1

أحكام الاجتهاد والتقليد

2885
مشاهدة المتن

المؤلّفالعلامة آیة الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني

القسممحاضرات العلامة الطهراني

المجموعةأبحاث فقهية

جلسات المجموعة(7 جلسة)

التوضيح

تعرض سماحة العلاّمة آية الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني رضوان الله عليه في محاضرة له ألقاها في مسجد القائم في شهر رمضان سنة 1398 هـ لبيان بعض الشروط التي ينبغي أن تتوفر في المجتهد الذي يرجع إليه ويؤخد عنه أحكام الدين، معتبراً أن مسألة الرجوع إلى الفقهاء كان متعارفاً في زمن الحضور أيضاً، بل هو واجب على من لم يستطع الوصول إلى الإمام عليه السلام مباشرة سواء كان في عصر الحضور أو في عصر الغيبة، وأشار إلى أن من جملة تلك الشروط العلم والذكورة وحلية المولد والعدالة؛ بالمعنى الذي توضحه الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام؛ أي أن يكون صائنا لنفسه وحافظاً لدينه ومخالفاً لهواه ومطيعاً لأمر مولاه.
/۵
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

أحكام الاجتهاد والتقليد

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • أحكام الاجتهاد والتقليد

  • أبحاث فقهيّة ـ المجلس الأول

  •  

  • محاضرات ألقاها

  • سماحة العلّامة آية الله الحاجّ السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

أحكام الاجتهاد والتقليد

2
  •  

  •  

  • أعوذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم

  • بسم الله الرحمن الرحيم

  • وصلّى اللهُ على محمّدٍ وآلِهِ الطاهِرينَ

  • ولَعنَةُ اللهِ على أعدائِهم أجمَعين

  •  

  •  

  • أبديّة القوانين الإسلاميّة وخلودها

  • من ضروريّات الدين الإسلاميّ أنّ قوانينه أبديّة؛ أي أنّها لا تقبل النسخ إلى يوم القيامة، فلا يُمكن أن يأتي أيّ قانون أو حكم سماويّين أو غير سماويّين، وينسخا هذه القوانين.

  • وقد جاء في الحديث الذي رواه الشيعة والسنّة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال:

  • حَلَالُ مُحَمَّدٍ حَلَالٌ إِلَى یَوْمِ‌ القِیَامَةِ، وَحَرَامُ مُحَمَّدٍ حَرَامٌ إِلَى یَوْمِ الْقِیَامَةِ؛۱

  • وجوب الرجوع في الأحكام للإمام أو المجتهد الجامع للشرائط عند التعذّر

  • ففي زمان حضور الإمام، إذا كان بوسع الناس الوصول إليه، تعيّن عليهم سؤاله عن الأحكام؛ وإلاّ، لزمهم سؤال نوّابه والأفراد الذين لديهم قوّة الاجتهاد، ويستطيعون النظر بنحو مستقلّ في كتاب الله وسنّة رسوله، وفي الروايات التي وصلتهم عن الأئمّة، ليستنبطوا منها الأحكام؛ ولهذا، فإنّ باب الاجتهاد مفتوح حتّى في زمان الأئمّة عليهم السلام.

  • ففي زمان حضور الإمام بعينه، كحضرة الإمام الحسن، وحضرة الإمام زين العابدين، وموسى بن جعفر، وبقيّة الأئمّة عليهم السلام، لم يكن كلّ الناس في كافّة الأقطار الإسلاميّة قادرين على الوصول إليه، بل كان أهل كلّ مدينة وبلد يرجعون ـ بأمر من الإمام ـ إلى العالم الحائز على شروط الاستنباط، والذي كان يستخرج حكم الله تعالى ـ بإذن من الإمام وإمضائه ـ من القرآن والسنّة النبويّة، ويُبيّنه للناس.٢

  • وزمان الغيبة شأنُه شأن زمان الحضور؛ أي: ينبغي على الذين لا يستطيعون الوصول بأنفسهم إلى الإمام أن يرجعوا إلى العلماء المتّقين والجامعين للشرائط، ويأخذوا منهم الأحكام؛ وإلاّ، لو أرادوا العمل من تلقاء ذواتهم، ومن دون الرجوع إلى الخبير في هذا الفنّ ـ وهو المجتهد الجامع للشرائط ـ، فإنّ عملهم سيكون باطلاً.٣

  • الشروط العامّة للاجتهاد والإفتاء

  • وأمّا الأفراد الذين عُيّنوا من قبل الإمام ليرجع الناس إليهم، فينبغي أوّلاً أن يكونوا قد وصلوا إلى مرحلة الاجتهاد؛ أي أن يكون علمهم كبيرًا، ويتوفّروا على سداد في العقل، وحدّة في النظر، وملكة إلهيّة قدسيّة، إلى درجة تُمكّنهم من استنباط حكم الله تعالى من الآيات القرآنيّة والأخبار الواردة، بما فيها الأخبار المطلقة، والمقيّدة، والعامّة، والخاصّة، والمجمَلة، والمبيَّنة، وكذلك الأخبار الواردة لبيان الأحكام الواقعيّة أو الأحكام التي صدرت عن تقيّة؛ فهذا الذي يُقال عنه: ملكة اجتهاد.

    1. كنز الفوائد، ص ٣٥٢؛ كتاب الأمّ، الشافعي، ج ٢، ص ٢٦٤.
    2. راجع: وسائل الشيعة، ج ٢۷، ص ۱٣٦ ـ ۱٥٣.
    3. راجع: المصدر ذاته.

أحكام الاجتهاد والتقليد

3
  • وعلاوة على ذلك، ينبغي أن يتّصفوا بالعدالة؛ أي أن يكونوا عدولاً، وليسوا من أهل الفسق والفجور والعصيان.۱

  • والأرقى من ذلك، عليهم أن يكونوا قد تخطّوا الأهواء النفسيّة، وصاروا مطيعين لأوامر مولاهم؛ أي ألاّ يكونوا من طلاّب الرئاسة، ولا يدعوا الناس إلى تقليدهم لأجلها، بل يكونوا عبادًا مطيعين لأوامر الله تعالى تمامًا، قد تخلّصوا ـ عند حفظ أنفسهم ـ من الآراء الشيطانيّة والخواطر النفسانيّة، وأضحت أعمالهم ونيّاتهم وأفكارهم منصبّة على رضا الله تعالى.٢

  • ولا يخفى أنّ الذكورة شرط أيضًا في الإفتاء، فلا يُمكن للنسوة أن يُفتين؛ لكن، إذا وصلت امرأة إلى مرحلة الاجتهاد، حرُم عليها التقليد، ووجب عليها العمل ـ في الأحكام التي تستنبطها بنفسها ـ طبقًا لرأيها واستنباطها، حيث يكون هذا الرأي حجّة بالنسبة إليها، لكنّه غير حجّة بالنسبة لغيرها، ولو كنّ نساءً.

  • ومن هنا، فإنّ الذين ليست لهم في زمان الغيبة أو الحضور قدرةٌ على الوصول للإمام بسبب كونه عليه السلام محجوبًا وراء ستار الغيبة، أو بسبب كونه مسجونًا كما كان موسى بن جعفر عليه السلام في بغداد، أو بسبب كونهم يعيشون في المدينة والمناطق النائية، ولا يملكون ملكة الاستنباط، لكي يستنتجوا بأنفسهم الأحكام من آراء الإمام وكتاب الله وسنّة الرسول، يتوجّب عليهم أن يرجعوا إلى عالم شيعيّ اثنى عشريّ، ذكر، طاهر المولد (ولادته من غير سفاح)، حائز على ملكتي الاجتهاد والعدالة؛ وفضلاً عن ذلك، له نفس قدسيّة حتّى يُطبّق الأحكام على موضوعاتها، ومنزّهًا عن هوى النفس.

  • فإذا اجتمعت هذه الشروط في أحد، يُقال عنه: مجتهد جامع للشرائط، ويصير بوسعه الإفتاء، ويكون رأيه حجّة بالنسبة للذين لم يصلوا بعد إلى هذه المرحلة.

  • حرمة استفتاء غير المجتهد الجامع للشرائط والرجوع إليه في النزاعات

  • فيحرُم الرجوع إلى غير المجتهد الجامع للشرائط، من دون فرق هنا بين أن يرجع الإنسان إلى علماء أهل السنّة، أو إلى العلماء الشيعة الذين لم يصلوا بعدُ إلى درجة الاجتهاد، لكنّهم يلجؤون إلى إبداء الرأي من تلقاء ذواتهم، أو يرجع إلى الذين بلغوا درجة الاجتهاد، غير أنّهم ليسوا عدولاً؛ أي أنّهم يتوفّرون على العدالة المتعارفة، لكنّهم ليسوا مخالفين لهواهم، أو يرجع إلى غير الذكور؛ فلا يجوز الرجوع إلى هؤلاء بأجمعهم في استنباط الأحكام، وكذلك على مستوى البتّ في النزاعات.٣

    1. الاحتجاج، ج ٢، ص ٤٥۸.
    2. المصدر نفسه، ص ٤٥٦ ـ ٤٥۸؛ وراجع أيضًا: ولاية الفقيه في حكومة الإسلام، ج ٢، ص ٩٣ ـ ۱۰۰؛ الدرّ النضيد في الاجتهاد والتقليد، ص ٦٣، الهامش.
    3. الاحتجاج، ج ٢، ص ٤٥٦ ـ ٤٥۸؛ وسائل الشيعة، ج ٢۷، ص ۱٦.

أحكام الاجتهاد والتقليد

4
  • فإذا حدث نزاع بين شخصين بخصوص مِلك مثلاً، أو مال، أو ماء، أو صنعة، أو تجارة، أو في زواج، أو طلاق، أو أيّ مورد من الموارد، فإنّ المجتهد الجامع للشرائط هو الذي يجب أن يتولّى حلّ هذا النزاع؛ وإذا لم يرجعا إليه، واعتقدا بنفوذ حكم غيره، سيكونان قد ارتكبا فعلاً محرّمًا.

  • فيحرُم على المسلمين الذين يحصل بينهم نزاعٌ التخاصمُ عند المحاكم التي تحكم بغير حكم الإسلام، أو أنّها تحكم بذلك، لكنّ القاضي لا يكون مجتهدًا جامعًا للشرائط.۱ 

  • وقد جُعل الرجوع إلى هؤلاء في حكم الشرك، وذلك في رواية اسمها «مقبولة عمر بن حنظلة٢» نقلها المشايخ الثلاثة؛ أي المرحوم الشيخ الكلينيّ،٣ والمرحوم الشيخ الطوسيّ،٤ والمرحوم الشيخ الصدوق٥ في كتبهم؛ وبما أنّ الرواية مفصّلة جدًّا، فإنّنا سنقتصر هنا على ذكر مقدار العبارة الذي نحتاجه، لكي نتبيّن منه الحكم:

  • قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا (أي من الشيعة) يكونُ بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ فِي دَيْنٍ أَوْ مِيرَاثٍ، فَتَحَاكَمَا إِلَى السُّلْطَانِ أو إِلَى الْقُضَاةِ (المعيّنين من قبل السلطان)، أَ يَحِلُّ ذَلِكَ؟ قَالَ: مَنْ تَحَاكَمَ إِلَيْهِمْ فِي حَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ، فَإِنَّمَا تَحَاكَمَ إِلَى الطَّاغُوتِ، وَمَا يَحْكُمُ لَهُ، (ويأخذه من ميراث أو مال)، فَإِنَّمَا يَأْخُذُهُ سُحْتًا (وحرامًا)، وَإِنْ كَانَ حَقًّا ثَابِتًا؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِحُكْمِ الطَّاغُوتِ، وَإنّما أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُكْفَرَ بِهِ (لا أن يُرجع إليه)؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ﴾.٦

  • قُلْتُ (عمر بن حنظلة): فَكَيْفَ يَصْنَعَانِ (في المرافعات والنزاعات التي تحدث بينهم، إن كان لا يستطيعان الرجوع إلى المحاكم الرسميّة من أجل حلّ النزاع بسبب كونها طاغوتيّة)؟

  • قَالَ (عليه السلام): يَنْظُرَانِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ (أي من الشيعة وليس المخالفين) مِمَّنْ قَدْ رَوَى حَدِيثَنَا، ونَظَرَ فِي حَلَالِنَا وحَرَامِنَا، وعَرَفَ أَحْكَامَنَا، فَلْيَرْضَوْا بِهِ حَكَمًا، فَإِنِّي جَعَلْتُهُ عَلَيْكُمْ حَاكِمًا؛ فَإِذَا حَكَمَ بِحُكْمِنَا، فَلَمْ يَقْبَلْهُ مِنْهُ، فَإِنَّمَا بِحُكْمِ اللَّهِ اسْتَخَفَّ، وعَلَيْنَا قد رَدَّ، والرَّادُّ عَلَيْنَا الرَّادُّ عَلَى اللَّهِ، وهُوَ عَلَى حَدِّ الشِّرْكِ بِاللَّه!۷

  • وينقل الشيخ الطبرسيّ في كتاب الاحتجاج رواية عن الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام، والذي ينقلها بدوره عن الإمام الصادق عليه السلام؛ وهي رواية عجيبة وشريفة جدًّا، إلى درجة أنّ المرحوم الشيخ الأنصاريّ يقول في كتابه الرسائل: «هذه الرواية يلوحُ من نصّها آثارُ الصدق»؛۸ أي أنّها لا تحتاج إلى سند بتاتًا، حتّى يأتي الكلام عن صحّة هذا السند أو عدم صحّته؛ إذ من الواضح صدور هذه المسائل من معدن الولاية، وآثار الصدق ظاهرة من نصّها بعينه؛ وهي رواية مفصّلة جدًّا نقلها الشيخ رحمة الله عليه في الرسائل، لكنّ أصلها موجود في كتاب الاحتجاج للشيخ الطبرسيّ مع بعض الزيادات التي ذُكرت فيه، ولم ينقلها المرحوم الشيخ الأنصاريّ، حيث يستمرّ فيها الإمام الصادق عليه في الكلام، إلى أن يقول:

    1. راجع: وسائل الشيعة، ج ٢۷، ص ۱۱ ـ ۱٦.
    2. كان من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام.
    3. الكافي، ج ۱، ص ٦۷.
    4. تهذيب الأحكام، ج ٦، ص ٣۰۱.
    5. من لا يحضره الفقيه، ج ٣، ص ۸.
    6. سورة النساء، الآية ٦۰.
    7. الكافي، ج ۱، ص ٦۷؛ تهذيب الأحكام، ج ٦، ص ٣۰۱؛ من لا يحضره الفقيه، ج ٣، ص ۸؛ مع اختلاف قليل في المصادر.
    8. فرائد الأصول، ج ۱، ص ۱٤۱: «دلّ هذا الخبر الشريف اللائح منه آثار الصدق ...»

أحكام الاجتهاد والتقليد

5
  • فَأَمّا مَنْ کانَ مِنَ الفُقَهاءِ صَائِنًا لِنَفْسِهِ (من كيد إبليس وهوى النفس الأمّارة)، حافِظًا لِدینِهِ (من مكر الشيطان والآراء الباطلة والنيات السيّئة) مُخالِفًا لِهَواهُ مُطیعًا لِأمرِ مَولاهُ (تمامًا)، فَلِلْعَوامِّ أَنْ یُقَلِّدُوهُ (ويجب عليهم ذلك).۱

  •  

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد

    1. التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام، ص ٢٩٩ ـ ٣۰٢؛ الاحتجاج، ج ٢، ص ٤٥٦ ـ ٤٥۸.