المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسمعنوان البصري
المجموعةالتقوى ومراتبها
التاريخ 1428/04/10
التوضيح
كيف تنشأ التوهّمات والتخيّلات؟ وهل الكدورة والظلمة من الخطأ الخارجي أم نيّته؟ وما معنى يا أيّها الذين آمنوا تّقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورًا تمشون به؟ هل العمل وفق التكليف والمنطق هو من الدنيا واعتباراتها وتخيّلاتها؟ بماذا يشترك طلحة والزبير مع مالك الأشتر وبماذا يتميّزان عنه؟
تجيب هذه المحاضرة على هذه الأسئلة ضمن شرح فهذا أوّل درجة التقى من حديث عنوان البصري.
هو العليم
التقوى وتصحيح الفكر والخيال
شرح حديث عنوان البصري - المحاضرة ۱٤۱
ألقاها:
آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على سيدنا ونبيّنا أبي القاسم محمد
وعلى آله الطيبين الطاهرين
واللعنة على أعدائهم أجمعين
معنى تلك الدار الآخرة للذين لا يريدون علوًّا
قال الإمام الصادق لعنوان البصري: قال الله تعالى: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوًا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين}.۱ فالإمام يستشهد بالآية القرآنية التي تقول إنّنا نجعل الآخرة للذين لا يقضون حياتهم الدنيا بالعلوّ والاستكبار والفساد والذين يقضون حياتهم بالتقوى والابتعاد عن الأهواء والدخول في عالم التوهّمات والتخيّلات فالآخرة لهؤلاء.
فإذن الدنيا لمن؟ الدنيا هي للذين يقضون ليلهم ونهارهم بالهوى وعالم التوهّم والتخيّل والظنّ، يقضون أوقاتهم بمواقف عالم الدنيا وعالم النفس ومحاكماتها والأمور التي تُبعد الإنسان عن الوصول إلى الحقيقة والعبور من بوادي النفس، وتسبّب التكثّرَ في مراتب النفس لهؤلاء الناس بدلاً من التجرّد في مراتب التوحيد، فبدلاً من أن يجعل الإنسان ذهنه وطريقه في طريق العبور من الكثرات والخيالات والتوهّمات والميول الدنيويّة والتشوّق إلى الدخول في الأمور التي يسعى سائر الناس إليها ولا يمتنعون عن أيّة وسيلةٍ للوصول إليها، بدلاً من كلّ ذلك تنحّى هؤلاء عن هذه الأمور وعلى حدّ قول المرحوم العلامة رضوان الله عليه فقد كان يذكّر أصدقاءه بهذه الجملة كثيرًا: دعوا الدنيا لأهلها، ما لنا وهذه الأمور؟!
كيف تحقّق أول مراتب التقوى في الفكر والخيال؟
أحيانًا كان يُرى من بعضهم آنذاك أنّهم بدلا ًمن ذكر الله، والمقصود من ذكر الله ليس الأوراد والإمساك بالسبحة فهذا وردٌ، الذكر يعني أن يتكلّم الإنسان في أثناء كلامه وفي أفكاره بأمورٍ تقرّبه من عالم التوحيد وعالم الولاية، يطرح كلام الطاهرين في المجالس، يطرح القصص المفيدة وذات العبر من الماضين في كلامه، يطرح أحوال الأعاظم، يذكر النصائح والمواعظ المنقولة عن الأعاظم سواءٌ سمعها بنفسه أو طالعها في كتابٍ، يذكر الأمور المفيدة لا الكلام الذي لا يساوي ألف منٍّ منه قرشًا واحدًا، يجلس الإنسان ساعتين ويتلف وقته بأمورٍ فارغة وخاوية، لقد حصل هنا ازدحام، وهنا لم يكن ازدحام، هنا حصل تلاطم وهنا كان هدوء، هنا غلاء وهنا رخص، أمورٌ فارغة لا معنى لها ومتلفة للوقت ومتلفة للعمر، حقًا متلفةٌ للعمر.
لقد كنّا نرى آنذاك أنّ بعضهم يقضون أوقاتهم بهذه الأمور، بالكلام الذي لا فائدة منه ولا نتيجة له، نتيجته فقط تلف الأعصاب والمرض والاضطراب وفي النهاية الكدورة وتشويش البال لا أكثر. فهذا يقول: أنا أقول الحقّ. وهذا يقول: أنا أقول الحقّ. هذا يقول: هذا دليلي. وذاك يقول: هذا دليلي. فيا عزيزيّ لا أنت لك دور هنا ولا ذاك الذي يتكلّم، كلاكما مخدوع تتلفان أعصابكما وتفسدان العلاقات الأسرية وتسبّبان المشكلات وبدلاً من العلاقة الودّية والمحبّة والأمور التي تزيد الأنس والألفة والحفاوة بين النفوس تقولون هذا جيدّ وهذا سيّء، هذا فعل كذا وهذا فعل كذا، هذا يقول: أنا أقول الحق وذاك يقول: أنا أقول الحق. وذاك يقول: أنت كذا وأمثال هذا الكلام الفارغ الموجود دائمًا كان ولا يزال.
لقد كان يقول: إنّ على السالك أن لا يقضي أوقاته بهذه الأمور، على السالك أن يستفيد من أوقاته بأقصى ما يمكن، أن يقول كلامًا مفيدًا ـ هذا الكلام الذي أريد أن أقوله إنّما أقوله لأنّي أريد أن أبدأ ببحث التقوى وأن نطرح أوّل مرتبة التقوى في عالم المثال والتخيّل فأذكر هذه الأمور من باب المقدّمة لتحقيق الاستعداد في أذهان الرفقاء ـ فإذا جلستم في مكانٍ فمن العبث أن يتوجّه الفكر حيث يشاء فإنّ زمامه بيد الإنسان، يبدأ بالحديث من الشرق من السماوات من المنظومة الشمسيّة والمجرّات، هكذا يدور ويأتي ويسير بسرعةٍ أيضًا لا تبلغها سرعة النور، ذهن الإنسان يسير فيما وراء الزمان ويظهر في النفس بشكل الزمان.
تصوّر الشمس في لحظةٍ في ثانيةٍ والأرض إلى جانبها فكم هي المسافة الفاصلة بين الشمس والأرض؟ يقولون إنّها حوالي تسع دقائق، ثمانية دقائق وثلاثة عشر أو أربعة عشر ثانية، في كلّ ثانية يطوي هذا ثلاثمائة ألف كيلومتر، فنحن في لحظةٍ واحدة نطوي المسافة بين الشمس والأرض دون أن يحدث أيّ شيءٍ، دون قلق، دون أن تتبدّل أيّة مادةٍ إلى طاقة، دون أن تُطرح أيّة مسألة كالنسبيّة وأمثالها، نذهب من غرب العالم إلى شرقه في ثانية، نجوب الأرض كلّها في ثانية، نخيط هذا بذاك، نربط هذا بذاك، نفصل هذا عن ذاك، نلصق هذين ببعضهما، كلّ هذا كائنٌ تحت تصرّف الإنسان في عالم التخيّل، وعلى الإنسان أن يُمسك بقوّة خياله ويسيطر عليه، فإذا كان الإنسان جالسًا في مكانٍ فعليه أن لا يُرسل بفكره إلى أيّ مكانٍ آخر، عليه أن لا يُرسل بذهنه إلى أيّ مكان، أن لا يُسلم زمام فكره إلى يد الهوى والوهم والخيال، فيرى فجأةً أنّه خلال نصف ساعة قد امتلأ من كافّة الأمور، وانطبعت ألف صورةٍ في ذهنه، وحدثت ألف صورةٍ موزونةٍ وغير موزونةٍ في قلبه.
كان النبيّ عيسى على نبيّنا وآله وعليه السلام يُوصي أصحابه بأنّ النبيّ موسى عليه السلام كان يقول: أنا أمنعكم من القيام بالفعل القبيح، فالعمل السيّء وغير المناسب والمخالف يوجد في الإنسان صورةً نفسيّةً مكدّرة، أمّا أنا فأمنعكم من تصوّر الخطأ، أنهاكم عن تصوّر العمل الخاطئ وأحذّركم من التفكير والتخطيط للخطأ لماذا؟ لأنّ أمر النبيّ عيسى عليه السلام يعني أنّ من لم يرتكب الخطأ ولكن أحضره إلى ذهنه هو كالنار التي تشتعل قرب جدارٍ وهذا الإنسان وراء هذا الجدار فرغم أنّ حرارة تلك النار لا تلتهمه وتحرقه ولكنّ دفئها والدخان المتصاعد منها سينتشر في الفضاء ويؤذي.
