17

معيار قيمة العمل (2)

7523
مشاهدة المتن

المؤلّفالعلامة آیة الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني

القسممحاضرات العلامة الطهراني

المجموعةمباني الأخلاق

التاريخ 1397/10/01


التوضيح

أهم محتويات المحاضرة:
- خطبة عيد الفطر السعيد الأولى؛
- خطبة عيد الفطر السعيد الثانية.

/۱۰
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

معيار قيمة العمل (۲)

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • معيار قيمة العمل (٢)

  • مباني الأخلاق - المجلّس السابع عشر

  •  

  • محاضرات ألقاها 

  • سماحة العلّامة آية الله الحاجّ السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  • طهران، مسجد القائم، خطبة عيد الفطر السعيد سنة ۱٣٩۷ هـ . ق

  •  

  •  

معيار قيمة العمل (۲)

2
  •  

  • خطبة عيد الفطر السعيد الأولى

  •  

  • أعوذ بالله من الشَّيطان الرَّجيم

  • بسم الله الرّحمٰن الرّحیم

  •  

  •  

  • الحَمد لِلّه الواصلِ الحمدَ بالنِّعَم، والنِّعَمَ بالشُّكر. نَحمَده على آلائه كما نَحمَده على بلائه. ونَستَعينه على هذه النُّفوسِ البطاءِ عمّا أُمِرَت به، السِّراعِ إلى ما نُهيَت عنه. ونَستَغفره ممّا أحاطَ به علمُه و أحصاه کتابُه؛ علمٌ غیرُ قاصرٍ وکتابٌ غيرُ مُغادر. ونُؤمنُ به إيمانَ مَن عايَنَ الغيوبَ ووقَف علَی الموعود؛ إيمانًا نفى إخلاصُه الشِّركَ، ویقینُه الشَّك.

  • ونَشهَد أن لا إله إلّا الله وحدَه لا شريكَ له، إلٰهًا واحدًا أحدًا صمدًا فردًا حیًّا قيّومًا دائمًا أبدًا، و أنَّ محمّدًا صلَّی اللهُ علیه وآله وسلّم عبدُه ورسولُه، أرسَلَه بالهدى و دينِ الحقِّ ليُظهِرَه علَی الدّینِ کلِّه ولو كَرِهَ المُشرِكون؛ شهادتَين تُصعِدان القولَ وتَرفعانِ العملَ، لا يَخِفُّ میزانٌ تُوضَعانِ فیه ولا يَثقُل میزانٌ تُرفَعانِ عنه.

  • أُوصيكم عبادَ الله بتقوَى الله الَّتي هي الزّادُ وبها المعاذُ‍؛ زادٌ مُبلِّغٌ ومعاذٌ مُنجِح! دعا إليها أسمَعُ داعٍ ووعاها خیرُ واعٍ؛ فأسمَعَ داعیها وفازَ واعيها.۱

  • ﴿بِسۡمِ ٱللَهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ، قُلۡ هُوَ ٱللَهُ أَحَدٌ ، ٱللَهُ ٱلصَّمَدُ ، لَمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ ، وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ﴾.٢

  •  

  • خطبة عيد الفطر السعيد الثانية

  •  

  • بسم الله الرّحمٰن الرّحیم

  •  

  •  

  • قال اللَه في كتابه الكريم:

  • ﴿يَوۡمَ لَا يَنفَعُ مَالٞ وَلَا بَنُونَ ، إِلَّا مَنۡ أَتَى ٱللَهَ بِقَلۡبٖ سَلِيمٖ﴾٣

  • معيار قيمة العمل عند أهل الدنيا وعند الله

  • في هذه الدنيا التي نعيش فيها، كلّما كانت الأعمال التي نقوم بها والمهام التي نؤديها أهمّ من الناحية الظاهرية وكلّما كانت ملحوظةً وهيئتها الخارجيّة أكبر، كان ذلك العمل أهمّ في رأي النّاس! فمثلًا: إذا قام شخصٌ بأعمالٍ ضخمةٍ في هذه الدنيا، فبنى مسجدًا ومضيفًا للقوافل، وجاهد في سبيل الله، ودعى الجميع إلى الإفطار وأطعمهم في شهر رمضان، وراعى جميع الأيتام وكسى العريان، وأطعم جميع الفقراء وقام بأعمال مهمّةً، فهذه الأعمال بنظر أهل الدنيا هي أعمالٌ كبيرةٌ جديرةٌ بالثناء والمديح. وأمّا من ناحية الواقع ومن وجهة نظر الملائكة وأرواح الأنبياء ومن ناحية قبول هذه الأعمال عند الله، فذلك مرتبطٌ بروح العمل، أي: بالإخلاص والنيّة. فحتّى لو كان العمل كبيرًا، ولكن إذا لم يقم الإنسان بهذا العمل لوجه الله، فهو بمثابة جثةٍ ميّتةٍ ضخمةٍ؛ أمّا العمل الذي يقوم به الإنسان لوجه الله فمهما كان حجمه صغيرًا، فهذا العمل حيٌّ!

    1. .نهج البلاغة (صبحي الصالح)، ص ۱٦٩، الخطبة ۱۱٤، مع أدنى تفاوت.
    2. .سورة الإخلاص (۱۱٢).
    3. .سورة الشعراء (٢٦)، الآيتان ۸۸ و ۸٩.

معيار قيمة العمل (۲)

3
  • فهناك فرقٌ بين الجمل النافق والحيوان الصغير الحيّ من قبيل العصفور الحيّ؛ إذ مكان ذلك الجمل هو المزبلة، بينما مكان هذا العصفور الحيّ فوق الشجرة! إنّ الأعمال التي يقوم بها الإنسان تُقاس بناءً للنيّة والواقع؛ فإذا كان قصد الإنسان التقرّب إلى الله، ولم يقم بذلك العمل رياءً ولا لإبراز الذات أو من أجل الشهرة وكسب الصيت والسُمعة، فسيقبلون عمله، وإلّا فإنّه يُردُّ ولا يقبل حتّى لو كان كبيرًا!

  • يروي حبّة العُرَني عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنَّه قال:

  • «لَو صُمتَ دَهرَك وقُمتَ لَيلَك وقُتِلتَ بینَ الرُّكنِ والمَقامِ، بَعَثَك اللَهُ مع هَواك، بالغًا ما بَلَغَ؛ إنْ في الجَنّة فَفِي الجَنّة، وإنْ في النّارِ فَفِي النّار».۱

  • يعني: «لو أنّك قضيت جميع أيّامك صائمًا، وأحييتَ الليالي بالصلاة والعبادة، وقتلت بين الركن (الحجر الاسود) ومقام إبراهيم، فإنَّ الله سيبعثك في يوم القيامة مع نيّتك ورغباتك وهواك، بالغًا ما بلغ؛ فإذا كانت نيتك وهواك نحو الجنّة فستكون في الجنّة، وإذا كانت من أجل التفاخر ولجهنّم فستكون في جهنّم!».

  • وقال أمير المؤمنين عليه السّلام عن الذين ارتحلوا عن هذه الدنيا:

  • «إنَّ المَرءَ إذا هَلَكَ، قال النّاسُ: «ما تَرَك؟» وقالَتِ المَلائكةُ: «ما قَدَّمَ»؟.٢

  • لأنَّ رأي أهل الدنيا مبنيٌّ على هذه التعيّنات، لذا يسألون عمّا ترك من الأولاد والأعمال والشأن والمال والاعتبار؟ ولكن بما أنَّ الملائكة تنظر إلى الواقع، فإنّهم يسألون: «ماذا جلبت لنا من الأعمال التي تنفعك هنا؟». فمهما ترك الإنسان في هذه الدنيا من الكثرات والعشيرة والناصرين والأعوان والأموال، فلن تنفعه شيئًا وستكون قيمتها هناك صفر ما لم تكن لوجه الله!

  • معنى القلب السليم

  • يروي سُفيان بن عُیينة عن الإمام الصادق عليه السّلام:

  • سألتُه: ما المراد من القلب السليم في هذه الآية المباركة التي تقول: ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾؟

  • فقال الإمام عليه السلام: «القلبُ السَّليمُ الَّذي يَلقى ربَّهُ ولیسَ أحدٌ فیه سِواه! وکلُّ قلبٍ فیه شكٌّ أو شركٌ فهو ساقطٌ! وإنّما أُمِروا بالزُّهدِ في الدُّنیا لتفرُغَ قُلوبهم في الآخِرة».٣

  • فالقلب السليم هو ذلك القلب الذي يكون خاليًا من كلّ ما سوى الله عندما يُلاقيه! وكلّ قلب يحتوي على الشكّ والشرك، فإنَّه ساقطٌ عن الاعتبار وقلبٌ كهذا هو قلبٌ مريضٌ ومعيبٌ ولا يقوده نحو الله!

    1. .الغارات، ج ٢، ص ٥٥۸.
    2. .نهج البلاغة (عبده)، ج ۱، ص ٤۱۸.
    3. .الكافي، ج ٢، ص ۱٦.

معيار قيمة العمل (۲)

4
  • وإنّما دُعيَ النّاس في الدنيا إلى الزهد في الدنيا وعدم الرغبة بها لكي تكون قلوبهم سليمةً في الآخرة.

  • إنّ قلب الإنسان لا يسع اثنان، قال تعالى:

  • ﴿مَّا جَعَلَ ٱللَهُ لِرَجُلٖ مِّن قَلۡبَيۡنِ فِي جَوۡفِهِ﴾.۱

  • ولا يستطيع الإنسان أن يسير في طريق التوحيد بقلبين! فإذا امتلأ قلب الإنسان بمحبّة الدنيا، واحتل قلب الإنسان التكبّر والسمعة والشهرة والمال وسائر أصناف المحبّة الفانية، فلن يمتلك هذا القلب السعة لنور الله بعد ذلك؛ فيمضي العمر، ولا يقتصر الأمر على أن يرحل الإنسان من الدنيا وهو خال الوفاض وحسب، بل يرحل بقلبٍ ملوّثٍ مريضٍ، وآنذاك تُصبح عاقبته وخيمة.

  • معنى الرياء في العبادة

  • الرياء في العبادات وفي أي عمل يُبطل ذلك العمل. الرياء في العبادات مثل الربا في المعاملات؛ فإذا دخل الربا لو بمثقال حبّة قمحٍ في مال الإنسان فإنَّه يُفسد جميع أموال الإنسان ويلوّثها ويحرقها جميعًا؛ وهذا الأمر ينطبق على الرياء في العبادات. وورد في الروايات: «إذا رآى الإنسان في عباداته بطلت جميع عبادته!»٢

  • وليس معنى الربا في العبادة أن يحمل الإنسان مكبّرَ الصوت ويتّجه إلى المسجد ويقول: «أيّها النّاس، تعالوا وشاهدوني، أريد أن أصلي!»، بل كلّ عملٍ يقوم به الإنسان يُريد أن يُظهر نفسه فيه، فهو رياء. مثلًا: إذا ارتدى ملابس جديدة، وأراد أن يظهرها، فهذا رياء؛ وإذا كبّر بصوتٍ مرتفعٍ ليُفهم الآخرين أنَّني «كبّرتُ بصوتٍ مرتفع» فهذا رياء؛ وإذا قام بتوزيع الشاي في المسجد، وكان مراده: «أنا أوزّع، وأنت لا توزّع»، فهذا رياء؛ فإذا كان هناك شخصٌ يؤذّن عادةً في المسجد ولكن إذا قام شخصٌ آخر وأذّن فإنَّه يتأثر، فهذا رياء؛ وإذا أعدّ شخصٌ مجلسًا لسيّد الشّهداء وكان مراده: «أنا أقوم بهذا العمل!» وإذا قيل له: «اذهب واجلس كي يعدّ (المجلس) شخصٌ غيرك»، فإنَّه يتأثّر، فهذا رياءٌ! وهو يُشعل النار في جميع أعمال الإنسان بلا أدنى شكٍّ! على الإنسان أن يعمل العمل لوجه الله!

  • قيمة عمل الإنسان على أساس نيته

  • ينقل ابن أبي الجمهور الأحسائي في كتاب غوالي اللآلي والمرحوم الشيخ زين الديّن الشهيد الثاني في منية المريد وكذلك العلامة المجلسي عنهما روايةً عجيبةً عن الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله:

    1. .سورة الأحزاب (٣٣)، الآیة ٤.
    2. .تفسير القمي، ج ٢، ص ٤۷.

معيار قيمة العمل (۲)

5
  • إنّما الأعمالُ بالنّیّاتِ وإنّما لكلِّ امرئٍ ما نوَى؛ فمن کانت هجرتُه إلَی الله ورسولِه کانت هجرتُه إلَی اللَهِ ورسولِه، ومن کانت هجرتُه إلى غنيمةٍ يأخذها أو امرأةٍ ينكحُها فهجرتُه إلیٰ ما هاجر إليه!۱

  • فأعمال الإنسان تتوقّف على النية، وما يبقى لكل إنسان هو نيّته، فكل شخصٍ يُهاجر، ويخرج من بيته ومن حياته إلى الله ورسوله، فإنَّ هجرته إلى الله ورسوله؛ ولو خرج شخصٌ من بيته (حتى لو كان مع النبيّ والإمام وكان في طريق الجهاد)، ولكن كان مراده من هذه الهجرة أن يكتسب غنيمة ويغتنم الأموال أو أن يستحوذ على امرأة ينكحها، فإنَّ هجرته هو هذا الشيء!

  • يعني: عندما تكون نيّته ومقصوده وهدفه هو المرأة والعبيد أو المال الذي يكسبه كغنيمة، فإذن هذا هو عمله! وإذا مات في ذلك السبيل، فسوف يُحشر مع محبوبه؛ فإذا أحبّ شخصٌ الدنيا، فسوف يُحشر يوم القيامة مع هذه المحبّة؛ وإذا أحبّ الرجل امرأةً زانيةً فسوف يُحشر يوم القيامة معها.

  • «مَن أحَبَّ حَجَرًا حشَرهُ الله معه»٢

  • وإذا أحبّ شخصٌ اللهَ والنبيَّ، فيجب عليه أن يتصرّف طبقًا لمرامهم وأن لا يُظهر سليقته ولا يُبرز نفسه، بل يُنقّي عمله ويُزكّيه ويسعى أن يُقرّب نفسه إلى هذا المعيار والميزان، كي يقترب من ميزان الأعمال وهو أمير المؤمنين عليه السلام؛ وإلّا فإنَّ الإنسان يبتلى، حيث سيُبتلى الآن وسيبتلى لاحقًا أيضًا!

  • لزوم التواضع لله

  • إنّ محمّد بن مسلم واحدٌ من الأصحاب الكبار للإمام جعفر الصادق والإمام محمّد الباقر عليهما السلام، وقلّما نعثر على أمثاله وأمثال زرارة بين الرواة، وأمّا من ناحية صحّة الرواية والاطلاع على خصوصيّات الأخبار فهذان العظيمان يُعدّان فريدان من بين الأصحاب. «و کان مِنَ الأشرافِ، ورجُلًا شریفًا کریمًا» فكان من العظماء والمتموّلين ومن كرماء القوم! أي أنّه كان معروفًا بالتشخّص والنبل. يقول محمّد بن مسلم:

  • في أحد الأيّام، سألتُ الإمام الصادق عليه السّلام: يا ابن رسول الله، مضت مُدّةٌ من عمري ولم أصل إلى أي مكان (أي: لم ينكشف لنا شيئًا من المعارف الإلهيّة أو الحقائق)! وقد حضرنا بين يديك وأكثرنا من الذهاب والإياب، واستفدنا منك، ونقلنا العديد من الروايات عنك؛ ولكنّنا لم نصل إلى ما نطمح إليه من الناحية الباطنيّة!

    1. .عوالي اللئالي، ج ۱، ص ۸۱؛ منية المريد، ص ۱٣٢؛ بحار الأنوار، ج ٦۷، ص ٢۱۱.
    2. .الأمالي، الشيخ صدوق، ص ۱٢٩ و ٢۰٩.

معيار قيمة العمل (۲)

6
  • فقال الإمام: «يا محمّد، تَواضَعْ لِلَّه!».

  • أي اخفض من نفسك! وقد أدرك جيّدًا هذا الرجل النبيل والكريم وهو رئيس القوم وشيخ العشيرة، مراد الإمام ذاك؟ إذ بين النّاس وخاصّة بين العرب، كبير القوم يجب أن يقوم بالأعمال الكبيرة والمهمّة، وأمّا الأعمال الصغيرة فهي وضيعة وحقيرة بالنسبة إليه؛ إلّا أنّ كلام الإمام تجلّى له وتربع على عرش قلبه.

  • وفي صباح اليوم التالي، حمل سلّة تمر وميزان وجلس أمام مدخل مسجد الكوفة، «فجَعَلَ يُنادي» نادى باستمرار: «تمر، تمر! أيّها الناس تعالوا واشتروا التمر!»، فحضر النّاس واشتروا منه والتفتوا إلى بعضهم البعض: «أليس الجالس هنا هو محمّد بن مسلم؟! وهو شيخ العشيرة وشريف القوم، فلماذا يبيع التمر؟!»، فكانوا يأتون ويذهبون باستمرارٍ، ويذمّونه، وهو لم يعتنِ بكلامهم، وكان مشغولًا ببيع تمره.

  • وما إن فرغت سلّته، حضر إلى الإمام وقال: «يا ابن رسول الله، انتهت مهمتي ووصلت لما أريد الوصول إليه!» فحضر قومه وعشيرته وقالوا: «الآن وقد انتهت مهمتك، اختر عملًا آخر!»، فقال: «أنا لن اختار أعمالي السابقة بعد الآن!»، فاعتمر قبّعةً، وحمل مطحنةً وجلس بين الطحّانين وانشغل إلى آخر عمره بالطحن.۱

  • فهذه هي كلمة الحقّ التي تستقرّ في القلب وتبدل المسار فورًا، وعندما يتبدّل المسار يحضر الله!

  • وأمّا يقولونه من أنّ «الدنيا نقد، والآخرة ليست بنقد» فهو كلام خاطئ! إذ الدنيا هي النسيئة والآخرة هي النقد؛ بل الدنيا ليست نسيئةً حتّى، بل هي باطلٌ! الدنيا تعني: شهوات الدنيا، الدنيا تعني: الهدر، الدنيا تعني: أداء الأعمال بدافع الإحساسات والدوّس على العقل تحت الأقدام، الدنيا تعني: الإنصات لكلام زيدٍ وعمروٍ وضياع الوجدان والواقعيّة، الدنيا تعني: الحياة في عالم التخيّل والوهم؛ هذا ما يُطلق عليه الدنيا، وهي باطلٌ، أمّا الله والآخرة فحاضرٌ.

  • ولو أثرّ كلام الإمام في قلب محمّد بن مسلم أكثر من هذا الأثر، لانتهى الأمر هناك في محضر الإمام ولما كان مُحتاجًا لأن يُمضي الليل ويأتي في الغد حاملًا الدلّة وسلّة التمر والميزان وينادي إلى جوار مسجد الكوفة ويبيع التمر؛ بل لكان انتهى أمره في تلك اللحظة!

    1. .الإختصاص، ص ٥۱.

معيار قيمة العمل (۲)

7
  • إنَّ آيات القرآن التي تُتلى علينا هي كلام الوحي، وهي إبلاغٌ لرسالات الله إلينا.

  • جزاء الأعمال على أساس هدف الإنسان وقصده

  • يقول أمير المؤمنين عليه السّلام:

  • التقوى (يعني: الطهارة والمصونيّة والدخول في العصمة للخروج من هوى النفس) خير زادٍ يوصل الإنسان؛ دَعا إليها أسمَعُ داعٍ ووَعاها خَیرُ واعٍ.۱

  • إنّ النبيّ الأكرم، خاتم الأنبياء والمُرسلين وجميع الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين تحت إمرته، ينادي في القرآن المجيد بواسطة الوحي الإلهي: ﴿ٱتَّقُواْ ٱللَهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ﴾؛٢ لقد وضع الله العليّ الأعلى في باطنكم ميزانًا؛ وأي عمل تريدون أن تفعلوه، فزنوه بميزان الباطن وبكتاب الله وسنّة النبيّ!

  • ففي العصر الحاضر، العلم أصبح جليّاً، ولا يمكن لأحد أن يتعذر ويقول: «لم أعلم، لم أفهم، لم يكن الكتاب بين يدي، لم يكن هناك من يجيب سؤالي، أنا أعيش خلف الجبل، أنا مستضعف و...» فهذا الكلام غير مقبول!

  • فطالما كان الإنسان إنسانًا، فعليه أن يقوم بالأعمال الإنسانيّة؛ أمّا إذا قام بأعمال هي ما دون درجته الإنسانيّة، فقد باع نفسه بثمنٍ بخس وسيحاسبونه! على الإنسان أن يفعل الأعمال الإنسانيّة، لا أن يقوم بأفعال الحيوان، وأمّا إذا ارتكب أفعال حيوان فقد عامل نفسه كحيوان ولن يكون مع البشر يوم القيامة. على الإنسان أن يرتقي بنفسه إلى سطح الإنسانيّة؛ سطح الإنسانيّة عالٍ وشريفٌ وعزيزٌ إلى درجة أنَّ الله العليّ الأعلى يفاوض بنفسه مقابل الإنسان! أيّ أنّه يقول: إنَّ مقام الإنسان عالٍ بحيث إذا أراد أن يبادل نفسه بالجنّة وحور العين، فهذا يعتبر قليلًا في حقّه؛ أو إذا أراد أن يُبادل نفسه بجميع الجنان، فهذا يُعد قليلًا؛ على الإنسان أن يتفاوض معي:

  • ﴿إِنَّ ٱللَهَ ٱشۡتَرَىٰ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَنفُسَهُمۡ وَأَمۡوَٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلۡجَنَّةَ﴾٣

  • فتلك الروح والمال ستكون مقابل الهدف الذي يُحدّده وعندها يُمنح نفس تلك الجنّة؛ فإذا كان هدفه جَنّة اللِّقاء، وقدّم الإنسان الروح والمال من أجل لقاء الله، فسوف يكون لقاء الله من نصيبه؛ يعني: نفس الله عزّ وجلّ اشترى الإنسان، ووضع نفسه ثمنًا لهذه المعاملة. وفي هذه الحالة، أصبح الإنسان هو البائع، والله المشتري! والمَبيع والمُثمَن والشيء الذي تمّ بيعه هو ماله ونفسه، وفي المقابل ذلك الأمر الذي سيكون ثمنًا هو الجنّة؛ وتلك الجنّة ستكون على أساس إخلاص النوايا، فتختلف الدرجات. 

    1. .نهج البلاغة (صبحي الصالح)، ص ۱٦٩، الخطبة ۱۱٤.
    2. .سورة آل‌عمران (٣)، الآیة ۱۰٢.
    3. .سورة التوبة (٩)، الآیة ۱۱۱.

معيار قيمة العمل (۲)

8
  • نسأل الله العليّ الأعلى ببركات أمير المؤمنين عليه السلام ـ الذي يُختم هذا الشهر باسمه ـ التوفيق والصحّة والسلامة والإيمان والتسليم، وبقدر ما وفقنا لتأدية العبادات، أن يقبل صاحب الولاية إمام الزمان عجّل الله تعالى فرجه الشّريف هذه الأعمال اليسيرة إن شاء الله! ونطلب من الإمام أن يسأل الله أن يجعل أعمالنا أكثر حيويّة وذات روح أكثر!

  • ضرورة شكر نعمة الهداية والتوفيقات الإلهيّة

  • اللَهمّ ما عَرّفتَنا منَ الحقِّ فحَمِّلناهُ، وما قَصُرنا عنه فبَلِّغناه! ۱

  • فعلى الإنسان أن يداوم الشكر على الحال والتوفيق الحاصل له! فهذا التوفيق لا يحصل لجميع الأفراد! وكم هناك من الأفراد الذين يمتلكون الملايين من الثروة، ويتمنّون أن يحضروا ولو لخمس دقائق إلى المسجد فيجلسون فارغي البال يتعبّدون أو يستمعون أو يتكلمون، إلّا أنَّ أقدامهم لا تعبر أمام المسجد ولا يستطيعون الحضور؛ لأنَّ تلك النفس الأمّارة وتلك الخاطرات وذلك البعد والتسارع الذي اختارته نفوسهم، قطعت الطريق أمامهم! فإذن لو أردنا أن نشكر الله على نفس هذا المقدار الذي وفقنا الله إليه

  • من الآن إلى يوم القيامة فلن نستطيع أن نُؤدّي حقّ الشكر؛ فنشكره على ذلك المقدار الذي منحنا إيّاه، كما أنّ مقدار المطالب والمعارف والدرجات التي لم يمنحنا إيّاها كثيرةٌ جدًا!

  • وجوب الوصول إلى أعلى درجات القرب الإلهي بسبب وجود قابليّة ذلك لدى كافة المكلّفين

  • على كلّ إنسان أن يطوي هذه الدرجات، وجميعنا مكلف بهذا التكليف! فلو لم تكن لدينا القابليّة، لما كلّفونا؛ لأنّ التكليف في هذه الحالة، سيكون عبثًا ولغوًا. مثلًا: أنتَ لا تستطيع أن تقول لحيوانٍ ما: «تناول حساء الفسنجون!٢» أو أن تضع طعامًا شهيًا أمام الحمار وتقول له: «كل!» فهذا التكليف خاطئ؛ لأنَّه يمتلك غِذاءً خاصًا به وهو العلف، ولا تستطيعون أن تفهموا خروفًا حكمة ما؛ لأنَّ فكره وعقله لا يمتلك القدرة والسعة للإدراك؛ ولكنّ الإنسان يمتلك القدرة والسعة ويستطيع أن يُدرك عمق هذه المعاني، وإذا تهاون فهو تقصير منه.

  • فإذن يجب أن نضع قدمًا ثابتةً في الطريق، وأن نطلب من الله التوفيق، ونسأل أولياء الدين وأئمّة الدين، بالأخصّ إمام الزمان صاحب مقام الولاية أن يمدّنا بالمدد الغيبي؛ وعلى الإنسان أن يسعى لأن يصل إلى مرحلة الإنسانيّة!

    1. .تهذیب الأحكام، ج ٣، ص ۱۱۱، منتخب من دعاء الإفتتاح.
    2. .طبق إيراني مشهور يُعدّ من الدجاج والجوز. (م)

معيار قيمة العمل (۲)

9
  • العلاقة بين حقيقة الولاية وعيد الفطر

  • في هذا اليوم المختصّ بإمام الزمان:

  • [أسألُك بحقِّ هذا الیَوم] الذي جعَلتَه للمسلمينَ عيدًا ولمحمّدٍ صلَّی الله علیه وآله (لأنّهم حاملي لواء هذا الطريق وراية الحمد بأيديهم، ومقام الشفاعة ـ الجذب والانجذاب ـ بيدهم؛ وكلّ من ينجذب في هذه الدنيا ويتّجه إليهم، فإنَّهم قد انجذبوا بقوّة الولاية تلك) ذُخرًا وشرَفًا وكرامةً ومَزيدًا (وقد اختّصهم الله بها).

  • وأوّل دعوانا

  • أن تُصَلّي علیٰ محمّدٍ وآلِ محمّدٍ! (صلاة لا حدّ لها).

  • يعني: في تلك العوالم لا يتناهى مقام السير، إلى حيث لا تصل أفكارنا ولا يدرك قلبنا، فهم في حالةٍ دائمةٍ من الترقي والتعالي في تلك العوالم، فزدهم سيرًا في سيرهم العرضي في أسمائك وفي جمالك، واجعل لهم حظّاً ونصيبًا في تلك العوالم! وهذه هي الصلاة التي يصليها الله عليهم!

  • السعادة الأبديّة هي باتباع محمّد وآل محمّد

  • وأن تُدخلَني في کلِّ خيرٍ أدخَلتَ فیه محمّدًا وآلَ محمّدٍ!.

  • وأن تُخرِجَني من کلِّ سوءٍ أخرَجتَ منه محمّدًا وآلَ محمّدٍ!۱يعني: أسألك أن تخرجني من كلّ سوءٍ وشرٍّ أخرجت منه محمّدًا وآل محمّد، وطهرتهم منه، فطهرت قلوبهم من الرجس ونجاسة محبّة سواك، فطهرّنا ببركتهم!».

  • واقعًا كم هي عظيمةٌ هاتين الفقرتين من الدعاء! فعندما يدعو الإنسان بهذين الدعائين، لا يحتاج لأن يدعو بأي دعاءٍ آخر بعد ذلك! ولذلك نحن ندعو هذا الدعاء في قنوت صلاة العيد:

  • نسألك أوّلًا أن تصلي على محمّد وآل محمّد، وأن تدخلنا في كلّ خير أدخلتهم فيه، وتخرجنا من كلّ سوءٍ أخرجتهم منه!٢

  • وانتهى الأمر؛ فإذن أدخلنا أيضًا في كلّ خيرٍ أدخلتهم فيه، وأخرجنا من كلّ سوءٍ أخرجتهم منه! فنكون جلساءهم!

  • وطبقًا لآيات القرآن ـ التي تمّ التذكير ببعضها في شهر رمضان ـ٣ فالشيعة يُلحقون بهم في يوم القيامة، ويذهبون معهم إلى الجنّة.٤ وروايات الإلحاق هذه عجيبةٌ جدًا؛ ٥ تقول: «نحن الشيعة ألقينا بعبئنا عليهم؛ لأنّنا بحثنا في الدنيا ولم نعثر على غيرهم إلى هذا الحدّ من الطهارة، ومتصلًا بعالم الملكوت ويمتلك سعةً واسعةً إلى هذا المقدار!».

  • وقد ورد في الدعاء الذي نقرأه بعد زيارة سيّد الشّهداء عليه السّلام فوق رأس الإمام،٦ وفي بعض الأدعية الأخرى وبعض الزيارات الجامعة وفي ختام الزيارة الجامعة هذا المفاد:

    1. .الإقبال بالأعمال الحسنة، ج ۱، ص ٤٩٥.
    2. .لمزيد من الاطلاع راجع:معرفة المعاد، ج٩، ص ۱۸٢ ـ ۱۸٥.
    3. .لمزيد من الاطلاع راجع: معرفة المعاد، ج ٩، ص ۱٤٤ ـ ۱٩٥، المجلس ٦٣.
    4. .لمزيد من الاطلاع، راجع: معرفة المعاد، ج ٢، ص ٦٢ ـ ۱۰۱، ج ٤، ص ۸٢ ـ ۸٦، ج ٩، ص ۱۷٢ ـ ۱٩٥.
    5. .لمزيد من الاطلاع على هذه الروايات راجع: معرفة المعاد، ج ٩، ص ۱۸٥ ـ ۱٩٤.
    6. .بحار الأنوار، ج ٩۸، ص ٢٢٦.

معيار قيمة العمل (۲)

10
  • اللَّهُمَّ إِنِّي لَوْ وَجَدْتُ شُفَعَاءَ أَقْرَبَ إِلَيْكَ مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ الْأَخْيَارِ- الْأَئِمَّةِ الْأَبْرَارِ لَجَعَلْتُهُمْ شُفَعَائِي!۱

  • ولكنّني بحثتُ ولم أجد، ولا نعرف أحدًا مثلهم في أيّ مجموعةٍ من الناس، وأصلًا لا يوجد أحدٌ مثلهم! لا أنّنا نريد أن نطرح عقولنا أرضًا، وأن نتصرّف عن تقليدٍ أو تحكّمٍ؛ ليس الأمر كذلك! ولذلك، نسألك اللهم أن تُلحقنا بهم!

  • ولكن دعونا لا نفعل ما يجعل ثقلنا على أعتاقهم كبيرًا! أنتم تعلمون أنَّه إذا مرض طفلٌ في بيتٍ من البيوت، فإنَّ والديه يعانيان أكثر ممّا يعانيه نفس المريض من مرضه. إنّ الأبّ ليس بمريض، ولا الأمّ مريضةٌ؛ إلّا أنّ الطفل المريض ينام بينما لا يغفو أبواه! فإنَّ مرض الطفل يُلقى على كاهل الأبّ. فإذا مرض طفلان، فسوف يكون الحمل مضاعفًا؛ وإذا كانوا ثلاثة فثلاثة أضعاف؛ وإذا عشرة، فعشرة أضعاف! إنَّ حمل هذه الأمّة يقع على عاتق إمام الزمان، وكلّ معصيةٍ أو خطأ نرتكبه، يجعل الإمام يتأثّر مع أنَّه يتحمّل العبء! ولأنَّه وعدنا من خلال الولايّة والمحبّة أنَّه سيدخلنا إلى الجنّة في يوم القيامة. 

  • ولكن يجب أن لا نفعل ما يؤدّي إلى خجلنا! فمن المُخجل جدًا أن يلقى الإنسان صاحب الزمان أو سيّد الشّهداء عليهما السّلام، أو مثلًا يُحضر الإمام طفله الرضيع ويقول: «أيّتها الأمّة، لقد قدّمتُ هذا الطفل الرضيع من أجلكم، ولكن إلى هذا الحدّ لم تكونوا حاضرين لأن تنفّذوا ما طلبناه منكم؟!».

  • نسأل الله أن يُنوّر قلوبنا بنور اليقين ببركتهم إن شاء الله!

  •  

  • اللَهمّ صلّ على محمّدٍ وآلِ محمّد

    1. . من لا يحضره الفقيه، ج ٢، ص ٦۱۷.