ص ٢۸٢، و هذا البيت لابن عبد المطّلب المغيرة بن الحارث، ضمن أبيات اخرى يُحرِّض فيها أهل العراق علي القتال ضدّ معاوية يوم صفّين.

معرفة الإمام ج۱۳

275
  • المُؤمِنَ المُوَحِّدَ التَّقِيَّا***لَا خَطِلَ الرَّأي وَ لَا غَوِيَّا
  • بَلْ هَادِياً مُوَفَّقاً مَهْدِيَّا***وَ احْفَظْهُ رَبِّي وَ احْفَظِ النَّبِيَّا
  • فِيهِ فَقَدْ كَانَ لَهُ وَلِيَّا***ثُمَّ ارْتَضَاهُ بَعْدَهُ وَصِيّا۱
  • اللهُمَّ صلِّ وَ سلِّم و زِد وَ بارك على مولانا و إمامنا عليّ بن أبي طالب سيّد الوصيّين. و أمير المؤمنين، و إمام الموحّدين و قائد الغرّ المحجّلين، و يعسوب المسلمين، و على ذرّيّته الأنجبين الأكرمين، و العن أعداءَهم و ظالميهم و معانديهم و منكري فضائلهم و مناقبهم و غاصبي حقوقهم من الأوّلين و الآخرين إلى قيام يوم الدين.

    1. «المراجعات» ص ٢۸٢.

معرفة الإمام ج۱۳

277
  •  

  •  

  • الدَّرْسُ الحَادِيَ و التَّسْعُوَن بَعْدَ المِائَةِ إلى الخَامِس و التِّسْعِينَ بَعْدَ المِائَةِ حَدِيثُ الثَّقَلَيْنِ مَوَارِدُ الصُّدُورِ، وَ مَوَاضِعُ الاحْتِجَاجِ، وَ بَحْثٌ كَلَامِيٌ‌

  •  

  •  

معرفة الإمام ج۱۳

279
  •  

  •  

  • بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‌

  • و صلى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلِهِ الطَّاهِرِينَ‌

  • و لَعْنَةُ اللهِ عَلَى أعْدَائهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ الآنَ إلَى قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ‌

  • و لَا حَولَ و لَا قُوَّةَ إلَّا بِاللهِ العَلِيّ العَظِيمِ‌

  • قال الله الحكيم في كتابه الكريم:

  •  

  •  

  • وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَ كُنْتُمْ عَلى‌ شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ‌۱

  • و الآية السابقة لها هي:

  • يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.٢

  • و الآيتان التاليتان لها هما:

  • وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ، وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوا مِنْ‌

    1. الآية ۱۰٣، من السورة ٣: آل عمران.
    2. الآية ۱۰٢، من السورة ٣: آل عمران.

معرفة الإمام ج۱۳

280
  • بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ.۱

  • و تستمرّ الآيات حتى تصل إلى قوله تعالى:

  • كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَ أَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ‌٢

  • تفسير آية الاعتصام عن العلّامة الطباطبائيّ رضوان الله عليه‌

  • قال استاذنا الأعظم سماحة العلّامة آية الله الطباطبائيّ قدّس الله تربته الزكيّة في تفسير الآية: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا: ذكر سبحانه فيما مرّ من قوله: وَ كَيْفَ تَكْفُرُونَ وَ أَنْتُمْ تُتْلى‌ عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَ فِيكُمْ رَسُولُهُ وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى‌ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ‌٣ إنّ التمسّك بآيات الله و برسوله (الكتاب و السنّة) اعتصام بالله مأمون معه المتمسّك المعتصم، مضمون له الهدى. و التمسّك بذيل الرسول تمسّك بذيل الكتاب فإنّ الكتاب هو الذي يأمر بذلك في مثل قوله: وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا.٤

  • و قد بدّل في هذه الآية وَ اعْتَصِمُوا ... الاعتصام المندوب إليه في تلك الآية وَ مَنْ يَعْتَصِمْ ... بالاعتصام بحبل الله. فأنتج ذلك أنّ حبل الله هو الكتاب المنزل من عند الله، و هو الذي يصل ما بين العبد و الربّ، و يربط السماء بالأرض. و إن شئت قلتَ: إنّ حبل الله هو القرآن و النبيّ صلى الله عليه و آله، فقد عرفت أنّ مآل الجميع واحد.

    1. الآيتان ۱۰٤ و ۱۰٥، من السورة ٣: آل عمران.
    2. الآية ۱۱۰، من السورة ٣: آل عمران.
    3. الآية ۱۰۱، من السورة ٣: آل عمران.
    4. الآية ۷، من السورة ٥٩: الحشر.

معرفة الإمام ج۱۳

281
  • و القرآن [الكريم‌] و إن لم يدع إلّا إلى حقّ التقوى و الإسلام الثابت، لكنّ غرض هذه الآية غير غرض الآية السابقة الآمرة بحقّ التقوى و الموت على الإسلام‌ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ‌، فإنّ الآية السابقة تتعرّض لحكم الفرد، و هذه الآية تتعرّض لحكم الجماعة المجتمعة؛ و الدليل عليه قوله: جَمِيعًا، و قوله: لَا تَفَرَّقُوا، فالآيات تأمر المجتمع الإسلاميّ بالاعتصام بالكتاب و السنّة كما تأمر الفرد بذلك.۱

  • و يواصل العلّامة هذا الموضوع إلى أن يصل إلى الآية الكريمة: وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ‌، فيقول: و قد نسب تعالى هذا الاختلاف في موارد من كلامه إلى البغي، قال تعالى: وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ‌،٢ مع أنّ ظهور الاختلاف في العقائد و الآراء ضروريّ بين الأفراد لاختلاف الأفهام. لكن كما أنّ ظهور هذا الاختلاف ضروريّ كذلك دفع الاجتماع لذلك، و ردّه المختلفين إلى ساحة الاتّحاد أيضاً ضروريّ. فرفع الاختلاف ممكن مقدور بالواسطة، و إعراض الامّة عن ذلك بغي منهم، و إلقاء لأنفسهم في تهلكة الاختلاف.

  • و قد أكّد القرآن الدعوة إلى الاتّحاد، و بالغ في النهي عن الاختلاف، و ليس ذلك إلّا لما كان يتفرّس من أمر هذه الامّة أنّهم سيختلفون كالذين من قبلهم، بل يزيدون عليهم في ذلك. و قد تقدّم مراراً أنّ من دأب القرآن أنّه إذا بالغ في التحذير عن شي‌ء و النهي عن اقترافه، كان ذلك آية وقوعه‌

    1. «الميزان في تفسير القرآن» ج ٣، ص ٤۰٦ و ٤۰۷.
    2. الآية ٢۱٣، من السورة ٢: البقرة.

معرفة الإمام ج۱۳

282
  • و ارتكابه.

  • و هذا أمر أخبر به النبيّ صلى الله عليه و آله أيضاً كما أخبر به القرآن، و أنّ الاختلاف سيدبّ في امّته، ثمّ يظهر في صورة الفرق المتنوّعة، و أنّ امّته ستختلف كما اختلفت اليهود و النصارى من قبل. و ستجي‌ء الرواية في البحث الروائيّ.

  • و قد صدق جريان الحوادث هذه الملحمة القرآنيّة. فلم تلبث الامّة بعد رسول الله صلى الله عليه و آله دون أن تفرّقوا شذر مدر، و اختلفوا في مذاهب شتّى بعضهم يكفّر بعضاً من لدن عصر الصحابة إلى يومنا هذا. و كلّما رام أحد أن يوفِّق بين مختلفين منها، أولد ذلك مذهباً ثالثاً.

  • و الذي يهدينا إليه البحث بالتحليل و التجزية أنّ أصل هذا الاختلاف ينتهي إلى المنافقين الذين يغلظ القرآن التقوّل فيهم و عليهم، و يستعظم مكرهم و كيدهم. فإنّك لو تدبّرت ما يذكره الله تعالى في حقّهم في سور البقرة. و التوبة، و الأحزاب، و المنافقون، و غيرها لرأيت عجباً. و كان هذا حالهم في عهد رسول الله صلى الله عليه و آله، و لمّا ينقطع الوحي. ثمّ لمّا توفّاه الله، غاب ذكرهم و سكنت أجراسهم دفعة.

  • كَأن لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الحَجُونِ إلى الصَّفَا***أنِيسٌ وَ لَمْ يَسْمُرْ بِمَكَّةَ سَامِرُ
  • و لم يلبث الناس دون أن وجدوا أنفسهم و قد تفرّقوا أيادي سبأ. و باعدت بينهم شتّى المذاهب، و استعبدتهم حكومات التحكّم و الاستبداد، و أبدلوا سعادة الحياة بشقاء الضلال و الغي، و الله المستعان. و المرجوّ من فضل الله أن يوفّقنا لاستيفاء هذا البحث في سورة براءة إن شاء الله.۱

    1. «الميزان في تفسير القرآن» ج ٣، ص ٤۱٢ و ٤۱٣. روى المحدّث العظيم السيّد هاشم البحرانيّ في «غاية المرام» ص ٢۱٢، الحديث السابع عن العامّة، عن أبي إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبيّ في الجزء الثاني من تفسيره عند تفسير قوله تعالى في سورة آل عمران: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا، بسنده المتّصل عن عطيّة العَوْفيّ، عن أبي سعيد الخُدريّ أنّه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: أيّها الناس إنِّي تركت فيكم الثقلين خليفتين إن أخذتم بهما لن تضلّوا بعدي، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء في الأرض -أو قال: إلى الأرض- و عترتي أهل بيتي، ألا و إنَّهُما لن يفترقا حتى يردا عَلَيّ الحَوض.
      و قال الإمام الفخر الرازيّ في تفسير «مفاتيح الغيب» ج ٣، ص ٢٤، طبعة دار الطباعة العامرة، مصر، في سياق تفسير الآية: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ‌ ... : روى عن أبي سعيد، عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله قال: إني تارك فيكم الثقلين: كِتَابَ اللهِ تعالى حبل ممدودٌ من السَّماء إلى الأرضِ، وَ عِترَتي أهل بيتي.

معرفة الإمام ج۱۳

283
  • الأحاديث الواردة في الميزان في حفظ الثقلين و خلافتهما

  • و قال سماحة العلّامة آية الله الطباطبائيّ في البحث الروائيّ: و في «الدرّ المنثور» في قوله تعالى: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً (الآية): أخرج ابن أبي شيبة، و ابن جرير عن أبي سعيد الخُدريّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: كِتَابُ اللهِ هُوَ حَبْلُ اللهِ المَمْدُودُ مِنَ السَّمَاءِ إلَى الأرْضِ.

  • و فيه أخرج ابن أبي شيبة عن أبي شريح الخزاعيّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: إنّ هذا القرآن سبب طرفه بِيَدِ الله، و طرفه بأيديكم؛ فتمسّكوا به فإنّكم لن تزالوا و لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أبَداً.

  • و في «معاني الأخبار» عن السجّاد عليه السلام في حديث: وَ حَبْلُ اللهِ هُوَ القُرْآنُ‌. و في هذا المعنى روايات اخرى من طرق الفريقين.

  • و في «تفسير العيّاشيّ» عن الباقر عليه السلام: آلُ مُحَمَّدٍ هُمْ حَبْلُ اللهِ الذي أمَرَ بِالاعْتِصَامِ بِهِ فَقَالَ: «وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَ لَا تَفَرَّقُوا».

  • قال العلّامة: و في هذا المعنى روايات اخر. و قد تقدّم في البيان ما

معرفة الإمام ج۱۳

284
  • يتأيّد به معناها. و يؤيّدها أيضاً ما يأتي من الروايات.

  • الأحاديث الماثورة في افتراق الامّة الإسلاميّة ثلاثاً و سبعين فِرقة

  • و في «الدرّ المنثور» أخرج الطبرانيّ عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: إنِّي لَكُمْ فَرَطٌ وَ إنَّكُمْ وَارِدُونَ عَلَيّ الحَوْضَ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي في الثَّقَلَيْنِ؟!

  • قيلَ: وَ مَا الثَّقَلَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟!

  • قَالَ: الأكْبَرُ كِتَابُ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ سَبَبٌ طَرَفُهُ بِأيْدِيكُمْ، فَتَمَسَّكُوا بِهِ لَنْ تَزَالُوا وَ لَنْ تَضِلُّوا؛ وَ الأصْغَرُ عِتْرَتِي، وَ إنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ، وَ سَألْتُ لَهُمَا ذاكَ رَبِّي، فَلَا تَقَدَّمُوهُمَا فَتَهْلِكُوا، وَ لَا تُعَلِّمُوهُمَا فَإنَّهُمَا أعْلَمُ مِنْكُمْ.

  • قال العلّامة: و حديث الثقلين من المتواترات التي أجمع على روايتها الفريقان (الشيعة و العامّة)؛ و قد تقدّم في أوّل السورة أنّ بعض علماء الحديث أنهى رواته من الصحابة إلى خمسة و ثلاثين راوياً من الرجال و النساء؛ و قد رواه عنهم جمّ غفير من الرواة و أهل الحديث.

  • و في تفسير «الدرّ المنثور» أيضاً أخرج ابن ماجة، و ابن جرير، و ابن أبي حاتم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: افْتَرَقَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ عَلَى إحدى وَ سَبْعِينَ فِرْقَةً، وَ إنَّ امَّتِي سَتَفْتَرِقُ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَ سَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهُمْ في النَّارِ إلَّا وَاحِدَةً.

  • قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَ مَا هَذِهِ الوَاحِدَةُ؟!

  • قَالَ: الجَمَاعَةُ. ثُمَّ قَالَ: «وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا».۱

    1. ذكر العلّامة البحرانيّ في «غاية المرام» ص ٥۷۷ و ٥۷۸، الباب ٦٩ و ۷۰، ثلاثة أحاديث عن العامّة و حديثاً عن الخاصّة في هذا الموضوع. أمّا الأوّل عن العامّة فقد رواه موفّق بن أحمد الخوارزميّ بسنده المتّصل عن زاذان، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه
      (تابع الهامش في الصفحة التالية...)

معرفة الإمام ج۱۳

285
  • ...۱

    1. (... تتمة الهامش من الصفحة السابقة)
      قال: تفترق هذه الامّة على ثلاث و سبعين فرقة، ثنتان و سبعون في النار و واحدة في الجنّة. و هم الذين قال الله عزّ و جلّ في حقّهم: «و ممّن خلقنا امَّة يهدون بالحقّ و به يعدلون». و هم أنا و شيعتي.
      و أمّا الثاني عنهم فقد رواه موفّق بن أحمد الخوارزميّ أيضاً بسنده المتّصل عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال لي رسول الله: يا عليّ! مَثَلك في امّتي مثل عيسى ابن مريم افترق قومه ثلاث فرق: فرقة مؤمنون و هم الحواريّون؛ و فرقة عادوه و هم اليهود؛ و فرقة غلوا فيه فخرجوا عن الإيمان. و إنّ امّتي ستفترق فيك ثلاث فرق: شيعتك و هم المؤمنون؛ و فرقة هم أعداؤك و هم الناكثون؛ و فرقة غلوا فيك و هم الجاحدون و هم الضالّون. و أنت يا عليّ و شيعتك في الجنّة و عدوّك و الغالي فيك في النار.
      و أمّا الثالث عن ابن مردويه و هو من ثقات العامّة إلى أبان بن تغلب عن مسلم قال: سمعت أبا ذرّ و سلمان و المقداد يقولون: كنّا قعوداً عند النبيّ صلى الله عليه و آله إذ أقبل ثلاثة من المهاجرين، فقال: تفترق امّتي بعدي ثلاث فرق: أهل حقّ لا يشوبونه بباطل، مثلهم كالذهب كلّما فَتَنَتْهُ النار زاد جودةً و إمامهم هذا، و أشار إلى أحد الثلاثة و هو الذي أمر الله في كتابه إماماً و رحمة. و فرقة أهل باطل لا يشوبونه بحقّ مثلهم كمثل الحديد كلّما فَتَنَتْهُ النار زاد خبثاً و إمامهم هذا. فسألتهم عن أهل الحقّ و إمامهم فقالوا: عليّ بن أبي طالب عليه السلام. و أمسكوا عن الآخرين فجهدتُ في الآخرين أن يسمّوهما فلم يفعلوا - هذه رواية أهل المذهب.
      و أمّا حديث الخاصّة: فقد ذكر الشيخ الطوسيّ في أماليه بسنديه المتّصلَين عن المجاشعيّ، عن محمّد بن جعفر بن محمّد عليه السلام، عن الصادق عليه السلام، و عن المجاشعيّ، عن الإمام عليّ بن موسى الرضا، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام، قال المجاشعيّ: سمعتُ عليّاً (الرضا) عليه السلام يقول لرأس اليهود: على كم افترقتم؟ فقال: على كذا و كذا فرقة! فقال الإمام: كذبتَ. ثمّ أقبل على الناس و قال: وَ الله لو ثنيت لي الوسادةُ لقضيتُ بين أهل التوراة بتوراتهم و بين أهل الإنجيل بإنجيلهم و بين أهل القرآن بقرآنهم. افترقت اليهود على إحدى و سبعين فرقة: سبعون منها في النار و واحدة ناجية في الجنّة، و هي التي اتّبعت يوشع بن نون وصيّ موسى. و افترقت النصارى على اثنتين و سبعين فرقة، إحدى و سبعين فرقة في النار و واحدة في الجنّة، و هي التي اتّبعت شمعون وصيّ عيسى عليه السلام. و تفترق هذه الامّة على ثلاث و سبعين فرقة، اثنتان و سبعون فرقة في النار و واحدة في الجنّة، و هي التي اتّبعت وصيّ محمّد صلى الله عليه و آله و سلّم.
      و ضرب عليه السلام بيده على صدره (أي: أنا وصيّ محمّد صلى الله عليه و آله) ثمّ قال: ثلاث عشرة فرقة من الثلاث و سبعين (السبعين - ظ) فرقة كلّها تنتحل مودّتي و حبّي واحدة منها في الجنّة و هم النمط الأوسط و اثنتا عشرة في النار.

معرفة الإمام ج۱۳

286
  • قال العلّامة: و الرواية أيضاً من المشهورات. و قد روتها الشيعة بنحو آخر كما في «الخصال»، و «المعاني»، و «الاحتجاج»، و «الأمالى»، و «كتاب سُليم بن قيس»، و «تفسير العيّاشي».۱ و اللفظ لما في «الخصال» بإسناده إلى سليمان بن مهران، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: إنّ امّة موسى افترقت بعده على إحدى و سبعين فرقة، فرقة منها ناجية و سبعون في النار. و افترقت امّة عيسى بعده على اثنتين و سبعين فرقة، فرقة منها ناجية، و إحدى و سبعون في النار. و إنّ امّتي ستفترق بعدي على ثلاث و سبعين فرقة، فرقة منها ناجية، و اثنتان و سبعون في النار.

  • و هي الموافقة لما يأتي من الروايات.

  • و في «الدرّ المنثور» أخرج أبو داود، و الترمذيّ، و ابن ماجة، و الحاكم، و صحّحه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: افترقت اليهود على إحدى و سبعين فرقة، و تفرّقت النصارى على اثنتين و سبعين فرقة؛ و تفترق امّتي على ثلاث و سبعين فرقة.

    1. روي الشيخ المفيد في أماليه، طبعة جماعة المدرّسين، ص ٢۱٢ و ٢۱٣، بسنده المتّصل عن أبي هارون العبديّ، عن أبي عقيل قال: كنّا عند أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام إذ قال: لتَفرقنَّ هذه الامّة علي ثلاث و سبعين فرقة. و الذي نفسي بيده كلّها ضالّة إلّا من اتّبعني و كان من شيعتي.

معرفة الإمام ج۱۳

287
  • قال العلّامة: و هذا المعنى مرويّ بطرق اخرى عن معاوية و غيره.

  • الأحاديث الواردة في مشابهة عمل هذه الامّة بالامم الماضية

  • و في تفسير «الدرّ المنثور» أخرج الحاكم عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: يأتي على امّتي ما أتى على بني إسرائيل حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ حتّى لو كان فيهم من نكح امّهُ علانية كان في امّتي مثله. إنّ بني إسرائيل افترقوا على إحدى و سبعين ملّة، و تفترق امّتي على ثلاث و سبعين ملّة، كلّها في النار إلّا ملّة واحدة، فقيل له: ما الواحدة؟ قال: ما أنا عليه اليوم و أصحابي.

  • قال العلّامة: و عن «جامع الأصول» لابن الأثير عن الترمذيّ، عن عمرو بن العاص، عن الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله مثله.

  • و في «كمال الدين» بإسناده عن غياث بن إبراهيم، عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: كُلُّ مَا كَانَ في الامَمِ السَّالِفَةِ فَإنَّهُ يَكُونُ في هَذِهِ الامَّةِ مِثْلُهُ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ،۱ وَ القُذَّةِ بِالقُذَّةِ.٢

  • و في «تفسير القمّيّ» عن الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله أنّه قال:

    1. النعل أو النعال ما وقيت بها القدم من الأرض. و هي ما كانت لها قاعدة و ليس لها غطاء كالحذاء. و يعود قوله: حذو النعل بالنعل إلى تقاربها و تماثلهما، لأنّك إذا تصوّرت زوجاً من النعال عرفت أنّ إحداهما لا تشبهها إلّا اختها.
    2. القُذّة عود السهم الذي كان يصنع سابقاً من الخشب أو القصب. و كانوا يضعون في أعلاه نصلًا، و في أسفله ريشاً كي يقطع مسافة طويلة لخفّته. و يصيب نصله المصنوع من الحديد و الفولاذ الهدف المرسوم فيُحدث جرحاً. و وجود الريش فيه من أجل أن يسير السهم قُدماً و لا ينحرف عن اتّجاهه. و كان صانعو السهام يقطعون عيدان السهم أوّلًا، ثمّ يجمعونها معاً، و يقطعون أعلاها و أسفلها بالتساوي كي تكون أحجامها متساوية. و حينئذٍ إذا تصوّرنا عود أحد السهام فلا يمكن أن يشبهه تماماً إلّا عود السهم الآخر، إذ صُنعا معاً و قطعا معاً، فلهذا يقال: حَذْوَ النعل بالنعل و القُذّة بالقُذّة للشيئين المتماثلين من جميع الجهات.

معرفة الإمام ج۱۳

288
  • لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ مَن كَانَ قَبْلَكُمْ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ وَ القُذَّةِ بِالقُذَّةِ، لَا تُخْطِئُونَ طَرِيقَهُمْ وَ لَا يُخْطَى، شِبْرٌ بِشِبْرٍ وَ ذِرَاعٌ بِذِرَاعٍ، وَ بَاعٌ بِبَاعٍ‌۱ حتى أن لَوْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ دَخَلَ جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ!

  • قَالُوا: اليَهُودَ وَ النَّصَارَى تَعْنِي يَا رَسُولَ اللهِ؟! قَالَ: فَمَنْ أعْنِي؟ لَتَنْقُضُنَّ عُرَى الإسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً، فَيَكُونُ أوَّلُ مَا تَنْقُضُونَ مِنْ دِينِكُمُ الأمَانَةَ، وَ آخِرُهُ الصَّلَاةَ.

  • و عن «جامع الاصول» فيما استخرجه من الصحاح، و عن «صحيح الترمذيّ»، عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال: وَ الذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَن كَانَ قَبْلَكُمْ. و زاد رزين‌٢: حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ وَ القُذَّةِ بِالقُذَّةِ، حتى إن كَانَ فِيهِمْ مَنْ أتَى امَّهُ يَكُونُ فِيكُمْ فَلَا أدْرِي أ تَعْبُدُونَ العِجْلَ أمْ لَا؟!٣

  • قال العلّامة: و هذه الرواية أيضاً من المشهورات، رواها أهل السنّة في صحاحهم و غيرها؛ و روتها الشيعة في جوامعهم.

  • الأحاديث النبويّة التي تخبر بطرد بعض الصحابة عن حوض الكوثر

  • و في الصحيحين («صحيح البخاريّ» و «صحيح مسلم») عن أنس أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قال: لَيَرِدَنَّ عَلَيّ الحَوْضَ رِجَالٌ مِمَّنْ‌

    1. الشِّبْرُ ما بين طرف الإبهام و طرف الخنصر ممتدّين، و الذراع من طرف المرفق إلى طرف الإصبع الوسطي، و طوله قرابة نصف متر. و الباع قدر مدّ اليدين إذا تفتحان تماماً، احداهما نحو اليمين، و الاخري نحو اليسار.
    2. رزين بن معاوية العبدريّ صاحب كتاب «الجمع بين الصحاح الستّة».
    3. جاء في «النهاية» لابن الأثير، ج ٢، ص ٣٣، في مادّة [خشرم‌]: في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه و آله أنّه قال: لتركبنّ سنن من كان قبلكم ذراعاً بذراع، حتى لو سلكوا خَشْرَمَ دَبْرٍ لسلكتموه. الخشرم مأوي النحل و الزنابير. و قد يطلق عليهما أنفسهما. و الدَّبْر: النحل.

معرفة الإمام ج۱۳

289
  • صَاحَبَنِي حتى إذَا رُفِعُوا، اخْتُلِجُوا۱ دُونِي، فَلأقُولُنَّ: أي رَبِّ أصْحَابِي! فَلَيُقَالَنَّ: إنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ!

  • و في الصحيحين أيضاً عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قال: يَرِدُ عَلَيّ يَوْمَ القِيَامَةِ رَهْطٌ مِنْ أصْحَابِي -أوْ قَالَ: مِنْ امَّتِي- فَيُحَلَّئُونَ‌٢ عَنِ الحَوْضِ. فَأقُولُ: يَا رَبِّ أصْحَابِي. فَيَقُولُ: لَا عِلْمَ لَكَ بِمَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ، ارْتَدُّوا عَلَى أعْقَابِهِمُ القَهْقَرَى فَيُحَلَّئُونَ.٣

    1. و جاء في «النهاية» ج ٢، ص ٥٩، مادّة [خلج‌]: ورد في الحديث: «لَيَرِدَنَّ عَلَيّ الحَوْضَ أقْوَامٌ ثُمَّ لَيُخْتَلَجنَّ دُونِي» أي: يجتذبون و يُقتَطَعونَ.
    2. جاء في «النهاية» لابن الأثير، ج ۱، ص ٤٢۱، مادّة [حلأ]، جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه و آله: يَرِدُ عَلَيّ يَوْمَ القِيَامَةِ رَهْطٌ فَيُحَلأونَ عَنِ الحَوْضِ، أي: يُصَدُّون و يُمْنَعون من وروده.
    3. اعترف كثير من الصحابة بما ارتكبوه من جنايات و ما قاموا به من أعمال بعد رسول الله صلى الله عليه و آله. قال البخاريّ في صحيحه: ج ٢، ص ٢٩٥، طبعة دار الإحياء، في باب مناقب عمر بن الخطّاب: لمّا طُعن عمر جعل يَألَمُ. فقال له ابن عبّاس و كأنّه يجزّعه: يا أمير المؤمنين! و لئن كان ذاك لقد صحبتَ رسول الله فأحسنتَ صحبته ثمّ فارقته و هو عنك راضٍ. ثمّ صحبتَ أبا بكر فأحسنت صحبته ثمّ فارقته و هو عنك راضٍ. ثمّ صحبتَ صُحبَتَهُم فَأحسنتَ صُحْبَتَهُم و لئن فارقتهم لتفارقنّهم و هم عنك راضون. قال عمر: أمّا ما ذكرت من صحبة رسول الله صلى الله عليه و آله و رضاه، فإنّمأ ذاك مَنٌّ مِن الله تعالى مَنَّ به عَلَيّ. و أمّا ما ذكرتَ من صحبة أبي بكر و رضاه، فإنّما ذاك مَنٌّ مِن الله جلّ ذكره مَنَّ به عَلَيّ. و أمّا ما ترى من جزعي فهو من أجلك و أجل أصحابك! وَ الله لو أنّ طِلَاع الأرض ذهباً لافتديتُ به من عذاب الله عزّ و جلّ قبل أن أراه.
      يقصد عمر من أصحاب ابن عبّاس أمير المؤمنين عليه السلام. و كان طالما يواجه ابن عبّاس بهذا التعبير.
      ذكر أبو نُعيم في «حلية الأولياء» ج ۱، ص ٥٢، و ابن تيميّة في «منهاج السُّنَّة» ج ٣، ص ۱٣۱، أنّ عمر كان يقول: لَيْتَني كنتُ كَبْشَ أهلي، يُسَمِّنُونِي ما بدا لهم حتى إذا كنتُ أسْمَنَ ما أكونُ زارهم بعضُ ما يُحبُّون فجعلوا بعضي شواءً، و يعطونّي قَديداً ثمّ أكلوني
      (تابع الهامش في الصفحة التالية...)

معرفة الإمام ج۱۳

290
  • ...۱

    1. (... تتمة الهامش من الصفحة السابقة)
      و أخرجوني عَذَرَةً و لم أكُنْ بَشَراً.
      و كذلك روى ابن تيميّة في «منهاج السنّة» ج ٣، ص ۱٢۰، و محبّ الدين الطبريّ في «الرياض النضرة» ج ۱، ص ۱٣٤، بشأن أبي بكر أنّه لمّا وقع نظره على طائر على شجرة قال: طُوبَى لك يا طائر، تأكل الثمر، و تقعُ على الشَّجر، و ما من حساب و لا عقاب عليك، لوددتُ أنّي شجرة على جانب الطريق مرّ عَلَيّ جَمَلٌ فَأكلني و أخرجني في بَعْره و لم أكُنْ مِنَ البَشَرِ.
      و روى ابن تيميّة و محبّ الدين الطبريّ أيضاً في كتابيهما المذكورين، و في هذين الموضعين بشأن أبي بكر أنّه قال في وقت آخر: ليتَ امِّي لم تَلِدني، ليتني كنتُ تِبْنَةً في لِبْنَةٍ.
      و روى البخاريّ في صحيحه: ج ۱، ص ٥٤، عن أنَس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله للأنصار: إنَّكم سَتَرَوْنَ بعدي أثَرَةً شديدةً، فاصبروا حتى تلقوا الله و رسوله على الحوض. قال أنَس: فلم نصبر.
      و فيه: ج ٢، ص ۱٣٥، عن العلاء بن المُسَيِّب، عن أبيه قال: رأيتُ البراء بن عازب فقلتُ له: طوبى لك صَحِبْتَ النبيّ صلى الله عليه و آله و بايعتَه تحت الشجرة. فقال: يا بن أخي! إنك لا تدري ما أحدثناه بَعْده! و حينئذٍ نرى أنّ هذا الصحابيّ الجليل الذي كان من السابقين الأوّلين الذين بايعوا رسول الله تحت الشجرة، و رضي الله عنهم، و اطّلع على قلوبهم، و أثابهم فتحاً قريباً يشهد على نفسه و على أصحابه: أنّهم أبدعوا في الدين بعد النبيّ، و اجترحوا الأعمال المخالفة للسُّنّة. و هذه الشهادة مصداق الخبر النبويّ، إذ أنبأ صلى الله عليه و آله أصحابه بأنّهم سيُحدثون بعده و يأتون بأعمال مبتدعة، و يقترفون ما لا يُحْمَد و لا يُرغَبُ فيه، و يرتدّون إلى الجاهليّة القهقرى. و في هذه الحالة هل يتسنّى لِذي لُبّ أن يخال الصحابة كلّهم عدولًا أتقياء، كما يذهب أهل السنّة إلى ذلك؟! إنّه كلام يخالف العقل و يوصد الطريق أمام المتتبّع الذي يروم بلوغ الحقيقة و الواقع.
      روى الشيخ المفيد في أماليهـ طبعة جماعة المدرّسين بقم، ص ٥۰، ٥۱ - بسنده المتّصل عن عثمان بن عفان أنّه قال: أنا آخر الناس عهداً بعمر بن الخطّاب، دخلتُ عليه و رأسه في حجر ابنه عبد الله و هو مَلُول (في بعض النسخ: و هو يُوَلْوِل). فقال له: ضَع خدّي بالأرض، فأبى عبد الله. فقال له: ضع خدّي بالأرض، لا امَّ لك. فوضع خدّه على الأرض. فجعل يقول: وَيْلَ امِّي، وَيْلَ امِّي إن لم تغفر لي، فلم يزل يقولها حتى خرجت نفسه.

معرفة الإمام ج۱۳

291
  • قال العلّامة: و هذا الحديث أيضاً من المشهورات، رواه الفريقان في صحاحهم و جوامعهم عن عدّة من الصحابة كابن مسعود، و أنَس، و سهل بن ساعد، و أبي هريرة، و أبي سعيد الخُدريّ، و عائشة، و امّ سلمة، و أسماء ابنة أبي بكر، و غيرهم، و عن بعض أئمّة أهل البيت عليهم السلام.۱

    1. ذكر السيّد ابن طاووس في كتاب «الطرائف» ص ٣۷٦ و ٣۷۷، طبعة خيّام بقم، أنّ عبد المحمود ۱ قال: و ما رأيتُ من تكذيب هؤلاء الأربعة المذاهب لأنفسهم و دينهم و لكثير من صحابة نبيّهم جملة و تفصيلًا، و شهادتهم أنّ نبيّهم ذمّهم و شهد عليهم بالضلال ما رواه الحميديّ في «الجمع بين الصحيحين» أيضاً في «مسند سهل بن سعد» في الحديث الثامن و العشرين من المتّفق عليه، قال: سمعتُ النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم يقول: أنَا فَرَطُكُمْ على الحَوْضِ، مَنْ وَرَدَ شَرِبَ، وَ مَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأ أبَداً، وَ لَيَرِدَنَّ عَلَيّ أقْوَامٌ أعْرِفُهُمْ وَ يَعْرِفُونِّي ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَ بَيْنَهُمْ.
      يقول أبو حازم‌ [راوي هذا الحديث عن سهل بن سعد الساعديّ‌]: فسمع النعمان بن أبي عيّاش و أنا أحدّثهم هذا الحديث، فقال: هكذا سمعتَ سهلًا يقول؟! قال، فقلتُ: نَعَم. قال: و أنا أشهد على أبي سعيد الخدريّ لَسمعته يزيد فيقول: إنَّهُمْ امَّتي! فَيُقَال: إنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ؟! فَأقُولُ: سُحْقاً سُحْقاً لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي وَ غَيَّرَ.[٢]
      و من ذلك ما رواه الحميديّ في «الجمع بين الصحيحين» في الحديث الستّين من المتّفق عليه من «مسند ابن عبّاس» ٣ قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: ألَا إنَّهُ سَيُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ امَّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشَّمَالِ (كناية عن الشقاء و جهنّم)، فَأقُولُ: يَا رَبِّ أصْحَابِي، فَيُقَالُ: إنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ؟! فَأقُولُ كَمَا قَالَ العَبْدُ الصَّالِحُ، ٤: «وَ كُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَ أنتَ عَلَى كُلِّ شَيْ‌ءٍ شَهِيدٌ، إن تُعَذِّبْهُمْ فَإنَّهُمْ عِبَادُكَ وَ إن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإنَّكَ أنتَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ». ٥ قَالَ: فَيُقَالُ لي: إنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ على أعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُم. ٦
      و من ذلك ما رواه الحميديّ في «الجمع بين الصحيحين» في الحديث الحادي و الثلاثين بعد المائة من المتّفق عليه من «مسند أنس» قال: قال رسول الله صلى الله عليه
      (تابع الهامش في الصفحة التالية...)

معرفة الإمام ج۱۳

292
  • ...۱

    1. (... تتمة الهامش من الصفحة السابقة)
      و آله: لَيَرِدَنَّ عَلَيّ الحَوْضُ رِجَالٌ مِمَّنْ صَاحَبَنِي، حتى إذَا رَأيْتُهُمْ وَ رُفِعُوا إلَيّ اخْتُلِجُوا دُونِي، فَلأقُولَنَّ: أي رَبِّ أصْحَابِي! أصْحَابِي! فَلَيُقَالَنَّ لي: إنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ؟ ۷
      و من ذلك ما رواه الحميديّ في «الجمع بين الصحيحين» في الحديث السابع و الستّين بعد المائتين من المتّفق عليه من «مسند أبي هريرة» عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: بَيْنَمَا أنَا قَائِمٌ فَإذَا زُمْرَةٌ، حتى إذَا عَرَفْتَهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي وَ بَيْنِهِمْ فَقَالَ: هَلُمَّ، فَقُلْتُ: إلى أيْنَ؟ قَالَ: إلى النَّارِ وَ اللهِ. قُلْتُ: مَا شَأنُهُمْ؟ قَالَ: إنَّهُمُ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ على أدْبَارِهِمُ القَهْقَرَى. ثُمَّ إذا زُمْرَةٌ حتى إذا عَرَفْتَهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي وَ بَيْنِهِمْ فَقَالَ: هَلُمَّ، فَقُلْتُ: إلى أيْنَ؟! فَقَالَ: إلى النَّارِ وَ اللهِ. قُلْتُ: مَا شَأنُهُمْ؟ قَالَ: إنَّهُمُ ارْتَدُّوا على أدْبَارِهِمُ القَهْقَرَى، فَلَا أرَاهُ يُخَلِّصُ مِنْهُمْ إلَّا مِثْلَ هَمَلِ النَّعَمِ. ۸
      و رووا مثل ذلك من عدّة طرق من «مسند عائشة». و رووا نحو ذلك من عدّة طرق من «مسند أسماء بنت أبي بكر». و رووا نحو ذلك من عدّة طرق من «مسند امّ سلمة». و رووا نحو ذلك من «مسند سعيد بن المسيِّب». و جميع هذه الروايات في «الجمع بين الصحيحين» للحميديّ.
      و من ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في «مسند عبد الله بن مسعود» قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: أنَا فَرَطُكُمْ على الحَوْضِ، وَ لَيُرْفَعَنَّ إلَيّ رِجَالٌ مِنْكُمْ حتى إذَا أهْوَيْتُ إلَيْهِمْ لُانَاوِلَهُمُ اخْتُلِجُوا دُونِي. فَأقُولُ: أي رَبِّ أصْحَابِي! فَيُقَالُ: إنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ؟! ٩
      و روى نحوه الحميديّ في «مسند حُذيفة بن اليمان» في الحديث السابع من المتّفق عليه. ۱۰، ۱۱
      قال الملّا عليّ المتّقي في «كنز العمّال» ج ۱۱، ص ۱۷٦ و ۱۷۷، طبعة بيروت، في الأحاديث من ٣۱۱۱٢ إلى ٣۱۱۱٥ بالترتيب: قال رسول الله: أنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ أقُولُ: اتَّقُوا النَّارَ! اتَّقُوا الحُدُودَ! فَإذَا مُتُّ تَركتكم، وَ أنَا فَرَطُكمْ على الحَوْضِ، فمن ورد فقد أفْلَحَ! فيؤتى بِأقوامٍ فَيُؤخَذُ بهم ذاتَ الشمال فأقول: يا ربّ امّتي، فيقول: إنَّهُمْ لم يزالوا بعدك يرتدّوا على أعقابهم. (أحمد بن حنبل في «المسند»، و الطبرانيّ في «المعجم الكبير»، و أبو نصر السجزيّ في «الإبانة» عن ابن عبّاس).
      (تابع الهامش في الصفحة التالية...)

معرفة الإمام ج۱۳

293
  • ...۱

    1. (... تتمة الهامش من الصفحة السابقة)
      أنَا آخذ بحُجَزكم عن النار. أقول: إيّاكم و جهنّم! إيّاكم و الحدودَ؛ فإذا مُتُّ فأنا فرطكم، و موعدكم الحوض. فمن ورد فقد أفلح. و يأتي قوم فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: يا ربّ! امّتي. فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك مرتدّين على أعقابهم (الطبرانيّ في «المعجم الكبير» عن ابن عبّاس).
      أنا فرطكم على الحوض أنتظر من يرد عَلَيّ منكم، فلا الفينَّ ما نوزعتُ في أحدكم فأقول: إنّه من امّتي فيقال: لا تدري ما أحدث بعدك. (طس، ق - عن أبي الدرداء).
      ألا ما بال أقوام يزعمون أنّ رحمي لا تنفع، و الذي نفسي بيده إنّ رحمي لموصولة في الدنيا و الآخرة. ألا و إنّي فَرَطكم -أيّها الناس- على الحوض، ألا و سيجي‌ء أقوام يوم القيامة فيقول القائل منهم: يا رسول الله! أنا فلان بن فلان، فأقول: أمّا النَّسب فقد عرفتُ و لكنّكم ارتَددْتم بعدي و رجعتم القهقرى (ط، حم و عبد بن حميد، ع، ل، ش - عن أبي سعيد).
      قال السيّد عبد الحسين شرف الدين العامليّ في «الفصول المهمّة» ص ۱٩۱، الطبعة الثانية، بعد نقل عدد من الأخبار في هذا المعنى: أخرج البخاريّ في باب الحوض عن أسماء ابنة أبي بكر قالت: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: إنِّي على الحَوْضِ حتى أنْظُرَ مَنْ يَرِدُ عَلَيّ مِنْكُمْ، وَ سَيُؤْخَذُ نَاسٌ دُونِي فَأقُولُ: يَا رَبِّ مِنِّي وَ مِنْ امَّتي! فَيُقَالُ: هَلْ شَعَرْتَ مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ؟! وَ اللهِ مَا بَرِحُوا يَرْجِعُونَ على أعْقَابِهِم. قَالَ البُخَارِيّ: فَكَانَ ابْنُ أبِي مَلِيكَةَ يَقُولُ: اللَهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ أنْ نَرْجِعَ على أعْقَابِنَا وَ نُفْتَنَ عَنْ دِينِنَا - انتهى.
      قال آية الله العامليّ رحمه الله هنا بعد نقل خبرين آخرين: و من وقف على ما أخرجه الإمام أحمد من حديث أبي الطفيل في آخر الجزء الخامس من مسنده، يعلم أنّ فيهم قوماً دحرجوا الدبّاب ۱٢ ليلة العقبة لينفروا برسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم ناقته وَ هَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَ مَا نَقَمُوا إلآ أنْ أغْنَاهُمُ اللهُ وَ رَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ. ۱٣ و من تلا سورة التوبة، يعلم بأنّهم ابتغوا الفتنة من قبل، و قلّبوا الامور لرسول الله صلى الله عليه و آله حتى جاء الحق و ظهر أمر الله و هم كارهون. ۱٤ وَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَ ما هُمْ مِنْكُمْ وَ لكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ ، لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَ هُمْ يَجْمَحُونَ‌۱٥ وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ رَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ ، أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ
      (تابع الهامش في الصفحة التالية...)

معرفة الإمام ج۱۳

294
  • ...۱

    1. (... تتمة الهامش من الصفحة السابقة)
      وَ رَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ ۱٦وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ قُلْ أَ بِاللَّهِ وَ آياتِهِ وَ رَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ ۱۷ وَ مِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَ لَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ ، فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَ تَوَلَّوْا وَ هُمْ مُعْرِضُونَ ، فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى‌ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ‌۱۸ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ، اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ‌۱٩وَ لا تُصَلِّ عَلى‌ أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَ لا تَقُمْ عَلى‌ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ ماتُوا وَ هُمْ فاسِقُونَ ، وَ لا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَ أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ كافِرُونَ ، وَ إِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَ جاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَ قالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ ، رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَ طُبِعَ عَلى‌ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ٢۰ سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ، يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى‌ عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ٢۱ ، إلى آخر السورة الدالّة على فشوّ النفاق فيهم.
      فما أدري كيف صار كلّ من كانت له صحبة ثقة عدلًا بمجرّد أن مات رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم؟! وَ مَا مُحَمَّدٌ إلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أ فَأين ماتَ أوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ على أعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ على عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئا وَ سَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ. ٢٢
      الذين شكروا نعمة الرسالة فلم ينقلبوا، و لم يحدثوا بعد الرسول صلى الله عليه و آله حدثاً، و لم يغيِّروا و لم يبدِّلوا و استقاموا على ما أمرهم الله تعالى به و رسوله وَ اولَئكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَ اولَئكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ، أعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَأ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. ٢٣ و هم في غنى عن مدحة المادحين، و تقريظ الواصفين، بما لهم من تأييد الدين، و نشر دعوة الحقّ المبين. فمودّتهم واجبة، و الدعاء لهم فريضة. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَ لإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَ لَا تَجْعَلْ في قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَا إنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ. ٢٤
      (تابع الهامش في الصفحة التالية...)

معرفة الإمام ج۱۳

295
  • ...۱

    1. ‌(... تتمة الهامش من الصفحة السابقة)
      إلى هنا انتهى كلام العلّامة السيّد شرف الدين في ص ۱٩٤، من «الفصول المهمّة» و هو في آخر هذا الكتاب الثمين النفيس. و قال رحمه الله في ص ٢٢٢ من كتابه الآخر: «الكلمة الغرّاء في تفضيل الزهراء» الملحق بالكتاب السابق: و إنّما دخل البلاء باعتماد الجمهور على كلّ من كان في الصدر الأوّل، و بنائهم على عدالة كلّ فرد ممّن كانت له صحبة، مع ما يتلونه في الكتاب و السنّة من شئون المنافقين، و تربّصهم الدوائر بسيّد الأنبياء و المرسلين. و حسبهم من الكتاب سورتا التوبة و الأحزاب، فإنّ فيهما الذكرى لُاولي الألباب. وَ مِنْ أهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا على النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ. ٢٥ و اشتدّ البلاء بالمنع من الخوض في تلك الأحوال، و سدّهم باب البحث عن حقائق اولئك الرجال فضيّعوا على أنفسهم كثيراً من الحقائق.
      ----------------------------------------------------------
      [۱] المقصود من عبدالمحمود هو نفسه. وأنّي قال في طرائفه: عبدالمحمود فإنّما يريد نفسه.
      [٢] «صحيح مسلم» ج ٤، ص ۱۷٩٣؛ و«صحیح البخاری»: الجزء الثامنلإ ص ٢٦، والجزء السابع، ص ٢۰۸؛ وكذالك رواه آية الله السيّد شرف الدين العاملي في «الفصول سعد» و وضع في آخره علامة (اهـ).
      [٣] وأخرج البخاريّ مثل هذا الحديث في المفاد، في اوّل باب قوله تعالي: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا من كتاب بدء الخلق، من الجزء الثاني من صحيحه، عن ابن عباس، عن النبيّ صلي الله عليه و آله و سلّم قال: إنّكم تُحْشَرُونَ حُفَاةً، عُرَاةً، غُرْلًا، ثُمَّ قَرَأَ: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ، وأوَّلُ مَن يُكْسَى يوم القيامة إِبْرَاهِيمُ، وإن اُناساً مِن أَصْحَابِي یؤخذ بهم ذَاتَ الشِّمَالِ، فأقُولُ: أَصْحَابِي! أَصْحَابِي! فيُقَالُ: إنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ علَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ، فأقُولُ كما قالَ العَبْدُ الصَّالِحُ عِيسَى ابنُ مَرْيَمَ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ -الي قوله- الْحَكِيمُ} («الفصول المهمّة» ص ۱٩٢، الطبعة الثانية).
      [٤] أي: عيسي ابن مريم عليه السلام.
      [٥] الآيتان ۱۱۷ و ۱۱۸، من السورة ٥: المائدة، ضمن الآيات الأخيرة في سورة المائدة. وهذا الجواب هو جواب عيسي ابن مريم لله يوم القيامة، إذ يؤاخذه الله علی
      (تابع الهامش في الصفحة التالية...)

معرفة الإمام ج۱۳

296
  • ...۱

    1. ‌(... تتمة الهامش من الصفحة السابقة)
      اتّخاذ امَّتِه إيّاه و امَّهُ مريم إلهين من دون الله. فيجيبه بهذا الجواب. و الحقّ أنّه جواب رصين قويم. و كلّما كان يتلو علينا سماحة استاذنا الفقيد العلّامة الفذّ الفريد آية الله العظمى السيّد محمّد حسين الطباطبائيّ التبريزيّ أفاض الله علينا من بركات رمسه هذه الآيات، كان يغرق في عالم من الوجد و السرور، و يتغيّر حاله حتى يرى ذلك على قسمات وجهه. و كان يقول: في هذه الآيات القرآنيّة من قوله: وَ إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ‌ إلى آخر السورة، نكات بديعة في أدب العبوديّة. و قد بلغ القرآن الكريم بالموضوع ذروته حقّاً.
      [٦] «صحيح مسلم» ج ٤، ص ٢۱٩٥، كتاب الجنّة.
      [۷]«صحيح مسلم» ج ٤، ص ۱۸۰۰؛ و «صحيح البخاريّ» ج ۷، ص ٢۰۷.
      [۸] «صحيح البخاريّ»، ج ۷، ص ٢۰۸.
      [٩] «مسند أحمد بن حنبل» ج ۱، ص ٢٥٣ و ٢٥۸.
      [۱۰] يُنظَر: «صحيح مسلم» ج ٤، ص ۱۷٩٦.
      [۱۱]كما قلنا في صدر التعليقة، فإنّ هذه الأحاديث كلّها نقلناها عن كتاب «الطرائف» للسيّد ابن طاووس رحمة الله عليه، طبعة مطبعة الخيّام، قم، ص ٣۷٦ إلى ٣۷۸.
      [۱٢] الدبّاب المدرّعة سابقاً و كانت تصنع على شكل حجيرة من الجلد الصلب القويّ. كان يدخل فيها الأشخاص كي لا تصلهم السهام و الحِراب و الأحجار. فإذا أرادوا فتح قلعة أو حصن، كانوا يجعلون الدبّاب إلى جانب القلعة أو الحصن متّصلًا بجدارهما فيثقبون الجدار و يدخلون القلعة أو الحصن دون أن يراهم أحد و يباغتونهم بالهجوم.
      [۱٣] الآية ۷٤، من السورة ٩: التوبة.
      [۱٤] اقتباس من الآية ٤۸، من السورة ٩: التوبة.
      [۱٥] الآيتان ٥٦ و ٥۷، من السورة ٩: التوبة.
      [۱٦] الآيات ٦۱ إلى ٦٣، من السورة ٩: التوبة.
      [۱۷] الآية ٦٥، من السورة ٩: التوبة.
      [۱۸] الآيات ۷٥ إلى ۷۷، من السورة ٩: التوبة.
      [۱٩] الآيتان ۷٩ و ۸۰، من السورة ٩: التوبة.
      [٢۰] الآيات ۸٤ إلى ۸۷، من السورة ٩: التوبة.
      [٢۱] الآيتان ٩٥ و ٩٦، من السورة ٩: التوبة.
      [٢٢] الآية ۱٤٤، من السورة ٣: آل عمران.
      [٢٣] الآيتان ۸۸ و ۸٩، من السورة ٩: التوبة.
      [٢٤] الآية ۱۰، من السورة ٥٩: الحشر.
      [٢٥] الآية ۱۰۱، من السورة ٩: التوبة.

معرفة الإمام ج۱۳

297
  • و الروايات على كثرتها و تفنّنها تصدّق ما استفدناه من ظاهر الآيات الكريمة، و توالى الحوادث و الفتن بعد وفاة الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله يصدّق الروايات.

  • لزوم معرفة الإمام المعصوم و اتّباعه‌

  • و في تفسير «الدرّ المنثور» أخرج الحاكم و صحّحه عن ابن عمر أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم قال: مَنْ خَرَجَ مِنَ الجَمَاعَةِ قَيْدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ حتى يُرَاجِعَهُ، وَ مَنْ مَاتَ وَ لَيْسَ عَلَيْهِ إمَامُ جَمَاعَةٍ فَإنَّ مَوْتَتَهُ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً.

  • قال العلّامة: و الرواية أيضاً من المشهورات مضموناً، و قد روى الفريقان عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال: مَن مَاتَ وَ لَمْ يَعْرِفْ إمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً.

  • و عن «جامع الاصول» عن الترمذيّ و «سنن أبي داود» عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال: لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ امَّتِي عَلَى الحَقِّ.

  • و في تفسير «مجمع البيان» في قوله تعالى: أَ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ‌، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: هُمْ أهْلُ البِدَعِ وَ الأهْوَاءِ وَ الآرَاءِ البَاطِلَةِ مِنْ هَذِهِ الامَّةِ.۱

    1. روى في «غاية المرام» ص ٢٢۷، الحديث ٣۸ عن الخاصّة، عن «تفسير عليّ بن إبراهيم» بسنده المتّصل عن أبي ذرّ الغفاريّ قال: لمّا نزلت الآية: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ. قال رسول الله صلى الله عليه و آله: ترد عَلَيّ امَّتي يوم القيامة على خمس رايات: فراية مع عجل هذه الامّة ...، و راية مع فرعون هذه الامّة، و راية مع سامريّ هذه الامّة، و راية مع ذي الثديّة رأس الخوارج، و كلّهم يذهبون إلى جهنّم ظامئين حرّى الأكباد. و راية مع إمام المتّقين أمير المؤمنين. هذه الرواية رائعة و مفصّلة و قد ذكرناها هنا على نحو الاختصار. و جاء في «كتاب سُليم بن قيس الهلاليّ الكوفيّ» ص ٩٢ و ٩٣، الطبعة الثالثة، النجف، أنّ عليّاً عليه السلام قال: إنّ الناس كلّهم ارتدّوا بعد رسول الله صلى الله عليه و آله غير أربعة. إنّ الناس صاروا بعد رسول الله بمنزلة هارون و من تبعه، و منزلة العجل و من تبعه. فعليّ في شبه هارون و عتيق في شبه العجل، و عمر في شبه السامريّ. و سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: ليجيئنّ قوم من أصحابي من أهل العلية و المكانة منّي ليمرّوا على الصراط، فإذا رأيتهم و رأوني و عرفتهم و عرفوني اختلجوا دوني، فأقول: ربّ أصحابي أصحابي! فيقال: ما تدري ما أحدثوا بعدك!! إنّهم ارتدّوا على أدبارهم حيث فارقتهم فأقول: بُعداً و سحقاً. و سمعتُ رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: لتركبنّ امّتي سنّة بني إسرائيل حذو النعل بالنعل و حذو القُذَّة بالقُذَّة، شبراً بشبر، و ذراعاً بذراع، و باعاً بباع، حتى لو دخلوا جُحراً لَدَخَلوا فيه معهم. إنّ التوراة و القرآن كَتَبه مَلَكٌ واحد في رقٍّ بقلم واحد و جرت الأمثال و السنن سواء.

معرفة الإمام ج۱۳

298
  • و فيه، و في «تفسير العيّاشيّ» في قوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ‌، عن أبي عمرو الزبيريّ، عن الصادق عليه السلام قال: يَعْني الامّة التي وَجَبَتْ لَهَا دَعْوَةُ إبْراهيمَ، وَ هُمْ الامَّةُ التي بَعَثَ اللهُ فِيهَا وَ مِنْهَا وَ إلَيْهَا، وَ هُمُ الامَّةُ الوُسْطَى، وَ هُمْ خَيْرُ امَّةٍ اخْرِجَتْ لِلنَّاسِ.

  • قال العلّامة: و قد مرّ الكلام في توضيح معنى الرواية في تفسير قوله تعالى: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ.۱

  • و في تفسير «الدرّ المنثور» أخرج ابن أبي حاتم عن أبي جعفر كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ‌ قال:

    1. دعاء إبراهيم عليه السلام عند ما كان يبني قواعد بيت الله الحرام مع ابنه إسماعيل عليه السلام: رَبَّنَا وَ اجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَ مِن ذُرِّيَّتِنَا امَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَ أرِنَا مَنَاسِكَنَا وَ تُبْ عَلَيْنَا إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.

معرفة الإمام ج۱۳

299
  • أهْلُ بَيْتِ النَّبِيّ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ.۱

  • نتائج تفسير العلّامة الطباطبائيّ رحمه الله من الآيات في الثقلين‌

  • نقلناه هذا البحث من تفسير سماحة الاستاذ روحي له الفداء ليتّضح قول الآيات و الروايات المسلَّمة الصحيحة المتقنة في الثقلين، و في مخالفي الإمامة. و أنّ الذين تحمّسوا للإسلام بعد الرسول الأكرم لم يكن عملهم إلّا من وحي هوى النفس الأمّارة و اتّباعها، و حبّ الرئاسة، و شهوة التسلّط و التحكّم في إطار الخلافة.

  • لقد كان سماحة العلّامة في هذه البحوث و بياناته لروايات العامّة الصحيحة قد عرض كتاب درس، و تفسير، و بيان، و تأريخ بنحو مجمل. و نحن أيضاً أوردناه فيما مرّ حرفيّاً لأهمّيّته.

  • أوّلًا: بيّن أنّ الاعتصام بالله يتجسّد في ظلّ التمسّك بكتاب الله و سنّة رسول الله. و لا طائل في الاعتصام بالله دون التمسّك بهذين الظهورين من الله. و آيات الله في كتابه الحكيم تُحيل المسلمين إلى السنّة النبويّة. و السُّنّة توطّد قواعد الكتاب و اسسه. فالتمسّك بالكتاب، و ترك السُّنَّة، و الاكتفاء، بقولهم: حَسْبُنَا كِتَابُ اللهِ أباطيل و أراجيف لم تسمع تحت هذه السماء الزرقاء إلّا من الشيطان و أعوانه.

  • إنّ هذين الظهورين حبلان متّصلان بالله و بخلقه. و لا مفهوم و لا مفاد لمسند المؤمن المسلم في طريق معرفة الله و الإسلام الحقيقيّ و الاعتصام بالذات الأحديّة ما لم يكن الكتاب و الإمام موجودين.

  • ثانياً: المراد في قوله تعالى: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا: الإمام، إذ ينبغي أن يلتفّ حوله المسلمون جميعهم. و هو الذي يقيم الكتاب و السنّة. و هو الذي يحفظ جماعة الإسلام وفقاً لميزان الكتاب‌

    1. «الميزان في تفسير القرآن» ج ٣، ص ٤۱۷ إلى ٤٢۱.

معرفة الإمام ج۱۳

300
  • و التوحيد و درايته و معرفته و ولايته. و هو سرّ رسول الله، و الارتباط به ارتباط بالإسلام و روح النبوّة. و هذا هو المراد من لفظ «جميعاً» في الآية، و لفظ «الجماعة» في الرواية، لا المراد ذلك الإنسان الذي يتربّع على أريكة الخلافة غاصباً منطلقاً من الهوى و الهوس، و يجمع حوله الامّة بجهل. ثمّ يضع لها اسم الجماعة مجازاً و انتحالًا و زيفاً، و يعدّ الأصحاب الحقيقيّين لهذه الجماعة في زمرة المتمرّدين و المنعزلين عن الجماعة لقلّة عددهم، و عدم انضوائهم تحت لواء فئته، و يهاجمهم و يُظهرهم مخالفين للجماعة بهذه الحربة المجازية التي اختطفها سارقاً.

  • إرجعوا البصر في هذه الجمل القصيرة لينكشف لكم كتاب من الأسرار و الرموز و الغوامض.

  • ثالثاً: أنّ الدعاء الذي دعا به إبراهيم عليه السلام و استجيب له حين طلب من الله أن يجعل من ذرّيّته امّة مسلمة، لا يقصد منه ظاهر الإسلام، فيشمل من كان مسلماً لفظاً، و إن كان في باطنه ملوّثاً و مغشوشاً و مصاباً بالأدواء النفسيّة و الغرور و حبّ الجاه و الآمال الطويلة العريضة. فهؤلاء الموصوفون بالنفاق لا يمكن أن يكونوا هم المقصودين في دعائه. فالمراد من الامّة المسلمة أهل البيت و الأئمّة الطاهرون سلام الله عليهم أجمعين.

  • رابعاً: حقيقة الإسلام في الولاية. و من لم يعرف الإمام فليس بمسلم، و يدلّ الحديث القائل: مَنْ مَاتَ وَ لَمْ يَعْرِفْ إمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً جَيّداً على أنّ أهل الجاهليّة الذين لم ينالوا حظّاً من الإسلام، إنّما كانوا كذلك لجهلهم بروح النبوّة و الولاية. و هذا المعنى عينه كامن في المسلم الذي لا يعرف الإمام.

  • خامساً: و يدلّ أيضاً على أنّ الإمام موجود في كلّ زمان، و أنّ طائفة من الامّة على الحقّ، و إن كانوا أقلّيّة، و أنّ الأرض لا تخلو من حجّة.

معرفة الإمام ج۱۳

301
  • و يُثبت هذا الموضوع وجود إمام العصر و الزمان عليه السلام في عصر الغيبة.

  • سادساً: أنّ الذين خالفوا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم في السُّنَّة لم يقرّوا بوصاية أمير المؤمنين عليه السلام، فلا يُضفي عليهم عنوان الصحابيّ قيمة. و أنّهم لا يردون حوض الكوثر، و لا يشربون من مائه، و ليس لهم نصيب في أقداحه التي عددها كعدد النجوم، و ذلك لمخالفتهم حديث الثقلين الذي يمثّل ركن الإسلام، و إحداثهم ما أحدثوا بعد وفاة رسول الله. و مصيرهم أنّهم يُخْتَطَفُون و يُساقون إلى جهنّم، و يمنَعُون من الحوض و يُطرَدُون من أطرافه. إنّ الجنّة و الكوثر لأصحاب الولاية، أي: اولئكَ الذين أقرّوا بالإمام و الولاية و انشدّوا إلى الثقلين مع إيمانهم بالإسلام و الكتاب.

  • و هذه موضوعات تستفاد من أحاديث الفريقين. و هي موجودة في صحاح العامّة المشهورة.

  • المواقف التي نطق فيها رسول الله بحديث الثقلين‌

  • و الآن علينا أن نرى ما هي الموارد التي صدر فيها هذا الحديث عن الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله؟ إذ إنّ الذي يستشفّ من مضامِينه أنّ الرسول العظيم نطق به في مواطن متنوّعة، كما لاحظنا في الجزء العاشر من كتابنا هذا «معرفة الإمام» أنّه صلى الله عليه و آله نطق بحديث المنزلة: أنْتَ مِنِّي بِمَنزِلَةِ هَارُونَ مِنْ موسى إلَّا أنَّهُ لَا نَبِيّ بَعْدِي‌ في أربعة عشر مقاماً و موقفاً لم تترابط.

  • و قد استقصيتُ بشأن حديث الثقلين ما يربو على عشرة موارد هي كالآتي:

  • المورد الأوّل: المطلقات التي تبيّن هذا الحديث بنحو مطلق بلا تحديدٍ لمقامه و موطنه

  • و هذه المطلقات كثيرة. و لعلّها تزيد على جميع الأحاديث التي دلّت على محلّ و مقام خاصّ له.

معرفة الإمام ج۱۳

302
  • على أنّه ربّما تكون موارد هذه المطلقات الأحاديث التي كانت مقيّدة بمحلّ و موطن خاص، و قد بادر راوي الحديث إلى ذكر أساس الحديث الذي أمر بالتمسّك بالثقلين فحسب، و تغاضى عن ذكر مقامه و موقفه، و في ضوء المنهج الاصولي ينبغي حمل المطلق على المقيّد، كما يمكن أن يكون رسول الله صلى الله عليه و آله قد أمر بالتمسّك بالثقلين في أوقات غير خاصّة و حالات غير محدّدة، في الحضر و السفر، و الخفاء و العلن، و عند بعض الصحابة دون بعض، فتكون -حينئذٍ- أحاديث مستقلّة. و في ضوء ما يقوله الاصوليّون: لا يلزم حمل المطلق على المقيّد، في مثل هذه المقامات. فَنَدَع المطلق و المقيّد كُلًّا في موضعه.۱

  • و نذكر فيما يأتي عدداً من موارد هذه المطلقات:

  • روى أبو سعيد الخُدريّ مرفوعاً:

  • إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ -حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إلَى الأرْضِ- وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، وَ لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.٢

  • و ذكر ابن المغازليّ هذا اللفظ نفسه عن زيد بن أرقم بدون قوله:

    1. و من هذه المطلقات رواية ذكرها الشيخ أبو منصور أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسيّ في كتاب «الاحتجاج» في رسالة الإمام عليّ الهاديّ عليه السلام التي كتبها إلى أهل الأهواز. و هذه الرسالة مفصّلة، و ممّا جاء فيها: مثل الخبر المجمع عليه من رسول الله صلى الله عليه و آله حيث قال: إنّي مستخلف فيكم خليفتين: كتاب الله و عترتي ما إن تمسَّكتم بهما لن تضلّوا بعدي و إنّهما لن يفترقا حتى يردا عَلَيّ الحوض.
      و اللفظة الاخري عنه في هذا المعني بعينه قوله صلى الله عليه و آله: إنِّي تَارِك فيكم الثقلين: كتاب الله و عترتي أهل بيتي و إنّهما لن يفترقا حتى يردا عَلَيّ الحوض ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا («غاية المرام» ص ٢٣٤، الحديث ۸٢، عن الخاصّة).
    2. «ينابيع المودّة»، عن كتاب «مودّة القربي» للسيّد عليّ الهمدانيّ، ص ٢٤٥.

معرفة الإمام ج۱۳

303
  • حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إلَى الأرْضِ.۱

  • و أورده الحمّوئيّ في «فرائد السمطين» بهذا اللفظ عن زيد أرقم، في ثلاثة مواضع عن أبي سعيد الخُدريّ، و في موضع عن أمير المؤمنين عليه السلام، و في آخر عن زيد بن ثابت بهذا اللفظ: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ، وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، ألَا وَ هُمَا الخَلِيفَتَانِ مِنْ بَعْدِي وَ لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.٢

  • و نقله المجلسيّ في «بحار الأنوار» عن «كمال الدين»، و «عيون أخبار الرضا» عن الإمام الرضا عليه السلام. و عن «أمالى الشيخ الطوسيّ» عن أبي سعيد، و عن «معاني الأخبار» روايتان، و عن السيوطيّ، و الطبرانيّ، و سعيد، و أحمد.٣

  • و رواه الملّا عليّ المتّقي الهنديّ في «كنز العمّال»، بتخريج و تصحيح ابن جرير في «تهذيب الآثار».٤

  • و ذكره السيّد محمّد الترمذيّ الحنفيّ في كتاب «الكوكب الدُّرِّيّ» عن «صحيح الترمذيّ» عن زيد بن أرقم بهذا اللفظ.٥

  • و أورده القاضي عياض بن موسى اليحصبيّ في كتاب «الشِّفَا بتعريف حقوق المصطفي» باللفظ الآتي: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إنْ أخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا؟!٦

    1. «مناقب ابن المغازليّ» ص ٢٣٤، الحديث ٢۸۱
    2. «فرائد السمطين» ج ٢، ص ۱٤٢ و ۱٤۷، الباب ٣٣، الأحاديث ٤٢٦ إلى ٤٤۱.
    3. «بحار الأنوار» ج ۷، ص ٣۰ و ٣۱، طبعة الكمبانيّ.
    4. «كنز العمّال» ج ۱، ص ٩٦، طبعة قديمة بالهند.
    5. «الكوكب الدُّرِّيّ» ص ۱۱۱، طبعة لاهور.
    6. «العبقات» ج ۱، ص ٣۷۸، ضمن ترجمة القاضي عياض.

معرفة الإمام ج۱۳

304
  • و عن زيد بن ثابت روايات بهذا اللفظ: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ، وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي ألَا وَ هُمَا الخَلِيفَتَانِ مِنْ بَعْدِي، وَ لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.

  • و بهذا اللفظ: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ خَلِيفَتَيْنِ: كِتَابَ اللهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الأرْضِ، و عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي؛ وَ إنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.

  • و بهذا اللفظ: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، وَ إنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.

  • و ورد باختلاف في اللفظ في اثني عشر كتاباً معتمداً و مهمّاً من كتب العامّة، و هي «فرائد السمطين» للحمّوئيّ، و «مسند أحمد بن حنبل»، و «المعجم الكبير» للطبرانيّ، و «كنز العمّال» للملّا عليّ المتّقي، و «ينابيع المودّة» للقندوزيّ، و «الدّر المنثور»، و «الجامع الصغير»، و «إحياء الميّت» للسيوطيّ، و «جواهر العِقدين» للسمهوديّ، و «استجلاب ارتقاء الغُرف»، و «مفتاح النَّجا» للبَدَخشانيّ، و «وسيلة المآل» لأحمد بن المفَضَّل. و كلّها من المطلقات.

  • و من المطلقات رواية زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عَلَيّ بْنِ أبِي طَالِبٍ أفْضَلَ لَكُمْ مِنْ كِتَابِ اللهِ، لأنَّهُ مُتَرْجِمٌ لَكُمْ عَنْ كِتَابِ اللهِ.۱

    1. «غاية المرام» ص ٢۱٤، الحديث ٢۰، عن العامّة، و لكن بطريق الخاصّة: الفقيه أحمد بن محمّد بن شاذان في «المناقب» المنقبة المائة.
      و من الروايات رواية الصدوق بسنده المتّصل عن الأعمش، عن عطيّة، عن أبي سعيد، و عن حبيب بن أبي ثابت، عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: إنّي قد دُعيتُ و أجبتُ وَ إنِّي تارك فيكم الثقلين، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله عزّ و جلّ حبلٌ ممدودٌ من السماء إلى الأرض، و عترتي أهل بيتي فإنّهما لن يزالا أبداً حتى يردا عَلَيّ الحوض. فانظروا كيف تخلفونّي فيهما؟! (غاية المرام، ص ٢٣٣، الحديث ٦٩، عن الخاصّة).

معرفة الإمام ج۱۳

305
  • و من المطلقات رواية ابن أبي الحديد، قال:

  • قال رسول الله صلى الله عليه و آله:

  • خَلَّفْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي -حَبْلَانِ مَمْدُودانِ مِنَ السَّمَاءِ إلَى الأرْضِ- لَا يَفْتَرِقَانِ حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.

  • ثمّ قال ابن أبي الحديد:

  • فعبّر عن أمير المؤمنين عليه السلام من أهل البيت بلفظ السبب لما كان النبيّ صلى الله عليه و آله قال: «حبلان». و السبب في اللغة الحبل و غيره.

  • و عنى بقوله: امروا بمودّته قوله تعالى: قُل لَا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْرًا إلَّا الْمَوَدَّةَ في الْقُرْبَى.۱

  • المورد الثاني: كلام الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله لوَفْدِ ثقيف‌

    1. «غاية المرام» ص ٢۱٦، الحديث ٣٦، من طرق العامّة، و الآية هي: الآية ٢٣، من السورة ٤٢: الشورى.
      و من المطلقات رواية نقلها الصدوق بسنده المتّصل عن الإمام الرضا عليه السلام، إذ روى عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي، وَ لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ. «غاية المرام» ص ٢٣٤، الحديث ۸۰، عن الخاصّة، و أيضاً روى الكلينيّ بسنده المتّصل عن الباقر عليه السلام أنّه قال في خطبة الجمعة: و قد بلّغ رسول الله صلى الله عليه و آله الذي ارسل به، فالزموا وصيّته و ما ترك فيكم من بعده من الثَّقلين: كتاب الله و أهل بيته الذي لا يضلّ مَن تمسَّك بهما و لا يهتدي مَن تركهما. («غاية المرام»، ص ٢٣٤، الحديث ۸۱، عن الخاصّة).

معرفة الإمام ج۱۳

306
  • (رجال كبار من قبيلة ثقيف دخلوا على النبيّ قادمين من الطائف):

  • روى القندوزيّ الحنفيّ،۱ و شمس الدين السخاويّ الشافعيّ‌٢ بسندهما المتّصل عن عبد الرحمن بن عوف قال: لمّا فتح رسول الله صلى الله عليه و آله مكّة، انصرف إلى الطائف فحاصرها سبع عشرة ليلة أو تسع عشرة،٣ ثُمَّ قَامَ خَطِيباً فَحَمِدَ اللهَ وَ أثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اوصِيكُمْ بِعِتْرَتِي خَيْراً! وَ إنَّ مَوْعِدَكُمُ الحَوْضُ، وَ الذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُقِيمُنَّ الصَّلَاةَ وَ لَتُؤْتُنَّ الزَّكَاةَ أوْ لأبْعَثَنَّ إلَيْكُمْ رَجُلًا كَنَفْسِي يَضْرِبُ أعْنَاقَكُمْ. ثُمَّ أخَذَ بِيَدِ عَلَيّ فَقَالَ: هُوَ هَذَا!

  • و ذكرها ابن حجر الهيتميّ أيضاً بتخريج ابن أبي شيبة، عن عبد الرحمن بن عوف.٤

  • من الجدير ذكره أنّ هذه الخطبة لم تكن في الطائف نفسه، بل كانت بعد الرجوع منه، و عبارة ثُمَّ قَامَ خَطِيباً تعني أنّ هذه الخطبة كانت بعد حصار الطائف، و إن كانت بعد الرجوع. و نصّ على ذلك المرحوم آية الله السيّد عبد الحسين شرف الدين العامليّ حيث قال: وَ تَارَةً بَعْدَ انْصِرَافِهِ مِنَ‌

    1. «ينابيع المودّة» ص ٤۰، بتخريج ابن عقدة، و الحافظ أبي الفتوح العجليّ في كتاب «الموجز»، و الديلميّ، و ابن أبي شيبة، و أبي يعلي عن عبد الرحمن بن عوف.
    2. كتاب «استجلاب ارتقاء الغرف» بتخريج ابن أبي شيبة، و أبي يعلي في مسندهما، و كذلك البزّاز في مسنده، كما نقل العلّامة آية الله مير حامد حسين الهنديّ في عبقاته، ج ٢، ص ٥۸۰ و ٥۸۱.
    3. قال في كتاب «إنسان العيون في سيرة الأمين و المأمون» المعروف بـ «السيرة الحلبيّة» ج ٣، ص ۱٣٣: و كانت مدّة حصار الطائف ثمانية عشر يوماً، أي: غير يَوْمَي الدخول و الخروج.
    4. «الصواعق المحرقة» ص ۷٥.

معرفة الإمام ج۱۳

307
  • الطَّائِفِ.۱

  • و الآن ينبغي أن نلاحظ هل جاءه وفد ثقيف في مكّة حين قدمها لأداء العمرة بعد رجوعه من الطائف إلى الجِعرانة، و منها إلى مكّة، أم كان بعد أداء العمرة و الرجوع إلى المدينة؟

  • و نقل الواقديّ في «المغازي» قصّة ورود وفد ثقيف المدينة برئاسة عَبْديالَيْل و كانوا ستّة إلى ثلاثة عشر، و كان نزولهم في دار المغيرة بن شعبة. و ذكر مفصّلًا إقامتهم، و كيفيّة زيارة رسول الله، و قدومهم إلى المسجد، و مدّة مكوثهم و إقامتهم، و ما تبودل من كلام بينهم.٢

  • و ذهب المؤرّخ الشهير الميرزا محمّد تقي خان سبهر لسان الملك إلى أنّهم حضروا في مكّة بعد رجوعهم من الطائف. و قال: في الخبر أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم حاصر الطائف فَسَألَهُ القَوْمُ أنْ يَبْرَحَ عَنْهُمْ لِيَقْدِمَ عَلَيْهِمْ وَفْدُهُمْ فَيَشْتَرِطُ لَهُ فَيَشْتَرِطُونَ لأنْفُسِهِمْ. فَسَارَ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ حتى نَزَلَ مَكَّةَ فَقَدِمَ عَلَيْهِ نَفَرٌ مِنْهُمْ بِإسْلَامِ قَوْمِهِمْ، وَ لَمْ يَنْجَعِ القَوْمُ لَهُ بِالصَّلَاةِ وَ لَا الزَّكَاةِ. فَقَالَ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: إنَّهُ لَا خَيْرَ في دِينٍ لَا رُكُوعَ فِيهِ وَ لَا سُجُودَ. أمَا وَ الذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُقِيمُنَّ الصَّلَاةَ وَ لَيُؤْتُنَّ الزَّكَاةَ، أوْ لأبْعَثَنَّ إلَيْهِمْ رَجُلًا هُوَ مِنِّي كَنَفْسِي فَلَيَضْرِبَنَّ أعْنَاقَ مُقَاتِلِيهِمْ وَ لَيَسْبِيَنَّ ذَرَارِيهِمْ. هُوَ هَذَا - وَ أخَذَ بِيَدِ عَلِيّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأشَالَهَا.

  • و لمّا علم مبعوثوهم ذلك و أخبروا قومهم، فزعوا فزعاً شديداً، و أقاموا الصلاة و آتوا الزكاة. و حينما عرف النبيّ هذا منهم، قال: مَا اسْتَعْصَى عَلَيّ أهْلُ مَمْلَكَةٍ وَ لَا امَّةٍ إلَّا رَمَيْتُهُمْ بِسَهْمِ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ. فقال‌

    1. «المراجعات» ص ۱٥، الطبعة الأولى.
    2. «المغازي» لمحمّد بن عمر الواقديّ، ج ٣، ص ٩٦٢ إلى ٩۷۰.

معرفة الإمام ج۱۳

308
  • نفر من الصحابة: من هو سهم الله؟

  • قَالَ: عَلِيّ بْنُ أبِي طَالِبٍ! مَا بَعَثْتُهُ في سَرِيَّةٍ إلَّا رَأيْتُ جَبْرَئِيلَ عَنْ يَمِينِهِ وَ مِيكَائِيلَ عَنْ يَسَارِهِ، وَ مَلَكاً أمَامَهُ وَ سَحَابَةً تُظِلُّهُ حتى يُعْطِيَ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ حَبِيبَهُ النَّصْرَ وَ الظَّفَرَ.۱

  • و من هذا المنطلق قال أمير المؤمنين عليه السلام لمن معه يوم الشورى: نَشَدْتُكُمْ بِاللهِ هَلْ فِيكُمْ أحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ: لأبَعَثَنَّ إلَيْكُمْ رَجُلًا امْتَحَنَ اللهُ قَلْبَهُ لِلإيمَانِ غَيْرِي؟! قَالُوا: اللهُمَّ لَا.٢

  • و ذكر الشيخ الطبرسيّ في «الاحتجاج» رواية مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام يوم الشورى بهذا اللفظ نفسه.٣ أمّا في كتاب «الخصال» للشيخ الصدوق فقد روى فيه بإسناده عن عامر بن واثلة أنّه قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام يوم الشورى:

  • نَشَدْتُكُمْ بِاللهِ هلْ فِيكُمْ أحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: «لَتَنْتَهِيَنَّ بَنُو وَلِيعَةَ أوْ لأبْعَثَنَّ إلَيْهِمْ رَجُلًا كَنَفْسِي، طَاعَتُهُ طَاعَتِي وَ مَعْصِيَتُهُ كَمَعْصِيَتِي يَغْشَاهُمْ بِالسَّيْفِ» غَيْرِي؟! قَالُوا: اللَهُمَّ لَا!٤

    1. «ناسخ التواريخ» الجزء الخاصّ بالرسول الأكرم صلى الله عليه و آله، طبعة إسلاميّة، الجزء ٣ من المجلّد الثاني، ص ۱٣٦ و ۱٣۷.
      هذه الرواية من قوله: ما استعصي عَلَيّ أهل مملكة إلى آخرها رواها الحمّوئيّ في «فرائد السمطين» ج ۱، ص ٢٢٢، بسنده المتّصل عن جابر بن عبد الله، عن رسول الله صلى الله عليه و آله. أمّا لفظ: و لا امَّةً، و لفظ: حبيبه، فليسا فيه. (الحديث ۱۷٣ من الباب الثالث و الأربعين من السِّمط الأوّل).
    2. «ناسخ التواريخ» ص ۱٣٤.
    3. «بحار الأنوار» ج ٦، ص ٦۱۷، طبعة الكمبانيّ، أحوال الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله، باب غزوة حُنين و الطائف و أوطاس و ساير الحوادث إلى غزوة تبوك.
    4. المصدر السابق.

معرفة الإمام ج۱۳

309
  • روى الشيخ الطوسيّ في أماليه بسنده المتّصل عن أبي ذرّ الغفاريّ أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله لوفد أهل الطائف عند ما دخلوا عليه: يَا أهْلَ الطَّائِفِ! لَتُقِيمُنَّ الصَّلَاةَ وَ لَتُؤْتُنَّ الزَّكَاةَ أوْ لأبْعَثَنَّ عَلَيْكُمْ رَجُلًا كَنَفْسِي يُحِبُّ اللهَ وَ رَسُولَهُ وَ يُحِبُّهُ اللهُ وَ رَسُولُهُ يَقْصَعُكُمْ بِالسَّيْفِ!

  • فَتَطَاوَلَ لَهَا أصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، فَأخَذَ بِيَدِ عَلِيّ فَأشَالَهَا، ثُمَّ قَالَ: هُوَ هَذَا، فَقَالَ أبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ: مَا رَأيْنَا كَاليَوْمِ في الفَضْلِ قَطُّ.۱

  • قال المجلسيّ رضي الله عنه في بيانه في توضيح معنى القَصْع: شِدَّةُ المَضْغِ؛ وَ قَصَعَ الغُلَامَ -كَمَنَغَ- ضَرَبَ بِبَسْطِ كَفِّهِ عَلَى رَأسِهِ.٢ كناية عن أمير المؤمنين عليه السلام يحطِّمكم و يطحنكم أو يقذفكم بسيفه البتّار و يمطر رؤوسكم بحرابه و أسنّته.

  • و روى المجلسيّ عن السيّد ابن طاووس في «الطرائف» عن أحمد بن حنبل، عن عبد الله بن خطيب‌٣ أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله لوفد ثقيف عند ما دخلوا عليه:

  • لَتُسْلِمُنَّ أوْ لأبْعَثَنَّ إلَيْكُمْ رَجُلًا مِنِّي -أوْ قَالَ: مِثْلَ نَفْسِي- فَلَيَضْرِبَنَّ أعْنَاقَكُمْ وَ لَيَسْبِيَنَّ ذَرَارِيَكُمْ وَ لَيَأخُذَنَّ أمْوَالَكُمْ!

  • قَالَ عُمَرُ: فَوَ اللهِ مَا اشْتَهَيْتُ الإمَارَةَ إلَّا يَوْمَئِذٍ، فَجَعَلْتُ أنْصِبُ‌

    1. «بحار الأنوار» ج ٦، ص ٦۱٦، طبعة الكمبانيّ، في أحوال الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله، و كذلك ذكره في الجزء التاسع منه، ص ٣٣۸ بنفس هذا السند و المتن عن «أمالي الشيخ الطوسيّ» في أحوال أمير المؤمنين عليه السلام، في باب: أنّه كان صلوات الله عليه من أخصّ الناس برسول الله.
    2. «بحار الأنوار» ج ٦، ص ٦۱۷، طبعة الكمبانيّ.
    3. جاء في نسخ «عبقات الأنوار»: عبد الله بن حنطب.

معرفة الإمام ج۱۳

310
  • صَدْرِي لَهُ رَجَاءَ أنْ يَقُولَ هَذَا لي. فَالْتَفَتَ إلَى عَلِيّ فَأخَذَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: هُوَ هَذَا! هُوَ هَذَا! مَرَّتَيْنِ.۱

  • و رواه السيّد هاشم البحرانيّ في «غاية المرام» عن أحمد بن حنبل،٢ و عن «شرح نهج البلاغة» لابن أبي الحديد.٣

  • قال ابن أبي الحديد في شرحه: رواه أحمد بن حنبل في «المسند»، و رواه في كتابه الآخر «فضائل عليّ عليه السلام» أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قال:

  • لَتَنْتَهُنَّ يَا بَنِي وَلِيعَةَ أوْ لأبْعَثَنَّ إلَيْكُمْ رَجُلًا كَنَفْسِي، يُمْضِي فِيكُمْ أمْرِي، يَقْتُلُ المُقَاتِلَةَ وَ يَسْبِي الذُّرِّيَّةَ!

  • قَالَ أبُو ذَرٍّ: فَمَا رَاعَنِي إلَّا بَرْدُ كَفّ عُمَرَ في حَجْرِي مِنْ خَلْفِي يَقُولُ: مَنْ تَرَاهُ؟! فَقُلْتُ: إنَّهُ لَا يَعْنِيكَ! وَ إنَّمَا يَعْنِي خَاصِفَ النَّعْلِ بِالبَيْتِ وَ إنَّهُ قَالَ: هُوَ هَذَا.٤

  • و قال ابن أبي الحديد: روى في الخبر المشهور عن رسول الله صلى الله عليه و آله أنّه قال لبني وليعة: لَتَنْتَهُنَّ يَا بَنِي وَلِيعَةَ أوْ لأبْعَثَنَّ إلَيْكُمْ رَجُلًا عَدِيلَ نَفْسِي، يَقْتُلُ مُقَاتِلَتَكُمْ‌٥ وَ يَسْبِي ذَرَارِيَكُمْ‌.

    1. «بحار الأنوار» ج ٩، ص ٣٣۸، طبعة الكمبانيّ.
    2. «غاية المرام» ص ٤٥٤، الحديث الأوّل، عن العامّة. و ذكر كلمة: نفسي مكان: مثل نفسي. أي: أبعث إليكم نفسي و روحي التي بين جنبيّ.
    3. «غاية المرام» ص ٤٥٥، الحديث العاشر، عن العامّة. و ذكر فيه: عديل نفسي بدل كنفسي. أي: هو من يعادلني.
    4. «غاية المرام» ص ٤٥٥، الحديث الحادي عشر، عن العامّة؛ «خصائص النسائيّ» ص ۱٩، طبعة القاهرة.
    5. المقاتلة: الذين يأخذون في القتال، و التاء للتأنيث علي تأويل الجماعة، و الواحد المقاتل. «أقرب الموارد».

معرفة الإمام ج۱۳

311
  • قَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ: فَمَا تَمَنَّيْتُ الإمَارَةَ إلَّا يَوْمَئِذٍ وَ جَعَلْتُ أنْصِبُ لَهُ صَدْرِي رَجَاءَ أنْ يَقُولَ: هُوَ هَذَا. فَأخَذَ بِيَدِ عَلِيّ عَلَيْهِ السَّلَامُ.۱

  • و روى مضمونه موفّق بن أحمد الخوارزميّ صدر الأئمّة عند العامّة، عن فخر خوارزم أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشريّ بسنده المتّصل عن عبد الله بن حنطب، عن رسول الله صلى الله عليه و آله.٢

  • و روى ابن شهرآشوب عن عبد الله بن شَدَّاد أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قال للوفد الذي دخل عليه: لَتُقِيمُنَّ الصَّلَاةَ وَ تُؤْتُنَّ الزَّكَاةَ أوْ لأبْعَثَنَّ عَلَيْكُمْ رَجُلًا كَنَفْسِي‌. و بهذا اللفظ أبان رسول الله صلى الله عليه و آله ولاية أمير المؤمنين عليه السلام، و أنّه وليّ الامّة من بعده.٣

  • من الجدير ذكره أنّنا جعلنا كلام رسول الله صلى الله عليه و آله في خطابه لوفد ثقيف القادمين من الطائف في عداد أدلّة التمسّك بالثقلين بسبب الروايتين الاولَيين اللتين نقلناهما عن القندوزيّ و السخاويّ، إذ قال صلى الله عليه و آله فيهما: اوصِيكُمْ بِعِتْرَتِي خَيْراً وَ إنَّ مَوْعِدَكُمُ الحَوْضُ.

  • المورد الثالث: خطبة رسول الله بحقّ الثقلين في عرفات‌

  • و خطب الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله في عرفات و منى يوم حجّة الوداع، و أوصى بالتمسّك بالثقلين.

  • المورد الثالث: من موارد توصيته صلى الله عليه و آله بالتمسّك بالثقلين كان في عرفات يوم عرفة من السنة العاشرة للهجرة عند ما نُصبت‌

    1. «غاية المرام» ص ٤٥٥، الحديث الثاني عشر، عن العامّة.
    2. «غاية المرام» ص ٤٥٤، الحديث الثاني، عن العامّة. و في نهاية الحديث قال رسول الله مرّتين: هو هذا.
    3. «المناقب» ج ۱، ص ٣۸٩، الطبعة الحجريّة، عن «فردوس الديلميّ».

معرفة الإمام ج۱۳

312
  • خيمته في نَمِرَة،۱ فأمر بناقته القصواء٢ عند زوال الشمس فركبها حتى بلغ وسط وادي عرفات و خطب في الناس:

  • و هذه الخطبة مفصّلة نوعاً ما، و هي تحتوي على تعاليم و مطالب جديدة ذكرها أعلام و أعيان علماء الخاصّة و العامّة في كتبهم. و نحن أوردناها في دورتنا هذه: «معرفة الإمام».٣

  • قال أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح الكاتب العبّاسيّ المعروف باليعقوبيّ: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: يَا أيُّهَا النَّاسُ! لَعَلَّكُمْ لَا تَلْقَوْنَنِي عَلَى مِثْلِ هَذِهِ، وَ عَلَيْكُمْ هَذَا.

  • و واصل خطبته حتى بلغ قوله: لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً مُضِلِّينَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، إنِّي قَدْ خَلَّفْتُ فِيكُمْ مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي! ألَا هَلْ بَلَّغْتُ؟! قَالُوا: نَعَمْ! قَالَ: اللَهُمَّ اشْهَدْ، ثُمَّ قَالَ: إنَّكُمْ مَسؤُولُونَ فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الغَائِبَ.٤

  • و روى القندوزيّ عن الترمذيّ في باب مناقب أهل البيت بسنده المتّصل عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ [أنّه‌] قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه و آله في حجّته يوم عرفة و هو على ناقته القصواء يخطب‌

    1. نَمِرَة أرض متّصلة بعرفات فيها مسجد نمرة، و ليست من عرفات، و لا وقوف فيها.
    2. جاء في «السيرة الحلبيّة» ج ٣، ص ٢٩۸: القصواء بفتح القاف و المدّ. و قيل: بضمّ القاف و القصر. و هو خطأ. و هذه الناقة غير العضباء و الجدعاء. و في كلام: الأصل أنّ القصواء و العضباء و الجدعاء اسم لناقة واحدة. و فيه ما لا يخفي.
    3. «معرفة الإمام» ج ٦، الدرس ۸٣ إلى ٩۰، عن «تاريخ اليعقوبيّ» ج ٢، ص ٢۰٩ إلى ٢۱٢، طبعة بيروت، سنة ۱٣۷٩ هـ.
    4. «تاريخ اليعقوبيّ» ج ٢، ص ۱۱۱ و ۱۱٢.

معرفة الإمام ج۱۳

313
  • فسمعته يقول: أيُّهَا النَّاسُ! إنِّي تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إنْ أخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي‌! قال القندوزيّ: قال الترمذيّ: و في الباب عن أبي ذرّ، و أبي سعيد، و زيد بن أرقم، و حُذيفة بن اسَيْد.۱

  • و روى القندوزيّ وصيّة رسول الله بالتمسّك بالثقلين في مرض موته و هو على المنبر، بتخريج السيّد أبي الحسين يحيى بن حسن في كتابه «أخبار المدينة» عن محمّد بن عبد الرحمن بن خلّاد، عن جابر بن عبد الله، ثمّ قال: و عن جابر بن عبد الله قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله يوم عرفة و هو على ناقته القصوى يخطب فسمعته يقول: يَا أيُّهَا النَّاسُ! إنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إنْ أخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي. أخرجه الترمذيّ و قال: حسن غريب.٢

  • و أخرج الشيخ عبيد الله الحنفيّ متن هذا الحديث عينه عن الترمذيّ في جامعه، عن جابر.٣ و أخرجه مبارك بن محمّد بن محمّد بن عبد الكريم المعروف بابن الأثير الجزريّ، بتخريج الترمذيّ عن جابر، في كتاب «جامع الاصول».٤ و أخرجه البغويّ أيضاً في «مصابيح السُّنَّة» عن جابر في‌

    1. «ينابيع المودّة» ص ٣۰؛ و قال القندوزيّ: أيضاً أخرجه محمّد بن عليّ الحكم الترمذيّ في كتابه «نوادر الاصول» بلفظه. هكذا في «ينابيع المودّة» و يبدو أنّ الصحيح: (الحكيم).
      و ذكر أبو الفداء ابن كثير الدمشقيّ كلام الترمذيّ نفسه متناً و سنداً في تفسيره في ذيل آية المودّة.
    2. «ينابيع المودّة» ص ٤۱.
    3. «أرجح المطالب» ص ٣٣٥ إلى ٣٤۱، ضمن بيان الأحاديث في هذا الباب، عن «جامع الترمذيّ» ج ٢، ص ٣۰۸.
    4. «العبقات» ج ۱، ص ٤٢٤، ضمن ترجمة ابن الأثير الجزريّ.

معرفة الإمام ج۱۳

314
  • يوم عرفة.۱

  • و قال السخاويّ في «استجلاب ارتقاء الغرف»: و أمّا حديث جابر فقد رواه الترمذيّ في جامعه عن طريق زيد بن حسن الأنماطيّ، عن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه و آله يوم عرفة و هو على ناقة قصواء يخطب في الناس فسمعته يقول: يَا أيُّهَا النَّاسُ! إنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إنْ أخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي‌. و قال الترمذيّ: هَذَا حَسَنٌ غَرِيبٌ.٢

  • و ذكر الزرنديّ الحنفيّ في كتاب «نظم درر السِّمطين» متن هذا الحديث عينه عن جابر في حجّ رسول الله صلى الله عليه و آله في يوم عرفة.٣ و أشار آية الله السيّد عبد الحسين شرف الدين العامليّ إلى هذه الخطبة.٤

  • و روى بعض مؤرّخي العامّة هذه الخطبة عن رسول الله صلى الله عليه و آله في يوم عرفة، بَيدَ أنّهم حذفوا منها قوله: وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، و اكتفوا منها بقوله: وَ قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي إنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ: كِتَابَ اللهِ.٥ و أورد بعضهم كابن هشام في سيرته لفظ: وَ سُنَّةَ نَبِيِّهِ مكان لفظ:

    1. «مصابيح السُّنَّة» ج ٢، ص ٢۰٦.
    2. «العبقات» ج ٢، ص ٥۷۷ و ٥۷۸.
    3. «نظم درر السمطين» ص ٢٣٢، طبعة النجف الأشرف.
    4. «المراجعات» ص ۱٥، الطبعة الأولى.
    5. «البداية و النهاية» ج ٥، ص ۷۰؛ و «سيرة ابن هشام» ج ٤، ص ۱۰٢٢ و ۱۰٢٣؛ و «السيرة الحلبيّة» ج ٣، ص ٢٩۸ و ٢٩٩؛ و «بحار الأنوار» ج ٦، ص ٦٦۸، طبعة الكمبانيّ، عن كتاب «المنتقى»، و «روضة الصفا» ج ٢، حجّة الوداع؛ و «تاريخ الطبريّ» ج ٣، ص ۱٥۰ و ۱٥۱، الطبعة الثانية، دار المعارف؛ و «الوفاء بأحوال المصطفي» ج ۱، ص ٢۱٢؛ و «الكامل في التاريخ» ج ٢، ص ٣۰٢؛ و «حياة محمّد صلى الله عليه و آله» لمحمد حسين هيكل، ص ٤٦۱ إلى ٤٦٣.

معرفة الإمام ج۱۳

315
  • وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي‌ و قالوا: كِتَابَ اللهِ وَ سُنَّةَ نَبِيِّهِ.۱ و من الجلاء بمكان أنّ يد التحريف امتدّت إلى هذه الروايات نكايةً. و ذلك لما يأتي:

  • أوّلًا: ورد في الروايات جميعها قوله: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي. و هذه الطائفة من الروايات بلغت من الكثرة ما يفوق حدّ الإحصاء. و يتّضح من الموازنة بين الروايات كلّها أنّ لفظ: كِتَابَ اللهِ وَ سُنَّتِي لفظ مستنكر كما يبدو للعيان. حتى أنّنا نجد جلال الدين السيوطيّ قد أخرج الحديث في جامعه الصغير عن أحمد بن حنبل، و عن الطبرانيّ في معجمه الكبير، عن زيد بن ثابت باللفظ الآتي: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ خَلِيفَتَيْنِ: كِتَابَ اللهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الأرْضِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي وَ إنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ‌،٢ و لم يذكر لفظاً آخراً غيره.

  • ثانياً: لم يرد في الصحاح الستّة للعامّة لفظ: كِتَابَ اللهِ وَ سُنَّتِي. و انفرد مالك بن أنس بذكره في «الموطّأ» مرسلًا بلا سند متّصل. و أخذ عنه ذلك الطبريّ، و ابن هشام، فنقلاه في كتابَيهما مرسلًا بغير سند أيضاً.

  • ثالثاً: أنّ لفظ سُنَّتي ليس غلطاً أيضاً و إن لم يصدر عن الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله في هذا المقام. و معناه الصحيح العمل بالكلام النبويّ الذي جعل العترة الطاهرة عليهم السلام رصيد الكتاب، و أرشد الامّة إلى أنّ طريق الوصول إلى الكتاب يقتصر على تلك الذوات المقدّسة العالمة العارفة بكتاب الله، و المصونة من الخطأ و الكذب في آنٍ واحد.

    1. «سيرة ابن هشام» ج ٤، ص ۱۰٢٢.
    2. «الجامع الصغير» ص ۱۰٤.

معرفة الإمام ج۱۳

316
  • و ليس معناه أنّ الإنسان يأخذ السنّة النبويّة من حكّام الجور و أعوانهم الذين امتلأت الكتب و الطوامير بذكر مخالفتهم لرسول الله و تمرّدهم على أوامره. و سوّدوا وجه التأريخ بكثرة الإشكالات الفظيعة التي سُجّلت عليهم في مجال العلم بكتاب الله، و صدق الكلام.

  • المورد الرابع: خطبة رسول الله صلى الله عليه و آله في التمسّك بالثقلين في مسجد الخيف يوم عيد الأضحى

  • من الجدير ذكره أنّ أعلام و أساطين علماء الشيعة رضوان الله عليهم أوردوا ثلاث خطب مختلفة المضمون عن الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله في التمسّك بالثقلين، و ذلك في حجّة الوداع بأرض مِني.

  • الاولى: عن الشيخ الأجلّ الأعظم ابن أبي زينب محمّد بن إبراهيم النعمانيّ، أحد أعلام القرن الرابع، ذكرها في كتابه النفيس «الغيبة». قال: أخبرنا محمّد بن هَمّام بن سُهيل قال: حدّثنا أبو عبد الله جعفر بن محمّد الحسينيّ قال: حدّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحميريّ قال: حدّثنا محمّد بن [ي‌] زيد بن عبد الرحمن التيميّ، عن الحسن بن الحسين الأنصاريّ، عن محمّد بن الحسين، عن أبيه، عن جدّه أنّه قال: قال [الإمام‌] عليّ بن الحسين عليهما السلام:

  • كان رسول الله صلى الله عليه و آله ذات يوم جالساً و معه أصحابه في المسجد، فقال:

  • يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا البَابِ رَجُلٌ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ يَسْألُ عَمَّا يَعْنِيهِ.

  • فطلع رجل طويل يُشبّه برجال مُضَر، فتقدّم، فسلّم على رسول الله صلى الله عليه و آله و جلس، فقال: يا رسول الله إنّي سمعت الله عزّ و جلّ‌

معرفة الإمام ج۱۳

317
  • يقول فيما أنزل: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا.۱ فما هذا الحبل الذي أمرنا الله بالاعتصام به و ألّا نتفرّق عنه؟!

  • فأطرق رسول الله صلى الله عليه و آله مليّاً، ثمّ رفع رأسه، و أشار بِيَدِهِ إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام و قال: هَذَا حَبْلُ اللهِ الذي مَنْ تَمَسَّكَ بِهِ عُصِمَ بِهِ في دُنْيَاهُ وَ لَمْ يَضِلَّ بِهِ في آخِرَتِهِ.

  • فوثب الرجل إلى عليّ عليه السلام فاحتضنه من وراء ظهره و هو يقول: اعْتَصَمْتُ بِحَبْلِ اللهِ وَ حَبْلِ رَسُولِهِ. ثمّ قام فولّى و خرج. فقام رجل من الناس فقال: يا رسول الله! ألحقه فأسأله أن يستغفر لي؟! فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: إذاً تَجِدُهُ مُوَفَّقاً.٢ فلحقه الرجل، فسأله أن يستغفر الله له، فقال له: أ فهمتَ ما قال لي رسول الله صلى الله عليه و آله و ما قلتُ له؟ قال: نعم. قال: فإن كنتَ متمسّكاً بذلك الحبل يغفر الله لك، و إلّا فلا يغفر الله لك!

  • و لو لم يدلّنا رسول الله صلى الله عليه و آله على حبل الله الذي أمرنا الله عزّ و جلّ في كتابه بالاعتصام به، و ألّا نتفرّق عنه، لاتّسع للأعداء المعاندين التأوّل فيه و العدول بتأويله و صرفه إلى غير مَن عني الله به، و دلّ عليه رسوله عليه السلام عناداً و حسداً، لكنّه قال صلى الله عليه و آله في خطبته المشهورة التي خطبها في مسجد الخيف في حجّة الوداع:

  • إنِّي فَرَطُكُمْ وَ إنَّكُمْ وَارِدُونَ عَلَيّ الحَوْضَ، حَوْضاً عَرْضُهُ مَا بَيْنَ بُصْرَى إلى صَنْعَاءَ، فِيهِ قِدْحَانٌ عَدَدَ نُجُومِ السَّمَاءِ. ألَا وَ إنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: الثَّقَلُ الأكْبَرُ القُرْآنُ، وَ الثَّقَلُ الأصْغرُ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي. هُمَا حَبْلُ‌

    1. الآية ۱۰٣، من السورة ٣: آل عمران.
    2. جاء في الهامش: في بعض نسخ الحديث: إذاً تَجِدْهُ مُرْفِقاً.

معرفة الإمام ج۱۳

318
  • اللهِ مَمْدُودٌ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ، مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا، سَبَبٌ مِنْهُ بِيَدِ اللهِ، وَ سَبَبٌ [مِنْهُ‌] بِأيْدِيكُمْ.۱

  • إنَّ اللَّطِيفَ الخَبِيرَ قَدْ نَبَّأنِي أنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ كَإصْبَعَيّ هَاتَيْنِ -وَ جَمَعَ بَيْنَ سَبَّابَتَيْهِ- وَ لَا أقُولُ كَهَاتَيْنِ -وَ جَمَعَ بَيْنَ سَبَّابَتِهِ وَ الوُسْطَى- فَتَفْضُلَ هَذِهِ عَلَى هَذِهِ.

  • يقول النعمانيّ بعد بيان هذا الحديث: أرويه بثلاثة أسناد اخرى: الأوّل: عن عبد الواحد بن عبد الله متّصلًا إلى أمير المؤمنين عليه السلام. الثاني: عن عبد الواحد بن عبد الله متّصلًا إلى الصادق عليه السلام. الثالث: عن عبد الواحد بن عبد الله متّصلًا إلى الباقر عليه السلام.٢

  • الثانية: عن الشيخ الأكبر الأعظم سعد بن عبد الله القمّيّ في كتاب «بصائر الدرجات» قال: حدثنا القاسم بن محمّد الإصفهانيّ عن سليمان بن داود المنقريّ المعروف بالشاذ كونيّ عن يحيى بن آدم، عن شريك بن عبد الله، عن جابر بن يزيد الجُعفيّ، عن أبي جعفر (الإمام الباقر) عليه السلام، قال: دعا رسول الله صلى الله عليه و آله الناس بمِنى، فقال: أيُّهَا النَّاسُ! إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، فَإنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.

  • ثُمَّ قَالَ: أيُّهَا النَّاسُ! إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ حُرُمَاتٍ ثَلَاثٍ: كِتَابَ اللهِ عَزَّ

    1. جاء في الهامش: و زاد في نسخة: و في رواية اخرى: طرف بيد الله و طرف بأيديكم.
    2. «الغيبة» للنعمانيّ، في الطبعة الحجريّة: ص ۱٦ إلى ۱۸، و في الطبعة الحديثة، مكتبة الصدوق: ص ٤۱ إلى ٤٣؛ و رواه البحرانيّ في «غاية المرام» ص ٢٢٥، الحديث ٢٢، عن الخاصّة، بالسند الأوّل من الأسناد الثلاثة الاخري التي ذكرها النعمانيّ، نقلًا عن النعمانيّ نفسه.

معرفة الإمام ج۱۳

319
  • وَ جَلَّ وَ عِتْرَتِي وَ الكَعْبَةَ البَيْتَ الحَرَامَ.

  • ثُمَّ قَالَ أبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أمَّا كِتَابُ اللهِ فَحَرَّفُوا، وَ أمَّا الكَعْبَةَ فَهَدَمُوا، وَ أمَّا العِتْرَةَ فَقَتَلُوا، وَ كُلُّ وَ دَايِعَ نَبَذُوا مِنْهَا فَقَدْ نَبَذُوا.۱

  • و روى الشيخ الأقدم أبو جعفر محمّد بن الحسن بن فَرُّوخ الصَّفَّار في «بصائر الدرجات» متن هذه الرواية نفسها عن عليّ بن محمّد، عن القاسم ابن محمّد، عن سليمان بن داود، عن يحيى بن أديم، عن شريك، عن جابر، عن الإمام الباقر عليه السلام.٢

  • الثالثة: عن الشيخ الجليل أبي منصور أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسيّ في كتاب «الاحتجاج» قال: حدّثنا محمّد بن موسى الهمدانيّ، قال: حدّثنا محمّد بن خالد الطَّيَالِسيّ، قال: حدّثنا سيف بن عميرة و صالح ابن عَقَبَة جميعاً عن قيس بن سمعان، عن علقمة بن محمّد الحضرَميّ، عن‌

    1. «غاية المرام» ص ٢٢٤، الحديث ۱۷، عن الخاصّة، عن «بصائر الدرجات» لسعد ابن عبد الله القمّيّ.
    2. «بصائر الدرجات» لمحمّد بن الحسن الصفّار، ص ۱٢۱، مع الفروق الآتية: أوّلًا: تصدّر حرف النداء «الياء» لفظ: أيّها الناس. ثانياً: جاء فيها أما إن تمسّكتم مكان ما إن تمسّكتم. ثالثاً: ورد في آخرها قوله: و كلّ ودائع الله فقد تبرّوا. قال العلّامة الشيخ آغا بزرك الطهرانيّ في «الذريعة» ج ٣، ص ۱٢٥، رقم ٤۱٦: «بصائر الدرجات» لأبي جعفر محمّد بن الحسن بن فرّوخ الصفّار المتوفّى سنة ٢٩۰ هـ. و هو يروي عن الإمام العسكريّ عليه السلام. و قال في ص ۱٢٤، رقم ٤۱٥: «بصائر الدرجات» في المناقب لشيخ الطائفة أبي القاسم سعد بن عبد الله الأشعريّ القمّيّ المتوفّى سنة ٢٩٩ هـ أو ٣۰۱ هـ انتهى. في ضوء هذه الرواية التي ذكرناها عن الإمام الباقر عليه السلام، يتبيّن لنا أنّ هذين العَلَمينِ ذكراها في كتابيهما بسند واحد. و الطريف أنّ عنوان الكتابين واحد، و هو «بصائر الدرجات». قال العلّامة الطهرانيّ في ص ۱٢٣، رقم ٤۱٤: «بصائر الدرجات في تنزيه النبوّات» المحتوي علي معجزات النبيّ صلى الله عليه و آله لبعض الأصحاب.

معرفة الإمام ج۱۳

320
  • أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام، و ذكر خطبة رسول الله صلى الله عليه و آله بمسجد الخيف قال: مَعَاشِرَ النَّاسِ! إنَّ عَلِيَّاً وَ الطَّيِّبينَ مِنْ وُلْدِي هُمُ الثَّقَلُ الأصْغَرُ، وَ القُرْآنَ هُوَ الثَّقَلُ الأكْبَرُ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مُنْبِي‌ءٌ عَنْ صَاحِبِهِ وَ مُوَافِقٌ لَهُ، لَا يَفْتَرِقَانِ حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ، امَنَاءُ اللهِ في خَلْقِهِ وَ حُكَّامُهُ في أرْضِهِ.

  • ألَا وَ قَدْ أدَّيْتُ، ألَا وَ قَدْ بَلَّغْتُ، ألَا وَ قَدْ أسْمَعْتُ، ألَا وَ قَدْ أوْضَحْتُ، ألَا وَ إنَّ اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَالَ: وَ إنَّمَا قُلْتُ عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ، ألَا إنَّهُ لَيْسَ أمِيرُ المُؤْمِنِينَ غَيْرَ أخِي هَذَا، وَ لَا تَحِلُّ إمْرَةُ المُؤْمِنِينَ لأحَدٍ غَيْرِهِ.۱

  • من الجدير ذكره أنّ العلماء أوردوا ثلاث خطب للرسول الأكرم صلى الله عليه و آله بمِنى: خطب الأولى في مسجد الخيف يوم عيد الأضحى، و هو اليوم العاشر من شهر ذي الحجّة.

  • و خطب الثانية يوم القَرّ، و هو اليوم الحادي عشر.٢ و خطب الثالثة

    1. «غاية المرام» ص ٢٢٦، الحديث ٣٤، عن الخاصّة. و روي الطبرسيّ في «الاحتجاج» ج ۱، ص ۷٥ و ۷٦، طبعة النجف الأشرف الحديثة، متن هذا الحديث نفسه ضمن خطبة غدير خمّ المفصّلة، عن الإمام محمّد الباقر عليه السلام، و لكن بسند آخر: أبو جعفر مهدي بن أبي حرب الحسينيّ المرعشيّ، عن أبي علي الحسن بن الشيخ أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ، عن أبيه أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ، عن جماعة، عن أبي محمّد هارون بن موسى التلعكبريّ، عن أبي عليّ محمّد بن همّام، عن عليّ السوريّ، عن أبي محمّد العلويّ من أولاد الأفطس -و كان من عباد الله الصالحين- عن محمّد بن موسى الهمدانيّ، و سند ما يتلو ذلك هو نفس سند «غاية المرام» حتى يصل إلى الإمام الباقر عليه السلام. و جاء فيه حكماؤُهُ في أرضه بدل و حُكَّامه في أرضه.
    2. يوم القَرِّ، هو اليوم الحادي عشر من ذي الحجّة حيث يمكث الحجّاج بمِني. و يوم النَّفر الأوّل هو اليوم الثاني عشر، و فيه يرحل عدد من الحجّاج عن مِني، و يوم النَّفْر الثاني، و هو اليوم الثالث عشر الذي ينزح فيه بقيّة الحجّاج.

معرفة الإمام ج۱۳

321
  • في يوم النَّفْر الأوّل، و هو اليوم الثاني عشر، خطبها في العَقَبة و هي آخر نقطة بمِنى. و لمّا كانت هذه المطالب التي ذكرناها في خطبة رسول الله بمِنى متباينةَ تماماً في اللفظ و المضمون، لذا يتسنّى لنا أن نعدّها ثلاث خطب متنوّعة، و نطابقها مع ما أورده العلماء. و يمكن أن نقول إنّه صلى الله عليه و آله و سلّم خطب الأولى يوم العيد، و الثانية يوم القرّ، و الثالثة يوم النفر، و تحوم كلّها حول الوصيّة بالتمسّك بالثقلين و تأكيد ذلك.

  • و عليه، فإنّ الموردين الخامس و السادس من موارد خطبة الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله في التمسّك بالثقلين لا مِراء فيهما و لا غبار عليهما، و ما علينا إلّا أن ندخل في المورد السابع المتضمّن خطبته صلى الله عليه و آله في وادي غدير خمّ بالجحفة.

  • و قبل أن نعرض هذه الخطبة، نرى من الضروريّ أن نذكر أنّ مؤرّخي العامّة لم يألوا جهداً في اختصار خطبه صلى الله عليه و آله بمِنى، و في حذف ألفاظها الدالّة على التمسّك بالثقلين. فنلحظ -مثلًا- أنّ أبا الفداء الدمشقيّ يورد في تاريخه خطبته صلى الله عليه و آله يوم الحادي عشر من ذي الحجّة، فيصل إلى قوله: ألَا لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ! ألَا وَ إنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أنْ يَعْبُدَهُ المُصَلُّونَ وَ لَكِنَّهُ في التَّحْرِيشِ بَيْنَكُمْ. ألَا هَلْ بَلَّغْتُ؟! ألَا هَلْ بَلَّغْتُ؟! ثُمَّ قَالَ: لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ فَإنَّهُ رُبَّ مُبَلِّغٍ أسْعَدَ مِنْ سَامِعٍ.۱

    1. خطب الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله في الحجّ خمس خطب ما عدا خطبة غدير خمّ التي ألقاها في الطريق بعد رجوعه من الحجّ: فقد خطب يوم السابع من ذي الحجّة بمكّة المكرّمة، و يوم التاسع في عرفات، و يوم العاشر في مسجد الخيف بمِنى، و يوم الحادي عشر بمِنى أيضاً، و يوم الثاني عشر بها أيضاً في موضع يعرف بالعقبة، و هي آخر نقطة بمِنى باتّجاه مكّة. و قد تعرّضنا إلى شرح هذه الخطب مفصّلًا في الجزء السادس من كتابنا هذا «معرفة الإمام».

معرفة الإمام ج۱۳

322
  • و يواصل بيان خطبته حتى يبلغ قوله: أيُّهَا النَّاسُ! إنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إنْ أخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ فَاعْمَلُوا بِهِ.۱

  • و من الواضح أنّنا إذا قايسنا بين جميع الروايات الواردة في هذا المقام و بين الخطب التي ألقاها صلى الله عليه و آله، يتبيّن لنا أنّ لفظ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي كان موجوداً في هذه الخطبة، و أنّهم أسقطوه عناداً و بغياً و حسداً.

  • المورد السابع: خطبة رسول الله صلى الله عليه و آله في التمسّك بالثقلين في غدير خُمّ

  • لقد ذكرنا بتوفيق الله المنّان عزّ اسمه في الجزء السادس من كتابنا هذا «معرفة الإمام» مفصّلًا سفر الرسول الأكرم إلى حجّة الوداع، الذي كان توطئة لإرساء دعائم ولاية أمير المؤمنين عليه السلام و خلافته. و استوعب البحث عن الحديث نفسه، و عن خطبة الغدير ثلاثة أجزاء هي السابع، و الثامن، و التاسع. و نكتفي فيما يأتي بذكر حديث الثقلين الوارد في الخطبة المشار إليها موجِزين غاية الإيجاز، نقلًا عن بعض المصادر التأريخيّة المهمّة.٢

    1. «البداية و النهاية» ج ٥، ص ٢۰۱ إلى ٢۰٣.
    2. روى القندوزيّ في «ينابيع المودّة» ص ٤٤۷، الباب ۷۷، عن مناقب أحمد بن حنبل، عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، عن أبيه الإمام محمّد الباقر عليه السلام أنّه قال: أتيتُ جابر بن عبد الله فقلتُ له: أخبرني عن حجّة الوداع! فذكر حديثاً طويلًا ثمّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: إنِّي تَاركٌ فيكُم الثقلين إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا من بعدي: كتاب الله و عترتي أهل بيتي، و إنّهما لن يفترقا حتى يردا عَلَيّ الحوض. قال: اللهمّ اشهد، اللهمّ اشهد، اللهمّ اشهد - ثلاثاً. و رواه الإمام عليّ الرضا عن آبائه عليهم السلام أيضاً.

معرفة الإمام ج۱۳

323
  • ذكر أحمد بن أبي يعقوب الكاتب العبّاسيّ في تاريخه أنّه لمّا انصرف رسول الله من مكّة إلى المدينة، صار إلى موضعٍ بالقرب من الجحفة يقال له: غدير خمّ لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجّة، فقام خطيباً و أخذ بِيَدِ عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقال:

  • أ لَسْتُ أوْلَى بِالمُؤْمِنينَ مِن أنفُسِهِمْ؟!

  • قَالُوا: بلى يَا رَسُولَ اللهِ!

  • قَالَ: فَمَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ، اللَهُمَّ وَالِ مَن وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ.

  • ثُمَّ قَالَ: أيُهَّا النَّاسُ! إنِّي فَرَطُكُمْ وَ أنْتُمْ وَارِدِيّ على الحَوْضِ، وَ إنِّي سَائِلُكُمْ حِينَ تَرِدُونَ عَلَيّ عَنِ الثَّقَلَيْنِ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا؟!

  • قَالُوا: وَ مَا الثَّقَلَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟!

  • قَالَ: الثَّقَلُ الأكْبَرُ كِتَابُ اللهِ، سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللهِ وَ طَرَفٌ بِأيْدِيكُمْ، فَاسْتَمْسِكُوا بِهِ وَ لَا تَضِلُّوا وَ لَا تُبَدِّلُوا، وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي.۱

    1. «تاريخ اليعقوبيّ» ج ٢، ص ۱۱٢، طبعة بيروت سنة ۱٣۷٩ هـ.
      و قال أبو الفداء ابن كثير الدمشقيّ في تفسيره في ذيل آية المودّة: و قد ثبت في الصحيح أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قال في خطبته بغدير خمّ: إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله و عترتي، و إنّهما لن يفترقا حتى يردا عَلَيّ الحوض. و نقل هنا رواية أحمد بن حنبل عن زيد بن أرقم مفصّلًا، و فيها قال رسول الله: أمّا بعد، ألا أيُّها الناس! إنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فاجيب، و إنّي تارك فيكم الثقلين. أوّلهما كتاب الله تعالى فيه الهدى و النور، فخذوا بكتاب الله و استمسكوا بهـ فحثّ على كتاب الله و رغّب فيه و قال صلى الله عليه و آلهـ و أهل بيتي، اذكّركم الله في أهل بيتي، اذكّركم الله في أهل بيتي (الحديث).

معرفة الإمام ج۱۳

324
  • و روى ابن المغازليّ خطبة الغدير المفصّلة بسنده المتّصل عن الوليد ابن صالح، عن امرأة زيد بن أرقم،۱ إلى أن بلغ كلام رسول الله صلى الله عليه و آله الذي يقول فيه: ألَا وَ إنِّي فَرَطُكُمْ وَ إنَّكُمْ تَبَعِي، تُوشِكُونَ أنْ تَرِدُوا عَلَيّ الحَوْضَ، فَأسْألُكُمْ حِينَ تَلْقَوْنَنِي عَنْ ثَقَلِي كَيْفَ خَلَفْتُمُونِّي فِيهِمَا؟!

  • قَالَ: فَاعِيلَ‌٢ عَلَيْنَا مَا نَدْرِي مَا الثَّقَلَانِ حتى قَامَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ‌ وَ قَالَ: بَأبي أنْتَ وَ امِّي أنْتَ يَا نَبِيّ اللهِ، مَا الثَّقَلَانِ؟!

  • قَالَ: الأكْبَرُ مِنْهُمَا كِتَابُ اللهِ تعالى: سَبَبٌ طَرَفٌ‌٣ بِيَدِ اللهِ وَ طَرَفٌ بِأيْدِيكُمْ، فَتَمَسَّكُوا بِهِ وَ لَا تَضِلُّوا - وَ الأصْغَرُ مِنْهُمَا عِتْرَتِي، مَنِ اسْتَقْبَلَ قِبْلَتِي وَ أجَابَ دَعْوَتِي! فَلَا تَقْتُلُوهُمْ وَ لَا تَقْهَرُوهُمْ وَ لَا تُقْصِرُوا عَنْهُمْ! فَإنِّي قَدْ سَألْتُ لَهُمُ اللَّطِيفَ الخَبِيرَ فَأعْطَانِي، نَاصِرُهُمَا لي نَاصِرٌ، وَ خَاذِلُهُمَا لي خَاذِلٌ، وَ وَليُّهُمَا لي وَلِيّ، وَ عَدُوُّهُمَا لي عَدُوٌّ (الخطبة).٤

  • و روى ابن عساكر في «تاريخ دمشق» بسنده المتّصل عن أبي الطفيل عامر بن واثلة أنّه قال: سمعتُ زيد بن أرقم يقول: نزل رسول الله‌

    1. قال في الهامش: في البحار نقلًا عن «العمدة» لابن بطريق، ص ٥۱، و ذكره ابن امرأة زيد بن أرقم. و حكايته في «الغدير» ج ۷، ص ٣۷ نقلًا عن «العمدة» - انتهى. و نحن عند ما نقلنا الحديث سابقاً عن «عبقات الأنوار» كان بلفظ زيد بن أرقم، و بدون ضميمة معه.
    2. علتُ الضالّة اعيلُ عيلًا وَ عَيلاناً فأنا عائل: إذا لم تدر أيّ وجهة تبغيها.
    3. قال في الهامش: في حاشية «الأزهار» -أي: كتاب «الأزهار في مناقب إمام الأبرار»- طَرَفه. و مثله في «العمدة» و «بحار الأنوار» نقلًا منه.
    4. «مناقب ابن المغازليّ» ص ۱۸، ضمن الحديث ٢٣. و ذكره علي بن عيسى الإربليّ في «كشف الغُمّة» ص ۱٦، بنحو أكثر تفصيلًا.

معرفة الإمام ج۱۳

325
  • صلّى الله عليه و آله بين مكّة و المدينة عند سمرات خمس دوحات عظام، فكنس الناس ما تحت السمرات. ثمّ راح رسول الله فصلّى ثمّ قام خطيباً فحمد الله تعالى و أثنى عليه و ذكر و وعظ و قال ما شاء الله أن يقول. ثمّ قال:

  • يَا أيُّهَا النَّاسُ! إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ أمْرَيْنِ - لَنْ تَضِلُّوا إذَا اتَّبَعْتُمُوهُمَا [ظ] كِتَابَ اللهِ وَ أهْلَ بَيْتِي عِتْرَتِي.

  • ثُمَّ قَالَ: أ تَعْلَمُونَ أنِّي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ؟! [قاله‌] ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. فَقَالَ النَّاسُ! نَعَمْ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَإنَّ عَلِيَّاً مَوْلَاهُ.۱

  • و ذكر البلاذريّ في «أنساب الأشراف» في ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام، بسنده المتّصل عن زيد بن أرقم قال: كنّا مع رسول الله صلى الله عليه و آله في حجّة الوداع. و لمّا نزلنا غدير خُم، أمر بتنظيف ما تحت السمرات. ثمّ قام فقال:

  • كَأنِّي قَدْ دُعِيتُ فَأجَبْتُ [و] إنَّ اللهَ مَوْلَايَ وَ أنَا مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ، وَ إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ ما إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي! فَإنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ. ثُمّ أخَذَ بِيَدِ عَلِيّ فَقَالَ: مَنْ كُنْتُ وَلِيَّهُ فَهَذَا وَلِيُّهُ. اللَهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ!٢

  • قال أبو الطفيل راوي الحديث: قلتُ لزيد بن أرقم: أنتَ سمعتَه من‌

    1. «تاريخ دمشق» ج ٢، ص ٣٦، الحديث ٥٣٤، من ترجمة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام. و نقل ابن حجر الهيتميّ قصّة الغدير مع حديث الثقلين مفصّلًا في «الصواعق المحرقة» ص ٢٥، عن زيد بن أرقم.
    2. «أنساب الأشراف» ج ۱، ص ٣۱٥، الحديث ٤٦.

معرفة الإمام ج۱۳

326
  • رسول الله؟! فقال: ما كان في الدوحات أحد إلّا قد رآه بعينه و سمعه باذنه.

  • و رواه النسائيّ في خصائصه عن زيد بن أرقم.۱

  • و أورد الملّا عليّ المتّقي في «كنز العمّال» عن ابن جرير الطبريّ في «مسند زيد بن أرقم» عن أبي الطفيل قال: لمّا رجع رسول الله صلى الله عليه و آله من حجّة الوداع فنزل غدير خُمّ، أمر بدوحات فقممن، ثمّ قام فقال:

  • كَأنِّي قَدْ دُعِيتُ فَأجَبْتُ إنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ، أحَدُهُمَا أكْبَرُ مِنَ الآخَرِ: كِتَابَ اللهِ -حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إلَى الأرْضِ- وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا، فَإنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.

  • ثُمَّ قَالَ: إنَّ اللهَ مَوْلَايَ وَ أنَا وَلِيّ كُلِّ مُؤْمِنٍ. ثُمَّ أخَذَ بِيَدِ عَلِيّ فَقَالَ: مَنْ كُنْتُ وَلِيَّهُ فَعَلِيّ وَلِيُّهُ. اللَهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ!

  • فَقُلْتُ لِزَيْدٍ: أنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ؟! فَقَالَ: مَا كَانَ في الدّوحَاتِ أحَدٌ إلَّا قَدْ رَآهُ بِعَيْنِهِ وَ سَمِعَهُ بِاذُنِهِ (ابن جرير).٢

  • و روى أبو نُعَيْم الإصفهانيّ بسنده المتّصل عن عبد الله بن جعفر -فيما قُرئ عليه و اذن لأبي نعيم في روايته- قال: أخبرنا أحمد بن يونس الطبّيّ، قال: أخبرنا عمّار بن نصر، قال: أخبرنا إبراهيم بن اليَسَع المكّيّ،

    1. «الخصائص» ص ٢۱، طبعة مطبعة التقدّم بالقاهرة.
    2. «كنز العمّال» ج ۱٥، ص ٩۱، طبعة حيدرآباد سنة ۱٣۸۷، فضائل عليّ عليه السلام.

معرفة الإمام ج۱۳

327
  • قال: أخبرنا جعفر بن محمّد عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ أنّه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه و آله بالجُحفة۱ ... فقال:

  • أيُّهَا النَّاسُ! أ لَسْتُ أولى بِكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ؟ قَالُوا: بلى! قَالَ: فَإنِّي كَأنِّي لَكُمْ عَلَى الحَوْضِ فَرَطاً وَ سَائِلُكُمْ عَنِ اثْنَتَيْنِ: عَنِ القُرْآنِ وَ عَنْ عِتْرَتِي (الخطبة).٢

  • و روى السخاويّ بتخريج ابن عُقدة عن هارون بن خارجة، عن فاطمة بنت عليّ بن أبي طالب عليه السلام، عن امّ سلمة قالت: أخذ رسول الله صلى الله عليه و آله بِيَدِ عليّ بغدير خُمّ فرفعها حتى رأينا بياض إبطه، فقال: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ‌ (الحديث). و قال أيضاً: يَا أيُّهَا النَّاسُ! إنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي، وَ لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.٣

  • و روى القندوزيّ بتخريج البزّاز في مسنده عن امّ هاني اخت أمير المؤمنين عليه السلام أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله حين رجع من حجّته و نزل غدير خُمّ، قام خطيباً بالهاجرة فقال:

  • أيُّهَا النَّاسُ! إنِّي اوشِكُ أنْ ادْعَى فَاجِيبَ، وَ قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا أبَداً: كِتَابَ اللهِ - حَبْلٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللهِ وَ طَرَفُهُ بِأيْدِيكُمْ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي. اذَكِّرُكُمُ اللهَ في أهْلِ بَيْتِي، ألَا إنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.٤

    1. في النسخة الأصليّة ل - «حلية الأولياء» بياض.
    2. «حلية الأولياء» ج ٩، ص ٦٤.
    3. «العبقات» ج ٢، ص ٥۸٢، ضمن ترجمة السخاويّ.
    4. «ينابيع المودّة» ص ٤۰؛ و روى البحرانيّ في «غاية المرام» ص ٢٣٣، الحديث ٦۷، عن الخاصّة، عن ابن بابويه بسنده المتّصل عن الصادق عليه السلام، عن أبيه الباقر عليه السلام قال: أتيتُ جابر بن عبد الله الأنصاريّ فقلت له: أخبرني عن حجّة الوداع! فذكر حديثاً طويلًا، ثمّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: إنِّي تَاركٌ فيكُمْ الثقلين ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا من بعدي: كتاب الله عزّ و جلّ و عترتي أهل بيتي. ثمّ قال ثلاثاً: اللهمّ اشْهَدْ!

معرفة الإمام ج۱۳

328
  • و أخرج أبو موسى المدائنيّ في «سير الصحابة» حديث غدير خُمّ مفصّلًا عن حُذيفة بن اسَيد، إلى أن بلغ قوله:

  • ألَا وَ إنِّي سَائِلُكُمْ حِينَ تَنْزِلُونَ عَلَيّ عَنِ الثَّقَلَيْنِ! فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا حِينَ تَلْقَوْنِّي؟! قَالُوا: وَ مَا الثَّقَلَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟!

  • قَالَ: الثَّقَلُ الأكْبَرُ كِتَابُ اللهِ -سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللهِ وَ طَرَفُهُ بِأيْدِيكُمْ، فَاسْتَمْسِكُوا بِهِ؛ وَ لَا تَضِلُّوا وَ تُبَدِّلُوا- وَ الثَّقَلُ الأصْغَرُ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي. قَدْ نَبَّأنِي اللَّطِيفُ الخَبِيرُ أنَّهُمَا لَنْ يفْتَرِقَا حتى يَلْقَيَانِّي وَ سَألْتُ رَبِّي لَهُمَا ذَلِكَ.۱

  • و أخرجه الشيخ عبيد الله الحنفيّ الآمر تسرّيّ بهذا اللفظ عن حذيفة ابن اسَيْد.٢

  • و أورده شمس الدين السخاويّ بهذا اللفظ أيضاً عن حُذيفة بن اسَيد، و زيد بن أرقم، عن الطبرانيّ في «المعجم الكبير». و قال في آخره: و من هذا الوجه ذكره ضياء في «المختارة»، و رواه أبو نُعَيْم في حليته و غيره من حديث زيد بن حسن الأنماطيّ، عن معروف بن خرّبوذ، عن أبي الطُّفَيل،

    1. «غاية المرام» ص ٢۱٤، الحديث ٩، عن العامّة. و في ص ٢٢٥ منه، (الحديث ٢٥) رواية عن الخاصّة عن أبي نصر محمّد بن مسعود العيّاشيّ في تفسيره بإسناده عن أبي جميلة المفضّل بن صالح، عن بعض أصحابه أنّه ذكر هذا الحديث نفسه عن رسول الله صلى الله عليه و آله.
    2. «أرجح المطالب» ص ٣٣۸، و فيه لفظ تَرِدون مكان تنزلون. و ليس فيه كلمة سبب.

معرفة الإمام ج۱۳

329
  • عن حذيفة.۱

  • و رواه نور الدين السمهوديّ بهذا المتن عن حُذيفة بن اسَيد، و عامر ابن ليلى بن ضمرة بتخريج ابن عقدة في كتاب «الموالاة» عن طريق عبد الله بن سنان، عن أبي الطفيل، عن ذينك الرجلين. و رواه أيضاً عن طريق ابن عقدة، أبو موسى المدائنيّ في «سِيَر الصحابة»، و الحافظ أبو الفتوح العِجْليّ في كتابه: «الموجز من فضائل الخلفاء».٢

  • و رواه ابن عساكر الدمشقيّ بهذا المتن في سياق طرق حديث الغدير عن معروف بن خرّبوذ المكّيّ، عن أبي الطُّفيل، عن حُذَيفة بن اسَيد الغِفاريّ.٣

  • و ذكر السخاويّ حديث الثقلين في يوم غدير خمّ عن أبي سعيد الخُدريّ بلفظ آخر، أيضاً، و فيه أنّه كان في الصحابة السبعة عشر الذين ناشدهم أمير المؤمنين عليه السلام ليقوم من كان حاضراً منهم يوم الغدير و يشهد.

  • و رواه بتخريج ابن عقدة عن طريق محمّد بن كثير، عن فِطر و أبي الجارود، عن أبي الطفيل، و فيما يأتي نصّ الحديث بشأن الثقلين:

  • ثُمَّ قَالَ: أيُّهَا النَّاسُ! إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي. فَإنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ. نَبَّأنِي بِذَلِكَ اللَّطِيفُ‌

    1. «العبقات» ج ٢، ص ٥۷۸ و ٥۷٩، ضمن ترجمة السخاويّ في كتاب «استجلاب ارتقاء الغرف» بلفظ تردون و لفظ سبب، و لفظ لن ينقضيا مكان لفظ لن يفترقا.
    2. «العبقات» ج ٢، ص ٦٤٣، ضمن ترجمة السمهوديّ في كتاب «جواهر العِقدين» بمتن السخاويّ نفسه بدون أدنى اختلاف إلّا في لفظ لن ينقضيا، إذ ورد في الحديث أن لا يتفرّقا.
    3. «العبقات» ج ۱، ص ٤۰٢، ضمن ترجمة ابن عساكر من «تاريخ دمشق».

معرفة الإمام ج۱۳

330
  • الخَبِيرُ.

  • و ذكره عن عليّ عليه السلام بهذا النحو: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ‌. و عند ما شهد أبو سعيد بهذه الشهادة مع السبعة عشر، قال عليّ عليه السلام: صَدَقْتُمْ، وَ أنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ.۱

  • و رواه السخاويّ أيضاً بتخريج ابن عقدة في «الموالاة» من حديث إبراهيم محمّد الأسلميّ، عن الحسين بن عبد الله بن ضميرة، عن أبيه، عن جدّه: ضميرة الأسلميّ في يوم غدير خُمّ من حجّة الوداع باللفظ الآتي: فَقَالَ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: أمَّا بَعْدُ، أيُّهَا النَّاسُ! فَإنِّي مَقْبُوضٌ اوشِكُ أنْ ادْعَى فَاجيبَ، فَمَا أنْتُمْ قَائِلُونَ؟!

  • قَالُوا: نَشْهَدُ أنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَ نَصَحْتَ وَ أدَّيْتَ!

  • قَالَ: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي. ألَا وَ إنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ. فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا.٢

  • و أشار العلّامة آية الله السيّد عبد الحسين شرف الدين العامليّ إلى حديث الثقلين في يوم الغدير عن الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله، و ذلك في كتاب «المراجعات».٣

    1. «العبقات» ج ٢، ص ٥۷٩، ضمن ترجمة السخاويّ في كتاب «استجلاب ارتقاء الغرف بحبّ أقرباء الرسول ذوي الشَّرف».
    2. «العبقات» ج ٢، ص ٥۸۰.
    3. «المراجعات» ص ۱٥، الطبعة الاولى: و قد صدع بها رسول الله صلى الله عليه و آله في مواقف شتّى: تارة يوم غدير خُمّ - إلى آخر كلامه.
      و من الجدير بالذكر أنّنا نقلنا هذه الروايات عن مصادر العامّة غالباً و ذلك إتماماً للحجّة و إلزاماً للخصم، و إلّا فإنّ الروايات في الغدير من مصادر الخاصّة كثيرة، سواء كانت من كتب التفسير، أم الحديث، أم التأريخ و السيرة، كرواية الشيخ المفيد في «الإرشاد»، إذ ذكرت قصّة الغدير و خطبة رسول الله و أمره بالتمسّك بالثقلين مفصّلًا. («غاية المرام» ص ٢٣۰، الحديث السابع و الأربعون، عن الخاصّة، و قال أيضاً: و رواه أبو عليّ الطبرسيّ في كتاب «إعلام الوري»).

معرفة الإمام ج۱۳

331
  • المورد الثامن: كلام رسول الله في التمسّك بالثقلين بعد صلاة الفجر

  • روى الشيخ الطوسيّ في أماليه بسنده المتّصل عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ - قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه و آله يوماً صلاة الفجر، ثمّ التفت، و أقبل علينا يحدّثنا. ثمّ قال: أيّها الناس! من فقد الشمس، فليتمسّك بالقمر. و من فقد القمر، فليتمسّك بالفرقدين. قال [جابر]: فقمتُ أنا و أبو أيّوب الأنصاريّ و معنا أنس بن مالك، فقلنا: يا رسول الله، مَن الشمس؟ قال: أنا. فإذا هو صلى الله عليه و آله قد ضرب لنا مثلًا، فقال:

  • إن الله تعالى خلقنا فجعلنا بمنزلة نجوم السماء كلّما غاب نجم، طلع نجم. فأنا الشمس. فإذأ ذهبَ بي، فتمسّكوا بالقمر! قلنا: فمن القمر؟!

  • قال: أخي، و وصيّي، و وزيري، و قاضي دَيْنِي، و أبو وَلَدَيّ، و خليفتي في أهلي.

  • قلنا: فمن الفرقدان؟ قال: الحسن، و الحسين. ثمّ سكت مليّاً، فقال: هَؤُلَاء وَ فَاطِمَةُ هي الزُّهْرَةُ عِتْرَتِي وَ أهْلُ بَيْتِي. هُم مَعَ القُرْآنِ لَا يَفْتَرِقَانِ حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.۱

  • المورد التاسع: كلام رسول الله في التمسّك بالثقلين بعد صلاة الظهر

    1. «غاية المرام» ص ٢٣۱ و ٢٣٢، الحديث ٥٥، عن الخاصّة.

معرفة الإمام ج۱۳

332
  • روى القندوزيّ عن «مناقب» أحمد بن حَنبل، عن أحمد بن عبد الله ابن سلام، عن حُذَيفة بن اليمان أنّه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه و آله الظهر، ثمّ أقبل بوجهه الكريم إلينا فقال:

  • مَعَاشِرَ أصْحَابِي! اوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَ العَمَلِ بِطَاعَتِهِ، وَ إنِّي ادْعَى فَاجِيبَ، وَ إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا، وَ إنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ. فَتَعَلَّمُوا مِنْهُمْ وَ لَا تُعَلِّمُوهُمْ فَإنَّهُمْ أعْلَمُ مِنْكُمْ.۱

  • المورد العاشر: كلام رسول الله في التمسّك بالثقلين عند حضور الأنصار

  • روى الشيخ الطبرسيّ عن أبي المفضَّل محمّد بن عبد الله الشيبانيّ بإسناده الصحيح عن رجاله، ثقة عن ثقة، أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله خرج في مرضه الذي توفّى فيه إلى الصلاة متّكئاً على الفضل بن العبّاس و غلام له يقال له: ثوبان؛ و هي الصلاة التي أراد التخلّف عنها لثقله، ثمّ حمل على نفسه و خرج. فلمّا صلى، عاد إلى منزله فقال لغلامه: اجلس على الباب و لا تحجب أحداً من الأنصار؛ و تجلّاه الغشى، و جاءت الأنصار فأحدقوا بالباب. فقالوا: ائذن لنا على رسول الله!

  • فقال: هو مغشيّ عليه و عنده نساؤه، فجعلوا يبكون. فسمع رسول الله صلى الله عليه و آله البكاء، فقال: من هؤلاء؟ قالوا: الأنصار.

  • فقال: من هاهنا من أهل بيتي؟ قالوا: عليّ، و العبّاس، فدعاهما و خرج متوكّئاً عليهما، فاستند إلى جذع من أساطين مسجده، و كان الجذع‌

    1. «ينابيع المودّة» ص ٣٥.

معرفة الإمام ج۱۳

333
  • جريد نخل، فاجتمع الناس. و خطب و قال في كلامه:

  • مَعَاشِرَ النَّاسِ! إنَّهُ لَمْ يَمُتْ نَبِيّ قَطُّ إلَّا خَلَّفَ تَرَكَةً، وَ قَدْ خَلَّفْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ أهْلَ بَيْتِي. ألَا فَمَنْ ضَيَّعَهُمْ ضَيَّعَهُ اللهُ. ألَا وَ إنَّ الأنْصَارَ كِرْشِي وَ عَيْبَتِي التي آوِى إلَيْهَا؛ وَ إنِّي اوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَ الإحْسَانِ إلَيْهِمْ، فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَ تَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ.۱

  • و روى الشيخ المفيد بسنده المتّصل عن عبد الله بن عبّاس أنّه قال: إنّ عليّ بن أبي طالب، و العبّاس بن عبد المطّلب، و الفضل بن العبّاس دخلوا على رسول الله صلى الله عليه و آله في مرضه الذي قُبض فيه، فقالوا: يا رسول الله! هذه الأنصار في المسجد تبكي رجالها و نساؤها

    1. «الاحتجاج» للطبرسيّ، ج ۱، ص ۸٩ و ٩۰، طبعة النجف؛ و «غاية المرام» ص ٢٢٦، الحديث ٣٥، عن الخاصّة، عن «الاحتجاج»؛ و رواه المجلسيّ في «بحار الأنوار» ج ۷، ص ٣۰، طبعة الكمبانيّ، عن «أمالي الشيخ الطوسيّ»، عن أبي عمرو، عن ابن عقدة بسنده المتّصل إلى أبي سعيد الخُدريّ، عن رسول الله صلى الله عليه و آله باللفظ الآتي: إني تارك فيكم الثقلين إلّا أنّ أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، و عترتي أهل بيتي، و إنّهما لن يفترقا حتى يردا عَلَيّ الحَوْض. و قال: ألا إنّ أهل بيتي عيني التي آوى إليها، و إنّ الأنصار تُرسي، فاعفوا عن مسيئهم و أعينوا محسنهم. ثمّ قال المجلسيّ في شرح هذا الحديث و بيانه: يظهر من بعض كتب المخالفين أنّ مكان (عيني): (عيبتي)، و مكان (تُرسي): (كرشي). و قال في «النهاية»: فيه الأنصار كرشي و عيبتي، أراد أنّهم بطانته و موضع سرّه و أمانته و الذين يعتمد عليهم في اموره. و استعار الكرش و العيبة لذلك، لأنّ المجترّ يجمع علفه في كرشه و الرجل يضع ثيابه في عيبته. و قيل: أراد بالكرش: الجماعة. أي: جماعتي و صحابتي. يقال: عليه كرش من الناس. أي: جماعة [منهم‌] - انتهى كلام المجلسيّ. و أنا أقول: جاء في «مجمع البحرين»: و الكرش الجماعة من الناس. و في خبر النبيّ صلى الله عليه و آله: الأنصار كرشي، أي: أنّهم منّي في المحبّة و الرأفة بمنزلة الأولاد الصغار، لأنّ الإنسان مجبول على محبّة ولده الصغير. و كرش الرجل عياله من صِغار ولدهـ انتهى كلام صاحب «المجمع».

معرفة الإمام ج۱۳

334
  • عليك. فقال: و ما يبكيهم؟ قالوا: يخافون أن تموت! فقال: أعطوني أيديكم، فخرج في ملحفة و عصابة حتى جلس على المنبر، فحمد الله و أثنى عليه، ثمّ قال:

  • أمَّا بَعْدُ، أيُّهَا النَّاسُ! فَمَا تُنْكِرُونَ مِنْ مَوْتِ نَبِيِّكُمْ؟! أ لَمْ انْعَ إلَيْكُمْ وَ تُنْعَ إلَيْكُمْ أنْفُسُكُمْ؟ لَوْ خُلِّدَ أحَدٌ قَبْلِي ثُمَّ بُعِثَ إلَيْهِ لَخُلِّدْتُ فِيكُمْ.

  • ألَا إنِّي لَاحِقٌ بِرَبِّي وَ قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ تعالى بَيْنَ أظْهُرِكُمْ تَقْرَءُونَهُ صَبَاحاً وَ مَسَاءً. فَلَا تَنَافَسُوا وَ لَا تَحَاسَدُوا وَ لَا تَبَاغَضُوا وَ كُونُوا إخْوَاناً كَمَا أمَرَكُمْ اللهُ. وَ قَدْ خَلَّفْتُ فِيكُمْ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي وَ أنَا اوصِيكُمْ بِهِمْ.

  • ثُمَّ اوصِيكُمْ بِهَذَا الحَيّ مِنَ الأنْصَارِ. فَقَدْ عَرَفْتُمْ بَلَاهُمْ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ عِنْدَ رَسُولِهِ وَ عِنْدَ المُؤْمِنِينَ، أ لَمْ يُوَسِّعُوا في الدِّيَارِ، وَ يُشَاطِرُوا الثِّمَارِ، وَ يُؤْثِرُوا وَ بِهِمُ الخَصَاصَةُ؟! فَمَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ أمْراً يَضُرُّ فِيهِ أحَداً أوْ يَنْفَعُهُ فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِ الأنْصَارِ، وَ لْيَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيئِهِمْ. وَ كَانَ آخِرَ مَجْلِسِهِ حتى لَقِيَ اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ.۱

    1. «الأمالي» للشيخ المفيد، ص ٤٥ إلى ٤۷، المجلس السادس، الحديث ٦، طبعة جماعة المدرّسين، الحوزة العلميّة بقم؛ و «غاية المرام» ص ٢٣٤، الحديث ۷۸، عن الخاصّة.
      رواه القندوزيّ باختصار في «ينابيع المودّة» ص ٤۰، بتخريج السيّد أبي الحسين يحيي بن الحسن في كتابه المسمّى «أخبار المدينة» عن محمّد بن عبد الرحمن بن خلّاد، عن جابر بن عبد الله.
      و روي السيّد ابن طاووس رضوان الله عليه في كتاب «الطرائف» الطرفة الثالثة و الثلاثين، حديثاً مفصّلًا في خطبة النبيّ صلى الله عليه و آله حين دعا الأنصار، و ذلك بسنده المتّصل عن الإمام الكاظم، عن الإمام الصادق عليهما السلام؛ و ذكر السيّد هاشم البحرانيّ هذه الخطبة في «غاية المرام» ص ٢٢۸، الحديث الأربعون، عن الخاصّة.

معرفة الإمام ج۱۳

335
  • و روى الشيخ المفيد أيضاً بسنده المتّصل عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله لأنس: يَا أنَسُ! ادْعُ لي سَيِّدَ العَرَبِ! فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أ لَسْتَ سَيِّدَ العَرَبِ؟! قَالَ: أنَا سَيِّدُ وُلْدِ آدَمَ وَ عَلِيّ سَيِّدُ العَرَبِ!۱

  • فَدَعَا عَلِيَّاً، فَلَمَّا جَاءَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: يَا أنَسُ! ادْعُ لي الأنْصَارَ. فَجَاءُوا، فَقَالَ النَّبِيّ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: يَا مَعْشَرَ الأنْصَارِ! هَذَا عَلِيّ سَيِّدُ العَرَبِ فَأحِبُّوهُ لِحُبِّي وَ أكْرِمُوهُ لِكَرَامَتِي، فَإنَّ جَبْرَئِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أخْبَرَنِي عَنِ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ مَا أقُولُ لَكُمْ.٢

  • و روى الملّا عليّ المتَّقي هذا اللفظ نفسه عن «مسند السيّد الحسن عليه السلام» بتخريج أبي نُعَيم في «حلية الأولياء»، إلّا قوله: فلمّا جاء عليّ، قال: يَا مَعْشَرَ الأنْصَارِ! أ لَا أدُلُّكُمْ عَلَى مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أبَداً؟! هَذَا عَلِيّ فَأحِبُّوهُ بِحُبِّي، وَ أكْرِمُوهُ بِكَرَامَتِي، فَإنَّ جِبْرِيلَ أمَرَنِي بِالَّذِي قُلْتُ لَكُمْ عَنِ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ.٣

    1. قال في الهامش: روى الصدوق في أماليه، المجلس العاشر، عن عائشة في حديث أنّها قالت: فقلتُ: و ما السيّد؟ قال صلى الله عليه و آله: مَنِ افتُرضت طاعته كما افترضت طاعتي.
    2. «الأمالي» للمفيد ص ٤٤ و ٤٥، المجلس السادس، الحديث الرابع، طبعة جماعة المدرِّسين.
    3. «كنز العمّال» ج ٦، ص ٦۰۰، طبعة قديمة؛ و نقله الحمّوئيّ في «فرائد السمطين» ج ۱، ص ۱٩٦ و ۱٩۷، الباب ٤۰، الحديث ۱٥٤، بسنده عن الإمام الحسن عليه السلام، و قال في آخره: قال أبو نعيم: روى أبو بشر عن سعيد بن جبير، عن عائشة نحوه في «السؤدد» مختصراً؛ و رواه الحاكم في «المستدرك» ج ٣، ص ۱٢٤، عن عمر بن حسن الراسبيّ، عن أبي عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن عائشة و قال ما مضمونه: هذا الحديث شاهد لحديث عروة عن عائشة، و له شاهد آخر من حديث جابر بن عبد الله الأنصاريّ؛ و هو وارد بهذا المضمون الذي يحمل جوابه صلى الله عليه و آله عن سؤال عائشة.

معرفة الإمام ج۱۳

336
  • و ذكره الشيخ عبد الرحمن الصفوريّ الشافعيّ باللفظ الآتي: أ لَا أدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ إذَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ؟! قَالُوا: بلى يَا نَبِيّ اللهِ! قَالَ: هَذَا عَلِيّ فَأحِبُّوهُ بِحُبِّي وَ أكْرِمُوهُ بِكَرَامَتِي.۱

  • المورد الحادي عشر: كلام رسول الله على المنبر في آخر خطبة له

  • روى القندوزيّ عن «مناقب أحمد بن حنبل» عن كتاب «سُلَيْم بن قَيْس» أنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: إنّ الذي قال رسول الله صلى الله عليه و آله يوم عرفة على ناقته القصوى و في مسجد الخيف و يوم الغدير و يوم قبض في خطبته على المنبر:

  • أيُّهَا النَّاسُ! إنِّي تَرَكْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ، لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: الأكْبَرُ مِنْهُمَا كِتَابُ اللهِ، وَ الأصْغَرُ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، وَ إنَّ اللَّطِيفَ الخَبِيرَ عَهِدَ إلَيّ أنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ كَهَاتَيْنِ -أشَارَ بِالسَّبَّابَتَيْنِ- وَ لَا أنَّ أحَدَهُمَا أقْدَمُ مِنَ الآخَرِ! فَتَمَسَّكُوا بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا، وَ لَا تُقَدَّمُوا مِنْهُمْ وَ لَا تَخَلَّفُوا عَنْهُمْ، وَ لَا تُعَلِّمُوهُمْ فَإنَّهُمْ أعْلَمُ مِنْكُمْ.٢

  • و ذكرها البحرانيّ في «غاية المرام» عن سُليم، عن أمير المؤمنين عليه السلام بلفظ يماثل اللفظ المتقدّم.٣

    1. «نزهة المجالس» ج ٢، ص ٢۰۸.
    2. «ينابيع المودّة» ص ٣٤.
    3. «غاية المرام» ص ٢٢٦، الحديث ٣۱. قال عليّ عليه السلام: إنّ الذي قال رسول الله صلى الله عليه و آله يوم غدير خُمّ و في حجّة الوداع و يوم قبض في آخر خطبة خطبها رسول الله حين قال: تركت فيكم أمرين لن تضلّوا ما تمسّكتم بهما: كتاب الله و أهل بيتي، و إنّ اللطيف الخبير عهد إليّ أنّهما لن يفترقا حتى يردا عَلَيّ الحوض -كهاتين الإصبعين- و إنّ أحدهما أقدم من الآخر فتمسّكوا بهما لن تضلّوا و تولّوا و لا تقدّموهم و لا تتخلّفوا عنهم و لا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم.

معرفة الإمام ج۱۳

337
  • و روى الشيخ المفيد في أماليه بسنده المعروف و المتّصل عن معروف بن خَرَّبوذ أنّه قال: سمعت أبا عبيد الله‌۱ مولى العبّاس يحدّث أبا جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام، قال: سمعت أبا سعيد الخدريّ يقول: إنّ آخر خطبة خطبنا بها رسول الله صلى الله عليه و آله لخطبة خطبنا في مرضه الذي توفّي فيه، خرج متوكّئاً على عليّ بن أبي طالب عليه السلام و ميمونة مولاته، فجلس على المنبر، ثمّ قال:

  • يَا أيُّهَا النَّاسُ! إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ، وَ سَكَتَ. فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا هَذَانِ الثَّقَلَانِ؟! فَغَضِبَ حتى احْمَرَّ وَجْهُهُ ثُمَّ سَكَنَ وَ قَالَ: مَا ذكَرْتُهُمَا إلَّا وَ أنَا اريدُ أنْ اخْبِرَكُمْ بِهِمَا وَ لَكِنْ رَبَوْتُ فَلَمْ أسْتَطِعْ، سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللهِ وَ طَرَفٌ بِأيْدِيكُمْ، تَعْلَمُونَ فِيهِ كَذَا وَ كَذَا، ألَا وَ هُوَ القُرْآنُ؛ وَ الثَّقَلُ الأصْغَرُ أهْلُ بَيْتِي.

  • ثُمَّ قَالَ: وَ أيْمُ اللهِ إنِّي لأقُولُ لَكُمْ هَذَا وَ رِجَالٌ في أصْلَابِ أهْلِ الشِّركِ أرْجَى عِنْدِي مِنْ كَثِيرٍ مِنْكُمْ! ثُمَّ قَالَ: وَ اللهِ لَا يُحِبُّهُمْ عَبْدٌ إلَّا أعْطَاهُ اللهُ نُوراً يَوْمَ القِيَامَةِ حتى يَرِدَ عَلَيّ الحَوْضَ، وَ لَا يُبْغِضُهُمْ عَبْدٌ إلَّا احْتَجَبَ اللهُ عَنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ.

  • فَقَالَ أبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إنَّ أبَا عُبَيْدِ اللهِ يَأتِينَا بِمَا يَعْرِفُ.٢

    1. في النسخة الأصل: أبو عبد الله.
    2. «الأمالي» للشيخ المفيد، ص ۱٣٥ و ۱٣٦، الحديث الثالث، طبعة جماعة المدرِّسين؛ و جاء في آخر حاشية «بحار الأنوار» في حاشية النسخة البدل: بما نعرف.

معرفة الإمام ج۱۳

338
  • (و جاء في النسخة البدل: يأتينا بما نعرف).

  • و روى البحرانيّ في «غاية المرام» هذا الحديث عينه سنداً و متناً عن الشيخ المفيد.۱

  • و روى سُليم بن قيس الهلاليّ في كتابه عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال:

  • قال رسول الله صلى الله عليه و آله في آخر خطبة خطبها في الناس يوم قُبِض:

  • إنِّي تَرَكْتُ فِيكُمْ أمْرَيْنِ، لَنْ تَضِلُّوا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ وَ أهْلَ بَيْتِي، فَإنَّ اللَّطِيفَ الخَبِيرَ عَهِدَ إلَيّ أنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ -وَ أشَارَ بِإصْبَعَيْهِ المُسَبِّحَتَيْنِ- وَ لَا أقُولُ كَهَاتَيْنِ إحْدَاهُمَا أطْوَلُ مِنَ الاخْرَى -وَ أشَارَ بِالمُسَبِّحَةِ وَ الوُسْطَى- فَتَمَسَّكُوا بِهِمَا لَا تَضِلُّوا، وَ لَا تُقَدِّمُوهُمْ وَ لَا تَخَلَّفُوا عَنْهُمْ فَتَمْرُقُوا، وَ لَا تُعَلِّمُوهُمْ فَإنَّهُمْ أعْلَمُ مِنْكُمْ. و يشبه معنى هذا اللفظ معنى تلك الروايات المارّ ذكرها.

  • و يقول سُليم هنا: قلت لأمير المؤمنين عليه السلام: أخبرني عن العترة الذين هم أهل البيت!

  • قَالَ: الذي نَصَبَهُ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِغَدِيرِ خُمّ، فَأخْبَرَهُمْ أنَّهُ أولى بِهِمْ مِنْ أنْفُسِهِمْ، ثُمَّ أمَرَهُمْ أنْ يُعْلِمَ الشَّاهِدُ الغَائِبَ مِنْهُمْ. فَقُلْتُ: أنْتَ هُوَ يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ؟!

  • قَالَ: أنَا أوَّلُهُمْ وَ أفْضَلُهُمْ، ثُمَّ ابْنِيَ الحَسَنُ مِنْ بَعْدِي أولى بِهِمْ مِنْ أنْفُسِهِمْ، ثُمَّ ابْنِيَ الحُسَيْنُ مِنْ بَعْدِهِ أولى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ، ثُمَّ أوْصِيَاءُ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ حتى يَرِدُوا عَلَيْهِ حَوْضَهُ وَاحِداً

    1. «غاية المرام» ص ٢٣٢، الحديث ٥۷، عن الخاصّة.

معرفة الإمام ج۱۳

339
  • بَعْدَ وَاحِدٍ.۱

  • و رواها العلّامة البحرانيّ في «غاية المرام» عن سُلَيم سنداً و متناً.٢

  • و أشار العلّامة آية الله السيّد عبد الحسين شرف الدين العامليّ إلى هذه الخطبة على منبر مسجد المدينة.٣

  • و أورد سيّد الفقهاء العظام عليّ بن طاووس تغمّده الله في رضوانه في طرائفه مرفوعاً إلى عيسى أنّه قال: سألتُ أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام. قال: قلتُ: ما تقول؟ فإنّ الناس قد أكثروا أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله أمر أبا بكر أن يصلّي بالناس ثمّ عمر. فأطرق عنّي مليّاً، ثمّ قال: ليس كما ذكروا و لكنّك يا عيسى كثير البحث في الامور، و ليس ترضى عنها إلّا بكشفها! فقلتُ: بأبي أنتَ و امّي إنّما أسألك منها عمّا أنتفع به في ديني مخافة أن أضلّ و أنا لا أدري، و لكن متى أجد مثلك يكشفها لي. فقال: إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لمّا ثقل في مرضه دعا عليّاً فوضع رأسه في حجره و اغمي عليه، و حضرت الصلاة فاذِن بها. فخرجت عائشة، فقالت: يا عمر اخرج فصلّ بالناس!

  • فقال لها عمر: أبوكِ أولى بها. فقالت: صدقتَ و لكنّه رجل لين و أكره أن يواثبه القوم فصلّ أنت. فقال لها عمر: بلى يصلّي هو و أنا أكفيه إن وثب واثب أو تحرّك متحرّك. قالت عائشة: و مع أنّ محمّداً مغميّ عليه لا أراه يفيق منها و الرجل مشغول به لا يقدر يفارقه -تريد عليّاً- فبادر

    1. «كتاب سُليم بن قيس الكوفيّ العامريّ» الذي كان من صحابة أمير المؤمنين عليه السلام، ص ۱۰۱ و ۱۰٢، طبعة النجف.
    2. «غاية المرام» ص ٢٢٥، الحديث ٢۷، عن الخاصّة. و قال صاحب الكتاب السيّد هاشم البحرانيّ: نسخت هذه الرواية عن «كتاب سُليم»، عن أمير المؤمنين عليه السلام.
    3. «المراجعات» ص ۱٥، الطبعة الأولى.

معرفة الإمام ج۱۳

340
  • الصلاة قبل أن يفيق. فإنّه إن أفاق خفتُ أن يأمر عليّاً بالصلاة. و قد سمعت مناجاته منذ الليلة في آخر كلامه يقول: الصلاة الصلاة.

  • قال الإمام الكاظم عليه السلام: ثمّ خرج أبو بكر ليصلّي بالناس، فأنكر القوم ذلك، ثمّ ظنّوا أنّه بأمر رسول الله. فلم يكبّر حتى أفاق صلى الله عليه و آله. قال: ادعوا لي العبّاس. فحملاه هو و عليّ فأخرجاه حتى صلى بالناس و إنّه لقاعد. ثمّ حمل فوضع على منبره. فلم يجلس بعد ذلك على المنبر. و اجتمع إليه جميع أهل المدينة من المهاجرين و الأنصار حتى برزت العواتق من خدورهنّ. فبين باك و صائح و فادح و مسترجع (قائل: إنّا للّه و إنّا إليه راجعون). و النبيّ يخطب ساعةً، و يسكت ساعةً. و كان ممّا ذكر في خطبته أن قال:

  • يَا مَعْشَرَ المُهَاجِرِينَ وَ الأنْصَارِ وَ مَنْ حَضَرَنِي في يَوْمِي هَذَا وَ سَاعَتِهِ هَذِهِ! فَلْيُبَلِّغْ شَاهِدُكُمْ غَائِبَكُمْ! ألَا قَدْ خَلَّفْتُ فِيكُمْ كِتَابَ اللهِ، فِيهِ النُّورُ وَ الهُدَى وَ البَيَانُ، مَا فَرَّطَ اللهُ فِيهِ مِنْ شَيْ‌ءٍ، حُجَّةَ اللهِ لي عَلَيْكُمْ، وَ خَلَّفْتُ فِيكُمُ العَلَمَ الأكْبَرَ، عَلَمَ الدِّينِ وَ نُورَ الهُدَى وَصِيِّي عَلِيّ بْنِ أبِي طَالِبٍ. ألَا هُوَ حَبْلُ اللهِ فَاعْتَصِمُوا وَ لَا تَفَرَّقُوا عَنْهُ، وَ اذكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إذ كُنتُمْ أعْدَاءً فَألَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إخْوَاناً.

  • يَا أيُّهَا النَّاسُ! هَذَا عَلِيّ بْنُ أبِي طَالِبٍ كَنْزُ اللهِ اليَوْمَ وَ مَا بَعْدَ اليَوْمِ. مَنْ أحَبَّهُ وَ تَوَلَّاهُ اليَوْمَ وَ مَا بَعْدَ اليَوْمِ فَقَدْ أوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ وَ أدى مَا أوْجَبَ عَلَيْهِ، وَ مَنْ عَادَاهُ اليَوْمَ وَ مَا بَعْدَ اليَوْمِ جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ أعْمَى وَ أصَمَّ، لَا حُجَّةَ لَهُ عِنْدَ اللهِ.

  • أيُّهَا النَّاسُ! لَا تَأتُوا غَدَاً بِالدُّنْيَا تَزُّفُونَهَا زَفَّاً، وَ يَأتِي أهْلُ بَيْتِي مَقْهُورِينَ مَظْلُومِينَ تَسِيلُ دِمَاؤُهُمْ أمَامَكُمْ وَ سُعَاةِ الضَّلَالَةِ وَ الشُّورَى لِلْجَهَالَةِ. ألَا وَ إنَّ هَذَا الأمْرَ لَهُ أصْحَابٌ وَ آيَاتٌ، وَ سَمَّاهُمُ اللهُ في كِتَابِهِ‌

معرفة الإمام ج۱۳

341
  • وَ عَرَّفْتُكُمْ وَ أبْلَغْتُكُمْ مَا أرْسِلْتُ بِهِ وَ لَكِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ!

  • لَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّاراً مُرْتَدِّينَ مُتَوَالِيْنَ الكِتَابَ عَلَى غَيْرِ مَعْرِفَةٍ، وَ تَدْعُونَ السُّنَّةَ بِالهَوَى، لأنَّ كُلَّ سَنَةٍ وَ حَدَثٍ وَ كَلَامٍ خَالَفَ القُرْآنَ رَدٌّ وَ بَاطِلٌ.

  • القُرآنُ إمَامُ هُدَى، لَهُ قَائِدٌ يَهْدِي إلَيْهِ بِالحِكْمَةِ وَ المَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ، وَلِيّ الأمْرِ بَعْدَ وَلِيِّهِ، وَ وَارِثُ عِلْمِي وَ حُكْمِي وَ سِرِّي وَ عَلَانِيَتِي وَ مَا وَرَّثَهُ النَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي، وَ أنَا وَارِثٌ وَ مُورِثٌ؛ وَ لَا تَكْذِبْكُمْ أنْفُسُكُمْ! (أي: لا تكذبوا على أنفسكم).

  • أيُّهَا النَّاسُ! اللهَ اللهَ في أهْلِ بَيْتِي! فَإنَّهُمْ أرْكَانُ الدِّينِ، وَ مَصَابِيحُ الظُّلَمِ، وَ مَعْدِنُ العِلْمِ. عَلِيّ أخِي، وَ وَارِثِي، وَ وَزِيرِي، وَ أمِينِي، وَ القَائِمُ بَعْدِي، وَ الوَافِي بِعَهْدِي عَلَى سُنَّتِي، وَ يَقْتُلُ عَلَى سُنَّتي، وَ أوَّلُ النَّاسِ إيمَاناً، وَ آخِرُهُمْ عَهْداً بِي عِندَ المَوْتِ، وَ أوْسَطُهُمْ لي لِقَاءً يَوْمَ القِيَامَةِ؛ وَ ليُبَلِّغْ شَاهِدُكُمْ غَائِبَكُمْ! ألَا وَ مَنْ أمَّ قَوْماً عُمْياً وَ في الامَّةِ مَنْ هُوَ أعْلَمُ مِنْهُ فَقَدْ كَفَرَ.

  • أيُّهَا النَّاسُ! مَنْ كَانَتْ لَهُ قِبَلِي تَبِعَاتٌ، فَهَا أنَأ ذا، وَ مَنْ كَانَتْ لَهُ عِنْدِي عِدَاةٌ فَلْيَأتِ فِيهَا عَلِيّ بْنَ أبِي طَالِبٍ، فَإنَّهُ ضَامِنٌ لِذَلِكَ كُلِّهِ حتى لَا يَبْقَى لأحَدٍ عَلَيّ تَبِعَةٌ.۱

  • المورد الثاني عشر: كلام رسول الله صلى الله عليه و آله في حجرته حول التمسّك بالثقلين في مرضه الذي قُبض فيه و قد امتلأت‌ الحجرة من أصحابه

    1. «غاية المرام» ص ٢٢۸ و ٢٢٩، الحديث ٤۱، عن الخاصّة، عن ابن طاووس في «الطرائف»، الطريفة الثالثة و الثلاثون.

معرفة الإمام ج۱۳

342
  • روى الشيخ الطوسيّ في أماليه بسنده المتّصل عن محمّد بن عيسى القيسيّ أنّه قال: سمعت أبا ثابت مولى أبي ذرّ الغفاريّ يقول: سمعتُ امّ سلمة تقول: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه و آله في مرضه الذي قُبض فيه يقول و قد امتلأت الحجرة من أصحابه:

  • أيُّهَا النَّاسُ! اوشِكُ أنْ اقْبَضَ قَبْضاً سَرِيعاً فَيُنْطَلَقَ بِي، وَ قَدْ قَدَّمْتُ إلَيْكُمُ القَوْلَ مَعْذِرَةً إلَيْكُمْ. ألَا إنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمْ كِتَابَ رَبِّي عَزَّ وَ جَلَّ، وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي.

  • ثُمّ أخَذَ بِيَدِ عَلِيّ فَرَفَعَهَا فَقَالَ: هَذَا عَلِيّ مَعَ القُرْآنِ وَ القُرْآنُ مَعَ عَلِيّ، خَلِيفَتَانِ تَصِيرَانِ لَا يَخْتَلِفَانِ لَا يَفْتَرِقَانِ حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ فَأسْألُهُمَا مَا ذَا خُلِّفْتُ فِيهِمَا.۱

  • و أخرج الشيخ عبيد الله الآمر تسرّيّ الحنفيّ هذا الحديث نفسه بسنده عن امّ سلمة بدون لفظ: تَصِيرَانِ لَا يَخْتَلِفَانِ. و ذكر كلمة لَا يَتَفَرَّقَان مكان لَا يَفْتَرِقَانِ، و اكتفى في ما ذا بـ ما.٢ و قال في آخره: أخرجه ابن عقدة و الدارقطنيّ‌٣ في سننه.٤

    1. «غاية المرام» ص ٢٣۱، الحديث ٥٤، عن الخاصّة؛ و قال في «الصواعق المحرقة» ص ۷٥: ورد في الخبر أنّه قال كذا في مرض موته؛ و ذكره القندوزيّ في ص ٢۸٥ من «ينابيع المودّة» بعد أن نقل في ص ٢۷٩ إلى ٢۸٥، أربعين حديثاً عن «الصواعق المحرقة» في منقبة أمير المؤمنين عليه السلام.
    2. «أرجح المطالب» ص ٣٤۰.
    3. الدارقطنيّ، اسمه أبو الحسن عليّ بن عمر بن أحمد، صاحب كتاب «السنن»، و هو شافعيّ المذهب، ولد سنة ٣۰٦ هـ، و مات سنة ٣۸٥.
    4. «أرجح المطالب» ص ٣٤۰.

معرفة الإمام ج۱۳

343
  • و ذكر العلّامة نور الدين السمهوديّ متن هذا الحديث عينه في كتاب «جواهر العقدين» بلفظ الشيخ عبيد الله في «أرجح المطالب» بتخريج جعفر ابن محمّد الرزَّاز.۱

  • و روى هذا الحديث المبارك أيضاً على لسان الصِّدِّيقة الكبرى السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام، كما ذكر القندوزيّ ذلك بتخريج ابن عقدة، عن طريق عروة بن خارجة، عنها سلام الله عليها، قالت: سمعتُ أبي صلى الله عليه و آله في مرضه الذي قُبض فيه يقول: ... ثمّ ساق الحديث، و في آخره قوله: فَأسْألُكُمْ مَا تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا؟!٢

  • و أشار العلّامة آية الله السيّد عبد الحسين شرف الدين العامليّ رضوان الله عليه إلى هذا الموضع من كلام رسول الله الدائر حول حديث الثقلين.٣

  • موارد الاستشهاد بحديث الثقلين‌

  • يحسن بنا بعد حديثنا عن الموارد التي نطق فيها رسول الله صلى الله عليه و آله بحديث الثقلين أن نتكلّم عن المواضع و الموارد التي تمّ فيها الاستناد إلى الحديث و الاستشهاد و الاحتجاج به:

  • المورد الأوّل: احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام‌ في المسجد النبويّ أيّام حكومة عثمان‌

    1. «العبقات» ج ٢، ص ٦٢٥، ضمن ترجمة السمهوديّ.
    2. «ينابيع المودّة» ص ٤۰.
    3. «المراجعات» ص ۱٥، الطبعة الأولى.

معرفة الإمام ج۱۳

344
  • ذكر إبراهيم بن محمّد بن مؤيّد الحمّوئيّ في كتابه الثمين و النفيس «فرائد السمطين» مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام و احتجاجه المفصّل و الطويل جدّاً في المسجد النبويّ نقلًا عن «كتاب سُليم بن قَيس الهلاليّ». و الحقّ أنّه احتجاج وثائقيّ قويّ يشتمل على بدائع النكات و عجائب المقامات، و علوّ الدرجات و الاختصاصات التي كان عليها أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلّين. و هو وسام شرف للشيعة الذين لهم مثل هذا الإمام، و وصمة خذلان و نكسة للعامّة، إذ كيف باعوا دينهم و شرفهم بثمن بخس مع وجود مصدر الفيض، و منهل العلاء و المقام المتمثّل بأمير المؤمنين عليه السلام؟ و كيف حرموا أنفسهم من نمير العلم و كمالاته و درجاته، و من بلوغ عزّ الكمال باتّباعهم أهل الوضاعة و الخسّة؟

  • احتجّ سيّدنا مولى الموالى أمير المؤمنين عليه السلام في كلامه الآتي أمام الناس المجتمعين في المسجد النبويّ، و ذكر فيه المهاجرين و الأنصار. و واصل حديثه حتى بلغ قوله:

  • انْشِدُكُمُ اللهَ! أ تَعْلَمُونَ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَامَ خَطِيباً لَمْ يَخْطُبْ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ: يَا أيُّهَا النَّاسُ! إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي. فَتَمَسَّكُوا بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا، فَإنَّ اللَّطِيفَ [الخَبِيرَ] أخْبَرَنِي وَ عَهِدَ إلَيّ أنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ.

  • فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ شِبْهَ المُغْضِبِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أ كُلُّ أهْلِ بَيْتِكَ؟! قَالَ: لَا، وَ لَكِنْ أوصِيَائِي مِنْهُمْ، أوَّلُهُمْ أخِي وَ وَزِيرِي وَ وَارِثِي وَ خَلِيفَتِي في امَّتِي وَ وَلِيّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي، هُوَ أوَّلُهُمْ، ثُمَّ ابْنِيَ الحَسَنُ، ثُمَّ ابْنِيَ الحُسَيْنُ، ثُمَّ تِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ الحُسَيْنِ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ حتى يَرِدُوا عَلَيّ الحَوْضَ. [هُمْ‌] شُهَدَاءُ اللهِ في أرْضِهِ وَ حُجَّتُهُ عَلَى خَلْقِهِ وَ خُزَّانُ عِلْمِهِ وَ مَعَادِنُ حِكْمَتِهِ، مَنْ أطَاعَهُمْ أطَاعَ اللهَ، وَ مَنْ عَصَاهُمْ عَصَى اللهَ؟! فَقَالُوا

معرفة الإمام ج۱۳

345
  • كُلُّهُمْ: نَشْهَدُ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ ذَلِكَ.۱

  • و أورد السيّد البحرانيّ هذه الفقرة في «غاية المرام» عن «كتاب سُليم ابن قَيس».٢

  • المورد الثاني: احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام‌ بحديث الثقلين في رحبة الكُوفة

  • ذكر الشيخ عُبَيد الله الآمرتسرّيّ الهنديّ بسنده عن أبي الطفيل أنّ عليّاً عليه السلام قام و حمد الله و أثنى عليه و قال: انشدُ الله مَن شهد يوم غدير خُمّ إلّا قام، و لا يقوم رجل يقول: نُبِّئتُ أو بلغني، إلّا رجل سمعتْ اذُناه و وعاه قلبه. فقام سبعة عشر رجلًا و شهدوا على مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام و احتجاجه المفصّل بواقعة غدير خُمّ. و بيّنوا كلمات رسول الله صلى الله عليه و آله التي قالها كلّها يومئذٍ، و منها قوله:

  • ثُمَّ قَالَ: أيُّهَا النَّاسُ! إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، فَإنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ، نَبَّأنِي بِذَلِكَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ.

  • ثُمَّ أخَذَ بِيَدِ عَلِيّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ. فَقَالَ عَلِيّ: صَدَقْتُمْ وَ أنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ!٣

    1. «فرائد السمطين» ج ۱، ص ٣۱٢ إلى ٣۱۸، الباب ٥۸، و هو السمط الأوّل، و الفقرات التي ذكرناها موجودة في ص ٣۱۷ و ٣۱۸؛ و «كتاب سُليم بن قيس» ص ۱۱۱ إلى ۱۱۷، و الفقرات التي أوردناها جاءت في ص ۱۱٦ منه.
    2. «غاية المرام» ص ٢٢٦، الحديث ٢٩، عن الخاصّة.
    3. «أرجح المطالب» ص ٣٣٩.

معرفة الإمام ج۱۳

346
  • أخرجه أبو نُعَيم الإصفهانيّ في «حلية الأولياء»، و أخرجه غيره أيضاً بناءً على ما نقله القندوزيّ، عن أبي الطفيل، عن أمير المؤمنين عليه السلام.۱

  • و رواه شمس الدين السخاويّ في كتاب «استجلاب ارتقاء الغرف» بتخريج ابن عقدة عن طريق محمّد بن كثير، عن فطر و أبي الجارود، و هما عن أبي الطفيل، عن أمير المؤمنين عليه السلام. و من هؤلاء السبعة عشر الذين شهدوا غدير خُمّ: خُزيمة بن ثابت، و سهل بن سعد [الساعدي‌]، و عَديّ بن حاتم، و عَقَبَة بن عامر، و أبو أيُّوب الأنصاريّ، و أبو سعيد الخُدريّ، و أبو شُرَيح الخُزَاعيّ، و أبو قُدامة الأنصاريّ، و أبو ليلى، و أبو الهيثم بن التَّيِّهان، و رجال من قريش.٢

  • قال نور الدين السمهوديّ في كتاب «جواهر العقدين» بعد ذكر ما يدعم هذا الحديث الشريف: و في الباب عن زيادة على عشرين من الصحابة رضوان الله عليهم. و واصل كلامه حتى قال: و روى عن أبي الطفيل. و عرض الحديث هنا تماماً ذاكراً قيام السبعة عشر و شهادتهم على هذا الموضوع. كما أورد في ذيله تصديق أمير المؤمنين عليه السلام. و نقل فيه كلّ ما جاء في الأحاديث السابقة حذو النعل بالنعل.٣

    1. «ينابيع المودّة» ص ٣۸.
    2. «العبقات» ج ٢، ص ٥۷٩. قال ضمن ترجمة السخاويّ: و أمّا حديث خزيمة ... إلى آخر كلامه.
    3. «العبقات» ج ٢، ص ٦٤۱ و ٦٤٢. قال في سياق ترجمة السمهوديّ: و عن أبي الطفيل أنّ عليّاً ... إلى آخر كلامه.

معرفة الإمام ج۱۳

347
  • المورد الثالث: احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام‌ في الشورى التي عيّنها عمر

  • روى أحمد بن حنبل في كتاب «المناقب» بناءً على ما نقله القندوزيّ عن أبي ذرّ رضي الله عنه أنّه قال: قال عليّ عليه السلام لطلحة، و عبد الرحمن بن عوف، و سعيد۱ بن أبي وقّاص:

  • هَلْ تَعْلَمُونَ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، وَ إنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ، وَ إنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا إنِ اتَّبَعْتُمْ وَ اسْتَمْسَكْتُمْ بِهِمَا؟! قَالُوا: نَعَمْ.٢

  • و ذكر الشيخ الطوسيّ هذه المناشدة نفسها في أماليه بناءً على ما نقله السيّد هاشم البحرانيّ بسنده المتّصل عن سالم بن أبي الجعد، مرفوعاً عن أبي ذرّ الغفاريّ.٣

  • روى الحافظ أبو المؤيّد موفّق بن أحمد الحنفيّ أخطب خوارزم‌٤ بسلسلة سنده المتّصل عن أبي الطُّفيل عامر بن واثلة أنّه قال: كنتُ مع عليّ بن أبي طالب عليه السلام في الدار يوم الشورى و سمعته يقول: لأحْتَجَّنَّ عَلَيْكُمْ بِمَا لَا يَسْتَطِيعُ عَرَبِيُّكُمْ وَ لَا عَجَمِيُّكُمْ تَغْيِيرَ ذَلِكَ.٥

  • ثمّ شرع في الاحتجاج و المناشدة بنحو مفصّل، و ذكر جميع مناقبه و فضائله، و أولويّته في كافّة الامور، حتى بلغ قوله:

    1. المقصود سعد بن أبي وقّاص. و جاء في هذه النسخة: سعيد.
    2. «ينابيع المودّة» ص ٣٥.
    3. «غاية المرام» ص ٢٢٤، الحديث ۱٦، عن الخاصّة.
    4. المعروف بالخوارزميّ، ولد سنة ٤۸٤، و توفّى سنة ٥٦۸ هـ.
    5. رواه الحمّوئيّ في «فرائد السمطين» ج ۱، ص ٣۱٩ إلى ٣٢٢، الحديث ٢٥۱، من الباب ٥۸، من السمط الأوّل في هذه المناشدة، عن أبي الطفيل بسنده المتّصل.

معرفة الإمام ج۱۳

348
  • فَانْشِدُكُمْ بِاللهِ أ تَعْلَمُونَ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، لَنْ تَضِلُّوا مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا، وَ لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ؟! قَالُوا: اللَهُمَّ نَعَمْ!

  • و واصل الإمام احتجاجه. إلى أن قال أبو الطفيل:

  • كنتُ على الباب يوم الشورى فارتفعت الأصوات بينهم فسمعتُ عليّاً عليه السلام يقول:

  • بَايَعَ النَّاسُ أبَا بَكْرٍ وَ أنَا وَ اللهِ أولى بِالأمْرِ وَ أحَقُّ بِهِ مِنْهُ فَسَمِعْتُ وَ أطَعْتُ مَخَافَةَ أنْ يَرْجِعَ النَّاسُ كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُهُمْ رِقَابَ بَعْضٍ بِالسَّيْفِ. ثُمَّ بَايَعَ أبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ وَ أنَا وَ اللهِ أحَقُّ بِالأمْرِ مِنْهُ فَسَمِعْتُ وَ أطَعْتُ مَخَافَةَ أنْ يَرْجِعَ النَّاسُ كُفَّاراً. ثُمَّ أنْتُمْ تُرِيدُونَ أنْ تُبَايِعُوا لِعُثْمَانَ إذاً لَا أسْمَعُ وَ لَا اطِيعُ.

  • إن عُمَرَ جَعَلَنِي في خَمْسِ نَفَرٍ أنَا سَادِسُهُمْ، لأيْمُ اللهِ لَا يُعْرَفُ لي فَضْلٌ في الصَّلَاحِ وَ لَا يَعْرِفُونَهُ لي كَمَا نَحْنُ فِيهِ شَرْعٌ سِوَاءٌ. وَ أيْمُ اللهِ لَوْ أشَاءُ أتَكَلَّمُ بِمَا لَا يَسْتَطِيعُ عَرَبُهُمْ وَ لَا عَجَمُهُمْ وَ لَا المُعَاهِدُ مِنْهُمْ وَ لَا المُشْرِكُ أنْ يَرُدَّ خَصْلَةً مِنْهَا.

  • و واصل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام هنا أيضاً كلامه و احتجاجه القويّ، و القوم كلّهم صدّقوه.۱

  • و هذا الحديث في غاية الروعة، بَيدَ أنّا اكتفينا منه بالفقرات المذكورة خشية الإطالة.

    1. «مناقب الخوارزميّ» في الطبعة الحجريّة: ص ٢۱٦ إلى ٢٢۰، و في الطبعة الحديثة في النجف الأشرف: ص ٢٢۱ إلى ٢٢٥.

معرفة الإمام ج۱۳

349
  • المورد الرابع: احتجاج مع طلحة

  • و من احتجاجات الإمام عليه السلام احتجاجه مع طلحة كما ورد في «غاية المرام» ص ٢٢٦، الحديث ٢٩، عن الخاصّة، عن سُليم بن قيس، عن أمير المؤمنين عليه السلام، ضمن حديث طويل خاطب به طلحة، و قال فيه: قال لي رسول الله صلى الله عليه و آله: «أنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ موسى غَيْرَ النُّبُوَّةِ» فَلَوْ كَانَ غَيْرُ النُّبُوَّةِ لَاسْتَثْنَاهَا رَسُولُ اللهِ. وَ قَوْلُهُ: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ أمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي، لَا تَقَدَّمُوهُمْ، وَ لَا تَخَلَّفُوا عَنْهُمْ، وَ لَا تُعَلِّمُوهُمْ فَإنَّهُمْ أعْلَمُ مِنْكُمْ‌. و جاءت هذه الفقرات من خطابه عليه السلام لطلحة في «كتاب سُلَيم» ص ۱۱۸.

  • المورد الخامس: احتجاج أمير المُؤمنين عليه السلام في‌ صفّين بحضور أبي هريرة و أبي الدرداء

  • و توضيح ذلك: جاء في «كتاب سُلَيم بن قيس» أنّ معاوية حمّل أبا هريرة و أبا الدرداء رسالة إلى الإمام عليه السلام قبل واقعة صفّين. و لمّا بلّغاه، تحدّث عليه السلام عن فضائله أمام عسكره من المهاجرين و الأنصار. و نقل منها حديث الغدير عن رسول الله صلى الله عليه و آله، فبلغ قوله: عَلِيّ أخِي وَ وَصِيِّي وَ وَارِثِي وَ خَلِيفَتِي في امَّتِي وَ وَلِيّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي. وَ أحَدَ عَشَرَ إماماً مِنْ وُلْدِهِ: الحَسَنُ وَ الحُسَيْنُ ثُمَّ تِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ الحُسَيْنِ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ، القُرآنُ مَعَهُمْ وَ هُمْ مَعَ القُرآنِ، لَا يُفارِقُونَهُ حتى يَرِدُوا عَلَيّ الحَوْضَ، إلى آخره.

  • و قال صلى الله عليه و آله أيضاً في ذيل ما يلي هذا الحديث: وَ أمَرَنِي في كِتَابِهِ بِالوِلَايَةِ، وَ إنِّي اشْهِدُكُمْ أيُّهَا النَّاسُ أنَّهَا خَاصَّةٌ لِعَلِيّ بْنِ أبِي‌

معرفة الإمام ج۱۳

350
  • طَالِبٍ وَ الأوْصِيَاءِ مِنْ وُلْدِي وَ وُلْدِ أخِي وَ وَصِيِّي، عَلِيّ أوَّلُهُمْ ثُمَّ الحَسَنُ ثُمَّ الحُسَيْنُ ثُمَّ تِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ الحُسَيْنِ، لَا يُفَارِقُونَ الكِتَابَ حتى يَرِدُوا عَلَيّ الحَوْضَ.

  • و حدّث أيضاً في هذه الخطبة و الاحتجاج عن رسول الله فقال: انْشِدُكُم اللهَ أ تَعْلَمُونَ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَامَ خَطِيباً وَ لَمْ يَخْطُبْ بَعْدَهَا وَ قَالَ: إنِّي تَرَكْتُ فِيكُمْ أيُّهَا النَّاسُ أمْرَيْنِ، لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ وَ أهْلَ بَيْتِي، فَإنَّهُ قَدْ عَهِدَ إلَيّ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ أنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ؟! فَقَالُوا: اللَهُمَّ نَعَمْ، قَدْ شَهِدْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ، فَقَالَ: حَسبِيَ اللهُ.۱

  • المورد السادس: احتجاج الإمام المجتبى عليه السلام‌ بعد بيعته بالخلافة

  • روى الشيخ المفيد في أماليه بسنده المتّصل عن هِشام بن حسَّان أنّه قال: سمعتُ أبا محمّد الحسن بن عليّ عليهما السلام يخطب الناس بعد

    1. «كتاب سُليم بن قيس» ص ۱۷٩ إلى ۱٩۰، و الفقرات المذكورة واردة في ص ۱۸۷ إلى ۱۸٩ من الكتاب بالترتيب؛ و رواه البحرانيّ في «غاية المرام» ص ٢۱۸، الحديث الرابع، عن الخاصّة، عن محمّد بن إبراهيم النعمانيّ في كتاب «الغيبة» بسنده المتّصل عن سُليم بن قيس، عن أمير المؤمنين عليه السلام؛ و رواه أيضاً مفصّلًا في ص ٢٣۰ و ٢٣۱ من كتابه المذكور، الحديث ٥۱، عن النعمانيّ في «الغيبة» بسنده المتّصل عن سُليم، و بسند آخر أيضاً عن عمر بن أبي سَلمة؛ و ذكره أيضاً فيه، ص ٢٣۱، الحديث الثاني و الخمسون، عن «غيبة النعمانيّ»، و فيه: قام من الإثني عشر أربعة: الهيثم بن التَّيِّهان، و أبو أيّوب، و عمّار، و خزيمة ذو الشهادتين. و شهدوا كلّ علي حِدة بأشياء و خصوصيّات اخرى كانت تخصّهم أنفسهم.

معرفة الإمام ج۱۳

351
  • البيعة له بالأمر، فقال: نَحْنُ حِزْبُ اللهِ الغَالِبُونَ، وَ عِتْرَةُ رَسُولِهِ الأقْرَبُونَ، و أهْلُ بَيْتِهِ الطَّيِّبُونَ الطَّاهِرُونَ، وَ أحَدُ الثَّقَلَيْنِ اللَّذَيْنِ خَلَّفَهُمَا رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ في امَّتِهِ، وَ التَّالِي كِتَابَ اللهِ فِيهِ تَفْصِيلُ كُلِّ شَي‌ءٍ، لَا يَأتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ لَا مِنْ خَلْفِهِ، فَالمُعَوَّلُ عَلَيْنَا في تَفْسِيرِهِ، لَا نَتَظَنَّى تَأوِيلَهُ بَلْ نَتَيَقَّنُ حَقَائِقَهُ، فَأطِيعُونَا فَإنَّ طَاعَتَنَا مَفْرُوضَةٌ، إذ كَانَتْ بِطَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ مَقْرُونَةً.

  • قَالَ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ، فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‌ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ‌»،۱ «وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى‌ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ».٢

  • وَ احَذِّرُكُمُ الإصْغَاءَ لِهُتَافِ الشَّيْطَانِ بِكُمْ، فَإنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ فَتَكُونُوا كَأولِيَائِهِ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ: «لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَ إِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى‌ عَقِبَيْهِ وَ قالَ إِنِّي بَرِي‌ءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى‌ ما لا تَرَوْنَ».٣

  • فَتُلْقَوْنَ إلَى الرِّمَاحِ وَزَراً، وَ إلَى السُّيُوفِ جَزَراً، وَ لِلعُمُدِ حَطَماً، وَ لِلسِّهَامِ غَرَضاً ثُمَ «لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً».٤

    1. الآية ٥٩، من السورة ٤: النساء.
    2. الآية ۸٣، من السورة ٤: النساء.
    3. الآية ٤۸، من السورة ۸: الأنفال.
    4. الآية ۱٥۸، من السورة ٦: الأنعام. و المصدر هو: «أمالي المفيد» ص ٣٤۸ إلى ٣٥۰، الحديث ٤ من المجلس الحادي و الأربعين، طبعة جماعة المدرِّسين في الحوزة العلميّة بقم.

معرفة الإمام ج۱۳

352
  • أورده الشيخ الطوسيّ في أماليه بسنده المتّصل عن هشام بن حسّان، عن الإمام المجتبى عليه السلام، و رواه السيّد هاشم البحرانيّ في «غاية المرام» عن الشيخ المفيد في أماليه، و عن الشيخ الطوسيّ في أماليه.۱

  • و نقل القندوزيّ بسنده عن هشام بن حسّان أنّ أحمد بن حنبل ذكر هذا الاحتجاج في مناقبه عن الإمام المجتبى عليه السلام إلى قوله: وَ احْذَرُوا الإصْغَاءَ لِهُتَافِ الشَّيْطَانِ فَإنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ.٢

  • المورد السابع: احتجاج الإمام الحسن المجتبى عليه السلام‌ على منبر الكوفة أمام الناس بعد صلحه مع معاوية

  • قال سبط بن الجوزيّ شمس الدين أبو المظفّر في كتاب «تذكرة الخواصّ»: ثمّ سار معاوية فدخل الكوفة، فأشار عليه عمرو بن العاص أن يأمر [الإمام‌] الحسن عليه السلام [فيصعد المنبر و] يخطب ليظهر عَيُّه. فقال له: قم فاخطب! فقام [الإمام‌] و خطب فقال: أيُّهَا النَّاسُ! إنَّ اللهَ هَدَاكُمْ بِأوَّلِنَا، وَ حَقَنَ دِمَاءَكُمْ بِآخِرِنَا، وَ نَحْنُ أهْلُ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ أذهَبَ اللهُ عَنَّا الرِّجْسَ وَ طَهَّرَنَا تَطْهِيراً، وَ إنَّ لِهَذَا الأمْرِ مُدَّةً، وَ الدُّنْيَا دُولٌ، وَ قَدْ قَالَ اللهُ لِنَبِيِّهِ: «وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى‌ حِينٍ»٣ فَضَجَّ النَّاسُ بِالبُكَاءِ.

  • فالتفت معاوية إلى عمرو بن العاص و قال له: هذا رأيك. و التفت إلى‌

    1. «غاية المرام» ص ٢٣٤، الحديث ۷۷، عن الخاصّة، عن المفيد، و ص ٢٢٤، الحديث ۱٥، عن الخاصّة عن الطوسيّ.
    2. «ينابيع المودّة» ص ٢۱. و جاء في هذه الرواية قوله: و نحن ثاني كتاب الله مكان قوله: و التالي لكتاب الله.
    3. الآية ۱۱۱، من السورة ٢۱: الأنبياء.

معرفة الإمام ج۱۳

353
  • [الإمام‌] الحسن و قال له: حَسْبُكَ يَا أبَا مُحَمَّدٍ.

  • و في رواية أنّه قال: نَحْنُ حِزْبُ اللهِ المُفْلِحُونَ، وَ عِتْرَةُ رَسُولِهِ المُطَهَّرُونَ، وَ أهْلُ بَيْتِهِ الطَّيِّبُونَ الطَّاهِرُونَ وَ أحَدُ الثَّقَلَيْنِ اللَّذَيْنِ خَلَّفَهُمَا رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِيكُمْ، فَطَاعَتُنَا مَقْرُونَةٌ بِطَاعَةِ اللهِ، فَإنْ تَنَازَعْتُمْ في شَي‌ءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللهِ وَ الرَّسُولِ. وَ إنَّ مُعَاوِيَةَ دَعَانَا إلَى أمْرٍ لَيْسَ فِيهِ عِزٌّ وَ لَا نَصَفَةٌ، فَإنْ وَافَقْتُمْ رَدَدْنَا عَلَيْهِ وَ خَاصَمْنَاهُ إلَى اللهِ تعالى بِظُبَي السُّيُوفِ، وَ إنْ أبَيْتُمْ قَبِلْنَاهُ. فَنَادَاهُ النَّاسُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ: البَقِيَّةَ البَقِيَّةَ.۱

  • المورد الثامن: احتجاج سيّد الشهداء عليه السلام‌ بحديث الثقلين في مِنَى‌

  • ذكر سُليم بن قيس الهلاليّ في كتابه أنّ سيّد الشهداء عليه السلام حجّ قبل موت معاوية بسنة.٢ و توضيح ذلك أنّه لمّا استشهد الإمام الحسن عليه السلام سنة ٤٩ هـ بسمّ دسّه معاوية على يد جُعْدَة بنت الأشعث بن قيس زوجة الإمام،٣ لم تزل الفتنة و البلاء يعظمان و يشتدّان، فلم يبق وليّ لله إلّا خائفاً على دمه، و إلّا طريداً، و إلّا شريداً. و لم يبق عدوّ للّه إلّا مظهراً حجّته، غير مستتر ببدعته و ضلالته. فلمّا كان قبل موت معاوية بسنة، حجّ‌

    1. «تذكرة الخواصّ» ص ۱۱٣، الطبعة الحجريّة من القطع الرحليّ.
    2. و في بعض النسخ: بسنتين.
    3. ذكر ابن الأثير الجزريّ في «الكامل في التاريخ» ج ٣، ص ٤٦۰، حوادث سنة ٤٩ هـ، أنّ الحسن بن عليّ عليه السلام توفّي فيها، سمّته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكنديّ.

معرفة الإمام ج۱۳

354
  • الحسين بن عليّ عليه السلام، و عبد الله بن عبّاس، و عبد الله بن جعفر معه.

  • فجمع الحسين عليه السلام بني هاشم، رجالهم، و نساءهم، و مواليهم، و من الأنصار ممّن يعرفه الحسين عليه السلام، و أهل بيته. ثمّ أرسل رسلًا لا تدعو أحداً ممّن حجّ العام من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله المعروفين بالصلاح و النسك إلّا اجمعهم لي فاجتمع إليه بمِنى أكثر من سبعمائة رجل و هم في سرادقه، عامّتهم من التابعين، و نحو من مائتي رجل من أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله. فقام فيهم خطيباً، و بيّن سوابقه و سوابق أبيه و جرائم الطاغية معاوية مناشداً محتجّاً إلى أن بلغ قوله:

  • أ تَعْلَمُونَ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ في آخِرِ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا: إنِّي تَرَكْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ أهْلَ بَيْتِي، فَتَمَسَّكُوا بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا؟! قَالُوا: اللَهُمَّ نَعَمْ!

  • و واصل الإمام هذه المناشدة، و كلّهم يقولون: اللهُمّ نعم، قد سمعنا، و تفرّقوا على ذلك.۱

  • المورد التاسع: شهادة ابن عبّاس على التمسّك‌ بحديث الثَّقلين‌

  • روى موفّق بن أحمد الخوارزميّ أخطب خوارزم بسنده عن مجاهد

    1. «كتاب سُليم بن قيس» ص ٢۰٦ إلى ٢۰٩. و نحن ذكرنا هذه الخطبة مع ترجمتها إلى الفارسيّة في الطبعة الثانية من كتاب «لمعات الحسين عليه السلام» ص ٢٣ إلى ٣۰، الطبعة الفارسيّة.

معرفة الإمام ج۱۳

355
  • أنّه قال: قيل لابن عبّاس:

  • ما تقول في عليّ بن أبي طالب؟!

  • فقال: ذَكَرْتَ وَ اللهِ أحَدَ الثَّقَلَيْنِ، سَبَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَ صلى القِبلَتَيْنِ، وَ هُوَ أبُو السِّبْطَيْنِ الحَسَنِ وَ الحُسَيْنِ، وَ رُدَّتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ مَرَّتَيْنِ بَعْدَ مَا غَابَتْ عَنِ القِبْلَتَيْنِ، وَ جَرَّدَ السَّيْفَ تَارَتَيْنِ، وَ هُوَ صَاحِبُ الكَرَّتَيْنِ، فَمَثَلُهُ في الامَّةِ مَثَلُ ذِي القَرْنَيْنِ، ذَاكَ مَوْلَايَ عَلِيّ بْنُ أبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ.۱

  • المورد العاشر: شهادة عمرو بن العاص على التمسّك‌ بحديث الثقلين‌

  • ذكر موفّق بن أحمد الخوارزميّ الذي يسمّيه المخالفون: صدر الأئمّة حديث مكاتبة معاوية عمرو بن العاص في استدعاء عمرو بن العاص إلى المعونة على أمير المؤمنين عليه السلام، و أورد جواب عمرو بن العاص الذي شرح فيه مناقب أمير المؤمنين عليه السلام و فضائله و سوابقه، و ممّا جاء فيه، قوله: وَ أكَّدَ القَوْلَ عَلَيْكَ وَ عَلَى وَ عَلَى جَمِيعِ المُسْلِمِينَ، وَ قَالَ: إنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي.٢

    1. «مناقب الخوارزميّ» ص ٢٣۰، الطبعة الحجريّة، و في طبعة النجف الحديثة: ص ٢٣٦؛ و «غاية المرام» ص ٢۱٤، الحديث ٢٤، عن العامّة، عن الخوارزميّ.
    2. «مناقب الخوارزميّ» ص ۱٢٦، الطبعة الحجريّة، و في طبعة النجف الأشرف الحديثة: ص ۱٣۰؛ و «غاية المرام» ص ٢۱٣، الحديث ۱۷، عن العامّة، عن الخوارزميّ.

معرفة الإمام ج۱۳

356
  • المورد الحادي عشر: شهادة الحسن البصريّ على لزوم‌ التمسّك بحديث الثقلين‌

  • قال ابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة»: روى الناقديّ، قال: سُئِلَ الحَسَنُ البَصْرِيّ عَنْ عَلِيّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ كَانَ يَظُنُّ بِهِ الانْحِرَافَ عَنْهُ وَ لَمْ يَكُنْ كَمَا ظُنَّ فَقَالَ: مَا تَقُولُ فِيمَنْ جَمَعَ الخِصَالَ الأرْبَعَ: ايتِمَانُهُ عَلَى بَرَاءَةٍ، وَ مَا قَالَ لَهُ مِنْ غَزَاةِ تَبُوكَ، فَلَو كَانَ غَيْرُ النُّبُوَّةِ لَاسْتَثْنَاهُ، وَ قَوْلُ النَّبِيّ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: الثَّقَلَانِ: كِتَابُ اللهِ وَ عِتْرَتِي؛ وَ إنَّهُ لَمْ يُؤَمَّرْ عَلَيْهِ أمِيرٌ قَطُّ وَ قَدْ امِّرَتِ الامَرَاءُ عَلَى غَيْرِهِ.۱

  • أجل، كان كلامنا في هذا البحث حتى الآن يحوم حول جمع الموارد العديدة في صدور هذا الحديث المبارك، و المواضع الكثيرة للاحتجاج و الاستشهاد به. و ما علينا في كلامنا الآتي إلّا البحث موجزاً في سنده و دلالته و مفاده، و بعبارة اخرى، لا بدّ لنا من حديثٍ حوله من منطلق البحث الكلامي.

  • البحث في سند حديث الثقلين و دلالته‌

  • استبان لنا من كيفيّة صدور الحديث، و روايته على لسان جمع غفير من الصحابة و التابعين، و تخريجه من قبل مائة و سبعة و ثمانين عالماً من علماء العامّة، و ضبطه في صحاحهم و سننهم و سِيَرهم و تواريخهم و تفاسيرهم، و نصّهم على توثيق و تصحيح كثير من طرقه أنّه من الأحاديث المستفيضة المتواترة الصحيحة السَّنَد، بل من الأحاديث التي فاقت التواتر، إذ ليس هناك أدنى شبهة و شكّ و تأمّل في صدوره عن خاتم الأنبياء

    1. «غاية المرام» ص ٢۱۷، الحديث ٣٤، عن العامّة.

معرفة الإمام ج۱۳

357
  • صلّى الله عليه و آله.

  • و ورد هذا الحديث في «صحيح مسلم»، و «خصائص النسائيّ»، و «مسند أحمد بن حَنْبَل»، و «صحيح الترمذيّ». و انفرد البخاريّ في عدم ذكره في صحيحه،۱ و ذكره ابن الجوزيّ في كتابه «العلل المتناهية».٢

  • ردّ صاحب «عبقات الأنوار» على كلام البخاريّ في إنكار الحديث‌

  • أمّا كلام‌

    1. يتّضح ممّا قلناه أنّ كلام أخينا المؤمن العزيز الدكتور السيّد محمّد التيجانيّ السماويّ في ص ۱۱۱، من كتابه الثمين: «لأكون مع الصادقين» لا يستقيم، إذ قال: إنّ البخاريّ، و مسلم، و الترمذيّ، و ابن ماجة لم يذكروه في كتبهم. فقد ذكره الثلاثة الواردة أسماؤهم بعد البخاريّ.
    2. و طعن ابن تيميّة أيضاً بقوله صلى الله عليه و آله: لن يفترقا. فتصدّى مير حامد حسين إلى ردّه مفصّلًا. و قال في آخره: كيف يجرؤ مسلم على القدح في أصل حديث الثقلين سنداً، أو إنكار ثبوت قوله: لن يفترقا و ما ماثله، في حين أنّ النواصب اللئام الذين اتّفق أهل الإسلام على تكفيرهم لم يقولوا بذلك؟ و قُصارى سعيه اللامشكور و حُمادى جهده اللامبرور -شتّان على ما أفاده مخاطبنا اللبيب في العبارة الماضية من «التحفة»- هو أنّه قدح في صحّة هذا الحديث الشريف و زعم باطلًا أنّ الدليل العقليّ لا يعضده. فأثبت بذلك جهله و سفاهته تماماً.
      و من هنا فإنّ قدوة النواصب الأغثام و اسوة هؤلاء الطغام عمرو بن بحر البصريّ المعروف بالجاحظ، على شدّة نصبه و عدوانه و كثرة بغيه و طغيانه الوارد مثاله في الجزء الخاصّ بحديث الغدير، و الجزء الخاصّ بحديث المنزلة، قد أنطقه الحقّ سبحانه و تعالى إظهاراً للحقّ و إرداءً للباطل فاعترف بالصواب في «رسالة مدح أهل البيت عليهم السلام» إذ استدلّ بحديث الثقلين على كمال أفضليّة أهل البيت عليهم السلام، و أحرز قصب الاستباق في تسويد وجوه أهل الإنكار و الشقاق بإيراده لفظاً أصرح و أوضح يشتمل على جملة عدم الافتراق أيضاً، فقال في رسالته المذكورة: اعلم أنّ الله تعالى لو أراد أن يسوّي بين بني هاشم و بين الناس لما أبان منهم ذوي القربى و لما قال: «وَ أنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِين» و قال تعالى: «وَ إنَّهُ لَذِكر لك و لقومك». و إذا كان لقومه في ذلك ما ليس لغيرهم فكلّ من كان أقرب كان أرفع؛ و لو سوّاهم بالناس لما حرّم عليهم الصدقة؛ و ما هذا التحريم إلّا لإكرامهم، و لذلك قال للعبّاس حين طلب ولاية الصدقات: لا أُوّليك غسالات خطايا الناس و أوزارهم، بل أُوّليك سقاية الحجّ (الحاجّ ظ) و الإنفاق على زوّار الله؛ و لهذا كان رباه أوّل ربا وضع، و دم ابن ربيعة بن الحارث اوّل دم هدر، لأنّها القدوة في النفس و المال؛ و لهذا قال عليّ على منبر الجماعة: نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد من الناس، و صدق كرّم الله وجهه و كيف يقاس بقوم منهم رسول الله صلى الله عليه (و آله) و سلّم و الأطيبان: عليّ و فاطمة، و السبطان: الحسن و الحسين، و الشهيدان: أسد الله حمزة و ذو الجناحين جعفر، و سيّد الوادي عبد المطّلب، و ساقي الحجيج العبّاس، و النجدة و الخير فيهم، و الأنصار أنصارهم، و المهاجر مَن هاجر إليهم و معهم؛ و الصدِّيق من صدَّقهم، و الفاروق من فرّق بين الحقّ و الباطل فيهم، و الحواريّ حواريّهم، و ذو الشّهادتين، لأنّه شهد لهم، و لا خير إلّا فيهم و لهم و منهم و معهم. و قال عليه السلام: إنّي تاركٌ فيكم الخليفتين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، و عترتي أهل بيتي؛ نبّأني اللطيف الخبير أنّهما لن يتفرّقا حتى يَردا عَلَيّ الحَوضَ. («عبقات الأنوار» ج ٢، ص ٩٤٢ و ٩٤٣).

معرفة الإمام ج۱۳

358
  • البخاريّ و بطلانه، فقد ذكر العلّامة آية الله مير حامد حسين الهنديّ في كتابه النفيس الثمين «عبقات الأنوار» مائة و ستّين وجهاً۱ فضح بها البخاريّ و أخزاه و حيّره حتى أنّه لم يدع له حيلةً يلوذ بها.

  • يقول: فمن الجدير ذكره أنّ البخاريّ قال في تاريخه الصغير الذي أحتفظ منه بنسخة و للّه الحمد: «قال أحمد في حديث عبد الملك عن عطيّة، عن أبي سعيد، قال النبيّ صلى الله عليه و آله: تَرَكْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ‌. أحاديث الكوفيّين هذه مناكير».

  • لمّا كان هذا الكلام الغريب الذي صدر عن البخاريّ الجليل مدعاةً لإخجال أنصار هذا الإمام الكبير، لأنّ الحقيقة واضحة كالشمس في رائعة النهار لمن له أدنى تتبّع في مصنَّفات المحقّقين و هي أنّ الإمام أحمد روى حديث الثقلين بطرق عديدة، و أسانيد سديدة، و روايات متكثّرة، و سياقات متوافرة. و ضاعف تأييده و تشييده و توكيده و توطيده؛ فكيف‌

    1. «عبقات الأنوار» ج ٢، ص ۸٢٤ إلى ٩۰٥، من حديث الثقلين، طبعة إصفهان.

معرفة الإمام ج۱۳

359
  • يقدح في هذا الحديث الشريف العياذ بالله مثل هذا الجهبذ الجليل و الناقد العديم المثيل الذي ينظر إليه أهل السُّنّة أنّه جُهَينة الأخبار و عيبة الأسرار و حافظ الأحاديث و الآثار و نافي الكذب عن النبيّ المختار عليه و آله الأطهار آلاف السلام من الملك الغفّار؟ فيقحم نفسه في زمرة الناصبين الجاحدين الهالكين و يدخل في مصافّ المنكرين المعاندين الضالّين!

  • و كيف لم يسمع هذا الكلام السديد، في حين أنت علمتَ سابقاً بحمد الله تعالى أنّ الإمام أحمد ذكر طرقه العديدة خاصّة في مسنده الكريم الذي لا تكفي الطوامير الطويلة لتبيين جلالة رتبته و عظمة منزلته حسب ما أفاده الأعلام. و نقله عن زيد بن أرقم بطريقين، و أخرجه عن زيد بن ثابت بسندين، و رواه من حديث أبي سعيد الخُدريّ بأربعة وجوه.

  • فافتراء القدح في هذا الحديث الشريف و تجريحه على مثل هذا الثبت المؤيّد و المؤسّس المشيّد عجيب صدوره من أصحاب البخاريّ مع يقظتهم و فطنتهم و حزمهم و وعيهم، بل جدّ عجيب. و أنّه ليبعث على الامتعاض بالنسبة إلى أتباعه و أشياعه الذين شمّروا عن ساعد الجدّ في إصلاح فاسده و ترويج كاسده، و رتق فتقه، و رفو خرقه.۱

  • و أمّا القول في بطلان كلام ابن الجوزيّ فقد ورد مفصّلًا، و أورد شهادات علماء العامّة دليلًا على بطلان كلامه، منها كلام السمهوديّ الذي قال: «و من العجيب ذكر ابن الجوزيّ له في «العلل المتناهية»، فإيّاك أن تغترّ به، و كأنّه لم يستحضره حينئذٍ إلّا عن هذه الطرق الواهية.٢ و هو

    1. «العبقات» ج ٢، ص ۸٢٤ و ۸٢٥.
    2. أورد آية الله مير حامد حسين في عبقاته، ج ۱، ص ٢٢۰ و ٢٢۱ نقلًا عن العلّامة السخاويّ في «استجلاب ارتقاء الغرف» في ذكر هذا الحديث الشريف أنّه قال: و تعجّبت من إيراد ابن الجوزيّ له في «العلل المتناهية»، بل أعجب من ذلك قوله: «إنّه حديث لا يصحّ» مع ما سيأتي من طرقه التي بعضها في «صحيح مسلم»، لأنّ مسلماً أخرج في صحيحه حديث زيد من طريق سعيد بن مسروق، و أبي حيّان يحيى بن سعيد بن حيّان و كلاهما -اللفظ للثاني- عن يزيد بن حيّان عمّ ثانيهما، عن زيد بن أرقم. و يذكر هنا حديث زيد مفصّلًا (الكلام).

معرفة الإمام ج۱۳

360
  • لم يبيّن بقيّة طرق الحديث، إذ روى في «صحيح مسلم» و غيره عن زيد بن أرقم أنّه ... و أخرجه الحاكم في مستدركه من ثلاثة طرق، و قال كلّ منهم: هذا الحديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه».۱

  • و منه أنّه قال: و من الصنائع الشنيعة و البدائع الفظيعة و الغرائب البادية العوار و العجائب الواضحة الشَّنار أنّ ابن الجوزيّ تعامي تعامياً صريحاً عن جميع الطرق و الأسانيد الكثيرة المنيرة لهذا الحديث الشريف مع طول باعه و سعة اطّلاعه، و غزارة علومه الدينيّة، و مهارته في الفنون اليقينيّة، و تقدّمه في علم الحديث و الأثر، و تفوّقه على الناقدين من أهل النظر، إلى غير ذلك من المفاخر الباهرة و المآثر الزاهرة التي ثبّتها له أهل السنّة بمبالغة و إغراق، و روى هذا الخبر المنيف بسند طريف، و أدرجه في كتاب «العلل المتناهية في الأحاديث الواهية» من وحي نصبه و عدوانه و غاية بغضه و شنآنه لأهل بيت سيّد الإنس و الجانّ عليه و عليهم آلاف السلام من الملك المنّان علماً أنّ موضوع كتابه المذكور بيان الأحاديث الواهية المتزلزلة الكثيرة الزلل، الجمّة العلل.

  • و أعلن عن مشاقّته و مخالفته بزعمه عدم صحّة الحديث، و قدحه في رجال سنده، بل رفع راية المنابذة و المعاندة للإسلام و أهله كما قال ذلك في‌

    1. «العبقات» ج ٢، ص ٦٣۸ و ٦٣٩، عن نور الدين السمهوديّ في كتاب «جواهر العقدين».

معرفة الإمام ج۱۳

361
  • كتابه... .۱

  • ردّ صاحب «عبقات الأنوار» على ابن الجوزيّ في هذا الشأن‌

  • و من الأشخاص الذين ضعّفهم ابن الجوزيّ: عطيّة العَوْفيّ الكوفيّ الذي روى الحديث عن أبي سعيد. و ذنبه هو تشيّعه و ولاؤه لأهل البيت! يضاف إلى ذلك أنّ كثيراً من أعلام العامّة وثّقوه.٢

  • يقول العلّامة مير حامد حسين: ورد هذا الحديث الشريف في «مسند إسحاق بن راهَوَيه»، و «مسند أحمد»، و «مسند عبد حميد»، و «مسند الدارميّ»، و «صحيح مسلم»، و «صحيح الترمذيّ»، و «فضائل القرآن» لابن أبي الدُّنيا، و «نوادر الاصول» للحكيم الترمذيّ، و «كتاب السُّنَّة» لابن أبي عاصم، و «مسند البزّاز»، و كتاب «الخصائص» للنسائيّ، و «مسند أبي يَعلَى»، و «الذُّرِّيَّة الطاهرة» للدولابيّ، و «صحيح ابن خُزَيمة»، و «صحيح أبي‌

    1. «العبقات» ج ٢، ص ۸٣٦.
    2. إنّ الإشكال الثاني و الأربعين بعد المائة الذي سجّله صاحب «العبقات» على البخاريّ في الجزء الثاني من كتابه، ص ۸٩٢ و ۸٩٣ هو كما يأتي: إنّ قدح ابن الجوزيّ في عطيّة الراوي لهذا الحديث الذي أورده عن أبي سعيد الخُدريّ مرفوض بتوثيق ابن سعد له، فقد قال ابن حجر في «تهذيب التهذيب»: «قال ابن سعد: خرج عطيّة مع ابن الأشعث، فكتب الحجّاج إلى محمّد بن القاسم أن يعرضه على سبّ عليّ بن أبي طالب! فإن لم يفعل فاضربه أربعمائة سوط و احلق لحيته. فاستدعاه، فأبى أن يسبّ، فأمضى حكم الحجّاج فيه، ثمّ خرج إلى خراسان، فلم يزل بها حتى ولى عمر بن هبيرة العراق. فقدمها فلم يزل بها إلى أن توفّي سنة ۱۱۰ هـ. و كان ثقة إن شاء الله تعالى، و له أحاديث صالحة و مِنَ الناس مَن لا يحتجّ به». و ليُعلَم أنّ توثيق ابن سعد -مع عداوته الكثيرة و بغضه الشديد لأهل البيت عليهم السلام إلى حدّ ضعّف معه الإمام جعفر الصادق عليه و على آبائه و أبنائه المعصومين آلاف التحيّة ما ذرّ شارق، و وصف روايته بالاختلاف و الاضطراب، إلى غير ذلك من آيات إعراضه عن أهل البيت و الأئمّة الطاهرين منهم- لعطيّة هذا دليل قاطع على صحّة روايته، و مَن لم يحتجّ به فاولئك أشدّ حروريّة و اعوجاجاً من ابن سعد، فانتبه و لا تغفل!

معرفة الإمام ج۱۳

362
  • عوانة»، و كتاب «المصاحف» لابن الأنباريّ، و «أمالى المَحاملي»، و كتاب «الولاية» لابن عقدة، و كتاب «الطالبيّين» للجُعابيّ، و المعاجم الثلاثة للطبرانيّ،۱ و «المستدرك» للحاكم، و «شرف النبوّة» للخركوشيّ، و «منقبة المطهَّرين»، و «حلية الأولياء» لأبي نُعيم الإصفهانيّ، و كتاب «طُرُق حديث الثقلين» لابن طاهر، و غيرها من الكتب الاخرى. أ لم يكن في هذه الكتب غير الطريق الذي ذكره ابن الجوزيّ؟!

  • نعم كان، إلّا أنّه شاء أن يخدع ناظر كتابه بأنّ روايته منحصرة بهذا الطريق، و بما أنّ رجاله ضعفاء بزعمه فالحديث إذاً لا يصحّ. هكذا شاء وَ لَكِنَّ اللهَ كَشَفَ سِرَّهُ وَ هَتَكَ سِتْرَهُ بِأيْدِي أهْلِ نِحْلَتِهِ وَ إنْ كَانُوا أصْحَابَ الإخمَالِ وَ كَفَى اللهُ المؤمِنِينَ القِتَالَ.٢

  • و أنا اشبّه اسلوب ابن الجوزيّ في بحثه حول مسألة الثقلين بالمثال الآتي: نفترض أنّ حريقاً شبّ في حيّ من أحياء المدينة، و تصاعد دخانه حتى يراه الإنسان من بعيد، و تحرّكت سيّارات الإطفاء بصفّاراتها و فرقها نحو مكان الحريق، و أعلن المذياع عنه، و كتبت الصحف عن كيفيّة حدوثه، و سبب نشوبه، و طريقة إطفائه، و تحدّث عنه ثقات يسكنون قريباً منه لا يُحْصَون، فشرحوا مواصفاته كلّها من بدايته إلى نهايته، و ذكروا الخسائر الناجمة عنه، بَيدَ أنّ أحد الناس يقول: لمّا كان أحد المخبرين فلاناً المجنون، أو فلاناً السفيه، أو فلاناً غير الموثّق، فإنّ هذا الحريق لم يحدث قطّ، و خبره مفتري من أساسه. و هكذا يحاول إنكاره‌

    1. لا يخفي علي أهل التحقيق و الاطّلاع أنّ جميع الأحاديث التي ذكرها الطبرانيّ في معجمه الكبير أحاديث صحيحة. ذلك أنّه لم يُخرج فيه إلّا ما كان صحيح السند.
    2. «العبقات» ج ٢، ص ٩۰٥ و ٩۰٦.

معرفة الإمام ج۱۳

363
  • بكلّ صلافة و وقاحة. فهل هذا الاسلوب صحيح؟! و هل هذا الإنكار عقلائيّ؟!

  • أو نفترض أنّ القمر انشقّ في السماء فأصبح نصفين، و أخبر عنه القرآن الكريم، و تحدّث عنه أهالى المدينة في الأزقّة و الشوارع و الأحياء، و تعجّب من وقوعه المسافرون الذين دخلوا المدينة و كانوا قد رأوه ليلًا، فهل يتسنّى لأحد أن ينكره و لا يقرّ به لأنّ أحد المخبرين -مثلًا- يهوديّ، و قوله ليس حجّة؟! و هل يسعه أن يزعم أنّه ليس من القضايا المسلّمة الواقعة في التأريخ؟

  • من الطبيعي أنّه لا يمكنه أن يزعم ذلك، و لا يقرّ بالحادثة، لأنّ قول اليهوديّ لا دور له هنا، و نحن لا نذكره استناداً و استشهاداً فريداً على الحادثة المعهودة. ذلك أنّ القرائن كثيرة و الأدلّة المتيقّنة الاعتبار جمّة إلى درجة أنّنا لا نرتاب في حُجّيّة الحادثة سواء أخبر عنها اليهوديّ أم لم يخبر. و بلغت خيانة ابن الجوزيّ عند أولى العلم و الدراية حدّاً أنّه أثار الجميع فذمّوه و عابوه، و كأنّ لسان حالهم يقول له: هَبْ أنّ عطيّة ضعيف و مرفوض، و أنّ أحاديث الكوفيّين مناكير، فما عساك أن تفعل بالأحاديث الصحيحة السند المأثورة عن غير طريق عطيّة و الكوفيّين؟ و ما تقول في الأحاديث التي صرّحوا بصحّتها على شرط الشيخين؟!۱

    1. بلغت خيانة ابن الجوزيّ الدينيّة و جنايته الفقهيّة و العلميّة من العجب درجة أنّ حفيده أبا المظفّر يوسف بن قزغلي المعروف بسبط بن الجوزيّ قال في كتاب «تذكرة خواصّ الامّة» ص ۱۸٢، الباب الثاني عشر في ذكر الأئمّة عليهم السلام، الطبعة الحجريّة: قال أحمد في «الفضائل»: حدّثنا أسود بن عامر، حدّثنا إسرائيل عن عثمان بن المغيرة عن عليّ بن ربيعة قال: لقيتُ زيد بن أرقم فقلت له: هل سمعتَ رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: تركت فيكم الثقلين، واحد منهما أكبر من الآخر؟ قال: نعم، سمعته يقول: تركت فيكم الثقلين: كتاب الله حبل ممدود بين السماء، و عترتي أهل بيتي. ألا إنّهما لن يفترقا حتى يردا عَلَيّ الحوض. ألا فانظروا كيف تخلفونّي فيهما. قال سبط بن الجوزيّ هنا: فإن قيل: فقد قال جدّك في كتاب «العلل الواهية»: أنبأنا عبد الوهاب الأنماطيّ عن محمّد بن المظفّر، عن محمّد العقيقيّ، عن يوسف بن الدخيل، عن جعفر العقيليّ، عن أحمد الحلوانيّ، عن عبد الله بن داهر، قال: حدّثنا عبد الله بن عبد القدّوس، عن الأعمش، عن عطيّة، عن أبي سعيد، عن النبيّ صلى الله عليه و آله بمعناه. ثمّ قال جدّك: ضعيف، و ابن عبد القدّوس رافضيّ، و ابن داهر ليس بشي‌ء. قلتُ: الحديث الذي رويناه أخرجه أحمد في «الفضائل»، و ليس في إسناده أحد ممّن ضعّفه جدّي. و قد أخرجه أبو داود في سننه، و الترمذيّ أيضاً، و عامّة المحدّثين. و ذكره ابن رزين في «الجمع بين الصحاح السِّتَّة». و العجيب كيف خفي عن جدّي ما روى مسلم في صحيحه من حديث زيد بن أرقم؟ و يبيّن سبط بن الجوزيّ حديث زيد بن أرقم هنا. و يقول في آخره: الثقلان: الخطران العظيمان.

معرفة الإمام ج۱۳

364
  • لقد أحسن العلّامة آية الله مير حامد حسين الهنديّ أعلى الله مقامه في ردّه كلام ابن الجوزيّ و البخاريّ، إذ وفّى الموضوع حقّه. و قال فيما يخصّ البخاريّ: و جملة القول أنّ إعراض البخاريّ عن إخراج حديث الثقلين عامّة، و بالسياق الذي نقله مُسلم خاصّة خيانة عظمى و خُبث كبير. اللهمّ إلّا إذا سوّغنا ذلك الإعراض بأنّ السياق المذكور لم يسلم من تحريف زيد بن أرقم. و كلامه المشتمل على بيان ابتلائه بكِبَر السنّ و قِدَم العهد، و النسيان في أوّل الحديث دليل على ذلك، لهذا تركه البخاريّ رعاية لمزيد الاحتياط و تَحَرُّجاً مِنْ أنْ يَرْوِي حَدِيثاً مُحَرَّفاً! بَيدَ أنّا لا نتوقّع من أهل السنّة المتعلّقين بأمثال زيد بن أرقم من الصحابة الكرام، يبادرون إلى هذا التسويغ مقابلةً لأهل الحقّ، إلّا إذا لم نجد لهذا التسويغ -مع تسليمنا به- وجهاً للإعراض عن الألفاظ و الطرق التي أوردها الحاكم النيسابوريّ في كتاب «المستدرك»، و استبانت صحّتها على شرط البخاريّ و مسلم غير كتمان الحقّ و غمط الصدق.

معرفة الإمام ج۱۳

365
  • و من هذا و أمثاله يمكن أن نعرف أنّ مسلماً المسكين ينطق أحياناً بطرفٍ من الحقّ، و لا يعرض عن مثل هذه الأحاديث إعراضاً تامّاً كالبخاريّ. و لهذا السبب لا يبلغ كتابه كتابَ البخاريّ رُتبةً عند المتعصّبين من أهل السنّة،۱ كما أنّ عناده دون عناد ابن الجوزيّ.٢

  • بحث في مفاد حديث الثقلين و المعنى اللغويّ للثقلين‌

  • و بعد أن بان لنا ثبوت هذا الحديث المبارك كالشمس في رائعة النهار، ندخل الآن في متنه:

  • إنَّمَا أنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أنْ يَأتِي رَسُولُ رَبِّي فَاجِيبَ (أو ألفاظ تماثلها): إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ -حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاء إلى الأرض- و عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي. (أو بألفاظ تماثلها).

  • و يستفاد من قوله: إنّي تارك فيكم أو إنّي مخلّف فيكم، أو إنّي لاحقٌ بربّي، و اجيب رسول ربّي. و قد خلّفت فيكم، أنّ القرآن و العترة بمنزلة نفسه المقدّسة من حيث الأهمّيّة. و على الامّة أن تنظر إليهما نظرة تكريم‌

    1. «العبقات» ج ٢، ص ٩٣٣.
    2. يقول ابن حجر الهيتميّ في «الصواعق المحرقة» ص ۱٤۸، طبعة مكتبة القاهرة - دار الطباعة المحمّديّة، و قد روى حديث الثقلين عن الترمذيّ، و أحمد بن حنبل مستوعباً ثلثي الصفحة المتقدّمة على الصفحة المذكورة: و ذكر ابن الجوزيّ لذلك في «العلل المتناهية» و هم أو غفلة عن استحضار بقيّة طرقه، بل في« [صحيح‌] مسلم» عن زيد بن أرقم أنّه صلى الله عليه‌ [و آله‌] قال ذلك يوم غدير خُمّ -و هو ماء بالجحفة- ثمّ روى حديث زيد و قال: و في رواية صحيحة: إنّي تاركٌ فيكم أمرين لن تضلّوا إن اتّبعتموهما و هما كتاب الله و أهل بيتي و عترتي. و زاد الطبرانيّ: إنِّي سألتُ ذلك لهما، فلا تقدّموهما فتهلكوا، و لا تقصروا عنهما فتهلكوا، و لا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم. و قال بعد ذلك: و في رواية كتاب الله و سُنَّتي. و هي المراد من الأحاديث المقتصرة على الكتاب، لأنّ السنّة مبيّنة له فأغنى ذكره عن ذكرها. و الحاصل أنّ الحثّ وقع على التمسّك بالكتاب و بالسنّة و بالعلماء بهما من أهل البيت. و يستفاد من مجموع ذلك بقاء الامور الثلاثة إلى قيام الساعة.

معرفة الإمام ج۱۳

366
  • و تعظيم و تفخيم لا من منظار التشريف فحسب، بل من منظار إشرافهما عليها أيضاً. كما أنّ عليها أن تعتبرهما ولِيَّين واليَين مسيطرَين مهيمنَين عليها بمنزلة رسول الله صلى الله عليه و آله، إذ كان وليّاً والياً مسيطراً مهيمناً. و يستفاد من قوله: فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا الذي مرّ في كثير من المصادر أنّ القرآن و العترة خليفتا رسول الله. و لسان حاله يقول: يا امّتي! ها أنا راحل عنكم، فانظروا كيف ترعون وجودي المستمرّ المتمثّل بالقرآن و العترة، و كيف تحفظونني، و تحفظون حقيقتي و أمري و نهيي و حقوقي و جميع شئوني و آثاري في ذينك الشيئين؟!

  • و من هنا قال بصوت عالٍ: اللهَ اللهَ في أهْلِ بَيْتِي! اذَكِّرُكُمُ اللهَ في أهْلِ بَيْتِي، مكرّرا ذلك ثلاث مرّات.

  • المعنى اللغويّ للثقلين‌

  • الثَّقَلين - بفتح الثاء و القاف: مثنّى ثَقَل. و هو الشي‌ء النفيس الخطير المحفوظ المصون. كما جاء في «لسان العرب»، و «تاج العروس»، و «القاموس»، و غيرها من كتب اللغة.

  • قال في «تاج العروس» مادّة ثقل: الثَّقَلُ مُحَرَّكَةً: مَتَاعُ المُسَافِرِ وَ حَشَمُهُ،۱ وَ الجَمْعُ أثْقَالٌ، وَ كُلُّ شَيْ‌ءٍ خَطِيرٍ نَفِيسٍ مَصُونٍ لَهُ قَدْرٌ وَ وَزْنٌ ثَقَلٌ عِنْدَ العَرَبِ.

  • ثمّ قال الزبيديّ مؤلّف الكتاب: قيل لبيض النعام: ثَقَل، لأنّ آخذه‌

    1. قال في «أقرب الموارد» ج ۱، ص ۱٩٦، مادّة حشم: حَشَمُ الرجل خَدَمُهُ و من يغضب له. سُمُّوا بذلك لأنّهم يغضبون له أو يغضب هو لهم من أهل و عبيد أو جيرة أو أقرباء. و الجمع أحشام.

معرفة الإمام ج۱۳

367
  • يفرح به و هو قوت. و كذلك في الحديث: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي‌ جعلهما ثقلين إعظاماً لقدرهما و تفخيماً لهما. و قال ثعلب: سمّاهما ثَقَلين لأنّ الأخذ بهما و العمل بهما ثقيل.۱

  • و جاء في «النهاية» لابن الأثير: و في الحديث: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي. سَمَّاهُمَا ثَقَلَيْنِ لأنَّ الأخْذَ بِهِمَا ثَقِيلٌ. وَ يُقَالُ لِكُلِّ خَطِيرٍ [نَفيسٍ‌] ثَقَلٌ. فَسَمَّاهُمَا ثَقَلَيْنِ إعْظَاماً لِقَدْرِهِمَا وَ تَفْخِيماً لِشَأنِهِمَا.٢

  • و قال في «صحاح اللُّغَة»: وَ الثَّقَلُ بِالتَّحْرِيكِ: مَتَاعَ المُسَافِرِ وَ حَشَمُهُ.٣ و قال في «المصباح المنير»: و الثَّقَلُ: المَتَاعُ، وَ الجَمْعُ أثْقَالٌ مِثْلُ سَبَبٍ وَ أسْبَابٍ. قَالَ الفَارَابِيّ: الثَّقَلُ: مَتَاعُ المُسَافِرِ وَ حَشَمُهُ.٤

  • و قال في «أقرب الموارد»: وَ الثَّقَلُ وِزَانَ سَبَبٍ مَتَاعُ المُسَافِرِ وَ حَشَمُهُ. يُقَالُ: لِلْمُسَافِرِ ثَقَلٌ كَثِيرٌ. وَ كُلُّ شَي‌ءٍ نَفِيسٍ مَصُونٍ، وَ مِنْهُ: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: القُرْآنَ وَ عِتْرَتِي. جَ أثْقَالٌ. وَ أصْلُ الثَّقَلِ مَا يَكُونُ مَعَ الإنْسَانِ مِمَّا يُثقِلُهُ.٥

  • و قال في «الصواعق المحرقة»: (تنبيهٌ): سمّى رسول الله صلى الله عليه [و آله‌] القرآن و عترته، و هي الأهل و النسل و الرهط الأدنون: ثَقَلَين، لأنّ الثَّقَل كلّ نفيس خطير مصون. و هذان كذلك، إذ كلّ منهما معدن للعلوم اللدنيّة و الأسرار و الحكم العليّة، و الأحكام الشرعيّة، و لذا حثّ صلى الله‌

    1. «تاج العروس» ج ۷، ص ٢٤٥، مادّه ثقل.
    2. «النهاية» ج ۱، ص ٢۱٦، مادّة ثقل.
    3. «صحاح اللغة» ج ٢، ص ۱٦۰، مادّة ثقل، طبعة بولاق سنة ۱٢۸٢.
    4. «المصباح المنير» للفيوميّ، مادّة ثقل، الطبعة الحجريّة.
    5. «أقرب الموارد» لسعيد الخوريّ الشرتونيّ اللبنانيّ، ج ۱، ص ٩۱، مادّة ثقل.

معرفة الإمام ج۱۳

368
  • عليه و آله على الاقتداء و التمسّك بهم و التعلّم منهم و قال: الحَمْدُ لِلَّهِ الذي جَعَلَ فِينَا الحِكْمَةَ أهْلَ البَيْتِ.

  • و قيل: سمّيا: ثقلين لثقل وجوب رعاية حقوقهما. ثمّ الذين وقع الحثّ عليهم منهم إنّما العارفون بكتاب الله و سنّة رسوله، إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب إلى الحوض.

  • و يؤيّده الخبر السابق: وَ لَا تُعَلِّمُوهُمْ فَإنَّهُمْ أعْلَمُ مِنْكُمْ. و تميّزوا بذلك عن بقيّة العلماء، لأنّ الله أذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً. و شرّفهم بالكرامات الباهرة و المزايا المتكاثرة.۱

  • و قال فيه أيضاً بعد بيان عدد من الأحاديث النبويّة الداعية إلى التمسّك بالثقلين: كتاب الله و العترة: و في رواية: آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيّ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: اخْلُفُونِي في أهْلِي.

  • و سمّاهما (الكتاب و أهل البيت) ثقلين إعظاماً لقدرهما، إذ يقال لكلّ خطير شريف ثقلًا، أو لأنّ العمل بما أوجب الله من حقوقهما ثقيل جدّاً. و منه قول تعالى: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا.٢

  • أي: له وزن و قدر، لأنّه لا يؤدّي إلّا بتكليف ما يثقل.

  • و سمّى الإنس و الجنّ ثقلين‌٣ لاختصاصهما بكونهما يقطنان الأرض، و بكونهما فُضِّلا بالتمييز على سائر الحيوان. و في هذه الأحاديث‌

    1. «الصواعق المحرقة» ص ٩۰، لابن حجر الهيتميّ.
    2. الآية ٥، من السورة ۷٣: المزّمّل.
    3. وردت كلمة (الثقلين) مرّة واحدة في القرآن الكريم، و ذلك في الآية ٣۱، من السورة ٥٥: الرحمن: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أيُّهَ الثَّقَلَانِ. و الخطاب هنا للإنس و الجنّ، لورود ذكرهما في السورة قبل ذلك: خَلَقَ الإنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ ، وَ خَلَقَ الْجَانَّ مِن مارِجٍ مِن نارٍ. الآيتان ۱٤ و ۱٥، من السورة ٥٥: الرحمن.

معرفة الإمام ج۱۳

369
  • سيّما قوله صلى الله عليه و آله: انظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا؟! وَ اوصِيكُمْ بِعِتْرَتِي خَيْراً! وَ اذَكِّرُكُمُ اللهَ في أهْلِ بَيْتِي‌! الحثّ الأكيد على مودّتهم و مزيد الإحسان إليهم، و احترامهم و إكرامهم و تأدية حقوقهم الواجبة و المندوبة. و كيف و هم أشرف بيت وُجِد على وجه الأرض فخراً و حسباً و نسباً.۱

  • قال ابن أبي الحديد: و إنّما سمّى النبيّ صلى الله عليه و آله الكتاب و العترة الثقلين، لأنّ الثقل في اللغة متاع المسافر و حشمه. فكان صلى الله عليه و آله لمّا شارف الانتقال إلى جوار ربّه جعل نفسه كالمسافر الذي ينتقل من منزل إلى منزل. و جعل الكتاب و العترة كمتاعه و حَشَمه، لأنّهما أخصّ الأشياء به.٢

  • روى السيّد هاشم البحرانيّ حديث الثقلين عن محمّد بن عبّاس بسنده المتّصل عن هجام ابن عطيّه، عن أبي سعيد الخدريّ، و جاء فيه أنّ أبا سعيد قال في آخره: وَ إنَّمَا سَمَّاهُمَا الثَّقَلَيْنِ لِعِظَمِ خَطَرِهِمَا وَ جَلَالَةِ قَدْرِهِمَا.٣

  • المعنى اللغويّ لأهل البيت و العترة

  • لمّا عرفنا معنى الثقلين، علينا أن نعرف الآن معنى أهل البيت‌

    1. «الصواعق المحرقة» ص ۱٣٦.
    2. «شرح نهج البلاغة» ج ٦، ص ٣۸۰، طبعة دار إحياء الكتب العربيّة، في سياق شرح الخطبة ۸٥، حيث يقول عليه السلام: أ لم أعمل فيكم بالثَّقل الأكبر، و أترك فيكم الثَّقل الأصغر؟ و هذا التفسير الذي أورده ابن أبي الحديد ذكره السيّد البحرانيّ أيضاً في «غاية المرام»، ص ٢۱۷، ضمن الحديث ٣٩، عن العامّة.
    3. «غاية المرام» ص ٢٢٦، الحديث ٣٣، عن الخاصّة.

معرفة الإمام ج۱۳

370
  • و العترة. و يتحقّق هذا البحث في مرحلتين: الاولى: المعنى اللغوي لهما و استعمالهما في لسان العرب على سبيل الحقيقة أو المجاز. الثانية: المراد و المقصود منهما في الحديث الشريف خاصّة.

  • أمّا الأولى، فنقول: جاء في «تاج العروس»: الآل أهل الرجل و عياله، و أيضاً أتباعه و أولياؤه. و منه الحديث: سَلْمَانُ مِنَّا آلَ البَيْتِ‌. قال الله عزّ و جلّ: كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ.۱ و قال ابن عرفة: يعني مَن آل إليه بدين أو مذهب أو نسب. و منه قوله تعالى: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ‌.٢ و قول النبيّ صلى الله عليه و آله: لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِمُحَمَّدٍ وَ لَا لآلِ مُحَمَّدٍ.

  • قال‌ الشافعيّ: دلّ هذا على أنّ النبيّ و آله هم الذين حرمت عليهم الصدقة، و عوّضوا منها الخمس. و هم صليبة بني هاشم و بني عبد المطّلب. و سئل النبيّ صلى الله عليه و آله: مَن آلُكَ؟! فقال: آلُ عَلِيّ وَ آلُ جَعْفَرٍ وَ آلُ عَقِيلٍ وَ آلُ عَبَّاسٍ‌. و كان الإمام الحسن عليه السلام إذا صلى على النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله، قال: اللَهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِكَ وَ بَرَكَاتِكَ عَلَى آلِ أحْمَدَ. يريد نفسه. أ لا ترى أنّ المفروض من الصلاة ما كان عليه خاصّة لقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً.٣ و ما كان الحسن عليه السلام ليُخِلّ بالفرض.٤

    1. جاء في ثلاثة مواضع من القرآن: الآية ۱۱، من السورة ٣: آل عمران؛ و الآية ٥٢، و ٥٤ من السورة ۸: الأنفال.
    2. الآية ٤٦، من السورة ٤۰: غافر. وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أدْخِلُوا ءَالَ فِرْعَوْنَ أشَدَّ الْعَذَابِ.
    3. الآية ٥٦، من السورة ٣٣: الأحزاب.
    4. «تاج العروس» ج ۷، ص ٢۱٦، مادّة آل.
      و قال في «مجمع البحرين» ج ٥، ص ٣۱٤، طبعة النجف الحديثة: أهل الرجل: آلُهُ و هم أشياعه و أتباعه و أهل ملّته ثمّ كثر استعمال الأهل و الآل حتى سمّي بهما أهل بيت الرجل، لأنّهم أكثر من يتّبعه. و قال الفيّوميّ في «المصباح المنير» مادّة أهل: و الأهل أهل البيت، و الأصل فيه القرابة. و قد اطلق علي الأتباع.

معرفة الإمام ج۱۳

371
  • و ذكر صاحب «تاج العروس» أيضاً: أهل الرجل عشيرته و ذوو قرباه، و منه قوله تعالى: فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها.۱ إن خفتم شقاقاً بين الرجل و المرأة، فابعثوا ... إن يريدا إصلاحاً يوفّق الله بينهما .... و الأهل للمذهب من يدين به و يعتقده. و من المجاز: الأهل للرجل زوجته، و يدخل فيه الأولاد. و به فُسِّر قوله تعالى: وَ سارَ بِأَهْلِهِ‌.٢ و قيل: أهل النبيّ الرجال الذين هم آله، و يدخل فيه الأحفاد و الذرّيّات، و منه قوله تعالى: وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْها.٣ و قوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ‌،٤ و قوله تعالى: رَحْمَتُ اللَّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.٥

  • و أورد في «تاج العروس» أيضاً: العِترة نسل الرجل و أقرباؤه من ولد و غيره. و قيل: عترة الرجل رهطه و عشيرته الأدنون، أي: الأقربون ممّن مضى و غبر. و منه قول أبي بكر: نَحْنُ عِتْرَةُ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ التي خَرَجَ مِنْهَا، وَ بَيْضَتُهُ التي تَفَقَّأتْ عَنْهُ، وَ إنَّمَا جِيبَتِ‌٦ العَرَبُ عَنَّا

    1. الآية ٣٥، من السورة ٤: النساء.
    2. الآية ٢٩، من السورة ٢۸: القصص: فَلَمَّا قَضى موسى الأجَلَ وَ سَارَ بِأهْلِهِ.
    3. الآية ۱٣٢، من السورة ٢۰: طه.
    4. الآية ٣٣، من السورة ٣٣: الأحزاب.
    5. الآية ۷٣، من السورة ۱۱: هود. و المصدر هو: «تاج العروس» ص ٢۱۷، مادّة أهل.
    6. قال ابن الأثير في «النهاية» ج ۱، ص ٣۱۰، مادّة جوب: و منه قول أبي بكر للأنصار يوم السقيفة: إنّما جيبت العربُ عنّا كما جيبت الرحي عن قطبها. أي: خُرِقَتِ العرب عنّا فكُنّا وسطاً و كانت العرب حوالَينا كالرحى و قطبها الذي تدور عليه.

معرفة الإمام ج۱۳

372
  • كَمَا جِيبَتِ الرَّحَى عَنْ قُطْبِهَا.

  • قال ابن الأثير: لأنّهم من قريش. و العامّة تظنّ أنّها ولد الرجل خاصّة، و أنّ عترة رسول الله صلى الله عليه و آله ولد فاطمة عليها السلام. هذا قول ابن سِيدَة.

  • و قال أبو عُبيدة و غيره: عترة الرجل و اسرته و فصيلته رهطه الأدنون.

  • و قال ابن الأثير: عترة الرجل أخصّ أقاربه.

  • و قال ابن الأعرابيّ: عترة الرجل ولده و ذرّيّته و عقبه من صلبه. قال: فعترة النبيّ صلى الله عليه و آله ولد فاطمة البتول عليها السلام.

  • و روى عن أبي سعيد قال: العترة ساق الشجرة. قال: و عترة النبيّ صلى الله عليه و آله عبد المطّلب و ولده.

  • و قيل: عترته أهل بيته الأقربون و هم أولاده، و عليّ و أولاده.

  • و قيل: عترته الأقربون و الأبعدون منهم.

  • و قيل: عترة الرجل أقرباؤه من ولد عمّه دنيا. و منه حديث أبي بكر قال للنبيّ صلى الله عليه و آله حين شاور أصحابه في اسارى بدر: عِتْرَتُكَ وَ قَوْمُكَ. أراد بعترته العبّاس و من كان فيهم من بني هاشم، و بقومه قريشاً.

  • و المشهور المعروف أنّ عترته أهل بيته. و هم الذين حُرِمت عليهم الزكاة و الصدقة المفروضة. و هم ذوو القربى الذين لهم الخمس المذكور في سورة الأنفال.۱

  • و ذكر ابن منظور الأندلسيّ في «لسان العرب» مثلَ الذي نقلناه عن‌

    1. «تاج العروس» ج ٣، ص ٣۸۰.

معرفة الإمام ج۱۳

373
  • الزبيديّ شرحاً و تفصيلًا.۱

  • و هكذا حذا حذوهما سائر اللغويّين كالجوهريّ،٢ و الشرتونيّ،٣ و ابن الأثير٤ و غيرهم،٥ فأوردوا ما تقدّم بإيجاز.

  • و ليعلم أنّ ما حكاه أهل اللغة في كتبهم موارد استعمال الألفاظ سواء كانت حقيقيّة أم مجازيّة. و لا يتسنّى الحصول على المعاني الحقيقيّة من خلالها. و أنّ معنى العترة كما عُرف مِن فهم العامّة، و نقله اللغويّون في هذه الكتب أهل البيت و الأولاد و الذرّيّة، لا الأقارب مطلقاً، و إن كانوا من أباعدهم. و كلام أبي بكر: نَحْنُ عِتْرَةُ رَسُولِ اللهِ على سبيل المجاز لا الحقيقة. و لمّا كان معلوماً هنا أنّ أبا بكر يتّصل بالنبيّ صلى الله عليه و آله عن طريق قرابة بعيدة جدّاً جدّاً، و هي قريش، فإنّ هذه قرينة على الاستعمال المجازيّ، و إلّا فلا يمكن حمل العترة على هؤلاء الرهط البعيدين أبداً عند فقدان القرينة.

    1. «لسان العرب» ج ٤، ص ٥٣۸، مادّة عتر.
    2. «صحاح اللغة» ج ۱، ص ٢٥۸، طبعة بولاق، مصر سنة ۱٢۸٢: عترة الرجل نسله و رهطه الأدنون.
    3. «أقرب الموارد في فصح العربيّة و الشوارد» ج ٢، ص ۷٤۱: العِترة بالكسر: ولد الرجل و ذرّيّته و عقبه من صلبه. و قيل: رهطه و عشيرته الأدنون ممّن مضي و غبر.
    4. «النهاية في غريب الحديث و الأثر» ج ٣، ص ۱۷۷: عتر [ه‌] فيه: «خلّفت فيكم الثقلين: كتاب الله و عترتي» عترة الرجل أخصّ أقاربه، و عترة النبيّ صلى الله عليه و آله: بنو عبد المطّلب. و قيل: أهل بيته الأقربون. و هم أولاده و عليّ و أولاده؛ و قيل: عترته الأقربون و الأبعدون منهم.
    5. كالفيّوميّ الذي قال في «المصباح المنير» الطبعة الحجريّة، مادّة عتر: العترة نسل الإنسان. قال الأزهريّ: و روي ثعلب عن ابن الأعرابيّ أنّ العترة ولد الرجل و ذرّيّته و عقبه من صلبه، و لا تعرف العرب من العترة غير ذلك - إلى آخره.

معرفة الإمام ج۱۳

374
  • قال ابن أبي الحديد في شرح كلام أمير المؤمنين عليه السلام: فَأيْنَ يُتَاهُ بِكُمْ؟! وَ كَيْفَ تَعْمَهُونَ وَ بَيْنَكُمْ عِتْرَةُ نَبِيِّكُمْ‌؟! و عترة رسول الله صلى الله عليه و آله أهله و نسله. و ليس بصحيح قول من قال: إنّه رهطه و إن بعدوا.

  • و إنّما قال أبو بكر يوم السقيفة أو بعده: نَحْنُ عِتْرَةُ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ بَيْضَتُهُ التي فُقِأتْ عَنْهُ‌. على طريق المجاز، لأنّهم بالنسبة عترة له لا في الحقيقة. أ لا ترى أنّ العدنانيّ يفاخر القحطانيّ فيقول له: أنَا ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللهِ‌ صلى الله عليه و آله. ليس أنّه يعني أنّه ابن عمّه على الحقيقة، لكنّه بالإضافة إلى القحطانيّ إلى ابن عمّه. و إنّما استعمل ذلك و نطق به مجازاً.

  • و إن قدَّر مقدِّر له على طريق حذف المضافات، أي: ابن ابن عمّ أب أب إلى عدد كثير في البنين و الآباء، فلذلك أراد أبو بكر أنّهم عترة أجداده على طريق حذف المضاف.

  • و قد بيّن رسول الله صلى الله عليه و آله مَن عترته لمّا قال: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ، فقال‌: عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي.

  • و بيّن في مقام آخر مَن أهل بيته حين طرح عليهم كساءً و قال حين نزل: «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ»:۱ اللَهُمَّ هَؤلَاءِ أهْلُ بَيْتِي فَأذهِبِ الرِّجْسَ عَنْهُم.

  • فإن قلتَ: فمن هي العترة التي عناها أمير المؤمنين عليه السلام بهذا الكلام: وَ فِيكُم عِتْرَةُ نَبِيِّكُمْ.

  • قلتُ: نفسه و ولداه. و الأصل في الحقيقة نفسه، لأنّ ولديه تابعان له.

    1. الآية ٣٣، من السورة ٣٣: الأحزاب.

معرفة الإمام ج۱۳

375
  • و نسبتهما إليه مع وجوده نسبة الكواكب المضيئة مع طلوع الشمس المشرقة. و قد نبّه النبيّ صلى الله عليه و آله على ذلك بقوله: وَ أبُوكُمَا خَيْرٌ مِنْكُمَا.۱

  • المقصود من أهل البيت و العترة

  • أمّا في المرحلة الثانية فعلينا أن نعرف ما هو مراد رسول الله صلى الله عليه و آله من أهل البيت و العترة في حديث الثقلين. إنّه صلى الله عليه و آله أراد من قوله: عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي: أمير المؤمنين، و فاطمة الزهراء، و الحسنين عليهم السلام، و التسعة من ولد الحسين عليه السلام واحداً بعد آخر، و خاتمهم بقيّة الله أرواحنا فداه.

  • و دليلنا الأوّل على ذلك حديث الكساء، إذ جمع النبيّ صلى الله عليه و آله عليّاً، و فاطمة و الحسنين عليهم السلام تحت الكساء و قال: اللَهُمَ‌

    1. «شرح نهج البلاغة» ج ٦، ص ٣۷٥ و ٣۷٦، الخطبة ۸٥، طبعة دار إحياء الكتب العربيّة؛ و نقل البحرانيّ ذلك عنه، عن العامّة مفصّلًا في «غاية المرام» ص ٢۱۷، الحديث ٣٩.
      و من الضروريّ التذكير بأنّ العترة لمّا كانت تعني في اللغة خاصّة الأقارب و الأولاد القريبين، فهي تشمل أصحاب الكساء فحسب، و يدخل معهم بقيّة الأئمّة عليهم السلام بالمناط القطعيّ و القرائن الخارجيّة النقليّة؛ روى البحرانيّ في «غاية المرام» ص ٢٣٢، الحديث ٥٦ عن الخاصّة، عن الشيخ الصدوق بسنده المتّصل عن أبي بصير قال: قلتُ للصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: مَنْ آلُ مُحَمَّدٍ؟! قال: ذُرِّيَّتُهُ. قلتُ: مَنْ أهْلُ بَيْتِهِ؟! قال: الأئِمَّةُ الأوْصِيَاءُ. قلتُ: مَنْ عِتْرَتُهُ؟! قال: أصْحَابُ العَبَاءِ. قلتُ: مَنْ امَّتُهُ؟ قال: المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ صَدّقوا بِما جاء به من عند الله عزّ و جلّ، ليتمسّكوا بالثقلين اللذين امروا بالتمسّك بهما: كتاب الله و عترته أهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً. و هما الخليفتان على الامّة بعد رسول الله صلى الله عليه و آله.

معرفة الإمام ج۱۳

376
  • هَؤلَاءِ أهْلُ بَيْتِي! و مجموعهم مع نفسه الشريفة خمسة. و هم أهل البيت. و يدخل معهم ولد الحسين عليه السلام حتى إمام العصر و الزمان بدلائل قطعيّة و قرائن شهوديّة.۱ و قد تحدّثنا عن هذه الحقيقة بصورة وافية في سياق البحث في آية التطهير.٢

  • روايات الخاصّة و العامّة في تعيين الأئمّة الاثني عشر

  • أمّا الدليل الثاني فالأحاديث التي رواها الشيعة و العامّة عن رسول الله صلى الله عليه و آله، و فسّر فيها هذه الفقرة ذاكراً عليّ بن أبي طالب، و الصدِّيقة الكبرى، و الحسنين، ثمّ الأئمّة التسعة بأسمائهم و علاماتهم أو بنحو مجمل حتى المهديّ قائم آل محمّد عليهم السلام.

  • هذه الأحاديث التي وصلت عن طريق الفريقين بسند صحيح الصدور مقطوع فيه كثيرة و رائعة جدّاً. و نشير فيما يأتي إلى بعضها الوارد عن طريق العامّة. و هي تُقسم إلى ثلاثة أقسام: الأوّل: الأحاديث التي جاء فيها ذكر اثني عشر خليفة، أو عدد نقباء بني إسرائيل. الثاني: الأحاديث التي عدّت الأئمّة عليهم السلام حتى الإمام الثاني عشر. الثالث: الأحاديث التي ذكرت أسماءهم أو ألقابهم و خصائص كلّ واحد منهم.

  • أمّا من القسم الأوّل: فحديث البخاريّ إذ روى بسنده المتّصل عن جابر بن سمرة قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: يَكُونُ‌

    1. ذكر البحرانيّ في «غاية المرام» ص ٢۱٩ و ٢٢۰، الحديث ٩، عن الخاصّة، حديثاَ الآية: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا. وفيه أن البحث دار حولها في مجلس المأمون، فقال العلماء: اراد الله تعالي بذالك الامّة كلّها. فقال الإمام الرضا عليه السلام: ارادالله عزّوجل بذالك العترة الطاهرة. و عندما سأل المأمون عن وجه ذالك أجابه الإمام أجوبة مفصلة، منها: أنّه تمسّك بحديث الثقلين. ثمّ اثبت أنّ معني العترة آل محمّد.
    2. دورة العلوم و المعارف الإسلاميّة، القسم الثاني: «معرفة الإمام» ج ٣، الدرس ٤۰ إلى ٤٥.

معرفة الإمام ج۱۳

377
  • اثْنَا عَشَرَ أمِيراً. فَقَالَ كَلِمَةً لَمْ أسْمَعْهَا، فَقَالَ أبِي: إنَّهُ قَالَ: كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ.۱

  • و روى مسلم القُشَيْريّ بسنده المتّصل عن الحَصِين، عن جابر بن سمرة قال: كنت مع أبي عند النبيّ صلى الله عليه و آله فسمعته يقول: إنَّ هَذَا الأمْرَ لَا يَنْقَضِي حتى يَمْضِي فِيهِمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفةً. قَالَ: ثُمَّ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ خَفِيَ عَلَيّ. فَقُلْتُ لأبِي: مَا قَالَ؟! قَالَ: كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ.٢

  • و ذكره الحمّوئيّ في «فرائد السمطين»،٣ كما أورده بثلاثة أسناد اخرى عن مسلم بلفظ يماثل هذا اللفظ. و كلّها عن مسلم القُشَيريّ.٤

  • و أورده الحاكم في مستدركه بسندين: أحدهما عن عون بن جُحَيفة، عن أبيه. و الآخر عن الشَّعبيّ، عن جابر بلفظ يشبه هذا المضمون.٥

  • و نقله القندوزيّ عن كتاب «جمع الفوائد» عن جابر بن سمرة مرفوعاً و قال: رواه الشيخان (البُخاريّ و مسلم)، و الترمذيّ، و أبو داود بلفظه.٦

    1. «صحيح البخاريّ» ج ٤، ص ۱۷٥ كتاب الأحكام، باب قبل باب إحراج الخصوم، طبعة مصر، سنة ۱٣٥٥.
    2. «صحيح مسلم» ج ٣، ص ۱٤٥٢، الحديث ٥، من كتاب الأمارات (٣٣)، رقم ۱۸٢۱، طبعة محمّد فؤاد عبد الباقي.
    3. «فرائد السِّمطين» ج ٢، ص ۱٤۸، الحديث ٤٤٢.
    4. «فرائد السِّمطين» ج ٢، ص ۱٤٩ و ۱٥۰، الحديث ٤٤٣ إلى ٤٥۰.
    5. «المستدرك على الصحيحين» ج ٣، ص ٦۱۷ و ٦۱۸.
    6. «ينابيع المودّة» ص ٤٤٤، الباب السابع و السبعون، في تحقيق حديث: بعدي اثنا عشر خليفة، عن «مودّة القربي» للمير السيّد عليّ الهمدانيّ.
      و أيضاً روى القندوزيّ في «ينابيع المودّة» ص ٤٤٥، عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة قال: كنتُ مع أبي عند النبيّ صلى الله عليه و آله فسمعته يقول: بعدي اثنا عشر خليفة. ثمّ أخفى صوته فقلتُ لأبي: ما الذي أخفى صوته؟ قال: قال: كلّهم من بني هاشم. و عن الشعبيّ عن مسروق قال: بينا نحن عند ابن مسعود نعرض مصاحفنا عليه إذ قال له فتى: هل عهد إليكم نبيّكم كم يكون من بعده خليفة؟! قال: إنّك لَحديث السنّ و إنّ هذا الشي‌ء ما سألني عنه أحد قبلك. نعم عهد إلينا نبيّنا إنّه يكون بعده اثنا عشر خليفة بعدد نقباء بني إسرائيل.

معرفة الإمام ج۱۳

378
  • أمّا القسم الثاني من الأحاديث التي تبيّن عددهم بلفظ أوَّلُهُمْ عَلَيّ ثُمَّ الحَسَنُ ثُمَّ الحُسَيْنُ ثُمَّ تِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ الحُسَيْنِ‌ باختلاف المضامين و العبارات فهي كثيرة:

  • روى الشيخ الصدوق في «عيون أخبار الرضا عليه السلام» عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ قال: سُئل أمير المؤمنين عليه السلام عن معنى قول رسول الله صلى الله عليه و آله: إنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي؛ مَنِ العِتْرَةُ؟

  • قال: أنَا وَ الحَسَنُ وَ الحُسَيْنُ وَ الأئمَّةُ التِّسْعَةُ؛ تاسِعُهُمْ مَهْدِيُّهُمْ وَ قَائِمُهُمْ، لَا يُفَارِقُونَ كِتَابَ اللهِ وَ لَا يُفَارِقُهُمْ حتى يَرِدُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ حَوْضَهُ.۱

  • و روى الحمّوئيّ في «فرائد السمطين» بسنده المتّصل عن إبراهيم بن عمر اليمانيّ، عن أبي الطفيل، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال النبيّ صلى الله عليه و آله لأمير المؤمنين عليّ عليه السلام: اكتب ما املي عليك! قال: يا نبِيّ الله! و تخاف عَلَيّ النسيان؟ فقال: لستُ أخاف عليك النسيان، و قد دعوت الله عزّ و جلّ أن يحفظك و لا يُنسيك! و لكن اكتب لشركائك! قال: و مَن شركائي يا نبيّ الله؟!

  • قال: الأئمّة من ولدك بهم يسقى امّتي الغيث، و بهم يستجاب‌

    1. «غاية المرام» ص ٢٣٢، الحديث ٥۸، عن الخاصّة.

معرفة الإمام ج۱۳

379
  • دعاؤهم، و بهم يصرف الله عنهم البلاء، و بهم تنزل الرحمة من السماء، وَ هَذَا أوَّلُهُمْ. وَ أوْمَأ بِيَدِهِ إلَى الحَسَنِ ثُمَّ أوْمَأ بِيَدِهِ إلَى الحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. ثُمَّ قَالَ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: الأئِمَّةُ مِنْ وُلْدِهِ.۱

  • و ذكره الشيخ الصدوق في أماليه.٢

  • و روى الحمّوئيّ في «فرائد السمطين» بسنده المتّصل، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن بابويه، عن ... عن مجاهد، عن ابن عبّاس قال: قدم يهوديّ على رسول الله صلى الله عليه و آله يقال له: نعثل. فقال له: يا محمّد! إنّي أسألك عن أشياء تلجلج في صدري منذ حين، فإن أجبتني عنها، أسلمتُ على يدك.

  • و سأله اليهوديّ عن ربّه، و صفاته، و عن وصيّه، فأجابه النبيّ صلى الله عليه و آله مفصّلًا، و ممّا قاله في وصيّه: نَعَمْ إنَّ وَصِيَّي وَ الخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي عَلِيّ بْنُ أبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَ بَعْدَهُ سِبْطَايَ: الحَسَنُ ثُمَّ الحُسَيْنُ. يَتْلُوهُ تِسْعَةٌ مِنْ صُلْبِ الحُسَيْنِ أئمَّةٌ أبْرَارٌ.

  • و قال نعثل اليهوديّ: يَا مُحَمَّدُ! فسمِّهم لي! فقال رسول الله: نَعَمْ، إذَا مَضَى الحُسَيْنُ فَابْنُهُ عَلِيّ، فَإذَا مَضَى عَلِيّ فَابْنُهُ مُحَمَّدٌ، فَإذَا مَضَى مُحَمَّدٌ فَابْنُهُ جَعْفَرٌ، فَإذَا مَضَى جَعْفَرٌ فَابْنُهُ موسى، فَإذَا مَضَى موسى فَابْنُهُ عَلِيّ، فَإذَا مَضَي عَلِيّ فَابْنُهُ مُحَمَّدٌ، ثُمَّ ابْنُهُ الحَسَنُ، ثُمَّ الحُجَّةُ بْنُ الحَسَنِ.

    1. «فرائد السمطين» ج ٢، ص ٢٥٩، الحديث ٥٢۷، عن السيّد جلال الدين عبد الحميد، عن أبيه الإمام شمس الدين فخّار بن معد بن فخّار الموسويّ، إلى أن يصل إلى الشيخ الصدوق: أبي جعفر محمّد بن عليّ بن بابويه، إلى أن يصل إلى الإمام الباقر عليه السلام.
    2. «أمالي الصدوق» ص ٢٤۱، المجلس ٦٣ في يوم الجمعة ٣ جمادي الأولى، سنة ٣٦۸، الطبعة الحجريّة.

معرفة الإمام ج۱۳

380
  • فَهَذِهِ اثْنَا عَشَرَ أئِّمَةً۱ عَدَدَ نُقَبَاءِ بَنِي إسرائيلَ.

  • ثمّ سأله عن مكانهم في الجنّة، فأجابه النبيّ. و سأله عن غيبة الإمام القائم عليه السلام الطويلة، فأجابه أيضاً و بيّن بعض التفاصيل في ظهوره. فأسلم اليهوديّ و أنشد أبياتاً رائعة جذّابة.٢

  • ذكر هذا الحديث كلّه عليّ بن محمّد الخزّاز في كتاب نصوصه المسمّى: «كفاية الأثر».٣

  • و أورده البحرانيّ مفصّلًا في «غاية المرام».٤ و هو في «كفاية الأثر».٥ و رواه القندوزيّ مفصّلًا عن «فرائد السِّمطين».٦

  • و روى الحمّوئيّ في «فرائد السمطين» حديث مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام و احتجاجه المفصّل في المسجد النبويّ أيّام حكومة عثمان، و ذلك بسند عبد الحميد بن فخّار بن مَعْد بن فخّار الموسويّ متّصلًا حتى يصل إلى سُلَيم بن قيس الهلاليّ عن أمير المؤمنين عليه السلام. و يعرض هذا الحديث مناقب الإمام و فضائله مفصّلًا. و لأهمّيّة النظر فيه، ها نحن نذكر فيما يأتي عدداً من فقراته التي تنصّ على الأئمّة الأثني عشر:

    1. كذا، و الصواب: إماماً.
    2. «فرائد السِّمطين» ج ٢، ص ۱٣٢ إلى ۱٣٥، الباب ٣۱، الحديث ٤٣۱.
    3. «بحار الأنوار» ج ٣٦، ص ٢۸٣ إلى ٢۸٥، الحديث ۱۰٦، الطبعة الحديثة، عن «كفاية الأثر». و ذكر أيضاً صدره الخاصّ بالتوحيد في: ج ٣، ص ٣۰٣، ٣۰٤، الحديث ٤۰، عن «كفاية الأثر».
    4. «غاية المرام» ص ٣٩، الحديث ٣٦، عن العامّة، عن الحمّوئيّ في فرائده.
    5. «كفاية الأثر» ص ٢۸٩. جُلِّدَ مع «الخرائج و الجرائح» للراونديّ في مجموعة واحدة.
    6. «ينابيع المودّة» ص ٤٤۰ إلى ٤٤٢، الباب ۷٦، في بيان الأئمّة الأثني عشر بأسمائهم، عن «مودّة القُربي» للمير السيّد عليّ الهمدانيّ.

معرفة الإمام ج۱۳

381
  • الاولى: تخصّ آية التطهير حين سألْت امُّ سلمة رسول الله قائلة: و أنا يا رسول الله؟! فَقَالَ: «أنْتِ إلَى خَيْرٍ، إنَّمَا نَزلْت في [وَ في ابْنَتي‌] وَ في أخِي عَلِيّ بْنِ أبِي طَالِبٍ، وَ في ابْنَيّ، وَ في تِسْعَةٍ مِنْ وُلْدِ ابْنِيَ الحُسَيْنِ خَاصَّةً لَيْسَ مَعَنَا فِيهَا لأحَدٍ شِرْكٌ (ظ).۱

  • الثانية: وَ فِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَ تَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ.٢ فقام سلمان فقال: يَا رَسُولَ اللهِ! من هؤلاء الذين أنت عليهم شهيد و هم شهداء على الناس؟! الذين اجتباهم الله، و ما جعل عليهم في الدين من حرج ملّة أبيكم إبراهيم.

  • فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: عني بذلك ثلاثة عشر إنساناً. فقال سلمان: أخبرنا يا رسول الله! فقال: أنَا وَ أخِي عَلِيّ وَ أحَدَ عَشَرَ مِنْ وُلْدِي.٣

    1. «فرائد السِّمطين» ج ۱، ص ٣۱٦.
    2. قسم من الآية ۷۸، السورة ٢٢: الحجّ.
    3. «فرائد السِّمطين» ج ۱، ص ٣۱۷.
      و قال الشيخ محمّد جواد مغنية في كتاب «الشيعة و التشيّع» ص ٣٦ و ٣۷: الإمام من أهل البيت. يشترط في الإمام شروط: أوّلها عند السنّة أن يكون من بيوت قريش لحديث لا يزال هذا الأمر من قريش ما بقي منهم اثنان. روى هذا الحديث البخاريّ في صحيحه، ج ٩، كتاب الأحكام. و قال الشيعة الاثنا عشريّة: إنّ الإمامة خاصّة بعليّ و ولديه الحسن و الحسين، ثمّ لأولاد الحسين فقط. و استدلّوا بما رواه مسلم في صحيحه، ج ٢، ص ۱٩۱، طبعة سنة ۱٣٤۸ هـ، أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال: إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة، كلّهم من قريش. و مثله في «شرح التجريد» ص ٢٥۰، طبعة العرفان: إنّ المراد بالاثني عشر هم أئمّة الشيعة حيث ثبت بالتواتر أنّ النبيّ قال للحسين: ابني هذا إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمّة تسعة، تاسعهم قائمهم. و روى محبّ الدين الطبريّ الشافعيّ في كتاب «ذخائر العقبي» ص ۱٣٦، طبعة ۱٣٥٦ هـ، أنّ النبيّ قال: لو لم يبق من الدنيا إلّا يوماً واحداً لطوّل الله ذلك اليوم، حتى يبعث رجلًا من ولدي، اسمه كاسمي. فقال سلمان: من أيّ ولدك يا رسول الله؟ قال: من ولدي هذا، و ضرب بيده على الحسين.

معرفة الإمام ج۱۳

382
  • الثالثة: حديث الثقلين الذي بيّنه رسول الله في آخر خطبة له. و قام عمر شبه المغضب فقال: يا رسول الله! أ كلّ أهل بيتك؟! فَقَالَ: لَا، وَ لَكِنْ أوْصِيَائِي مِنْهُمْ، أوَّلُهُمْ أخِي وَ وَزِيري وَ وَارِثِي وَ خَلِيفَتِي في امَّتِي وَ وَلِيّ كُلَّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي، هُوَ أوَّلُهُمْ، ثُمَّ ابْنِيَ الحَسَنُ، ثُمَّ ابْنِيَ الحُسَيْنُ، ثُمَّ تِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ الحُسَيْنِ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ حتى يَرِدُوا عَلَيّ الحَوْضَ، [هُمْ‌] شُهَدَاءُ اللهِ في أرْضِهِ، وَ حُجَّتُهُ عَلَى خَلْقِهِ، وَ خُزَّانُ عِلْمِهِ، وَ مَعادِنُ حِكْمَتِهِ‌. مَنْ أطَاعَهُمْ أطَاعَ اللهَ، وَ مَنْ عَصَاهُمْ عَصَى اللهَ.

  • و كان الحاضرون في المسجد من المهاجرين و الأنصار يؤيّدون ما طُرح عليهم بعد كلّ فقرة من الفقرات الثلاث بقولهم: قد شهدنا ذلك كلّه و إنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قال هذا.۱

  • و ذكر سُلَيْم هذه الرواية بطولها و تفصيلها في كتابه.٢

  • و روى القندوزيّ عن المير السيّد عليّ الهمدانيّ في كتاب «مودّة القربي» عن عباية بن ربعي، عن جابر أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: أنَا سَيِّدُ النَّبِيِّينَ وَ عَلِيّ سَيِّدُ الوَصِيِّينَ، وَ إنَّ أوْصِيَائِي بَعْدِي اثْنَا

    1. «فرائد السِّمطين» ج ۱، ص ٣۱٢ إلى ٣۱٥، الباب ٥۸، الحديث ٢٥۰.
    2. كتاب «السقيفة» المعروف بـ «كتاب سُليم بن قيس الهلاليّ الكوفيّ» ص ۱۱۱ إلى ۱٢٥، الطبعة الثالثة بالنجف. و كان سُلَيم من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام. توفّي سنة ٩۰ هـ تقريباً. كان من ثقات الأصحاب و معتَمدِيهم. و كتابه في غاية الوثوق و الاعتبار. قال الصادق عليه السلام فيه: مَن لَم يكن عنده من شيعتنا و محبّينا كتاب سُليم بن قَيس الهلاليّ، فليس عنده من أمرنا شي‌ء و لا يعلم من أسبابنا شيئاً، و هو أبجد الشيعة، و هو سِرٌ من أسرارِ آل محمّد صلى الله عليه و آله.

معرفة الإمام ج۱۳

383
  • عَشَرَ: أوَّلُهُمْ عَلِيّ وَ آخِرُهُمُ القَائِمُ المَهْدِيّ.۱

  • و روى أيضاً عن الهمدانيّ، عن سُليم بن قيس الهلاليّ، عن سلمان الفارسيّ أنّه قال: دخلتُ على النبيّ صلى الله عليه و آله، فإذا الحسين على فخذيه، و هو يقبّل خدّيه و يلثم فاه و يقول: أنْتَ سَيِّدٌ، ابْنُ سَيِّدٍ، أخُو سَيِّدٍ، وَ أنْتَ إمَامٌ، ابْنُ إمَامٍ، أخُو إمَامٍ، وَ أنْتَ حُجَّةٌ، ابْنُ حُجَّةٍ، أخُو حُجَّةٍ، أبُو حُجَجٍ تِسْعَةٍ، تَاسِعُهُمْ قَائِمُهُمْ المَهْدِيّ.٢

  • و أخرجه الحمّوئيّ في «فرائد السِّمطين»، و موفّق بن أحمد الخوارزميّ في «المناقب» أيضاً.٣

  • و روى القندوزيّ أيضاً عن كتاب «مودّة القربي» عن ابن عبّاس قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: أنَا وَ عَلِيّ و الحَسَنُ وَ الحُسَيْنُ وَ تِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ الحُسَيْنِ مُطَهَّرُونَ مَعْصُومُونَ.٤

  • و أخرجه الحمّوئيّ في «فرائد السِّمطين» أيضاً.

  • و روى القندوزيّ عن كتاب «مودّة القربى» عن أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: مَنْ‌

    1. «ينابيع المودّة» ص ٤٤٥، نقلًا عن المودّة العاشرة من كتاب «مودّة القربي».
    2. المصدر السابق.
    3. روي السيّد هاشم البحرانيّ في «غاية المرام» ص ٢۱۸، الحديث الخامس، عن الخاصّة عن محمّد بن إبراهيم النعمانيّ في كتاب «الغيبة»، عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيّ بسنده المتّصل، عن الإمام جعفر الصادق، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ قال: سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن معنى قول رسول الله صلى الله عليه و آله: إنِّي مُخَلِّف فِيكم الثقلين: كتاب الله و عترتي، مَن العِترة؟ قال: أنا و الحسن و الحسين و الأئمّة التسعة من وُلد الحسين تاسعهم قائمهم، لا يفارقون كتاب الله و لا يفارقهم حتى يردوا علي رسول الله حوضه.
    4. «ينابيع المودّة» ص ٤٤٥، نقلًا عن المودّة العاشرة من كتاب «مودّة القربي».

معرفة الإمام ج۱۳

384
  • أحَبَّ أنْ يَرْكَبَ سَفِينَةَ النَّجَاةِ، وَ يَسْتَمْسِكَ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى، وَ يَعْتَصِمْ بِحَبْلِ اللهِ المَتِينِ فَلْيُوَالِ عَلِيَّاً وَ لَيُعَادِ عَدُوَّهُ، وَ لْيَأتَمَّ بِالأئِمَّةِ الهُدَاةِ مِنْ وُلْدِهِ، فَإنَّهُمْ خُلَفَائِي وَ أوْصِيَائِي وَ حُجَجُ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ مِنْ بَعْدِي وَ سَاداتُ امَّتي وَ قُوَّادُ الأتْقِيَاءِ إلَى الجَنَّةِ، حِزْبُهُمْ حِزْبِي وَ حِزْبِي حِزْبُ اللهِ، وَ حِزْبُ أعْدَائِهِمْ حِزْبُ الشَّيْطَانِ.۱

  • و روى عن الكتاب المذكور، عن ابن عبّاس أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: إنَّ اللهَ فَتَحَ هَذَا الدِّينَ بِعَلِيّ، وَ إذَا قُتِلَ فَسَدَ الدِّينُ وَ لَا يُصْلِحُهُ إلَّا المَهْدِيّ.٢

  • و روى سُلَيم بن قَيْس في كتابه عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنّه خطب في عسكره من المهاجرين و الأنصار بحضور أبي الدرداء، و أبي هريرة اللذين كان معاوية قد أشخصهما قبل واقعة صفّين مبعوثَين إليه. و ذكر الإمام فيها فضائله. و منها: أنّه نقل حديث الغدير عن رسول الله صلى الله عليه و آله، حتى بلغ قوله صلى الله عليه و آله: عَلِيّ أخِي وَ وَزِيري وَ وَصِيِّي وَ وَارِثِي وَ خَلِيفَتِي في امَّتِي وَ وَلِيّ كُلَّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي وَ أحَدَ عَشَرَ إمَاماً مِنْ وُلْدِهِ: الحَسَنُ وَ الحُسَيْنُ ثُمَّ تِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ الحُسَيْنِ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ. القُرآنُ مَعَهُمْ وَ هُمْ مَعَ القُرآنِ، لَا يُفَارِقُونَهُ حتى يَرِدُوا عَلَيّ الحَوْضَ.٣

  • و واصل الإمام خطبته، و نقل في ذيلها عن الرسول قوله: وَ أمَرَنِي في‌

    1. «ينابيع المودّة» ص ٤٤٥، نقلًا عن المودّة العاشرة من كتاب «مودّة القربي».
    2. المصدر السابق.
    3. «كتاب سُليم» الطبعة الثالثة، النجف. و تستمرّ هذه الخطبة من ص ۱۷٩ إلى ۱٩۰، مع ما فيها من موضوعات، و رسالة معاوية التي كتبها للإمام. و لكن هاتين الفقرتين في ص ۱۸۷ و ۱۸۸ بالترتيب.

معرفة الإمام ج۱۳

385
  • كِتَابِهِ بِالوَلَايَةِ، وَ إنِّي اشْهِدُكُمْ أيُّهَا النَّاسُ إنَّهَا خَاصَّةٌ لِعَلِيّ بْنِ أبِي طَالِبٍ وَ الأوْصِيَاءِ مِنْ وُلْدِي وَ وُلْدِ أخِي وَ وَصِيِّي، عَلِيّ أوَّلُهُمْ، ثُمَّ الحَسَنُ، ثُمَّ الحُسَيْنُ، ثُمَّ تِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ الحُسَيْنِ، لَا يُفَارِقُونَ الكِتَابَ حتى يَرِدُوا عَلَيّ الحَوْضَ.۱

  • و يواصل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام موضوعه إلى احتجاجه بآخر خطبة للنبيّ صلى الله عليه و آله، و لم يخطب بعدها. و دعا فيها إلى‌

    1. قال القندوزيّ في «ينابيع المودّة» ص ٤٤٦، بعد اختتام موضوعات كتاب «مودّة القربي»: قال بعض المحقّقين إنّ الأحاديث الدالّة على كون الخلفاء بعده صلى الله عليه و آله اثني عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة. فبشرح الزمان و تعريف الكون و المكان عُلِم أنّ مراد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم من حديثه هذا الأئمّة الاثنا عشر من أهل بيته و عترته، إذ لا يمكن أن يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلّتهم عن اثني عشر. و لا يمكن أن يحمله على الملوك الأمويّة لزيادتهم على اثني عشر، و لظلمهم الفاحش، إلّا عمر بن عبد العزيز. و لكونهم غير بني هاشم، لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم قال: كُلّهُم من بني هاشم في رواية عبد الملك عن جابر. و إخفاء صوته صلى الله عليه و آله و سلّم في هذا القول يرجّح هذه الرواية، لأنّهم لا يحسنون خلافة بني هاشم. و لا يمكن أن يحمله على الملوك العبّاسيّة لزيادتهم على العدد المذكور و لقلّة رعايتهم الآية قل لَا أسْألكم عليه أجرًا إلّا المودّة في القربى، و حديث الكساء. فلا بدّ من أن يحمل هذا الحديث على الأئمّة الاثني عشر من أهل بيته و عترته، لأنّهم كانوا أعلم أهل زمانهم و أجلّهم و أورعهم و أتقاهم و أعلاهم نسباً و أفضلهم حسباً و أكرمهم عند الله. و كانت علومهم عن جدّهم متّصلة بجدّهم صلى الله عليه و آله، و بالوراثة و [العلوم‌] اللدنّيّة. كذا عرفهم أهل العلم و التحقيق و أهل الكشف و التوفيق. و يؤيّد هذا المعنى، أي: أنّ مراد النبيّ صلى الله عليه و آله الأئمّة الاثنا عشر من أهل بيته. و يشهده و يرجّحه حديث الثقلين و الأحاديث المتكثّرة المذكورة في هذا الكتاب و غيرها. و أمّا قوله صلى الله عليه و آله: كلّهم تجتمع عليه الامّة في رواية عن جابر بن سمرة، فمراده أنّ الامّة تجتمع على الإقرار بإمامة كلّهم وقت ظهور قائمهم المهديّ عليه السلام.

معرفة الإمام ج۱۳

386
  • الثقلين: الكتاب و العترة، أي: أهل البيت، و قام بعدها عمر شبه المغضب فقال: يا رسول الله! أ كلّ أهل بيتك؟! قال: لَا، وَ لَكِن أوْصِيَائِي مِنْهُمْ: أخِي وَ وَزِيرِي وَ وَارِثِي وَ خَلِيفَتِي في امَّتِي وَ وَلِيّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي؛ هَذَا أوَّلُهُمْ وَ خَيْرُهُمْ، ثُمَّ وَصِيِّي ابْنِي هَذَا -وَ أشَارَ إلَى الحَسَنِ- ثُمَّ وَصِيُّهُ هَذَا -وَ أشَارَ إلَى الحُسَيْنِ- ثُمَّ وَصِيّ ابْنِي سَمِيّ أخِي، ثُمَّ وَصِيُّهُ سَمِيِّي، ثُمَّ سَبْعةٌ مِنْ وُلْدِهِ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ حتى يَرِدُوا عَلَيّ الحَوْضَ. شُهَدَاءُ اللهِ في أرْضِهِ وَ حُجَّتُهُ عَلَى خَلْقِهِ، مَنْ أطَاعَهُمْ أطَاعَ اللهَ، وَ مَنْ عَصَاهُمْ عَصَى اللهَ (الخطبة).۱

  • و أمّا القسم الثالث فيشتمل على الأحاديث التي تذكر أسماء الأئمّة عليهم السلام كلّهم أو ألقابهم عن رسول الله صلى الله عليه و آله. و هي مرويّة عن العامّة و الخاصّة.

  • روى الحمّوئيّ في «فرائد السِّمطين» أربعة أحاديث متّصلة الإسناد عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ الذي كان قد رأى لوح فاطمة عليها السلام -و هو اللوح الأخضر- و كُتب عليه أسماء الأئمّة عليهم السلام و مواصفاتهم بالتفصيل.٢ و وردت هذه الأحاديث بسند الشيعة إجمالًا في كتاب «عيون‌

    1. «كتاب سُليم» ص ۱٩۰.
      و ليعلم أنّ هذه الرواية ليست تكراراً للرواية السابقة المنقولة عن «فرائد السِّمطين» فالسابقة كانت تدور حول احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام في الشوري. و هذه كانت في حرب صفّين و ورود أبي هريرة و أبي الدرداء. و جاءت في موضعين من «كتاب سُلَيم». و قد ذكرناها في موضعين أيضاً حفظاً لأصل الموضوع.
    2. «فرائد السِّمطين» ج ٢، ص ۱٣٦ إلى ۱٤۱، الباب ٣٢: في حديث اللوح الذي كتب الله فيه أو أمر بعض كرام الكاتبين بأن يكتب فيه أسماء أوصياء رسول الله صلى الله عليه و آله، ثمّ أهداه إلى نبيّه، فأهداه النبيّ صلى الله عليه و آله إلى امّ الأوصياء فاطمة صلوات الله عليها؛ الحديث ٤٣٢ إلى ٤٣٥.

معرفة الإمام ج۱۳

387
  • أخبار الرضا عليه السلام»، و كتاب «إكمال الدين و إتمام النِّعمة» للشيخ الأعظم أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه. و في «الأمالى» لشيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسيّ رضوان الله عليهما، و نحن نذكر فيما يأتي واحداً منها:

  • روى في «فرائد السِّمطين» و «عيون أخبار الرضا» بسند متّصل عن أبي نَضْر قال: لمّا احْتُضِر أبو جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام عند الوفاة، دعا بابنه الصادق عليه السلام ليعهد إليه عهداً. فقال له أخوه زَيْدُ بنُ عليّ: لَوِ امْتثَلْتَ في تِمْثَالِ الحَسَنِ وَ الحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ لَرَجَوْتُ أنْ لَا تَكُونَ أتَيْتَ مُنْكَراً!

  • فقال [الإمام الباقر عليه السلام‌] له: يَا أبَا الحُسَيْنِ! إنَّ الأمَانَاتِ لَيْسَ بِالمِثَالِ، وَ لَا العُهُودُ بِالسَّوْمِ، وَ إنَّمَا هي امُورٌ سَابِقَةٌ عَنْ حُجَجِ اللهِ تَبَارَكَ وَ تعالى.

  • ثمّ دعا بجابر بن عبد الله‌۱ فقال له: يا جابر! حدّثنا بما عاينتَ من الصحيفة! فقال له جابر: نعم، يا أبا جعفر! دخلتُ على مولاتي فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه و آله لُاهنّئها بمولد الحسين عليه السلام، فإذا بيدها صحيفة من درّة بيضاء فقلتُ: يا سيّدة النسوان! ما هذه الصحيفة التي أراها معك؟!

  • قالت: فيها أسماء الأئمّة من وُلدي. فقلتُ لها: ناوليني لأنظر فيها.

    1. دعوة الإمام جابراً عند وفاته عليه السلام حين أوصي للإمام الصادق عليه السلام الذي كان كبيراً آنذاك تتنافي مع الرواية التي تدلّ علي أنّ جابراً رضي الله عنه أدرك الباقر عليه السلام فحسب.

معرفة الإمام ج۱۳

388
  • قالت: يا جابر! لو لا النهي لكنتُ أفعل، قد نُهِيَ أن يمسّها إلّا نبيّ أو وصيّ نبيّ أو أهل بيت نبيّ. و لكن مأذون لك أن تنظر إلى بطنها من ظاهرها!

  • قال جابر: فقرأت فإذا:

  • أبو القاسم محمّد بن عبد الله المصطفى، و امّه آمنة.

  • أبو الحسن عليّ بن أبي طالب المرتضى، و أمّه فاطمة ابنة أسد بن هاشم بن عبد مناف.

  • أبو محمّد الحسن بن عليّ، و أبو عبد الله الحُسين بن عليّ التقيّ، و امّهما فاطمة ابنة محمّد.

  • أبو محمّد عليّ بن الحسين العَدل، و امّه شاه بانويه ابنة يزدجرد بن شاهنشاه.

  • أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر، و امّه امّ عبد الله ابنة الحسن بن عليّ بن أبي طالب.

  • أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق، و امّه امّ فروة ابنة القاسم بن محمّد بن أبي بكر.

  • أبو إبراهيم موسى بن جعفر الثقة، امّه جارية اسمها [امّ‌] حميدة.

  • أبو الحسن عليّ بن موسى الرضا، امّه جارية اسمها نجمة.

  • أبو جعفر محمّد بن عليّ الزكيّ، امّه جارية اسمها خَيْزُران.

  • أبو الحسن عليّ بن محمّد الأمين، امّه جارية اسمها سوسن.

  • أبو محمّد الحسن بن عليّ الرفيق، امّه جارية اسمها سَمانة.

  • أبو القاسم محمّد بن الحسن الحجّة القائم، امّه جارية اسمها نرجس، صلوات الله عليهم أجمعين.

  • قال الشيخ أبو جعفر بن بابويه: جاء هذا الحديث هكذا بتسمية القائم‌

معرفة الإمام ج۱۳

389
  • عليه السلام. و الذي أذهب إليه ما روى من النهي عن تسميته.۱

    1. «فرائد السِّمطين» ص ۱٤۰ و ۱٤۱، السمط ٢، الباب ٣٢، الحديث ٤٣٥. و رواه الشيخ الصدوق متناً و سنداً في «عيون أخبار الرضا» ج ۱، ص ٤۰ و ٤۱، الباب ٦، طبعة (انتشارات جهان) - [إصدارات العالم‌]: النصوص علي الرضا عليه السلام بالإمامة في جملة الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام.
      و روى آية الله الشيخ لطف الله الصافي الكلبايكانيّ في كتاب «منتخب الأثر» ص ۱۰۷، عن كتاب «كفاية الأثر» بسنده المتّصل عن حُذيفة بن اليمان قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه و آله، ثمّ أقبل بوجهه الكريم علينا فقال: مَعَاشِرَ أصحابي! اوصيكم بتقوى الله و العمل بطاعته، فمن عمل بها فاز و غنم و أنجح، و من تركها حلّت به الندامة، فالتمسوا بالتقوى السلامةَ من أهوال يوم القيامة. فكأنّي ادعى و اجيب و إنِّي تاركٌ فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي أهل بيتي، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا، و مَن تمسّك بعترتي من بعدي، كان من الفائزين، و من تَخلّف عنهم كان من الهالكين.
      فقلتُ: يا رسول الله! على من تخلّفنا؟! قال: على من خلّف موسى بن عمران قومه. قلتُ: على وصيّه يوشع بن نون؟! قال: فإنّ وصيّي و خليفتي من بعدي عليّ بن أبي طالب عليه السلام قائد البررة و قاتل الكفرة، منصور من نصره، مخذول من خذله. قلتُ: يا رسول الله! فكم يكون الأئمّة من بعدك؟! قال: عدد نقباء بني إسرائيل، تسعة من صلب الحسين أعطاهم الله علمي و فهمي. خُزّان علم الله و معادن وحيه. قلتُ: يا رسول الله فما لأولاد الحسن؟ قال: إنّ الله تبارك و تعالى جعل الإمامة في عقب الحسين و ذلك قوله عزّ و جلّ: وَ جَعلها كلمةً باقية في عقبه. قلتُ: أ فلا تسمّيهم لي يا رسول الله؟ قال: نعم! إنّه لمّا عرج بي إلى السماء و نظرتُ إلى ساق العرش فرأيتُ مكتوباً بالنور: لا إله إلّا الله، محمّد رسول الله أيّدتُه بعليّ و نصرتُهُ بِهِ. و رأيتُ أنوار الحسن، و الحسين، و فاطمة، و رأيتُ في ثلاثة مواضع عليّاً، عليّاً، عليّاً، و محمّداً، و محمّداً، و موسى، و جعفر، و الحسن؛ و الحجّة يتلألأ من بينهم كأنّه كوكب درّيّ. فقلتُ: يا ربّ مَن هؤلاء الذين قرنتَ أسماءهم باسمك؟! قال: يا محمّد! إنّهم هم الأوصياء و الأئمّة من بعدك. خلقتهم من طينتك فطوبى لمن أحبّهم، و الويل لمن أبغضهم. فبهم انزل الغيث، و بهم اثيب و اعاقب. ثمّ رفع رسول الله صلى الله عليه و آله يده إلى السماء و دعا بدعوات فسمعته يقول: اللهمّ اجعل العلم و الفقه في عقبى و عقب عقبى، و في ذرعي و ذرع ذرعي (و في زرعي و زرع زرعي - ظ).

معرفة الإمام ج۱۳

390
  • كان هذا حصيلة كلامنا في تحقيق المعنى اللغويّ لأهل البيت و العترة، و المقصود منها في حديث الثقلين الذي جرى على لسان رسول الله صلى الله عليه و آله. و حينئذٍ فالموضوع واضح مع العلم و اليقين بخصوص المراد و المقصود. و مع أنّ البحث في المعاني اللغويّة لا يخلو من نفع، بَيدَ أنّه لا يحمل كبيرَ فائدة. و لا يظلّ معنى العترة و أهل البيت على سعته و عنوانه العامّ و الكلّيّ، بل ينحصر في هؤلاء الأشخاص المعيّنين.

  • بطلان تفسير زيد بن أرقم لأهل البيت‌

  • و يستبين ممّا قلنا أنّ تفسير زيد بن أرقم لمعنى أهل البيت كان مبتدعاً و لا دليل عليه من اللغة و السنّة، فقد فسّر أهل البيت بأهله و عصبته (أهل النبيّ و عصبته) الذين حُرموا الصدقة بعده. و هم آل عليّ، و آل العبّاس، و آل جعفر، و آل عقيل، كما روى الحمّوئيّ بسنده المتّصل عن يزيد بن حيّان أنّه قال: دخلنا على زيد بن أرقم فقال لنا: خطبنا رسول الله صلى الله عليه و آله فقال: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: أحَدُهُمَا كِتَابُ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ، مَن تَبِعَهُ كَانَ عَلَى الهُدَى، وَ مَن تَرَكَهُ كَانَ عَلَى الضَّلَالَةِ، ثُمَّ أهْلُ بَيْتِي، اذَكِّرُكُمُ اللهَ في أهْلِ بَيْتِي؛ (قَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ).

  • قُلْنَا: [يَا زَيْدُ] مَنْ أهْلُ بَيْتِهِ؟! نِسَاؤُهُ؟ قَالَ: لَا، أهْلُ بَيْتِهِ أهْلُهُ وَ عُصْبَتُهُ الَّذِينَ حُرِمُوا الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ: آلُ عَلِيّ وَ آلُ العَبَّاسِ وَ آلُ جَعْفَرٍ وَ آلُ عَقِيلٍ.۱

    1. «فرائد السِّمطين» ج ٢، ص ٢٥۰، الباب ٤۸، من السمط الثاني، الحديث ٥٢۰؛ و ذكره مير حامد حسين الهنديّ في عبقاته، جزء الثقلين، طبعة إصفهان، ج ۱، ص ٣۱۱؛ كما أورده السيّد هاشم البحرانيّ في «غاية المرام» ص ٢۱٥، الحديث ٣۰، عن العامّة برواية الحمّوئيّ في «فرائد السِّمطين». و رواه مسلم القُشيريّ بسند آخر في صحيحه، طبعة مصر، سنة ۱٣٢۷، ج ٢، ص ٣٢٥، باتّصال السند بيزيد بن حيّان الذي قال: كنت مع حصين بن سبرة و عمر بن مسلم عند زيد بن أرقم. ثمّ فصّل زيد قصّة الغدير، و بيّن في آخرها تفسيره لأهل البيت في جوابه لحصين الذي سأله عنهم. و أضاف أيضاً قائلًا: كلّ هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم. و ذكر أحمد بن حنبل هذه الرواية في مسنده، ج ٤، ص ٣٦٦، بسنده مفصّلًا؛ و كذلك أوردها محبّ الدين الطبريّ في «ذخائر العقبي» بتخريج مسلم (ص ۱٦).

معرفة الإمام ج۱۳

391
  • و سجّل العلّامة محمّد بن يوسف الكنجيّ الشافعيّ ثلاثة إشكالات على تفسير زيد بن أرقم لأهل البيت. و توضيح ذلك: أنّه روى في كتابه «كفاية الطالب» خطبة الغدير بسند متّصل و متن مفصّل عن زيد بن أرقم، و قال: أخرج مسلم هذا الحديث في صحيحه كما أخرجناه، و رواه أبو داود، و ابن ماجة القزوينيّ في كتابيهما. ثمّ قال: إنّ تفسير زيد بن أرقم (أهل البيت) غير مَرْضِيّ. لأنّه قال: أهْلُ بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ. [أي‌]: بعد النبيّ صلى الله عليه و آله. و حرمان الصدقة يعمّ زمان حياة الرسول صلى الله عليه و آله و بعده، و لأنّ الذين حُرموا الصدقة لا ينحصرون في المذكورين، فإنّ بني المطّلب‌۱ يشاركونهم في الحرمان، و لأنّ آل الرجل غيره على الصحيح، فعلى قول زيد يخرج أمير المؤمنين عليه السلام عن أن يكون من أهل البيت.

  • بل الصحيح أنّ أهل البيت عليّ، و فاطمة، و الحسنان عليهم السلام كما رواه مسلم بإسناده عن عائشة: أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله خرج ذات غداة وَ عَلَيْهِ مِرطٌ مُرَحَّلٌ‌٢ مِنْ شَعْرٍ أسْوَدَ. فجاء الحسن بن عليّ عليه السلام فأدخله، ثمّ جاء الحسين عليه السلام فأدخله، ثمّ جاءت فاطمة عليها السلام فأدخلها، ثمّ جاء عليّ عليه السلام فأدخله. ثمّ قال: أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ‌

    1. المراد بني عبد المطّلب.
    2. قال في «أقرب الموارد»: المِرط بالكسر: كساء من صوف أو خزّ أو كتّان يؤتزر به. و قال أيضاً: المرحّل من الثياب ما أشبهت نقوشه رحال الإبل.

معرفة الإمام ج۱۳

392
  • لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.۱

  • و هذا دليل على أنّ أهل البيت هم الذين ناداهم الله بقوله: أهل البيت، و أدخلهم رسول الله صلى الله عليه و آله في المِرط.

  • و أيضاً روى مسلم بإسناده أنّه لمّا نزلت آية المباهلة، دعا رسول الله صلى الله عليه و آله عليّاً، و حسناً و حسيناً و قال: اللَهُمَّ هَؤُلَاءِ أهْلِي.٢

    1. الآية ٣٣، من السورة ٣٣: الأحزاب.
    2. «كفاية الطالب» ص ۱۱، الباب الأوّل في بيان خطبته صلى الله عليه و آله بماء يُدعى خُمّاً، طبعة النجف الأشرف، سنة ۱٣٥٦.
      و قال السيّد ابن طاووس في كتاب «الطرائف في معرفة مذهب الطوائف» ص ۱۱٦، طبعة مطبعة الخيّام بقم: قال عبد المحمود (المراد هو: نفسه، فقد سمّى نفسه بهذا الاسم في كتابه المذكور): كيف خفي عن الحاضرين مراد النبيّ صلى الله عليه و آله بأهل بيته صلى الله عليه و آله: و قد جمعهم لمّا انزلت آية الطهارة تحت الكساء. و هم عليّ، و فاطمة، و الحسن، و الحسين عليهم السلام و قال: اللَهُمَّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرِّجس. و قد وصف أهل بيته الذين قد جعلهم الله خلفاً منه بعد وفاته مع كتاب الله تعالى بأنّهم لا يفارقون كتاب الله تعالى حتى يردوا عليه الحوض، فينظر مَن كان من العترة معصوماً لا يفارق كتاب الله في سرّ و لا جهر و لا في غضب و لا رضي و لا غني و لا فقر و لا خوف و لا أمن. فاولئك الذين أشار إليهم جلّ جلاله.
      قال السيّد عبد الحسين شرف الدين العامليّ في هامش ص ٤٢ من كتاب «الفصول المهمّة»، الطبعة الثانية بعد أن نقل حديثاً مفصّلًا عن تفسير الثعلبيّ، و تفسير «الكشّاف»: أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قال: من مات على حبّ آل محمّد مات شهيداً. المراد من آل محمّد في هذا الحديث و نحوه مجموعهم من حيث المجموع، باعتبار أئمّتهم الذين هم خلفاء رسول الله صلى الله عليه و آله، و أوصياؤه، و وارثو حكمه و أولياؤه، و هم الثقل الذي قرنه بالقرآن، و نصّ على أنّهما لا يفترقان، فلا يضلّ من تمسّك بهما، و لا يهتدي من تخلّى عن أحدهما. و ليس المراد هنا من الآل جميعهم على سبيل الاستغراق و الشمول، لكلّ فرد فرد، لأنّ هذه المرتبة السامية ليست إلّا لأولياء الله، القوّامين بأمره خاصّة بحكم الصحاح المتواترة من طريق العترة الطاهرة. نعم تجب محبّة جميع أهل بيته و ذرّيّته كافّة، لتفرّعهم من شجرته الطاهرة صلى الله عليه و آله و سلّم. و بذلك تحصل الزلفى للّه تعالى و الشفاعة من جدّهم بأبي هو و امّي. و كنت أوصيت أولادي أن يكتبوا هذا الحديث على كفني بعد الشهادتين لألقى الله تعالى بذلك. و الآن اكرّر وصيّتي هذه إليهم، و لتكن الكتابة على العمامة.

معرفة الإمام ج۱۳

393
  • مفاد حديث الثقلين حجّيّة أهل البيت و العترة

  • إن ما يستفاد من حديث الثقلين هو إمامة الأئمّة و إمارتهم و حكومتهم و ولايتهم و طهارتهم و علمهم و فهمهم و أعلميّتهم، و رُشد أتباعهم و هدايتهم، و كفر المتخلّفين عنهم و غوايتهم و ضلالتهم، و بقاء هذا الأمر و دوامه حتى قيام الساعة، و غير ذلك. و إذا أنعمنا النظر في هذا الحديث بطرقه المختلفة و مضامينه المتفاوتة، فسنحصل على نكات كثيرة، نكتفي بالإشارة إلى اثنتين منها فيما يأتي:

  • الاولى: أنّ حجّيّة أهل البيت و العترة كحجّيّة الكتاب في جميع المعارف الأصيلة و الثقافة الإسلاميّة القويمة. أي: أنّهم بمنزلة القرآن الكريم في الأصالة و الواقعيّة و الإتقان و الصيانة من الخطأ و الخلط في كافّة المعارف و العقائد و الأحكام و القصص و الحكايات و القوانين بأقسامها و الأخلاق و الفلسفة و العرفان و العلوم الطبيعيّة و التجريبيّة. فكما أنّ القرآن سند ينبغي أن تعود إليه هذه الثقافة الواسعة بأسرها، فكذلك أهل البيت و الأئمّة الاثنا عشر يتمتّعون بالأصالة و الواقعيّة جنباً إلى جنب مع القرآن في هذه المراحل و المنازل كلّها. و يجب أن تعود إليهم جميع المعارف و الثقافات بامتدادها و اتّساعها. و إلّا فستكون غالطةً، متضعضعة، فاسدة، يباباً.

  • إنّنا متى ناقشنا مسلماً سنّيّاً، و احتججنا بالقرآن، و أتينا بدليل قرآنيّ، فإنّ قولنا سيكون القول الفصل، لأنّه لا شي‌ء يعلو و يتفوّق على‌

معرفة الإمام ج۱۳

394
  • القرآن من حيث الإتقان و الإحكام و الصيانة و العصمة. كما لا يحقّ لأحدٍ أن يقدح فيه فيواصل نقاشه و هو لا يُقرّ به.

  • و لقد جعل حديثُ الثقلين العترةَ مرافقةً للقرآن، و موازيةً و مساوية له. و مَن اعتقد بالنبيّ صلى الله عليه و آله، فعليه أن يكيّف كلامه، و نهجه، و عمله، و أخلاقه، و عقيدته و سائر جهات إدراكه مع الأئمّة حسب هذا الحديث، ذلك أنّه جعلهم كالقرآن من حيث الحجّيّة و الأصالة.۱

  • بناءً على هذا عند ما نناقش مسلماً سنّيّاً، و ندلي بحجّتنا المتمثّلة بكلام أمير المؤمنين، أو الحسن، أو الحسين، أو أيّ إمام آخر حتى بقيّة الله الأعظم صلوات الله عليهم أجمعين و كان ذلك الكلام قد ثبت صدوره عن ذواتهم المقدّسة، فعلينا أن نقطع النقاش و لا نواصله. ذلك أنّنا قد بلغنا الحجّة. و هي لنا مصباح هدى تنجلي به الظلمات و الضلالات برمّتها، و ينكشف به الطريق، و تسكن به ضروب التضعضع و الاضطراب، و ننجو به من التيه و الظلام و الحيرة فنصل إلى مرفأ الأمن و الأمان، و منهل العلم و المعرفة و العقل و الدراية. و هذا هو مفاد الحديث في استخلافهم مقرونين بالقرآن الكريم: كتاب الوحي السماويّ، و لا يقتصر مفاده على نصب الخليفة و الإمام أميراً و حاكماً و رئيساً على الناس قاطبةً.

    1. روى في «غاية المرام» ص ٢٢٥، الحديث ٢۰، عن الخاصّة، عن العيّاشيّ في تفسيره بإسناده إلى مسعدة بن صدقة قال: قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: إنّ الله جعل ولايتنا أهل البيت قطب القرآن و قطب جميع الكتب، عليها يستدير محكم القرآن و بها نَوَّهَتِ الكتب و يستبين الإيمان، و قد أمر رسول الله صلى الله عليه و آله أن يُقتدي بالقرآن و آل محمّد و ذلك حيث قال في آخر خطبة خطبها: إنّي تارك فيكم الثقلين: الثقل الأكبر و الثقل الأصغر، أمّا الأكبر فكتاب ربّي، و أمّا الأصغر فعترتي أهل بيتي، فاحفظوني فيهما، فلن تضلّوا ما تمسّكتم بهما.

معرفة الإمام ج۱۳

395
  • إن فرق العامّة كلّها سواء في اصولها كالأشاعرة و المعتزلة، أم في فروعها كالحنابلة، و الحنفيّة، و المالكيّة، و الشافعيّة أو الفرق الاخرى التي اندثرت أو هي موجودة نوعاً ما و تتبع الأشعريّ في العقائد و الاصول، و يسودها الخلل و الإشكال في الفروع، لأنّها بلا حُجّة.

  • و لا نريد أن نقول هنا: إنّ رؤساءهم خونة أهل دنيا، أو فسّاق عصاة، أو جهّال، بل نريد أن نقول: لو فرضنا أنّهم على درجة عالية من الورع و التقوى، و العلم و المعرفة، و الزهد و الإعراض عن زبرج الدنيا، بَيدَ أنّ التمسّك بهم و بعقائدهم و آرائهم لا يقوم على دليل و حجّة. فلا كتاب الله جعل كلامهم حجّة، و لا سنّة رسول الله صلى الله عليه و آله.

  • أمّا حديث الثقلين المؤيّد لكتاب الله، فقد جعل كلام الأئمّة الاثني عشر حجّة، و ما اتّباع الشيعة لهم في العقائد و المعارف و اصول الدين و الفقه و القوانين و الأحكام إلّا عملًا بحديث الثقلين الذي صَدَف عنه العامّة.

  • نحن نقول: إنّنا لا نستطيع أن نتّبع غير الأئمّة الاثني عشر كما لا نستطيع أن نتّبع موسى، و عيسى مع أنّهما من رسل الله، و لا نعمل بتعاليم كتابيهما: التوراة و الإنجيل على فرض صحّتهما، إذ إنّهما ليسا حجّة علينا لنسخ نبوّتهما و كتابيهما، و لا بدّ لنا من اتّباع محمّد بن عبد الله صلى الله عليه و آله و كتابه: القرآن الكريم لوجود الحجّة عندنا. و هكذا الأمر بالنسبة إلى الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام، إذ لا يحقّ لنا أن نتّبع غيرهم. و لا يجوز لنا أن نأخذ المعارف و الفقه و التفسير و الأخلاق و سائر امور المعارف و الثقافة من غيرهم، لأنّ الحجّة على كلامهم قائمة، و لا حجّة لنا على اتّباع قول غيرهم.

  • لو سأل الله تعالى أهل السُّنَّة في عرصات القيامة -و هو سائلهم‌

معرفة الإمام ج۱۳

396
  • حتماً-: لما ذا اتّبعتم مثلًا أبا الحسن الأشعريّ في اصول دينكم، و الشافعيّ في فروعه؟ مَن قال لكم ذلك؟ و مَن أمركم؟ فبماذا سيجيبون؟

  • و لو قالوا: هؤلاء عندنا أفضل الناس على وجه الأرض. و قال الله: الصالحون كُثْرٌ، و هما و أمثالهما ليسوا أفضل من موسى و عيسى عليهما السلام، فما هو دليلكم القاطع للعذر، و ما هي حجّتكم في تقليدهم و اتّباعهم؟ و سوف لا يملكون جواباً.

  • أمّا في ضوء مفاد حديث الثقلين، فإنّ العاملين به يقولون: نبيّك جعل الإمام الصادق عليه السلام حجّة علينا، و كذلك جعل الإمام الرضا عليه السلام، و الإمام المهديّ عليه السلام. و نحن عملنا بحديث نبيّك الذي جعلتَ كلامه حجّة علينا في كتابك، و هو الذي جعل الأئمّة حجّة علينا، و كذلك جعل كلامهم، و عملهم، و سيرتهم في جميع الشؤون العلميّة و المعارف و الفقه و التفسير و الأخلاق.

  • مفاد حديث الثقلين عصمة أهل البيت و العترة

  • الثانية: عصمة أهل البيت و العترة. أي: أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله شهد بعصمتهم في حديث الثقلين كما شهد بعصمة القرآن. و من هنا قال أمير المؤمنين عليه السلام في إحدى خطبه: فَأنْزِلُوهُمْ مَنَازِلَ القُرْآنِ.۱

  • قال ابن أبي الحديد في شرحه: تَحْتَهُ سِرٌّ عَظيمٌ. وَ ذَلِكَ أنَّهُ أمَرَ المُكَلَّفِينَ بِأنْ يُجْرُوا العِتْرَةَ في إجلالِهَا وَ إعْظَامِهَا وَ الانقِيَادِ لَهَا وَ الطَّاعَةِ لأوَامِرِهَا مَجْرَى القُرْآنِ.

  • ثمّ قال: فإن قلتَ: هذا القول منه عليه السلام مُشْعِرٌ بأنّ العترة

    1. «نهج البلاغة» ج ۱، ص ۱٥٤، الخطبة ۸٥، طبعة مصر، و شرح الشيخ محمّد عبده: فَأيْنَ يُتَاهُ بِكُمْ؟ بَلْ كَيْفَ تَعْمَهُونَ وَ بَيْنَكُمْ عِترَةُ نَبِيِّكُمْ وَ هُمْ أزِمَّةُ الحَقِّ وَ أعْلَامُ الدِّينِ، وَ ألْسِنَةُ الصِّدْقِ، فَأنْزِلُوهُمْ مَنَازِلَ القُرآنِ، وَ رِدُوهُمْ وُرُودَ الهيمِ العِطَاشِ.

معرفة الإمام ج۱۳

397
  • معصومة، فما قول أصحابكم في ذلك؟!

  • قلتُ: نصّ أبو محمّد بن مُتُّوَيْه رحمه الله في كتاب «الكفاية» على أنّ عليّاً عليه السلام معصوم، و إن لم يكن واجب العصمة، و لا العصمة شرط في الإمامة، و لكن أدلّة النصوص دلّت على عصمته و القطع على باطنه و يقينه. و إنّ ذلك أمر اختصّ هو عليه السلام به دون غيره من الصحابة.

  • و الفرق ظاهر بين قولنا: زَيْدٌ مَعْصُومٌ، و بين قولنا: زَيْدٌ وَاجِبُ العِصْمَةِ. لأنّه إمام، و من شرط الإمام أن يكون معصوماً.

  • فالاعتبار الأوّل مذهبنا،۱ و الاعتبار الثاني مذهب الإماميّة.٢

  • و لكن من المؤسف أنّ الثقلين لم يُرْعَيا حقّ رعايتهما بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و آله. فالكتاب قد حُرِّفَ، و عُطِّلَ، و ضُيِّع من حيث المعنى و المفاد، و العترة قد لقيت من النكبات و الويلات و الكوارث كالقهر، و الأسر، و القتل، و النهب، و السجن، و النفي، و الصلب ما يعجز عنه البيان. و أنّ هذه المظلوميّة و الغربة مشهودتان في أرجاء العالم حتى ظهور الحجّة الحقّ صلوات الله عليه. و نأمل أن تُداوَى الآلام، و تُشفى الأمراض، و تكتحل العيون الرمداء، و تطيب النفوس المصابة بالازدواجيّة و النفاق بظهوره عليه السلام. آمين ربّ العالمين.

  • قال الشيخ الطوسيّ في «الأمالى»: أخبرنا الشيخ المفيد، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن قولويه، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني سعد بن‌

    1. لأنّ ابن أبي الحديد كان معتزليّاً.
    2. «شرح نهج البلاغة» لابن أبي الحديد، ج ٦، ص ٣۷٦ و ٣۷۷، طبعة دار إحياء الكتب العربيّة؛ و ذكره في «غاية المرام» ص ٢۱۷، الحديث ٣٩، عن العامّة، نقلًا عن الشرح.

معرفة الإمام ج۱۳

398
  • عبد الله عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب الزرّاد، عن أبي محمّد الأنصاريّ، عن معاوية بن وهب قال: كنتُ جالساً عند جعفر بن محمّد عليهما السلام إذ جاء شيخ قد انحنى من الكبر، فقال: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَ رَحْمَةُ اللهِ وَ بَرَكَاتُهُ. فقال أبو عبد الله عليه السلام: وَ عَلَيْكَ السَّلَامُ وَ رَحْمَةُ اللهِ وَ بَرَكَاتُهُ‌. يا شيخ ادنُ منّي! فدنا منه و قبّل يده و بكى. فقال أبو عبد الله: و ما يبكيك يا شيخ؟!

  • قال له: يا ابن رسول الله، إنّي مقيم على رجاء منكم منذ مائة سنة. أقول: هذه السنة، و هذا الشهر، و هذا اليوم، و لا أرى فيكم، فتلومني أن أبكي.

  • [قال معاوية بن وهب‌] فبكى أبو عبد الله. ثمّ قال: يا شيخ! إن اخِّرتْ منيّتك، كنتَ معنا. و إن عُجِّلَتْ، كنتَ يوم القيامة مع ثقل رسول الله صلى الله عليه و آله:

  • قال الشيخ: ما ابالى ما فاتني بعد هذا يا بن رسول الله! فقال له أبو عبد الله عليه السلام: يا شيخ إنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قال: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ، مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ المُنْزَلَ، وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي. وَ أنْتَ مَعَنَا يَوْمَ القِيَامَةِ.

  • ثمّ قال: يا شيخ ما أحسبك من أهل الكوفة! قال: لا. قال: مِنْ أين؟ قال: من سوادها، جُعلتُ فداك. قال: أيْنَ أنْتَ عَنْ قَبْرِ جَدِّيَ المَظْلُومِ الحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلَامُ؟! قال: إنّي لقريب منه. قال: كيف إتيانك له؟ قال: إنّي لآتيه، و اكثر.

  • قال: يا شيخ‌ ذَاكَ دَمٌ يَطْلُبُ اللهُ تعالى بِهِ مَا اصِيبَ وُلْدُ فَاطِمَةَ، وَ لَا يُصَابُونَ بِمِثْلِ الحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَ لَقَدْ قُتِلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ في سَبْعَةَ عَشَرَ مِنْ أهْلِ بَيْتِهِ نَصَحُوا اللهَ وَ صَبَرُوا في جَنْبِ اللهِ، فَجَزَاهُمْ أحْسَنَ‌

معرفة الإمام ج۱۳

399
  • جَزَاءِ الصَّابِرِينَ.

  • إنَّهُ إذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ أقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ مَعَهُ الحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ يَدُهُ عَلَى رَأسِهِ تَقْطُرُ دَماً، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! سَلْ امَّتِي فِيمَ قَتَلُوا ابْنِي؟!

  • وَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: كُلُّ الجَزَعِ وَ البُكَاءِ مَكْرُوهٌ سِوَى الجَزَعِ وَ البُكَاءِ عَلَى الحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلَامُ.۱

  • مؤاخذة رسول الله الامّة يوم القيامة على ما فعلت بالثقلين‌

  • روى محمّد بن يعقوب الكلينيّ في «الكافي» بسنده المتّصل عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: أنَا وَافِدٌ عَلَى العَزِيزِ الجَبَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَ كِتَابُهُ وَ أهْلُ بَيْتِي، ثُمَّ امَّتِي، ثُمَّ أسْألُهُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِكِتَابِ اللهِ، وَ بِأهْلِ بَيْتِي؟!٢

  • و روى مضمون هذا الحديث محمّد بن الحسن الصفّار في «بصائر الدرجات»٣ و سعد بن عبد الله القمّيّ في «بصائر الدرجات»٤ كلّ منهما

    1. «غاية المرام» ص ٢٢٣، و ٢٢٤، الحديث الرابع، عن الخاصّة.
      نقل الشيخ الصدوق هذا الحديث بنحو أكثر تفصيلًا كما جاء ذلك في «غاية المرام» ص ٢۱۸ و ٢۱٩، الحديث السادس عن الخاصّة. و وردت فيه أسماء الأئمّة عليهم السلام. و يضيف الإمام قائلًا: يا شيخ! و الله لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرج قائمنا أهل البيت (الكلام).
    2. «غاية المرام» ص ٢٢٩، الحديث ٤٤، عن الخاصّة.
    3. «غاية المرام» ص ٢٢٩، الحديث ٤٥، عن الخاصّة، عن الإمام الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: أنا قادمٌ علي الله ثمّ يَقْدَم عَلَيّ كتابُ الله، ثمّ عَلَيّ أهل بيتي، ثمّ تَقْدَم علَيّ امَّتي، فيقفون فيسألهم ما فعلتم في كتابي و أهل بيت نبيّكم؟!
    4. «غاية المرام» ص ٢٢٩، تتمّة الحديث ٤٥، قال: و روي سعد بن عبد الله في «بصائر الدرجات» عن شعيب الحدّاد قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: أنَا أوَّلُ قادم علي الله تبارك و تعالى ثمّ يَقْدم علَيّ كتابُ اللهِ و أهل بيتي ثمّ تَقْدَم علَيّ امَّتي، فأقول لَهُمْ: بئسما فعلتم في كتاب الله عزّ و جلّ و أهل بيت نبيّكم!

معرفة الإمام ج۱۳

400
  • بسنده المتّصل.

  • نُقل عن فضيلة ثقة المحدّثين الشيخ فاضل التبريزيّ المحترم أطال الله بقاءه -و هو الآن بحمد الله تعالى حيّ يُرزق، و يقيم في مدينة مشهد المقدّسة. و كنتُ قد استمتعتُ بمنبره الحسن و كلامه الرفيع- أنّه قال: كنت قد تشرّفت بزيارة مكّة و المدينة في شهر جمادى الآخرة سنة ۱٣٩٥ أو ۱٣٩٦ هـ لأداء مناسك العمرة. و ذهبتُ يوماً لزيارة قبر الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله فدخلتُ الحرم النبويّ الشريف فرأيتُ عمّال البناء و هم يريدون دخول الضريح المقدّس لترميم أساسه فنقلت عدداً من الطابوقات و تبعتهم، فدخلتُ معهم. و وقعت عيني على صورة القبور، و شاهدتها بإمعان، و رأيتُ خلفها قبراً شيّد في جانب محراب المصلّين و قد كُتب عليه ما نصّه: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: فَاطِمَةُ مُهْجَةُ قَلْبِي، وَ ابْنَاهَا ثَمَرَةُ فُؤادِي، وَ بَعْلُهَا نُورُ بَصَرِي، و الأئمَّةُ مِنْ وُلْدِهَا امَنَاءُ رَبِّي، حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الخَلْقِ. مَنْ تَمَسَّكَ بِهِمْ نَجَا. وَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُمْ هَوَى.

  • فضل أهل البيت عليهم السلام في ضوء ما نقله العلّامة الحلّيّ‌

  • قال العلّامة الحلّيّ في كتاب «نهج الحقّ و كشف الصدق»: روى الزمخشريّ الذي كان من أشدّ الناس عناداً لأهل البيت،۱ و هو الثقة المأمون عند الجمهور، قال بإسناده أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قال: فَاطِمَةُ مُهْجَةُ قَلْبِي، وَ ابْنَاهَا ثَمَرَةُ فُؤَادِي، وَ بَعْلُهَا نُورُ بَصَرِي، و الأئمَّةُ مِنْ وُلْدِهَا امَنَاءُ رَبِّي، وَ حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ خَلْقِهِ، مَنِ اعْتَصَمَ بِهِمْ نَجَا،

    1. علي الرغم من أنّ الزمخشريّ كان سنّيّاً حنفيّ المذهب، بَيدَ أنّ المستفاد من تفسيره المعروف بـ «الكشّاف»، و كتابه: «ربيع الأبرار» هو أنّه كان معتدلًا في ولائه أهل البيت عليهم السلام. و لعلّ تعبير العلّامة بحقّه من شطحات القلم و شططه.

معرفة الإمام ج۱۳

401
  • وَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُمْ هَوَى.۱

  • روى هذا الحديث العظيم المعنى المبارك المراد السيّد ابن طاووس،٢ و المجلسيّ،٣ و الشيخ سليمان القندوزيّ،٤ و الخوارزميّ،٥ و الحمّوئيّ،٦ و محمّد بن أبي الفوارس،۷ و الزمخشريّ،۸ و الشيخ جمال الدين الحنفيّ الموصليّ.٩

  • نقرأ في هذا الحديث كما في بعض الأحاديث السابقة أنّه صلى الله‌

    1. «نهج الحقّ و كشف الصدق» ص ٢٢۷، طبعة منشورات دار الهجرة، قم.
    2. «الطرائف» ص ۱۱۷ و ۱۱۸، عن الزمخشريّ بسنده المتّصل، و جاء فيه: بهجة قلبي مكان مهجة قلبي الواردة في حديث العلّامة. و هذا هو الفارق الوحيد بينهما.
    3. «بحار الأنوار» ج ٢٣، ص ۱۱۰، الطبعة الحديثة، نقلًا عن «الطرائف»، عن الزمخشريّ.
    4. «ينابيع المودّة» ص ۸٢، نقلًا عن الحمّوئيّ بسنده عن جميل بن صالح، عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليه السلام، عن رسول الله صلى الله عليه و آله. و اللفظ هو نفس لفظ «الطرائف»: بهجة قلبي، و لكن جاء فيه: و حبله الممدود بدل و حبل ممدود.
    5. «مقتل الإمام الحسين عليه السلام» ج ۱، ص ٥٩، بلفظ «ينابيع المودّة» نفسه عن الحمّوئيّ، عن الإمام محمّد بن أحمد بن عليّ بن شاذان، عن الحسن بن حمزة، عن عليّ بن محمّد بن قتيبة، عن الفضل بن شاذان، عن محمّد بن زياد، عن حميد بن صالح، عن جعفر بن محمّد عليهما السلام، عن أبيه، و هو عن أبيه، و هو عن الإمام الحسين عليه السلام، عن الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله.
    6. (٦ الى ۸) - بالتسلسل عن «فرائد السِّمطين» و كتاب «الأربعين» و «المناقب» عن مخطوطات هذه الكتب الثلاثة بناءً علي نقل «إحقاق الحقّ» ج ٤، ص ٢۸۸، و: ج ٩، ص ۱٩۸. و جاء في أربعين ابن أبي الفوارس: نور عيني بدل نور بصري. أمّا بقيّة الألفاظ في هذا الكتاب، و الكتابين الآخرين: «فرائد ...» و «مناقب» فهي كلفظ القندوزيّ نفسه.
    7. (٦ الى ۸) - بالتسلسل عن «فرائد السِّمطين» و كتاب «الأربعين» و «المناقب» عن مخطوطات هذه الكتب الثلاثة بناءً علي نقل «إحقاق الحقّ» ج ٤، ص ٢۸۸، و: ج ٩، ص ۱٩۸. و جاء في أربعين ابن أبي الفوارس: نور عيني بدل نور بصري. أمّا بقيّة الألفاظ في هذا الكتاب، و الكتابين الآخرين: «فرائد ...» و «مناقب» فهي كلفظ القندوزيّ نفسه.
    8. (٦ الى ۸) - بالتسلسل عن «فرائد السِّمطين» و كتاب «الأربعين» و «المناقب» عن مخطوطات هذه الكتب الثلاثة بناءً علي نقل «إحقاق الحقّ» ج ٤، ص ٢۸۸، و: ج ٩، ص ۱٩۸. و جاء في أربعين ابن أبي الفوارس: نور عيني بدل نور بصري. أمّا بقيّة الألفاظ في هذا الكتاب، و الكتابين الآخرين: «فرائد ...» و «مناقب» فهي كلفظ القندوزيّ نفسه.
    9. «دُرَر بحر المناقب» عن مخطوطة هذا الكتاب بناءً علي نقل «إحقاق الحقّ» ج ٤، ص ٢۸۸، و: ج ٩، ص ۱٩۸. أمّا بقيّة العبارات في هذا الكتاب فهي كعبارة القندوزيّ نفسه.

معرفة الإمام ج۱۳

402
  • عليه و آله عبّر عن الأئمّة عليهم السلام بالحبل الممدود. لكن و اعجبا إذ لم يمرّ على وفاته صلى الله عليه و آله بضعة أيّام و إذا حبل القوم قد القى في عنق حبل الله، و اقتيد أسد الله الغالب من أجل بيعة الماكرين المحتالين في المسجد، و تصرّمت السنون، و إذا ولده الحسين -و هو عترته و عترة رسول الله و حبل الله الرابط بينه و بين خلقه- يُذْبَح بين النهرين ظمآناً. و مزّقوا حبل الله، و قطعوا الرابط بين الله و خلقه. و أنشد هو نفسه عليه السلام يرتجز قائلًا.

  • مَن لَهُ جَدٌّ كَجَدِّي في الوَرَى؟***أوْ كَشَيْخي؟ فَأنَا ابْنُ القَمَرينْ‌
  • فَاطِمُ الزَّهْرَاء امِّي، وَ أبِي‌***قَاصِمُ الكُفْرِ بِبَدرٍ وَ حُنَيْن‌
  • في سَبِيلِ اللهِ، مَا ذَا صَنَعَت‌***امَّةُ السَّوءِ مَعاً بِالعِتْرَتَيْن‌
  • عِتْرَةِ البَرِّ النَّبِيّ المُصْطَفى‌***وَ عَلِيّ الوَرْدِ بَيْنَ الجَحْفَلَيْن؟
  • للّه الحمد و له الشكر إذ فرغتُ من تأليف هذا الجزء و هو الجزء الثالث عشر من كتاب «معرفة الإمام» من سلسلة العلوم و المعارف الإسلاميّة في ظلّ العنايات الخاصّة و التوجّهات التامّة لسيّدنا إمام العصر و الزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء، و ذلك ضحى يوم السبت، الخامس و العشرين من شهر رمضان المبارك سنة ألف و أربعمائة و عشر هجريّة في مدينة مشهد المقدّسة على مُشَرِّفِها و على آبائه و أبنائه الأئمّة الكرام أفضل الصلاة و السلام، قبل الظهر بساعتين، بمحمّد و آله الطاهرين صلّ على محمّد و آله الطيّبين، و العن اللهمّ أعداءهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.