ما هو سبب الكدورة في الخطأ؟
ولكن يجب التنبيه هنا على هذا الأمر وأنّ الخطأ إنّما يسبّب كدورة النفس أيضًا بسبب تلك الصورة المثاليّة التي يمتلكها، أمّا العمل نفسه في الخارج فلا أثر له، فالعمل الخارجيّ الصادر من الإنسان لا يسبّب الكدورة ولا النورانيّة في نفسه ولو بمقدار ذرّة، بل النيّة والتفكير والخيال والصورة الذهنيّة الكامنة وراء ذلك والتي هي علّةٌ لظهور تلك النيّة بصورة الفعل الخارجيّ هي التي يرجع الأمر إليها، فإن كانت تلك النيّة مكدّرةً كدّرت ذهن الإنسان، وإن كانت صالحةً أصلحته رغم أنّ الإنسان لم يقم بذلك العمل بعد، فبمجرّد أن نواه فإنّه يشعر بتأثير تلك النيّة في النفس، بمجرّد أن ينوي نيّةً فاسدة بأن يقوم يخطئ في حقّ رفيقه بما يسبّب كراهيته له وأن ينقل كلامًا يؤذيه ويسبّب تشويش خاطره، بمجرّد ذلك ينظر إلى نفسه فيرى أنّها قد تغيّرت فجأةً، لم يذهب بعد، لم يخرج من منزله لينقل هذا الكلام إلى فلان، لم يخرج من منزله ولكن ما إن نوى تلك النية يرى نفسه في تلك الحال قد تغيّرت عمّا كانت عليه قبل تلك النيّة. هل تغيّرت أم لم تتغيّر؟ يرى أنّها تغيّرت فهذا دليلٌ على الكدورة والظلمة في هذا الكلام وعلى كونه شيطانيًّا، وهنا على الإنسان أن يدقّق كثيرًا في الأمر.
في الجلسة السابقة ذكرت للرفقاء مسألة الاهتمام بالدنيا، فكلّ تلك الأمور هي لأنّ النفس تبتعد بواسطة الاهتمام بالدنيا وزبرجها وزينتها عن تلك الجوهرة الصافية والنقيّة والزلال والعارية عن الزينة والتي هي حقيقة الربط بينها وبين عالم التجرّد، وكلّ ذلك هو بسبب هذا الأمر، أي أنّ الإنسان إذا أراد بينه وبين ربّه أن يجعل نفسه مجرّدةً ويبعدها ويخلّيها ويعرّيها عن الظواهر والأحداث الخارجيّة فإنّه سيصل إلى هذه النقطة وهي أنّه لا يشاهد في الارتباط بالله أيّ نوعٍ من الألوان والمزايا وأيّ نوعٍ من التعلّق.
كيف تنشأ التوهّمات؟
لو فرض الإنسان نفسه وحيدًا في الدنيا ليس على وجه الأرض غيره، لا وجود لآخر معه وقد جعل الله له المقدار الكافي من القوّة والغذاء وسائر النعم من الترفيه وتفريج الهمّ والسكن وسائر النعم، كلّ ذلك مؤمّنٌ له، ولا وجود لأحدٍ آخر غيره فكم يستفيد ممّا أعطاه الله؟ بمقدار ما يأكل ويشبع، وأمّا الباقي فلا شأن له به، يختار مكانًا مناسبًا لحياته ويقتصر على ذلك المقدار والطريقة التي تجعله يأكل ويشرب بسهولة ويستريح ولا شأن له بأكثر من ذلك، ليس هناك من يزعجه، ليس هناك من يعارضه في ذلك، ولكن لو أنّه إذا استيقظ في اليوم التالي رأى إنسانًا آخر إلى جانبه، حينها سيشعر بالفرق: عليّ أن أذهب قبله، قبل أن يأخذ ما أريد! بمجرّد حدوث هذا الأمر تفسد الحال بمجرّد ذلك، عليّ أن أصل إلى هذا المكان قبل أن يصل هو، عليّ أن أنال تلك النعمة قبله، فهذا إذا صارا اثنين، أمّا لو صارا ثلاثة أو صارا مجتمعًا أو صارا عالمًا فانظروا كيف ستكون الأحوال!
كلّ ذلك بسبب أنّ التعلّق بالدنيا والتعلّق بالكثرات يبعده عن تلك الحقيقة البسيطة والصافية والزلال والماء المعين الذي لا لون له ولا كدورة. ففي البداية هناك إنسانٌ واحدٌ آخر، فإنّه يحدث القليل من التكدّر، وفي اليوم التالي يصبح هناك اثنان آخران فيزداد مقدار التعلّق قليلاً، وهكذا وهكذا إلى أن يصبح لا يترك شيئًا في سبيل الوصول إلى الدنيا، فلا يفكّر في الوصول إلى الدنيا بأنّ هذا الأمر في صالحه أم ليس في صالحه، لا يفكّر في أنّ هذا العمل يبعده عن التوحيد أو يقرّبه منه، يصبح سكران ثملاً نائمًا، وفي حالة تسلب منه قواه العقليّة، تنصحه فينظر إليك كالجدار! إنّه ذاك عينه الذي كنت إذا نصحته تفيض عيناه من الدمع قبل أسبوعين! فماذا حصل الآن حتّى صار ينظر إليك وكأنّه جدار؟! خُدِّر وسكِر ومُسخ وصار حيوانًا.
للإنسان عقل ومنطق وفهم وفكر ينتخب الصحيح، والذي ينظر إليك هكذا وكأنّه جدار لم يعد إنسانًا، لقد خرج عن الإنسانيّة، ووصل إلى الحيوانيّة، هذا مع أنّ الحيوانات في أحسن حال وهي خير منّا، هي متقدّمة في هذه الأمور! فالحيوان بريء لم يفعل شيئًا، لم يخطئ، لا يدرك. يمشي في طريق معيّن له، فانظروا إلى الأسد، إلى النمر والفهد وقد رأيتموها في الصور، وقد رأيت بنفسي حيث كنت في مكان ما أسدًا كانت تأتي الحيوانات الأهليّة وتجلس على بعد خمسة أقدام منه فلا يؤذيها لأنّه شبعان، نفسه لا تقتضي الأذى. ولكن إذا ما جاع فإنّه يذهب ويأخذ بمقدار ما أمره الله، فيأخذ واحدة ويأكل منها مقدارًا ويترك الباقي لغيره. أمّا هذا الإنسان فماذا يفعل؟ إذا سقط الإنسان عن قواه الإنسانيّة وسلبت منه فإنّه لا يدرك شيئًا بعد ذلك.
ـ يا عزيزي إنّ العمل الذي تريد أن تقوم به يأخذك إلى الدنيا وإلى الرئاسة وإلى الشيطنة، ويلوّث نفسك، وتصبح هكذا تنظر وكأنّك جدار. إذا أردت أن تخوض في هذا العمل فإنّه يبعدك عن التوحيد ويوجد في نفسك الاضطراب والكدورة والقذارة، والبلاء الذي أصاب الآخرين بعينه سيصيبك أنت. ينظر وكأنّه جدار، فقط ينظر. ثمّ يا ليته يكتفي بالنظر وحده! فأحيانًا ينتهي الأمر إلى السخرية والاستهزاء: فمن هم هؤلاء؟ إنّهم لا يدركون شيئًا إنّهم ليسوا في الدنيا ولا اطّلاع لهم على ما فيها. فماذا تصبح هذه الأوضاع؟ تصبح من هذه الألاعيب! وقد قلت لكم إنّها لا تساوي شيئًا، ولو دفع إنسان ما قرشًا واحدًا في مقابلها فهو خاسر لعقله.
لماذا كلّ ذلك؟ إنّه لأجل الاهتمام بالدنيا والاهتمام بالنفس... وبعد ثلاثين سنة أو أربعين سنة، ففي النهاية الكلام هو عن أنّه بعد ثلاثين أو أربعين سنة يضرب الإنسان على رأسه، حينها يكون الأوان قد فات، حسنًا يا عزيزي بعد ثلاثين أو أربعين سنة مضت أدرك أنّ الجميع قد خدعوا، حينها يضرب على رأسه، ولو لم يطل الأمر ثلاثين أو أربعين سنة، بعد سنتين أو ثلاث، بعد أن فقد الفرصة وفقد القدرة، وفقد الشباب، وفقد الاستعداد، تلك الحركة والسرعة التي كانت بواسطة القوى التي أودعها الله في الشاب، فكما أنّ قواه الجسميّة تفوق غيره، فإنّه من ناحية تجاوز الموانع يفوق الآخرين أيضًا. فإذا فقدها يقول: عجيب! الآن فهمت أنّ الدنيا بيد من هي! الآن فهمت أنّه لا قوّة لأحد هنا، الآن أدركت أنّ الجميع ألعاب! يأتي الأولياء فيقولون: بدلاً من أن تدرك بعد ثلاثين سنة أن تدرك بعد عشرين سنة، أن تدرك بعد عشر سنوات! فأنا الآن أخبرك فلتدرك الآن!
سألت المرحوم العلاّمة: لماذا لا تنهى فلانًا عن بعض الأعمال؟ لماذا لا تقول له؟ هل الأعمال التي يقوم بها فلان فيما يرتبط بذاك الأمر هي في مصلحته أم لا؟
قال: هي خطر عليه بنسبة مائة في المائة إنّها تقضي على كامل أعماله السابقة وجهوده.
قلت: فلماذا لا تقول له؟ فقال إذا قلت هل يطيع؟! لقد مضى ولم يلتفت إلى ورائه فهل يصغي؟!
لماذا يجب أن يكون هكذا؟ لماذا لا يتأمّل الإنسان قليلاً قبل كلّ خطوةٍ يخطوها؟ لماذا لا يأخذ الأمر شيئًا فشيئًا؟ لماذا إذا ذهب وسقط في الحوض يستنجد ويقول أغيثوني؟!
