52

محوريّة التوحيد في جميع الشؤون الاجتماعيّة والفرديّة

8725
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمعنوان البصري

المجموعةالتدبير و النظام الاجتماعي


التوضيح

تتحدّث هذه المحاضرة حول فقرة أن لا يدبّر العبد لنفسه تدبيرًا، وتبيّن أنّ من المحال أن تدعو المدرسة الإلهيّة إلى عدم التدبير والتنظيم لأنّ عالم الوجود كلّه قائم على التدبير الإلهيّ والتنظيم، وكذلك في مجال التشريع لا بدّ أن يكون هناك تدبير وتنظيم ولكنّ هذا التدبير وفق المدرسة الإلهيّة يتمحور في جميع الشؤون الاجتماعيّة والفرديّة حول التوحيد، الأمر الذي يميّزها عن المدارس الماديّة ولو كانت بظاهر إلهيّ.
وفي هذا السياق تحدّثت المحاضرة عن نقطتين:
الأولى: بيان كيفيّة تدبير عالم الوجود وعدم وجود ظاهرة غير مدروسة وغير محسوبة فيه مهما صغرت، وقد ناقشت شعرًا لسعدي الشيرازي حول أنّ الملاك الموكّل بالرياح لا يبالي بإطفاء مصباح عجوز، واحتملت له احتمالين:
1ـ فإن كان المراد أنّه أثناء قيامه بواجبه الإلهيّ في مكان قد ينشأ عنه بعض اللوازم الفاسدة وغير المقصودة، فهذا محال على التدبير الإلهيّ الذي يقوم به الملائکة.
2ـ وإن كان بمعنى أنّ الملاك يقوم بما أمر به ولو كان إطفاء مصباح عجوز، فهو صحيح.
كما شرحت المحاضرة أثناء ذلك كيفيّة ارتباط الملائكة مع عالم المادّة، وأنّه من خلال عالم الملكوت، لا من خلال عالم المادّة، ولذلك لا يمكن أن يقع خلل في عملها واستشهدت لذلك بقصّة الزلزال الذي ضرب قريتين في همدان فقتل جميع أهل إحداهما حتّى من كان منهم في الأخرى بينما نجا أهل الأخرى جميعًا.
الثانية: محوريّة التوحيد في جميع الشؤون الاجتماعيّة والفرديّة، وقد توسّعت في ظهور محوريّة التوحيد في الشأن السياسي، مبيّنة مظاهر ذلك في سيرة رسول الله والأئمة عليهم صلوات الله أجميعن، فتحدّثت عن التوحيد في موقف أمير المؤمنين من عثمان بن حنيف وطلحة والزبير وفرار ابن عبّاس ببيت مال البصرة، وصلح النبيّ مع قريش في الحديبيّة وفتحه لمكّة. مؤكّدة على الفارق بين حركة رسول الله التي هي مظهر للرحمة والعطف والأبوّة والتوحيد ومحبّة النوع.

/۱٩
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

محوريّة التوحيد في جميع الشؤون الاجتماعيّة والفرديّة

1
  •  

  •  

  • هو العليم 

  •  

  • محوريّة التوحيد في جميع الشؤون الاجتماعيّة والفرديّة

  • شرح حديث عنوان البصريّ - المحاضرة ٥٢

  •  

  • ألقاها

  •  

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  •  

محوريّة التوحيد في جميع الشؤون الاجتماعيّة والفرديّة

2
  •  

  •  

  • أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

  • بسم الله الرحمن الرحيم

  • الحمد للّه ربّ العالمين 

  • وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا وحبيب قلوبنا وطبيب نفوسنا 

  • أبي القاسم محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين المعصومين المكرّمين

  • لا سيّما بقيّة الله في الأرضين أرواحنا لتراب مقدمه الفداء 

  • واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين

  •  

  •  

  • ولا يدبّر العبد لنفسه تدبيرًا

  • قال إمامنا الصادق عليه السلام[حقيقة العبوديّة] ثلاثة أشياء: أن لا يرى العبد لنفسه فيما خوّله الله ملكًا، لأنّ العبيد لا يكون لهم ملك، يرون المال مال الله، يضعونه حيث أمرهم الله به، ولا يدبّر العبد لنفسه تدبيرًا، وجملة اشتغاله فيما أمره تعالى به ونهاه عنه. 

  • الكلام هو في العبارة الثالثة من بيانات الإمام الصادق عليه السلام، حيث يقول لعنوان البصريّ: من آثار حقيقة العبوديّة أن لا يتمكّن العبد من التفكير لنفسه بتدبير، تدبيرٍ أو برنامجٍ أو نوعٍ من القرار يمكن لحياته أن تستقرّ على أساسه.

  • لأنّ العبيد ليسوا في اختيار أنفسهم، ذهابهم وإيابهم بيد المولى، تصرّفاتهم تصرّفات المولى، وارِدَاتُهم وصادراتهم لا بدّ أن تكون بإذن المولى وإرادته. لا يمكنهم أن يزيدوا ريالاً واحدًا أو ينقصوه عمّا قرّره. تمامًا كالذي يعمل في مكان كوكيل، كمستأجر وأجير، ولا يمكنه أبدًا أن يقوم بأيّ عمل منفصلاً عن رأي الموكّل، ولو قام فإنّه من الناحية الشرعيّة والقانونيّة مطالب، ولو سبّب ضررًا فلا بدّ من ضمانه، لا بدّ من تلافيه. فالتدبير لا يتأتّى من العبد. لا يمكنه عندما ينام ليلاً أن يقرّر في نفسه: غدًا أذهب إلى هذا المكان وأقوم بهذا العمل وأطبّق هذا البرنامج، أتكلّم مع هذا، آخذ هذا الشيء، أبيع ذاك الشيء. ومهما دبّر في ذهنه فإنّك ترى في اليوم التالي أنّ المولى ألغى كلّ تدبيره بأمر واحد ولم يبقَ له مكانٌ. فمن الأفضل أن لا يدبّر إذن، وأن ينام في الليل مطمئنًّا، ولا يشغل ذهنه إلى هذا الحدّ بأنّه سيفعل كذا وكذا، فسيأتي أمر المولى ويصبح حاكمًا بل واردًا حسب الاصطلاح فلا يدع مجالاً أصلاً۱. هذا هو شأن العبيد. 

  • هل معنى عدم تدبير العبد لنفسه هو اعتماد الفوضى؟

    1. حيث إنّ معظم الحضور في هذه المحاضرة من طلبة العلوم الإسلاميّة، استخدم المحاضر اصطلاحين دقيقين من اصطلاحات علم أصول الفقه هما: الحكومة والورود، وسنحاول بيانهما لغير المتخصّصين قدر المستطاع: 
      فالحكومة تعني أن تتصرّف قضيّة في موضوع قضيّة أخرى مثلاً فتوسّعه أو تضيّقه، مثل: الربا حرام ـ لا ربا بين الوالد وولده. حيث ضيّق الدليل الثاني (لا ربا بين الوالد وولده) من دائرة الربا في الدليل الأول. 
      والورود يعني أن ترفع قضيّة موضوع قضيّة أخرى بشكل كامل مثل: الأصول العمليّة تستعمل عند عدم وجود أدلة شرعيّة أو عقليّة ـ هناك أدلّة شرعية في مسألة وجوب الصلاة مثلاً. فيرتفع موضوع الأصول العمليّة من أساسه ولا يمكن استعمالها فيه. 
      (والأصول العمليّة مثل البراءة والاحتياط تحدّد الوظيفة العمليّة ولا تحدّد الحكم الشرعيّ، وفي مقابلها الأدلة من الكتاب والسنّة والعقل والتي تبيّن الحكم الشرعيّ فمع وجود الأدلّة لا تستعمل الأصول العمليّة أصلاً).
      وهكذا في ما نحن فيه قرار العبد نافذ ما لم يكن هناك كلام للمالك فإذا تكلّم المالك ارتفع موضوع كلام العبد من أصله ولم يعد له أثر.(م)

محوريّة التوحيد في جميع الشؤون الاجتماعيّة والفرديّة

3
  • طرحنا في الجلسة السابقة ما هو مراد الإمام عليه السلام من أنّ على الإنسان أن لا يدبّر لنفسه تدبيرًا؟ فهل دين الإسلام والمدارس الإلهيّة تتبنّى مذهب ومنهج ودين اللاأباليّة والقيام بالأعمال بغير التفات إلى الأمور والمفاسد والمصالح وعدم وضع نظام وبرنامج في الحياة والأعمال، وبعبارة أخرى اعتماد انعدام التنظيم تدبيرًا للنفس؟ 

  • لو كان الأمر كذلك فهو مرفوض عقلاً وتكوينًا من أساسه وأصله. لو طلبتم من أيّ إنسان في هذه الدنيا أن يعدّ الفوضى وانعدام التخطيط والبرامج من آثار المدارس الإلهيّة فإنّه يفرّ ويقول: إن كانت خصوصيّة هذه المدرسة هي انعدام النظام فنحن لا نريدها، فهذا أمر لا يقبله العقل ولا التكوين والحقائق الخارجيّة.

  • ارتكاز عالم الوجود إلى النظام في كلّ شيء وتفسير شعر سعدي حول إطفاء الريح لمصباح عجوز

  • فالأمور مترابطة في عالم الخلقة من الناحية التكوينيّة بحيث أنّا لو غيّرنا مكان أصغر ذرّة من الذرّات فإنّ عالم الوجود سيتلاشى بكامله. فهو يتضمّن هذه الدرجة من الدقّة.

  • وقد تذكّرت الآن أمرًا، ففي إحدى الليالي عندما كان المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه في طهران تحدّث عن كلام سعدي الذي يقول فيه شعرًا: 

  • قضا دگر نشود گر هزار ناله و آه***به شُكر يا به شكايت برآيد از دَهَنى
  • فرشتهاىكه وكيل است بر خزائن باد***چه غم خورد كه بميرد چراغ پيرزنى
  • [وترجمته: 

  • لا يتبدّل القضاء ولو تعالت آلاف الصرخات والآهات بالشكر أو الشكاية من أحد الأفواه

  • ما همّ الملاك الموكّل بخزائن الريح إذا ما مات مصباح امرأة عجوز!] 

  • وبالطبع يمكن أن يفسّر هذا الشعر بطريقتين: 

  • الطريقة الأولى أن يقال: إنّ ذلك الملَك الموكّل بإنزال العذاب مثلاً على مكان ما أو بلاء لمنطقة ما، لا شأن له بما سيحدث في الأثناء، وكما يقال فإنّ الصالح سيذهب بمعيّة الطالح. عليه أن يقوم بواجبه مهما حدث، ولو هلك بريء في الأثناء وانطفأ مصباح عجوز فليكن. ما يريده من نقل الريح من مكان إلى آخر فليحدث معه ما يحدث، ولتفسد مزرعة أو غيرها ممّا يمكن أن يصادف. 

محوريّة التوحيد في جميع الشؤون الاجتماعيّة والفرديّة

4
  • فلو أردنا أن نفسّره بهذا الشكل سيكون له معنى، ولو فسّرناه بمعنى آخر سأبيّنه لاحقًا فسيختلف الأمر. 

  • بيان كيفيّة علاقة الملائكة بالموجودات الماديّة وتصرّفها من جانب الملكوت

  • يقول المرحوم العلاّمة: إن كان الأمر هكذا؟ ذلك الملك الموكّل بخزائن الريح، ذلك الملك الذي يريد أن ينقل الريح من مكان إلى آخر ليس بذلك المعنى الذي تتصوّرون، نحن نتصوّر أنّه كما أنّي أحمل هذا الكوب مثلاً، وأضعه في مكان ما، أنا شيء منفصل عن هذا الكوب، وهذا الكوب منفصل عنّي، ما يتحقّق هنا هو أمر ماديّ فحسب، هذه حركة تنتج نوعًا من التعلّق العرضي بهذا الشيء، فهل الملائكة الذين يتصرّفون في هذا العالم (فالمدبّرات أمرًا)۱ هم هكذا، أي يحملون الريح من مكان ويجعلونها في آخر فيحدثون عاصفة وإعصارًا، ويدمّرون المنازل (وأرسلنا الرياح لواقح)٢ في الآية الشريفة نحن جعلنا الرياح لواقح تأتي وتجعل الأشجار ملقّحة. هل الأمر هو كذلك؟ ثمّ يحرّك الرياح أثناء ذلك ويأتي بها فعندما تتحرّك تختلف سرعتها في النهاية، وليس مهمًّا أي شيء يحدث، لا بدّ أن تعمل الملائكة وفق المشيئة الإلهيّة، ولا شأن له بما يحدث من أمور أخرى. ولكن ليس الأمر كذلك. حقيقة الأمر هي أنّه إذا أراد ملك أن يحدث أمرًا في هذا العالم ـ دقّقوا جيّدًا وانظروا إلى أين تنتهي حقيقة المسألة ـ فإنّه لا يتصرّف في هذا الأمر العنصريّ الماديّ الظاهريّ الذي نراه نحن الآن بأعيننا ونشعر به، نشعر بالهبوب، ونحسّ بلفح الهواء لنا، كلاّ، بل إنّ هذا الملَك يسيطر على مرتبة الأمر لهذا العالم التي هي عبارة عن مرتبة الملكوت، ويجعلها تحت إحاطته. ومرتبة الأمر تلك، والإحاطة بمرتبة الملكوت تؤدّي وفق سلسلة العِلّيّة أن تتحقّق مرتبة الناسوت ومرتبة عالم الطبع والملك والشهادة في الخارج. ولأنّ المَلَك موجود مجرّد، والملائكة مجرّدون، فإنّ تعلّق المجرّد بمادّة إمّا أن يحصل بحيث يتبدّل المجرّد إلى مادّة، أو المادّة تصبح من سنخ المجرّد، ومع فرض وجود هاتين المرتبتين ـ مرتبة المجرّد ومرتبة المادّة ـ فإنّ التوافق بين هذين والتسانخ والسنخيّة بينهما يقتضي أن يتصرّف الملائكة في ملكوت هذا الأمر العنصريّ وهذا الأمر المادّي. فهذا الملاك الذي يتصرّف في ملكوت الرياح وحقيقتها وحقيقة هذه الظاهرة من حيث ملكوتها فيوجدها في الخارج، كذلك هو مسلّط ومشرف على ملكوتها ويسيطر عليه [كذلك هو مسيطر على إفساده]، أي كما يسيطر على الريح وعلى هبوبه وعلى إفساده والأحداث التي تصدر عنه الواحد تلو الآخر، كذلك يمكن أن يهبّ ريح ولا يخرّب. فأن يهبّ ريح ويفسد، فلماذا يفسُد هذا المكان ولا يفسد ذاك؟ لماذا؟ لأنّ التصرّف يحدث الآن في الملكوت، وما دام يحدث في الملكوت فلا معنى لأن يُنسى شيء من الأشياء، وأن يزاحِم أمرٌ أمرًا آخر، فكلّ أمر له مكانه الخاص. 

    1. سورة النازعات (٥٩)، الآية ٥. 
    2. سورة الحجر (۱٥)، الآية ٢٥. 

محوريّة التوحيد في جميع الشؤون الاجتماعيّة والفرديّة

5
  • قصّة الزلزال الذي أصاب قريتين في همدان فقضى على أهل واحدة دون أخرى

  • ثمّ يقول: كان المرحوم الأنصاري رضوان الله عليه يقول: هناك قرية قرب همدان في أطرافها، وربّما صارت أكثر اتّساعًا الآن، وتدعى كبوتر آهنج، وقربها قرية أخرى أيضًا، يقول: في إحدى الليالي حصل زلزال في هاتين القريتين. كان أهالي إحدى هاتين القريتين أناسًا نزيهين ومنتظمين وأهل تديّن وصلاة ليل وما شابه، كانوا جميعًا من أهل التهجّد وأمثال ذلك، وكانوا في أعمالهم ومعاملاتهم معروفين. على العكس من القرية التي كانت مقابلهم، حيث كانوا لا أباليّين لا يهتمّون إلى الأحكام، وكان الفسق والفجور شائعًا بينهم. العجيب هنا أنّه في ليلة من الليالي حلّ أحد أبناء هذه القرية ضيفًا عند أهالي تلك الأخرى، كان لديه عمل أو كان مدعوًّا. فقد هناك رجل من أهل تلك القرية في هذه القرية. وفي تلك الليلة حدث زلزال، وذلك في زمان الشيخ الأنصاري، أولاً يأتي الزلزال على أهالي تلك القرية اللاأباليّين فيدمّرها كلّها حتّى لا يبقى كما يقول أثر لكائن حيّ فيها سوى ذلك الرجل الذي كان قد جاء إلى القرية الأخرى. هل التفتّم؟ ثمّ يصل الزلزال إلى هذه القرية، وقبل أن يصل يستيقظ رجل من أهلها للتهجّد وصلاة الليل، فيرى أنّ الحيوانات تصدر أصواتًا غريبة، لا معنى لأن تنبح الكلاب في مثل هذا الوقت وفي مثل هذا الحال وأن تصيح الديكة! فيلتفت إلى حدوث أمر ما وكأنّه يلهم في قلبه، فيقوم وينادي: يا خلق الله اخرجوا استيقظوا! استعدّوا! فيخرجون، وما إن يخرجوا حتّى يحدث زلزال يدمّر القرية كلّها، ولا يموت سوى رجل واحد هو الذي جاء من تلك القرية. 

  • بالالتفات إلى هذه الحادثة لا يمكن أن نتّخذ الأمور على نحو الهزل، فهذا أمر تحقّق. هذه حادثة تذكّرتها الآن، ولكن لو نظرنا إلى أيّ مكان، وفي كلّ خطوة تخطونها، فإنّكم تشاهدون هذا التنظيم. أصلاً هل يعقل أن تتحقّق المشيئة الإلهيّة في هذا العالم بدون نظم وبدون حساب؟ إنّها دقيقة ولطيفة إلى درجة تجعل الإنسان مبهوتًا، أصلاً تجعله مبهوتًا. ولو أنّ الإنسان اطّلع بالإجمال على هذه السلسلة المنتظمة للكائنات فإنّه لا يحتمل إدراك أمر كهذا، ويمكن أن يصاب ببعض الأعراض. فالمسألة عجيبة إلى هذا الحدّ. 

محوريّة التوحيد في جميع الشؤون الاجتماعيّة والفرديّة

6
  • فيا جناب سعدي إن كان هذا هو ما تقصده في قولك هذا: 

  • فرشتهاىكه وكيل است بر خزائن باد *** چه غم خورد كه بميرد چراغ پيرزنى
  • [وترجمته: 

  • ما همّ الملاك الموكّل بخزائن الريح إذا ما مات مصباح امرأة عجوز!

  • فإنّك مخطيء جدًّا. ليس الأمر كذلك. لقد حسب الملاك الموكّل بخزائن الريح حساب المرأة العجوز أيضًا، وحسب حساب الشابّة أيضًا، لقد حسب كلّ هذه الحسابات. 

  • كثيرًا ما نقرأ، في الجرائد وفي الأخبار أنّ هناك زلازل تحصُل، وعندما ينقبّون ويخرجون الجنائز يجدون فجأة طفلاً رضيعًا في قعر منزل، جاء حجران واحد من هذا الجانب وآخر من جانب آخر وحافظا عليه. كلّ ذلك نحن نقرؤه، كلّ ذلك، والجميع يعلم به. ذلك الملك الموكّل بالخسف والزلازل هو نفسه يحمل هذا الحجر ويضعه هنا، ويضع الآخر هناك، فيبقى هذا الطفل. يجب أن يبقى هذا الطفل. فهذا حساب، هذا تنظيم، هذا هو نظام العالم، فلو لم يكن هذا التنظيم لما كنّا نحن هنا الآن. لو لم يكن هذا النظم لما كنّا أحياء هنا الآن، لما استمرّينا بحياتنا. 

  • المعنى الثاني لشعر سعدي

  • أمّا لو أردنا أن نفسّر شعر سعدي هذا والذي هو أستاذ الكلام ـ كما يقال ـ هكذا: نعم إن كان من المقرّر أن يأتي هذا الملك بريح إلى مكان ما ويؤدّي إلى خرابه، أو أن لا يؤدّي إلى خرابه مثلاً، بل فقط يؤدّي إلى إخماد مصباح امرأة عجوز، وكذلك سائر الأمور، إن كانت في ضمن هذا البرنامج، فلا إشكال في ذلك. يقول: لقد تعلّقت المشيئة الإلهيّة الآن بأن يخمد هذا المصباح، أن تكسر هذه الشجرة، فلتكسر فلا بأس. لا بدّ أن يأتي ويعمل بوظيفته. لا بدّ أن يأتي ويصل إلى ذلك الهدف. وبالطبع فإنّ هذا الهدف هو جزء من الخطّة المرسومة، فمنها انطفاء مصباح هذه المرأة العجوز. هذا لا إشكال فيه، ولا اعتراض عليه. وعلى كلّ حال يمكن أن يفسّر بطريقتين. هذا هو معنى التنظيم.

  • وعلى كلّ حال، وبملاحظة ما تقدّم، الإمام الصادق عليه السلام عندما يقول إنّه ينبغي أن للعبد أن لا يدبّر لنفسه تدبيرًا، فهل يريد من عدم التدبير هذا عدم التنظيم؟ الفوضى؟ عدم التخطيط؟ أن لا يضع الإنسان خطّة لحياته؟ هذا لا يدع حجرًا على حجر. 

محوريّة التوحيد في جميع الشؤون الاجتماعيّة والفرديّة

7
  • محوريّة التوحيد في جميع الأمور الاجتماعيّة والشخصيّة في الإسلام

  • تقدّم في الجلسة السابقة أنّ كافّة أمور حياتنا، الأمور الاجتماعيّة والأمور الشخصيّة كلّها، الأمور السلوكيّة، الأمور العباديّة، والأمور التجاريّة كلّها تندرج تحت محور واحد وتحت قانون واحد في نظام المدارس الإلهيّة والنظام الإسلاميّ، وهذا المحور هو محور التوحيد. لنتمسّك بهذا المِلاك ـ الذي هو مِلاك التوحيد ـ فلو كان لدينا هذا المِلاك سنحصّل لأنفسنا سعادة الدنيا والآخرة، وكذلك للمجتمع والحضارة. هذا الملاك الذي هو ملاك التوحيد، كلّ المشكلات والمصائب التي تصيب البشريّة الآن والتي ستصيبها ترجع إلى أنّا وضعنا محوريّة التوحيد وأمر التوحيد جانبًا. هذا يريد أن يصل إلى هذه المنفعة، ولكي يصل إلى ذلك لا بدّ طبعًا أن يزيح جماعة. وفي المقابل ذاك يريد أن يقوم بذلك أيضًا، وطبعًا سيحصل صدام بين هذين الاثنين. في مجال التجارة وفي مجال المعاملات وفي كافّة المجالات. سنتحدّث لاحقًا حول المعاملات وما شابه، والعبادات والأمور الشخصيّة. 

  • محوريّة التوحيد في السياسة

  • فيما يرتبط بالشؤون السياسيّة، أساس الحركة السياسيّة في المدارس الإلهيّة وأصلها وركيزتها هو أساس التوحيد. لا هذا التوحيد اللفظيّ الذي نقوله نحن الآن، فالجميع يقولونه. بل التوحيد العمليّ التوحيد العملي. أي جعل المحور هو الله، وإخراج الأنا من هذه المحوريّة. نحن نجعل أنفسنا هي المحور، ونجعل الله واسطة لأنفسنا، نجعل الله وسيلة. نجعل الأنبياء وسيلة، نخطئ ثمّ نقول: إنّ فلانًا أيضًا في زمان أمير المؤمنين قد أخطأ. نخطئ ثمّ نقول: لا مشكلة فالإمام أيضًا يخطئ، ليس من الضروريّ أن يكون معصومًا في جميع الأمور. يصدر عنّي عمل خاطئ فأقول: ليس مهمًّا! لا إشكال، في كل العصور كان الأمر كذلك، في زمان رسول الله كان الأمر كذلك، وفي زمان أمير المؤمنين كان كذلك، فلا إشكال. 

  • شواهد من سيرة أمير المؤمنين حول محوريّة التوحيد في السياسة

  • الموقف من عثمان بن حنيف

  • سيّدي العزيز! إنّ عثمان بن حنيف حضر مائدة للأغنياء في البصرة فانظروا كيف هاجمه أمير المؤمنين في نهج البلاغة. قام بعمل، لم يأكل مال أحد، ولا سرق مال أحد، ولا زنى، ولا سرق، ولا اتّهم، ولا أزاح أحدًا، ولا أراق ماء وجه أحد هنا أو هناك، ولا كتب كتابًا ضدّ فلان أو فلان. شارك في مجلس أثرياء وتجّار. انظروا ماذا فعل أمير المؤمنين في نهج البلاغة، أنت ممثّلي؟ أنت وكيلي؟ أنت حاكم من قبلي؟ أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش؟۱ أأكتفي بأن يقال لي أمير المؤمنين ولكن لا أساعد الناس هنا وهناك، ولا أواسيهم ولا أكون مثلهم؟ أكتفي بهذا؟ لقد قام بعمل واحد. 

    1. نهج البلاغة،ج٣، ص ۷٢. 

محوريّة التوحيد في جميع الشؤون الاجتماعيّة والفرديّة

8
  • فرار ابن عبّاس

  • وعندما رأى عبدُ الله بن عبّاس أنّه لا يحتمل الاستمرار بحياته تحت سيف عدالة أمير المؤمنين عليه السلام، ولا يمكنه أن يصل إلى مطامعه وأهدافه، فرّ بالأموال التي كان قد اكتسبها في البصرة، وببعض الجواري وذهب إلى مكّة۱، لماذا؟ لأنّ عليه في ظلّ حكومة أمير المؤمنين هذه أن يقدّم كشفًا مفصّلاً بالحساب، وأنا لا يمكنني أن أقدّمه، فلأنفصل إذن. وكم صادف ذلك من مرّات؟! 

  • الموقف من طلحة والزبير

  • ففي حكومة أمير المؤمنين المحوريّة هي محوريّة التوحيد. ليس في حكومته مداراة لهذا ولذاك، عندما استلم الحكومة جلس ليلة في بيته يحسب ما في بيت المال ويدبّر شؤونه فجاء طلحة والزبير: يا عليّ! لقد وصلنا الآن إلى الغنيمة، يا عليّ! صبرنا خمسًا وعشرين عامًا ـ فهذا كان كلامهم في النهاية ـ لقد تحمّلنا خمسًا وعشرين سنة حكم عمر وأبي بكر وعثمان، والآن وصلت إلى أيدينا ـ وأمير المؤمنين ليس من أهل ضمير "نا" يدنا لدينا ـ الآن وصلت إلى يدنا، فأعطنا حسابنا، أعطنا حسابنا بعد كلّ هذا، بما أنّها وصلت إلينا. فلو كنّا نحن فماذا نصنع؟ جيّد، أنت سجنت هذه المدّة، فحكومة تركمانستان مثلاً هي لك، وأنت قمت بتوزيع الإعلانات بهذا المقدار فلك هولندا، وأنت مثلاً لك الدانمارك، فأنت قمت بكذا. ففي النهاية تقسّم الغنائم وتحلّ المشكلة وتنتهي، ثمّ نكون أصحابًا أوفياء ولا يحدث أيّ إشكال. لم يكن أمير المؤمنين من أصحاب هذا الكلام. 

  • ـ كيف حالك؟ 

  • ـ الحمد لله. 

  • ـ هل لديك أمر ما؟ فهذا هو وقته. 

  • الضربة الأولى التي وجّهها أمير المؤمنين هي أنّه أطفأ المصباح وجاء بمصباح داره.

  • قالا: يا عليّ لماذا فعلت ذلك؟ 

  • قال: هذا المصباح لبيت المال، والآن نحن نتحدّث بكلام خاصّ.٢ 

  • رأيا أنّهما كانا مخطئين في كلاميهما، أخطآ خطأ كبيرًا. لا يمكن التوافق مع عليّ يا سيّدي العزيز! لا يمكن التصالح مع عليّ هذا. لماذا لا يمكن التصالح معه أيّها المسكين؟! لأنّ محوريّة عليّ هي محوريّة التوحيد، وأنت محوريّتك سوى التوحيد. فاجعل أنت محوريّتك التوحيد أيضًا، اجعل محوريّتك التوحيد يجعلْك عليٌّ واليًا، ألم يجعل؟! أو إن لم يرد، فلا مشكلة لا شيء يستحقّ، فلو سألتموني فإنّي أقول لكم إنّ أمير المؤمنين كان في راحة مدّة خمسة وعشرين عامًا، والآن بدأت المشكلات لتوّها. طيلة هذه السنوات الخمس والعشرين لم تكن هناك حرب ولا هجرة. هذه الخلافة حتّى الآن [لم يتذوّق طعمها] وكما يقال فإنّ طعم الخلافة حلو ولذيذ. ينقل أحدهم ـ وذلك في الأزمان السابقة مثلاً ـ فيقول: اتّصلت من مكان إلى آخر، فرأيت أنّ هذا الإنسان [الذي اتّصلت به] مرح جدًّا وظريف فقلت: كيف حالك يا فلان؟ 

    1. راجع: الشيخ الطوسي، اختيار معرفة الرجال، ج۱، ص ٢٩۷.
    2. السيّد المرعشي، إحقاق الحقّ، ج۸، ص ٥٣٩: كان أمير المؤمنين علي دخل ليلة في بيت المال يكتب قسمة الأموال، فورد عليه طلحة والزبير، فأطفأ عليه السلام السراج الذي بين يديه، وأمر بإحضار سراج آخر من بيته، فسألاه عن ذلك، فقال: كان زيته من بيت المال، لا ينبغي أن نصاحبكم في ضوئه.

محوريّة التوحيد في جميع الشؤون الاجتماعيّة والفرديّة

9
  • قال: يا سيّد! ألا تعلم كم للرئاسة من لذّة؟! ـ كانا رفيقين حميمين ورفيقي الغار رفيقي الحمّام والبستان۱، ولكن هذا شيء آخر. ثمّ ماذا يحصل؟ تتغيّر الأحوال وتتبدّل، يبدأ السباب والاتّهام والغيبة والإساءة والضلال والكلام ضد هذا وذاك. ولكنّ أمير المؤمنين ليس كذلك. المحوريّة في المدرسة الإلهيّة هي التوحيد. اجلس في منزلك! وعليّ يرسل إليك أن: يا جناب طلحة! تفضّل أنت إلى ذاك المكان وكن واليًا أو حاكمًا. ألم يرسل مالكًا الأشتر؟ ألم يرسل محمّد بن أبي بكر؟ ألم يرسل غيث بن سعد بن عبادة إلى حكومة مصر؟ لقد أرسلهم. حتّى أولئك الذين كانت لديهم مصلحة وحاجة. فأيّ منهم جاؤوا وقالوا يا عليّ عيّنا في هذا المكان؟ عيّنا في ذاك المكان؟ إن عيّنتنا فقد عيّنتنا وإلا فلا بأس. نتقدّم في هذه الأمور إلى الأمام لكي نرى أنّ الأمر يا سيّدي العزيز ليس بهذه السهولة التي نتصوّرها. هذا الأمر يحتاج إلى أسد ورجل مجرّب. لقد اتّخذتم أمر النفس سخرية؟ اتّخذتم أمر الأهواء سخرية؟ "أنا إن جلست على الأرض لي حال، فإذا جلست على المنبر تتغيّر حالي" أخذتم هذا الكلام سخرية؟ هل الأمر بهذه السهولة؟ هكذا: نعم يا سيّدي نعم تجاوزنا عن النفس، نحن لأجل الله ولأجل التكليف الشرعيّ وللإحساس بالوظيفة وبالمسؤوليّة! لا يمكن هكذا، أنت نفسك تعي والناس أيضًا، ثمّ بعد ذلك تقول: لماذا لا أحد يصغي؟ لماذا لا أحد يصغي إلى كلامي؟ هذا ما لا يمكن. ما هي المحوريّة؟ لا بدّ أن تكون هي التوحيد. 

  • محوريّة القيم الماديّة عند المادّيين كبقاء الاسم وتحقّق الأهداف

  • في مدرسة الماديّين يتمحور الأمر حول القيم الماديّة، ماذا يقول الماديّون؟ حتّى إذا جاهدوا حتّى إذا حاربوا، حتّى إذا افتدوا بأنفسهم على أيّ أساس؟ على أساس البقاء واستمرار الشخصيّة الماديّة. فهذا واحد الفيت كونغ٢ يقف أمام السفارة الأمريكيّة في فيتنام ويصبّ على نفسه البنزين ويحرق نفسه اعتراضًا على السياسة الأمريكيّة هناك ولكنّه لا يعتقد بالله. عندما يسأل: لماذا قمت بذلك؟ يقول: أريد أن يبقى اسمي كمعارض لهذا النظام، مخالف لهذا، لقد جاء إنسان وقام بهذا، يعني لأجل بقاء شخصيّته الظاهريّة يقوم حتّى بهذا العمل. 

    1. إشارة إلى مطلع أحد غزليّات حافظ الشيرازي رضوان الله عليه: 
      اگر رفیق شفیقی درست پیمان باش  حریف خانه و گرمابه و گلستان باش
      أي إن تكن رفيقًا شفيقًا كن وفيًّا بالعهد كن صاحبًا لي حيثما كنت في البيت والحمّام والبستان.
      وصار مثلاً يعبّر به عن الرفيق الحميم. 
    2. الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام المعروفة بـ الفيت كونغ (Việt cộng) حركة مقاومة مسلحة فيتنامية نشطت بين ۱٩٥٤—۱٩۷٦. بدأت قوات الفيت كونج في الجنوب في التمرد على حكومة ديم.
      وأجبرت الحرب المتصاعدة الولايات المتحدة على مساعدة ديم. وفي عام ۱٩٦۱، أرسلت واشنطن أول فرقتي طائرات مروحية إلى جنوب فيتنام لزيادة حركة القوات الخاصة الفيتنامية الجنوبية. وبدأ المستشارون العسكريون الأميركيون في الوصول إلى فيتنام بأعداد كبيرة. (المترجم نقلا عن ويكيبيديا)

محوريّة التوحيد في جميع الشؤون الاجتماعيّة والفرديّة

10
  • وقولي كلّما جشأت وجاشت مكانك تحمدي أو تستريحي۱

  • يقول: أقول لنفسي ـ وهذا كلام الماديّين، كلام مدرسة الماديّين ـ أقول لنفسي إذا اشتدّت الحرب وكثر الكلام والقتال والضرب أقول لنفسي: ممّ تخافين؟ لئن قتلتِ فسيبقى اسمك. انظروا! مكانك تحمدي، اسمك يبقى. فيا عجبًا! وقف ولم يفرّ. أو تستريحي، أي وإمّا أن تقتلي العدوّ وتستريحي منه. فالقيمة هي القيمة الماديّة، القيمة تصبح الشهرة، القيمة تصبح: انظروا! النصر لنا! القيمة تصبح: انظروا كنّا نقول صوابًا، القيمة تصبح: انظروا كلامنا حتميّ، تصبح هذه قيمة. 

  • عدم تحقيق النبيّ وأمير المؤمنين لأهدافهما الظاهريّة

  • من أنت حتّى يكون كلامك حتميًّا؟ يا عزيزي أمير المؤمنين لم يتمكّن من إنجاز عمله. ألم يكن أمير المؤمنين يريد أن يقتلع معاوية؟ هل حصل ذلك؟ لم يحصل. هل تمكّن النبيّ من الوصول إلى أهدافه؟ لقد جاهد النبيّ إلى حدّ، لقد كان خائفًا من هؤلاء، من المنافقين. وفي النهاية نزلت الآية تصرّح بولاية أمير المؤمنين. في ذلك الحرّ، أوقف الناس على مفترق طرق الجحفة والمدينة، وخطب بثلاثة آلاف رجل كانوا هناك، بيّن الأمور للناس وقال: ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى! قال: هذا عليّ... رفع يد عليّ. فهل صارت الولاية لعليّ؟ كلاّ يا عزيزي. كان جثمانه لا يزال على الأرض حين عقدوا السقيفة، جمعوا خلق الله، وقالوا نصنع كذا ونصنع كذا، ويحيا فلان ويموت فلان، وارتقى أبو بكر المنبر، فما هذا؟ هو نبيّ في النهاية، إنّه خاتم الرسل في النهاية، إنّه عقل الكلّ في النهاية، إنّه شرف الجميع وبهاء وفخر كلّ الممكنات وكلّ الخلائق. لم يستطع الوصول. وسأبيّن أنّ معنى عدم التمكّن من الوصول هو عدم التمكّن الظاهريّ، وإلاّ فإنّ كل لحظة من لحظات النبيّ كانت تمكّنًا، كلّ لحظة من لحظاته كانت ظفرًا وانتصارًا، كانت كلّ لحظة من لحظات النبيّ وصولاً إلى المقصود والمعبود، وفي كلّ لحظة كان عليٌّ أميرَ المؤمنين، سواء كان في المنزل، أو على المنبر، أو في ميدان القتال، إنّه عليّ، والله مع عليّ، نحن المساكين علينا أن نفكّر بأنفسنا، فالله مع عليّ وأنتم الحمقى تزيحونه جانبًا؟ إنّه يراها فرصة من الله أن يمضي إلى المنزل. فانظروا كم من فارق بين فكر المدارس الإلهيّة وفكر الظاهر. يقومون مسرعين ويقفزون منقلبين في الهواء، أسرعوا إلى السقيفة! 

    1. ابن أبي الحديد المعتزلي، شرح نهج البلاغة، ج٢، ص ٢٢٤.
      جشأت وجاشت أي ارتفعت من الفزع. 
      الشعر لعمرو بن الإطنابة وقبله: 
      أبت لي عفتي وأبى بلائي * وأخذي الحمد بالثمن الربيح 
      وإقدامي على المكروه نفسي * وضربي هامة البطل المشيح
      وفي تفسير الميزان ج٤، ص ۱۱٣ نسبه العلامة رضوان الله عليه إلى عنترة. 

محوريّة التوحيد في جميع الشؤون الاجتماعيّة والفرديّة

11
  • ـ ممّن تهربون؟ ممّن تفرّون؟ أمن الله تفرّون؟ من عليّ تفرّون؟ اذهبوا ببطء، عليّ لا يريد أن تقعوا على الأرض، لا تستعجلوا! 

  • ـ كلاّ، فلنذهب ولنُنْهِ الأمر ما دام عليّ مشغولاً بتغسيل النبيّ ودفنه. لأنّ أبا سفيان أيضًا كان مخالفًا لهم، والعبّاس كان مخالفًا، وسعد بن أبي وقّاص كان مخالفًا. ما دام الأمر كذلك فلنُنْهِه. ما ذلك؟ إنّه تسريع في النار، تسريع في الجهالة، تسريع في البعد. وعليّ جالس في مكانه، يقول: نحن نغسّل جنازة النبيّ؟ يهزأ منهم وممّا يصنعون: لا تستعجلوا يا أعزّتي، اذهبوا ببطء ستصلون إلى هدفكم، امشوا ببطء تصلون أيضًا إليه. أمير المؤمنين الله معه، سواء كان في المنزل أم خارجه. القضيّة ليست قضيّة خسارة. 

  • مقابل بقاء الاسم والحمد في المدارس الماديّة إحدى الحسنيين في المدرسة الإلهيّة

  • هذا منطق الماديّين: وقولي... مكانك تحمدي أو تستريحي. أقول لنفسي، شاركي في هذه الجماعة، شاركي في هذه المعركة، فإمّا أن يبقى منك أثر محمود، واسم جميل، أي تستمرّ شخصيّتك، أو تستريحين من العدوّ. فما هذا المنطق؟ المنطق المادّي، التفكير المادّي هو هذا، أمّا المنطق الإلهيّ فماذا؟ في المنطق الإلهيّ كما يقول العلاّمة الطباطبائي رضوان الله عليه ۱ المنطق هو منطق هذه الآية الشريفة (قل هل تربّصون بنا إلاّ إحدى الحسنين)٢، ماذا تتوقّعون منّا؟ هل تتوقّعون منّا أكثر من هذا؟ تريدون منّا؟ إحدى الحسنيين، إن تغلّبنا عليكم فإنّا نقيم الحكومة الإلهيّة، وإن قتلنا فالسعادة الأخرويّة. فكلاهما يصبحان إلهيّين. لا يقول: يبقى اسمي. لا يقول: قولوا كذا وكذا. كلاّ إن قتلنا فهناك النعم الإلهيّة والرضوان الإلهيّ، والوصول إلى القرب الإلهيّ. وإن هزمناكم فقد طهّرنا الأرض من الفاسدين والفاسقين، وأعددناها لظهور التوحيد. آيات القرآن تتحدّث حول هذه المسألة لهذه المدرسة فتقول: (إن تصبك حسنة تسؤهم)٣. إن أصابك خير فكان وضعك جيّدًا، وأصابتك حسنة، أو عمل صالح أو ظاهرة أو حادثة انزعجوا، يا ويلنا لقد صاروا أقوى، انظروا لقد حصلوا على قوّة، انظروا لقد اخضرّت مزارعهم، لقد تحسّن وضعهم الاقتصادي، لقد جاء فلان وصار معهم، للأسف. يحزنون. (وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولّوا)٤ إن حدثت مصيبة وافتقدت ولدًا وخرب مكان ما، ولم يكن المحصول الزراعيّ مثلاً كما ينبغي، حصلت مشكلة، مرض، ضاعت قوّة ما، يقولون: لقد وصلنا إلى النتيجة التي نريدها. (ويتولّوا وهم فرحون٥ يذهبون فرحين (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكّل المؤمنون)٦ قولوا لهم: سواء أصابنا خير أم شرّ، لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، ما قاله الله سيحصل. في مدرسة الإلهيّين لا يهمّ نوع ما يقدّر، المهمّ أصل المسألة، المهمّ أنّه قُدِّر لنا من قبل الله، أمّا ما هو التقدير فليس مهمًّا. هذا ليس ذا بال عند الإلهيّين، إن كتب لنا من قبل الله مرض فليكن، وإن قُدِّرت لنا السلامة فلتكن. ألم يكن الأئمّة يمرضون؟ ألم يكن الأئمّة يتألّمون؟ ألم يكن لديهم ابتلاءات؟ هل يجب أن نفترض أنّه بما أنّ الأئمّة هم أشرف الممكنات وأشرف المخلوقات فلا بدّ أن يكونوا من كافّة النواحي... أذكر أنّي قلت لكم، قلت: والله لم تبق مصيبة، وكأنّ الله بحث فاختار لهم أفضلها، من حيث المشكلات والضيق والأحداث، والخلاصة أنّ حالاتهم كانت مختلفة، فأحيانًا كانت الحياة جيّدة، وأحيانًا لم تكن، حتّى في شؤونهم الداخليّة وفي داخل حياتهم ألم تكن لديهم مشكلات؟! ألم تكن للنبيّ مشكلة في حياته الداخليّة؟! ألم تكن الأمور والأسرار تخرج بواسطة تلك المرأتين عائشة وحفصة؟! ألم تكونا تخرّبان خطط النبيّ؟! هاتان الامرأتان. أولم يقتل الإمام الحسن عليه السلام بواسطة تلك المرأة بناء على ذلك الوعد الذي كان؟! ألم تقتل تلك المرأة الإمام الجواد عليه السلام؟! فماذا أقول بعد هذا؟! هذا لأئمّتنا. بعضهم كأمير المؤمنين عليه السلام كانت زوجته فاطمة الزهراء، وكم عاشت معه؟! لم تمض بضع سنوات حتّى قطّعوها إربًا أمام عينيه على تلك الحالة. هذا ما يختصّ بهم، غاية الأمر أنّ المهمّ بالنسبة إليهم كان العبوديّة. لا بأس، اليوم يقسم لنا الله الفرج والسعة فنحمده مخلصين، وغدًا يقسم لنا نوعًا آخر فنحمده مخلصين أيضًا. وكما كان الحاج هادي الأبهريّ يقول: بيتك عامر. إن أصابه خير كان يقول: إلهي لك الحمد وبيتك عامر. وإن لم يصبه خير كان يقول أيضًا: إلهي نحن شاكرون لك. 

    1. تفسير الميزان ج٤، ۱۱٣.
    2. سورة التوبة (٩)، بداية الآية ٥٢. 
    3. سورة التوبة (٩)، مقطع من الآية ٥۰. 
    4. سورة التوبة (٩) مقطع من الآية ٥۰. 
    5. المصدر نفسه. 
    6. المصدر نفسه، الآية ٥۱. 

محوريّة التوحيد في جميع الشؤون الاجتماعيّة والفرديّة

12
  • (قل هل تربّصون بنا إلاّ إحدى الحسنيين ونحن نتربّص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربّصوا إنّا معكم متربّصون۱ ماذا تتوقّعون منّا؟ ماذا تنتظرون منّا؟ ماذا في ذهنكم؟ أنتم تتصوّرون أنّا نفكّر مثلكم، أنّا نقرّر مثلكم، هل تفكّرون هكذا؟ (قل هل تربّصون بنا إلاّ إحدى الحسنيين ونحن نتربّص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربّصوا إنّا معكم متربّصون) أمّا نحن فماذا نتوقّع لكم؟ إن متّم على أيدينا فإنّ جهنّم بانتظاركم، وإن بقيتم فإنّ العذاب الإلهيّ سيقضي عليكم. 

  • (قل هل تربّصون بنا إلاّ إحدى الحسنيين ونحن نتربّص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربّصوا إنّا معكم متربّصون)

  • لا بأس لا إشكال، فلنتقدّم معًا ولنرَ من الرابح. لا شكّ أنّ الرابح مدرسة الإلهيّين. 

  • في مدرسة الإلهيّين لا مكان للشخصيّة المكان للمدرسة والهدف

  • في مدرسة الإلهيّين لا مكان للشخصيّة، المكان للمدرسة، وهذا ليس كلامًا سهلاً أيّها السادة! يبدو أنّه سهل. يجب أن تتّبع المدرسة، المهمّ في مدرسة الإلهيّين هو الهدف. 

  • حادثة صلح الحديبيّة

  • كم تحمّل النبيّ الأكرم من هؤلاء المشركين؟ المعارك التي خاضها، خاضوا معركة بدر، خاضوا معركة أحد، خاضوا معركة الخندق والتي تدعى معركة الأحزاب، الأذى الذي كانوا يقومون به، التعذيب الذي كانوا يعذّبونه. أبو سفيان هذا رأس كافّة الفتن في زمان رسول الله وبعد زمان رسول الله، أبو سفيان هذا نفسه... 

  • يسير النبيّ ليفتح مكّة ـ انظروا! عجيب واقعًا نحن نرى هذه الأمور وندسّ رؤوسنا في الرمل، في كلّ لحظة ولحظة من حركات النبيّ تتجلّى محوريّة التوحيد هذه ـ هيا لنفتح مكّة، تعالوا، تعالوا نحو مكّة، ولنحرم ولنصنع كذا وكذا، فيأتون وما إن يصلوا إلى الحديبيّة يمنعهم المشركون. لم تكن قد توفّرت العِدّة والعُدّة لقتال المشركين، لم تكن الظروف قد تهيّأت فماذا يصنعون؟ يرى رسول الله أنّه لا مصلحة في قتالهم، ولا بدّ من كتابة معاهدة صلح، ثمّ يرجعون إلى المدينة. يقولون: عجبًا يا رسول الله! أنت وعدتنا. فقال النبيّ: هل وعدّتكم أن يكون هذه السنة؟ نعم نذهب. (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحقّ لتدخلنّ المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلّقين رؤوسكم ومقصّرين٢ وعد الله أن تدخلوا مكّة، جميعكم تحلقون، جميعكم تقصّرون، تؤدّون الأعمال، تحجّون، تطهّرون مكّة كافّة من لوث وجود الكفّار والمشركين والأصنام. ولكن هل قلت هذه السنة؟ أنا لم أقل ذلك.٣ هؤلاء كانوا يتوقّعون، الآن هذا الرسول، رسول الله لا بدّ أن يأتي ويضرب ويستعمل الغمام والرياح ويقلب الأرض ويقطع نسلهم. ولكنّهم رأوا أنّ الأمر على العكس، جاء رسول الله وفق هذا الاعتقاد الظاهر، ووفق هذا المنهج، فرأى أنّه ليس من المصلحة فتوقّف. وهنا اختلّت جميع المعادلات، نحن ماذا كنّا نتصوّر، وماذا حصل؟! كنّا نتصوّر أنّا نقوم ونفتح مكّة، نضرب نكسر، ونسبي النساء، والأسرى و...، جئنا وصالحنا. انظروا! هذا الظهور الأوّل لحقيقة التوحيد. تعالوا، لا تعتقدوا أنّ هذا الذي يفعل هو رسول الله، صحّحوا فكركم، صحّحوا تصوّركم، رسول الله هذا لا يقوم بالعمل، ذلك الأعلى، ذلك الذي فوق يد رسول الله، انظروا إلى هناك. بما أنّ يدنا لا تصل إليه يرتفع الاعتراض. لأنّ رسول الله إلى جانبنا، لأنّا لا نصل إلى الله نأتي إليه: يا رسول الله لماذا فعلت هذا؟ لقد كنّا نتوقّع كذا، كلّ الأعمال هي بيدك. قال النبيّ: من قال إنّها بيدي؟

    1. سورة التوبة (٩) الآية ٥٢. 
    2. سورة الفتح (٤۸)، بداية الآية ٢۷. 
    3. بحار الأنوار، ج٢۰، ص ٣٣٥؛ معرفة الإمام ج۷، ص ٢٢: قال عمر بن الخطاب : والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ فأتيت النبي صلى الله عليه وآله فقلت : ألست نبي الله ؟ قال : " بلى " قلت : ألسنا على الحق و عدونا على الباطل ؟ قال : " بلى " قلت : فلم نعطي الدنية في ديننا إذا ؟ قال : " إني رسول الله ، ولست أعصيه ، وهو ناصري " قلت : أو لست تحدثنا أنا سنأتي البيت و نطوف حقا ؟ قال : " بلى ، أفأخبرتك أنا نأتيه العام ؟ " قلت : لا ، قال : " فإنك تأتيه وتطوف به "

محوريّة التوحيد في جميع الشؤون الاجتماعيّة والفرديّة

13
  • ـ كلاّ إن أردت أنت فسيحدث. 

  • يقول: كلاّ، أنا لا أريد، من قال أنّي أريد؟! هل النبيّ يريد أن يذهب إلى مكّة؟! النبيّ يريد الله، وذلك الله أيضًا هو في المدينة، وذلك الله هو في أفريقيا، ذلك الله هو في أميركا، وذلك الله في بريطانيا أيضًا، ذلك الله هو في الكعبة أيضًا. هذا الله هو واحد، ليس لدينا عشرة منه. لدينا الله واحد. هذه هي النقطة التي ينبغي أن نلتفت إليها. ما نقوله من أنّ الدين ليس منفصلاً عن السياسة هو لأجل ذلك. ربّ مكّة والكعبة وكربلاء هو عين ربّ أفريقيا وأستراليا وأميركا وأوروبا. في مدرسة العرفان السياسة هكذا تتشكّل، فالأمر يرتبط بالوحدة والتوحيد لا بالمظاهر، لا بالعمامة ولا باللحية ولا بالظواهر، بتلك الحقيقة التوحيديّة التي جميع الخلائق على وجه الأرض هم مظاهر لها. السياسة تهتمّ ببعد الارتباط [بالله] لا ببعد الظاهر والأنماط الخارجيّة، فالمشكلة هنا. فالنبيّ هناك حيث كان الناس لا يتمكّنون من القبول قال: فليقصّروا، على الجميع أن يقصّروا. يجب أيضًا أن يقصّروا. لماذا؟ لأنّ الحلق هو للحجّ، عند الحجّ لا بدّ من الحلق، في الحجّة الأولى يجب، وفي الحجج الأخرى مستحبّ مؤكّد، واعلموا أنّ المرحوم العلاّمة قال: من لم يحلق حتّى في الحجج التالية فكأنّه لم يحجّ. أي إنّ تلك النورانيّة التي تلحق بالإنسان بسبب هذه الأعمال، تظهر بالحلق. الذين لم يحجّوا لا بدّ أن يقصّروا. كلاّ يا رسول الله! ماذا سنقول لنسائنا وأبنائنا؟ انظروا فالمسألة هنا تغدو معقّدة. "ماذا نقول؟" أيّ مدرسة صارت؟ مدرسة الماديّين. "بأيّة كرامة نرجع" صارت أيّة مدرسة؟ الماديّين. لقد وعدنا يا مولانا، نحن وعدنا الناس أنّا سنستأصل هؤلاء المشركين عن بكرة أبيهم، جئنا من المدينة وكذا وكذا، أنرجع الآن خالي الوفاض، خالي الوفاض، فماذا صنعتم إذن؟! أيّ عذر لكم؟! ماذا حصل؟! ماذا نقول لنسائنا وأبنائنا؟! لقد تركناهم منتظرين، لقد أريق ماء وجهنا أمام مكّة وأهلها. فقد كان هؤلاء على صلة فيما بينهم في النهاية، هم قبيلة واحدة وأقارب، يقولون: تفضّلوا هذا أيضًا نبيّهم وهؤلاء هم. وماذا سيطرحون من أمور، ومن إشاعات ومن كلام، لقد جاؤوا إلى هنا وهم يعيدوننا صفر اليدين مطأطئي الرؤوس. هنا لم يحتملوا فقالوا: كلاّ، لو أنّا ضربنا رؤوسنا... 

محوريّة التوحيد في جميع الشؤون الاجتماعيّة والفرديّة

14
  • لقد كنت في مكان، فرأيت أنّ رجلاً يتحدّث بهدوء مع آخر، وكان شعره قصيرًا، وكانت القصّة هكذا: كان هذا الرجل قد وعد الناس وخطّط للذهاب إلى مكّة وأداء مناسك الحجّ، وقدّم الطعام للجميع، وأثار الضجيج والصراخ، فالبعض يثيرون الضجيج كثيرًا فماذا حصل يا سيّدي؟! يريد أن يسافر إلى مكّة. ضجيج وكذا ولم يكن معلومًا أنّ كلّ ذلك كان لله، وصادف أنّ الأمر لم يتمّ، ومهما حاول لم يتمّ. فرأى أنّ ماء وجهه سيذهب، فسافر شهرًا إلى مشهد، وحلق رأسه هناك، ثمّ رجع. لقد رأيته يقول لذلك الرجل: الخلاصة أنّا رأينا أنّه لا يمكن الوقوف أمام الناس، فذهبنا إلى مشهد وحلقنا شعرنا، ورجعنا كحجّاج، وذبحنا الأضاحي والقرابين. فما هذا؟ هكذا يا عزيزي! تفضّل، وعندنا أيضًا مثل ذلك، لا تقول في زمان رسول الله. هؤلاء قالوا: لقد سرت من المدينة تريد مكّة، [أتريد أن ترجع] بهذا الرأس؟! وأمثال هذا الكلام، فماذا حصل؟! أين مكّتكم؟! أين مِناكم؟! أين عَرَفَتُكُم؟ قالوا: لا يا رسول الله! نحن نحلق رؤوسنا، فحلقوا رؤوسهم. خلافًا لرسول الله حيث [لم يحلق] قال: قصّروا، قصوّا أظفاركم، قصّوا قليلاً من شعركم. لماذا حلقتم رؤوسكم؟! هذا حلق من عند أنفسكم. انظروا! المظهر مظهر إلهيّ، وبعنوان عبادة، ولكنّ باطن القضيّة ماذا؟ ماء الوجه، ماذا نقول؟! فإذن يا عزيزي! لا فرق، اذهب وأصلح الباطن، ولا تهتمّ إلى هذا الحدّ بالظاهر. لا يقولون يوم القيامة: حلقت رأسك لله، كان بإمكانك أن لا تحلق، كان بإمكانك أن تترك شعرك بطول متر، هل قال النبيّ: احلق؟ لقد قال النبيّ: قصّر. فقد ارتكبت من جهة ذنبًا كما أنّك من جهة أخرى لم تحصل على شيء. في حين قام آخرون بالتقصير، وأطاعوا كلام النبيّ. وكان من المقرّر أن يدعو النبيّ فقال: اللهم اغفر للمقصّرين. فرأوا أنّه يا للعجب لم يدعُ رسول الله لهم. فجاؤوا مرّة ثانية: يا رسول الله انظر، ففي النهاية نحن تحمّلنا... فرفع النبيّ يده من جديد: اللهم اغفر للمقصّرين أو اللهمّ ارحم المقصّرين. فالنبيّ لم يكن يفعل ذلك لجاجًا، بل كان يجري على لسانه "المقصّرين" ولم يكن يجري "المحلّقين" وجاؤوا للمرّة الثالثة وقالوا: يا رسول الله!.... فقال النبيّ للمرّة الثالثة أيضًا: اللهم ارحم المقصّرين. ثمّ رأى أنّ المسألة صارت مشكلة للغاية و... فقال: اللهمّ ارحم المقصّرين والمحلّقين.۱ عندها نزلت الرحمة، حينها صارت المسألة موردًا للتوبة وأمثال ذلك. فما هذه المسألة؟ هذه المسألة هي أنّ محورك يا سيّد في هذه الحركة هو محور وعد الأهل والأقارب أم كلام رسول الله؟ ماذا كان المحور؟ هل كان المحور هو التوحيد أم ذاتك أنت؟ هل كان المحور أنّه إن لم يحصل كذا فسيراق ماء وجه الإسلام أم كان المحور هو ليذهب ماء وجه الإسلام؟ هل أنا وكيل الإسلام؟ هل أنا قيّم الإسلام؟ قيّم الإسلام هو إمام الزمان، وهو غائب أيضًا، ولست أنا. قيّم الإسلام هو إمام الزمان أرواحنا فداه فحسب، وانتهى الأمر، وكل ما سوى ذلك فهو ليس موافقًا للواقع. هو بنفسه يعلم، يريد أن يراق ماء وجه الإسلام فليرق، يريد أن لا يراق فلا يراق، ما هو دوري أنا حتّى أعلّم إمام الزمان؟ حتّى أعلّم الله؟ أنا أريد نفسي، وأتكلّم باسمهم. 

    1. حسبما في المصادر التاريخيّة والروائيّة أنّه صلّى الله عليه وآله حلق ثمّ قال: اللهم اغفر للمحلقين مرتين، قيل: وللمقصرين يا رسول الله، قال: وللمقصرين. (راجع وسائل الشيعة، ج۱۰، ص ۱۸٦ ؛ الذهبي، تاريخ الإسلام ج٢، ص ٣٩۱؛ معرفة الإمام، ٦، ص ٢۱ وج۷ ص ٢٢). (م)

محوريّة التوحيد في جميع الشؤون الاجتماعيّة والفرديّة

15
  • رجع النبيّ إلى المدينة وعُلم أنّ الأمر انتهى إلى الصلح والخسارة، وهذا عين ما جرى مع الإمام المجتبى عليه السلام. لا فرق أبدًا. وعين ما جرى بين أمير المؤمنين عليه السلام مع معاوية. ولا بأس بأن تعلموا بهذا الأمر أيضًا: فعندما كان أمير المؤمنين عليه السلام يكتب عهد الصلح هذا كان بداية يكتب من محمّد رسول الله إلى... فقال ذلك الرجل الذي جاء من قبلهم: لو كنّا نقبل بالرسالة لما حاربناك، ولكانت المشكلة محلولة، فاحذف كلمة رسول الله هذه. فقال النبيّ لأمير المؤمنين: يا عليّ! احذف كلمة رسول الله هذه. فقال أمير المؤمنين: لا أستطيع حذفها ـ عجيب جدًّا ـ يدي لا تطاوعني. فحذفها النبيّ بنفسه.۱ ثمّ قال: يا عليّ! سيأتي عليك يوم أيضًا تواجه فيه هذه الحادثة. عندما تَقرَّرَ أن يكتب مع معاوية تلك المعاهدة وتنتهي الأمور إلى الحكمين، كان الكاتب مالكًا الأشتر، أو عبد الله بن عبّاس، كان أحدهما، فكتب: من علي بن أبي طالب أمير المؤمنين إلى معاوية مثلاً. فقال الرجل الذي جاء من قبلهم ـ عمرو بن العاص ـ : لو كنّا نقبلك بإمارة المؤمنين لما كانت هذه المشكلات، فاحذفها. فقال الإمام لمالك الأشتر أو لعبد الله بن عبّاس: احذفها. فقال: أنا لا أحذفها. فحذفها الإمام بنفسه.٢ التاريخ يعيد نفسه، فليس يحدث مرّة واحدة. هناك دائمًا أمور تجري وفق قواعد. 

  • انقضت هذه الحادثة، وفي السنة التالية صارت الأمور جاهزة، والمشركون أيضًا نقضوا، نقضوا العهد، فصار للنبيّ ذريعة لأن يفتح مكّة. جاؤوا ـ والآن انظروا! هذه محوريّة التوحيد، انظروا الآن ـ جاؤوا نحو مكّة، وكانت الراية والقيادة أثناء حركتهم بيد سعد بن عبادة رئيس الأنصار، كانت الراية بيده. كانوا يتقدّمون، ومن المعلوم ما هي الشعارات الشائعة بين الناس: نقضي عليهم ونضربهم ونقتلهم ونخرّب ونستأصل... فهذا وقت الانتقام. هو كان يلقي الشعار وكان الجيش يردّد معه: سنأتي ونقتل وكذا٣، تلك المدّة التي قضوها في شعب أبي طالب ثلاث سنوات من السجن وماذا فعلوا فيها من المصائب، وكانوا محقّين أيضًا، فقد كان أولئك من الكفّار في النهاية، ووفق القاعدة فإنّهم محقّون ـ سنقوم بهذه الأعمال وكذا وكذا. تقدّموا وتقدّموا والنبيّ لا يقول لهم شيئًا حتّى وصلوا إلى مشارف مكّة. حسنًا، يا من يتقدّمون الآن نحو مكّة ويريدون أن يضربوا ويخرّبوا وأمثال ذلك! بأيّ دافع تتقدّمون؟ صحيح أنّكم مسلمون، أنتم تتقدّمون لتنتقموا، ولكن عليكم أن تعلموا ـ التفتوا ـ عليكم أن تعلموا أنّكم تدخلون إلى جانب رسول الله وتفتحون مكّة. فما معنى ذلك؟ يعني أنّ الرؤية الإلهيّة والرؤية التوحيديّة لرسول الله هي معكم. فهذا هو الآن في الجيش، ورؤية رسول الله ليست هي الانتقام. النبيّ يرى الناس جميعًا سواسية. هل دقّقتم في هذا الأمر؟ الناس كلّهم سواء عند النبيّ، يرى المشركين سواء. ألم يأت لأجل هؤلاء المشركين أنفسهم؟ حسنًا فهؤلاء الذين أسلموا لم يولدوا مسلمين، كانوا مشركين. فيا من تتوجّه إلى مكّة لفتحها مع رسول الله! أنت كنت مشركًا ثمّ أسلمت أم كنت مسلمًا من البداية؟ 

    1. الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج۸، ص ٤٣۷: علي بن إبراهيم في تفسيره : عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن سنان ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، في حديث طويل في قصة صلح الحديبية : " أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كتب كتاب الصلح : بسمك اللهم ، هذا ما تقاضى عليه محمد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، والملا من قريش ، فقال سهيل بن عمرو : لو علمنا أنك رسول الله ما حاربناك ، أكتب هذا ما تقاضى عليه محمد بن عبد الله ، أتأنف من نسبك يا محمد ؟ ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أنا رسول الله وإن لم تقروا ، ثم قال : امح يا علي ، واكتب محمد بن عبد الله ، فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ما أمحو اسمك من النبوة أبدا ، فمحاه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بيده.
    2. ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج ٢ ص ٢٣٢ : قال نصر : فلما رضي أهل الشام بعمرو وأهل العراق بأبي موسى ، أخذوا في سطر كتاب الموادعة ، وكانت صورته : " هذا ما تقاضى عليه علي أمير المؤمنين ومعوية بن أبي سفيان " فقال معاوية بئس الرجل أنا إن أقررت أنه أمير المؤمنين ثم قاتلته ! وقال عمرو : بل نكتب اسمه واسم أبيه ، إنما هو أميركم ، فأما أميرنا فلا . فلما أعيد إليه الكتاب أمر بمحوه ، فقال الأحنف : لا تمح اسم أمير المؤمنين عنك ، فإني أتخوف إن محوتها ألا ترجع إليك أبدا ، فلا تمحها . فقال علي عليه السلام : إن هذا اليوم كيوم الحديبية حين كتب الكتاب عن رسول الله صلى الله عليه : هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو ، فقل سهيل : لو أعلم أنك رسول الله لم أقتلك ، ولم أخالفك ، إني إذا لظالم لك إن منعتك أن تطوف ببيت الله الحرام وأنت رسوله ولكن أكتب : محمد بن عبد الله ، فقل لي رسول الله صلى الله عليه : يا علي ، إني لرسول الله ، وأنا محمد بن عبد الله ، ولن يمحو عني الرسالة كتابي لهم من محمد بن عبد الله ، فاكتبها وامح ما أراد محوه ، أما إن لك مثلها ستعطيها وأنت مضطهد . قال نصر : وقد روى أن عمرو بن العاص عاد بالكتاب إلى علي عليه السلام ، فطلب منه أن يمحو اسمه من إمرة المؤمنين فقص عليه وعلى من حضر قصة صلح الحديبية قال : إن ذلك الكتاب أنا كتبته بيننا وبين المشركين ، واليوم أكتبه إلى أبنائهم ، كما كان رسول الله صلى الله عليه كتبه إلى آبائهم شبها ومثلا.
      وفي بحار الأنوار ج٢۰، ص ٣٣٥: أن كاتب رسول الله صلى الله عليه وآله في هذا الصلح كان علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : " اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو " فجعل علي عليه السلام يتلكأ ويأبى أن يكتب إلا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : " فإن لك مثلها تعطيها وأنت مضطهد "
    3. ابن أبي الحديد ج۱۷، ص ٢۷٢: كان في الكتيبة ألفا دارع ، وراية رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مع سعد بن عبادة وهو أمام الكتيبة ، فلما حاذاهما سعد نادى : يا أبا سفيان : اليوم يوم الملحمة * اليوم تسبى الحرمة اليوم أذل الله قريشا ، فلما حاذاهما رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ناداه أبو سفيان : يا رسول الله ، أمرت بقتل قومك ؟ إن سعدا قال : اليوم يوم الملحمة * اليوم تسبى الحرمة اليوم أذل الله قريشا ، وإني أنشدك الله في قومك فأنت أبر الناس ، وأرحم الناس ، وأوصل الناس . فقال عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف : يا رسول الله ، إنا لا نأمن سعدا أن يكون له في قريش صولة فوقف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وناداه ، يا أبا سفيان ، بل اليوم يوم المرحمة ، اليوم أعز الله قريشا ، وأرسل إلى سعد فعزله عن اللواء . واختلف فيمن دفع إليه اللواء فقيل دفعه إلى علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) 

محوريّة التوحيد في جميع الشؤون الاجتماعيّة والفرديّة

16
  • يقول: كنت مشركًا في البداية. 

  • ـ فإذن بماذا يختلف عنك ذلك الرجل الذي في مكّة الآن. لماذا لا تلتفت إلى جانب الرحمة والعطف وتستخدم جانب الغضب والانتقام والنقمة؟!

  • الفارق بين ثورة رسول الله وغيرها من الثورات على الأرض

  • هذا هو الفرق بين ثورة النبيّ وبين سائر الثورات على الأرض. في ثورة رسول الله الرحمة، في ثورة رسول الله العطف، في ثورة رسول الله الأبوّة، الأبوّة، الأبوّة، أنا وعليّ أبوا هذه الأمّة۱، والأب عنده أبوّة، عنده رحمة، عنده عطف. فالنبيّ بأيّ دافع يريد أن يذهب إلى مكّة ليفتحها؟ بدافع إلهيّ. يقول الله: أيّها النبيّ! أنت الآن تريد أن تذهب إلى مكّة فلمن جئت بالإسلام إذن؟ إن لم يسلم هؤلاء فمن الذي سيسلم؟! هل رأيتم هكذا صارت المدرسة إلهيّة. أمّا الأولى: نذهب ونضرب وننتقم نلعن أسلافهم، نفعل ما نريد بهم، لقد فعلوا هم بنا كذا وكذا، فبما أنّهم صنعوا ذلك، وبما أنّهم آذونا، بما أنّهم طردونا، بما أنّهم أبعدونا، لأنّهم فعلوا بنا كلّ ذلك فهذا وقت الانتقام، انظروا إلى هذه الجياد، انظروا إلى هذا الجيش، فهذا وقت الانتقام. أمّا ما يدور في ذهن النبيّ فليس ذلك. ما يدور في ذهن النبيّ هو التوحيد. ما هو الأمر الذي يأتي من هناك، هو ينظر إلى هناك، من هناك يأتي الأمر بالرحمة، من هناك يأتي الأمر بالعطف، من هناك يأتي الأمر بوحدة النوع، يأتي حبّ النوع، يأتي حبّ الهداية. ما إن يأت هذا الأمر يرسل النبيّ إلى سعد بن عبادة، يقول: يا عليّ اذهب وخذ الراية من يده. كان سعد بن عبادة إنسانًا صالحًا، كان من أفضل الناس الذين ساعدوا رسول الله، وابنه قيس بن سعد بن عبادة كان من أصحاب سرّ أمير المؤمنين، كان من أصحاب السرّ قيس بن سعد بن عبادة هذا. على العكس من سعد بن الوقّاص الذي تحدّثنا عنه بالأمس. فسعد بن عبادة هذا كان كبير الأنصار. 

  • هذا التفكير الإلهيّ في من يجب أن يتجلّى؟ في الإنسان الإلهيّ. ومن هو؟ إنّه أمير المؤمنين. لذلك يقول: خذ الراية. يتغيّر القائد رغم كونه جيّدًا. رغم أنّه سعد بن عبادة، ولكنّ رسول الله يريد أن يكون الأمر كاملاً مائة في المائة، لا ينقص منه حتّى واحد في المائة. يريد أن تكون ألفًا بالألف. من يستطيع أن يكون مائة في المائة هو مثله ونفسه، لا غيره، غيره لديه خلل. من كان لديه خلل لا يمكنه أن يكون ممثّل رسول الله. وفي ماذا أيضًا؟ في فتح مكّة. أن يعيد أرضًا من الشرك إلى التوحيد. لذلك فإنّ النبيّ يجعل نفسه قائد الجيش. يا عليّ! خذها وبدّل الشعار أيضًا. فرأوا فجأة أنّ أمير المؤمنين شرع بتغيير الشعارات، لا إله إلا الله وأمثال ذلك، جاء بالهداية ـ لا أذكر ما هو الشعر الذي قاله ـ الشعر الذي بدأ بقراءته شعر محبّة و...٢ رأى الناس أن يا للعجب فلماذا سيوفنا هذه إذن؟ فلماذا شحذنا سيوفنا معنا والدروع والخوذ وأمثالها فلماذا هذه؟ هؤلاء لم يعرفوا النبيّ، هؤلاء رأوا فقط أنّ النبيّ يريد أن يهاجم. يا عزيزي إنّ في داخل النبيّ شيئًا آخر. 

    1. الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج۱، ص ٩۱. 
    2. اليوم يوم المرحمة 

محوريّة التوحيد في جميع الشؤون الاجتماعيّة والفرديّة

17
  • كار پاکان را قياس از خود مگیر 

  • يقول: لا تقس عمل المطهّرين على نفسك

  • المطهّرون طاهرون، لا غلّ عندهم ولا غش، بالنسبة إلى المطهّرين من كان في المدينة لا يختلف عمّن كان في ذاك الطرف من الدنيا. لماذا؟ لأنّ إله الاثنين واحد، لو كان إلههم اثنين لكان بينهما فرق، لصار بين مخلوقاته فرق، لصار بين معلولاته فرق. ولكنّ الله واحد. 

  • جاء إلى هنا [مكّة] رأى الناس أنّ الأمر تغيّر، يا للعجب، تعجّبوا، نحن جئنا بأيّ حماس وبأيّ شوق وماذا كنّا نريد ولكن ماذا حصل؟ ماذا جرى؟ رأوا أنّ الأمر مختلف، كأنّ المسألة مختلفة، لقد تغيّرت أحوالهم، فعندما صار الشعار بيد أمير المؤمنين فعلينا أن نرى ماذا سيحدث؟ شيئًا فشيئًا، شيئًا فشيئًا بدأت الحال تتبدّل مع هذه الشعارات، النفس أيضًا بدأت تتغيّر، هم أنفسهم صاروا أيضًا رسوليين. أي الناس أنفسهم تغيّرت أحوالهم إلى عين الحال التي يريدها النبيّ، إلى تلك الحالة من التوحيد، إلى محوريّة التوحيد، صاروا بهذه الحال. عندما يأتون بهذه الحال فإنّه يكون الفتح، ويكون فتحًا صحيحًا أيضًا. جاؤوا إلى أبي سفيان فقالوا: أتدري ماذا حصل؟ انظر من جاء. جاء ونظر فبدأ بدنه يرتجف. قال: إنّ ابن أخيك هذا لن يبقي لنا بيتًا. قال: لقد أخطأت. إن شئت فاذهب أنت إلى النبيّ. جاء أبو سفيان وحده، من؟ من قاد معركة بدر. أقول واقعًا لو أنّ أمرًا كهذا حصل معنا، لكنّا حوّلناه إلى دخان قبل إن يصل إلى سماء إيران، لكان صار بخارًا. لقد قاد أبو سفيان معركة بدر، لقد قطّع الحمزة إربًا إربًا في معركة أحد، فقال النبيّ: أينما وجدتم قاتل هذا فاقتلوه، ثمّ عفى عنه ـ قاد معركة بدر، قاد معركة أحد، قاد معركة الأحزاب والخندق حيث كانت ضربة أمير المؤمنين على رأس عمرو بن عبد ود، كلّ ذلك كان من أبي سفيان، ولكنّه جاء وحيدًا إلى النبيّ: جئت لأُسْلِم. فقال النبيّ: إسلامك مقبول. يا عجبًا! سيّدي! لقد بهت الرجل. ما هذا؟ هذا هو الله. وهذا يتعجّب بلا داع، لا داعي للتعجّب. لو أنّ النبيّ فعل غير ذلك...، النبيّ إلهيّ، النبيّ حقيقة التوحيد، لا تعجّب. العمل الأهمّ الذي قام به النبيّ هو أنّه جعل دار أوّل مفسد وأوّل فاسد وأوّل خائن عندما أسلم مأمنًا لجميع أهل مكّة، دار أبي سفيان. من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. انظروا! أنتم تقولون هو نبيّ ونحن نقول هو نبيّ، ونتكلّم على المنابر كثيرًا، ولكن هل فكّرنا إلى الآن أن ماذا كان هذا النبيّ؟ ماذا حصل حتّى صار نبيًّا. منزل أبي سفيان [كان سببًا] لكلّ الفتن، أقارب وأرحام النبيّ أبو سفيان هو الذي قتلهم في الحروب، كافّة تلك الفتن، كلّها، ثلاث سنوات في شعب أبي طالب من السجن فقد النبيّ خلالها زوجته وفقد عمّه ودفن الناس في ذلك الشعب أحياء، وماتوا، ودفنوا هناك، والآن مقبرة أبي طالب في ذلك الموضع من مكّة معروفة. كلّ ذلك كان بسبب أبي سفيان، ولكن عندما يأتي نداء الرحمة، تنزل الرحمة بشكل، تهطل الرحمة بنحو يجعلنا نقول: إلى هذا الحدّ...! دار أبي سفيان يصبح محلّ أمن. فيا للعجب كلّ الناس كانوا يعرفون النبيّ وعاندوا. أتتخيّلون أنّ عمر لم يكن يعرف النبيّ؟! أبو سفيان لم يكن يعرفه؟! أبو بكر لم يكن يعرفه؟! ألم يكونوا يعرفون أمير المؤمنين؟! جميعهم كانوا يعرفون، فما هذه؟! هذه هي المدرسة الإلهيّة. لذلك فالنبيّ لم يكن يملك شيئًا، يقول: لقد جئت بالحكومة الإلهيّة، كلّ من يأتي فمرحبًا به، الإسلام يجبّ ما قبله۱ الإسلام يقطع بين الإنسان وبين ما قبله، كلّ عمل قام به فقد قام به. 

    1. القواعد الفقهيّة، ج۱، ص ٤۷؛ عوالي اللئالي، ج ٢ ص ٥٤ ج ۱٤٥ وص ٢٢٤ ح ٣۸؛ مسند أحمد بن حنبل؛ ج ٤ ، ص ۱٩٩ و ٢۰٤ و٢۰٥ ؛ جامع الصغير للسيوطي، ج ۱ ص ۱٢٣.

محوريّة التوحيد في جميع الشؤون الاجتماعيّة والفرديّة

18
  • المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه في ذلك اللقاء الذي كان له مع المرحوم آية الله الخمينيّ والذي تحدّثت عنه في تلك الجلسة، كان من كلامه معه أنّه عليك أن تعلن العفو العامّ، فأجاب: لماذا؟ فقال المرحوم العلاّمة: لأنّ الحكومة السابقة حكومة زمان الشاه كانت حكومة كفر، لم تكن حكومة إسلام، والناس في حكومة الكفر هذه نشأوا وكبروا، وبما أنّهم يدعون بالمسلمين فهذا جيّد، وما دامت هذه الحكومة حكومة كفر فلا يمكننا أن نعدم كلّ إنسان لمجرّد كونه في حكومة الكفر، إلا إذا قتل أو قام بعمل يستوجب القتل في نفس تلك الحكومة.

  • حسنًا لا بأس، لا إشكال في المسألة من الآن فصاعدًا، ولكن بمجرّد أن يكون إنسان ما وزيرًا في وزارة أو مثلاً وكيلاً في أمر ما، وأمثال ذلك، فلا يمكننا أن نقوم بذلك، الحكومة حكومة ماذا؟ علينا أن نعطي وجه رحمة الله وعطفه للناس من خلال هذه الثورة. هذا كان كلام المرحوم العلاّمة. وبالطبع فإنّ السيّد الخمينيّ قال في الجواب: كلاّ، أنا أعتقد أنّ هذه الحكومة هي حكومة إسلام، وهذه الأمور تستوجب جزاء وأمثال ذلك. انظروا! رسول الله في أيّ أفق كان يتحرّك وفي أيّ أفق كان يفكّر، يجعل دار أبي سفيان محلّ أمن. 

  • لقد طال بنا الكلام، وكنت أريد أن أتكلّم بموضوعات أخرى أيضًا في هذا المقام، وطبعًا نحن لن نترككم بهذه السهولة! إلى ما شاء الله. والآن أعتقد أنّكم تعتبم، وعادتنا هي الكلام ولكن عادتكم ليست الاستماع، وكثرة الاستماع الآن ربّما تزيدكم تعبًا.

  • على كلّ حال نأمل من الله إن شاء أن يجعل حياتنا وحركتنا حركة وحياة إلهيّتين. لأنّها واقعًا لا تستحقّ، واقعًا لا تستحقّ، فالإنسان يمكنه، والله خيّره، والله أعطاه قدرة أن يكون على نحو من التفكير، أن يتغيّر شيئًا يسيرًا، أن يبدّل مكانه، فمع أنّه يمكنه أن يحسّن رؤيته، ويحسّن فكره، ينشغل بذاك الجانب من المسألة! هذا أمر لا يستحقّ. الآخرون جرّبوا وقالوا إنّه لا يستحقّ. وإن شاء الله نحن أيضًا نستفيد من تجربة الآخرين، ونستمرّ على طريق الأعاظم، ولا أبعدنا الله عن مقام الولاية المطلقة والكبرى الإلهيّة لحضرة بقيّة الله أرواحنا فداه في الدنيا ولا في الآخرة. وعجّل في فرجه، وجعلنا من أنصاره الحقيقيّين والذابّين عنه. ونصر الله الإسلام والمسلمين. وأيّد الله ونصر كلّ من يجاهد في سبيل الإسلام والإسلام نيّته وهدفه في كلّ مكان وفي كلّ موقع.

محوريّة التوحيد في جميع الشؤون الاجتماعيّة والفرديّة

19
  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد