4

الرد على بعض الإشكالات حول الولاية التكوينية

8845
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمجبل عامل

المجموعةالولاية التكوينيّة

جلسات المجموعة(4 جلسة)

التوضيح

أجاب آية الله سماحة السيد محمد محسن قدس الله سره في هذه المحاضرة الرابعة عن عدة إشكالات حول الولاية التكوينية:
• هل عدم خلق الله لما هو أشد منه قوة وآثاراً يُعد نقصاً لذاته؟
• لا حاجة لله تعالى أن يجعل الأئمة واسطة بينه وبين خلقه، فلماذا الولاية التكوينية؟
• هل جاءت الولاية التكوينية لسد النقص في الخلق ام لاستمراره وإدارته؟
• كيف نفسر الولاية التكوينية للأئمة في قبال ولاية الله على الامام، فهل توجد ولايتين منفصلتين؟
• هل يمكن لغير الإمام أن يصل الى مرتبة الولاية التكوينية؟
• كيف نستدل على علم الإمام بالغيب؟
• هل تُعد المكاشفات كرامة للعبد؟

/۱۵
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد الصوت

الرد على بعض الإشكالات حول الولاية التكوينية

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • الرد على بعض الإشكالات حول الولاية التكوينية

  • الولاية التكوينيّة – الجلسة الرابعة

  •  

  • محاضرة ألقاها

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  •  

الرد على بعض الإشكالات حول الولاية التكوينية

2
  •  

  •  

  • أعوذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم

  • بسم الله الرحمن الرحيم

  • وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا أشرف الأنبياء والمرسلين وخاتم السفراء المقرّبين

  • أبي القاسم المصطفى محمّد

  • (اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد)

  • وعلى آله الطيّبين الطاهرين المعصومين المكرّمين

  • واللعنة الأبديّة على أعدائهم أجمعين ومخالفيهم وغاصبي حقوقهم إلى يوم الدين

  •  

  •  

  • إنّ الله تعالى يخلق ما هو معقول لا ما هو غير معقول

  • قبل الورود في البحث يوجد سؤال مِن أحد الإخوة، وهو: هل الله تعالى قادر على أن يخلق مَن هو مِثله وأشدّ منه قوةً وآثارًا، وإن لم يكن قادرًا فهو عاجز عن ذلك، وهذا نقص بالنسبة إلى الله تعالى؟

  • هذه المسألة بديهيّة البطلان، لأنّه إذا قلنا بأنّ الله تعالى علّة لمخلوقاته، فالمعلول حتمًا أضعف مِن علّته، فلا يمكن أن يكون المعلول أقوى مِنَ الله تعالى. هذا مِن ناحية، ومِن ناحية ثانية، إنّ الله تعالى يخلق ما هو معقول لا ما هو غير معقول، فكما أنّ الله تعالى لا يقدر على أن يخلق العدم، لأنّ حيثيّة العدم أنّه لا يتعلّق به الوجود أصلًا، كذلك الأمر هنا في هذه المسألة، فلا يمكن أن تتعلّق قدرة الله تعالى وإرادته بشيء غير معقول، فكيف يمكن [حينئذ] أن نتصوّر أن يخلق الله تعالى ما هو أشدّ منه قوّة وأشدّ منه آثارًا! يلزم مِن هذا ترجيح الفرع على الأصل، وهذا محال وباطل.

  • الولاية التكوينيّة هي سلطة في فعل الخَلق وفي استمرار وبقاء حياة المخلوق

  • على كلّ حال، بقيت هنا مسائل تتعلّق بالولاية التكوينيّة، وإحدى هذه المسائل: هل الولاية التكوينيّة عبارة عن سدِّ النقص ورفع النقص [في الخلق]، أو أنّه – كما قلنا في اليوم الأوّل – هي عبارة عن إدارةِ أمرٍ وخلقِ شيءٍ واستمرارٍ لهذا الخلق؟

  • إذا قلنا أنّ الولاية هي عبارة عن سدِّ النقص، فيلزم أن يكون هناك نقص في عالَم الخلق، والحال أنّنا نرى أنّه لا يوجد نقص أبدًا ولو بمقدار مثقالِ ذرّةٍ في هذا العالَم. [ويُثبت ذلك] برهان النظم الّذي يَستدلّ به الفلاسفة على وحدة الصانع وعلى مبدأ الوجود، والآيات تصرّح به كما في قوله مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ۱، والآيات الّتي تشير إلى النظم في العالَم وفي السماوات والأرض [كما قوله تعالى] لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا٢. نحن نستدلّ بهذا البرهان على وحدة الإله في العالَم، وعلى عدم النقص في هذا العالَم، يعني ليس في هذا العالَم نقصٌ أبدًا ولا عيبٌ أبدًا، بل هذا العالَم بما فيه مِن أفلاك ونجوم وثوابت وسيّارات كالأرض والقمر والشمس، وكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ٣، هو عالم دقيق وعلى النظام الأحسن، فليس هناك نقص أبدًا، كما تصرّح الآية بذلك. ومع ذلك كلّه نقول إنّ الله تعالى وليٌّ على خلق هذا العالَم، والله تعالى وليٌّ ومدبّر لهذا النظام.

    1. سورة الملك (٦۷)، جزء مِنَ الآية ٣.
    2. سورة الأنبياء (٢۱)، جزء مِنَ الآية ٢٢.
    3. سورة يس (٣٦)، جزء مِنَ الآية ٤۰.

الرد على بعض الإشكالات حول الولاية التكوينية

3
  • فالولاية ليست سدًّا للنقص، ولم يُكتب في أيّ كتاب أنّ الولاية عبارة عن سدِّ النقص، بل الولاية عبارة عن الإحاطة بالشيء والسيطرة عليه، إمّا مِن حيث خَلقه وإمّا مِن حيث استمرارِ وبقاء هذا الخلق. هذه هي الولاية، الولاية التكوينيّة. وكذلك الولاية التشريعيّة، فهي عبارة عن إدارةِ أمرٍ، كما هو الحال في إدارةِ مؤسسةٍ.

  • نعم، إذا أُهملت هذه الولاية ولم يستعمل الله تعالى هذه الولاية لانعدم كلّ شيء، وهذا أمرٌ بديهيّ، ولكن هذا غير مسألة سدّ النقص، إذ سدّ النقص يعني أن يكون الشيء موجودًا ولكنّه ناقص، والشخص الّذي يتولى هذا الموجود يسدّ نقصه، بمعنى أنّه يسدّ نقص هذا الموجود ويرفعه ويوصله إلى المرتبة التامّة.

  • حقيقة الأمر في مسألة الولاية التكوينيّة، هو هذا: إنّ الولاية عبارة عن خلق الأشياء، كما هو مصرّح به في الآيات، والأدلّة الحكميّة والفلسفيّة تُثبت أنّ الله تعالى هو وليّ العالَم وهو مَن يتولّى العالَم، وهو كما يقول (مَالِكَ الْمُلْكِ)۱ (لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)٢ (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)٣، يعني أنّ المسألة تختصّ به. وكلّ هذه الخلائق، سواء الخلق الماديّ في عالَم الشهادة أو الخلق في الملكوت وعالَم الغيب والملائكة، جميعها لله تعالى. يعني أنّهم عبيد لله تعالى وتحت رعاية الله تعالى ومملوكون لله تعالى، ولا دخل لأحد غير الله تعالى في هذه الملكيّة وفي هذه السلطنة وفي هذه الحكومة. هذه هي الولاية التكوينيّة، وهذا غير سدّ النقص؛ فخلق الأشياء هو عبارة عن ولاية الوليّ على خلقه، وإدارة هذه الأشياء هو عبارة عن استمرار البقاء والحياة في هذا الخلق. هذه المسألة الأولى.

  • الولاية التكوينيّة هي إعمال وإظهار للأسماء والصفات الإلهيّة مِن خلال مخلوقاته

  • المسألة الثانية هي: يمكن أن يقول البعض إنّ الله تعالى لا يحتاج إلى أن يجعل الأئمّة واسطة بينه وبين الخلق، ولا حاجة له لأن يجعل الملائكة واسطة بينه وبين الخالق، فلِمَ لا يتدخّل ويتصرّف الله تعالى بنفسه؟ لماذا يُرسل الله تعالى ملائكة العذاب إلى قوم شعيب مثلًا، ويرسل ملائكة الغضب والقهر إلى قوم كذا، ولا يتصرّف هو بنفسه في ذلك؟ لماذا يقول الله تعالى في القرآن فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا٤، فالمدبّرات هم الملائكة الّذين يدبّرون أمور العالَم، يدبّرون أمور عالَم المادّة والشهادة، ولا يتصرّف الله تعالى بنفسه؟ لماذا لا يقبض الله تعالى الأرواح بنفسه، بل يجعل بينه وبين العبد واسطة كجناب عزرائيل والملائكة الّذين تحت ولاية عزرائيل، كما تصرّح الآية الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ٥؟ لماذا لا يُلقي هو بنفسه الوحي إلى أنبيائه، فيجعل بينه وبين أنبيائه واسطة وهو جبرائيل أو روح القدس، [كما في قوله] نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ٦؟ لماذا يجعل الله تعالى بينه وبين النبيّ واسطة كجبرائيل وعزرائيل والملائكة، لماذا؟ ألا يدّل هذا على النقص في هذا العالَم؟

    1. سورة آل عمران (٣)، جزء مِنَ الآية ٢٦.
    2. مِنَ الموارد الّتي ذُكرت فيها هذه الفقرة في القرآن الكريم، في سورة البقرة (٢)، جزء مِنَ الآية ۱۰۷. (م)
    3. مِنَ الموارد الّتي ذُكرت فيها هذه الفقرة في القرآن الكريم، في سورة البقرة (٢)، جزء مِنَ الآية ۱۱٦. (م)
    4. سورة النازعات (۷٩)، الآية ٥.
    5. سورة النحل (۱٦)، جزء مِنَ الآية ٢۸؛ سورة النحل (۱٦)، جزء مِنَ الآية ٣٢.
    6. سورة الشعراء (٢٦)، الآيات ۱٩٣ و ۱٩٤.

الرد على بعض الإشكالات حول الولاية التكوينية

4
  • [نقول:] ليس هذا بنقص، ولكن مِنَ البديهيّ أنّه إذا تعلّقت إرادة الله تعالى بفعلِ شيءٍ في العالَم – سواء في عالَم المجرّدات أو في عالَم المادّة – أنّ يستفيد مِن عوامله ومخلوقاته، فالملائكة مخلوقات لله تعالى بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ، لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ۱، فهم عباد مكرمون، فالملائكةُ عبيدٌ لله تعالى.

  • فكيف لنا [والحال هذه] أن ننكر كون الأئمّة عليهم السلام وسائط بين الله وبين خلقه؟! هذا يوجب الاستهانة بالله تعالى، هذا يوجب النقص في العالَم! فكما أنّ الملائكة وسائط بين الله تعالى وبين أمور العالَم، كتدبير أمورٍ في العالَم، كذلك أرواح الأئمّة عليهم السلام هي، مِن حيث الولاية التكوينيّة، واسطة بين الله تعالى وبين الملائكة، وهي النقطة الوحيدة لنزول الأسماء الإلهيّة وتنزّل الصفات الإلهيّة، ولإظهاره ولإبرازه في عالَم المادّة وفي عالَم الشهادة وفي جميع المخلوقات. فنحن نقول إنّ هذا مثل ذاك [أي نقول في الأئمّة ما يُقال في الملائكة وأزيد].

  • فإن كانت الولاية التكوينيّة للإمام توجب نقصًا عند الله تعالى، فيكون وجود المخلوقات ووجود الملائكة هو نقص عند الله تعالى أيضًا! فنحن نقول: إنّ كان هذا الأمر جارٍ في ذاك فهو جارٍ في هذا؛ ولكنّنا لا نقول بالنقص [لا في هذه الحالة ولا في تلك]، بل نقول كما أنّ الإنسان يستفيد مِن يديه لمنافعه، كرفع الأشياء، ويستفيد من رِجله للمشي، ومِن عينه للرؤية والنظر، ويستفيد مِن أذنه، ومِن دماغه للتفكير، ومِن الجهاز الهضميّ، حتّى يبقى حيًّا ويعيش، كذلك الله تعالى فهو يستفيد مِن مخلوقاته، وإحدى هذه المخلوقات الملائكة، وإحداها الإنسان والحيوانات والرياح وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ٢، فهذه مخلوقات لله تعالى، ومِنَ المخلوقات الأئمّة عليهم السلام؛ ولهذه المخلوقات مراتب ومقامات، فالحيوان أعلى مِنَ النبات، والإنسان أعلى مِنَ الحيوان، والملائكة أعلى مِنَ الإنسان، أعني الإنسان العاديّ، والأئمّة عليهم السلام هم أعلى مِنَ الملائكة؛ فأيّ مرتبة مِن هذه المراتب توجب عيبًا وشينًا ونقصًا في الله تعالى وفي تصرّفاته وأفعاله في هذا العالَم؟! لا أبدًا.

  • ولا يوجد فرق أبدًا، فكما نقول بالولاية التكوينيّة للملائكة، إذ الملائكة يقومون بأفعال في هذا العالَم، كما يفصح الله تعالى ويقول – كنّا قد تعرّضنا في الأمس لهذه المسألة – إنّه أرسل ملائكة العذاب إلى قوم لوط مثلًا، فهو يرسل ملائكة العذاب، وهؤلاء الملائكة يقومون بأفعال، كما قالوا إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ٣. فماذا يفعل الرسول، هل يبلّغ الكلام والبلاغات فقط؟ لا، بل الرسول يقوم بأفعال، يعني أنّه يفعل، كما نحن نفعل في عالَم المادّة، فللرسول أفعال وأعمال وللملائكة أعمال، فكما أنّ الملائكة تقوم بأفعال، كذلك النفوس الطيّبة والقدسيّة للأئمّة عليهم السلام – مِن حيث أنّ لهم الولاية التكوينيّة – هم الواسطة بين بروز أسماء الله تعالى وصفاته وبين الخلق في عالَم المادة. هذا هو المقصود بالولاية التكوينيّة.

    1. سورة الأنبياء (٢۱)، جزء مِنَ الآية ٢٦ والآية ٢۷.
    2. سورة الحِجر (۱٥)، جزء مِنَ الآية ٢٢.
    3. سورة هود (۱۱)، جزء مِنَ الآية ۸۱.

الرد على بعض الإشكالات حول الولاية التكوينية

5
  • لهذا، نَحمل الروايات الواردة، على أنّ الإمام عليه السلام هو واسطة بين الله وبين الخلق، والأدعيّة والزيارات والروايات الكثيرة [تبيّن] مقام الإمام عليه السلام، منها أنّ الإمام الحجّة (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) في كلّ ليلة جمعة يعرض الملائكة عليه صحيفة أعمال العباد وصحيفة أعمال جميع الخلائق، ومنها أنّه يدعو للمؤمنين ويربّيهم، كما هو في بعض فقرات [رسالته عليه السلام للشيخ المفيد] حيث يقول «نحن وإن كنّا ثاوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين، حسب الّذي أراناه الله تعالى لنا مِنَ الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ... إنّا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء أو اصطلمكم الأعداء»۱، يعني أنّنا غير ناسين لذكركم ولا مُهملين لمراعاتكم، فلو لم نكن نرعاكم وكنّا ناسين لكم، لاصطلمكم الأعداء، أي لَأَهلككم جميعُ الأعداء، ولكنّا نمنع ذلك؛ هذا هو المقصود بالولاية التكوينيّة.

  • إثبات الولاية التكوينيّة عمومًا وإثبات الولاية التكوينيّة للأئمّة خصوصًا

  • ... أمّا الأدلّة العقليّة، فليس هناك أيُّ دليلٍ عقليٍّ على خلاف الولاية التكوينيّة، سواء على مستوى الأحكام العقليّة أو المباني الفلسفيّة، بل إنّ الأحكام العقليّة والمباني الفلسفيّة – ومَن درس هذه المعاني يفهم ذلك – [تُثبت] أنّه مِنَ اللازم أن يكون هناك تناسخ وتلاؤم بين العلّة والمعلول، وهذا يلزمه أن تكون هناك واسطةٌ بين العلّة المجرّدة وبين المعلول الماديّ.

  • ومع ذلك، فإنّ جميع الروايات وكذلك الآيات، تشيرُ – بل فيها تصريحٌ وهي صريحة – إلى أنّ لله تعالى وسائط بين ذاته المجرّدة وبين عالَم المخلوقات، وهذه الوسائط يمكن أن تكون ملائكةً مقرّبين أو نفوس الأئمّة عليهم السلام.

  • ومِن حيث أنّ لهذه العوالم مراتبَ مختلفةً، كما أنّ بين الملائكة مراتبَ مختلفة، وفي بعض الروايات أنّ لله تعالى أربعةُ ملائكة، كلٌّ منهم له سلطة على شأن خاصّ مِن أسمائه وصفاته، هم مَلك الحياة ومَلك الإماتة ومَلك العِلم ومَلك الرزق، وهؤلاء الملائكة الأربعة أعلى مِن سائر الملائكة، ويوجد تحتهم ملائكة، وتحت نفوذ هؤلاء توجد ملائكة أُخَر، وهكذا حتّى يصلون إلى عالَم المادّة والشهادة .. فنقول إنّه مِنَ الممكن، وفق القاعدة العقليّة، أن تكون لنفوس الأئمّة عليهم السلام مراتب أعلى مِن مراتب الملائكة. هذا بلحاظ القاعدة العقليّة.

    1. هذه فقرات مِن إحدى رسائل الإمام المهديّ للشيخ المفيد، راجع الاحتجاج للطبرسي، طبعة نشر مرتضى، ج٢، ص٤٩٥، توقيع وارد مِن جانب الناحية المقدّسة حرسها الله ورعاها. ومّما ورد فيها، قوله عليه السلام (للأخ السديد، والولي الرشيد، الشيخ المفيد ... نحن وإن كنّا ثاوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين، حسب الّذي أراناه الله تعالى لنا مِنَ الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك، ما دامت دولة الدنيا للفاسقين، فإنّا نحيط عِلما بأنبائكم ولا يعزب عنّا شيء مِن أخباركم ومعرفتنا بالذلّ الّذي أصابكم مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعًا ونبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم، كأنّهم لا يعلمون على إنّا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء أو اصطلمكم الأعداء، فاتّقوا الله جلّ جلاله، وظاهرونا على انتياشكم مِن فتنة قد أنافت عليكم، يهلك فيها مَن حم أجله ويحمى عنها مَن أدرك أمله وهي أمارة الأزوف ومباثتكم بأمرنا ونهينا والله متمّ نوره ولو كره المشركون ... إلخ). (م)

الرد على بعض الإشكالات حول الولاية التكوينية

6
  • ومع ذلك نجد في الروايات المنقولة عن الأئمّة عليهم السلام، ما يصرّح بذلك، يعني أنّ فيها تصريح بأنّ لنفوسهم الكليّة والقدسيّة المراتب العليا، كما نقرأ في أدعية رجب «اللهمّ إنّي أسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة أمرك المأمونون على سرّك» إلى أن يصل إلى هذه الفقرة «لا فرق بينهم وبينك» وفي بعض الأدعية «لا فرق بينها وبينك»، ولكنّ في نسخة الشيخ الطوسيّ في الزيارات يقول «لا فرق بينهم وبينك إلّا أنّهم عبادك»، «إلّا أنّهم عبادك».۱ ويقول في بعض الروايات «نزّلونا عن الربوبيّة وقولوا فينا ما شئتم» ٢. هذا هو الأمر المهمّ ..

  • [وعليه]، فليست المسألة كما ورد في سؤال بعض الإخوة، مِن أنّه لا فرق بين الله وبين الأئمّة! لا، حاشا لله ولهم مِن هذه النسبة ومِن هذه الدعوى؛ إنّ الأئمّة عليهم السلام كسائر المخلوقات، هم عبيدٌ لله تعالى، هم عبيد لله تعالى. فالمسألة ليست بذاك الشكل، بل [المسألة هي أنّه:] كما أنّنا نرى أنّ بين المخلوقات مراتبَ مختلفةً، مثلًا النبات – بلحاظ حركتها ورشدها وبقاء نوعها – هي أعلى مِنَ الجماد، والحيوان أعلى مِنَ النبات، والإنسان أعلى مِنَ الحيوان، وأنّه مِنَ البديهيّ أنّ تكون بين الموجودات هذه المراتب المختلفة، كذلك نرى أنّ مرتبة الإمام عليه السلام وروحه القدسيّة أعلى مِن سائر مراتب الخلق.

  • حسنًا، فمِنَ البديهيّ أن تكون لمخلوقات الله تعالى مراتبُ مختلفة، وأن تكون هناك مرتبة أعلى مِن سائر المراتب. ونحن [أيضًا] يمكننا أن نصل إلى هذه المرتبة، يعني كما أنّ للإمام عليه السلام القدرة على تكوين الأشياء وخلقها بإرادة الله تعالى وإذنه، كردّ الشمس٣ وشقّ القمر٤ وتكليم الشجر٥ [وغيرها مِنَ] المعاجز الّتي نراها ورأيناها وسمعناها مِنَ الأئمّة وقرأناها في الكتب، وجميعها صحيح وممّا لا شكّ فيه ولا خلاف، [كذلك نحن، يمكننا ذلك بواسطة الإمام عليه السلام وإذن مِنَ الله تعالى]. بل نحن نرى هذه الأمور مِنَ الأفراد المؤمنين المتّقين في زماننا هذا، نحن رأينا بعض هذه الأمور، فكيف يمتنع على الإمام عليه السلام أن يفعلها، وكيف يمكننا أن ننكر على الإمام ذلك؟!

    1. مصباح المتهجد، الشيخ الطوسيّ، ط. مؤسسة فقه الشيعة، ج٢، ص۸۰٣. (م)
    2. راجع تخريج هذا الحديث في كتاب (أسرار الملكوت) لسماحة السيّد محمّد محسن الطهرانيّ (قدّس الله سرّه)، ج٢، ص۱٣٤. (م)
    3. الكافي، الشيخ الكليني، ج٤، ص ٥٦٢؛ خصائص الأئمّة، الشريف الرضي، ص٥٦. (م)
    4. راجع في ذلك كتاب (تفسير الميزان) للعلّامة السيّد الطباطبائيّ، ج۱٩، ص٥٥ في تفسير آية (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)، وص٥۸ في بحثه الروائيّ حول الآية المذكورة. (م)
    5. ورد استشهاد النبيّ للشجرة فشهدت بالشهادتين، كما في بحار الأنوار، الشيخ المجلسيّ، طبعة دار إحياء التراث العربيّ، ج۱۷، ص٣۷٦، الحديث ٣٩. وقال تعالى في سورة القصص الآية ٣۰، لنبيّه موسى على نبيّنا وآله وعليه السلام: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ. (م)

الرد على بعض الإشكالات حول الولاية التكوينية

7
  • ونقول، حتّى أنّ [القدرة على] العلم بالغيب هي أمر بديهيّ، فنحن نرى في المنام وفي الرؤيا الأمور الّتي ستقع، والله تعالى يُخبرنا عن الأمور المستقبليّة في الرؤيا، فكيف والحال هذه نُنكر اطّلاع الإمام عليه السلام على الغيب؟! كيف نقول أنّ الإمام عليه السلام كالأفراد العاديّين لا يعلم بالغيب ولا يطّلع عليه؟! فنحن نسمع ونرى هذه الأمور مِنَ الأفراد العاديّين، حتّى مِنَ الهنود، فهل [يُعقل أن يقدر] الهنود على فعل ذلك، ولا يقدر الإمام عليه؟! هذا واقعًا أضحوكة! ماذا يقصدون واقعًا بقولهم ذاك؟! إنّ هذه المسألة مِنَ المسائل البديهيّة.

  • بالنسبة إلى الولاية التكوينيّة، لا يوجد دليل عقليّ على تنافي ولاية الإمام عليه السلام مع ولاية الله تعالى. نعم، الباطل هو أن تكون ولاية الإمام أو ولاية النبيّ في عرض ولاية الله تعالى، فهذا باطلٌ. ماذا يعني أن [تكون ولاية المعصوم في عرض ولاية الله تعالى]؟ يعني أنّه كما لله تعالى الولاية على خلق الأشياء وتدبير العالَم، فللإمام عليه السلام ولاية بجنبه! وهذا باطل حتمًا وجدًّا، وهو شرك وكفر بالله تعالى. لا، [نحن لا نقول بذلك]، بل نقول إنّ الولاية في العالَم ولاية واحدة، وهي نشأت مِنَ الله تعالى، والله تعالى قد أجراها في نفس الإمام عليه السلام، وما يفعله الإمام عليه السلام هو بنفس ولاية الله تعالى وليس خارجًا عنه تعالى، فالإمام لا يقدر أن يخالف الله تعالى، بمعنى أنّ الإمام عليه السلام أو النبيّ قد وصلوا إلى مرحلة العبوديّة، بحيث أصبح لا يرى أصلًا في نفسه شيئًا، ولا يرى أصلًا في نفسه استقلالًا عن إرادة الله تعالى، ولا يرى نفسه بجنب الله تعالى، ولا يرى أنّ إرادته إرادة مستقلة بجنب إرادة الله تعالى. وآيات القرآن تشير إلى هذا الأمر وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ ، لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ، فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ۱، يعني أنّ النبيّ لا يقدر أبدًا أن يفعل ما يخالف إرادتنا، ولو أراد ذلك لأخذناه باليمين، فهو قد وصل إلى مرحلة العبوديّة، يعني أنّه وصل إلى مرحلة تكون فيها قدرتُه هي قدرة الله تعالى، ففيه هذه المرحلة تكون القدرة واحدةً أصلًا.

    1. سورة الحاقّة (٦٩)، الآيات ٤٤-٤۷.

الرد على بعض الإشكالات حول الولاية التكوينية

8
  • مِن باب المثال، هل يمكن لهذه اليد أن تدّعي أنّ قدرتها أقوى مِن قدرة اليد الأخرى؟ لا يمكن ذلك، لماذا؟ لأنّ القدرة الّتي في هذه اليد والقدرة الّتي في اليد الأخرى جميعها قدرة واحدة، وهي القدرة المنتشرة في الإنسان. هذه هي القدرة الواحدة. فلا يجوز لليد أن تدّعي أن قدرتها أقوى مِن قدرة اليد الأخرى، أو أنّ قدرتها أقوى مِن القوّة الّتي في الإنسان، لأنّ القوّة الّتي في الأذن وفي العين وفي الرِجل وغيرها، جميعها ناشئ مِن قدرة واحدة، وهذه القدرة الواحدة انتشرت في الأجزاء، فبعضها في هذه اليد وبعضها في تلك اليد، وكلٌّ مرتبط بالنفس، والنفس هي المدبّر الوحيد لاستعمالات هذه الأجزاء والأعضاء البدنيّة [لهذه القوّة]، في كلّ ما تُريده وتستفيد منه.

  • نعم! وعليه، لا يمكن لأحدٍ أن يقول أنّ ولاية الإمام هي في قبال الولاية التكوينيّة لله تعالى، لا، فهذا كفر بالله تعالى وشرك، بل ليس هناك إلّا ولايةٌ واحدة وقدرة واحدة، هذه القدرة [تسري في الأئمّة عليهم السلام وغيرهم]. مثلًا لو قال جناب عزرائيل وهو ملك الموت: أنا قادرٌ على قبض الأرواح مستقلًّا عن إرادة الله تعال. سيقول الله تعالى له حينئذ: اسكت، ليس لك القدرة على أن تقوم أمامي وتفعل ما تشاء وتتكلّم بهذا الكلام. لا [ليس الأمر كذلك]، بل لو أراد الله تعالى لأخذ منه هذه القدرة، ولو أراد الله تعالى لأعطاه هذه القدرة، وللإمام هذا أيضًا، فإن أراد الله تعالى فسيعطيه هذه القدرة، وإن لم يُرد الله تعالى فسيأخذ منه هذه القدرة. هذا ما نقول به، فهذه إرادة الله تعالى. والإمام لا يقول خلاف ذلك، بل يقول: أنا عبد مِن عبيد الله تعالى. والنبيّ يقول: أنا عبد من عبيد [الله تعالى]. نحن نقول في التشهّد: «أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله»، يعني أنّ مقام العبوديّة أعلى مِن مقام الرسالة، [لاحظوا الترتيب في تشهّدنا حيث نقول:] عبده ورسوله. هذا هو المقصود ..

  • فإذا وصل الإنسان إلى مرتبة العبوديّة يكون قد وصل إلى مرتبة الولاية التكوينيّة، يعني كما أنّ الإمام عليه السلام يفعل بواسطة الولاية التكوينيّة، فإنّ العبد الّذي يكون تحت سيطرة الإمام عليه السلام، ويكون مؤمنًا بوجود الإمام المهدي، ويكون تحت ولايته عليه السلام، [والعبد الّذي] كان الإمامُ مسيطرًا على نفسه، فإنّ الإمام سيعطيه قوّة بمثل ما أعطاه الله تعالى، فيصبح هذا الشخص قادرًا على أن يفعل كما يفعل الإمام، أعني بهذا الشخص، الوليَّ، أي الّذي وصل إلى مرتبة الولاية ومرتبة العبوديّة، فبإمكانه – وإن كان لا يفعل ذلك – وله القدرة على ردّ الشمس، كما لأمير المؤمنين عليه السلام القدرة على ردّ الشمس، وله القدر على شقّ القمر، كما للنبيّ القدرة على شقّ القمر، فله القدرة على أنّ يفعل أمورًا طبق المصلحة، نعم.

الرد على بعض الإشكالات حول الولاية التكوينية

9
  • كثيرًا ما رأينا هذه الأمور، حتّى أنّنا رأينا هذه الكرامات مِن أفراد لم يصلوا إلى هذه المراتب، وهذا مذكور في الكتب، ألم تقرؤوا في الكتب عن شخصٍ صالح عابد ومتّق دعا الله تعالى [فاستجاب الله دعوته]؟ أنا قرأت في بعض الكتب أنّ أحد الصلحاء والأولياء المتقدّمين، جاء إليه شخص وقال: أنا ليس لي ولد، وقد قمتُ بعمليّة [جراحيّة] لزوجتي، فأخرج الأطباء رحمها مِن بطنها. وقد رجع قوم هذه المرأة إلى هذا العالِم وقالوا له: إنّ زوجها يريد أن يطلّقها لأنّها لا تُنجب، لأنّهم أخرجوا رحمها مِن بطنها، فماذا نفعل؟ فقال العالِم: إنّ الله تعالى سيعطيكم ابنًا. قال: هذه المرأة ليس لها رحم أبدًا. فقال العالِم: أتطلب منّي رحمًا أو تطلب منّي ابنًا؟ أنتم تطلبون منّي ابنًا، والله تعالى سيعطيكم ذلك. وبعد تسعة أشهر أعطاه الله تعالى ابنًا وسمّوه علِيًّا، وهو الآن موجود في مشهد، أعني هذا الشخص [الّذي وُلد بدون رحم] موجود الآن في إيران في مشهد. هذا قد حصل مِن دعاء ذاك الشخص، مع أنّ ليس لأمّه أصلًا رحمٌ، أبدًا، فكيف حصل ذلك؟ هذا هو الإحياء، نعم هذا هو الإحياء. ماذا يقول الأطباء في ذلك، أهي معجزة أم لا؟ هي معجزة، وهذا الشخص موجود الآن وهو في إيران ويسكن في مشهد. وقد نقل إليّ هذه القصّة – أمام السيّد الوالد – أطباء مشهد الّذين هم مِن رفقائنا، فكانوا يرون هذا الشخص. هذه هي المعجزة.

  • حسنًا، [بعد كلّ هذا] ألا يقدر النبيّ أو الإمام على الإحياء؟! [أننكر] حتّى لو كنّا نرى ذلك؟! أليس هذا بسخرية؟! هناك الكثير الكثير مِنَ هذه القصص؛ هناك شخص جليل أُلّف ودُوِّن الآن في أحواله كتاب، ولا أدري إن تُرجم إلى العربيّة أم لا، ولكنّه موجود بالفارسيّة، فهو مِن [أصحاب الكرامات والمعجزات]. وهناك الكثير مِن أمثاله، والقصص الّتي سمعناها عن السيّد القاضي هي مِن هذا القبيل، والقصص الّتي سمعناها عن الكثير مِنَ الأعاظم والعلماء والأولياء هي مِن هذا القبيل. حسنًا، فإنّ الله تعالى قد جعل فيهم هذه القدرة، وهي مسألة عاديّة وبسيطة، فالله تعالى قد جعل فيهم هذه القوّة والقدرة، وقد جعل الله تعالى في الأئمّة عليهم السلام ما هو أعلى مِن ذلك، وأولئك تحت سيطرة الأئمّة. هذه أمرٌ بسيطة، نعم. هذا بالنسبة إلى الولاية التكوينيّة.

الرد على بعض الإشكالات حول الولاية التكوينية

10
  • إثبات قدرة المعصوم وغيره على العِلم بالغيب

  • أمّا بالنسبة لعِلم الغيب، فأمرها أسهل مِن الولاية التكوينيّة، لأنّ للولاية التكوينيّة شؤون مختلفة مِن حيث القدرة والتأثير في الخارج وغير ذلك .. وإحدى هذه الشؤون هو اطّلاع الإمام عليه السلام أو غيره على الحوادث والأمور الخارجيّة، فهذا أسهل مِنَ الولاية التكوينيّة، وقد أشارت الآيات الشريفة إلى أنّ الأنبياء عليهم السلام كانوا على اطّلاع على المسائل الغيبيّة؛ فالنبيّ عيسى (على نبينا وآله وعليه السلام) كان يُعلن ويُخبر الأفراد عمّا يدّخرون في بيوتهم۱ وما يكنّون في أنفسهم، والآية تصرّح بأنّه لا يعلم الغيب إلّا الله ومَن ارتضى مِن رسول، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا٢، فالآية تُصرِّح بأنّ الله تعالى يعطي هذه القدرة للآخرين كالرسول وغيره.

  • الآية الّتي يمكن أن يُستدلّ بها على نفي عِلم الإمام عليه السلام وغيره [بالغيب]، هي الآية الّتي تشير إلى أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وسائر الأنبياء، هم كسائر أفراد البشر ومنهم، كما في قوله إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ٣. حسنًا، إن نحن إلّا بشرٌ نعم، ولكن قلنا في الجلسات الماضية أنّ البشريّة لا تُنافي هذه الأمور، فكما أنّ للملائكة – مع أنّهم ملائكةٌ ومِن عبيد الله تعالى – القدرة على الاطّلاع على الغيب، فكذلك البشريّة لا تتنافى [مع ذلك]، فالبشريّة مسألة خارجيّة ومسألة ماديّة.

  • فالمهمّ [في المقام]، أنّ لله تعالى أن يُعطي لهذا البشر القدرة، وبهذه القدرة يرى ما سيقع أمامه وفي مستقبله وما وقع في ماضيه، وبعض الآيات تصرّح بذلك، كما في قوله في سورة [الرعد] قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ، قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ٤. هذا هو الأمر المهمّ، فالله تعالى مَنَّ عليهم ولم يمُنَّ علينا، فيجب علينا أن نطلب مِنَ الله تعالى أن يمُنَّ علينا. نعم، هذا هو المهمّ.

  • فصحيح أنّه يقول إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، ولكنّه [يعقّب قائلًا: يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ]، أي أنّه يمُنّ علينا بإعطائه لنا هذه القدرة، فيمُنُّ علينا بأن يُقدرنا على بلوغ هذه المرتبة، وهي الاطّلاع على الغيب، والاطّلاع على الوحي، والاطّلاع على المسائل التكوينيّة. وبهذا يمتاز النبيّ والأئمّة عنّا؛ فللنبيّ القدرة على الإخبار عن المسائل الآتية وعلى الاطّلاع على الغيب، وليس لنا نحن هذه القدرة؛ [ولكن] ينبغي أن نصل إلى هذه المرتبة، كما في الروايات الصحيحة أنّ هذا الأمر ليس منحصرًا في المعصومين فقط، بل كلّ مَن يكون مِن شيعتنا طائعًا لنا ويتّبعَ سبيلنا، فإنّ الله تعالى يوفّقه لذلك. يقول النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في رواية عنه: لو تستمرّون على هذه الحالة مِنَ المراقبة والتفكّر، لرأيتم ما أرى ولسمعتم ما أسمع٥ .. جاء شخصٌ [يومًا] إلى النبيّ وقال: يا أيّها النبيّ، لماذا عندما نكون جالسين عندكم، نسمع نصائحكم ونتفكّر في كلامكم، نصبح كالمنعزلين عن هذا العالَم، عالَم المادّة والشهوات والدنيا، ونكون كمَن يطير في السماء وكأنّنا لسنا على الأرض، فنرى أنفسنا في الجنّة، وإذا خرجنا مِن محضركم، وما إن نرى بعض الأشياء المادّية، يسيطر علينا الشيطان ويمحو عنّا تلك الحالة وننفصل عنها. فأجابه النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: لو تستمرّون على تلك الحالة – يعني لو تحافظون على المراقبة – وتغضّوا أبصاركم عن كلّ ما هو مخالف لرضى الله تعالى، لرأيتم ما أرى ولسمعتم ما أسمع. وفي بعض الروايات يقول: «مَن أخلص لله عمله أربعين صباحًا أجرى الله ينابيع الحكمة مِن قلبه على لسانه»٦. هذا يعني الوصول إلى تلك المرتبة، والأربعينيّات هي مِنَ الأمور الّتي ينصح بها الأولياء والعرفاء تلامذتهم، فهي [مِن أجل ذلك]، وهناك الكثير مِنَ الروايات الّتي تشير إلى هذا الأمر.

    1. قال تعالى عن عيسى عليه السلام: وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (سورة آل عمران جزء مِنَ الآية ٤٩). (م)
    2. سورة الجنّ (۷٢)، الآيات ٢٦.
    3. سورة الرعد (۱٣)، جزء مِنَ الآية ۱۱.
    4. سورة الرعد (۱٣)، ذيل الآية ۱۰ وصدر الآية ۱۱.
    5. تفسير الميزان، العلّامة السيّد محمّد حسين الطباطبائيّ، ج٥، ص٢۷۰: وفيما رواه الجمهور عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: لولا تكثير في كلامكم وتمريج في قلوبكم لرأيتم ما أرى ولسمعتم ما أسمع. (م)
    6. الأصول الأصيلة، الفيض الكاشانيّ، ص۱٦٥؛ عدّة الداعي ونجاح الساعي، ابن فهد الحليّ، ص٢۱۸؛ مع اختلاف يسير. (م)

الرد على بعض الإشكالات حول الولاية التكوينية

11
  • فهذا الأمر لا يختصّ بالأنبياء والأئمّة عليهم السلام، لا، بل كلّ مَن كان مواليًا للإمام عليه السلام وتحت طاعته، ولا يخالفه، ويقوم بواجبه وبما فيه رضى الله تعالى، وينفّذ دستوره وبرنامجه المأخوذ منهم، وهو البرنامج الّذي يوصل الإنسان إلى المراتب العالية، فكلّ مَن [كان كذلك] يصل إلى هذه المرتبة.

  • ألم نقرأ في الكتب عن أحوال سلمان، أنّه قد وصل إلى المراتب العالية مِنَ الإيمان؛ كان أصحاب النبيّ يرون مِن سلمان ما هو مِنَ الكرامات وما هو مِنَ المعجزات، ويتعجّبون. كان سلمان مِن أصحاب الأئمّة .. ألم نقرأ في الكتب عن أصحاب الأئمّة عليهم السلام، كجابر بن يزيد الجعفيّ؛ فقد كان مِن أعظم أصحاب الأئمّة وصاحب سرّ الإمام الباقر عليه السلام. كان عند الإمام عليه السلام بعضُ أصحابه يتكلّمون عن أمور عاديّة، وكان جابر بن يزيد بجنب الإمام عليه السلام، فقال بعضهم: يا ابن رسول الله، الحمد لله، فقد كان جناب جابر بن يزيد في منزلنا ليلًا وتكلّم عن بعض الأمور، وقد استفدنا منه كثيرًا. فقال شخص آخر: لا، بل كان جابر في منزلنا في تلك الليلة، وقد استفدنا نحن منه. فقال ثالث: لا، بل كان جابر عندنا في تلك الليلة، ونحن مَن استفاد منه. فالتفت الإمام الباقر إلى جابر وقال: لا تفعل هذا. هذا كان مِن أصحاب الإمام، ففي لحظة واحدة كان في أربعة أماكن، أي في أربعة بيوت مِن أصحاب الإمام عليه السلام، ذلك في لحظة واحدة. أليس هذا خرق للأبدان؟ هذا موجود في الروايات والكتب. نعم، قال له الإمام عليه السلام: لا تفعل هذا، فالناس لا يقدرون على [تحمّل وفَهم ذلك] .. ما هي الولاية التكوينيّة؟ أهذا غير الولاية التكوينيّة؟ فحيث أنّه كان تحت سيطرة الإمام الباقر عليه السلام وولايته، مَنَّ الله تعالى عليه بهذه النعمة ووصل. وليست هذه هي الكرامة بالنسبة إلى الجعفيّ، بل الكرامة هي المعرفة لا هذه الأفعال، فهذه الأشياء هي لازم تلك المراتب.

  • نعم، كلّ مَن يصل إلى هذه المرتبة، يمنحه الله تعالى أشياءً؛ كما هو الحال عندما تذهبون إلى بيت صديقكم لزيارته ولقائه، فيُقدّم لكم الشاي والفاكهة وغير ذلك، ولكن ليس المقصود [مِنَ الزيارة] هو أكل الفاكهة، فالفاكهة موجودة في بيوتكم، ولكن المقصود هو زيارة الإخوان ولقائهم، ومع ذلك [يحصل على تلك الضيافة]. فالمهمّ بالنسبة إلينا هو معرفة الله تعالى، هذه هي المسألة المهمّة.

الرد على بعض الإشكالات حول الولاية التكوينية

12
  • إظهار الكرامات ليست شرطًا في بلوغ المراتب العالية

  • سأل بعض الإخوة خلال هذه الأيّام أنّه: هل تُعدّ هذه الأمور كراماتٌ، وهل علينا أن نعتقد بلزوم [ظهور] هذه الكرامات مِمَّن بلغ هذه المراتب؟ لا، هذا ليس لازمًا أبدًا، إذ المهمّ بالنسبة إلينا والمهمّ في هذه المراتب الكماليّة، هو معرفة الله تعالى والمعرفة بالتوحيد فقط. نعم، إنّ مِن لوازم هذه المعرفة السيطرة والولاية على تلك الأمور، وهو – طبقًا للمصلحة الّتي يراها مِنَ الله تعالى – يُظهرها في بعض الأحيان ولا يُظهرها أحيانًا أخرى، كلّ ذلك وفق المصلحة الموجودة عند الله تعالى.

  • على هذا، فإنّ الولاية التكوينيّة هي قضيّة بسيطة مِن أبسط القضايا، وقضيّة بديهيّة مِن أبدَه البديهيّات. وكذلك هو الحال في مسألة عِلم الغيب واطّلاع الإمام، وكذلك اطّلاع سائر الأفراد. فذلك ممّا نراه ونسمعه ونقرأ عنه في الكتب، ومواردها كثيرة.

  • هذا مجمل الكلام في الولاية التكوينيّة. وإن شاء الله، إن وفّقنا الله تعالى، فأنا بصدد تأليف رسالة بسيطة سأبسط وأشرح فيها قضيّة الولاية التكوينيّة، إن شاء الله، وذلك في ضمن شرح حديث عنوان البصريّ، إن شاء الله تعالى يوفّقنا لذلك.

  • السلام عليكم ورحمة الله بركاته

  • دليل آخر على عِلم غير الله تعالى بالغيب ودفع بعض الإشكالات حول ذلك

  • سماحة السيّد:۱ (...)٢ فإذا خرجتُ مِنَ النفس البشريّة لن أطلب مِنَ الله تعالى غير ما فيه رضى الله تعالى، فأطلب مِنَ الله تعالى هذا العيش وهذه الحياة البسيطة.

  • السائل: ولكن سيّدنا، هو لم يربط استكثار الخير بأن يكون مِن نوعهم، فلم يقل (لو كنتُ مثلكم لظننتُ أنّي لن أصل إلى الكمال)، بل قال (لو كنتُ أعلم الغيب).

  • سماحة السيّد: نعم، هذا ولكنّا نعلم بالبداهة أنّه يعلم الغيب، مثلًا، يقول أمير المؤمنين عليه السلام سلوني قبل أن تفقدوني فإنّي بطرق السماء أعلم منكم بطرق الأرض٣. فكيف نوفّق بين [قول أمير المؤمنين وبين الآية]؟ حسنًا، لو سألنا أمير المؤمنين عليه السلام: أأنت أعلى مِنَ النبيّ أو النبيّ أعلى منك، فماذا سيجيب؟ سيجيب أنّ النبيّ أعلى منه، [وبالتالي سيكون النبيّ أعلم مِن أمير المؤمنين في طرق السماء، فكأنّ النبيّ يقول] أنا أخبركم بكلّ شيء إلى يوم القيامة، وحينئذ كيف سيُوفّق بين هذا وبين الآية؟ هذا يعني أنّه مِن حيث أنّه بشر، فلو يُقْدره الله تعالى [على العلم بالغيب لاستكثر مِنَ الخير]، ومِن حيث أنّه نبيّ، فهو خارج عن هذه المسألة، إذ له علقة خاصّة وارتباط خاصّ حينئذ.

    1. الظاهر أنّ النقاش الآتي سيدور حوله قوله تعالى وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ (سورة الأعراف جزء مِنَ الآية ۱۸۸). (م)
    2. يوجد انقطاع في التسجيل الصوتيّ. (م)
    3. نهج البلاغة، تحقيق صالح، ص ٢۸۰. (م)

الرد على بعض الإشكالات حول الولاية التكوينية

13
  • السائل: يعني أنّ هناك (لو) ضمنيّة في الكلام، [فيصبح المعنى:] لو أنّني بشر وأعلم الغيب لاستكثرت ..

  • سماحة السيّد: نعم أحسنت، وتوجد روايات وهناك آيات أخرى، فمِن حيث الجمع بين هذه الآية والروايات وقوله تعالى وَلَكِنَّ الله يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ۱، نفهم أنّ [الله تعالى يُطلع على الغيب مَن يشاء، ويمنح هذه المرتبة لمِن ارتضى مِن عباده].

  • أحد الحضور: كما في قوله تعالى فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ٢.

  • سماحة السيّد: نعم، فهذه الآية صريحة [فيما نريد إثباته]. ونحن نفهم ذلك مِن هذه الآية.

  • السائل: حسنًا، ولكن هذه الآية، أعني إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ، هي محدّدة بالرسول، فكيف نفهم منها أنّها تشمل غير الرسول أيضًا؟

  • سماحة السيّد: الرسول يعني المبعوث من قِبل الله تعالى، والإمام مبعوث ومُرسل مِنَ الله تعالى، ولكنّه ليس له شريعةٌ خاصّة، إلّا أنّه مُلهمٌ مِن الله تعالى.

  • أحد الحضور: سيّدنا، هل يوجد مجال أن أسألك عن البورصة والشراء والتعامل بالأسهم.

  • سماحة السيّد إن شاء الله فيما بعد.

  • السائل: تقصدون أنّه بعد أن ترجعوا مِن بيروت؟

  • سماحة السيّد: نعم.

  • السائل: إن شاء الله، شكرًا سيّدنا.

  • القاعدة الأصوليّة في الأسانيد كليّة وسند روايات موضوعنا هنا في رتبة عالية مِنَ الوثاقة

  •  أحد الحضور: سيّدنا، إذا تسمحون، بالنسبة للولاية التكوينيّة وكذلك رواية عنوان البصريّ، قد يُقال بأنّ فيها نصوصًا صريحةً، ولكن قد يقول قائل [بأنّها مطلقةٌ]، وقد تقولون بأنّه يمكن [إثباتها] بالأحاديث والروايات، ولكن قد يقول القائل أنّه لا يقبل بها لأنّها أحاديث غير مسندة وغير صحيحة.٣

  • سماحة السيّد: إن لم نقبل بهذه الأحاديث مع كونها موثّقة، فلا بدّ أن نرفض جميع الأحاديث، مِن أحاديث العبادات وغيرها!

  • السائل: عفوًا، بالنسبة لأحاديث العبادات، فقد يُقال أنّ جملة مِنَ الروايات فيها صحيحة وجملة مِنَ الروايات غير صحيحة؟

  • سماحة السيّد: إنّ الروايات المعتمدة والموثّقة هي أحسن بمراتب مِنَ هذه الروايات، ومع أنّها متضادّة.

  • السائل: لدينا جملة منَ الأحاديث الّتي [تثبت] للأئمّة عليهم السلام [الولاية التكوينيّة وغيرها]، ولكن لا بدّ أن يكون لدينا بحثًا سنديًّا فيها، حتّى نردّ بها [على المنكرين والمشكّكين]؛ مثلًا كأن نأتي برواية صحيحة السند، كما في قضيّة الإمام علِيّ عليه السلام في (...) فإنّه لا يوجد نصّ فيها، ولكنّها [ثابتة] تاريخيًّا وروائيًّا، وكالروايات الّتي تبلغ حدّ التواتر، كما في حادثة الغدير. أمّا الروايات الّتي تتحدّث عن المعاجز وولاية الأئمّة وتصرّفات الأئمّة [الخارقة للعادة]، قد يأخذها البعض على نحو الاستهزاء ويقول إنّها مجرّد [كلام] في كُتب لا قيمة لها، والحال أنّكم تقولون أنّها موجودة في الكتب، ولكن هذا الأسلوب [بالمحاججة] لا يتقبّله الّذي يجمد على الأدلّة الدقيقة.٤

    1. سورة الرعد (۱٣)، جزء مِنَ الآية ۱۱.
    2. سورة الجنّ (۷٢)، ذيل الآية ٢٥ وصدر الآية ٢٦.
    3. بعض فقرات هذا السؤال غير مسموعة في الصوتيّة، فقِسم منها قدّرناه بناء على القدر الّذي استطعنا سماعه وما دلّ عليه السياق في هذه المناقشة؛ يمكنكم مراجعة الصوتيّة عند الدقيقة ٤۱:۰۰ تقريبًا. (م)
    4. نفس الملاحظة السابقة؛ يمكنكم مراجعة الصوتيّة عند الدقيقة ٤٢:۱۰ تقريبًا. (م)

الرد على بعض الإشكالات حول الولاية التكوينية

14
  • سماحة السيّد: إنّ الأدلّة الدقيقة المعتمدة، سواء بلحاظ الكتب أو رواياتنا، هي [عبارة عن] قانون كليّ أصولي [نطبّقه سواء] في الرواية وفي كلّ شيء آخر؛ فإذا كنّا نعتمد على الروايات الموثّقة، فيجب أن نعتمد على هذه الروايات [المشار إليها في السؤال]، أمّا إذا كانت الروايات موثّقة ومع ذلك نرفضها، فيجب علينا أن نرفض كلّ شيء؛ ونحن نرى أنّ في تلك الروايات ما هو أصحّ سندًا ووثاقة [وأكثر] اعتمادًا مِن [الروايات الواردة] في جميع العبادات والمعاملات، والّتي قد يكون في بعض عناوينها روايةٌ واحدةٌ. وتوجد روايات، إن لم نقُل أنّها قد وصلت حدّ التواتر، فهي حتمًا قد وصلت حدّ الكثرة وحدّ التظافر.

  • والمهمّ بالنسبة إلينا أنّه يجب أن لا تكون الرواية مخالفةً لنصّ القرآن، لنصّ القرآن، ونحن نرى أنّه ليس في القرآن آيةٌ تصرّح بامتناع الولاية التكوينيّة على الإمام عليه السلام (...)۱ ... وبالنسبة إلى التعارض بين الروايات وبين الكتاب [الكريم]، فالمهمّ هو أن تكون الآية مصرّحةً بأنّ ليس للإمام عليه السلام ولايةٌ تكوينيّة، في حين أنّ الرواية تدلّ على أنّ للإمام ولاية تكوينيّة. أمّا إذا كانت الآيات ساكتة عن هذا المعنى، بل تشير إلى ذلك، كما في قوله أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ٢، فقد فُسِّرت (وَأُولِي الْأَمْرِ) بالأئمّة عليهم السلام، فإنّ الله هو مَن أدرجهم في هذا، وقوله فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ٣، فقوله (وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) يُفسَّر بأمير المؤمنين عليه السلام، حتّى أنّ السُّنّة في كتبهم يفسّرون [هذا التفسير]؛ فعلى ذلك، نفهم أنّ (صَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) هو أمير المؤمنين عليه السلام، وأنّ لـ (أُولِي الْأَمْرِ) شأن خاصّ مِنَ الطاعة، حيث أنّ الله تعالى أدرج طاعتهم في جنب طاعة الرسول، وطاعة الرسول في جنب طاعة الله تعالى. فبهذا نفهم عرضيّة الأئمّة عليهم السلام للنبيّ في الطاعة. ثمّ ماذا تعني الطاعة؟ الطاعة تعني أنّ لهم شأنٌ خاصّ في مقام التشريع، لهم شأن خاصّ؛ على هذا، نحن نفهم مِنَ الآيات أنّ لله تعالى اهتمام بشأن الأئمّة عليهم السلام، بهذا الشكل، والروايات أصلًا تؤيّد هذا الاهتمام، والروايات تقول أنّ هذا الاهتمام إنّما هو لكونهم قد وصلوا إلى الولاية التكوينيّة. على هذا، فأيُّ رواية تنافي كتاب الله تعالى [في ذلك]؟! أيّ رواية؟!

    1. يوجد انقطاع في التسجيل الصوتيّ. (م)
    2. سورة النساء (٤)، جزء مِنَ الآية ٥٩.
    3. سورة التحريم (٦٦)، جزء مِنَ الآية ٤.

الرد على بعض الإشكالات حول الولاية التكوينية

15
  • السائل: لا توجد عندنا رواية تنافي ذلك، ولكن عندنا روايات [لم تصرّح بذلك].

  • سماحة السيّد: حسنًا، وإن لم تُصرّح! فالكثير مِن اعتقاداتنا، كما في المَعاد، إنّما فهمناها مِنَ الروايات وليست موجودةً في القرآن.

  • السائل: المقصود أنّه، حبذا لو تُطرح هذه الروايات وتُستعرض على أساس سندها الصحيح وكذا. مولانا لو تشرّفونا برسالة [بهذا الخصوص]، وحبّذا لو تستعرضون فيها نموذجًا أو نموذجين فقط مِنَ الروايات الصحيحة السند الّتي تدلّ على هذا الموضوع. فنحن مِن حيث المبدأ نؤمن بجميع هذه المواضيع، وإنّما ذلك هو ردٌّ على مَن يمكن أن يتمسّك بموضوع الروايات، فهُم عادةً عندما نتحدّث بهذه المسائل يقولون: أنتم طلّاب عِلم وحوزويّون، والحوزويّ لا بدّ أن يكون معه دليل، فأين دليلكم وأين الروايات وأين كذا؟ فهل يصح أن نقول لهم مثلًا قرأنا في الكتب كذا ثمّ صدق الله العظيم۱!

  • سماحة السيّد: ... إن شاء الله سأرسل لكم الروايات، فعندما ارجع إلى قم سأرسل لكم الروايات بالضبط مع أسانيدها الصحيحة، وهي أصلًا لا يمكن المناقشة فيها، لا مِن حيث السند ولا مِن حيث الدلالة.

  • السائل: استفدنا كثيرًا مِنَ الرسالة الّتي (...)٢ فقد كانت مهمّةً جدًّا، ولكن يبقى التحقيق السنديّ.

  • سماحة السيّد: أنا لم أتعرّض أصلًا للروايات [فيها].

  • السائل: نعم، أنتم تعرّضتم لأصل الموضوع.

  • سماحة السيّد: نعم، [تعرّضتُ] لأصل الموضوع.٣

    1. قوله (صدق الله العظيم) في هذا السياق الّذي استُعمل فيه، هو كناية عن الكلام التوقيفيّ الجامد الّذي لا يُسمح معه للنقاش والاستدلال والاستفهام والأخذ والردّ. (م)
    2. الصوت غير واضح. (م)
    3. تنويه: نلفت عناية القارئ الكريم أنّ هذه المحاضرات أُلقيت بشكل شفاهيّ وباللغة العربيّة، واقتصرت على تفهيم المستمع بأبسط الكلام، فلم يُلتفت كثيرًا إلى ضوابط اللغة، كما اشتملت على كلام عاميّ. ولذا عمدت اللجنة العلميّة بأمر مِن سماحة السيّد (قدّس الله سرّه) إلى إعادة تقويم الكلام وضبطه مِنَ الناحية اللغويّة، ومع ذلك آثرنا المحافظة على عبارة المحاضِر وترتيبها وبساطتها قدر الإمكان. كما تجدر الإشارة إلى أنّ العناوين الواردة هي مِنَ اللجنة.
      أمّا الرموز المستخدمة في المحاضرة فهي كالتالي: رمز الثلاث نقاط للكلام المحذوف، والرمز (...) للكلام غير الواضح وعند انقطاع الصوت، والرمز (م) لكلام المحقّق، والكلام المدرج في هذا [] فهو مِن وضع اللجنة لإتمام الجملة الناقصة بحسب ما يقتضيه السياق.
      ختامًا نلفت النظر إلى أنّ التسجيل الصوتيّ للمحاضرة متوفّر في الموقع لمَن يرغب الاستماع والمراجعة.
      (اللجنة العلميّة)