2

الإمام عليه السلام هويّةُ التشيع

النصف من شعبان لعام 1427 هـ ق

7082
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمالمناسبات الإسلامية

المجموعةالنصف من شعبان

التاريخ 1427/08/15

جلسات المجموعة(10 جلسة)

التوضيح

ما معنى إحياء ذكر أهل البيت عليهم السلام وبماذا يمتاز إحياء ذكر الإمام الحجّة عليه السلام عن إحياء ذكر سائر الأئمّة؟ ولماذا لا يجوز إحياء الذكرى السنويّة حتّى للعلماء في مدرسة التشيّع؟
ما هو الحدّ الأدنى من آثار الاعتقاد بحياة الإمام وما هو الحدّ الأعلى لذلك؟
لماذا لا بدّ من العمامة وما هي رسالتها إلى الدنيا؟ وما هي وظائف العلوم الدينيّة؟
كيف نعرف الحقّ من الباطل؟ وهل تثمّن علوم أهل البيت بثمن؟!
تتناول هذه المحاضرة دراسة تلك المحاور جاعلة رسالة إحياء هذه الذكرى أنّ الإمام عليه السلام هو الذي يشكّل هويّة التشيّع. ولذلك على طلاب العلوم الدينيّة أن يجعلوه محور دراستهم وعملهم.

/۱۷
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

الإمام عليه السلام هويّةُ التشيع - النصف من شعبان لعام ۱٤۲۷ هـ ق

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • الإمام عليه السلام هويّةُ التشيع

  • النصف من شعبان لعام ۱٤٢۷ هـ ق

  •  

  • محاضرة ألقاها

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  •  

الإمام عليه السلام هويّةُ التشيع - النصف من شعبان لعام ۱٤۲۷ هـ ق

2
  •  

  •  

  • أعوذُ باللَه من الشّیطانِ الرّجیم

  • بسم اللَه الرّحمٰنِ الرّحیم

  • و صلَّی الله علیٰ سیّدنا و نبیّنا أبی‌القاسم محمّدٍ

  • و علیٰ آله الطّیِّبین الطّاهرین

  • و لعنةُ اللهِ علیٰ أعدائِهم أجمَعین

  •  

  •  

  • ما معنى إحياء ذكر أهل البيت عليهم السلام؟

  • اليوم يوم ولادة إمام الزمان الإمام الحجّة ابن الحسن المهدي أرواحنا لتراب مقدمه الفداء. يقول الإمام الصادق عليه السلام: «رَحِمَ اللَهُ عبدًا أحیا ذِکرَنا»۱

  • فما هو مقصود الإمام عليه السلام من هذا الأمر؟ لماذا يقول الإمام أن أنّ عليكم أن تحيوا ذكرنا على الدوام بينكم وأن لا ننسى بينكم؟ 

  • وقد أوصى الإمام الباقر عليه السلام في حجّه أن يوقف له من ماله من يندبه عشر سنين بمنى بعد موته أمام الفرق والطوائف المختلفة التي تأتي إلى منى، فيتحدّث عمّا جرى في حياته من أحداث وعن الأعمال التي كان يقوم بها والظلم الذي كان يجري عليه وما كان يصنعه معه ومع أصحابه الخلفاء.٢ فماذا كان مراد الإمام الباقر عليه السلام من ذلك؟

  • واضح أنّ الإنسان يحتاج في حفظه وتذكّره لحادث معيّن أو شخصيّة ما إلى تذكير متجدّد، ولولا ذلك لنُسِيت. فإذا ما وقع أمر ما فإنّه ينسى بعد بضع سنوات، يحذفه الناس من ذاكرتهم، وتخرج شيئًا فشيئًا تلك الأجواء والأحوال من الأذهان، وتهدأ فورة تلك الحوادث، وتبعًا لذلك لا يرغب الإنسان بتجديد تلك الخواطر والذكريات. لذلك يجدّدون في كلّ عام تلك الذكرى للحفاظ عليها حيّة، وهذه الأهداف قد تكون إلهيّة وقد تكون دنيويّة. 

  • ونحن إذ نحيي في كلّ عام ذكر الإمام ونجدّد ذكرى ولادته وشهادته والمناسبات الدينيّة، فإنّما نفعل ذلك لأنّنا نريد أوّلاً أن نَعلم نحن أنفسنا، وثانيًا أن نُعلم الدنيا أنّ مدرسة التشيّع تعني مدرسة الإمامة والولاية، وأنّ الإمام الصادق يختلف عن أبي حنيفة ومالك والشافعيّ، والإمام الباقر يختلف عن عكرمة، فقد كان بين أهل السنّة العديد من الفقهاء والمفتين وأصحاب الرأي من العلماء، فأئمّتهم الأربعة وغيرهم أيضًا هم من الكبار في فقه أهل السنّة ومذاهبهم. وبالطبع أقصد أنّهم كبار من حيث المحفوظات لا من حيث المقام والتقرّب، لأنّ من يقف في وجه مدرسة أهل البيت لا تقرّب له إلى الله لكي يسمّى بالكبير! ولكن نحن إذ نحيي ذكر الإمام الصادق سواء في الولادة أم في الشهادة فلأجل أن نقول: إنّ هذه المدرسة قائمة بالإمام الصادق. على الشيعة أن يطرحوا الإمام فيما بينهم، أي لا بدّ أن يلتفتوا إلى أنّ حقيقة التشيّع وحقيقة المذهب هي بوجود الإمام، وطبعًا ليس بوجوده الظاهريّ، بل بحقيقته التي هي حقيقة الإمامة التي ظهرت في كلّ زمان في نفس من النفوس القدسيّة، ففي زمان في الإمام الجواد عليه السلام، وفي زمان في الإمام موسى بن جعفر، وفي زمان في الإمام الهادي، وفي زمان في الإمام السجّاد وهكذا…

    1. مصادقة الإخوان، الشیخ الصدوق، ص ٣٦.
    2. الكافي، ج ٥، ص ۱۱۷: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: قَالَ لِي أَبِي يَا جَعْفَرُ أَوْقِفْ لِي مِنْ مَالِي كَذَا وَ كَذَا لِنَوَادِبَ تَنْدُبُنِي عَشْرَ سِنِينَ بِمِنًى أَيَّامَ مِنًى.

الإمام عليه السلام هويّةُ التشيع - النصف من شعبان لعام ۱٤۲۷ هـ ق

3
  • الحدّ الأدنى من آثار الاعتقاد بحياة إمام الزمان عليه السلام 

  • المسألة المطروحة في ولادة إمام الزمان عليه السلام والتي يجب أن يلتفت إليها هي مسألة حياة الإمام وحياة الإمامة. ورغم أنّ الأمر هو كذلك في سائر المناسبات، ولكن بمناسبة الحياة الظاهريّة لذلك الإمام يمكن الاهتمام بهذه المسألة أكثر والتدقيق بها أكثر. فنحن نتّخذ يوم ولادة النبيّ عيدًا، ولكن في النهاية فارق النبيّ الدنيا ومات؛ لأنّهم سمّموه، وقد سمّمته عائشة أيضًا.۱ نتّخذ يوم ولادة الإمام الجواد عيدًا، ولكن في النهاية فارق الإمام الجواد الدنيا واستشهد، وقد سمّم، وسمّمه المعتصم الخليفة العبّاسي.٢ فكلّ واحد من الأئمّة عاش عمره الظاهريّ وهاجر إلى العالم الباقي، وانتقلت الإمامة والولاية إلى إمام الزمان عليه السلام. والحدّ الأدنى من الفارق الذي يحمله مولد إمام الزمان عليه السلام هو أنّنا نشعر أنّ الولاية حيّة ولها حياة. هذه الولاية هي ولاية ليست كسائر مناسبات المذهب من الأعياد والوفيّات والبعثة والغدير وأمثال ذلك والتي هي مجرّد ذكرى، بل نحن نتّخذ عيدًا في ولادة إنسان هو صاحب الولاية ولا يزال حيًّا بيننا ويتحرّك ويعيش مثلنا.٣ وهذا الأمر مهمّ جدًّا. 

  • ففي المرتبة الأدنى والحدّ الأقلّ نشعر أنّ صاحب القوّة و السيطرة والولاية له إشراف علينا ويراقب أعمالنا وحركاتنا.٤ فمع غضّ النظر عن الكلام والخزعبلات والمزخرفات التي تطرح هنا وهناك حول علم الإمام فيقال: هل للإمام علم الغيب أم لا؟ وهذا الكلام كان يسمع دائمًا في زمان الأئمّة بين المخالفين وهو يسمع الآن٥، نحن نشعر أنّ عينا الرقيب والعتيد دائمًا ناظرة إلى أعمالنا وشاهدة عليها. وهذه المسألة إذا فكّر بها الإنسان غيّرت في حياته وأحواله تغييرًا جذريًّا. 

  • افترضوا أنّكم دخلتم إلى هذه الحسينيّة ورأيتم أنّه لا يوجد فيها أحد فإنّكم تفعلون ما يحلو لكم، تركضون وتنامون وتقفزون و…، ولكن إذا شعرتم فجأة أنّ هناك آلة تصوير كهذه التي أمامي الآن في تلك الزاوية وهي تسجّل جميع حركاتكم، فإنّكم تتحوّلون فجأة إلى إنسان مؤدّب وجيّد ومنظّم وتجلسون جانبًا فلا تركضون ولا تنامون ولا تصرخون، لأنّه ليس هناك مزاح في الأمر وآلة التصوير تسجّل صوركم، فالإنسان الذي يتكلّم إن لم يكن يعلم أنّ هناك آلة تسجيل أو تصوير أو أمثال ذلك تسجّل كلامه فإنّه يتكلّم كما يحلو له، فتارة يشتم وتارة يطعن، وتارة يستهزئ بالناس، ويسخر ممّن يريد ويستخدم التعبير الذي يرغب به. أمّا إذا ما علم فجأة أنّهم وضعوا في تلك الزاوية مكبّر صوت وهم يسجّلون كلامه فإنّه يضطرب فجأة ويحمرّ لونه ويسودّ ويبيضّ أن ماذا عليّ أن أفعل الآن حتّى أصحّح هذا الكلام الذي قلته وأصلح هذا الفساد الذي أفسدته؟! فذاك الجهاز يسجّل، يقوم ويتابع الأمر ويرى هذا الشريط إلى أين ينتهي فيتابعه ويدرك أنّه موصول بجهاز، ثمّ يرى أنّ هناك شريط تسجيل فيأخذه ويمحو عنه ذلك الكلام. 

    1. تفسیر العیّاشی، ج ۱، ص ٢۰۰؛ بحار الأنوار، ج ٢۸، ص ٢۰.
    2. مناقب آل أبي طالب علیهم السّلام، ج ٤، ص ٣۸۰ ـ ٣۸٤.
    3. الغیبة، النعماني، ص ۱٦٣: «صاحِبَ هذا الأمرِ یَتَرَدَّدُ بَینَهُم و یَمشي فی أسواقِهِم و یَطا فُرُشَهُم و لا یَعرِفونَه.»
    4. الخرائج و الجرائح، ج ٢، ص ٩۰٢: «و قد کَتَبَ إلَی الشَّیخِ المُفیدِ: ”نَحنُ و إن کُنّا ثاوینَ بِمَکانِنا النّائی عن مَساکِنِ الظّالِمینَ حَسَبَ الَّذی أراناهُ اللهُ لَنا مِنَ الصَّلاحِ و لِشیعَتِنا المُؤمِنینَ فی ذٰلِکَ ما دامَت دَولَةُ الدُّنیا لِلفاسِقینَ، فإنّا نُحیطُ عِلمًا بِأنبائِکُم و لا یَعزُبُ عَنّا شَی‌ءٌ مِن أخبارِکُم [و مَعرِفَتُنا بِالذُّلِّ الّذی أصابَکُم مُذ جَنَحَ کَثیرٌ مِنکُم إلیٰ ما کان السَّلَفُ الصّالِحُ عَنهُ شاسِعًا و نَبَذوا العَهدَ المأخوذَ وَراءَ ظُهورِهِم کأنَّهُم لا یَعلَمونَ]، و إنّا غیرُ مُهمَلینَ لِمُراعاتِکُم و لا ناسینَ لِذِکرِکُم، و لولا ذَلِکَ لَنَزَلَ بِکُمُ اللّاواءُ و اصطَلَمَکُمُ الأعداءُ. و لو أنَّ أشیاعَنا [وَفَّقَهُمُ اللهُ لِطاعَتِهِ] عَلَی اجتِماعِ القُلوبِ لَما تأخَّرَ عَنهُمُ الیُمنُ بِلِقائِنا؛ فَما یُحبَسُ عَنهُم مُشاهَدَتُنا إلّا لِما یَتَّصِلُ بِنا مِمّا نَکرَهُهُ.“»
    5. راجع: شهید جاوید حسین بن على علیه‌ السلام، (الشهيد الخالد الحسين بن علي عليه السلام) صالحی نجف‌آبادی، ص ٤٥۱ ـ ٤٥٩ و ٤٩۸ و ٤٩٩ و ٥٣٣ ـ ٥٣٦. 

الإمام عليه السلام هويّةُ التشيع - النصف من شعبان لعام ۱٤۲۷ هـ ق

4
  • فما دام الإنسان لا يعلم أنّهم يسجّلون صوته ويصوّرون حركاته فإنّه يقوم بأيّ عمل! وكلّ هذه الأعمال هي بسبب الجهل بوجود مكبّر للصوت! أمّا إذا ما وقعت عين الإنسان عليه ورأى أنّ هناك مكبّرًا فإنّ الحركات والتعابير تتغيّر فجأة ويتغيّر الكلام، لأنّ المسألة تنتشر ثمّ وبتبع هذا الانتشار تحيط بالإنسان المشكلات ويتعقّبونه أن ما هذا الكلام الذي قلته؟ 

  • نحن الآن نتكلّم وهذه آلة التصوير تصوّر الحركات، فلا يمكنني إذن أن أتكلّم بأيّ كلام وأقول كلّ ما يخطر في بالي، بل أراقب العبارات والكلام الذي أقوله وأحرص على أن لا يؤذي أحدًا ولا يسبّب لي مشكلة غدًا، ولا يأتي أحد يقول: لقد أهنتنا في كلامك فقلت كذا. 

  • فالحدّ الأدنى من الأمر هو أنّ الإمام عليه السلام بالنسبة إلينا مثل هذا الجهاز يراقب جميع أوضاعنا ويسجّلها، فهل فكّرنا يومًا بهذا؟! فالإمام يراقب جميع حركاتنا وسكناتنا وأقوالنا ولا شكّ في أنّه ينظر ويرى.۱ 

  • فإذا علم الشيعيّ بهذا عن الإمام ألا تختلف حركاته وكلامه وأقواله؟! هل يستمرّ يفعل ما يحلو له ويقول ما يحلو له ويقوم بما يحلو له، ويظلم ما يشاء ويسيء ما يشاء؟! أم لا بل يفكّر الإنسان العاقل في الظروف التي هو فيها ويتّخذ القرار المناسب والصحيح، ويتّخذ القرار المناسب لكلّ ظرف من الظروف. 

  • إذا علمت أنّ الإمام جالس إلى جانبي أفهل أحمل السيجارة وأدخّن أمام الإمام؟! كان المرحوم العلاّمة يقول: لقد قلت إنّ السجائر محرّمة، ثمّ بعد ذلك فإنّ فلانًا يتناولها عند رأس الزقاق ويظنّ أنّي لا أرى! ثمّ يدخل: السلام عليكم! لكم محبّتي! ويقبّل يدي.

  • إنّه لا يقبل بالمرحوم العلاّمة بمستوى آلة تصوير، ثمّ يأتي ويقبّل يده أنّني من الشيعة! لا نقبل بإمام الزمان عليه السلام بمستوى آلة تصوير التي لا تعادل قيمتها أكثر من بضعة آلاف، لا مزاح في الأمر، واقعًا نحن لا نعتقد به! فهذا هو الحدّ الأدنى من الأمر! 

  • الحدّ الأعلى من الاعتقاد بولاية إمام الزمان عليه السلام

  • فإذا أردنا أن نرفع مستوى البحث قليلاً فلماذا نحن اليوم نعظّم ذكر إمام الزمان عليه السلام ونتّخذ يوم ولادته عيدًا؟

    1. الکافي، ج ۱، ص ۱٤٥: «[عَن أبي جعفر علیه السّلام]: نَحنُ حُجَّةُ اللهِ و نَحنُ بابُ اللهِ و نَحنُ لِسانُ اللهِ و نَحنُ وَجهُ اللهِ و نَحنُ عَینُ اللهِ فی خَلقِهِ ونَحنُ وُلاةُ أمرِ اللهِ فی عِبادِهِ.» 
      جمال الأسبوع، السیّد ابن طاووس، ص ٣۷، ختام زیارة صاحب‌ الزمان عجّل الله فرجه يوم الجمعة: «السَّلامُ عَلَیك یا حُجَّةَ اللهِ فی أرضِهِ، السَّلامُ عَلَیك یا عَینَ اللهِ فی خَلقِهِ، السَّلامُ عَلَیك یا نورَ اللهِ الَّذي یَهتَدي بِهِ المُهتَدونَ و یُفَرَّجُ بِهِ عن المُؤمِنین!» 

الإمام عليه السلام هويّةُ التشيع - النصف من شعبان لعام ۱٤۲۷ هـ ق

5
  • إنّنا نفعل ذلك لأنّنا نعدّ الإمام واسطة فيض. فلم تعد المسألة مسألة آلة تصوير ومسجّل! هناك العديد من الناس في المستوى المتعارف يمكنهم القيام بدور آلة التصوير والمسجّل، فنحن إذ نقول: إنّ الإمام يراقبنا جميعًا فإنّنا ننزّل من شأن مقام الإمامة والولاية، فهذا ليس بشيء ولا أهميّة له! الأمر المهمّ هو أنّ الإمام عليه السلام لدى مدرسة التشيّع هو وحده كلّ شيء في هذه المدرسة. 

  • الولاية هي عبارة عن اتّصال الإنسان بالله، والخطّ الواصل يسمّى ولاية. فهذه الطاقة الكهربائيّة الموجودة الآن هنا وتشغّل المروحة والمصباح وغيرهما متّصلة بجهاز ومولّد مائيّ أو نفطيّ أو ما يشبه ذلك، وذلك الشريط الذي يوصل الطاقة من هناك إلى هنا هو الولاية. وبدون ذلك الشريط فإنّ الطاقة الكهربائيّة للمولّد ستبقى فيه، والله المتعال في عالم الذات والأحديّة لا ظهور له ولا بروز. الولاية تعني بروز وظهور الذات في المجالي المختلفة والمتنوّعة، إمام الزمان يعني الحقيقة الموصلة للقوالب الجزئيّة بحقيقة الذات الكليّة تلك. هذا المعنى هو معنى إمام الزمان، لا آلة التصوير ولا مكبّر الصوت، فهذا إهانة للإمام عليه السلام.۱ الإمام يعني الواسطة في حياة الممكنات ورزقها، يعني الواسطة في جلب الرزق والحياة من ناحية الله وإيصالها إلى الممكنات. فهذه هي المسألة! العلم الذي في العالم هو من ناحية الإمام، الحياة التي هي في جميع الموجودات هي من ناحية الإمام، قيام جميع ذرّات العالم هو بقيام الإمام وقوّاميّته عليه السلام.٢ فلو أنّ الإمام عليه السلام لم يكن لطاحت جميع القوالب.٣ أي لن يكون هناك معنى لظهور الذات بعد ذلك.٤ 

  • فهذا هو معنى الإمامة، لا مجرّد بيان الأحكام والمسائل الشرعيّة والأمر بفعل هذا وترك ذاك، نعم هذا من شؤون الإمام في مقام التشريع وهو يختصّ بالإمام؛ ولكنّ حقيقة الإمام التكوينيّة هي عبارة عن إبقاء كلّ وجود في مرتبة وجوده، وحياة كلّ موجود في مرحلة وجوده، واستمرار كلّ وجود في مرحلة حدوثه وبقائه. تلك هي مسألة الإمامة.٥ نعم هناك أعاظم وأهل تهذيب وأهل تزكية ومقامات علميّة ومعنويّة كثيرون، ولكنّ الكلام هو في أنّ الشيعة ومدرسة التشيّع بمن قيامهم؟ هل هم قائمون بالشيخ الطوسي والعلاّمة المجلسي أم قائمون بالإمام الصادق والإمام الباقر والإمام السجّاد؟! من الذي يشكّل حقيقة التشيّع هل العلاّمة المجلسي والشيخ الأنصاري والشيخ الطوسي وأمثالهم أم الإمام الباقر والإمام الصادق؟! هل كان هؤلاء الأعاظم سيغدون أعاظم لولا الاستفادة من الاستناد والاستنارة والاستضاءة من الإمام الصادق أم لا بل إنّ كلّ ما لدى هؤلاء هو من هذه المدرسة؟! أفليس من نكران الجميل أن نترك تلك الحقيقة ولا نذكر لهم اسمًا وأن نجعل أولئك الذين جلسوا على هذه المائدة واقتاتوا من فتاتها وتناولوا من طعامها بضع لقيمات أسوة وأدلّة وفخرًا للمدرسة؟! 

    1. لمزيد من الاطّلاع على مقام ولاية الإمام عليه السلام راجع كتاب معرفة الإمام عليه السلام، وكتاب ولاية الفقيه في حكومة الإسلام. 
    2. زاد المعاد، ص ٤٢٣، فرازی از دعای عدیله: «اَلحُجَّةُ الخَلَفُ الصّالِحُ القائِمُ المُنتَظَرُ المَهدیُّ المُرجَی الَّذی بِبَقائِهِ بَقِیَتِ الدُّنیا و بِیُمنِهِ رُزِقَ الوَرَی و بِوُجودِهِ ثَبَتَتِ الأرضُ و السَّماء.»
      الکافي، ج ٤، ص ٥۷۷: «إرادَةُ الرَّبِ فی مَقادیرِ أُمورِهِ تَهبِطُ إلَیکُم و تَصدُرُ مِن بُیوتِکُم.» 
      نهج البلاغة (صبحي الصالح)، ص ٣۸٦: «فإنّا صَنائِعُ رَبِّنا و النّاسُ بَعدُ صَنائِعُ لَنا.» 
    3. مقتبس من بيت شعر من دیوان اشعار نظیری نیشابوری.
    4. دلائل الإمامة، ص ٤٣٦: «لو بَقیَت الأرضُ یَومًا واحِدًا بِلا إمامٍ مِنّا لَساخَتِ الأرضُ بأهلِها و لَعَذَّبَهم اللٰهُ بِأشَدّ عذابِه. و ذٰلک أنّ اللٰهَ جعلَنا حُجّةً فی أرضِه و أمانًا فی الأرضِ لأهلِ الأرض. لَن یَزالوا بأمانٍ مِن أن تَسیخَ بِهِم الأرضُ ما دُمنا بَینَ أظهُرِهم. فإذا أرادَ اللٰهُ أن یُهلِکَهُم ثمّ لا یُمهِلَهُم و لا یُنظِرَهم، ذهَبَ بِنا مِن بَینِهم، ثمّ یَفعَلُ اللٰهُ تعالیٰ بِهِم ما یَشاء.» 
    5. لمزيد من الاطّلاع على معنى الولاية التكوينيّة والتشريعيّة للإمام عليه السلام راجع معرفة الإمام ج۱، ص ۱٥٥، وج ٥ ص ٥٥. وولاية الفقيه في حكومة الإسلام ج۱ ص ٢٩.

الإمام عليه السلام هويّةُ التشيع - النصف من شعبان لعام ۱٤۲۷ هـ ق

6
  • الهدف من الاحتفال بولادة إمام الزمان عليه السلام

  • المسألة أنّنا نتّخذ ولادة إمام الزمان عليه السلام عيدًا ونكرّر ذلك في كلّ عام، لكي نقول: إنّ كلّ ما لدينا هو هذا الإمام! الشيخ الطوسي وسائر الأعاظم جميعهم كانوا رجالاً عظامًا، كانوا من العلماء والفقهاء، نسأل الله أن يرزقهم الدرجات والمقامات وهو يرزقهم وسيرزقهم أيضًا، فكلّ ذلك له مكانته الخاصّة، ولكن الآن بعد أن فارق الشيخ الطوسي الدنيا، لو سألوه في ذاك العالم: أحاضر أنت أن يقيموا لك في كلّ عام ذكرى ويطرحوا اسمك؟ سيقول: ليست هناك شعرة واحدة من بدني راضية بذلك! إذا أردتم أن تقيموا لي ذكرى فأقيموا ذكرى للإمام، أقيموا ذكرى للإمام وضمنها إذا أردتم أن تذكروا ما قلته أنا فلا بأس. أقيموا ذكرى للإمام السجّاد وتحدّثوا عن الإمام السجّاد، ولا إشكال أيضًا في أن تذكروا ما ذكرته أنا آنذاك، فأنا في النهاية تلميذ من تلاميذ الإمام السجّاد. 

  • من هم تلامذة الأئمّة عليهم السلام؟

  • فتلامذة الإمام السجّاد والإمام الباقر والإمام الصادق وإمام الزمان ليسوا فقط أولئك الذين كانوا في حياتهم، بل جميع الفقهاء الذين استفادوا من روايات الصادقَين عليهما السلام وسائر الأئمّة في استنباط الأحكام الشرعيّة وأوصلوا أيتام آل محمّد۱ إلى مقصودهم ونقلوا هذه المدرسة بعلومهم من الماضي إلى الحاضر هم تلامذة الإمام الباقر والإمام الصادق والإمام الرضا عليهم السلام ولا يختلفون أبدًا. فالإمام الصادق لم يكن يحدّث حمران وأبان بن تغلب ومحمّد بن أبي عمير ومحمّد بن مسلم وأبا بصير، فالحديث الذي كان يحدّث به الإمام هو لزماننا هذا أيضًا، فالإمام قاله لنا نحن أيضًا الذين أتينا بعد ألف وأربعمائة سنة، غاية الأمر أنّه حيث إنّ الله تعالى قدّر ذلك وجعل للإمام عمرًا خاصًّا ومحدّدًا وذلك العمر لا يعود فقد قال الإمام تلك الأحاديث آنذاك. ولو كان الإمام في هذا الزمان لحدّث بعين تلك الرواية التي حدّث بها أبانًا وأبا بصير ومحمّد بن مسلم قبل ألف ومائتي سنة، ولطرحت الآن عين سلسلة تلك الرواية والسند والمضامين الروائيّة والأبحاث الرجاليّة والأمور التي كانت مطروحة آنذاك ولما اختلف الأمر أبدًا.٢ 

    1. بحار الأنوار ج٦٥ ص ۷٦ عن العلل: الْعِلَّةُ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ وَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ص هُمَا الْوَالِدَانِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ‌ وَ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ لا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً* قَالَ الصَّادِقُ ع هُمَا رَسُولُ اللَّهِ وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا وَ الْعِلَّةُ فِي أَنَّ الشِّيعَةَ كُلَّهُمْ أَيْتَامٌ أَنَّ هَذَيْنِ الْوَالِدَيْنِ قَدْ قُبِضَا عَنْهُمْ.
      *سورة النساء، الآية ٣٦. 
    2. بصائر الدرجات، ج ۱، ص ۱٤۸: «ما خَلَقَ اللهُ حَلالًا و لا حَرامًا إلّا و لَهُ حَدٌّ کَحَدِّ الدّورِ، و إنَّ حَلالَ محمّدٍ حَلالٌ إلیٰ یَومِ القیامَةِ و حَرامَهُ حَرامٌ إلیٰ یَومِ القیامَةِ، و لِأنَّ عِندَنا صَحیفَةً طولُها سَبعونَ ذِراعًا و ما خَلَقَ اللهُ حَلالًا و لا حَرامًا إلّا فیها، فَما کان مِنَ الطَّریقِ فَهو مِنَ الطَّریقِ و ما کان مِنَ الدّورِ فَهو مِنَ الدّورِ، حَتَّی أرشُ الخَدشِ و ما سِواها و الجَلدَةِ و نِصفِ الجَلدَةِ.»

الإمام عليه السلام هويّةُ التشيع - النصف من شعبان لعام ۱٤۲۷ هـ ق

7
  • فإذن ليس أبان بن تغلب وأبو بصير وحدهما تلامذة الإمام الصادق عليه السلام، فقد كان هؤلاء في ذاك الزمان، بل المعمّمون وطلاّب العلوم الإسلاميّة أيضًا والذي يتّبعون الآن مدرسة أهل البيت هم تلامذة الإمام الصادق عليه السلام أيضًا، وواقعًا هم كذلك؛ لأنّ الإمام الصادق عليه السلام وجود باق وليس وجودًا فانيًا. 

  • لماذا لا يجوز إحياء الذكرى السنويّة للعلماء بين الشيعة؟ 

  • إنّ وجودنا جميعًا وجود فانٍ، فنحن نوجد بضعة أيّام ثمّ نغادر فيهيلون علينا التراب، ثمّ يقرأون لنا فاتحتين، ثمّ لا يبالي ولا يعتني بنا أحد. أمّا وجود الإمام الباقر والإمام الصادق والأئمّة المعصومين عليهم السلام فهو وجود باق، أي له بقاء ببقاء الله تعالى، لا أنّ بقاءه إلى يوم القيامة فحسب، بل الإمام الباقر باق ما بقي الله۱؛ لأنّ وجود الإمام عليه السلام وجود ولائيّ، أفهل يزول الله حتّى يزول الإمام! وهل يغلق سجلّ الله حتّى يغلق سجلّ الإمام أيضًا؟!

  • أمّا نحن فلسنا كذلك. كان المرحوم العلاّمة يقول: "نحن إلى أيّ مكان وصلنا فإنّ سجلّنا سيغلق في يوم من الأيّام وينتهي!" فلماذا تريدون أن تفتحوه من جديد؟! السجلّ الذي أغلق قبل ألف سنة لماذا تريدون الآن أن تفتحوه؟! إن شئتم أن تفتحوه فلتفتحوا سجلّ الإمام السجّاد والإمام الجواد والإمام الهادي! لقد مات أحد العلماء قبل مائتي عام، حسنًا لقد مات فرحمة الله عليه! ولكن ما معنى طرحه وإقامة مجلس له في كلّ عام في مدرسة التشيّع؟

  • يقولون: لقد كان كذا وكذا وكان رجلاً عظيمًا.

  • حسنًا. كان رجلاً عظيمًا رحمة الله عليه، أفهل نقول نحن إنّه كان رجلاً حقيرًا؟! لقد كان رجلاً عظيمًا ولكن ألا ينبغي أن يكون بيننا نحن الشيعة وبين الآخرين فرق في هذه المسألة؟! ألا ينبغي أن يكون بين الشيعيّ وغيره اختلاف في هذه المسألة؟! ألم يأن للشيعي أن يشعر بأنّ كلّ ما يريد أن يلتفت إليه غير الإمام هو اعتباريّات وتخيّلات؟! إنّ ذكر الأعاظم جيّد ولا إشكال في أن يذكرهم الإنسان، ولكن طرح ذلك وإعلانه ونشره والدعاية له بهذه الطريقة وبهذا الشكل ما هو موقعه في مدرسة التشيّع؟!٢

    1. التوحید، شیخ صدوق، ص ۱٥۰: «قال أبوعبدِاللهِ علیه السّلام: ”نَحنُ وَجهُ اللهِ الَّذی لا یَهلِك.“» 
      بصائر الدرجات، ج ۱، ص ٦٦: «عن ابنِ المُغیرَةِ قال: کُنّا عند أبی‌عبدِ اللهِ علیه السّلام فَسألَهُ رَجُلٌ عن قَولِ اللهِ تَعالَی: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾.[سوره قصص (٢۸) آیه ۸۸] قال: ”ما یَقولونَ فیهِ؟“ قلتُ: یَقولونَ یَهلِك کُلُّ شَی‌ءٍ إلّا وَجهَهُ. فَقالَ: ”یَهلِك کُلُّ شَی‌ءٍ إلّا وَجهَهُ الَّذی یُؤتیٰ مِنهُ و نَحنُ وَجهُ اللهِ الَّذی یُؤتیٰ مِنه.“» 
      ولمزيد من الاطلاع على هذا الموضوع راجع: معرفة الإمام ج ۱ ص ٤۷؛ ج٥ ص ٤٤؛ معرفة المعاد، ج٤ص ۱۰٣ـ ۱٩۰؛ رسالة لبّ اللباب ص ٢٣. 
    2. لمزيد من الاطّلاع راجع كتاب الأربعين في التراث الشيعيّ.

الإمام عليه السلام هويّةُ التشيع - النصف من شعبان لعام ۱٤۲۷ هـ ق

8
  • هل نخصّص من الاهتمام بولادة الإمام الجواد أو شهادته عليه السلام ما نخصّصه للاهتمام بسائر الأفراد؟! إنّنا نثير الضجيج الإعلاميّ لأجل الأجلاّء الذين توفّوا قبل مائتي سنة أو ثلاثمائة سنة، وننشر ذلك هنا وهناك ونخصّص المبالغ والمصارف فهل نفعل ذلك أيضًا لشهادة الإمام الهادي؟! هل لدى الناس اطّلاع على الإمام الهادي وخصوصيّات الإمام الهادي بمقدار معشار ما لديهم عن هؤلاء؟! هل يعرف الناس أصلاً من هو الإمام الهادي ومن كان أبوه وكيف كانت أوضاعه وكيف كان وضع إمامته وماذا قال ذلك الإمام؟! نعم كان إمامًا، كان رجلاً جليلاً وقد أبعده المتوكّل إلى سامرّاء ثمّ سمّه فيها ففارق الدنيا وانتهى الأمر، هذا هو المقدار من المعلومات التي يمكن للناس أن يعرفوها عن الإمام عليه السلام! 

  • المسألة هي أنّه يجب أن يكون الالتفات في مدرسة التشيّع إلى الإمام عليه السلام فحسب! ومهما قصّرنا في هذا المجال فنحن من يتضرّر!۱ 

  • لماذا لا بدّ من العمامة وما هي رسالتها؟

  • اليوم سيتلبّس عدد من أصدقائنا ورفقائنا بلباس الروحانيّة ولباس أهل العلم، وهناك الكثيرون ممّن يدرسون دروس العلوم الدينيّة هذه ويصلون إلى مقامات رفيعة أيضًا ولديهم إجازة اجتهاد، ولكن إذا ما نظر الإنسان إلى صورتهم في المجلّة يرى أنّهم قد حلقوا لحاهم، وأحيانًا يلبسون ربطة عنق أيضًا! طبعًا يلبسون ربطة عنق، ولكن الحمد لله فإنّها الآن في هذه الظروف الراهنة لا يهتمّ بها الناس، وإلا لو كانت مورد اهتمام للبسوها! فهناك الكثيرون يدرسون هذه الدروس، ولكنّ هدفهم من دراستها مجرّد الاطّلاع على الأمور وتقديم وجهات نظرهم حول الأبحاث الحقوقيّة للمبادئ الفقهيّة والإسلاميّة، ولكن عندما يتكلّمون يستشمّ من كلامهم رائحة ألف كدورة وظلمة. هناك الكثيرون ممّن يدقّقون بهذه الدروس والأبحاث العلميّة والعقائديّة والأسس والأصول، ولكن إذا ما وصل الأمر إلى الحزم والاعتقاد والقبول والتصديق بالنفس نرى أنّهم يقولون: نحن نشعر أنّنا من دون عمامة وبهذا الشكل يمكننا أن نساعد ونقوم بنشاطنا بشكل أفضل.

  • من الذي قال لك أنّك يمكنك أن تساعد بشكل أفضل؟! هل جاء الله في عالم الرؤيا وأخبرك بذلك؟ أنت تريد أن تعيش بين الناس مرتاحًا، أن تخرج براحة ولا يخاطبك أحد بشيء، لماذا تمثّل وتتلاعب بالألفاظ؟! من تريد أن تخدع؟ كلاّ يا عزيزي البس أنت العمامة والله لم يجعل مسؤوليّة قبول الناس وعدم قبولهم على عاتقك أنت، هو الذي يحمل هذه المسؤوليّة، وقد جعلها في عهدة وجدان الناس الحيّ، لا أنّه جعل جنابك الرفيع قيّمًا ووليًّا ووكيلاً وعهد إليك بدين الناس ودنياهم وجنّتهم ونارهم! 

    1. المحاسن، ج ۱، ص ٢۸٦: «عن أبی‌حَمزَةَ الثُّمالیِّ، عن أبی‌جعفرٍ علیه السّلام قال: ”بُنیَ الإسلامُ عَلیٰ خَمسٍ: الصَّلاةِ و الزَّکاةِ و الحَجِّ و الصَّومِ و الوَلایَةِ؛ و لَم يُنادَ بِشَیيءٍ ما نودي بِالوَلایَةِ.“ و زادَ فیها عبّاسُ بنُ عامِرٍ: ”فأخَذَ النّاسُ بِأربَعٍ و تَرَکوا هذه، یعنی الوَلایَة.“» 

الإمام عليه السلام هويّةُ التشيع - النصف من شعبان لعام ۱٤۲۷ هـ ق

9
  • من يلبس العمامة في هذه الظروف إنّما يقول: لقد قبلت هذه المدرسة بجميع شدائدها وصعوباتها ومدّها وجزرها، لا خصوص بُعدها العلميّ والفقهيّ، ثمّ بعد ذلك يقال: السيّد الدكتور ويصفّق له ويشارك هنا وهناك في المؤتمرات ويقيم الندوات وينشر صوره في المجلاّت ويضع إلى جانبه جهاز الحاسوب ويضع إلى جانبه الآخر كذا! بل قبلتُ بها مع كلّ الكلام الذي يقال والظروف واللوازم. لقد دخلت مدرسة الإمام الصادق سواء قيل لي الكلام السيّئ أو شجّعوني ورغّبوني بذلك، فلا فرق لديّ!۱ أي أنّي قبلت بهذه المدرسة كأصل. 

  • قصّة طالب العلوم الدينيّة الذي هاجر إلى فرنسا

  • كان أحد هؤلاء المعمّمين والفضلاء على علاقة مع المرحوم العلاّمة، وكنت في طفولتي أراه، كما كنت أذهب برفقة المرحوم العلاّمة إلى منزله وكان هو يأتي أيضًا. ثمّ سمعت أنّه سافر إلى فرنسا وهو يدرس الحقوق في جامعة فرنسيّة. وكان قد قال: لقد جئت إلى هنا لكي أزيد من معلوماتي حول المسائل وأتمكّن من فهم الأمور بشكل أفضل.٢ فقال المرحوم العلاّمة حوله هذا الكلام فدقّقوا فيه جيّدًا: 

  • "لو أنّ هذا الرجل رأى حاجته في مدرسة الإمام الصادق لما مدّ يد الاستجداء إلى فرنسا والغرب."

  • معلوم أنّ هذا الرجل لم يرَ الإمام الصادق والإمام الباقر كافيين بالنسبة إليه حتّى ذهب إلى هناك ليرى ماذا قال مونتسكيو والآخرون. لو أنّه أحسّ بالغنى من مدرسة الإمام الصادق لما غادر أبدًا! 

  • كفاية مدرسة أهل البيت عليهم السلام لسعادة الفرد والمجتمع والدنيا والآخرة

  • أريد أن أقول كلامًا لم أقله بعد حتّى الآن وأقوله اليوم للرفقاء الذين يريدون أن يتعمّموا: علينا أن نعلم أنّ كلّ ما هو موجود إنّما هو في مدرسة الإمام الصادق لا غير! وغيرها كلّه خاو وتخيّلات وهي فضلات توهميّة وتخيّليّة من الأذهان الفاسدة والماديّة. 

  • إنّ كتاب روح القوانين الذي كتبه مونتسكيو عبارة عن ترشّحات من العقل الماديّ، ذلك العقل الذي ينظر إلى الاقتصاد فقط لأجل تحصيل المنافع لنفسه، ولا ينظر إلى عباد الله أبدًا على أنّهم أفراد متساوون وعلى مستوى واحد من النعم الإلهيّة، لذلك يقول: سر بحيث لا تؤذى ولا تؤذي. وهذه نظرة ماديّة لا إلهية. 

    1. الآیة ٣٩ من سورة الأحزاب (٣٣): ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَهَ وَكَفَى بِاللَهِ حَسِيبًا﴾
    2. للاطلاع على إعراض الحداثويين عن أصول الإسلام ومبادئه إثر الثقافة الأجنبيّة راجع: نور ملكوت القرآن، ج‌٢، ص: ٢۷٣؛ نظرة على مقالة بسط و قبض نظرية الشريعة، ص: ۱٣٣.

الإمام عليه السلام هويّةُ التشيع - النصف من شعبان لعام ۱٤۲۷ هـ ق

10
  • في المدرسة الإلهيّة يقولون: سر في ذلك المسير الذي إذا أصابك فيه أذى من الآخرين فافتح له أيضًا حضنك وعامله بلطف ولا يصدرنّ منك إلا اللطف والعناية والتغاضي والإيثار والعفو.۱ هذه المدرسة مدرسة حقّ! وفي المدرسة الإلهيّة لا يقولون التفت أن لا تؤذي غيرك، فالحيوانات في الغابة هي هكذا، فهي تلتفت أن لا يتجاوز أحد على حريمها وإذا ما تجاوزت هي أنفسها فإنّها تواجه الدفاع منها. 

  • في المدرسة الإلهيّة يرى الإنسان نفسه واسطة، لا مستقلاًّ بالذات، فالمستقلّ بالذات هو الذات الأحديّة، والإنسان يرى نفسه واسطة وشيئًا فارغًا. وعلى هذا الأساس هو يضع القوانين ويجعل الأحكام ويقيم العلاقات مع دنياه كما كان الأنبياء يقيمونها. 

  • من يقضي عمره بحثًا عن العلوم الأخرى فإنّ نصيبه سيكون ذلك المقدار الذي أصابه في هذه الدنيا، أمّا من كان مقصوده الوصول إلى حقيقة الدين من دون زوائد وإعلانات ورئاسات وتوهّمات ومقامات ووصل نفسه بمنبع العلم هذا وبهذا البحر وكان همّه الوصول إلى هذا البحر فإنّ هذا البحر سيتفضّل عليه.

  • وصايا إلى طلاّب العلم والمعمّمين

  • على الرفقاء الذين يريدون أن يلبسوا العمامة اليوم أن لا يظنّوا أنّ الطريق الذي أمامهم فيه أمر ونهي ودنيا ورئاسة وإقبال واهتمام من الناس! طبعًا لا يخلو من ذلك، بل يجب أن لا يكون الفكر منصبًّا على أنّه ماذا سيحصل في المستقبل، وإلى أين سنصل؟ وإلى أيّ مكانة سنصل؟ وعلى أيّ موقع سنحصل؟ ومن الذي سيحيط بنا وينشر كلامنا وأمورنا هنا وهناك، فكلّ هذا توهّمات وتخيّلات. ما يجب علينا أن نهتمّ به هو أنّ يكون كلّ همّنا وغمّنا منصبًّا على أنّه ما وصلنا من هؤلاء الأربعة عشر نأخذه ونعمل به، وينتهي الأمر. لقد جاء أربعة عشر معصومًا على مرّ التاريخ: النبيّ الأكرم وأمير المؤمنين والسيّدة فاطمة الزهراء إلى إمام الزمان عليهم السلام، علينا أن ننظر ماذا قال هؤلاء وماذا فهموا. وحينها نلتفت أين هو الفرق بين الخالص وغير الخالص والصافي والمغشوش. فأولاً علينا أن نعي هذه الحقيقة. 

  • كيف نعرف الحقّ من الباطل؟

  • قبل أسبوعين أو ثلاثة كنت في بيت أحد الأقارب ذوي الخبرة الكبيرة في الأحجار المعدنيّة والجواهر وله خبرة واسعة فيها، وربّما كان من المعدودين في الدنيا الذي يحسب لهم حساب، ويدعى إلى أماكن مختلفة، وقد قال كلامًا جيّدًا جدًّا: 

    1. بحار الأنوار، ج ۱، ص ٢٢٦: «[قال الصادقُ علیه‌السلام لعُنوانِ البَصری:]... و أَمّا اللَّوَاتی فی الحِلمِ فَمَن قالَ لَك: إِن قُلتَ واحِدَةً سَمِعتَ عَشرًا، فَقُل: إِن قُلتَ عَشرًا لَم تَسمَع واحِدَةً! و مَن شَتَمَك فَقُل لَهُ: إِن کُنتَ صادِقًا فیما تَقولُ فَأَسأَلُ اللهَ أَن یَغفِرَ لی و إِن کُنتَ کاذِبًا فیما تَقولُ فَاللهَ أَسأَلُ أَن یَغفِرَ لَك! و مَن وَعَدَك بِالخَنا فَعِدهُ بِالنَّصیحَةِ و الرِّعاء.» 
      مصباح الشریعة، ص ۱٥۸: «قال الصّادقُ علیه السّلام: العَفوُ عندَ القُدرَةِ مِن سُنَنِ المُرسَلینَ و أسرارِ المُتَّقینَ. و تَفسیرُ العَفوِ ألّا تُلزِمَ صاحِبَك فیما أجرَمَ ظاهِرًا و تَنسیٰ مِنَ الأصلِ ما أُصیبَ مِنهُ باطِنًا و تَزیدَ عَلَی الِاختیاراتِ إحسانًا. و لَن تَجِدَ إلیٰ ذَلِك سَبیلًا إلّا مَن قد عَفا اللهُ تَعالیٰ عَنهُ و غَفَرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ و ما تاخَّرَ عَنهُ و زَیَّنَهُ بِکَرامَتِهِ و ألبَسَهُ مِن نورِ بَهائِهِ، لِأنَّ العَفوَ و الغُفرانَ صِفَتانِ مِن صِفاتِ اللهِ تَعالیٰ أودَعَهُما فی أسرارِ أصفیائِهِ لِیَتَخَلَّقوا مَعَ الخَلقِ بِأخلاقِ خالِقِهِم و جاعِلِهِم؛ لِذَلِك قال اللهُ عزّوجلّ: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَهُ لَكُمْ وَاللَهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾،* و مَن لا یَعفو عن بَشَرٍ مِثلِهِ کیف یَرجو عَفوَ مَلِك جَبّارٍ؟! قال النَّبیُّ صلّی الله علیه و آله و سلّم حاکیًا عن رَبِّهِ یأمُرُهُ بِهَذِهِ الخِصالِ، قال: ”صِل مَن قَطَعَك و اعفُ عَمَّن ظَلَمَك و أعطِ مَن حَرَمَك و أحسِن إلیٰ مَن أساءَ إلَیك!“ و قد أُمِرنا بِمُتابَعَتِهِ لِقَولِ اللهِ عزّوجلّ: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾.** فالعَفوُ سِرُّ اللهِ فی القُلوبِ قُلوبِ خَواصِّهِ فمن [مِمَّن] یُسِرُّ لَهُ سِرَّهُ. و قال رسول‌ا لله صلّی الله علیه و آله و سلّم: ”أ یَعجِزُ أحَدُکُم أن یَکونَ کأبی‌ضَمضَمٍ؟“ قیلَ: یا رسول‌الله، و ما أبوضَمضَمٍ؟ قال صلّی الله علیه و آله و سلّم: ”رَجُلٌ مِمَّن قَبلَکُم کان إذا أصبَحَ یَقولُ: اَللَهمّ إنّی قد تَصَدَّقتُ بِعِرضی عَلَی النّاسِ عامَّة.“»

الإمام عليه السلام هويّةُ التشيع - النصف من شعبان لعام ۱٤۲۷ هـ ق

11
  • عندما شرعت في العمل في هذا المجال، سعيت أوّلاً أن أعرف الأصل، وقد بذلت جهودي لسنوات متمادية وقرأت كتبًا وقمت بمطالعات وذهبت إلى مختبرات لأعرف ذلك الحجر والجوهر الأصليّ. وعندما عرفته صارت معرفة الغشّ وهذه المزخرفات والتي تكون أحيانًا شبيهة جدًّا بالأصل مثل شربة الماء. ولكنّ بعض الناس إذا ما دخلوا في هذه الأمور فإنّهم ينظرون إلى الصحيح وغيره في آن واحد، ولذلك فإنّهم مهما مضى عليهم الزمان فإنّهم لا يمتلكون تلك القوّة والحدّة في التشخيص. يعملون لسنوات متمادية، ولكن نرى أنّهم لا يزالون يشتبهون.

  • لأنّهم لم يخطوا من البداية في طريق معرفة الواقع، بل أرادوا أن يعرفوا الواقع وغيره معًا، ولكنّه هو كان يقول: 

  • أنا لم أفعل ذلك بل صببت كلّ اهتمامي لسنوات متمادية على معرفة الجواهر الأصيلة. وعندما امتلأ عقلي بذلك وصارت له عادة في ذلك وعرفت ما هو الأصل استطعت أن أميّز خلافه. 

  • فقلت له: يا له من كلام عميق هذا الذي تقوله، ويا له من عمل صحيح قمت به! إنّه عين كلام أمير المؤمنين عليه السلام حيث يقول: 

  • لا یُعرِفُ الحقُّ بأقدارِ الرِّجالِ؛ اِعرف الحقَّ تَعرِفْ أهلَه، اعرفِ الباطلَ تَعرفْ أهلَه۱

  • فإذن ألسنا نحن كذلك حين نريد أن نعرف الحقّ من خلال أقدار الرجال؟! فمثلاً عندما نرى أنّ رجلاً ما له ظاهر جذّاب جدًّا، أو له مقالات كثيرة، أو أنّ الناس يتردّدون عليه بكثرة، وما إن يدخل مجلسًا يقف له الجميع، فإنّنا نركّز أنظارنا حتّى نعلم من هو حتّى وقف الناس له حين يدخل؟ شئنا أم أبينا ستتوجّه نحوه أذهاننا، ولكنّ الإمام يقول: لا بدّ أوّلاً أن تعرف الحقّ! فإذا عرفت الحقّ فإنّهم مهما قاموا لفلان وتردّدوا عليه فلا فائدة من ذلك. فإذن علينا أوّلاً في مدرستنا أن نتوجّه إلى هؤلاء الأربعة عشر، وبعدهم نغلق أعيننا، والسلام! علينا أن ننظر ماذا قال الإمام عليه السلام في هذا الأمر، وبعد ذلك ليس علينا كيف يؤوّل فلان هذا الأمر ويبرّره.

  • نموذج لمعيار معرفة الحقّ: اتّباع مهر السنّة

  • فمثلاً لدينا في مهر السنّة رواية أنّ الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام قال: أوحى الله إلى نبيّه صلّى الله عليه وآله أن سنّ مهور المؤمنات خمسمائة درهم.٢ 

    1. أنساب الأشراف، ج ٢، ص ٢٣۸ و ٢۷٤؛ الأمالي، الشیخ المفید، ص ٥؛ روضة الواعظین، ج ۱، ص ٣۱.
    2. الکافي، ج ٥، ص ٣۷٦.

الإمام عليه السلام هويّةُ التشيع - النصف من شعبان لعام ۱٤۲۷ هـ ق

12
  • ألم يكن بإمكان موسى بن جعفر أن يقول إنّ هذا الأمر هو لما قبل مائتي عام مضت، وقد اختلف الحال الآن؟! ألم يكن بإمكانه أن يقول أيّها الشيعة اجعلوا مهوركم بعد ألف سنة مائة ألف ليرة ذهبيّة، أو أن يجعل كلّ إنسان مهره بمقدار تاريخ ميلاده، مثلاً ألفًا وثلاثمائة وبضعًا وستين؟! ألم يكن بإمكانه أن يقول أمثال هذه الألاعيب؟! بلى كان بإمكانه. فلماذا لم يقل؟! لقد جاء اثنا عشر إمامًا فلماذا لم يقل أيّ منهم ذلك؟! ألم يكن أيّ من الأئمّة على اطّلاع ماذا سيجري بعد ألف وأربعمائة سنة؟! ولكنّنا نحن نتقدّم على موسى بن جعفر والنبيّ ونؤوّل ونوجّه: لقد اختلف الزمان، لقد اختلف ذاك الزمان عن هذا، لقد ازدادت المشاكل في هذا الزمان، ولا بدّ من الاهتمام بهذه الأمور، وقد كان هذا المهر لذاك الزمان وقد تغيّر هذا الكلام الآن! حسنًا فلتؤوّلوا وتوجّهوا، ولكن هناك في النهاية غدٌ وليست المسألة بأن يقال شيء وتمضي! وأنا أذكر لكم هذا من باب المثال.۱

  • ضرورة حفظ حقيقة كلام الإمام عليه السلام وعدم مزجه بغيره 

  • نحن نؤوّل ونوجّه لأنّنا لا نريد أن نصل إلى حقيقة كلام النبيّ والإمام عليه السلام، بل أردنا أن نأخذ كلام الإمام ونمزجه بأمور أخرى، مثل ذلك الذي ذهب إلى الغرب ليرى ماذا يقول ويرفع من مستوى علمه ويفهم مبادئ الإسلام وأصوله فهمًا أفضل! ولندع الكلام عمّا صدر عن هذا الرجل من أمور لاحقًا! نحن لم نرد أن نرى واقعًا ماذا يريد أن يقول الإمام الرضا والإمام السجّاد عليهما السلام في هذه الروايات! لقد مزجنا فكرنا وأذهاننا من البداية بغير الإمام وخلطناهما به، وما إن رأينا رجلاً يهتمّ به الناس جعلناه إلى جانب الإمام، وطبعًا نحن نحمل على الصحّة ولا نردّ الإمام لا سمح الله ـ وإن كان بعضهم يردّه أيضًا ـ ولكنّا نجعل غيره إلى جانبه. لذلك فإنّا لكي نجمع بينهما ننزّل هذا قليلاً ونرفع ذاك قليلاً، فإذا صارا متساويين طرحنا الأمر هكذا. 

  • قيمة مناقشات العلامة الطباطبائي للعلامة المجلسي

    1. للاطّلاع على مقدار مهر السنّة وملاحظته في المهور المعاصرة راجع البحث المنتخب من كلمات المرحوم العلاّمة الطهراني ونجله سماحة السيّد محمّد محسن رضوان الله عليهما تحت عنوان مهر السنّة ضرورته ودفع الشبهات عنه. 

الإمام عليه السلام هويّةُ التشيع - النصف من شعبان لعام ۱٤۲۷ هـ ق

13
  • لقد كان العلاّمة الطباطبائي إنسانًا يقول: الإمام وحده! وعندما اعترضوا عليه: إنّك بهذا الإشكال الذي تورده على العلاّمة المجلسي تجعل المذهب مورد شكّ وسؤال! قال: إنّما يصبح المذهب موردًا للشكّ والسؤال عندما يصبح الإمام الصادق موردًا للشكّ والسؤال لا العلاّمة المجلسي.۱ ألف واحد من أمثال العلاّمة المجلسي لا يليقون أن يكونوا فداء لقصاصة ظفر الإمام الصادق! إنّما يصبح المذهب موضع شكّ بسبب هذه التوجيهات التي قام بها العلاّمة المجلسي. 

  • العلاّمة المجلسي وغير العلاّمة المجلسي كانوا من الأجلاّء، حسنًا، هم على رؤوسنا وأعيننا، ولكن من هو المهمّ بالنسبة إلى العالِم الشيعيّ؟ هل المهمّ بالنسبة إلى العالِم الشيعيّ حفظ شخصيّة فلان أم حفظ المدرسة والمذهب؟! لكي تبقى شخصيّة فلان محترمة فإنّنا نؤوّل كلامه وأعماله، والقيام بهذا التأويل لأعماله وأفعاله وأقواله وأفكاره يسبّب أن يقبل الناس بجميع هذه الأفكار غافلين عن هذه العيوب، والحال أنّه ليس من الصحيح أنّ جميع هذه الأفكار هي أفكار الشيعة وأفكار مدرسة التشيّع. 

  • أريد أن أقول: إنّ الذين يبرّرون للأشخاص ويؤوّلون لهم ويختمون بخاتم الصواب على نقائص أفكارهم ويخفونها، في عملهم مشكلة! إنّ البحث عن عيوب الآخرين وذمّهم وسبّهم أمر خاطئ، ولكن الأمر المهمّ هو هنا: إن كان هناك أمر ما وكلام ما قد انتشر عن إنسان ما بعنوان أنّه فكر شيعيّ، فقد انتشر في النهاية، فإن كان خاطئًا فلا بدّ من الوقوف أمامه، لا أن يقال إنّه لأنّه تلك الشخصيّة فعلينا أن نبرّر ونؤوّل ونرفو ونغطّي.

  • تارة يكون هناك إنسان لم ينطق بشيء بعد، فعلى الإنسان أن لا يتكلّم أيضًا، فمثلاً فكر فلان هو كذا، ولكنّه لم يعلن فكره هذا، ولم يصرّح به قلمًا وبيانًا، فلا يستطيع الإنسان أن يطرح شيئًا أيضًا. ولكن ما إن يطرح شيئًا في كتابه أو كلامه يخالف مدرسة التشيّع فيجب الوقوف أمامه، لأنّ السكوت هنا سكوت في مقابل الباطل، وهو وقوف ضدّ الإمام الصادق! هنا لا يمكن أن يقال: لا تتكلّم ولا تقل شيئًا ولا تطرح ولا تقم بأيّ خطوة! لأنّ الأمر ليس هكذا، وعندما يطرح الإنسان شيئًا من منطلق أنّه عالم ويكون مخالفًا لأصول التشيّع ومبادئه ومخالفًا لعقائد مذهب التشيّع فعلى الإنسان أن لا يسكت هنا مراعاة لهذا الإنسان؛ لأنّ السكوت هنا سيذهب بجميع جهود الإمام الصادق عليه السلام هدرًا، وستذهب جميع جهود الأئمّة أدراج الرياح.

    1. راجع: الشمس الساطعة، ص ٥۱ ـ ٦۰. 

الإمام عليه السلام هويّةُ التشيع - النصف من شعبان لعام ۱٤۲۷ هـ ق

14
  • لقد حاججنا نحن أهل السنّة ألفًا وأربعمائة عام بأنّ الخليفة الثاني قد وقف في مواجهة الوحي ونسب إلى النبيّ ـ والعياذ بالله ـ الهذيان والكلام بالخرافة.۱ والآن يقوم رجل ويقول: إنّ هذه القصّة كاذبة من أصلها! 

  • عجيب! ثمّ نقول: لنجلس ونسكت ولا نتكلّم بشيء ولا نطرح أيّة مسألة! إنّنا بهذا الكلام سنجعل المذهب وأصول التشيّع موضع شكّ! 

  • أو نقول: لا سند لزيارة عاشوراء أصلاً. 

  • فماذا بقي إذن؟!٢ أو ذلك السيّد الذين يقول في أحد البلدان: إنّ قصّة ضرب السيّدة الزهراء كذب محض! فمن الذي يفعل أمرًا كهذا؟!٣ الحمد لله نحن صرنا ملوكيّين أكثر من الملك ونريد أن نردّ ما يعترف به أهل السنّة أنفسهم.٤ 

  • فهنا نحن بدلاً من أن نأخذ الحقيقة والواقع وبدلاً من أن نأخذ بمسألة متابعة الإمام عليه السلام ونعمل بها نقوم بالمزج والخلط بسائر الأمور كالأوضاع المعاصرة وظروف الأيّام والمصالح اليوميّة والمنافع اليوميّة ومقتضيات الزمان و… فنعجنها معًا ونخرج بمزيج من الطعام فيه كلّ شيء! فهذا لا يمكن! 

  • إنّ من يريد أن يدخل في هذا السلك والمسير لا بدّ أن يكون هدفه واضحًا. لا بدّ أن يكون الهدف هو الوصول إلى القواعد الأصليّة التي جاءت عن المعصومين الأربعة عشر وفقط والسلام.٥ لا بدّ أن يكون الطريق طريقًا يوصل الإنسان إلى ذاك الهدف بغير انحرافٍ ذاتَ اليمين وذاتَ الشمال. الطريق هو طريق أولياء الله. وهنا يتبيّن أنّه يجب أن لا يتصوّر أنّ كلّ من لبس هذا اللباس أمكنه أن يوصل الإنسان إلى هذا الهدف. كلاّ فليس الأمر هكذا. 

  • جاء أحد أرحام المرحوم العلاّمة إليه ـ كان المرحوم العلاّمة خاله ـ فقال له: أنا أريد أن أدخل في سلك الطلاّب وأصبح طالبًا للعلم. 

  • فقال له المرحوم العلاّمة: 

  • إن أردت أن تأتي إليّ فلا بدّ أن تعمل كما أقول لك لا كما هو الحال في بيت أبيك، عليك أن تكون طالبًا على النحو الذي أقوله أنا، لا بطريقة أن يأتي خمسة عشر رجلاً ويجلسون معًا ويضعون ثلاث نارجيلات ويصدرون أصواتها من الصباح حتّى الظهر ويتحدّثون عن كلّ مكان، وعند الظهر يقومون إلى المسجد ويصلّون ثمّ يرجعون إلى بيوتهم. بل عليك أن تعمل بالطريقة التي أقولها، عليك أن تطوي هذا الطريق، عليك أن تقوم بذاك العمل، عليك أن لا تذهب إلى ذاك المكان، وأن تذهب إلى ذاك، عليك أن تبتعد عن هذه الأمور! عليك أن تكون على الطريقة التي أقول. فإن أردت فتفضّل بسم الله! 

    1. الملل و النّحل، ج ۱، ص ٢٢؛ صحیح البخاري، ج ۱، ص ٣۷؛ ج ٥، ص ۱٣۸؛ ج ۸، ص ۱٦۱؛ صحیح مسلم، ج ٥، ص ۷٦؛ السقیفة وفدك، ص ۷٦؛ طرف من الأنباء والمناقب، ص ٢٥؛ نهج الحق و کشف الصدق، ص ٢۷٤؛ إرشاد القلوب، ج ٢، ص ٣٩٣؛ شرح نهج البلاغة، ابن‌أبي الحدید، ج ۱٢، ص ٢۰.
    2. ورد سند زیارة عاشوراء في کامل الزّیارات، ص ۱۷٤ على النحو التالي: «حَدَّثَنی حَکیمُ بنُ داوُدَ بنِ حَکیمٍ و غَیرُهُ، عن محمّدِ بنِ موسَی الهَمدانیِّ، عن محمّدِ بنِ خالِدٍ الطَّیالِسیِّ، عن سَیفِ بنِ عَمیرَةَ و صالِحِ بنِ عُقبَةَ جَمیعًا عن عَلقَمَةَ بنِ محمّدٍ الحَضرَمیِّ و محمّدِ بنِ إسماعیلَ، عن صالِحِ بنِ عُقبَةَ، عن مالِکٍ الجُهَنیِّ، عن أبي جعفرٍ الباقرِ علیه السّلام قال: ”مَن زارَ الحُسَینَ علیه السّلام یَومَ عاشوراءَ مِنَ المُحَرَّم...“ فَقالَ: ”یا عَلقَمَةُ، إذا أنتَ صَلَّیتَ رَکعَتَینِ بَعدَ أن تومِئَ إلَیهِ بِالسَّلامِ و قلتَ عندَ الإیماءِ إلَیهِ و مِن بَعدِ الرَّکعَتَینِ هذا القَول‌: ... السَّلامُ عَلَیك یا أباعبدِ اللهِ، السَّلامُ عَلَیك یا ابنَ‌ رسولِ‌ الله... .»
    3. القائل بذلك آیة الله محمد حسین آل‌ کاشف الغطاء في کتاب جنة المأوی، ج ۱، ص ٦٢ ـ ٦٦ ؛ و القائل الآخر بهذا الکلام السید محمد حسین فضل الله من علماء لبنان المعروفين. وقد أجاب آیة الله السید جعفر مرتضی‌ العاملی في کتاب مأساة الزهراء علیها السلام، ج ۱، ص ۱٣۰ جوابًا قاطعًا و مبرهنًا على شبهاته لإنكار شهادة السيّدة الزهراء عليها السلام. (المحقّق) 
    4. المراجعات، سیّد شرف الدین، ص ٣٤٦، تعلیقه: «تهدیدُهم عَلیًّا بِالتَحریق ثابتٌ بالتواترِ القَطعيّ، و حَسبُك ما ذکَرَه الإمامُ ابنُ ‌قُتَیبة فی أوائل کتاب الإمامة والسیاسة، و الإمام الطبريّ في موضعین من أحداث السَّنَةِ الحادیة عشرة من تاریخه المشهور، و ابن‌عبد ربّه المالکيّ في حدیث السقیفة من الجزء الثانی من العقد الفرید، و أبو بکر أحمد بن عبد العزیز الجوهريّ فی کتاب السقیفة، کما فی ص ۱٣٤ من المجلد الأول من شرح النهج الحمیدي الحدیديّ، و المسعوديّ فی مروج الذهب نقلًا عن عروة بن الزبیر فی مقام الاعتذار عن أخیه عبد الله، إذ هم بتحریق بیوت بني ‌هاشم حین تخلفوا عن بیعته، و الشهرستاني نقلًا عن النظّام عند ذکره الفرقة النظّامیّة من کتاب الملل والنحل، وأفرد أبو مخنف لأخبار السقیفة کتابًا فیه تفصیل ما أجملناه. و ناهيك فی شهرة ذلك وتواتره قول شاعر النیل، الحافظ إبراهیم فی قصیدته العمریّة السائرة الطائرة:
      و قَولَةٌ لِعَلیٍّ قالَها عُمَرُ***أکرِمسامِعِها أعظِم بِمُلقیها
      حَرَّقتُ دارَك لا اُبقي علیك بها***إن لم تُبایِع و بِنتُ المُصطَفیٰ فیها
      ما کان غَیرُ أبي ‌حَفصٍ بِقائِلِها***أمامَ فارِسِ عَدنانٍ و حامیها
      هذه معاملتهم للإمام الذی لا یکون الإجماع حجة عندنا إلّا إذا کان کاشفًا عن رأیه، فمتیٰ یتمّ الاحتجاج بمثل إجماعکم هذا علینا، و الحال هذه یا منصفون؟!»ذکر بعض الأخبار من کتب أهل الخلاف في هذا الموضوع:الملل و النّحل، ص ٥۷، نقلاً عن إبراهیم بن سیّار بن هاني النظّام: «فقالَ: إنَّ عُمَر ضَربَ بَطنَ فاطمةَ یومَ البَیعَةِ حَتّی ألقَتِ الجَنینَ مِن بَطنِها؛ و کان یصیحُ: ”أحرِقوا دارَها بِمَن فیها!“ و ما کان فی الدّارِ غیرُ علیٍّ و فاطمةَ والحسنِ والحُسینِ.»الوافی بالوفیات، ج ٦، ص ۱٥: «و قال [أی النظام]: إنّ عُمَر ضرب بطنَ فاطمة یوم البیعة حتی ألقت المحسن من بطنها.»الإمامة و السّیاسة، ص ٣۰: «قال: و إنّ أبابکرٍ ـ رضیَ اللهُ عَنه ـ تَفَقَّد قومًا تَخلَّفوا عن بَیعَتِه عندَ علیٍّ کرَّمَ اللهُ وَجهَه، فبَعَث إلیهم عُمرَ، فَجاءَ فَناداهُم و هُم فی دارِ عَلیٍّ فأبَوا أن یخرُجوا، فَدَعا بالحَطَبِ و قال: ”و الَّذی نَفسُ عُمَر بیَدهِ، لَتَخرُجَنَّ أو لاحرَقتُها علَی مَن فیها!“ فقیلَ لَه: ”یا أبا حفصٍ، إنَّ فیها فاطمةَ!“ فقال: ”و إن!“»میزان الاعتدال، ج ۱، ص ۱٣٩، فصل ذکر احوال أحمد بن محمّد بن السري بن یحیی بن أبي دارم المحدّث: «و قال محمّدُ بن أحمد بن حمّاد الکوفيّ الحافظ، بعدَ أن أرَّخَ مَوتهُ: کان مُستقیمَ الأمرِ عامَّةَ دَهرِه، ثُمَّ فی آخرِ أیّامِه کان أکثرَ ما یقرأ عَلیهِ المَثالِبُ. حَضَرتُه و رَجُلٌ یقرأُ علیهِ: ”إنَّ عُمَر رَفَسَ *** فاطمةَ حَتَّی أسقَطَت بمُحسِن.“» *** قال الفراهیدی فی کتاب العین، ج ۷، ص ٢٤٦: «الرَّفسَة: الصَّدمة بالرِّجل في الصدر.» و قال الجوهری فی الصحاح، ج ٣، ص ٩٣٦: «الرَّفسُ: الضّربُ بالرِّجل.»
    5. الکافي، ج ۱، ص ٢٦٥: «إنَّ اللهَ عزّوجلّ أدَّبَ نَبیَّهُ عَلیٰ مَحَبَّتِهِ فَقالَ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [سورة القلم (٦۸) الآیة ٤] ثُمَّ فَوَّضَ إلَیهِ فَقالَ عزّوجلّ: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [سورة الحشر (٥٩) الآیة ۷] و قال عزّوجلّ: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَهَ﴾ [سورة النساء (٤) الآیة ۸۰]. (قال: ثُمَّ قال:) و إنَّ نَبیَّ اللهِ فَوَّضَ إلیٰ عَلیٍّ وائتَمَنَهُ فَسَلَّمتُم و جَحَدَ النّاسُ، فَوَاللهِ لَنُحِبُّکُم أن تَقولوا إذا قُلنا و أن تَصمُتوا إذا صَمَتنا، و نَحنُ فیما بَینَکُم و بَینَ اللهِ عزّوجلّ، ما جَعَلَ اللهُ لِأحَدٍ خَیرًا فی خِلافِ أمرِنا.“» 

الإمام عليه السلام هويّةُ التشيع - النصف من شعبان لعام ۱٤۲۷ هـ ق

15
  • ولكنّه لم يأت وحتّى هذه اللحظة لم يأت! كان يقول: إنّ المرحوم العلاّمة خالنا رجل جليل القدر. فقط كان يقول إنّه رجل جليل القدر، فقط هذا! 

  • إذا أردت أن تأتي إلى هنا فلا بدّ أن تكون راسخ القدم وتقف بإحكام، وأن تقف أمام ما يحدث من أمور مستقيمًا ولا تبيع هذه الحقيقة بثمن بخس! الحقيقة هي الوصول إلى تلك الأسس والمبادئ الأصيلة. عندما يعمل الإنسان بتلك المبادئ والعقائد الأصيلة فإنّه لن يستبدلها بشيء بعد ذلك!

  • العلوم الحقة لا تثمّن بثمن

  • قبل أسبوع أو أسبوعين جاء بعض الرفقاء والأصدقاء إلى هنا، وكنت أتحدّث عن مسائل الإسلام والتشيّع وأصول وقواعد أهل البيت عليهم السلام، فسألتهم سؤالاً والآن أطرحه بعينه على رفقائنا وأصدقائنا وإخواننا: إذا أراد إنسان في هذه الدنيا أن يبذل الجهود ويسعى ويكون سعيه عن طريق الحلال أيضًا فإنّه في هذه الستين أو السبعين سنة التي هي عمره كم يمكنه أن يحصّل؟! افترضوا أنّ طبيبًا يريد أن يعمل في المعالجة ثلاثين أو أربعين سنة، ويقوم بعمليّات شاقّة ويحقّق اكتشافات فإنّه يحصّل على مليارين مثلاً، وطبعًا لست مطّلعًا على تسعيراتهم، قلت لهم والآن أسألكم أيضًا: لو أعطونا مليارين وقالوا لنا لا تلبس العمامة واترك طريقك هذا! فهل نفعل أم لا؟! لو قالوا لنا: "خذ هذين المليارين واجلس حتّى آخر عمرك ولا حاجة لأن تعمل! افعل ما يحلو لك، سافر وتجوّل في كلّ الأنحاء، ولكن أعطنا هذه العلوم التي حصلت عليها لكي تصبح من حيث العلم والمعلومات كواحد من الناس، طبعًا لا نطلب أن تتخلّى عن الولاية والتشيّع فأنت تبقى شيعيًّا ولديك تلك الولاية لأهل البيت التي لديك الآن، ولديك هذا التمسّك بأهل البيت نفسه، ولا قدّر الله أن يحدث انحراف، ولكن فقط أعطنا هذه العلوم والاعتقادات والأصول والمبادئ وهذه المعرفة بالمذهب وبالدين وبالحقيقة، ونحن نعطيك بدلاً من ذلك مليارين". 

  • إنّ من يفعل ذلك شديد الحماقة ومجنون محض، ولا يوجد أكثر منه جنونًا ليرتكب ذلك. 

  • والآن أنا أقول: عشرة مليارات! من هو أثرى إنسان في هذه الدنيا وكم يمتلك من المال؟ مثلاً خمسين مليارًا؟! فلو قالوا: نعطيك يا سيّد هذه الخمسين مليارًا ولكن أعطنا ذلك المقدار الذي تعلّمته من علوم أهل البيت وبعدها لن يكون هناك خبر عنها ولن نعطيك إيّاها. 

الإمام عليه السلام هويّةُ التشيع - النصف من شعبان لعام ۱٤۲۷ هـ ق

16
  • إذا قبل إنسان بذلك فهو مجنون! 

  • قصّة أبي بصير واختياره العمى على البصر

  • تمامًا مثل قصّة أبي بصير الذي جاء إلى الإمام الصادق وشكى إليه، فهناك رواية مفصّلة في ذلك، فقال له الإمام: افتح عينيك. وأشار إشارة ففتح عينيه ورأى الناس، ثمّ قال له الإمام: أَتُحِبُّ أَنْ تَكُونَ هَكَذَا وَ لَكَ مَا لِلنَّاسِ وَ عَلَيْكَ مَا عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْ تَعُودَ كَمَا كُنْتَ وَ لَكَ الْجَنَّةُ خَالِصاً؟ 

  • يقول له: أتريد أن تكون يوم القيامة معنا ولكن تكون هنا أعمى، لأنّ الله كتب لك في سجلّك العمى في هذه الدنيا فهذا في كتابك، أم تريد أن أفتح عينك الآن ولكن أمرك في ذاك العالم يكون على عهدتك أنت؟

  • فقال أبو بصير وطبعًا أنا أعبّر عن لسان حاله: أفمجنون أنا؟! يا ابن رسول الله أنا لا أريد هذا البصر لألف سنة ولا تأخذ منّي بصيرة الباطن والاتّصال بالولاية؟! ۱ وقد كان محقًّا جزاه الله خيرًا. 

  • والآن أنا أقول هذا أيضًا: إن قالوا: أعطنا يا فلان هذه المدركات التي حصّلتها من علوم أهل البيت حتّى يخلو ذهنك تمامًا وكأنّك لم تقرأ شيئًا، ولكن في مقابل ذلك نعطيك ألف مليار! فهل نعطي أم لا؟! إن أعطينا فقد خسرنا وخدعنا! لأنّ علوم أهل البيت هذه هي علوم توصل الإنسان إلى الحقيقة والواقع، أمّا الهندسة والطبّ و… فلا توصل الإنسان إلى الحقيقة والواقع!٢ نعم على الطبيب أن يعمل لأجل الله، ويجب أن تكون حياته لأجل الله، ويجب أن يكون لديه مقام الإخلاص في العمل وأن يهتمّ بأموره العباديّة و… فهذا شيء آخر والله تعالى يعطيه الأجر، ولكن أيّ العلوم هو الذي يوصل إلى الحقيقة؟! وحده علم أهل البيت!٣ هذه هي النقطة التي علينا أن نلتفت إليها. 

  • خمس واجبات لطالب العلم

  • من يدخل في علوم أهل البيت لا بدّ أن لا يكون له مقصود وهدف سوى هذا: 

  • أولاً: الوصول إلى حقيقة نظر الإمام عليه السلام واعتقاده. 

  • الثاني: التمسّك بما وصل عنه. 

  • الثالث: عدم الانحراف نحو الشمال واليمين وعدم الالتفات إلى الشخصيّات الدنيويّة في أيّة حالة كانت وأيّ موقع. 

    1. بصائر الدرجات، ج ۱، ص ٢٦٩؛ الکافي، ج ۱، ص ٤۷۰: عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فَقُلْتُ لَهُ: أَنْتُمْ وَرَثَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله؟
      قَالَ: نَعَمْ.
      قُلْتُ: رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وىله وَارِثُ الْأَنْبِيَاءِ عَلِمَ كُلَّ مَا عَلِمُوا؟
      قَالَ لِي: نَعَمْ. 
      قُلْتُ: فَأَنْتُمْ تَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ تُحْيُوا الْمَوْتَى وَ تُبْرِءُوا الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ؟ 
      قَالَ: نَعَمْ بِإِذْنِ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ لِيَ: ادْنُ مِنِّي يَا أَبَا مُحَمَّدٍ. فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَمَسَحَ عَلَى وَجْهِي وَ عَلَى عَيْنَيَّ فَأَبْصَرْتُ الشَّمْسَ وَ السَّمَاءَ وَ الْأَرْضَ وَ الْبُيُوتَ وَ كُلَّ شَيْ‌ءٍ فِي الْبَلَدِ. ثُمَّ قَالَ لِي: أَتُحِبُّ أَنْ تَكُونَ هَكَذَا وَ لَكَ مَا لِلنَّاسِ وَ عَلَيْكَ مَا عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْ تَعُودَ كَمَا كُنْتَ وَ لَكَ الْجَنَّةُ خَالِصاً؟
      قُلْتُ: أَعُودُ كَمَا كُنْتُ.
      فَمَسَحَ عَلَى عَيْنَيَّ فَعُدْتُ كَمَا كُنْتُ.
      قَالَ: فَحَدَّثْتُ ابْنَ أَبِي عُمَيْرٍ بِهَذَا فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ هَذَا حَقٌّ كَمَا أَنَّ النَّهَارَ حَقٌّ.
    2. «عن أبی‌الحَسَنِ موسَی علیه السّلام قال: دَخَلَ رسول‌الله صلّی الله علیه و آله و سلّم المَسجِدَ فإذا جَماعَةٌ قد أطافوا بِرَجُلٍ، فَقالَ: ”ما هذا؟“ فَقیلَ: ”علّامةٌ.“ فَقالَ: ”و ما العلّامةُ؟“ فَقالوا لَهُ: ”أعلَمُ النّاسِ بِأنسابِ العَرَبِ و وَقائِعِها و أیّامِ الجاهِلیَّةِ و الأشعارِ العَرَبیَّةِ.“ (قال:) فَقالَ النَّبیُّ صلّی الله علیه و آله و سلّم: ”ذاکَ عِلمٌ لا یَضُرُّ مَن جَهِلَهُ و لا یَنفَعُ مَن عَلِمَهُ!“ ثُمَّ قال النَّبیُّ صلّی الله علیه و آله و سلّم: ”إنَّما العِلمُ ثَلاثَةٌ: آیَةٌ مُحکَمَةٌ أو فَریضَةٌ عادِلَةٌ أو سُنَّةٌ قائِمَةٌ، و ما خَلاهُنَّ فَهوَ فَضل.“»
    3. لمعرفة المقصود من العلم الذي أوصى به الإسلام راجع نور ملكوت القرآن، ج٢ ص ٢٣٤.

الإمام عليه السلام هويّةُ التشيع - النصف من شعبان لعام ۱٤۲۷ هـ ق

17
  • وأخيرًا: تبليغ ونشر هذه المدرسة وهذه الأهداف بين الناس. 

  • وطبعًا لا بدّ أن يكون ذلك مع التزكية والمراقبة والتوجّه، على الإنسان أن يعلم أنّ مقام الولاية دائمًا في حمايته والإمام بنفسه هو وليّ هذه المدرسة وسلاّكها وقيّمهم.۱ 

  • كلّنا أمل من صاحب الولاية والمولود المبارك في هذا اليوم الإمام بقيّة الله أرواحنا لتراب مقدمه الفداء أن يضاعف من معرفتنا أكثر فأكثر بأهداف الإسلام الرفيعة الراقية، وأن يثبّت أقدامنا في طريق ولاية أهل البيت، وأن لا يجعل لنا هدفًا سوى الوصول إلى الولاية وحقيقة التوحيد.٢ وأن لا يحرمنا في الدنيا والآخرة زيارة ذلك الإمام وشفاعته. 

  •  

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد.

    1. لمزيد من الاطّلاع على هذه الموضوع راجع الدرّ النضيد في الاجتهاد والتقليد والمرجعيّة ص ۱٩٤ الهامش.
    2. الکافي، ج ۸، ص ٢٤۷: «لَو یَعلَمُ النّاسُ ما فی فَضلِ مَعرِفَةِ اللهِ عزّوجلّ، ما مَدّوا أعیُنَهُم إلیٰ ما مَتَّعَ اللهُ بِهِ الأعداءَ مِن زَهرَةِ الحَیاةِ الدُّنیا و نَعیمِها و کانَت دُنیاهُم أقَلَّ عِندَهُم مِمّا یَطَئونَهُ بِأرجُلِهِم و لَنُعِّموا بِمَعرِفَةِ اللهِ جَلَّ‌وعَزَّ و تَلَذَّذوا بِها تَلَذُّذَ مَن لَم یَزَل فی رَوضاتِ الجِنانِ مَعَ أولیاءِ اللهِ. إنَّ مَعرِفَةَ اللهِ عزّوجلّ آنِسٌ مِن کُلِّ وَحشَةٍ و صاحِبٌ مِن کُلِّ وَحدَةٍ و نورٌ مِن کُلِّ ظُلمَةٍ و قوَّةٌ مِن کُلِّ ضَعفٍ و شِفاءٌ مِن کُلِّ سُقمٍ. قَبلَکُم قَومٌ یُقتَلونَ و یُحرَقونَ و یُنشَرونَ بِالمَناشیرِ و تَضیقُ عَلَیهِمُ الأرضُ بِرُحبِها فَما یَرُدُّهُم عَمّا هُم عَلَیهِ شَی‌ءٌ مِمّا هُم فیهِ مِن غیرِ تِرَةٍ وَتَروا مَن فَعَلَ ذَلِکَ بِهِم و لا أذًی، بَل ما نَقَموا منهم إلّا أن یُؤمِنوا بِاللهِ العَزیزِ الحَمیدِ! فَاسألوا رَبَّکُم دَرَجاتِهِم و اصبِروا عَلیٰ نَوائِبِ دَهرِکُم تُدرِکوا سَعیَهُم!»