54

آثار محوريّة التوحيد في الحكومة الإسلاميّة (1)

2711
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمعنوان البصري

المجموعةالتدبير و النظام الاجتماعي


التوضيح

تتابع هذه المحاضرة شرح فقرة "أن لا يدبّر العبد لنفسه تدبيرًا"، متسمرّة في بيان محوريّة التوحيد والمصلحة العامّة في نظام الحكومة الإسلاميّة في مقابل محوريّة الشخص والمصالح الشخصيّة في الحكومات غير الإلهيّة، وقد تناولت بالدراسة آثار هذه المحوريّة فذكرت أربعة منها:
1ـ عدم الفارق بين الحاكم وغيره: لأنّ قيمة الأعمال بالنوايا ويمكن للجميع أينما كانوا أن يسيروا في خدمة مشروع التوحيد.
2ـ زوال الطبقيّة: فلا طبقة للنوّاب ولا للوزراء ولا لطلاّب العلوم الدينيّة، وأمّا اللباس الخاصّ الآن لهم فهو ليس لباسًا خاصًّا بحسب الثقافة الإسلاميّة الأصيلة وينبغي للجميع أن يلبسوه، وقبل ذلك لا ينبغي أن يتميّز المعمّمون عن غيرهم في المجتمع وفي المجالس، وهكذا كانت سيرة المرحوم العلاّمة في نفسه وفي مجالسه، وقد تعرّض لقصّته في الانتظار في العيادة مع المرضى وعدم رضاه بالتقدّم علىهم. كما ذكر سماحة المحاضر رضوان الله عليه خاطرة عن زيارته إلى حرم الإمام الرضا عليه السلام وكان مستودع الأحذية مزدحمًا فخطر في نفسه أن يظهر نفسه للعامل ليقدّمه ثم عدل عن ذلك.
3ـ توجّه الدعوة إلى الجميع: لأنّهم يتمتّعون بالفطرة الإلهيّة التوحيديّة ولهم الحقّ في أن يخاطَبوا ولا يهمّشوا ملوكًا كانوا أم عوامّ مسلمين كانوا أم غير مسلمين، وهكذا كانت سيرة رسول الله صلّى الله عليه وآله في دعوته حيث أرسل إلى الملوك في عصره ولم يهمّش أحدًا.
3ـ الدعوة بالمنطق واللين: عملاً بقوله تعالى (فقولا له قولاً ليّنًا لعلّه يتذكّر أو يخشى) واقتداء بما صنع جعفر الطيّار رضوان الله عليه حين خاطب النجاشي، ولم يحمل عليه عصا ولا سيفًا، ولم يعبأ لما حوله من زينة الملك.
/۱۵
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

آثار محوريّة التوحيد في الحكومة الإسلاميّة (۱)

1
  •  

  •  

  • هو العليم 

  •  

  • آثار محوريّة التوحيد في الحكومة الإسلاميّة (۱)

  • شرح حديث عنوان البصريّ - المحاضرة ٥٤

  •  

  • ألقاها

  •  

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  •  

آثار محوريّة التوحيد في الحكومة الإسلاميّة (۱)

2
  •  

  •  

  • أعوذ بالله من الشيطان الرجيم 

  • بسم الله الرحمن الرحيم

  • الحمد لله ربّ العالمين

  • وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين المعصومين المكرّمين

  • لا سيّما بقيّة الله في الأرضين روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء 

  • واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين 

  •  

  •  

  • ولا يدبّر العبد لنفسه تدبيرًا!

  • قلت يا أبا عبد الله! ما حقيقة العبوديّة؟ قال: ثلاثة أشياء: أن لا يرى العبد لنفسه فيما خوّله الله ملكًا، لأنّ العبيد لا يكون لهم ملك، يرون المال مال الله، يضعونه حيث أمرهم الله به، ولا يدبّر العبد لنفسه تدبيرًا. 

  • يقول الإمام الصادق عليه السلام لعنوان البصريّ: تتلخّص حقيقة العبوديّة في هذه الأمور الثلاثة: أحدها: أن لا يحسّ العباد بالمكليّة والتملّك لأنفسهم. لأن العبد لا يرى في نفسه أيّ تملّك، وكلّ ما عنده يراه ملكًا للمولى، وعلى الناس أن يكونوا كذلك أيضًا. 

  • والثاني: أن لا يدبّر العبد لنفسه تدبيرًا، لأنّ العبيد لا يدبّرون لأنفسهم، فتدبير العبد هو تدبير المولى، فكما يريد هو يوجّه العبد وليس له من نفسه إظهار للوجود وإظهار للإرادة إلا إرادة المولى. 

  • والأمر الثالث: أنّ جملة اشتغاله فيما أمره الله به ونهاه عنه. 

  • محوريّة التوحيد في الحكومة الإسلاميّة

  • كان البحث في الجلسات السابقة حول كيفيّة حركة الإنسان في المجتمع وطريقة تطبيق الناس للموازين الدينيّة في الحكومة الإسلاميّة. وقد ذكرت للرفقاء والأصدقاء بعض الأمور ووصل بنا الكلام إلى أنّ مبنى الشرع ومبنى الدين في الحكومة الإسلاميّة على أساس محوريّة التوحيد. فخلافًا لسائر الحكومات في الدنيا والتي تتمحور حول الشخص والمنافع الشخصيّة، وهذا الأمر مشهود بشكل واضح في الحكومات التي نراها والتحزّب لا بمعناه الصحيح الذي هو الإدارة والتنظيم ـ وإن شاء الله سنتحدّث في إحدى الجلسات بأمور حول ذلك ونبيّن آراء المرحوم الوالد رضوان الله عليه في إدارة المجتمع الإسلاميّ في إطار تشكيل حزب إسلاميّ، ونبيّن هناك ذلك بالتفصيل ـ لا بمعنى التقوقع والتحزّب والتآمر السياسي الرائج الآن بين الحكومات في الدنيا. فالأحزاب التي تتشكّل الآن في الدنيا لا يبالي أيّ منها بالمجتمع، ولا يعمل لأجل سعادة المجتمع ورفاهيته، لو كانوا يصنعون ذلك لكان عليهم أن يعتزلوا جانبًا لو رأوا المصلحة العليا تقتضي ذلك، ولكنّا على العكس نراهم يتمسّكون بالمنصب وبالصدارة ويستمرّون إلى الرمق الأخير ومهما أمكن؛ ممّا يعني أنّ الأمر ليس كذلك. 

آثار محوريّة التوحيد في الحكومة الإسلاميّة (۱)

3
  • أذكر أنّ القائد الفقيد للثورة المرحوم آية الله الخميني رضوان الله عليه قال أمرًا وكان مهمًّا جدًّا؛ فقد قال: لو أنّ أحدًا من المسؤولين والناس ـ ولا شكّ أنّ الجميع سمعوا بذلك؛ حيث لم يكن الأمر خاصًّا ـ لو أنّ أحدًا في منصب وفي صدارة ولديه مسؤوليّة، شعر أنّ هناك من يمكنه أن يتصدّى بشكل أفضل منه فعليه أن يتنحّى، شرعًا عليه أن يتنحّى، ويجعل مكانه ذلك الآخر، وهذا الأمر صحيح وجيّد. 

  • وقد كنت أتحدّث في إحدى المحافظات بعد سنة أو سنتين من هذا الكلام، فقلت هناك للنّاس: لقد سمعنا هذا الكلام جميعًا في النهاية؟ 

  • فقال الجميع: نعم. 

  • فقلت: أنا الآن أسألكم: كم واحدًا تعرفون عمل بهذا الكلام إلى الآن؟ أروني واحدًا فقط قال: هناك من هو أكثر لياقة منّي في هذه المسؤوليّة وهذا المنصب الذي أنا فيه. فيمكننا إذن أن نقول إنّ كلّ إنسان في أيّ مسؤوليّة في إيران ذات الستين مليونًا يرى نفسه هو الأفضل. هذا ليس ممكنًا، لا يمكن أن يكون الأمر كذلك. فإذن علينا أن نتأمّل قليلاً. 

  • محوريّة الشخص والمنافع الشخصيّة في الحكومات غير الإسلاميّة وآثارها

  • على كلّ حال الأمر في الحكومة الإسلاميّة يتمحور حول التوحيد، أي لا يُطرح الشخص في هذه الحكومة، خلافًا لسائر الحكومات وسائر الأماكن وسائر المواقف المختلفة حيث المحوريّة على أساس الأنانيّة والمنافع الشخصيّة من الجوانب المختلفة، وعندما تكون النفس مطروحة في هذا القانون وهذه المدرسة، فطبعًا سيكون هناك تقدّم وتصادم. يقول الناس: لماذا تكون أنت ولا أكون أنا؟! وذاك أيضًا يقول: لماذا تكون أنت ولا أكون أنا؟! وهنا يقع التصادم ويقع الناس بعضهم ببعض. لذلك أنتم تشاهدون ما يحدث في سائر الموارد وسائر الأماكن ماذا يجري في الانتخابات حيث يقتتل الجميع معًا، هذا يقول: أنا أكون بدلاً منك، وذاك يقول: أنت لا تكون وأنا أكون. لماذا؟ لأنّ الأمر ليس على أساس المصلحة، على أساس محوريّة الأنا، على أساس كون الأنا، هل التفتّم؟ هذه الحكومات لا يمكنها أن تكون حكومة المصلحة والمنطق والعقلانيّة، وعلى أساس مصالح المجتمع، هذه الحكومات على أساس المصالح الفرديّة.

آثار محوريّة التوحيد في الحكومة الإسلاميّة (۱)

4
  • محوريّة المصلحة العامّة في مدرسة الإلهيّين

  • أمّا في مدرسة الإلهيّين التي هي مدرسة الأنبياء والأئمّة عليهم السلام والولاة المنصّبين من قبلهم وأولياء الله، في هذه المدرسة لا معنى أصلاً للأنانيّة، لا معنى أصلاً لمحوريّة الأنا، الأمر المطروح هو محوريّة التوحيد، ورعاية الأصلح وانتخابه. أيًّا يكن هذا الأصلح، الأصلح للنظام والأصلح لأمور النظام، هذا هو الذي له مكان بين الناس في حكومة الإلهيّين، وغير الأصلح أيًّا يكن مهما كانت سوابقه سواء كانت له سوابق قتاليّة أو لم تكن له، المهمّ رعاية مدى صلاحيّته في النظام وفي هذا الأمر، هنا لا بدّ أن يطرح هو. ذلك الذي لديه صلاحيّة، وتلك الصلاحيّة أيضًا إذا جعلنا الأمور النفسيّة جانبًا وأردنا أن نختار بعيدًا عن الأغراض والأمور الجانبيّة والكثرات فإنّ معرفته ليست بالأمر الصعب، وإذا ما أخلص الإنسان قلبه بينه وبين الله يمكنه معرفته. هذا الأساس، أساس المحوريّة في المدارس الإلهيّة، لذلك فإنّ آيات القرآن تصرّح بذلك. 

  • محوريّة التوحيد في رسائل المرحوم العلاّمة عام اثنين وأربعين 

  • والرسائل التي كان المرحوم العلاّمة في ذلك الزمان عام اثنين وأربعين يرسلها إلى مختلف الجهات والأفراد كانت تحكي عن هذه المحوريّة، لقد كان الأمر المهمّ في كافّة هذه الرسائل هو التوحيد، ومحوريّة حركة الأفراد كانت على أساس التوحيد. ففي إحدى الرسائل التي أرسلها إلى آية الله الميلاني رحمة الله عليه ـ والذي كان رجلاً صالحًا جدًّا، وكان رجلاً تقيًّا جدًّا وبعيدًا عن الهوى ـ في إحدى الرسائل التي كتبها إليه، بيّن الأمر بطريقة بحيث أنّه اعتمد بصورة عامّة على آيات القرآن...، وفي كافّة رسائله كان يستفيد من آيات القرآن، في كافّة رسائله آنذاك... وقد قال السيّد الميلاني لبعض الناس: كافّة الرسائل التي كانت تصلني من أيّة شخصيّة كنت أقرؤها وأضعها جانبًا، ولكن الرسالة الوحيدة التي كنت أحتفظ بها على الدوام في جيبي وأفتحها كلّما سنحت الفرصة وأطالعها رسالة السيّد محمّد الحسين، فعندما يرسل إليّ رسالة فإنّي أضعها في جيبي، وإلى مدّة طويلة كلّما سنحت لي الفرصة أفتحها بين الحين والآخر وألقي عليها نظرة وأستمدّ منها طاقة ـ هذه كانت عبارته ـ أستمدّ منها طاقة وهذه الرسالة لا تفقد عندي أبدًا حداثتها وطراوتها. 

آثار محوريّة التوحيد في الحكومة الإسلاميّة (۱)

5
  • آثار محوريّة التوحيد: 

  • الأثر الأول: عدم الفرق بين الحاكم وغيره

  • في إحدى تلك الرسائل التي أرسلها إلى آية الله الميلاني رحمة الله عليه يذكر أنّ أساس حركة الحكومة الإسلاميّة هو التوحيد، ويقول هناك: أصلاً ليس في الحكومة الإسلاميّة فرق بين الحاكم وغير الحاكم إلا من باب المسؤوليّة. أي إنّ هذا له مسؤوليّة هذا الأمر، والإنسان الآخر له مسؤوليّة أمر آخر. ليس في الحكومة الإسلاميّة اختلاف بين الحاكم الإسلاميّ وبين واحد من التجّار. أي ذلك الحاكم وظيفته إدارة البلاد على أساس القوانين المسلّمة والمأخوذة من القرآن الكريم وأهل بيت العصمة والطهارة فحسب، هذه هي وظيفة الحاكم الإسلاميّ. ووظيفة التاجر هي تحريك المجتمع واقتصاد المجتمع على أساس المعايير المتّخذة من القرآن الكريم وفقه أهل بيت العصمة والطهارة فحسب. 

  • فانظروا إذن! هناك حركتان. وهكذا الأمر بالنسبة إلى الطبيب في الحكومة الإسلاميّة، وهكذا بالنسبة إلى المهندس، وهكذا بالنسبة إلى سائر الفئات والأصناف وبالنسبة إلى سائر الحرف، حيث إنّ أشكال حركة الإنسان في الحكومة الإسلاميّة مختلفة، ولكنّ المآل وذلك الهدف التي تتوجّه إليه هذه الأشكال ذلك الهدف هو هدف واحد، وبنفس المستوى الذي يستفيد منه الحاكم الإسلاميّ في إدارة المجتمع على أساس المبادئ المسلّمة المتّخذة من القرآن وأهل بيت العصمة والطهارة ويثيبه الله ويؤاجره، بنفس ذلك المستوى يؤاجر بقّالاً أو موظّفًا إذا كان يستفيد في اتّجاه عمله على أساس الضوابط، ولا يختلف الأمر هنا أبدًا. وعلى هذا الأساس ـ دقّقوا جيّدًا ـ على هذا الأساس فإنّ كافّة أبناء المجتمع في الحكومة الإسلاميّة يؤجرون ويثابون ليس على أساس الدور الظاهريّ بل على أساس ذلك الاتّجاه في عملهم نحو تلك الجهة والغاية وذلك الهدف الذي عبارة عن تحقيق التوحيد، فعلى هذا الأساس يثابون ويؤجرون لا على أساس العمل. 

  • الأثر الثاني لمحوريّة التوحيد: زوال الطبقيّة من الحكومة الإسلاميّة

  • فإذا كان الأمر كذلك، فإنّ الطبقات ستزول من الحكومة الإسلاميّة، سيرتفع الكون في الأعلى والكون في الأسفل من الحكومة الإسلاميّة، وسيزول اختصاص طبقة بالوزراء، وطبقة أخرى بالنوّاب، وطبقة ثالثة بعامّة الناس، الجميع يجلسون على سفرة واحدة، إذا امتلأت تلك السفرة تبسط سفرة أخرى، إذا امتلأت تبسط ثالثة. ليس في مدرسة أهل البيت تصنيف للناس، ليس في مدرسة أولياء الله تصنيف للنّاس. 

آثار محوريّة التوحيد في الحكومة الإسلاميّة (۱)

6
  • ذات يوم ذكر المرحوم العلاّمة ـ رضوان الله عليه ـ هذا الأمر في جلسات مشهد أيّام الأعياد والوفيّات، أحد الأمور التي كانت لديه في هذه الجلسات هي أنّه كان يقول: يجب أن تبدأ جلساتنا بين الطلوعين، لأنّ بين الطلوعين وقت إفاضة البركات الإلهيّة وتقسيم الأرزاق في ذلك اليوم، ومن كان مستيقظًا بين الطلوعين فإنّه يستفيد من نصيبه في رزق ذلك اليوم، ومن بقي نائمًا فليس له نصيب من الرزق في ذلك اليوم. وليس المراد الرزق من الماء والخبز، بل زرق أنوار الملكوت والعلوم والأسرار الإلهيّة، فهو ليس له منها. فإذن بناء على ذلك لا بدّ أن يكون المجلس الذي يتشكّل لإقامة ذكر أهل البيت وإحيائه بين الطلوبين لكي تكون الاستفادة أكثر. فعند أوّل طلوع الشمس يشرع الذي يذكر أهل البيت ببرنامجه ثمّ خطيب المنبر، وقد قال أحد علماء مشهد: المجلس الوحيد في مشهد ـ وكان من مخالفيه أيضًا، هذا الناقل كان من مخالفيه ـ كان يقول: المجلس الوحيد في مشهد لأجل رضا الله هو مجلس السيّد محمّد الحسين، يشرع أوّل طلوع الشمس، من شاء يأتي ومن لم يشأ لا يأتي، ثمّ إنّ الناس يمكنهم أن ينطلقوا باكرًا إلى أعمالهم من بعده، فإنّه ينتهي باكرًا فيقومون بأعمالهم. هذا أمر. 

  • والأمر الآخر الذي كان يهتمّ به في هذا المقام هو أنّه وخلافًا لسائر الأماكن التي نراها، هو أنّه لم يكن هناك تقسيم طبقي في ذلك المجلس. فمن البداية كان هناك مكان محدّد يجلس فيه وكان أيّ إنسان يأتي ويجلس قربه، سواء كان معمّمًا أم غير معمّم. ثمّ كان يأتي المعمّم فلا يجد مكانًا فيجلس في وسط المجلس. 

  • العمامة والعباءة ليسا سببًا للطبقيّة وهما لباس عامّ 

  • أمّا أن يأتيَ المعمّمون ويجلسون في جهة معيّنة ويجلس الآخرون أمامهم فلم يكن في منهجه ومدرسته، ولا وجود له في مدرسة الأنبياء. عندما كان يأتي رجل ويبحث عن النبيّ لم يكن يجد نبيًّا، فالجميع جلوس. فيقول: أيّكم محمّد؟ فيشيرون۱. هكذا فالثياب كانت متّحدة الشكل أولاً، وإن شاء الله نأمل أن يتّحد شكل الثياب خلافًا للألبسة المتداولة الآن والآتية من الغرب وترجع إلى سنن الكفر وأمثالها، إن شاء الله ترجع كافّة الثياب إلى ثياب رسول الله، وإن شاء الله إن لم يكن ذلك في زماننا ففي حكومة إمام الزمان ترجع إلى شكلها الواقعيّ. ينبغي أن يكون لباس الناس لباسًا روحانيًّا، وليس المراد بالروحاني ذلك الاصطلاح الموجود عند المسيحيّين والذي يدلّ على الراهب، كلاّ، فعالم الدين وجميع الأفراد ينبغي أن يكونوا متّحدي الهيئة ينبغي أن يكون لباسهم واحدًا، ينبغي أن يكون اللباس واحدًا. رأيت في رواية عن النبيّ الأكرم أنّه قال: لا تزال أمتي على الفطرة ما لبسوا العمائم على القلانس.٢ وقد رأيت هذا الأمر في كتب أحد العلماء المصريّين إمّا أحمد أمين أو طه حسين. فالنبيّ يقول لا يزال أمر الأمّة أو أمر العرب في صلاح ما دامت العمائم على رؤوسهم فإذا وضعوها فقد بدؤوا بالأفول. فمسألة العمامة لا تختصّ بالعلماء، العمامة لباس الرجال، لباس الرجل المسلم. كما يعدّ الآن القميص والسروال لباسًا للرجال لا تلبسه النساء، فلباس النساء هو بنحو ولباس الرجال هو بنحو آخر. فلباس المرأة هو بأن تلبس ما يصون حجمها وخصوصيّاتها عن نظر الأجنبيّ، وبالطبع هذا لا يختصّ بالعباءة، كلاّ بل يمكن أن يكون غيرها أيضًا حجابًا كاملاً للنساء، وربّما يكون راجحًا في كثير المواضع، فليست العباءة وحدها. فكما أنّ المرأة في مجتمع متديّن لا ترتدي قميصًا وسروالاً، فكذلك على الرجل أن يكون لديه لباس يليق به من حيث القواعد الدينيّة والأصول الشرعيّة، فاللباس الذي يلبسه الرجل لا بدّ أن يكون بحيث إذا نظر إليه ناظر لا يخرج ذهنه عن حال الاعتدال. هذا هو اللباس الذي يجب أن يعتمد. وبناء على ذلك فالألبسة التي يلبسها الناس أحيانًا حتّى من الرجال وتجسّد أبدانهم أمام الملأ العام، ليس للبسها مجوّز شرعيّ، لا بدّ أن يكون اللباس حتّى للرجل لباسًا لا يجسّد حجم بدنه في أنظار النساء بحيث لا يثير في أذهانهنّ وسوسة أو خاطر سوء أو تصوّرًا غير صحيح، تمامًا كما هو الحال في هذا الأمر بالنسبة إلى المرأة. ولكن ما هو أفضل لباس؟ أفضل لباس هو الذي ختاره الله للناس في الظروف العاديّة، ففي بعض الظروف لا يمكن، فمن الممكن أن يختلف اللباس، ففي الشتاء في بعض المناطق يمكن أن يكون بنحو آخر، ولكن في الأحوال العاديّة هو هكذا، فكما يستفاد من الروايات ومن الأخبار فاللباس هو العمامة والعباءة واللذان لا يختصّان بالعلماء، وإن شاء الله سنشهد هكذا حالاً في أسرع وقت من بأيّ نحو مناسب في الحكومة الإسلاميّة، في حكومة إمام الزمان. 

    1. انظر: بحار الأنوار: ج٢۱، ص ۸۸؛ ج٣٩، ص ۱۸۷؛ ج٤۱، ص ٢٣۰. ج٤٣، ص ٣٣٤. 
    2. كنز العمّال، ج ۱٥، ص ٣۰۸. وفيه أيضًا: العمائم وقار للمؤمن وعز للعرب ، فإذا وضعت العرب عمائمها وضعت عزها.

آثار محوريّة التوحيد في الحكومة الإسلاميّة (۱)

7
  • وأذكر أنّه في ذلك الزمان عندما ذكر المرحوم العلاّمة هذه الأمور قال لي أحد أصدقائنا الدكتور سجّادي حفظه الله وكان في منزلنا: يا سيّد فلان! بناء على هذه الأمور التي ذكرها السيّد اليوم عليّ أنا أن أتعمّم أيضًا؟! 

  • قلت: نعم أنت أيضًا يجب أن تتعمّم. 

  • قال: يعني أذهب بالعمامة إلى المستشفى؟!

  • قلت: ما المشكلة في ذلك؟ اذهب بالعمامة إلى المستشفى، فإذا أردت أن تدخل إلى غرفة العمليّات فانزعها والبس لباس غرفة العمليّات، فهذا ليس أمرًا مهمًّا، فأنا بنفسي ذهبت إلى المستشفى ودخلت إلى غرفة العمليّات حيث كان أحد أصدقائنا يجري عمليّة في العين وحضرتُها، فذهبت إلى المستشفى ـ ولا يمكن دخول غرفة العمليّات بالعمامة والجبّة ـ فوضعتها جانبًا، ولبست لباس غرفة العمليّات ودخلت وشاهدت العمليّة. فهذا ليس سببًا لأن يبقى الإنسان لابسًا لها، بل على الإنسان أن يقوم بما يناسب من الظروف، فما الإشكال في ذلك؟ قلت: أنت ضع العمامة على رأسك واذهب بكلّ ثقة بعمامة وجبّة إلى المستشفى. ولحسن الحظ سرّ كثيرًا ورضي، ولكن للأسف مضى على تلك الحادثة مدّة، وإن شاء الله إذا التقيت به من جديد سأنفّذ له ذلك البرنامج. 

  • وعلى كلّ حال فالأمر هو هكذا، في الحكومة الإسلاميّة لا بدّ أن تكون المحوريّة للتوحيد. كان المرحوم العلاّمة يقول: إنّ خصوصيّة مجالسنا هي أنّه ليس فيها تمييز بين العالم وغير العالم. انظروا الآن إلى هذا المكان، أنا أنظر الآن من هذا الجانب فأرى الرفقاء والأصدقاء بينهم أفراد من غير العلماء وبينهم أصدقاء من العلماء آحادًا. وفي وسط المجلس أيضًا الأمر كذلك، حيث يجلس غير العلماء كما يجلس العلماء أيضًا، وهذا المجلس مورد رضا إمام الزمان والنبيّ. أمّا التمييز وجعل حساب وكرسي وفراش ومتّكأ وأمور أخرى، هذا التمييز يمكن أن تعدّ له مصالح، هذه العزّة وهذه الكرامة هي نوع من التبليغ و... ولكن كلّ ذلك يا عزيزي لا محلّ له من الإعراب عند أرباب العقول. الحقيقة ترجع إلى أمور أخرى. لماذا نبتعد؟ كلاّ، ليس بين العالم وغير العالم فرق والجميع في مكان واحد، انظروا كم يختلف الأمر، كم تختلف المسألة، كم يختلف الحال؟ فكما أنّ العالم بذل جهودًا وتعب وسعى لأجل لله لإحياء الدين، فإنّ الآخرين من مختلف الفئات قاموا بذلك أيضًا. لقد درس هؤلاء أيضًا، وهم يبذلون الجهود، من أيّ فئة كانوا ومن أيّ طيف. 

آثار محوريّة التوحيد في الحكومة الإسلاميّة (۱)

8
  • إن كان الأمر يرجع إلى النيّة والهدف فجيّد، فكما أنّ النوايا الحسنة والسيئة موجودة عند فئة معيّنة، فإنّ النوايا الحسنة والسيئة يمكن أن تكون موجودة في سائر الفئات، فهذا ليس فارقًا.

  • الأثر الثالث لمحوريّة التوحيد: توجّه الدعوة والخطاب إلى جميع أصحاب الفطرة 

  • فعلى هذا الأساس إنّ المحوريّة الوحيدة التي كانت لدى المرحوم العلاّمة في مجالسه وخطواته ونشاطاته السياسيّة عام اثنين وأربعين وتلك النقطة المهمّة والأساسيّة التي كان يرتكز إليها هي مسألة التوحيد؛ فكان يقول: من وجهة نظر الشارع ووفق مباني الدين لم يعد هناك فرق بين أبناء المجتمع في تحقيق أصول وقواعد الحكومة الإسلاميّة. لم يعد هناك احترام خاصّ لفئة معيّنة دون الآخرين. الجميع سواسية، لماذا؟ لأنّ هذه الظاهرة الإلهيّة وهذه الذخيرة التي أودعها الله في الأفراد لأجل تكاملهم وتعاليهم والتي هي ذخيرة الفطرة هي موجودة عند جميع الناس، وعلى أساس تلك الذخيرة وتلك الظاهرة فإنّ الله تعالى يخاطب بالتكليف جميع أفراد الناس؛ على أساس هذه الفطرة يخاطب الله النبيّ الأكرم بالتكليف، ويخاطب أمير المؤمنين بالتكليف، ويخاطب سلمان بالتكليف، ويخاطب أبا سفيان بالتكليف، ويخاطب معاوية ويزيد بالتكليف، لأنّ هذه الذخيرة موجودة في معاوية هذا وفي يزيد هذا قاتل سيّد الشهداء، ولو لم تكن موجودة، لكان هؤلاء كالبهائم، ولم يكونوا مكلّفين. هذه الفطرة وهذه الذخيرة هي ذخيرة قسّمت بالسويّة بين جميع الأفراد، العالي والداني يتمتّعان بهذه الموهبة الإلهيّة، العالم والجاهل يتمتّعان بهذه الموهبة الإلهيّة، الغنيّ والفقير يتمتّعان بهذه الموهبة، ولأنّ خطاب التكليف في المجتمع هو على أساس الفطرة وعلى أساس هذه الذخيرة الإلهيّة فإنّ تلك النقطة المهمّة في اتّجاه حركة المجتمع هي عبارة عن الفطرة. لذا فإنّ القرآن نزل على الفطرة لا على الظواهر. القرآن نزل على فطرة كلّ واحد من الناس. وكلمات رسول الله والأئمّة الأطهار ترجع إلى فطرة كلّ واحد منّا. والكلمات الإلهيّة لها عمل مع فطرة كلّ واحد منّا. فكما نزل القرآن على رسول الله نزل أيضًا عليّ، ونزل عليك، ولكلّ واحد من الناس. ولو كان قد نزل فقط على رسول الله فلماذا أقرؤه أنا؟ ماذا أستفيد منه أنا؟ 

آثار محوريّة التوحيد في الحكومة الإسلاميّة (۱)

9
  • مثل كلام أمير المؤمنين عليه السلام في تلك الوصيّة التي له، الوصيّة التي في نهج البلاغة والتي هي واقعًا وصيّة عجيبة: ومن وصيّة له عليه السلام إلى الحسن بن علي في حاضرين... والتي هي من معجزات أمير المؤمنين عليه السلام، هذه الوصيّة في نهج البلاغة، وتسير بالإنسان في طول التاريخ، تمشي قدمًا مع جميع الأفراد وتحرّك الإنسان مع كافّة الأصناف، وهي تجعل كافّة الأحوال والأطوار التي مرّت على الآخرين في مرأى ومنظر الإنسان وكأنّ الإنسان بنفسه موجود في تلك المواضع، له وجود حقيقيّ يلاحظ تلك الحقيقة. هذه الوصيّة هي وصيّة أمير المؤمنين ولكن لو أنّ أحدًا قال لأمير المؤمنين: لو أنّ هذه الوصيّة كانت للحسن لما كانت تستحقّ كلّ هذه الجهود. فماذا يجيب أمير المؤمنين؟ يقول: ظاهر هذه الوصيّة للحسن، وباطن الأمر وواقعه لكلّ واحد منكم يا شيعتي. هذه الوصيّة خطابها هو إلى الابن والإمام المجتبى، ولكن في الواقع الإمام المجتبى لا يحتاج إلى وصيّة، الإمام المجتبى هو في نفسه إمام، وهذه الوصيّة لي ولك، هذه العبرة من الدنيا هي لي ولك. في الليلة العشرين أو في الليلة الواحدة والعشرين يقول أمير المؤمنين في تلك الوصيّة التي في نهج البلاغة: 

  • أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي.۱

  • وصيّتي هذه هي لأولادي ولكلّ من وصلت إلى أذنه؛ لذا فإنّ المرحوم العلاّمة عندما كان يتحدّث في الليلة الواحدة والعشرين في مسجد القائم أثناء إحياء ليلة القدر وكان يقرأ هذه الوصيّة، قال لنا جميعًا: من الآن لا تقولوا لسنا مورد وصاية أمير المؤمنين. هذه الوصيّة التي قرأتها عليكم الآن أوجبت التكليف عليكم، فقد قال أمير المؤمنين في النهاية: لمن بلغه. وقد قرأتها عليكم الآن، فنحن الآن موضع وصيّة أمير المؤمنين، وفي يوم القيامة يتقدّم أمير المؤمنين ويقف أمامنا ويقول: لماذا لم تعملوا بوصيّتي؟ 

  • ـ أيّة وصيّة؟ 

  • ـ الوصيّة هي لكلّ واحد من الناس. 

  • في مثل هذه الحالة فإنّ هذه الوصيّة تتوجّه إلى فطرة كلّ واحد منّا، أمير المؤمنين عليه السلام يتكلّم مع فطرة كلّ واحد من بني آدم إلى يوم القيامة، في أيّ شكل كان هؤلاء، نساء كانوا، فليكونوا، لديهم فطرة، رجالاً كانوا، فليكونوا، لديهم فطرة، صغارًا كانوا، لديهم فطرة، كبارًا كانوا لديهم فطرة، وليس في الفطرة زيادة ونقصان. علماء كانوا، لديهم فطرة، جهلاء كانوا، لديهم فطرة، كلّ الأفراد الذين ينطبق عليهم اسم الإنسان هم أصحاب فطرة، ومشمولون لخطاب القرآن ومشمولون لخطاب التكليف. هذا الأمر عبارة عن محوريّة التوحيد. 

    1. نهج البلاغة ج٣، ص ۷٦.

آثار محوريّة التوحيد في الحكومة الإسلاميّة (۱)

10
  • وما هي تلك الفطرة؟ (فطرة الله التي فطر الناس عليها)۱ الفطرة الأولى لدينا عنها تعبير بالتوحيد. الفطرة الثانية نعبّر عنها بنزول الأسماء والصفات الإلهيّة في الأفراد، ونزول الأسماء والصفات الإلهيّة في الأفراد تؤدّي إلى الرجوع إلى تلك الفطرة الأولى التي هي التوحيد بواسطة العقل والحجّة الباطنة والظاهرة. فإذن محوريّة حركة الحكومة الإسلاميّة في المجتمع لا بدّ أن تكون على أساس الفطرة. ولذلك كتب في رسالته إلى قائد الثورة سنة اثنين وأربعين أنّه ينبغي أن لا يكون اهتمامكم وخطابكم للمجتمع خاصًا بفئة معيّنة، لا بدّ أن يكون إلى جميع أفراد المجتمع من العالي والداني، من ملك الدولة إلى ذلك الحارس الواقف، لا بدّ أن يكونوا موردًا للخطاب. لماذا؟ لأنّكم أنتم تقومون بإلقاء هذا الخطاب إلى المجتمع بعنوانكم ممثّلين لرسول الله وبعنوانكم مبلّغين للرسالة الإلهيّة هنا، لا على أساس فئة خاصّة. عندما ينظر الناس إلينا فلا ينظرون إلينا على أنّا طبقة معيّنة. لقد صرنا في وضع الآن بحيث إنّ لباسنا يختلف عن لباس الناس، لو أنّ الجميع كانوا ذوي هيئة واحدة، لاختلف الأمر. لقد غدا الأمر الآن بنحو جعلنا منفصلين عن المجتمع وضمن طبقة خاصّة، أمّا لو فرضنا أنّا كنّا جميعًا ذوي لباس واحد، جميعًا أصحاب موقع واحد، لكان الأمر سيرجع فقط إلى العلم والاطّلاع على هذه المسائل الفقهيّة والقواعد الشرعيّة من الفقه وغيره. فإذن علينا أن ننظر ما هي رؤية المجتمع ورؤية الناس إلى الإنسان المتصدّي والمتولّي للحكومة الإسلاميّة. ما هو نوع نظرة الناس إليه؟ هل التفتّم؟ هنا يمكن أن يختلف الأمر كثيرًا. عندما بعث رسول الله من قبل الله، وليس فقط رسول الله بل سائر أنبياء الله، أوّل من خاطب هم السلاطين والحكّام، لأنّه إذا صلح الحاكم صلح المجتمع، وإذا فسد الحاكم فسد المجتمع لا محالة. فإذن أوّل حركة لأنبياء الله ورسله كان متوجّهة مباشرة إلى الحاكم نفسه، مباشرة متوجّهة إلى السلطان نفسه. الرسائل التي كان النبيّ يكتبها للسلاطين لم تكن رسائل من عنده، لم تكن رسائل تصنّعيّة، لم تكن الرسائل ليقولوا للآخرين: انظروا نحن كتبنا رسالة ورأيتم ماذا صنعوا، كلاّ لم يكن الأمر كذلك، بل واقعًا كان رسول الله يتعامل مع ملك الروم وملك إيران وملك مصر والحبشة وأثيوبيا واليمن، بعين تلك الرؤية وتلك النظرة التي ينظر بها إلى سائر الصحابة، وكان يتعامل معهم بالطريقة عينها، أي كان يراهم أناسًا ـ التفتوا ـ كان يراهم أصحاب فطرة إنسانيّة، كان يراهم بشرًا. لا أنّ رسول الله كان يميّز: هذا القرآن والكتاب هو للنّاس، وليذهب ذلك السلطان إلى الدرك الأسفل وإلى جهنّم! علينا نحن أن نقوم بواجبنا نحوهم. أن نرسل إليهم رسالة شكليّة وتصنّعيّة ثمّ نقول للآخرين: لقد دعوناهم. كلاّ لم يكن الأمر كذلك، لقد كانت رؤية رسول الله رؤية توحيديّة، لم يكن يفرّق بين الناس، كلّ الناس لهم نصيب من هذه الظاهرة والموهبة الإلهيّة. وكم كان عملاً مناسبًا ما قام به زعيم الثورة رحمة الله عليه في تلك الرسالة التي كتبها إلى أحد رؤساء الجمهوريّة في دول روسيا يدعوه إلى الإسلام وإلى التوحيد، لقد كان هذا العمل عملاً رائعًا وليته تحقّق أيضًا بالنسبة إلى سائر الأفراد. هل التفتّم؟ جميع الناس من وجهة نظر توحيديّة لديهم قابليّة، غاية الأمر أنّ الدنيا تأتي وتلقي حجابًا، تزيّن لهم أعمالهم، وتبعدهم عن الوصول إلى الواقع. فوظيفة مَنْ إزاحةُ هذه الحجب؟ إنّها وظيفة الحاكم الإسلاميّ. على الحاكم الإسلاميّ أن يأتي ويزيح هذه الحجب جانبًا، يلفت أبناء المجتمع والغارقين في الأهواء النفسيّة والكثرات إلى الفطرة ، يوقظهم إلى المبادئ المقبولة، يوقظهم إلى تلك الحقيقة التوحيديّة، فإنّ نزول تلك الحقيقة التوحيديّة هو على الجميع بالسويّة. حقيقة التوحيد تلك لا تعرف سلطانًا ورعيّة، حقيقة التوحيد تلك لا تعرف عاليًا وسافلاً، الجميع سواسية. 

    1. سورة الروم (٣۰)، قسم من الآية ٣۰. 

آثار محوريّة التوحيد في الحكومة الإسلاميّة (۱)

11
  • الأثر الرابع لمحوريّة التوحيد: الدعوة بالمنطق واللين

  • يأتي جعفر الطيّار من قبل رسول الله بعنوان لاجئ ومبلّغ ورسول رسول الله إلى الحبشة ويلتقي مع النجاشي ملكها، فيتحدّث ويقدّم أفكارًا، لا يحمل سوطًا ولا يستعمل سيفًا ولا يأمر ولا ينهى ليمنعه من الوصول إلى الحقيقة. هل التفتّم؟ يتكلّم معه [كما تقول الآية] (فقولا له قولاً ليّنًا)۱، (اذهبا إلى فرعون إنّه طغى)٢ قوما فأنتما تليقان للنبوّة، تليقان لإبلاغ الرسالة، أنتما مستعدّان، إنّ نفسيكما صارتا مستعدّتين، لقد صرتما مختلفين عن سائر الناس، فبما أنكما مختلفان فلا تحرما الآخرين من هذه النعمة، ادعوا الآخرين إلى هذه المائدة أيضًا. قوما! اذهبا إلى فرعون، أسوأ إنسان على وجه الأرض هو فرعون (إنّه طغى) لقد خرج عن دائرة العبوديّة ماذا تصنعان؟ (فقولا له قولاً ليّنًا) تحدّثا معه، تكلّما بكلام منطقيّ، لا تستعملا: يجب ويمنع، وإن لم تفعل كذا فلا تدري ماذا سأنزل بك. ليّنا صحيحًا منطقيًّا: يا جناب فرعون! السلام عليكم! 

  • ـ عليكم السلام! 

  • ـ نحن رجلان مثلك، أنت لديك عين وحاجب، ونحن لدينا، أنت لديك فم ونحن لدينا، أنت لديك قلب، ونحن لدينا، تلك الفطرة التي لدينا هي لديك أيضًا، نريد أن نحقّق حول الأمور بشكل واضح. صحيح، بشكل أخوي، تعال وحقّق حول الأمور بإخلاص وإشفاق (لعلّه يتذكّر أو يخشى) ربّما يتذكر، لا يقول حتمًا، ففي النهاية الدار دار امتحان (لعلّه يتذكّر) لعلّه فهو لديه فطرة أيضًا مثلكم، تكلّموا معه، اطرحوا معه الأمور. 

  • بعض مقترحات المرحوم العلاّمة في دعوته

  • كان المرحوم العلاّمة يقول سنة اثنين وأربعين: لماذا لا نذهب إلى الشاه ونكلّمه؟ علينا أن نذهب إليه ونطرح كلامنا، نقول له: أنت ماذا تريد؟ أنت تريد أن توصل البلد إلى الحضارة، نحن نريد أن نوصله إلى أعلى من الحضارة، فإذن لا خلاف بيننا. أنت تقول لا بدّ أن يصل هذا البلد إلى تكنولوجيا بمستوى جيّد، وأنا السيّد الطهراني السيّد محمّد الحسين أقول: يجب أن يصل هذا البلد إلى أعلى نقطة من التكنولوجيا في الدنيا، فهل لديك كلام هنا أيضًا؟ سيقول: كلاّ في النهاية، ليس لديّ كلام. أنت تقول يجب أن يكون جميع أبناء هذا البلد ذوي علم وخبرة؟ ـ طبعًا لا أدري إن كان يقول ذلك أم لا، لا اطّلاع لي على ذلك فنحن ننقل لسان الحال ـ حسنًا، نحن نقول: إنّ شعار الإسلام هو: اطلب العلم من المهد إلى اللحد.٣ اطلب العلم ولو بالصين.٤ من كلمات النبيّ ويرويها أهل السنّة أيضًا، ومدرسة أهل البيت أيضًا تثبت ذلك. فهل هناك أرفع من ذلك؟ أنت تريد مثلاً أن يكون هناك اهتمام في المجتمع بالأمور الأخلاقيّة، ونحن نريد أن يكون الإيرانيّون أنموذجًا في جميع الدنيا. حسنًا نأتي ونجلس ونتحدّث. غاية الأمر أنّ ما نقوله هو أن ترتكز الحضارة إلى الضوابط الأخلاقيّة في المجتمع، أنت تقول برفع الضوابط الأخلاقيّة، لا بدّ أن يباح التحلّل، وكلّ إنسان يكون حرًّا فيما يصنع، لا بأس نحاكم هذا الأمر أيضًا، نجمع العقلاء، أيّها العقلاء! هؤلاء هم متديّنون عقلاء أصحاب شخصيّة وشأن، هل يمكن الوصول إلى الفضائل الأخلاقيّة في مجتمع متحلّل، في مجتمع فيه ألف نظرة غير صالحة، في مجتمع يتحرّك فيه الناس بشكل مثير ومخرّب؟! هل يمكن الوصول إلى ذلك الكمال والتكامل الإنسانيّ أم لا؟ الجميع يقولون: لا. نقول: حسنًا. عندما تأتين إلى الشارع في ساعة من ساعاتكنّ فضعن على رؤوسكنّ حجابًا لأجل العفّة والغيرة، ثمّ إذا ذهبتنّ إلى منازلكنّ فاخلعن ما شئتم، لا إشكال. إذا دخلتِ إلى الشارع فلا بدّ أن تكوني بشكل طبيعيّ، وكذا الرجل، بحيث أنّه إن لم يكن على ذلك الشكل لا بدّ أن يعاتب ويؤنّب من قبلك، هذا ما نتوقّعه منكِ. 

    1. سورة طه (٢۰)، الآية ٤٤. 
    2. سورة طه (٢۰)، الآية ٤٣. 
    3. راجع حول هذا الحديث المنسوب إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله: حكم النبيّ ج۱، ص ٢٢۰، دار الحديث، حيث نقله عن: 
      ۱.آداب المتعلّمين : ص ۱۱۱ .
      ٢.الوافي : ج ۱ ص ۱۲٦ وقت الطلب من المهد إلى اللحد
      ٣.تفسير القمّي : ج ۲ ص ٤۰۱ .
    4. عوالي اللآلي، ج٤، ص ۷۰. 

آثار محوريّة التوحيد في الحكومة الإسلاميّة (۱)

12
  • هل في المجتمع الذي يشعر فيه الإنسان بالأمن... لقد كانت لدينا في الساعة الحادية عشرة ليلاً جلسات دعاء أبي حمزة الثمالي للمرحوم العلاّمة، عندما كنّا نخرج من مسجد القائم إلى المنزل، وفي الطريق... كان الطريق بين المنزل إلى مسجد القائم سبعة دقائق، وكان هناك أحد عشر متجرًا لبيع الخمور. كنّا نصل بسبعة دقائق عندما نخرج من المنزل إلى مسجد القائم، واضح؟ فعندما كنّا نمشي في هذا الشارع كانت هناك مشاهد عجيبة، فكانوا يخرجون للتوّ، وكانوا يتعرّضون للناس، كانوا يلحقون بنا، يتكلّمون، فكنّا نطردهم أحيانًا. فهل المجتمع هكذا وعلى هذه الحال جيّد؟! أم لا بل أن يعيش الناس جميعًا بشكل عقلائي وبشكل منطقيّ في ذلك المجتمع؟ الخمر يذهب بعقل الإنسان، القمار يذهب بعقل الإنسان، مراكز الفساد تذهب بعقله، لا بدينه فحسب، بل تفسد عقل الإنسان. فإذن نقوم بعمل ما، نقول: أيّها السادة! نقسّم الأمور، لا بدّ أن يكون المجتمع طاهرًا، لا بدّ أن يكون المجتمع سالمًا، لا بدّ أن يكون المجتمع مكانًا مناسبًا للتكامل والترقّي لكلّ إنسان له شخصيّة. فنجعل المجتمع بهذا الشكل، في المنزل وفي الداخل ليفعل كلّ إنسان ما يحلو له لا شأن لأحد معه، ألم يكن الحال كذلك في زمان رسول الله؟ ألم تكن هناك فحشاء في الخفاء؟ ألم تكن في زمان الخلفاء، الخلفاء الثلاثة؟ كانت. وفي زمان الأئمّة على كلّ حال كانت الخلافة بيد غيرهم. لا أحد يمنعك من ممارسة أيّ عمل في الخفاء، هذا يرتبط بالإنسان نفسه بينه وبين الله. أمّا رعاية الظاهر فهو حقّ طبيعيّ وأوّليّ لكلّ إنسان متمدّن في المجتمع. لا بدّ أن يتمكّن هذا الإنسان من الاستفادة من حقّه. نحن لا يمكننا أن نسير في المجتمع مغمضي الأعين، نحن لا يمكننا أن نسير في المجتمع ودائمًا مبتلين بأفكار غير مناسبة ومتزلزلة. أهلنا وأبناؤنا وسائر من يرتبط بنا لهم حقوق لا بدّ أن تحقّق بهذا النحو. هل هذا الكلام سيّئ؟ انظروا لا يبقى مكان للاعتراض. 

  • كان المرحوم العلاّمة يقول في ذلك الزمان: علينا أن نعرض مدرستنا لجميع الناس بشكل منطقيّ ومشفق وناصح. يجب أن يكون لدينا مراسلات مع كافّة الرؤساء والسلاطين ورؤساء الجمهوريّات في الدنيا، يجب أن يكون لنا كلام معهم، يجب أن نبيّن لهم الأمور. لعلّ شعلة تنقدح في فطرتهم فجأة فيقبلون، لعلّهم يدركون هذا الأمر. ما الفرق في هذا المجال بين أن نأتي ونقف أمام هذا الأمر ونجعل سدًّا ونعتزل جانبًا ويتّخذ الآخرون جانبًا آخر. هذه المدرسة هي مدرسة أولياء الله. مدرسة أنبياء الله لا تفرّق بين النجاشي وغير النجاشي. لذلك يأتي جعفر، ومن هو جعفر؟ ربيب يد النبيّ الأكرم، ابن عمّ النبيّ وربيبه. يقف هناك في قصر النجاشي حيث الأمر والنهي، غير عابئ بكلّ ذلك فيقول: كلّ هذا هو ظاهر الدنيا، أنا لي عمل معك أنت أيّها النجاشي ومع فطرتك، لا عمل لي مع هذه الأعمدة التي هنا، لا تهمّني هذه الستائر المطرّزة بالذهب المعلّقة هنا، لي عمل معك أنت، هل هناك شيء من فطرتك أم لا؟ لي عمل معه. يبحث عن ما بقي من الفطرة، ويضع يده عليه، ويمضي إليه، لا يزال باقيًا، لا تزال تلك النافذة باقية، لا يزال ذلك المصباح يبعث ببصيص، عندما يسمع ذلك الكلام يتأمّل في نفسه، يفكّر في نفسه، يرى أنّ الأمر حقّ. وما إن يرى أنّه حقّ يشرع الشيطان بالشيطنة، يأتي أولئك الرسل فماذا يقولون؟ يقولون: يا جناب النجاشي! أنت جالس هنا ويتكلّمون معك، ألا ترى؟ إنّهم يثيرون الجوّ بالضجيج، بأيّ حقّ يتكلّمون مع السلطان يا جناب النجاشي؟ وهو أيضًا ذكيّ ويقول: اسكتوا! دعوه يكمل. فيشرع بقراءة آيات سورة مريم: (كهيعص ذكر رحمت ربّك عبده زكريّا إذ نادى ربّه نداء خفيًّا)۱ يسمع الكلام: هذه أمور لا يعلم بها أحد، من قالها؟ النبيّ قالها، هذا نبيّنا، يقول نبيّنا: يجب أن يعبد إله واحد، لا معنى للتثليث، وهو نفسه عبد. ينظر إلى فطرته فيقول: صحيح هذا هو الحقّ، لماذا قلنا نحن بالتثليث؟ التثليث لا ينسجم مع الوحدة، هناك إشكال. ويبدأ أولئك: يا جناب الملك أنت... فما إن يروا أنّ المشهد يتغيّر شيئًا فشيئًا، يريد أن أن يأتي الملاك بدلاً من الشيطان، فهم يرون في النهاية، مراقبون، بدلاً من الشيطان والكثرات تأتي الملائكة وتملأ قلبه، فيشرع من هذه الجهة: آه، لقد أسيء إليك، آه لقد تكلّموا ضدّك، آه لقد قالوا عن فلان كذا، آه إنّهم يدّعون لأنفسهم ما ليس لهم، آه إنّهم يتحدّثون عن أنفسهم، إنّهم لا يراعون هنا... فما الأمر؟ إن كان الكلام كاذبًا فقل هو كاذب، لماذا تفتري؟ إن كان كذبًا فقل هو كذب، إن كان صوابًا فهو صواب. يتحدّثون عن أنفسهم، ولماذا يذكرون الآخرين و...؟ فما هذا الكلام؟ هذا كلّه كلامهم. وما إن يرى أنّ الأمر يتغيّر عند النجاشي يشرع: لقد سفّهوا آلهتنا، لقد أثاروا الناس. يقول: إن كانوا فعلوا فلا بأس، هل كلامهم صحيح؟ إن كان الكلام هكذا فهو صحيح، إن كان هناك أمر آخر فقولوه. انظروا كم هو صريح التوحيد، وكم هو شجاع وليس لديه مواربة. لا حاجة إلى الإخفاء، لا حاجة إلى التأويل، لا حاجة إلى التوجيه، لا حاجة إلى الإخفاء، لا حاجة إلى الخداع والمكر. أمّا سائر المدارس فمليئة بالتبرير مليئة بالتأويل، مليئة بالاحتيال، بأخذ هذا وأخذ ذاك، بإثارة الشائعات، وصناعة الأجواء، أمّا في مدرسة التوحيد لا وجود لذلك. هذا هو كلامنا إن أحببت فخذ به أو فدعه، في أمان الله. بكلّ بساطة، بدون أيّ ... هذه هي المسألة.

    1. سورة مريم (۱٩)، الآيات ۱ـ ٤. 

آثار محوريّة التوحيد في الحكومة الإسلاميّة (۱)

13
  • ـ الكلام الذي كتبتَه يصادم فلانًا.

  • ـ يصادم فلانًا فليصادمه، هل هو كذب؟ فليصلح نفسه فلا يصادمه، لا حاجة إلى هذه الأمور. 

  • المرحوم العلاّمة ألف كتابًا، وكانت لديه بعض المحاضرات حول وظيفة الفرد المسلم في إحياء حكومة الإسلام. وقال في ذلك الكتاب: لقد قلت لسماحة آية الله الخمينيّ هذا الأمر، وقلت له هذا الأمر، فإمّا أن يأتي ويقول إنّ هذا الكلام كذب، هذا غير صحيح. فهذا أمر آخر، وحينها سيحتاج الأمر إلى الإثبات. بدلاً من هذا فماذا علينا أن نفعل؟ علينا أن ندرس الأمر بطريقة أخرى. 

  • ـ من أنت لكي تتكلّم عن آية الله الخمينيّ؟ ما شأنك لكي تطرح نفسك؟ ألم يقولوا؟! ألم ينشروا في المجلاّت؟ أنا بنفسي قرأت في مجلّة: ما شأنه حتّى يأتي ويتكلّم عنه بهذا الكلام؟ أنا بنفسي [رأيت] في الكتاب الذي نشر عن الشيخ مطهّري ـ اذهبوا واقرأوا ـ يقول فيه: أنا في تلك الرسالة قلت للسيّد الخمينيّ هذا الكلام. فهل علينا أن نعترض عليه أن لماذا قلت ذلك؟ كلاّ، فمن الطبيعيّ أن يطرح عالم دينيّ أمرًا على عالم دينيّ آخر. لماذا لا يُعترض على الشيخ مطهّري؟ كتابه موجود، اقرؤوه. لقد لفتُّ نظره إلى هذا الأمر، وأصرّيت وكذا وكذا. هذا أمر طبيعيّ. أمّا عندما يأتي رجل مثل العلاّمة الطهراني ويكتب كتابًا ويطرح فيه حقائق واقعيّة وأصيلة وإسلاميّة فماذا يصبح الأمر؟ يصبح مثل قصّة النجاشي، لقد جاؤوا وتحدّثوا معك، أنت سلطان وهم يتكلّمون معك، هل أنت سمحت لهم أن يتكلّموا معك؟ من هم الذين يفعلون ذلك؟! هؤلاء سفلة بمراتب سافلة جدًّا بحيث لا يمكلون أيّ شأن اجتماعيّ، إثارة الضجيج وصناعة الأجواء و... ما ذلك؟ من الواضح أنّه إلى أيّ درجة... بالنسبة لهذا الأمر.

  • بل حتّى سمعت أحد العلماء ـ وكنّا في مسجد القائم وكان هناك إحدى الليالي التي تحيا فذهبنا لإحيائها فيه. وكان المرحوم العلاّمة في مشهد ـ من على منبر مسجد القائم كان يعترض ويهين المرحوم العلاّمة بالكناية أن: نعم بعضهم يدّعي العرفان ثمّ يتكلّم عن نفسه على الدوام، لقد قلت هذا وأنا قلت هذا. فماذا يقول إذن؟ هل يقول: لقد قلنا، نحن قلنا هذا؟ أنا قلت في النهاية، أنا قلت لفلان هذا الكلام. هل تلتفتون؟ ما دمت لا اطّلاع لديك على نيّة هكذا شخصيّة وهل هذه النيّة على أساس الاتّجاه الإلهيّ أم على أساس الأنا فعلى أيّ أساس أيّها العالِم تتّهم هكذا شخصيّة، وتحمل كلامه على أحد الوجهين؟ لماذا؟ فنحن من الأساس نقول هذا موضع احتمال، لا نقول فقط إنّ قصده هو بيان الأمر، لا، بل نقول: يحتمل أن يكون قصده في هذه الأمور هو طرح نفسه، نحن نحتمل ذلك، ما لم يثبت لنا تعيين أحد طرفي الاحتمال فهل يمكننا شرعًا أن ننسب مؤمنًا إلى أمر مخالف للشرع؟ فمن المعلوم إذن أنّك أنت من يخالف الشرع. أضف إلى ذلك أنّ المورد من موارد السالبة بانتفاء الموضوع۱، فقد ذهبنا وقلنا له ذلك، وهو أجابنا بجواب، فكأنّما تتكلّم مع هذا الباب، لم يكن هناك شيء بحيث يأتي الإنسان مثلاً... 

    1. السالبة بانتفاء الموضوع اصطلاح منطقي يعني القضيّة التي تكون صادقة لأنّه لا وجود لموضوعها لا لأنّه موجود وغير متّصف بتلك الصفة التي في القضيّة، كما لو قيل: ليس أب عيسى بن مريم بآكل ولا شارب فهي صادقة لأنّه لا وجود لأب عيسى بن مريم وبالتالي فلم تصدر عنه هذه الأفعال، لا أنّه موجود ولم تصدر عنه. (راجع منطق المظفر، ص ۱٦٥)

آثار محوريّة التوحيد في الحكومة الإسلاميّة (۱)

14
  • هناك اختلاف، اختلاف في الأذواق، إنسان يشخّص هكذا، وآخر يشخّص بشكل آخر. نحن لسنا معصومين، المعصومون هم أربعة عشر فحسب، وانتهى الأمر. وبالطبع فإنّ الرابع عشر بقيّة الله لا يزال ظله فوق رؤوسنا. المعصوم هو إمام الزمان وفقط، وانتهى الأمر، ليس هناك معصوم غير إمام الزمان. إن صعدنا أو نزلنا فلن نجني فائدة إلا إتعاب أنفسنا والآخرين. فمن الأفضل أن نعترف بصراحة أنّ المعصوم هو إمام الزمان فحسب وقضي الأمر. 

  • هذه المحوريّة تغدو محوريّة التوحيد. لذلك فإنّ الأمر المهمّ هو محوريّة التوحيد، ولا تنسوا أنّ حديثنا كلّه هو حول قواعد الحكومة الإسلاميّة وتمحورها حول التوحيد كما تقدّم. أحد آثار ولوازم محوريّة التوحيد هو أن ينظر كأنبياء الله ورسله إلى جميع من يطلق عليه اسم الإنسان واسم البشر بنظرة توحيديّة، وأن يؤخذ بعين الاعتبار رسالة تبليغ مبادئ الإسلام وأصوله إلى جميع الناس على السواء، لا أن يستثني من الدائرة أحدًا ويدخل فيها أحدًا آخر، ولا أن يرى نفسه أعلى من الآخرين، ويرى الآخرين تحت يده فيكون المقام مقام الأمر والنهي. كلاّ، القضيّة هي قضيّة مساواة. 

  • قصّة انتظار المرحوم العلاّمة الطبيب في العيادة مع المرضى رغم تمزّق شبكيّته 

  • لا أدري ما إن كنت أخبرتكم بهذا الأمر أم لا؟ في النهاية لا إشكال بذكره. لقد أصيبت عين المرحوم العلاّمة بمشكلة، مشكلة في العين وتمزّق في الشبكيّة، جئت لأكون بخدمته في طهران، وذهبنا برفقة أحد الأصدقاء لنأخذ موعدًا عند ذلك الطبيب ليعاينه. وصلنا إلى باب المستشفى، فرأيت أنّ ذلك الرجل أحد الأصدقاء ترجّل من السيّارة ومشى نحو المستشفى. كان من الواضح أنّه يريد أن يذهب أسرع ويخبر الطبيب لكي يكون الخطر عليه أقلّ. وما إن التفت قال لي: سيّد محسن! اذهب إليه بسرعة وقل له إن كان يريد أن يتفوّه بكلمة واحدة ـ هل تلتفتون؟ ـ إن كان يريد أن يتفوّه بكلمة واحدة تجعل دوري قبل دور مريض واحد، فإنّي لن أدخل إلى المستشفى وسأرجع الآن إلى البيت. وكان في وضع قد تمزّقت فيه شبكيّته، وينبغي أن لا يتحرّك. فذهبت أنا إلى ذلك الرجل وقلت: ماذا تريد أن تفعل؟ قال: .... قلت: لا لا! هذا عمل يفسد كثيرًا، لا تقل شيئًا. رجعت إلى السيّد وقلت: الأمور على ما يرام تفضّلوا، لا يوجد أيّ مشكلة. ذهبنا، وكان الكثير من المرضى قد جاؤوا من هنا وهناك. فدخلنا برفقة المرحوم العلاّمة وجلسنا، جلسنا في زاوية، لم يكن هناك مكان فارغ، لأنّه كان هناك أطبّاء عديدون لهم غرفة انتظار واحدة، فكانوا قد ازدحموا، ولم يكن هناك إلا زاوية فارغة، وهي بشكل مثلّث، فذهبنا إلى تلك الزاوية وكنّا بحيث أنّه لو خرج الطبيب إلى تلك الغرفة لما رآنا، جلسنا ساعة، جلسنا ساعة كاملة هناك. خرج إلى تلك الغرفة مساعد ذلك الطبيب المذكور، كان يبدو أنّ العلاّمة لم يأت ، نظر: ألم يأت؟! كان من المقرّر أن يأتي، تأخّر! قالوا: بلى هناك سيّد جاء برفقة رجلين أو ثلاثة. جاء ونظر، وما إن رأى العلاّمة كان واضحًا من وجهه فقال له: أنت الطهراني؟ قال: لماذا لم تدخلوا؟! فقلت له أنا: لقد صبرنا حتّى يدخل هؤلاء المرضى الذي جاؤوا قبلنا. خرج هذا المساعد مع الدكتور سجّادي وجاءا معًا. وكان المساعد واقفًا بينما كان الدكتور سجّادي ينظر إلى المرحوم العلاّمة مدهوشًا قد عقد لسانه، فقط كان ينظر. هل تلتفتون؟ في حين أنّي سمعت منه شخصيًّا أمورًا عن الآخرين أصلاّ لا يمكن أن أتكلّم بها عن كثير من الناس. ثمّ قال المرحوم العلاّمة: السلام عليكم! كيف حالكم؟ لماذا تنظر هكذا؟ لم يجب بشيء فقط طأطأ برأسه وقال: تفضّلوا، دون أن يتكلّم بكلمة، فقط قال تفضّلوا. ثمّ عاينه وأجرى ما يلزم. وترك سلوك العلاّمة أثره فيه وفعل فيه فعله. ثمّ قال لي: يا فلان، لم ألتق بعمري بعالم كهذا. هل تلتفتون؟ هذه أخلاق الأنبياء، هذه أخلاق الأنبياء، وينبغي أن نكون هكذا في جميع الموارد. 

آثار محوريّة التوحيد في الحكومة الإسلاميّة (۱)

15
  • قصّة المحاضر في مستودع أحذية حرم الإمام الرضا عليه السلام

  • قبل مدّة، قبل سنتين أو ثلاثة قبل سنتين تشرّفت بزيارة عليّ بن موسى الرضا، وعندما دخلت إلى مستودع الأحذية لأودع نعليّ، رأيت أنّه مزدحم كثيرًا، ويبدو أنّه كانت ليلة الجمعة، كان الازدحام شديدًا، فوقفنا لعدّة مرّات جانبًا، وفجأة نشأت عندي نيّة: لو أبدي نفسي لمستلم الأحذية فأنا معمّم وعالم، فربّما يقول تفضّل يا سيّد أعطني نعليك وكذا. وما إن خطرت قلت: ما معنى ذلك؟! بماذا أختلف عن هؤلاء الناس المنتظرين هنا، هل تلتفتون؟ الشيطان يأتي إلى الإنسان في الحرم أيضًا، لا تظنّوا أنّه لا يأتي، الشيطان موجود، يأتي يريد أن يأخذ الزيارة ويفسدها، التفتوا. ثمّ قلت في نفسي: ما الفرق بينك وبين هؤلاء المنتظرين أن يسلّموا أحذيتهم؟ الجميع زوّار الإمام الرضا، ولعلّ قربه وموقعيّته عند الإمام الرضا خير منك، وهو كذلك قطعًا، بلا تردّد، الناس لا يرون سوى ظاهرنا المزيّن، فكما يقف الناس قف أنت جانبًا، واصبر، فإذا أعطى الناس أحذيتهم فأعط حذاءك بدورك، هذا أوّلاً. 

  • وثانيًا: من دخل مستودع الأحذية عند الإمام الرضا فقد دخل حرم الإمام الرضا، سواء وقف على باب المستودع أم دخل وألصق نفسه بالضريح، وهذا هو المهمّ، من قصد زيارة الإمام الرضا فهو زائر. إذا تحرّك من منزله فهو زائر، إن كان في مستودع الأحذية فهو زائر.نحن نريد أن ندخل إلى الحرم عادّين مستودع الأحذية منفصلاً عنه، إنّه لا يختلف عنه. مهما وقفت منتظرًا الأحذية فهم يكتبون في حسابك، لا يختلف الأمر، وربّما يكتبون أكثر. هذه الأمور دقيقة جدًّا. 

  • الوقت يضيق، وبالطبع تعب الرفقاء كثيرًا، وإن شاء الله آمل أن يحقّق الله فينا هذه المبادئ وهذه الحقائق ويوجدها فينا، وأن يوفّر حظّنا من آثار وبركات التوحيد المحض المختصّة بالمعصومين عليهم السلام وخواصّ أوليائه. 

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد