2

تفسير آية: إن تنصروا الله ينصركم و يثبّت أقدامكم

والإجابة على مجموعة مِنَ الأسئلة

10035
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمجبل عامل

المجموعةمتنوع

جلسات المجموعة(4 جلسة)

التوضيح

تحدّث آية الله سماحة السيّد محمّد محسن (قدّس الله سرّه) في هذه المحاضرة حول معنى النصرة في قوله تعالى إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ؛ مبيّنًا أنّ أعمالنا يجب أن تتمحور حول التقرّب إلى الله عزّ وجلّ لنحظى بنصرته. موضّحًا كيف كانت ضربة أمير المؤمنين يوم الخندق تجسيدًا لنصرة الله ومساويةً لعبادة الثقلين. ثمّ بيَّن أن الإمام لا يفرّق بين ابنه وبين الأعداء في الهداية، لأنّ قلبه مفرّغٌ لله تعالى. ثمّ تحدّث حول مسألة الظهور الّتي هي بمثابة تهيئة استعداداتنا للكمال، مؤكّدًا على أهميّة إصلاح النفس ومراقبتها لتحظى بظهور الإمام في قلوبنا وإن كان غائبا بجسده، مشيرًا إلى ولاية الإمام التكوينيّة في ظهوره وغيبته. ثمّ بيّن معنى أن تكون عبادة العارف الواصل حاضرة ومتحقّقة في ذاته.

/۱۱
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد الصوت

تفسير آية: إن تنصروا الله ينصركم و يثبّت أقدامكم - والإجابة على مجموعة مِنَ الأسئلة

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • تفسير آية إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ

  • والإجابة على مجموعة مِنَ الأسئلة

  •  

  • محاضرة ألقاها

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  •  

تفسير آية: إن تنصروا الله ينصركم و يثبّت أقدامكم - والإجابة على مجموعة مِنَ الأسئلة

2
  •  

  •  

  • أعوذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم

  • بسم الله الرحمن الرحيم

  • وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمّد

  • (اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد)

  • وعلى آله الطيّبين الطاهرين

  • واللعنة على أعدائهم أجمعين

  •  

  •  

  • بسم الله الرحمن الرحيم، قال الله في كتابه إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ۱.

  • بداية نهنِّئ الإخوان والأصدقاء وأنفسنا والأمّة جميعًا على انسحاب العدّو مِنَ الأراضي الإسلاميّة وفراره، بفضل مساعدات وبذل الجهود مِن قِبَل الإخوان والشباب المسلم في المنطقة، وهذا مِن مِنَن الله علينا وعلى الأمّة جميعًا.

  • ما هو معنى (نُصرة الله) وما هو الإخلاص في العمل

  • الآية تشير إلى مسألة مهمّة، يقول إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ، فما معنى هذه الآية؟ وما معنى نصرة الله؟ وهل الله تعالى بحاجة إلى انتصارنا ونصرتنا؟ نحن نعلم بالبداهة والوجدان أنّ النصر مِنَ الله تعالى، كما تصرّح الآية وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ٢ أو الآيات إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا٣.

  • إنّ معنى تلك الآية، أنّه عندنا أحكامٌ وقوانين وملاكات دينيّة وشرعيّة، فلا بدّ مِنَ الامتثال لهذه الملاكات واتّباع القوانين الشرعيّة والأخلاقيّة في المجتمع. وإذا قام الإنسان بواجبه وتكليفه بإحراز هذه المسائل، فكأنّه ينصر الله تعالى. وإنّ اتّباع هذه القوانين والأحكام، وإنّ حقيقة نصرة الله تعالى وانتصار الله، هي عبارة عن انتصار الدين وانتصار الشرع، والشرع والدين عبارة عن مجموعة القوانين والأحكام المتداولة؛ كما في قول الله مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ٤، فالله تعالى ليس بحاجة إلى أن يأخذ مِن أموالنا وأن يصرف الأموال، لأنّه مجرّد مِن كلّ شيءٍ ومنزّه عن الشوائب الماديّة والطبيعيّة، كما ورد في الروايات أنّه: مَن يُقرض فقيرًا ومؤمنًا ومحتاجًا للاقتراض، فكأنّما يُقرض الله تعالى٥. حتّى أنّه ذُكر في الروايات: أنّ الشخص الّذي يُقرض فقيرًا، فلا بدّ أن يقبِّل يديه٦، لأنّه يكون قد أعطى ودفع هذا المال إلى الله تعالى، فتكون هذه اليد مباركة بهذا الإيثار والإنفاق. فالمعنى أنّه، إذا حُذفت الجزئيات وحُذفت المسائل الشخصيّة والعرضيّة، لن يبقى في البَين شيء سوى الله تعالى؛ يعني أنّ الإنسان إذا دفع هذا المال إلى الفقير، ولم يكن في نيّته وفي خاطره سوى التقرّب إلى الله تعالى وإخراج هذا الشخص مِنَ الحاجة وإخراج هذا الفقير مِنَ الفقر ورفع حوائجه وقضائها، يكون بذلك متجهًا – واقعًا – إلى الله تعالى. فلا بدّ أن نرفع ونطرح هذه المميّزات الفرديّة، كما هو الحال في إيثارنا وإنفاقنا، حيث لا نميّز بين هذا الفقير وبين ذاك الفقير، إذ المقصود مِنَ الإعطاء ودفع الأموال إلى الفقير هو قضاء حاجة المؤمن ورفع حاجته، سواء كان هذا المؤمن مِن أقربائنا أو أصدقائنا أو كان شخصًا آخر. فالمقصود مِن هذا الأمر هو التقرّب إلى الله تعالى والقيام بالواجب والتكليف، فلا يكون في البَين إلّا الله تعالى. هذا هو معنى مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا.

    1. سورة محمّد، جزء مِنَ الآية ۷.
    2. سورة آل عمران، جزء مِنَ الآية ۱٢٦.
    3. سورة النصر.
    4. سورة الحديد، الآية ۱۱.
    5. راجع بحار الأنوار، الشيخ المجلسي، طبعة دار إحياء التراث العربي، ج۱۰۰، ص۱٣۸، باب (ثواب القرض وذم مَن منعه عن المحتاجين). (م).
    6. راجع وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، طبعة آل البيت، ج٩، ص٤٣٣، باب (استحباب تقبيل الإنسان يده بعد الصدقة وتقبيل ما تصدّق به). (م)

تفسير آية: إن تنصروا الله ينصركم و يثبّت أقدامكم - والإجابة على مجموعة مِنَ الأسئلة

3
  • هذا ما نقوله في آية إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ، يعني أنّ المسلم، لا بدَّ أن يكون في أعماله وأفعاله أمرٌ خاصٌ، يكون هو المحور لجميع أعماله وأفعاله، وهو التقرّب إلى الله تعالى بدون أيِّ شيءٍ آخر؛ فالمقصود والمنظور إليه في صلة الرحم [مثلًا]، أن لا يكون رياءً ولأسباب مادّية. والمسلم لا بدَّ أن يقصد مِن إيثاره بالأموال وإنفاقه على الفقراء، وأن لا يكون همّه في ذلك سوى الله تعالى ورفع حوائج الفقير، لا لأن يمدحه في المستقبل لسخائه وأخلاقه الكريمة. [فالمُعطي] الّذي يُخفي ذلك في خاطره ثمّ يدفع الأموال إزاء هذا الأمر، يكون عمله مزيجًا مِنَ أمر نفسانيّ وأمر حقيقيّ، والأمر النفسانيّ يفسد الأمر الحقيقيّ، فيكون حظّه مِن هذا الإنفاق قليلًا. وكذلك بالنسبة إلى المساعدات، كالمساعدات الاجتماعيّة، فلا بدّ أن يكون قصده هو فقط رضا الله تعالى والوصول والتقرّب إليه، لا شيء آخر.

  • يعني أنّ الأمر المهمّ والمحور في كلّ أفعالنا وتكاليفنا، سواء في المسائل الشخصيّة أو الفرديّة أو العائليّة أو معاشرة الإخوان والأصدقاء أو في المجتمع، لا بدّ أن لا يكون هناك مقصود ومقصد سوى [التقرّب مِنَ الله تعالى]. فإذا قمنا بواجبنا بهذه النيّة وبهذا القصد، ستكون طبعًا أعمالنا وأفعالنا متوافقة مع المقصود والمقصد، وهو ما يكون فيه رضا الله تعالى. هذا هو معنى الّذي تشير إليه آية إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ، يعني إن تنصروا الله بالقيام بواجبكم، إن تنصروا الله بأداء التكاليف الدينيّة، دون أيّ مقصودٍ ومقصدٍ ماديّ ونفسيّ وأهواء نفسيّة، فإذا قام المسلم بهذا الشكل وبهذا القصد بأفعاله وتكاليفه، طبعًا لن يكون في البَين إلّا الله تعالى.

  • تحقيق في معنى قوله صلّى الله عليه وآله «ضربة علِيّ يوم الخندق تعادل عبادة الثقلين»

  • خطر في قلبي قصّة الآن؛ سأل شخصٌ السيّد الوالد رضوان الله عليه عن معنى كلام النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حقّ علِيٍّ أمير المؤمنين عليه السلام في يوم الخندق، يوم الأحزاب، لمّا قتل أميرُ المؤمنين عمرو بن عبد ودّ في هذه الحرب، حيث قال «ضربة علِيّ تعادل عمل الثقلين [أو] عبادة الثقلين»۱، فما معنى هذا الكلام؟ حسنًا، نحن نرى في الكتب ونرى الخطباء والمؤرّخين عندما يذكرون هذه القصّة، يقولون إنّ قضيّة الأحزاب هي عبارة عن اجتماع جميع الأحزاب على الإسلام، وفي مقابل الإسلام، وللهجوم على الإسلام، فاختاروا مِن بينهم هذا البطل الوحيد والشجاع، والفريد في شجاعته بين العرب، فهو كان يقابل ألف بطل وشجاع في المعركة، ولم يقدر أحد على مواجهته، إذ لَمّا نادى النبيّ ثلاث مرّات: مَن يواجه هذا الشخص؟ لم يجبه أحدٌ إلّا علِيِّ بن أبي طالب. ومِنَ المتعقّل أن نقول: لو قَتل عمرو بن عبد ودّ علِيَّ بن أبي طالب، لخُتِمَ على الإسلام، لأنّه ليس في الإسلام غير علِيّ بن أبي طالب ليواجه هذا الشخص، وهجمة الكفر على الإسلام يوجب ختم الإسلام وانتفاءه كلّيا. فيمكننا أن نفسّر ونوجّه ونبيِّن كلام النبيّ بأنّ هذه الحادثة لها مِنَ الأهميّة أهميّة عبادة الثقلين، لأنّه بانتفاء الإسلام تنتفي العبادة كلّيا، ولن يبقى شخص حتّى يعبد الله تعالى، يعني أنّه لن يبقَ مسلمٌ ولا رسولٌ ولا مؤمنٌ حتّى يعبد الله تعالى، فكانت هذه الحادثة توجب إحياء الإسلام إلى يوم القيامة.

    1. للوقوف على تفاصيل وقعة الخندق، وقول رسول الله بحقّ أمير المؤمنين علِيّ بن أبي طالب عليهما السلام، راجع كتاب (بحار الأنوار) للشيخ المجلسي، طبعة مؤسسة الوفاء، ج٣٩، ص٢ وما يليها. (م)

تفسير آية: إن تنصروا الله ينصركم و يثبّت أقدامكم - والإجابة على مجموعة مِنَ الأسئلة

4
  • هذا [التفسير] معقول، ولكن يمكننا تفسير هذه المسألة بشيء أعلى مِن ذلك، وهو أنّه: إذا تأمّلنا في هذه القصّة وفكّرنا في أطرافها، وفي كيفيّة تعامل الإمام أمير المؤمنين علِيّ بن أبي طالب عليه السلام مع هذا الشخص، وأنّ أمير المؤمنين عليه السلام لمّا برز له، لم يقتله مباشرة بعد أن فعل عمرو بن عبد ودّ ذاك الشيء المزعج لأمير المؤمنين، والّذي أغضبه، فتركه وذهب لدقائق حتّى يطفئ غيظه، ثمّ رجع إليه ليقتله بقلب صاف [وخالٍ مِن آثار] فعال وعمل ذاك الشخص، فقتله في هذه الحالة. فلماذا ترك أمير المؤمنين عليه السلام هذا الشخص وراح، وبعد دقائق رجع، فالكافر كافر على أيّ حال، وعدوّ الإسلام عدوّ للإسلام في كلّ حال، فلماذا أمير المؤمنين عليه السلام تركه [لدقائق]، لماذا؟ لأنّ أمير المؤمنين عليه السلام يرى في نفسه أنّه يجب أن لا يكون فعلٌ مِن أفعاله ولا عمل مِن أعماله مشوبًا بشيء غير الله تعالى. هذا هو المهمّ، فأمير المؤمنين عليه السلام رأى وفكّر في نفسه، فوجد أنّه يجب على كلّ حال أن يقتل هذا الشخص، عدوّ الإسلام، ولا بدّ مِن قتل الكافر المهاجم على بلاد المسلمين وعلى الإسلام وعلى بيضة الإسلام – هؤلاء الكفّار الّذين لا قصد لهم إلّا هدم الإسلام وهدم النبيّ، [ويسعون] لأن لا يوجد شخصٌ يقول بالتوحيد، بل ليكون الكفر مسيطرًا على جميع العالَم، هذا هو مقصد الكفّار – ويرى أنّه سيموت على كلّ حال، ولا بدّ أن يقوم أمير المؤمنين عليه لسلام بواجبه، ولكن الشيء الّذي لا بدّ أن يراعيه أمير المؤمنين عليه السلام في نفسه، هو أن يلحظ كون هذا العمل بالنسبة إليه، هو بينه وبين الله تعالى، لا بينه وبين هذا الشخص. هذا هو المهمّ، فأمير المؤمنين عليه السلام يرى أنّه لا بدّ مِن قتل هذا الشخص، وأنّه سيموت على كلّ حال، ولكن لا بدّ لأمير المؤمنين أن يُصلح نفسه [أوّلًا، فينظر] لأيّ وجه ومقصد وغاية وهدف يقتله؟ أيقتله لأنّه ضربه على رأسه، أم لأنّه عدوٌّ للرسول، أم يقتله لأنّه وقع أمامه، أم لأنّه شتمه وسبّه؟! لا [ليس شيئًا مِن هذا]، فجميع هذه المسائل بعيدةٌ عن الله تعالى، فهي مسائل نفسيّة، فالمهمّ بالنسبة إلى علِيّ بن أبي طالب هو أن يصلح العمل لله، هذا هو المهمّ، فذاك الشخص سيموت على كلّ حال، فإن أصلح أمير المؤمنين فعله وفعاله، سيكون الله تعالى هو مَن في البَين، فيتحقّق إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ في هذا الموضع، وإلّا سيكون الأمر كما [حصل] في إحدى المعارك، عندما رأى شخصٌ أحد الكفّار راكبًا على حمار أبيض وأجود، فقال سأذهب لقتاله وآخذ حماره، وصدفة قُتِل، فقال النبيّ إنّه لم يكن شهيدًا، بل كان شهيدًا في سبيل أخذ الحمار. فكم هو الفرق بين هذه المسألة وبين تلك؟! ولهذا صار علِيُّ بن أبي طالب أميرَ المؤمنين، لأنّه لم يُدخل غير الله تعالى في فعله وأعماله ولو بمقدار طرفة عين وذرّة، حتّى بما هو أقلّ مِن [ذلك]. ولهذا ذهب ورجع، فإذا أطفأ نار غيظه وكان قلبه مستوِ الطرفين بالنسبة إلى قتله وإبقائه حيًّا، قتله وهو في هذه الحالة.

تفسير آية: إن تنصروا الله ينصركم و يثبّت أقدامكم - والإجابة على مجموعة مِنَ الأسئلة

5
  • على الإنسان أن يراعي هذه المسألة في كلّ أفعاله وأعماله، وهي مسألةٌ خطيرة جدًّا جدًّا، وهو الأمر المهمّ، ولا يفيدنا شيء غير ذلك؛ فنحن لو دفعنا كلّ ما في الأرض إلى الفقراء ولو جاهدنا في سبيل الله طوال عمرنا، ولو قمنا بواجبنا في جميع الأمور، ولم يكن في خاطرنا هذه المسألة، لن يفيدنا [كلُّ ذلك شيئًا] أبدًا أبدًا، فالمهمّ هو إخلاص العمل لله. ولهذا نقول إنّ فعل وعمل أمير المؤمنين هذا، يقابل عبادة الثقلين، لماذا؟ لأنّ عبادة الثقلين مشوبة بالباطل، فأفعال كلّ شخص قد يكون منها ثلاثون أو أربعون بالمئة في رضا الله تعالى، وستّون أو خمسون بالمئة منها [مشوبة].۱

  • مراتب الإخلاص وغاياتها ومثوباتها

  • كثيرة هي الروايات الّتي تشير إلى أنّ الإنسان والمؤمن، إذا [أراد أن] يُقدم على عمل، لا بدّ أن يفكّر في أطرافه وجوانبه ثمّ يُقدم عليه، وأن يُخلص عمله واقعًا قبل الإقدام، وأن يُخلص قلبه ونفسه قبل العمل، فلا ينظر ولا يتأمّل ولا يفكّر إلّا في الله تعالى؛ فلا [يلتفت] إلى التحزّب وغير التحزّب، ولا إلى العشيرة وغير العشيرة، ولا إلى الصداقة وغير الصداقة، ولا إلى القرب والبعد مِنَ المنافع الماديّة. بل على الإنسان أن يطرح جميع هذه الأمور ويأخذ بالعروة الوثقى، والعروة الوثقى هي ولاية الأئمّة عليهم السلام، والقيام بهذا الواجب هو إخلاص العمل لله تعالى.

  • وبهذا، فإنّ فِعلة أمير المؤمنين عليه السلام في هذه اللحظة والمرحلة، لا تساوي [فقط] عبادة الثقلين، بل هي أعلى مِن عبادة الثقلين. أي إنّ نظرنا إلى عبادة الجنّ والإنسان مِنَ الأوّل إلى الآخر، سنجد أنّ عبادة أمير المؤمنين هذه مختلف [عن عبادتهم].

  • لأيّ شيء يعبد الإنسانُ اللهّ تعالى ويصلّي ويصوم ويقوم بواجباته؟ لدخول الجنة والتنعّم بنعيم الله، وليكون له حظٌّ مِن نِعم الله تعالى في الآخر وغير ذلك. ولكن إذا نظرنا في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) وتأمّلنا في عباراته وبياناته، كما في دعاء كميل وغيرها، ماذا نجده يقول؟ وبماذا يتفكّر وهو أمام الله تعالى في الصلاة؟ وماذا [يجول في] فكره وخياله، وما هو قصده ونيّته، وكيف هو إخلاصه، إذا قام بصلاته وصومه وحجّه؟ لن نجد سوى الله تعالى، يعني أنّ أمير المؤمنين عليه السلام يقول: أنا سأصلّي وأصوم، ولو أدخلتني النار، يجب علَيَّ أن أصلّي وأقوم بشكر العبوديّة، ويجب علَيَّ أن أقوم بواجبي، وأنت اختار ما ستفعله [بي]، فأنا لا أتدخّل بفعالك وأعمالك، وعلَيّ أن أقوم بواجبي [على كلّ حال]، وواجبي هو العبوديّة.

    1. لمزيد مِنَ المباحث التحقيقيّة حول هذا الموضوع، راجع كتاب (أسرار الملكوت) للمحاضِر سماحة السيّد محمّد محسن الطهرانيّ (قدّس الله سرّه)، ج٣، ص۱۰٣. (م)

تفسير آية: إن تنصروا الله ينصركم و يثبّت أقدامكم - والإجابة على مجموعة مِنَ الأسئلة

6
  • حسنًا، هل نفعل نحن ذلك؟! [لا] أبدًا، فعباداتنا [كما ترون]، فكيف بسائر الأفعال والأمور. وأمير المؤمنين عليه السلام، عندما يقول شيئًا فهو [يقصده] واقعًا، لا أنّه يقوله استهزاءً ولا تشبيهًا ولا تمثيلًا، فعندما قال أمير المؤمنين «وهبني صبرت على حرّ نارك فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك»۱، فهو أبدًا لا يتخيّل ولا يتصوّر أنّ الله تعالى سيُبعّده ويدخله [جهنّم] حتّى يقول إنّه لا يحب [جهنّم] هذه أبدًا.

  • وكلّ مَن يقوم بواجبه وهو في هذه الحالة، أي الحالة الّتي لا يكون في قلبه إلّا الله تعالى، لا الأقرباء ولا العشيرة ولا الأصدقاء ولا حتّى الإسلام، أعني الإسلام الّذي نفكّر فيه نحن، وإنّما في قلبه فقط الله تعالى الحيّ القيوم الحاكم والمباشر في قلبه، فهذا الشخص إذا سار يكون سيره أعلى مِن عبادة الثقلين، وإذا تحرّك تكون حركته أعلى مِن عبادة الثقلين، وإذا صلّى تكون صلاته أعلى مِن عبادة الثقلين، وإذا نام يكون نومه أعلى مِن عبادة الثقلين.

  • فـ «كم مِن صائم ليس له مِن صيامه إلّا الظمأ والعطش، وكم مِن قائم ليس له – هذا كلام [أمير المؤمنين] – مِن قيامه إلّا السهر والعناء، حبّذا نوم الأكياس وإفطارهم»٢. الكيِّس هو المؤمن، والكيِّس هو الّذي يجلب لنفسه ويأخذ لها ما هو الأهمّ بالنسبة إليه وإلى كماله. فإذا كانت حالة الإنسان بهذه المثابة، لن يكون في قلبه إلّا الله تعالى، فتكون صلاته أعلى مِن صلاة الثقلين، وصومه أعلى مِن صوم الثقلين، وسيره أعلى مِن [سير الثقلين]، لأنّ ليس في هذا السير إلّا الله تعالى، وفي هذه الحالة فقط، تكون جميع أحواله [على حدٍّ] سواءٍ، سواءً صلّى أم لم يصلّ، صام أم لم يصم، نام أم لم ينم، هذا يكون فقط في هذه الحالة، [نعم، تبقى أفعاله الظاهريّة] مختلفة، ففي هذه الحالة يصلّي، وفي هذه الحالة يصوم، وفي هذه الحالة يأكل، وفي هذه الحالة يشرب وفي هذه الحالة ينام. فالمهمّ في أفعالنا وأعمالنا هو أن نلحظ بجدّ هذه المسألة.

  • يتبيّن الآن المراد مِن هذه الآية إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ، فالمعنى أنّه لا بدّ أن تكون موقعيّتكم هي ذاك الموقع وفيها ذاك [الإخلاص]؛ لا بدّ أن تفكّروا فيما تفعلونه، لا بدّ أن تتأمّلوا في أعمالك وأفعالكم، حتّى لا يشوبها شيء مِن شوائب الدنيا والأهواء النفسيّة، ولا يشوبها شيء مِنَ الأمور المتعارفة والعاديّة، فلا يكون فيها إلّا الله تعالى. فمعاشرة الإخوان لا يُبنى إلّا على رضا الله تعالى، لا على شيء آخر أبدًا، والعشرة العائليّة في المسائل الشخصيّة والفرديّة [يجب أن] لا تكون إلّا في رضا الله تعالى. يعني أنّ محور جميع أفعال الإنسان وأقواله وكلماته، لا بدّ أن يكون هو [رضا الله تعالى]. وهذه المسألة خطيرةٌ جدًّا، ولطيفة بحيث لو تأمّل الشخص فيها عشرين ساعة أو مئتي ساعة أو ألف ساعة، فهي تستحق أكثر مِن ذلك، لأنّ لا نجاة ولا فلاح إلّا بملاحظة هذه المسألة فقط، فنحن إذا فكّرنا في هذا الأمر ستتغيّر جميع أعمالنا وأفعالنا، وستتبدّل أحوالنا مع المجتمع وعلى مستوى الارتباطات والعشرة، العشرة العائليّة وعشرة الأصدقاء والرفقاء وجميع الشركاء والجيران. ذلك لأنّ الشخص الّذي يحقّق الإلهيّة والتوحيد في أفعاله وأعماله، هو الّذي يكسب مِن هذه النِّعم الّتي يُنعمها الله تعالى. ولهذا يقول النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بحقّ أمير المؤمنين: «ضربة علِيّ يوم الخندق أفضل مِن عبادة الثقلين.» لأنّ هذه الضربة ليست كسائر الضربات، هذه الضربة ليس فيها إلّا الله تعالى، فلم [يُلحظ] في هذه الضربة مقتل هذا الشخص، [فمجرد قتله لهي] مسألة عاديّة، إذ يمكن أن يتواجه مع شخص آخر فيضربه، حتّى يمكن أن يضرب شخصٌ عمرو بن عبد ودّ مِنَ الخلف دون أن يلتفت. يعني أنّ نفس الضربة ليست بشيء، فلو ضرب شخصٌ عمرو بن عبد ودّ مِنَ الخلف لانتهى الأمر، إذ إنّ هجمة الكفر والكفّار والمشركين على الإسلام تنتهي كلّيا بمقتل العدو، أي بمقتل هذا الشخص، ولو كان ذلك بضربه مِنَ الخلف أو مِن فوقه، فيمكننا بأيّ وسيلة وآلة أن نحقّق هذا الأمر ونصل إلى المطلوب والغاية، ولكن هذا ليس مهمًّا، إنّما المهمّ هو كيفيّة هذه الضربة، هذا هو المهمّ.

    1. فقرة مِن (دعاء كميل)، نسبة إلى كميل بن زياد النخعيّ، وقد أخذه وحفظه عن أمير المؤمنين عليه السلام. راجع مصباح المتهجّد، الشيخ الطوسيّ، ص۸٤۷. (م).
    2. نهج البلاغة، تحقيق صالح، ص٤٩٥. (م).

تفسير آية: إن تنصروا الله ينصركم و يثبّت أقدامكم - والإجابة على مجموعة مِنَ الأسئلة

7
  • فالّذين يفسّرون قول النبيّ بحقّ أمير المؤمنين، بأنّه لولا هذه الضربة لانتفى الإسلام وانمحى ومات وخُتم عليه، هو معنى صحيح نعم، ولكن المعنى الأعلى مِن ذلك، هو أنّه عندما نفكّر في أطراف وجوانب هذه المسألة، ونفكّر في كيفيّة هذه الضربة، وفي قصد أمير المؤمنين علِيّ بن أبي طالب مِن هذه الضربة، نجد أنّه في بداية الأمر دعاه إلى الإسلام، فهذا يعني أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن في قلبه إلّا هداية الأفراد، لا قتل العدو، ولا الافتخار في المجتمع بأنّه قتل بطل العرب، والحال أنّنا نجد هذه الحالة في أنفسنا، بحيث لو قال لنا: أنا استسلم الآن واقبل الإسلام، سنقول له: لا، نحن لا نقبل منك ذلك، لا بدّ أن نضربك ونقتلك ونفتخر أمام الناس بأنّنا قتلناك مثلًا. أمّا أمير المؤمنين عليه السلام، ليس في خاطره وقلبه هذه الأمور، بل إنّ عمرو بن عبد ودّ وابن أمير المؤمنين في هذه المسألة سواء، يعني أنّ ولد علِيّ بن أبي طالب وعمرو بن عبد ودّ بالنسبة إلى الله تعالى وبالنسبة إلى الهداية هما على حدّ سواء؛ فكما أنّه يطلب لولده الهداية والرشد والرشاد إلى رضا لله تعالى، يطلب ذلك أيضًا لعمرو بن عبد ودّ، ويطلبه لأبي سفيان ولمعاوية؛ واللهِ وباللهِ، ليست هذه مسألةً عاديّة، يعني ليس في الإمام عليه السلام أمورٌ كالّتي في أنفسنا، وهذا هو الفرق بين الإمام وبين سائر الأفراد.

  • إن شاء الله، سنركّز في المحاضرات الآتية على خصوصيّة الإمام عليه السلام وشخصيّته، ونبيّن بعض الآثار والخصوصيّات الّتي في الإمام عليه السلام، والّتي تميّزه عن سائر الأفراد، هذا هو المهمّ.

  • لهذا، فإن كانت جميع أفعاله مطابقة لرضا الله تعالى، فسواء أكل أم لم يأكل، وشرب أم لم يشرب، ونام أم لم ينم، وتحرّك أم لم يحرّك، وصلّى أم لم يصلِّ، وصام أم لم يصم، فإذا وصل المرء إلى هذه المرتبة يكون قد وصل إلى آخر مرتبة الكمال، فتصبح نفسه رحمانيّة وخواطره رحمانيّة وقلبه قلب الرحمن، «لا يسعني أرضي ولا سمائي ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن بي»۱، هذا هو معنى أن لا يكون في هذا القلب إلّا الله تعالى.

    1. تفسير المحيط، السيّد حيدر الآملي، ج۱، ص٢٥٦؛ معرفة المَعاد، العلّامة السيّد محمّد حسين الحسينيّ الطهرانيّ، ج٢، ص٢۰۸؛ مع اختلاف يسير. (م)

تفسير آية: إن تنصروا الله ينصركم و يثبّت أقدامكم - والإجابة على مجموعة مِنَ الأسئلة

8
  • على هذا، يجب أن تدور أفعالنا وأعمالنا في المجتمع ومع الأسرة والأصدقاء والرفقاء، وحتّى مع سائر الأفراد، حول هذا المحور، فإذا وفّقنا الله تعالى لذلك سنستفيد مِن أعمالنا، وإلّا علينا أن نراجع ونتأمّل ونفكّر، حتّى يوفّقنا الله تعالى لهذا الأمر، إن شاء الله.

  • نسأل الله تعالى أن يوفّقنا لما يحبّ ويرضى، وأن يباشر قلوبنا، كما ورد في الدعاء «وإيمانًا تباشر به قلبي»۱، يعني لا بدّ أن نسأل الله تعالى إيمانًا يباشره في قلوبنا ويأخذ بأيدينا، حتّى لا يكون في أفكارنا وأعمالنا وأقوالنا إلّا الله تعالى. هذا هو المهمّ، ويجب علينا أن نسأل الله تعالى ونطلب منه التوفيق لهذا الأمر.

  • ن شاء الله في الأيّام الآتية، يوفّقنا الله تعالى للقاء الإخوان، وسنركّز أبحاثنا حول مسألة الإمامة. إذا كان عند بعض الإخوة أسئلة، فإن شاء الله نحن بخدمتكم. وإن كان عند بعض الإخوة أسئلة حول المسائل الّتي طرحتها اليوم فأنا الآن بخدمتكم.

  • والسلام عليكم ورحمة الله

  • ما هو المتوقّع مِن ظهور الإمام الحجّة وما هو واجب المؤمن حتّى الظهور

  • أحد الحضور: مولانا عندي سؤال، ما معنى التهيّؤ لظهور الحجّة عجّل الله فرجه؟ وما هو واجب كلّ مؤمن حتّى الظهور؟

  • جواب سماحة السيّد: هذا السؤال له علاقة بهذه المسائل. أوّلًا، لا بدّ أن نلاحظ ما هو المقصود مِنَ الظهور، وما هو المتوقّع مِنَ الظهور، أي مِن ظهور الإمام عليه السلام. إذا ظهر الإمام عليه السلام مثلًا في هذا المجتمع، فهو طبعًا سيقوم بأعمالٍ وببعض الأمور لتحقيق العدل والعدالة وإمحاء الظلم والشرك والكفر في البَين، ويهيّئ المجتمع حتّى يصل كلّ شخص إلى مراتب كماله، هذا هو المتوقّع مِنَ الظهور. على هذا، لن تكون حكومة الإمام عليه السلام كسائر الحكومات، بل هي حكومة إمام معصوم، معصوم مِنَ الخطأ والاشتباه، ونتيجة هذا القيام وهذه الحكومة هو تهيئة المجتمع للوصول إلى الكمال. يعني أنّ الشخص الّذي يكون في هذا المجتمع، إذا فكّر في أحواله وتأمّل في أهدافه وغاياته، ورأى في نفسه القدرة لبلوغ آخر المراتب الكماليّة، وأَحَبَّ ذلك، لن يرى أمامه أيَّ مانع مِن ذلك، [لأنّه] سيكون في المجتمع أمن وثقة واطمئنان وسكون، وفي النهاية فإنّ تحقيق الحقّ وإيجاده بجميع جهاته وجوانبه هو بيد الإمام عليه السلام، يعني أنّ الأمن والسلام مِن جميع الجهات والجوانب لا بدّ أن يكون حاكمًا على المجتمع، فالعشرة والأمور الاجتماعيّة لا بدّ أن تكون متوافقة ومطابقة للإسلام.

    1. الكافي، الشيخ الكلينيّ، طبعة دار الكتب الإسلامية، ج٢، ص٥٢٤. (م)

تفسير آية: إن تنصروا الله ينصركم و يثبّت أقدامكم - والإجابة على مجموعة مِنَ الأسئلة

9
  • فالشخص الّذي يحبّ أن يرى الإمام عليه السلام في زمان الظهور، فماذا يقصد بهذا [الشيء الّذي] يتوقّعه، وماذا يقصد بهذا الانتظار؟ هل يقصد أن يرى الإمام عليه السلام؛ حسنًا، فليراه في المنام أو في الظاهر، فهو كسائر أفراد البشر، له وزن خاصّ وكميّة خاصّة وكيفيّة خاصة. وإذا كان يطلب مِن هذا الظهور، الوصول إلى بعض المسائل الماديّة والعاديّة؛ حسنًا، فلماذا [يطلب حينئذ] ظهور الإمام عليه السلام؟!

  • أنا سمعتُ بعض الأفراد يقولون إنّ الإمام عليه السلام، أي الإمام المهديّ، إذا ظهر هو يفعل كفعالنا، ولا فرق بين فعالنا وبين فعال الإمام المهديّ، ولا فرق بين أوامرنا وأوامر الإمام المهديّ، ولا فرق بين نواهينا ونواهي الإمام المهديّ، ففعاله كفعالنا!! هل هكذا [هو الحال] واقعًا؟! يعني إذا ظهر إمام الزمان عليه السلام سيحكم بين الناس كحكومة سائر الأفراد الّذين نراهم ورأيناهم، أو لا، بل يحكم بشيء آخر؟! إنّ المتوقّع مِنَ الظهور هو تهيئة الموقع والظروف ليصل كلّ شخص إلى آخر مراتب استعداداته ومراتب كماله. نعم، ونحن عندما نفكّر في هذه المسألة ونتأمّل نجد أنّ لا فرق، بالنسبة إلى بلوغ مراتب الكمال، بين الظهور وغير الظهور، بين هذه الحالة وغيرها، لأنّه لا يغيب شيءٌ عن الإمام عليه السلام، فالإمام عليه السلام بواسطة الولاية التكوينيّة يسيطر على جميع الأشياء وعلى جميع الأفعال والأقوال وعلى جميع اللحظات والتخيّلات والتصوّرات؛ فأنا أتكلّم الآن حول هذه المسألة، وأنتم تسمعون هذا الخطاب، فقبل أن تسمعوا هذا الخطاب وقبل أن أتلّكم أنا بهذه الألفاظ، فإنّ كلّ هذا المجلس وهذه الكلمات وهذه العبارات مضبوطة في نفس الإمام عليه السلام، يعني مِن بداية الأمر (...)۱. إنّ الأدلّة العقليّة والنقليّة والبراهين الفلسفيّة، تُثبت [ما يلي]؛ أوّلًا، يجب أن تكون المسألة موجودة عند نفس الإمام عليه السلام، ومِن بعد بذلك أُلقيها كخطاب فتسمعونها، [هذا ثابت] بالأدلّة العقليّة لا فقط النقليّة.

  • فلهذا، إنّ الأمر المهمّ للإنسان هو الوصول إلى نفس الإمام، والوصول إلى نفس ولاية الإمام عليه السلام. وحيث أنّه لا يغيب شيء عن نفس الإمام، وعن نفسه القدسيّة الرحمانيّة، ستنزل أحواله إلى أحوالنا، وستكون نفسه مسيطرةً على نفوسنا ومشرفةً على أفعالنا وأقوالنا وأفكارنا. فلهذا، لا يُسمح للشخص أن [يوقف حياته على] الظهور فيمسك يده ولا يُقدم على شيء، بل عليه أن يقوم بواجبه، لأنّ قضيّة الظهور هي تحقيق للحكومة الإلهيّة في المجتمع، وتحقيق لحقيقة العدالة بأعلى مراتبها، وتحقيق للأمن والأمان والصلح والسلام بأعلى مراتبها، وتحقيق للأمور الموجبة للكمال وارتقاء الإنسان إلى أعلى مراتبه؛ هذا هو المتوقّع مِنَ ظهور الإمام عليه السلام، وهذا ما لا يكون في أيّ حكومة مِنَ الحكومات في العالَم ... وكلّ هذا مقدّمة وواسطة لوصول الإنسان إلى مراتب الكمال، ولا فرق في هذا بين الظهور وغير الظهور؛ فكما نحن نتوقّع هذا الأمر في زمان الظهور، فنحن نتوقعه أيضًا في زمن الغيبة، وذلك بواسطة نفسه المباركة والشريفة القدسيّة؛ ألا يرانا الإمام (عليه السلام) الآن، ويسمع دعواتنا ومطالبنا، ألا يرحم ويعرف أحوالنا وحوائجنا، ألا يعرف ذلك؟ [القول بعدم معرفة الإمام بذلك] هو مِن أوضح الأباطيل، الأمر كذلك واقعًا .. فلهذا، يجب على الإنسان أن لا يفكّر في جميع أوقاته في مسألة الظهور وعدمها، نعم، لا بدّ للإنسان أن يطلب مِنَ الله تعالى [أن يُعجّل] زمن الظهور وأن يُدرك الظهور، وفي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام يقول فيها: لو كنت حاضرًا في زمن ظهور ابني لخدمته٢، أي [لخدم] الإمام الصادق [ابنه].

    1. يوجد انقطاع في التسجيل الصوتيّ. (م)
    2. الغيبة، للنعمانيّ، ص٢٥٢. (م)

تفسير آية: إن تنصروا الله ينصركم و يثبّت أقدامكم - والإجابة على مجموعة مِنَ الأسئلة

10
  • فقضيّة الظهور قضيّة عجيبة ومسألة عجيبة، والإنسان الكيِّس والمؤمن الكيِّس، لا يهمل نفسه ويجعل جميع أفكاره متمركزة حول هذه المسألة فقط، دون أن يفكّر في شيء آخر، بل لا بدّ أن يقوم بواجبه وبإصلاح نفسه وبإصلاح أفعاله، كما بيّنت ذلك في هذه المحاضرة. لا بدّ أن يُصلح نفسه ويُخلص عمله، وإذا خلُص عمله وصلُحت نفسه يصل إلى الولاية، وحينئذٍ لا يكون هناك فرق بين الظهور وبين الغيبة.

  • هذا هو المقصود مِنَ الانتظار، وفي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام يقول، ما معناه: إذا انتظر المرء ظهور الإمام المهديّ عليه السلام وقام بواجبه، فهو في خيمته، سواء ظهر الإمام أو لم يظهر۱. يعني أنّه يكون في مخيّم الإمام عليه السلام وتحت إشرافه، سواء ظهر أو لا. فلهذا، يجب علينا أن نقوم بواجبنا، سواء ظهر الإمام [أم لم يظهر]؛ وإذا وفّقنا الله تعالى ومَنَّ علينا بلقياه وزيارته، فهذا مِن أعلى مراتب المِنَنِ وأعلى مراتب النِعم علينا، وإن لم يوفّقنا لذلك، فنحن تحت إشرافه وولايته. هذا هو المقصود مِنَ الظهور.

  • الموقف مِن كتابَي (بيان الأئمّة) و (النبوءات)

  • سؤال: ما مدى صدق كتاب (بيان الأئمّة)، هل ما جاء فيه صادق، أو كان بعضه [صادقًا]؟ وما رأيكم بكتاب (النبوءات) للكاتب الفرنسيّ؟

  • جواب سماحة السيّد: نحن لا نثق بهذه المسائل [المذكورة في هذه الكتب] – وفي خاطري على ما أذكر أنّني تكلّمت مِن سنتين أو قبل ذلك في مسائل العوالم العليا – لأنّ كلّ شيء يظهر في هذا العالَم هو مُسبَّبٌ ومعلول، [وواقعٌ] في سلسلةِ عِللٍ ومراتب، مراتب عالَم الملكوت ومراتب عالَم اللاهوت والجبروت وعالَم اللوح والقدر والقضاء؛ وحيث أنّ مراتب كمال الإنسان مختلفةٌ، [فـ] إشراف الإنسان على هذه المراتب [متفاوتة]، فيمكن أن يصل الشخص إلى بعض هذه المراتب دون أن يرتقي إلى الأعلى. وحيث أن قضاء الله تعالى يتغيّر ويتبدّل، بحسب الأمور الّتي تقع في البَين، يعني بين عالَم القضاء وبين عالَم الشهادة، وبحسب التصادمات والأمور الّتي تطرأ – كما بيّنت سابقًا بحسب الظاهر – فيمكن مثلًا أن يقدّر الله تعالى الموت لشخص في هذا اليوم، ثمّ يندفع هذا الموت بالإنفاق على فقير وبصلة الرحم، فصلة الرحم هذه تصادم ذاك التقدير فتدفعه وتؤخّره مثلًا عشرة سنوات. وحيث أننا لم نصل إلى هذه المرتبة [فلن يكون عندنا اطّلاع على ما تغيّر وتبدّل]، فيمكن أن نرى بعض المسائل والحال إنّها خطأ، ولهذا السبب نحن لا نثق بالمسائل المطروحة في كتاب (بيان الأئمّة) أبدًا، ولا نثق بمسائل كتاب (النبوءات) لذاك الكاتب الفرنسيّ.

    1. الغيبة، للنعماني، ص٣٥٢. (م)

تفسير آية: إن تنصروا الله ينصركم و يثبّت أقدامكم - والإجابة على مجموعة مِنَ الأسئلة

11
  • رفع شبهة حول قوله عليه السلام «حبّذا نوم الأكياس وإفطارهم»

  • سؤال: قلتم أنّ المريد لله تعالى، سواء صلّى وصام وقام الليل أم لم يصلّ ولم يصم ولم يقم، فهل هذا القول [وقول أمير المؤمنين] «حبّذا نوم الأكياس»، [يعنيان الاستغناء] عن الصلاة والصيام الواجب، فهل يكفي التفكّر والحبّ والإخلاص مِن دون عمل، أو أنّ [المعنى هو] النيّة المخلصة في الأعمال الواجبة والمستحبّة؟

  • جواب سماحة السيّد: نعم، هذه المسألة مِن أبده البديهيّات، إذ كيف يمكن أن يكون الله تعالى موجود في كلّ أعمال المرء وفي خاطره وفي قلبه وهو لا يقوم بواجبه!! فهذا مستحيل، فالمقصود مِن هذه المسألة أنّ هذه الأعمال، أعني الصلاة والصيام والقيام بالواجبات، كلّها وسيلة ومقدّمة للوصول إلى هذه المسألة. فهل يمكن لشخص أن يصل إلى هذه المسألة وهو تارك لجميع الأفعال والأعمال!! ليس هذا المقصود، بل المقصود هو أنّ الإنسان إذا وصل إلى مراتب الكمال، أي إلى آخر مرتبة الكمال، [فلن] يكون في قلبه إلّا الله تعالى، «عبدي أطعني»۱ و «لا يزال يتقرّب عبدي إليّ بالنوافل حتّى أكون سمعه الّذي يسمع به وبصره الّذي يبصر به ولسانه الّذي ينطبق به ويده الّتي يأخذ بها ورِجله الّتي يمشي بها» ٢ وكذا سائر الأفعال، يعني الإنسان إذا مضى في أدائه للتكاليف، وتحرّك نحو المطلوب ونحو الله تعالى، وحقّق التوحيد في نفسه بحيث أصبح لا يشوب أعماله شيءٌ مِنَ الأمور والأهواء النفسيّة، إذا وصل إلى هذه المرتبة، فسيكون الله تعالى حاكمًا عليه، وسيكون هو مَن يباشر قلبه ويباشر أفعاله وأعماله، ففي هذه الحالة ومِن هذه الحيثيّة نقول: سواء صلّى أم لم يصلّ .. فنحن لا نقول أن لا يصلّي أبدًا، بل نقول – وهو المقصود – إنّه وصل إلى المرتبة الّتي تكون فيها جميع أفعاله وأقواله وتفكّراته وتصوّراته هي الله تعالى.

  • حسنًا، ضاق وقتنا الآن [مع اقتراب] وقت المغرب، فسنؤجّل الإجابة على هذه الأسئلة إن شاء الله إلى اليوم الآتي. ٣

  • السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    1. إشارة إلى الحديث القدسيّ «عبدي أطعني تكن مثلي أقول للشيء كن فيكون فتقول للشيء كن فيكون»؛ وقد خُرّجت مصادره؛ في كتاب (افق وحى – فارسي) للعلّامة السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ، ص۱٥۰. وفي كتاب (اسرار ملكوت – فارسي) لسماحة السيّد محمّد محسن الطهرانيّ، ج٢، ص٦٥. (م)
    2. كنز العمال، المتّقي الهنديّ، ج۱، ص٢٣۰، مع اختلاف يسير. (م)
    3. تنويه: نلفت عناية القارئ الكريم أنّ هذه المحاضرات أُلقيت بشكل شفاهيّ وباللغة العربيّة، واقتصرت على تفهيم المستمع بأبسط الكلام، فلم يُلتفت كثيرًا إلى ضوابط اللغة، كما اشتملت على كلام عاميّ. ولذا عمدت اللجنة العلميّة بأمر مِن سماحة السيّد (قدّس الله سرّه) إلى إعادة تقويم الكلام وضبطه مِنَ الناحية اللغويّة، ومع ذلك آثرنا المحافظة على عبارة المحاضِر وترتيبها وبساطتها قدر الإمكان. كما تجدر الإشارة إلى أنّ العناوين الواردة هي مِنَ اللجنة.
      أمّا الرموز المستخدمة في المحاضرة فهي كالتالي: رمز الثلاث نقاط للكلام المحذوف، والرمز (...) للكلام غير الواضح وعند انقطاع الصوت، والرمز (م) لكلام المحقّق، والكلام المدرج في هذا [] فهو مِن وضع اللجنة لإتمام الجملة الناقصة بحسب ما يقتضيه السياق.
      ختامًا نلفت النظر إلى أنّ التسجيل الصوتيّ للمحاضرة متوفّر في الموقع لمَن يرغب الاستماع والمراجعة.
      (اللجنة العلميّة)