ـ لا تمض في هذا الطريق فتقع، لا تذهب فتقع في البئر، فكّر بهدوء، فكّر بالأمور التي تجري، فكّر بالأحداث التي تجري من حولك الواحدة تلو الأخرى، فكّر فإنّ الله يلقي في فكرك، يلقي في نفسك، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله}۱. هذه الآيات عجيبةٌ جدًا وواقعًا هي آيات عجيبة وأيٌّ من الآيات ليس عجيبًا، غاية الأمر أنّ بعضها له تأثير عجيب في بنائه، وينبّه الإنسان كثيرًا ويذكّره كثيرًا
معنى آية: يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورًا
ما معنى الإيمان؟
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله}، أتعلمون ما معنى الإيمان؟
يعني اعلموا أنّ النبي يقول حقًّا فلنطعه قبل أن تنتهي الخدعة، فلا نقرأ القرآن هكذا.{آمنوا برسوله} تعني ليكن لديكم إيمانٌ به، هذا الكلام الذي يقوله سيأخذ بتلابيبكم يومًا ما، وسيرتفع صراخكم، هذا معنى الإيمان. آمنوا يعني أنّه سيأتي يوم تتحسّرون فيه على عمركم التالف وتلقّيكم له بالسخرية والعبث، وحينها لا ينفع الندم. هذا معنى آمنوا. آمنوا بأنّ ما يقوله هو في مصلحتكم، الآن لا تدرون ستلتفتون لاحقًا. آمنوا بأنّ ما يقوله قد طوى طريقه هو بنفسه ثمّ بعد ذلك هو يحدّثكم عنه، لم يقرأه في كتاب. آمنوا بأنّ ما يقوله يريد به صلاحكم ولا يرجع إليه شيء من النفع. لقد سار النبيّ في طريقه ووصل إلى الغاية سواء آمنّا أم لم نؤمن. لقد طوى هو طريقه، ووصل إلى الدرجات التي ينبغي أن يصل إليها، وبتبليغه الرسالة أوصل استعداداته إلى فعليّتها، وقد أوصلها إلى فعليّتها في عالم البقاء وفي العلاقة مع الناس وفي هدايتهم، لقد بلغ الكمال وطوى طريقه فإن شئتم فآمنوا أو شئتم فلا تؤمنوا.
لقد عرض الإسلام على أبي سفيان وأبي جهل فإن شاؤوا آمنوا وإن شاؤوا عقدوا جلسة في منتصف الليل يسخرون فيها من النبيّ. لقد بيّن الهداية لجميع أبناء الأمّة وأضاء الطريق، وأوكل الناس إلى أمير المؤمنين، ثمّ هم يجتمعون أربعة أربعة أو خمسة خمسة أو عشرة عشرة في مجالسهم يخطّطون للمؤامرات حتّى إذا مات النبيّ ينتخبون غيره. فليفعلوا ذلك فليفعلوا. وليفعلوا عشرة أضعاف ذلك، ومائة ضعف ذلك، لقد بلغ هو باستعداداته إلى كمالها، ووصل إلى ذلك المقام وإلى تلك الدرجة، فليذهب الآخرون وليتآمروا كما يشاؤون، فهذا معنى الإيمان.
{يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا الله وآمنوا} فلا تتّخذوا كلام النبيّ هزوًا ومزاحًا، فسيأتي يوم تضربون فيه على رؤوسكم ندمًا، ستندمون يومًا ما، ستتحسّرون يومًا على العمر الضائع وستقولون: {يا حسرتى على ما فرّطت في جنب الله...}۱ لقد كان المرحوم العلاّمة يقول هذا أيضًا، لقد سمعنا هذا الكلام بعينه من فم المرحوم العلاّمة في حياته ـ لا عن نفسه، بل حتّى سمعت منه عن نفسه أيضًا ـ بل عن الأعاظم عن أساتذته السابقين، كان يقول: هؤلاء الذين كانوا على تواصل مع أساتذته من السيّد الحدّاد وغيره ولم يعملوا ولم يستفيدوا، هم يعترفون الآن ويقرّون بأنّهم افتقدوا مصباحًا ومشعلاً منيرًا.
وهذه قصّة عنه هو، فقد قلت له مرّة: يبدو أنّ هذا الكلام هو عنكم أنتم! فضحك وقال على كلّ حال. ونحن نقول هذا الكلام بعينه عنه، فنحن نتحسّر على فقد كبير مثله كما تحسّر الآخرون، ولكنّا نأمل أن يشملنا الله جميعًا بلطفه، وأن يأخذ بأيدينا في متابعة ذلك الطريق، فلا نتحسّر بعد ذلك على خسارة الفرصة في ما بقي من عمرنا إن شاء الله.
فآية {يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا الله وآمنوا برسوله} معناها أن يكون لدينا إيمان في القلب، فهذا الإيمان هو سرّ العمل، فمن لم يكن لديه إيمان في جميع أعماله التي يقوم بها فإنّها ستكون هباء، ولو صلّى من الليل حتّى الصباح لأنّه لا إيمان له، فالإيمان يعني الاعتقاد، الاعتقاد بالصدق، الاعتقاد بالإخلاص، الاعتقاد بالحقيقة، الاعتقاد بإحدى الحقائق، الاعتقاد بحقانيّة المدرسة والطريق، فهذا هو الذي يعطي الصلاة روحًا، ويأخذها ويرتفع بها إلى الأعلى، هذا الاعتقاد، أمّا أن يقوم الإنسان ويصلّي صلاة الظهر وصلاة العصر لأنّهم قالوا صلّ [فلا فائدة من ذلك].
يقول الإمام الصادق عليه السلام هنا حول موضوع النيّة وتلك الحقيقة التي يجب أن تقف خلف الصلاة وتدفعها وتحميها بحيث تتمكّن تلك الصلاة أن تخرج الإنسان من المادّة والمادّيات: إنّ قومًا عبدوا الله وحده لا شريك له وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وحجّوا البيت وصاموا شهر رمضان ثمّ قالوا لشيء صنعه الله أو صنعه رسول الله صلّى الله عليه وآله ألا صنع خلاف الذي صنع أو وجدوا ذلك في قلوبهم لكانوا بذلك مشركين.۱
فهناك أناس آمنوا بالنبيّ وبالإسلام وعبدوا الله وصلّوا وحجّوا وصبورا في صيام شهر رمضان كلّه ولكن خلف الستار كيف هو اعتقادهم وتفكيرهم ونظرتهم إلى الطريق؟ فالكلام هنا. إذا ما وصلوا إلى أمر، وإلى حادثة يبتليهم الله بها، فليس كلّ ما يحدث في الدنيا موافق لما يتوقّع الإنسان ووفق ما يرغب، فأحيانًا يحرمون إنسانًا ما من نعمة معيّنة، وأحيانًا يعطون إنسانًا آخر نعمة معيّنة، أحيانًا يكلّفون إنسانًا ما بتكليف معيّن ويعفون غيره منه، فالأوضاع ليست دائمًا على منوال واحد. أحيانًا يتوقّع الإنسان أن يكون موضع عناية ولطف فتكون العناية واللطف من نصيب غيره، فيقول: أهكذا إذن؟! أحيانًا يقع الإنسان في ضيق في المعيشة وتكون السعة لغيره، وأحيانًا يصاب الإنسان بمرض ما وتكون الصحّة لغيره، وأحيانًا على العكس من ذلك. فليست الأحوال والأحداث التي تصيب الإنسان على منوال واحد، ففي النهاية العالم عالم امتحان ولسنا نحن شعب الله المختار من بين الناس، الجميع يتصوّرون أنفسهم هكذا! يقول الإنسان: يقوم الله بعمل ويضع خطّة معيّنة، يقوم النبيّ بعمل فيشكّ الإنسان، لماذا لم يوكّلوني بهذا العمل ووكّلوا به غيري؟ لماذا أجرى لي هذا الأمر؟ لماذا حصل هذا الأمر لي ولم يحصل لغيري؟ لماذا كان هذا البلاء لي ولم يكن لغيري؟ ما الفرق بيني وبين الآخرين؟ لماذا يجب أن أكون في شدّة كهذه الآن؟ لماذا كلّفني النبيّ بهذا التكليف الآن؟ لما كلّف النبيّ غيري بهذه المسؤوليّة؟ لماذا يصبح غيري مشهورًا بين الناس؟ لماذا يحمل الراية فلان؟ لماذا يجعل غيري مسؤولاً؟ أنا أقوى منه، أنا أكثر شهرة منه، لماذا يصبح هو قائد الجيش؟ لماذا يكون هو حاكم تلك المحافظة دوني؟ نعم؟ سواء تكلّموا بذلك أو وجدوا ذلك في قلوبهم ولم يجرؤوا أن يقولوه للنبيّ، كلاهما سيّان. طبعًا تلك تتضمّن جسارة أكثر، وهذا يحتفظ بها في نفسه ولا يطرحها، لكانوا بذلك مشركين.
ما معنى المشرك؟ يعني من يجعل إلى جانب مشيئة الله مشيئة أخرى، هذا هو المشرك. يجعل إلى جانب إرادة الله واختياره وتقديره، إرادته هو واختياره هو، فليأت الله وليعمل بإرادتي لا بإرادته، فليأت الله وليعمل كالعبد المطيع بكلّ ما أقوله أنا، فيقول الله: أنت عبدي أم أنا عبدك؟! متى وُجِدت في هذه الدنيا ومن كان يقوم بخدمة السماء والأرض والملائكة؟!
پشه كى داند كه اين باغ از كيست | *** | كو بهاران زاد ومرگش در دي است۱ |
أنّى للبعوضة أن تعلم متى كان هذا البستان فقد ولدت في الربيع (بداية السنة) وستموت في شهر دي (التاسع من أشهر السنة).
لقد أتيتَ في هذه البرهة وستمضي أيضًا في هذه البرهة، ولن نعطيك أكثر من ستّين أو سبعين عامًا، فأين أنت؟! وليست لك قيمة حتّى بمقدار قشّة تبن في المحيط! ثمّ تقول: لماذا فعل الله هكذا ولماذا فعل هكذا؟ كلّ ذلك لأيّ سبب؟ لأنّ {آمنوا برسوله} لم تتحقّق هنا! ليس لدينا إيمان، كلاّ بل مجرّد تصوّرات نقوم على أساسها بالعمل. نعم نقوم بالكثير من الأعمال ولكن ما هي خلفيّتها؟ خذ بناء من مائة طبقة ولكن لا أساس لها، لقد جعلت أسسها على التبن، على التراب الناعم، على الرمل، وبدلاً من استعمال الإسمنت وغيره من الأدوات الهندسيّة والحسابات والدقّة والإحكام والدراسة فإنّها تأخذ أدوات البناء كيفما اتّفق وتبني بها مائة طابق، ينظر الناس فيقولون: ما شاء الله! يا له من مبنى! ولو حدثت هزّة قوّتها ثلاث درجات بمقياس ريختر لهبطت على الأرض، لا شيء لها، لا أساس، لقد بني مائة طابق ولكنّها على الهواء، ليست بناء محكمًا وثابتًا. والأعمال التي نقوم بها نحن من دون {آمنوا برسوله} تلك هي مثل المبنى المؤلّف من مائة طابق، نصلّي من الليل حتّى الصباح! ألم يكونوا يصلّون؟ والآن ألا يصلّي أهل السنّة أيضًا؟ لقد ذكرت في الجلسة السابقة بعض الصور، ألا يحجّون؟! ألا يتعبون أنفسهم؟! ولكن لا إيمان لهم، ما إن نرد أن نتكلّم معهم كلمتين حتّى يخرجوا من عالم الجمود والتحجّر والجفاف يقولون: كلاّ كلاّ كلاّ لا تتحدّث عن هذا لا تتحدّث عن هذا. فما معنى ذلك؟ لندع هذا الموضوع وننتقل إلى موضوع آخر.
ـ لماذا؟
ـ لا تطرح هذا الكلام.
ـ لماذا؟
ـ لقد فات أوان هذا الكلام.
ـ لم يفت الأوان عليك أنت. وهذا مؤسف جدًّا، واقعًا يسبّب الخجل والحياء فما نراه من بعض الناس وبعض أهل العلم وبعض العلماء من أنّهم يرون أكثر ضروريّات۱ الإسلام ضروريّة وهي التمسّك بولاية وخلافة أمير المؤمنين بلا فصل مثل أيّ أمر اجتهاديّ مبهم يمكن لأيّ إنسان أن يكون له فيه رأي. الويل لتلك الأمة التي...
الولاية من ضروريّات الدين
وكما يقول الإمام الصادق عليه السلام: بني الإسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والصوم والحجّ والولاية وما نودي بشيء كما نودي بالولاية٢. ألم يُؤمَر النبيّ من قبل الله؟! ثمّ يقولون: كيف هو ضروريّ؟! إنّه ليس ضروريًّا.
ـ عجيب! فإذن مدرسة التشيّع ليست ضروريّة؟ فليمض أمير المؤمنين وشأنه! هذه هي الوحدة؟! نعم؟! بماذا يختلف الأمر؟ انتزعوا الولاية من الدين فماذا يحصل؟ يصبح الجميع غنمًا، الجميع ماعزًا، هل الصلاة وحدها من الضروريّات؟! الزكاة وحدها من الضروريّات؟! لماذا نكون متراخين إلى هذا الحدّ في عقائدنا؟! لماذا نتخلّى ونتراجع بهذه السهولة عن هذا المكان المكين والمدرسة الرصينة التي نمتلكها؟! بأيّة قيمة؟! لاسترضاء قلب من؟! لاسترضاء من لا يدعك حتّى تتخلّى عن آخر معتقداتك. فلماذا نكون هكذا؟!
إنّ أصل الإسلام وأساسه هو الولاية. ولو حذفت الولاية فالجميع أغنام، ولو فصل أمير المؤمنين عن الأمّة الإسلاميّة تحوّلت إلى قطيع. ولو أقصي إمام الزمان عن الأمّة الإسلاميّة... إنّه أكبر فخر لبلدنا، بلدنا إيران أنّ حكومتنا حكومة مرتبطة بالإمام الحيّ، فليس في الدنيا اليوم أيّة حكومة هكذا، أي في أصل الحكومة وفي أصل النظام وفي أصل اعتقاد الناس، لا يوجد ذلك إلا في إيران. هناك في سائر الأماكن شيعة وهناك سنّة، ومن سائر الأديان والمذاهب المختلفة، ولكنّ الشعب الوحيد الذي أساس عقيدته هو وجود الإمام الحيّ هو الشعب الإيرانيّ. فلو انتزع منّا لتحوّلنا إلى واحدة من الدول السنيّة. لقد تنحّى إمام الزمان جانبًا، انتهى الأمر، إنّ أساس وحقيقة التشيّع هي بوجود الإمام الحيّ، ثمّ بعد ذلك لا تكون هذه المسألة ضروريّة؟! وتكون مجرّد مسألة اجتهاديّة! بعضهم يقبل بها وبعضهم لا يقبل بها، لا خلاف بيننا! مثل أحكام الشكّ في الصلاة، مسألة اجتهاديّة، هل المتنجّس منجّس أم لا؟ هل يمكن الصلاة بغسل الجمعة؟ ومسألة الولاية أيضًا هي هكذا، هناك عقاب على هذا الكلام والله لا يدع الأمر هكذا، لكلّ شيء حساب، ولا يمكن للإنسان أن يتجاوز الحدود والقيود، فأحيانًا تأتي غيرة الله وتقضي على الإنسان. وعلى الإنسان أن يلتفت جيّدًا.
هل العبادة بالكثرة؟
فهل هؤلاء يصلّون قليلاً؟ يصومون قليلاً؟ إنّهم يصومون أكثر منّا، ويصلّون أكثر منّا، ولكن لا حقيقة وراء عملهم. هناك رواية جميلة جدًّا وجذّابة حيث يقول الإمام الصادق عليه السلام ـ الظاهر أنّها عن الإمام الصادق ـ: كنت في الطواف وكنت شابًّا فمرّ بي أبي. مرّ به الإمام الباقر عليه السلام وهو في الطواف، فرأى أنّه قد طاف كثيرًا، فقد طاف طوافًا ثمّ طاف آخر، ثمّ طاف ثالثًا وكان الإمام يقول: كان العرق يتصبّب منّي، وجعلني كثرة الناس في ضيق وقد تعبت كثيرًا، فجعل يده على كتفي وقال: يا بنيّ إنّ الله إذا أحبّ عبدًا رضي عنه باليسير۱ فلماذا تتعب نفسك إلى هذا الحدّ؟! إن كان الله سيقبل من عبد فإنّه يقبل منه اليسير فلا داعي أن تتعب نفسك إلى هذا الحدّ فتطوف وتطوف، طف طوافًا واحدًا واذهب واسترح، ثمّ ارجع إلى الطواف من جديد بقوّة ونشاط، وإن شئت فطف مائة طواف آخر ـ طبعًا هذا ما أقوله أنا ـ الطواف بعد الطواف أتدري إلى أيّ شيء يدعو؟ إنّه يسبّب أن يعتاد ذهن الإنسان وفكره عن الرجوع إلى ذلك التفكّر العقلاني الذي هو وارء هذا العمل الظاهري ـ فانظروا ماذا يعلّمنا هؤلاء الأعاظم ـ فلا تصلّوا كثيرًا، وتقرأوا القرآن كثيرًا، ليس الأمر بكثرة القراءة وكثرة الزيارة، وبأن يقرأ الإنسان مفاتيح الجنان من أوّله إلى آخره ستّ مرّات في اليوم. بل بأن يقرأ فقرة من مفاتيح الجنان، من الزيارة ثمّ ينظر في ترجمتها٢ ويفكّر وينظر ما هو مراد الإمام عليه السلام حين يقول اذهب واقرأ هذه الزيارة في الحرم، اقرأ زيارة أمين الله، اقرأ الزيارة، فما هو المراد من هذه الفقرات التي نقرأها؟ فنحن لا نقرأ صحيفة أو مجلّة، فاذهب مسبقًا واقرأ حول هذه الفقرات وافهم معناها ثمّ بعدها قف أمام قبر الإمام الرضا عليه السلام وقل: السلام عليك يا أمين الله في أرضه وحجّته على عباده، وانظر بعد ذلك ما هو تأثير هذه الزيارة عليك؟ نحن نذهب ونبدأ من اليوم الأوّل بقراءة زيارة أمين الله والزيارة الجامعة والزيارة التي نستدبر أثناءها القبلة والتي نستقبلها أثناءها وعند الرأس وعند الأقدام ولا نفهم شيئًا ثمّ نقول: لقد قرأنا الجميع، ثمّ نتوقّع من الإمام الرضا أن يعطينا أرضًا: يا ابن رسول الله لقد جئنا إلى هنا وقرأنا لك مفاتيح الجنان من أوّله إلى آخره! كلاّ فليس الأمر كذلك. الإمام الرضا عليه السلام إمام جاء لهدايتنا في هذه الدنيا، جاء لأجل تكاملنا ورقيّنا في هذه الدنيا.
عندما علّم الإمام الهادي عليه السلام تلك الزيارة الجامعة لشيعته أفتدرون ماذا يعني ذلك؟ يعني أن اذهب وافهم هذه الزيارة الجامعة، اعلم وانظر من هم القيّمون على دينك ومذهبك . تلك الصلاة التي تصلّيها صلّها مع مفاهيم الزيارة الجامعة، ركعتا صلاة الزيارة التي تريد أن تصلّيها للإمام عليه السلام أو المعصوم فاعلم لمن تريد أن تصلّيها، وأمام أيّة حقيقة تطأطئ رأسك تعظيمًا؟ ثمّ بعد ذلك انظر هل يمكن أن تطأطئ هذا الرأس تعظيمًا في مكان آخر؟ هذا الرأس الذي سقط إلى التراب هل يسقط في مكان آخر؟ وليس من الضروريّ أن يسقط على التراب خارجًا، إنّه يسقط في النفس، إنّها نفوسنا الذليلة التي تسقط أمام الوجوه، وهذا يكفي، فليس من الضروريّ أن يسجد الرأس على التراب ساجدًا. فنحن من الصباح حتّى المساء نسجد ألف مرّة على التراب أمام الوجوه ونعبدها ونجعلها ربّ الأرباب لنا في مقابل مقام ربوبيّة الحق. فلماذا كلّ ذلك؟! هذا كلّه لأنّنا لم نؤمن. لم نؤمن بالله، لم نؤمن بالولاية، لم نؤمن بإمام الزمان عليه السلام وأنّه حقيقة كلّ شيء وأنّ العالم كلّه هو الإمام عليه السلام. فإذا حصل ذلك فليذهب الإنسان ولينظر ماذا هناك؟ لننظر ما حقيقة الأمر هناك؟ لننظر هل نحصل على شيء هنا؟ هل نحصل على شيء هناك؟ هل ننال يسيرًا من المال؟ فممّن تسخر؟ أتسخر؟ أتسخر من هذه الحقيقة؟! فليحتفظ الرفقاء بهذا المقدار من الموضوع الآن وإن شاء الله نتابع الحديث عنه لاحقًا.
ما معنى يجعل لكم نورًا تمشون به؟
تقول الآية: إن قمت بهذا العمل من التقوى والإيمان فما هي النتيجة؟{ يؤتكم كفلين من رحمته} رحمتان رحمة دنيويّة ورحمة أخرويّة. والمهمّ هنا:{ويجعل لكم نورًا تمشون به}۱ فالله يجعل لكم نورًا، ويا لها من سعادة! يلقي بنور في قلوبكم، كلّما تأزّمت الأمور ترون أنّ البوصلة تحرّكت نحو ذاك الاتّجاه. ما إن تواجه أمرًا ما حتّى ترى فجأة أنّ نفسك تميل نحو هذا الاتّجاه، فهذا هو النور. هل نقبل بكلام فلان أم لا؟ ترى أن نفسك تميل إلى جهة أخرى، إنّه النور. هل ندخل في هذا الحدث أم لا؟ النفس تقول امض وشأنك ودع ذلك لأهل الدنيا، إنّه النور. تصادف محاكمة وقضاء بين اثنين فماذا نفعل في هذه المحاكمة؟ إلى جانب من نقف؟ فجأة تقول النفس لا تقف إلى جانب أيّ منهما، رغم أنّ في هذا الجانب أخاك، رفيقك، زوجتك، ابنك، فليكن، عليك أن تسمع الكلام من هذا ومن ذاك، وأن تعدّهما غرباء عنك، عندها يأتي ذلك النور ويقول لك مع من تكون ومن تترك. إنّه النور. إنّ كامل حركة الإنسان المعنويّة تنتظم على أساس ذلك النور، {ويجعل لكم نورًا تمشون به}، فالله يلقي بنور في قلبك لا يلقيه في قلب من درس سبعين سنة. أفهل فهمت؟
استعانة آية الله الميلاني بنور الحاج هادي الأبهري في الصعاب
رحم الله المرحوم الحاج هادي الأبهريّ ـ لقد عاشرت أمثال هؤلاء كثيرًا، ولكن في النهاية كان لكلّ منهم حالات ـ لم يكن متعلّمًا، ولكنّي أتكلّم عنه بين الحين والآخر لأنّه لم يكن متعلّمًا أصلاً، أي إنّه لم يكن يتمكّن من الإمضاء، وكان قد صنع ختمًا من تلك التي تجعل في الحبر، ووضعه في جيبه كلّما أراد أن يكتب رسالة لأحد، كان يكتبها له أحد وهو يقرأ، ثمّ يخرج الختم من جيبه ويختم به الرسالة. وأحيانًا كان إذا أعطي مالاً أيضًا لا يعرفه إلا من لونه، فهذه عشرة تومانات وهذه عشرون وكان ذلك في العهد السابق. لقد كان إلى هذا المستوى، لم يكن يمتلك شيئًا من العلم. ولكن نقل عن السيّد الميلاني رحمة الله عليه ـ وقد سمعت ذلك بنفسي بواسطة واحدة موثوقة ومعتبرة وهي الوالد فلنذكر اسمه في النهاية، فلأنّي سمعت أنّ بعضهم يشكّك في ذلك قلت فلأذكر ذلك اليوم عمدًا ـ فقد سمعت بنفسي من المرحوم العلاّمة أنّه نقل عن آية الله السيّد الميلاني رحمه الله ـ وقد كان رجلاً عظيمًا جدًّا، وواقعًا كان من المجتهدين الحقيقيّين، وهذا تعبير المرحوم الوالد عنه وكنت في أحد المجالس في محضر العلاّمة الطباطبائي فلم يكن يلتفت من بين الأسماء التي تذكر سوى إلى اسم المرحوم الميلاني، كان المرحوم الوالد يقول: إنّه كانت لديه في أواخر عمره حالات من التجرّد جيّدة ـ وقد سمع المرحوم العلاّمة بنفسه من السيّد الميلاني ما يلي: عندما كانت تعرض لي قضايا مهمّة ولم أكن أستطيع إدراك ما ينبغي رغم موقعيّتي ومرجعيّتي، كنت أدعو الحاج هادي الأبهري وأسأله، فيقول: اذهب وقم بهذا العمل. فكنت أمتثل. فما هذا؟ إنّه ذلك النور. مهما كان يقول كنت أصغي. ثمّ كنت أمازحه وأقول له: من أين أدركت ذلك؟ فيقول بلهجته التركيّة: هذا ما لا تفهمونه أنتم. هذا ما لا تدركونه. فنحن لدينا شيء، لدينا ميزان، لدينا ميزان له لسان يميل إلى جهة معيّنة فندرك. فكان يقول: هذا ما لا تفهمونه أنتم. كان يقول: هذا لم يكتب في كتبكم. من الذي كان يصغي إلى كلامه هذا؟ هل هو إنسان عامّي؟! كلاّ! مرجع تقليد. وذلك في أواخر عمره أيضًا، في سنّ السبعين والثمانين. فقد كان للسيّد الميلاني رحمه الله أمثال هؤلاء أيضًا.
رحم الله العلاّمة الطباطبائي فقد كان يذهب كلّ يوم عند العصر في تلك الفترة التي كنّا نتشرّف فيها بالذهاب إلى مشهد ـ وكان عمري حينها إحدى عشر سنة، وكنت أذهب وأصلّي صلاتي المغرب والعشاء في الصحن الجديد خلف السيّد الميلاني رحمه الله وكان العلاّمة الطباطبائي يأتي ويقف في الصفوف الخلفيّة ـ إلى مجلس السيّد الميلاني ويشارك في مجلسه، وكان السيّد الميلاني يحترم السيّد الطباطبائي كثيرًا، كان يحترمه كثيرًا، رحمهما الله، ففي النهاية إن كان عندهم شيء فلأنّهم ساروا في طريق أولئك.
{ويجعل لكم نورًا تمشون به}، فالله يجعل لكم نورًا تمشون به فلا تتحيّرون، ولا يمكن لأحد بعد ذلك أن يمسخكم، لا يمكن لأحد أن يجعلكم تسكرون، لا يمكن لأحد أن يضلّكم، لا تعود اللافتات والجرائد والمجلاّت والراديو والتلفاز قادرة أن تخطف عقولكم ووعيكم من رؤوسكم. أنتم لديكم هذا النور فتقرأون الفاتحة للجميع وينتهي الأمر، ومن شاء أن يتكلّم ويقول فليقل ما يشاء. فهذا يقول: يا فلان سر من هذا الجانب، وذاك يقول سر من ذاك، هذا يقول: سر يسارًا، سر يمينًا، سر إلى الأعلى، سر إلى الأسفل، فهكذا هي الحال في النهاية، فالأحزاب والناس والعقائد المختلفة وأهل الدنيا وأهل الدنيا كما يقول مولانا فاقرأوا هذا البيت دائمًا واحفظوه جيّدًا وقولوه في اليوم مائة مرّة فإنّ فيه ثوابًا (ملاطفة)
أهل دنيا از كهين واز مهين لعنة الله عليهم اجمعين
يقول: أهل الدنيا من رفيع ووضيع لعنة الله عليهم أجمعين
فهذا ذكر جيّد جدًّا وثوابه عظيم أيضًا! غاية الأمر أنّه قد نزل عليّ أنا!
لقد جاء هؤلاء وبيّنوا المسير والطريق وأوضحوا الحقيقة لنا. لقد أعطاك الله يومين فبماذا تقضيهما؟ لقد أعطاك من العمر يومين وهو لا يرجع، وقد رأينا ذلك بأعيننا، فمن ذهب لم يرجع، ومن دفن هناك لم يعد.
قبل أسبوعين أو ثلاث توفّي أحد الأرحام وكان من الصالحين ومن أقرب الأرحام، وكنّا واقفين في مقبرة قم هذه حيث كان يدفن، وكان بعض الرفقاء قد شاركوا من قم أو من طهران، وطبعًا أنا قلت لا تخبروا أحدًا حتّى لا نثقل على الرفقاء، ولكن على كلّ حال كانوا قد اطّلعوا على الأمر فجاء الأصدقاء في قم من أهل العلم والفضلاء، فجاء رجل ووقف إلى جانبي وقال: هل المتوفّى شخصيّة مهمّة؟ لم يكن يعلم فقد رأى أنّ الجميع يبدون احترامًا، فقلت له: كلّ من يذهب إلى هذا المكان تحت الأرض فلا يختلف الأمر بالنسبة إليه. فقال: نعم، وتبسّم وقال: صحيح ما دام في الخارج أمّا إذا نزل إلى القبر فلا يختلف الأمر مهما كانت شخصيّته، لا يختلف. وهذا قد نزل إلى القبر أيضًا، فلا تفكّر في شخصيّته بعد الآن. قلت له: لا إنّه إنسان من عوامّ الناس، هذا كلّه مادام الإنسان في الخارج يتحرّك ويمشي.
عندما يتحرّك على الأرض فكأنّ الأرض تحت قدميه ذليلة، فيخطو أيّ خطوات، وأيّة عزّة وأنانيّة تأخذه وتسيطر عليه، يصبح فرعون، يصبح نمرود، يصبّح شدّاد، يصبح ملكًا، يصبح سلطانًا، يصبح رئيس جمهوريّة، يصبح نائبًا، وزيرًا، ولكن عندما قالوا له: تفضّل إلى داخل القبر انتهى الأمر. ومن الآن فصاعدًا يبدؤون بسؤاله: هل يمكنك الآن أن تسير هكذا؟ إن كان بإمكانك فتفضّل سر. لقد أعدّوا لك في ذاك العالم أنواعًا أخرى من الضيافة، إن شاء الله يستضيفونك بحفاوة. حسنًا! حتّى تدرك ما قيل لك في الدنيا حين نبّهوك مرّة بعد أخرى، فأغلقت أذنيك وأغمضت عينيك ووضعت يديك على أذنيك وطأطأت برأسك ونظرت مثل الجدار.
{ويجعل لكم نورًا تمشون به}. يجعل الله لك نورًا، وبهذا النور يمكنك أن تتحرّك، ذلك النور يساعدك، يأخذ بيدك في علاقاتك، في كلامك في الأعمال التي تقوم بها. أحيانًا تتخلّى عن المنافع فترى أنّ هذا النور ينهاك، وأحيانًا تستسلم للمشكلات فترى أنّ هذا النور يأمرك. {ويجعل لكم نورًا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم} ۱وإن شاء الله سنتحدّث عن هذه الفقرة لاحقًا.
ما الفرق بين طلحة والزبير ومالك الأشتر؟
فإذن الميل إلى الدنيا الذي تحدّثنا عنه في الجلسة السابقة والاهتمام بالأمور الجذّابة هو على أساس الهوى والتخيّل والتوهّم لا على أساس المنطق. إذا كان للإنسان اهتمام بالدنيا على أساس المنطق فهذا ليس بدنيا، هذا ليس بدنيا. إذا أراد الإنسان أن يعمل عملاً ما على أساس التكليف فهذا ليس دنيا. فتارة يأتي طلحة والزبير إلى أمير المؤمنين يقولان اجعلنا في الحكومة وأعطنا نصيبنا، وتارة ينادي أمير المؤمنين مالكًا الأشتر ويقول له: اذهب إلى مصر وتولّ حكومتها، فهذان الموقفان يختلف أحدهما عن الآخر. مرّة نحن نذهب ونقول: نريد أن نصل إلى هذا الأمر، نريد أن نحقّق هذه النيّة. ومرّة ينادوننا ويقولون: اذهب وقم بهذا العمل. فالأوّل هو الدنيا والثاني هو الآخرة. كلّ واحد من هؤلاء الثلاثة قد قتل، ألم يقتلوا؟ فطلحة والزبير قتلا في طريق الحكومة ومالك الأشتر قتل أيضًا. طلحة والزبير قتلا في معركة الجمل، ومالك الأشتر سمّم في الطريق. الثلاثة قتلوا. ولكن إلى أين ذهبوا؟ إلى أين انتهى طلحة والزبير؟ ومع ذلك فإنّ الزبير خير من طلحة، أرفع منه بدرجتين. إلى أين ذهب هذان الاثنان؟ ذهبا إلى النار، ذهبا إلى عالم التخيّلات الذي صنعاه لأنفسهما في هذه الدنيا، ذهبا ليشاهدا تبعات وآثار تلك الأهواء والأعمال الشيطانيّة وعواقب تلك الأفكار الشيطانيّة حين فتنوا الناس وأراقوا دماء المسلمين في معركة الجمل وما بعدها. أظننت أنّ الأمر هكذا على أساس الخيال؟ أتريد أن تصل إلى السلطة، أتريد أن تصل إلى الحكومة ثمّ تعدّ ذلك من دين النبيّ؟ تقدّم عائشة زوجة النبيّ ثمّ ترسل الرسائل إلى القبائل أن أدركوا دين النبيّ! إن كانوا قتلوا خليفة المسلمين فما شأنك أنت؟! هل كنت صديقًا حميمًا لخليفة المسلمين هذا؟! لقد كنت تحبّ أن تقتله، ألم تكن تحبّ أن تقتله؟!
انظروا كم يخدع الإنسان، فلنلتفت جيّدًا، علينا أن نلتفت جيّدًا. خطّة الوصول إلى الحكومة والخلافة ـ الخلافة الآن هي بيد أمير المؤمنين ـ لديك خطّة للوصول إلى الحكومة وإلى ولاية هذا المكان أو ذاك لأنّك ترى أنّ أمير المؤمنين مانع أمامك، أمير المؤمنين لا يقبل، فلكلّ شيء حساب هنا، أنا خليفة، وأنا أعرف وأعلم بالمصلحة في انتخاب أيّ إنسان. فاذهب واخرج من هنا، حتّى إنّه يطفيء المصباح فهو من بيت المال وأنتما لديكما عمل شخصيّ. فيريان أن يا للعجب! لا يمكن الكلام مع هذا، إنّه يختلف عن الآخرين الذين يذهبون إليهم وينقلون لهم كلامًا ما ومنامًا ومكاشفة وشاهدين من هنا ومن هناك ثم يأخذون عهدًا بالحكومة ويمضون إلى عملهم، كلا هذا ليس كذلك فأمير المؤمنين هذا يطفئ المصباح أوّلاً ويقول لهم افهموا هذا واعلموا أنّكم إلى أين جئتم فلم يتكلما بشيءٍ بعد ذلك، وبما أنّهما لم يتكلّما بشيء اشتعلت النيّة في نفوسهم: فنحن منذ سبعين سنة قدّمنا كلّ تلك التضحيات والآن وقتُها، حيث وصلت الحكومة والخلافة إلى بني هاشم، ونحن على قرابةٍ معهم، ونحن من أصحاب النبيّ في معركة أحد، أفهل نسيت يا علي ماذا صنعنا؟! أنسيت في معركة كذا كم قتلنا من المشركين؟! كلَّ قتالنا للكفّار ومساعداتنا للإسلام. لقد جاء كلّ ذلك كالفيلم المصوّر وبدلاً من أن يقطعه ويقول: لا بأس دع ذلك واسترح فإنّه يبدأ بتشغيل هذا الفيلم وبالضغط على المفتاح فنحن متى أسلمنا؟ وأين شاركنا؟ وكنّا مع النبيّ وشاركنا في الحروب قدّمنا كلّ تلك المساعدات والمعونات، فعندما كان النبيّ وحيدًا كنّا نحيط به. ألا نقول ذلك نحن أيّها الرفقاء؟ بلى نحن أيضًا نقوله، عندما كان فلانٌ وحيدًا نحن كنّا حوله، نحن أمسكنا بيديه، نحن رفعناه إلى الأعلى، نحن نحن نحن نحن ومِن هذه الـ نحن، نحن الذين جُرحنا في الحرب عندما فرّ الآخرون، عندما كانوا يتّهمون كانوا يتهموننا نحن أيضًا، نحن تعرّضنا للضغوط، يعدّد ذلك موقفًا موقفًا ويتقدّم ويتقدّم فتصل النتيجة إلى أيّ شيء؟ يجب أن نؤدّب عليًّا هذا، يصل في النهاية إلى هنا، بما أنّ عليًّا هذا تجاهل كلّ أتعابنا، بما أنّ عليًّا غضّ النظر عن كلّ ما أصابنا فلا ندري من سيعطي، لا بدّ أنّه سيعطي أصدقاءه المقرّبين، هؤلاء الذين يتردّدون على داره أكثر، هؤلاء الذين يسافرون معه أكثر ويذهبون معه إلى هنا وهناك، هؤلاء الذين يجلسون معه أكثر على الموائد، فلا بدّ أنّ هناك جماعةً ما كانت مع أمير المؤمنين أيضًا كأبي ذرّ، لقد كان أبو ذرّ قد مضى حينها وكان سلمان قد مضى ولم يبق إلا عمار وكان المقداد قد مضى أيضًا، هناك عددٌ يسيرلا بدّ أنّه سيعطيهم، فأيّنا هو المقدّم أنا أم هم؟ مائة واحدٍ منهم لا يعادل شعرةً منّي فقد عملت كلّ هذه الأعمال فلا يعادلون شعرةً منّي، هذه الأفكار تأتي إلى الذهن وكلّما جاءت أكثر ابتعد أمير المؤمنين أكثر.
يختلف أوّل الأمر عن آخره، ودقّقوا جيّدًا فيما أريد أن أقول، ففي البداية عندما يخرج من الباب يغضب من أمير المؤمنين وهذه هي البداية، هذه بداية الأمر وبداية الخط ونقطة الانطلاق، بمجرد أن يخرج من باب المنزل يبدأ بالتوهّمات والتخيّلات، فتتجسّد في ذهنه أعماله الواحد تلو الآخر، يتجسّد أمامه كلّ ما عمله، تتجسّد تلك العلاقات، تأتي الواحدة منها تلو الأخرى، وكلّما جاءت واحدة خرج أمير المؤمنين من قلبه وابتعد قدمًا فإذا جاءت الصورة الثانية خطوة أخرى، والصورة الثالثة مثلها حتّى يصل الأمر إلى الخروج عليه وقتله، لماذا؟ لأنّه لم يعطيك مبنى لم يقل هذا المكان لك وهذه المدينة لك.
اجعلوا أنفسكم مكانهم!
انظروا لقد كان هؤلاء مثلنا فلا تتصوّرا أنّنا خيرٌ منهم، نحن مثلهم وفي عين أوضاعهم، نحن أيضًا في ذلك المكان، نحن أيضًا في ذلك الظرف، لا يفصل بيننا وبينهم سوى الزمان، لقد فصل الزمان، وهذه الألف وأربعمائة سنة ارفعوها فنجد فجأةً أنّنا التصقنا بهم، يصبح طلحة هنا ويصبح الزبير هنا أيضًا ويصبح عمارٌ هنا والمقداد أيضًا هنا، يجلس سلمان هنا ويجلس أبو ذرٍّ هنا.
الذين تشرفوا بزيارة المدينة ـ رزق الله الذين لم يوفّقوا بعد ورزق الذين وفّقوا مرّة أخرى أيضًا ـ فإذا ذهبتم إلى المدينة فاقرؤا الزيارة وصلّوا ثمّ قوموا واجلسوا جانبًا وانظروا هناك إلى ذاك المكان وأوضاعه وانقلوا أنفسكم إلى ما قبل ألف وأربعمائة سنة لتروا ماذا يحدث أمامكم، فعمر هنا وأبو بكرٍ هنا وعليّ هناك، يرفعان السيف فوق عنق أمير المؤمنين إمّا أن تبايع الآن أو نضرب عنقك! وأمير المؤمنين أيضًا جالسٌ يقول: لماذا أبايع؟! لماذا يجب؟! فلنأخذ أنفسنا وأخذُنا أنفسنا إلى هناك يساعدنا كثيرًا يساعد طريقنا كثيرًا في تصحيح الخيال وفي تصحيح التوهّمات وتصحيح منطقنا وعقلانيّتنا ويؤثّر في ذلك كثيرًا، لنأخذ أنفسنا لنرى ماذا حصل في تلك الأحداث وماذا وقع في تلك الأوضاع والأمر نفسه قائمٌ الآن بعينه فلو كان هناك فيلمٌ عن ذلك الزمان وعُرض لنا لأمكن للإنسان أن يصل إلى تلك الأمور بشكلٍ جيّد.
مكاشفات الحاج هادي الأبهريّ عندما جعل نفسه في زمان سيّد الشهداء
لقد كان من الرفقاء من له هذه الحال، الحاج هادي الأبهري رحمه الله كان صادقًا وصاحب خلوص وهو بنفسه أخبرني والمرحوم العلامة أيضًا ذكر ذلك حيث كان قد ذهب إلى الشام فسأل أين هي البوابة التي أُحضر إليها أهل البيت في الشام، بوابة الساعات؟ فأرشدوه إليها فبدأ يتحدّث مع نفسه وكان من أهل البكاء والتوسّل كثيرًا. قال: فجأةً رأيت جميع الأحداث التي وقعت في هذا المكان رأيت كلّ شيء جاؤوا وأحضروا الأسرى والرؤوس ورأيت الذين كانوا هناك وقد نقل للمرحوم العلامة وكذلك لي ما هو مطابقٌ بعينه لما في المقاتل، وكان يشير إلى وقوع كلّ ذلك، فلنقترب بأنفسنا قليلاً ولنرجع لنرى الأحداث والأوضاع فهي موجودةٌ الآن لذلك فإنّ المرحوم العلامة ـ إن كنتم تذكرون لا أدري أين ذكرت هذا إمّا في الجزء الثاني من أسرار الملكوت أو غيره فقد ذكرته ـ في ذلك التنبيه الذي نبّه به الحاج هادي فقال له: إنّ ما رأيته من أحداث عاشوراء موجودٌ الآن فماذا فكّرت حوله وأعددت له؟ فانتبه والتفت. لقد حصل له اشتباه وخلط ولكن لأنّه كان صادقًا جاء ذاك النور وماذا فعل؟ أعاده، لقد جاء الكثيرون وسعوا إلى إبعاده، وسعوا إلى إيجاد الشكّ والترديد عنده، ولكن لأنّه كان صادقًا فقد جاء ذلك النور وميّز له الحقّ وأدرك موضع الحق. كلاّ لا يمكن إضلاله بل يجد الحقّ، لا يمكن إضلاله أبدًا. غاية الأمر أنّه ما هو شرط ذلك؟ شرطه أن يكون لدى الإنسان صدق، لا يخادع، لا يغضّ النظر، لا يتغافل، يقال: إنّ النائم يمكن إيقاظه أمّا المتظاهر بالنوم فلا يمكن أن يصنع له شيء.
هذه التوهّمات وهذه التخيّلات تأتي وتأتي وتأتي وتتصاعد وتصل إلى الحكم بقتل أمير المؤمنين وقتل جميع الناس لكي نصل إلى المطلوب.
تتمّة أحوال طلحة والزبير
فيرسلون الرسائل إلى القبائل من قبل عائشة أمّ المؤمنين زوجة رسول الله أن تعالوا أيّها الناس وأوصلونا إلى ذاك التخيّل. أليس كذلك؟ تعالوا أيّها الناس لتقتلوا فأصبح أنا الزبير حاكم البصرة، هذا ما لا يكتبه في الرسالة، ولكنّه مكتوب وراءها في الجهة الأخرى منها، وليس في هذه الجهة، الناس يقرؤون هذا الجانب من الرسالة ولكن أنتم إذا وصلت إليكم هكذا رسالة فاقلبوها فورًا واقرؤوا الجانب الآخر منها تستريحون. اقلبوها على الفور وانظروا ماذا كتب في الجانب الآخر؟ ولو كتب في الجانب الأوّل منها ألف كلمة من الكلام الفارغ فدعها، تعالوا لأجل الإسلام! لقد قتل خليفة المسلمين! تعالوا لنقتصّ من قاتليه، أنا زوجة رسول الله عائشة! ماذا حصل للإسلام! بعضهم يقول قتلوه فليكن فلماذا أقتل نفسي أنا؟! لقد قتلوه في النهاية، قتله رجل أو رجلان، فلماذا تشعلون هذه الحرب؟!
ولكن لا! الإيمان ضعيف، ليس هناك تفكير وراء ذلك، ليس هناك، بل الإحساسات تسيطر عليهم وتأخذهم في أمواجها دون أن يشعروا إلى أين فيا أيّها المسكين لماذا تُقتل بين يدي جمل عائشة؟ لكي يصل الزبير إلى الحكومة، وبمجرّد أن يصل إلى الحكومة، فإنّه يقول: عليٌّ إنسانٌ جيّد لا وجود لمثله في الدنيا. في وسط معركة الجمل. ألا توافقون؟ لو أنّ أمير المؤمنين كان قد فعل ذلك ونادى طلحة والزبير: لديّ عملٌ معكما فجاءا إليه وقال لهما ماذا تريدان؟
ـ يا عليّ عندما جئنا إليك تلك الليلة فأطفأت السراج سلمت يداك ولكن ما هذا العمل؟! فلتعطنا مدينةً ما.
فلو قال لكلٍّ منهما: حسنًا هذه لك وهذه لك، نعم تفضلا. لقاما ومضيا. نعم حصل أمرٌ ما ولكن ليس مهمًّا لقد ذهبنا إلى أمير المؤمنين وكلّمناه وانتهى الأمر بالصلح ووعد أمير المؤمنين أن يتابع الأمر ويمسك بالقتلة. في أمان الله فليرجع كلّ واحدٍ إلى مدينته، ألم يكن سيحصل ذلك؟! بمجرّد أن يحصل هذان الرجلان على الحكومة فلن يكون هناك لا خليفةٌ قد قُتل ولا حربٌ ولا دمٌ يُسفك ولا أمير المؤمنين يكفّر و... لقد كانوا يخاطبون أمير المؤمنين بالكافر أما الآن كلاّ بل أمير المؤمنين سيكون مقامه أرفع من مقام النبيّ لماذا؟ لأنّنا وصلنا إلى خيالنا فهل فهمتم الآن ما حقيقة الأمور؟! لأنّنا وصلنا إلى أوهامنا فكلّ شيءٍ بصلحٍ وسلام. أمّا لو لم نصل إلى ذلك التخيّل فلا بدّ أن يُقطّع الناس إربًا إربًا جميعهم.
لأنّنا لم نصل إلى ذاك الخيال والوهم لا بدّ أن تأتي عائشة وأن تُهتك حرمة زوجة النبيّ فهما اللذان أخرجاها، لأنّنا لم نصل إلى ذلك التخيّل لا بدّ أن يقطّع أمير المؤمنين الخليفة المباشر للنبيّ قطعًا قطعًا تحت السّيف فهناك حربٌ في النهاية حرب، لا بدّ أن يُقطّع إربًا إربًا فنحن لم نبلغ مرادنا إلى الآن، لم نصل إلى أوهامنا ولأجل الوصول نقوم بكلّ شيء.
ينادي أمير المؤمنين مالكًا الأشتر يا عليّ أنا أريد أن أبقى في الكوفة، أريد أن أبقى خلفك، أريد أن أتكلّم معك فماذا يقول له أمير المؤمنين؟ يقول له: أتظنّ أنّك إذ تذهب إلى مصر لستُ معك هناك؟ ما إن تتحرّك من هنا فأنا معك خطوةً بخطوة. كلّ خطوةٍ تخطوها أنا إلى جانبك فيها أينما وصلت تجدني هناك، لماذا؟ لأنّك أخذت هذا العلَم تحت ولايتي لا من عندك، أنت تحت ولايتي فاذهب إلى حيث شئت، اذهب فإنّه لا فرق عندي بين المدينة والكوفة وهذه الجهة من الدنيا وتلك.
كانوا يقولون: نحن نريد أن نأتي إلى مشهد ونعيش إلى جانبك فكان المرحوم العلامة يقول لهم: لماذا تريدون أن تأتوا؟ لأجل ماذا تريدون أن تأتوا؟ إن كنتم تريدون أن تأتوا لأجلي، فلا فرق عندي بين أن تكونوا جيراني أو تكونوا في أفريقيا فلأجل من تريدون أن تأتوا؟ إن كنتم تريدون أن تأتوا لأجل أنفسكم فاذهبوا وادرسوا مصلحتكم وينبغي أن تكونوا مستعدّين ويجب أن تقوموا بالأمور على أساس التفكير والتعقّل ورعاية الاحتياط، لا تقوموا بالعمل هكذا وعلى أساس الهوى وأمثاله. ولتكن لديكم معايير تراعونها جيّدًا. لماذا؟ إنّ لديه إشرافًا وما دام لديه إشراف فبماذا يختلف الأمر؟ إنّه لا يحتاج أن يرى البدن ليحكم، إنّه مشرفٌ على ملكوت الإنسان، والملكوت لا يُقيّد بالزمان ولا بالمكان، الملكوت هو لعالم الملكوت.
تلك الحركة تصبح حركةً في الولاية وهذه الحركة تصبح حركةً في الشيطنة والدنيا والسبعيّة والحيوانيّة، التوجّه إلى الدنيا يعني أنّ الإنسان ينشدّ إلى تلك الجواذب الدنيويّة إلى الأمور التي لا مصلحة فيها أبدًا وليس فيها بعدٌ منطقيّ. ويمكن للإنسان أن يميّز المنطق ويحدّده، فالإنسان مثلاً يريد أن يشتري كرسيّا فيشتريه لكي يجلس عليه، يشتريه حتّى إذا كان يعاني من ألمٍ في رجله ويُمنع من الجلوس على الأرض يجلس عليه، وهذا الكرسيّ يمكن أن يكون جيّدًا ومن الكراسي المتداولة الاستعمال. ولكن لو ذهب وبحث في إيران كلّها وفي طهران والشرق الأوسط وأوروربا ليشتري كرسيًّا لا نظيرله فهذا هو الدنيا وهذا خالٍ من المنطق. في الحالة الأولى كان هناك منطق والآن لا يوجد منطق. ولو فرضنا أنّ الإنسان أراد أن ينصب خيمةً فتارةً يأخذ شيئًا جميلاً ومتعارفًا يحجب عنه الأشعة فهذا جيّدٌ، أمّا لو أخذ يبحث ليعثر على شيءٍ لا نظير له فهذا من الدنيا، وإذا أراد الإنسان أن تكون لديه سيّارة، سيّارة آمنة جيّدة مريحة يمكن أن توصله إلى الأماكن التي يريد. فلو قال: يجب أن تكون لا مثيل لها فهذه هي الدنيا، لا منطق هنا ولا مصلحة فإن كان هناك شيءٌ له خلفيّةٌ منطقيّة فمن يقول أن فيه مشكلةً من يقول إنّه خطأ؟ من الذي يقول إنّ الإنسان منهيٌّ عن ذلك المستوى المتعارف في الحياة؟ لا معنى لذلك. إذا أراد الإنسان أن يُلقي نفسه في التعب لتحلّ تلك الحيثيّة الدنيويّة وزبرجها وزينتها مكان المنطق فهذه هي المشكلة فكلّ شيءٍ له مكانه الخاصّ.
قصّة زيارة ابنة ناصر الدين شاه للشيخ الأنصاري واعتراضها على الشيخ علي الكني في محضه
في زمان ناصر الدين شاه كان هناك أحد علماء طهران وكان وجيهًا جدًّا يدعى الآخوند ملاّ علي الكني وكان رجلاً صاحب نفوذ كبير وصاحب قوّة حتى إنّ ناصر الدين شاه كان يخشاه ويحسب له حسابًا. وطبعًا في مثل تلك المكانة وتلك الظروف يجب أن يكون لهذا الإنسان إمكانات خاصة وقدرة وسلطة وأمرٌ ونهي من ناحية الأمور الاجتماعيّة والعلاقات الاجتماعيّة يجب أن يكون في وضعٍ لا يمكن للآخرين أن يعترضوا عليه وينظروا إليه بعين التحقير. وقد كان للآخوند ملا علي الكني مقامٌ كهذا. وذات يومٍ ذهبت ابنة ناصر الدين شاه إلى النجف في زمان مرجعيّة الشيخ الأنصاري فذهبت إلى منزله، فلما ذهبت إلى هناك وجدت غرفةً وفيها بساطٌ مفروش وسجادة وغرفةٌ فيها مكتبته ودرسه وهناك باحةٌ وعند الظهر يأتونه بطعامٍ بسيط فتبدي هذه المرأة الاحترام ثمّ تقول: لديّ سؤال.
فيقول لها: تفضّلي.
فتقول: إن كان لا بدّ أن تكون الحياة الصحيحة هكذا فكيف يعيش ذلك الذي في طهران الملا علي الكني بتلك الحالة؟ لماذا يعيش هكذا؟ أنت إذ تدعو إلى الإعراض عن الدنيا وعدم الدخول في مسائل الدنيا وزخارفها وزينتها تفضّل إلى طهران وانظر الملا علي الكني أيّ مبنى لديه وأيّ مكانةٍ ومن هم الناس الذين يترددون عليه.
فلمّا قالت ذلك قال لها الشيخ الأنصاري: لو لم تكوني جاهلةً بهذا الأمر لحكمت بكفرك، أنت تتكلّمين عن الملا علي الكني فاذهبي واغتسلي غسل التوبة، فإذا اغتسلت فاذهبي إلى حرم أمير المؤمنين فتوبي وصلي صلاة التوبة.
فتذهب، وفي اليوم التالي تأتي إليه فيقول لها: اجلسي لأوضّح لك الأمر الآن، فيقول لها: إنّ الملا علي الكني في طهران في إيران له حياة كهذه ومقامٌ كهذا لأنّه مبتلى بظالمٍ كأبيك فلو كان منزله هناك كمنزلي لما حسب له أحدًا حسابًا، إنّه مجبورٌ أن يقف أمام ذلك القصر وتلك الحالة والمكانة ويحكم ويقف أمام إجحاف أبيك وأمثاله وظلمهم وتعدّيهم فهو مضطرٌ أن يكون له وضعٌ كهذا وأمرٌ ونهيٌ ووجاهة، أمّا أنا فليس لي عملٌ إلا مع بعض الطلبة فماذا أصنع بالقوة والمكانة؟! ولو جئت أنا إلى إيران وصارت لي تلك المكانة لسكنت في منزله. ولو جاء هو إلى النجف لجاء إلى هنا.
فما هو هذا؟ إنّه المنطق، هنا لا يمكن للإنسان أن يخدع نفسه، لا يمكن أن يغشّها بل على السالك أن يبني جميع أموره على أساس المصلحة والواقع والمنطق بغير إفراطٍ ولا تفريط.
لقد كنت أريد اليوم أن أنهي تلك المقدّمة وأصل إلى المرحلة الأولى من مراحل التقوى التي هي تصحيح الخيال ويبدو أنّ الوقت قد انتهى في هذه المقدّمة ولم يعد لدينا القدرة على الاستمرار.
نسأل الله تعالى أن يوضّح لنا بنفسه الطريق وأن يجعله مستقيمًا وأن يبدّل توهّماتنا وخيالتنا من الحقّ إلى الواقع.إن شاء الله.
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد