العرفان والسیر والسلوک
التوضيح
العرفان: هو معرفة الله عزّ وجلّ، وهي تُساوي معرفة الوجود بجميع لوازمه
وآثاره، وذلك من خلال المعرفة الشهوديّة والمسانَخة الهوهويّة، دون الاكتفاء
بالتفكير والتأمّل ومطالعة الكتب وسماع المحاضرات من أفواه الآخرين. وتحصل هذه
المعرفة للإنسان الذي سار تحت ظلّ التوحيد، تماماً كما ورد في الخبر المأثور عن
مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: «كمال توحيده نفي الصفات عنه»، كذلك في المناجاة
الشعبانيّة: «وألحقني بنور عزّك الأبهج فأكون لك عارفا وعن سواك منحرفا».
وبلوغ مرحلة التوحيد والعرفان إنّما يحصل بالفناء الذاتي للسالك في
ذات حضرة الأحد، وما لم يُعاين الإنسان هذه المرحلة، فلن يبلغ حقيقة الشهود
التوحيدي ومراتب أسماء ذات الحقّ وصفاته، وذلك كما ورد في القرآن المجيد: ﴿سُبْحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * إِلَّا عِبَادَ ٱللَّهِٱلمُخْلَصِينَ﴾.
جاء في الحديث الشريف «وَإنَّ
لِرَبِّكُمْ في أيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ ألَا فَتَعَرَّضُوا لها وَلَا
تُعْرِضُوا عَنْهَا».
وفي هذه الحال يهمّ السالك بالسفر إلى الله، ويُقرّر تبعاً لتأثير هذه
الجذبة الإلهيّة أن يعبر عالم الكثرة، ويشدّ بكلّ ما يمكنه عنان السفر ليخلّص نفسه
من هذه الغوغائيّة المليئة بالآلام والاضطرابات، ويُسمّى هذا السفر في اصطلاح
العارفين وعرفهم بالسير والسلوك.
فالسلوك: هو طيّ الطريق، والسير: هو مشاهدة آثار وخصائص المنازل والمراحل
أثناء ذلك الطريق، وزادُ هذا السفر الروحانيّ هو المجاهدة والرياضة النفسانيّة ولأنَّ
قطع علائق المادّة صعب جدّاً، يتمّ التخلّص من وشائج عالم الكثرة بالتدريج حتّى
يتمّ السفر من عالم الطبع.