1

الشورى، تاريخها عند فقهاء الإماميّة، أهميّتها ومشروعيّتها

بحث منتخب من محاضرات سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني

1040
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسم التاريخ و الاجتماع

العدد التسلسلي1


التوضيح

متى طرح بحث الشورى عند فقهاء الإماميّة وكيف عمل به؟ ما هي أهميّتها وضرورتها وكيف نثبت مشروعيّتها؟ وما هي شروط تطبيقها لتحقيق غرضها؟ وماذا جرى في التاريخ عند عدم الالتزام بشروطها؟ وحول أيّ الأمور يعمل بها؟
تعرّض المحاضر رضوان الله عليه لهذه الأبحاث ضمن ثلاث محاضرات من سلسلة شرح حديث عنوان البصري من 59 إلى 61، وذلك عند شرحه لفقرة أن لا يدبّر العبد لنفسه تدبيرًا مع تناوله خلالها لمواضيع أخرى، ومزجه للإجابات على تلك الأسئلة بعضها مع بعض بما يناسب أسلوب المحاضرة، وقد عملت الهيئة العلميّة في مدرسة الوحي على ترتيب المضامين المتناسبة تحت عنوان واحد ضمن أربع مقالات مع المحافظة على كلام المحاضر بحرفيته والإشارة إلى مصدره، لتخرج في بنائها العام بما يشبه المقالات العلميّة، وإن كان أسلوب الكلام فيها أسلوب محاضرة. وكان المحاضر أثناء المحاضرة قد أبدى رغبته بكتابتها. وتمثّل هذه المقالة الأولى منها وتجيب على السؤالين الأوّلين من تلك الأسئلة حول التاريخ والمشروعيّة.
/۱٤
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

الشورى، تاريخها عند فقهاء الإماميّة، أهميّتها ومشروعيّتها - بحث منتخب من محاضرات سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • الشورى، تاريخها عند فقهاء الإماميّة، أهميّتها ومشروعيّتها

  •  

  • مقالة حول الشورى – المقالة الأولي

  •  

  • بحث منتخب من محاضرات 

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني 

  • قدّس الله سرّه

  •  

  •  

الشورى، تاريخها عند فقهاء الإماميّة، أهميّتها ومشروعيّتها - بحث منتخب من محاضرات سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني

2
  •  

  •  

  • أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم

  • بسم الله الرّحمن الرّحيم

  • الحمد لله ربّ العالمين

  • وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا وحبيب قلوبنا وطبيب نُفوسنا

  • أبي القاسم محمّد وعلى آله الطّيّبين الطّاهرين

  • واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين

  •  

  •  

  • «ولا يدبر العبد لنفسه تدبيرًا»

  • قال إمامنا الصادق عليه السلام لعنوان البصري: «أن لا يرى العبد لنفسه فيما خوله الله ملكًا لأن العبيد لا يكون لهم ملك، يرون المال مال الله يضعونه حيث أمرهم الله به ولا يدبر العبد لنفسه تدبيرًا».

  • فيجب أن لا يدبّر العبد لنفسه وأن لا يسعى إلى تنظيم الأمور على أساس كيفيّة أفكاره والوصول إلى نواياه وآماله.

  • تقدّمت بعض الأمور حول هذه الفقرة ووصل كلامنا إلى أنّ أوامر الإسلام والشرع في التطبيق الدقيق والتدبير لجميع الأمور الشخصية والاجتماعيّة والحركات الفرديّة والاجتماعيّة هو لأجل الوصول إلى نقطة الكمال الشخصي والكمال الاجتماعي. وقد ذكرنا بعض الأمور في التوفيق بين هذه الفقرة الشريفة وما لدينا حول التدبير من معطيات عقليّة وعرفيّة وشرعيّة.

  • وحديثنا الآن هو حول كيفيّة تنظيم الأمور الاجتماعيّة في الحكومة الإسلاميّة وإن شاء الله سننهي ذلك ضمن ثلاث أو أربع جلسات أخرى. لأنّ المسألة طالت وسنتحدّث على شكل فهرس وبالإجمال، وإن شاء الله إذا وفق الله لاحقًا سنكتب ذلك بشكل مفصّل۱.

  • أولاً: لمحة تاريخيّة حول الشورى عند فقهائنا بحثًا وتطبيقًا

  • لم تكن هذه المسألة موضع اهتمام كبير قبل مدّة، أعني قبل الثورة الإسلامية الإيرانيّة؛ لأنه لم تكن هناك ظروف مناسبة للدخول في هذه المسائل ودراستها، فقد كانت الحكومة حكومة طاغوت وحكومة ظلم وحكومة كفر، حكومة تحكم هذا المجتمع على أساس الاعتقاد بما يخالف مبادئ الإسلام، وتتوسل إلى القوة والظلم لهذا المجتمع وخصوصًا مجتمع المسلمين. فطرح مسائل كهذه في تلك الظروف لا معنى له في النهاية، فالأمر أمر إنسان واحد مطاع وفي النهاية الأمور بأيدي أفراد معدودين، وقد كنا نشاهد تنحية العقلاء والناضجين عن الأمور المهمّة للدولة.

  • ورغم أنّه خلال عهد الحركة الدستوريّة جرى الحديث حول هذا الأمر وكتب بعضهم في هذا المجال وقدموا بعض المسائل للنّاس، ولكن حيث إنّ هذه المسألة لم تدرس كما ينبغي وطرحت على عجالة ولم يستفَد من جميع الناس للوصول إلى النتيجة، ولم يقدِّم رأيه في هذا الأمر إلا عدد يسير من العلماء، ونحّي الكثير من الأعاظم عن هذا الموضوع… ففي النتيجة مسألة بهذه الأهمية يرتبط بها موت مجتمع بأسره وحياته صارت تحت تصرّف فئة خاصّة من العلماء والمنظّرين، وأُقصيَ سائر الأعاظم والعلماء عن دائرة طرح الآراء، وربّما إعمال رأيهم، ولذلك أصابنا ما أصابنا، ثمّ تبيّن أنّ جميع ذلك كان له صلة بالخارج وارتباط بما هو خارج حدود وثغور هذه الأمّة المسكينة التي لا اطّلاع لها على شيء، ولم تكن تسعى إلا إلى التغيير والتحوّل.

    1. مقطع من محاضرة عنوان اابصري ٥٩ ص ٢.

الشورى، تاريخها عند فقهاء الإماميّة، أهميّتها ومشروعيّتها - بحث منتخب من محاضرات سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني

3
  • وقد ذكرت يومًا ـ لا أدري إن كان هنا أو في مكان آخرـ أنّه حتى الذين كانوا سبّاقين في هذا المجال اعترفوا في النهاية أنّهم خدعوا، وأحد هؤلاء الذين كانوا جادّين في هذا الأمر وكانوا يعملون من منطلق الحميّة الدينية، ومن منطلق التدين والحميّة الدينيّة ولأجل الله، المرحوم الآخوند محمد كاظم الخراساني، والذي دعا الناس إلى الحركة الدستورية وبالطبع نحن لا يمكننا أن ننكر أنّه يمكن أن نجد في حركته مواضع لم يُعمل فيها الاهتمام الكافي حتى تراجعت حركته، فجأة فالشيخ فضل الله النوري عُلّق على المشنقة بسبب مخالفته للحركة الدستورية فشنق عالم وتقي ليس بالأمر الهيّن، فقد كان الشيخ فضل الله النوري رحمه الله رجلاً عظيمًا جدًّا ويقال إنّه كان من تلامذة الميرزا الشيرازي رحمه الله، وعندما كان يتعلّم عنده في سامراء صادف رواية ولا يُدرى أين رآها وفي الليل جاء إلى الميرزا الشيرازي رحمه الله وقال: لقد رأيت رواية اليوم تتحدّث عن أحد أحداث آخر الزمان وهي أنه يعدم عالم طبري لأجل دفاعه عن الدين، وقد خطر في قلبي أنّ هذا العالم الطبري هو أنا. فضحك الميرزا وقال: نعم هو هكذا.لأنّ الميرزا رحمه الله كان من أصحاب القلوب وأصحاب الحال، ومتى حصل هذا الأمر قبل سنوات كثيرة من ظهور الحركة الدستوريّة في زمان ناصر الدين شاه مثلاً وبعد ناصر الدين شاه جاء مظفر الدين شاه، ثمّ محمد علي شاه ثم بعد سنوات... على كلّ حال كان الشيخ فضل الله رحمه الله رجلاً عظيمًا جدًا، ففي النهاية هذه أمور لا يمكن التجاوز عنها بسهولة لا بدّ من الاهتمام بها أمّا القراءة والمطالعة هكذا والاستماع والمرور عنها ببساطة فليس صحيحًا.

  • حتى الآخوند محمد كاظم الخراساني نفسه عندما التفت تعجّب من واقع هذا البلد فجميع شعارات الحركة الدستورية وجميع الإعلانات واإسلاماه وانبيّاه وامحمّداه كانوا يأتون بها إلى المدن ويقتلون الناس. فأتباع ستار خان وباقر خان وأشباههم كانوا يأتون بهذه الشعارات وفجأة التفت الآخوند محمّد كاظم أنّ المسألة ترجع إلى الانجليز، وكافّة هذه الخطط قد طرحت هناك للسيطرة على الأوضاع ولإزالة الدين وعقائد الناس۱ 

    1. مقطع من محاضرة عنوان البصري ٥٩ ص ٣ ـ ٤. 

الشورى، تاريخها عند فقهاء الإماميّة، أهميّتها ومشروعيّتها - بحث منتخب من محاضرات سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني

4
  • ثانيًا: أهميّة الشورى في إدارة الحياة الاجتماعيّة ومشروعيّتها

  • إنّ مبدأ الشورى من أهمّ المبادئ في قواعد النظريّة الاجتماعيّة للإسلام والتشيّع، وهو مطروح كمبدأ ضروريّ في النظريّة الشيعيّة حول الإدارة۱.

  • [ف] من المسائل المهمّة في كيفية العلاقات الاجتماعية وإدارة المجتمع مبدأ الشورى الرفيع، وهذا المبدأ المهم في الحكومة الإسلامية يمكن أن يقال إنه الأساس لاستمرار المجتمع، بحيث أنه لو لم يحظ هذا المبدأ المهمّ بالاهتمام الكافي، لاصطدم مسير استمرار الحكومة على أساس العقل وعلى أساس المنطق بالعقبات، ولخضع إلى تغيّر وتبديل.

  • والآية الشريفة تدلّ على هذا المعنى أيضًا، ففي الآية الشريفة {وأمرهم شورى بينهم}٢ أمور المسلمين هي على أساس الشورى على أساس الاستفتاء، على أساس الاقتراح، على أساس تبادل الأفكار ووجهات النظر والآراء. الآية من الآيات المسلمة والتي لا تقبل التأويل وهي أصل من أصولنا العقائدية المسلّمة، فمع غضّ النظر عن كونها مبدأ اجتماعيًّا مهمًّا هي أصل عقائديّ أيضًا٣.

  • ۱ . أهميّة الشورى ومشروعيّتها في القرآن وعهد مالك الأشتر

  • أ. أهميّة الشورى ومشروعيّتها في القرآن

  • لقد أشار القرآن الكريم إلى الشورى في موضعين، بل صرّح:

  • الآية الأولى: وشاورهم في الأمر

  • أحدهما: يرتبط بعلاقة رسول الله الخاصّة مع الناس وكيفيّة مماشاة النبيّ الأكرم في الأمور الاجتماعيّة حيث تقول الآية: {فبما رحمة الله لنت لهم ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك}٤ فبواسطة العنايات الإلهيّة جعل الله قلبك ليّنًا عطوفًا. يريك الصعاب سهلة، أنت يا رسولنا صاحب سعة صدر، ليست مواقفك من الناس حادّة، بل تواجه الأخطاء بسعة صدر، لنت لهم، أنت هادئ لطيف. {ولو كنت فظًّا} والفظّ هو الإنسان الغليظ الحادّ المتحجّر عديم المنطق والذي يسير على نمط واحد ويكون لجوجًا، فلو كنت كذلك {لانفضّوا من حولك} لابتعد الناس عنك، لما جاء أحد إليك. فلو كان يجب أن يتعامل الإنسان بحدّة عند كلّ خطأ لما بقي أحد. وهذا رسول الله وهذا قائد الأمّة. إنّه مبيّن الأخلاق والقيم الإسلاميّة إلى يوم القيامة باسم الإنسانيّة.

  • وعملُ رسول الله لنا أسوة، الأعمال التي كان رسول الله يقوم بها هي بالنسبة لنا أسوة. كيفيّة حديث ومعاشرة رسول الله مع مختلف الناس، كيفيّة كتابة رسول الله للرسائل إلى مختلف الناس. كيفيّة حديث رسول الله مع مختلف الناس، فقد كانت لرسول الله سعة إلى حدّ جعلت الناس يعترضون على لين خلقه وخلقه العظيم وسعة صدره. كانوا يقولون: هل النبيّ عاطل عن العمل حتّى يقوم بهذا العمل الآن؟ هل النبيّ عاطل عن العمل حتّى يلعب مع هؤلاء الصبية هكذا؟ هل النبيّ لا عمل له حتّى يأتي هذا الإنسان فيخصّص له النبيّ كلّ هذا الوقت؟ فواقعًا عجيب، عجيب جدًّا.

    1. مقطع من محاضرة عنوان البصري ٦۰ ص ٦. 
    2. الشورى (٤٢) مقطع من الآية ٣۸.
    3. مقطع من محاضرة عنوان البصري ٥٩ ص ٢.
    4. سورة آل عمران (٣) الآية ۱٥٩. 

الشورى، تاريخها عند فقهاء الإماميّة، أهميّتها ومشروعيّتها - بحث منتخب من محاضرات سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني

5
  • لا أدري ما إن كنت طرحت هذا الأمر حول أخلاق رسول الله أم لا، وقد تذكّرته الآن. ربّما كنت ذكرته. كنت بصحبة المرحوم العلاّمة مع أحد السادة من المشهورين وهو حيّ الآن. كنّا نريد أن نزور العلاّمة الطباطبائي، حيث كان قد تشرّف بالمجيء إلى مشهد للزيارة. فقد كان يأتي في فصل الصيف إلى مشهد، وكنّا نحن نذهب للاستفاضة من محضره، حيث كانت له جلسات. فذهبنا ذات يوم برفقة المرحوم العلاّمة وذلك الرجل لزيارة المرحوم العلاّمة الطباطبائي، وفي الطريق كان الوالد يبيّن خصوصيّات العلاّمة لذلك الرجل، ومن الأمور التي ذكرها: لقد خرج العلاّمة عن نفسه، عن أنانيّته، وعن نفسه. أخلاقه أخلاق رسول الله. ولم يعد يحتفظ لنفسه بشيء من العلاقات والشؤون الاجتماعيّة. وإنّه لأمر مهمّ جدًّا أن يخرج الإنسان من نفسه في علاقاته وارتباطه مع الآخرين، وأن لا يكون له شأن خاصّ وملاحظة للشؤون وللأمور الجانبيّة والشخصيّة. فقد كان يقول: العلاّمة الآن هو في وضع كهذا، ثمّ قال ـ وكنّا قد اقتربنا من منزل العلاّمة الطباطبائي ـ فقال: كان النبيّ يتحدّث يومًا مع الناس وهو على المنبر. وبينما هو في خضمّ الحديث والخطاب مع الناس، بكى الإمام الحسن أو الحسين عليهما السلام فجأة، بكى أحدهما، تأذّى انزعج فبكى، فجاء باكيًا إلى المسجد، فرأى جدّه هناك فجاء إليه بشكل مباشر من دون مراعاة لهذا أو لذاك، وبالطبع لقد رأى أنّ أباه موجود في النهاية. فما إن رأى النبيّ هذا المشهد، نزل عن المنبر، واحتضن الإمام الحسن أو الإمام الحسين، أحدهما الذي كان قد جاء، وقبّله وجاء به إلى المنبر، وأجلسه إلى جانبه، وقال له: اجلس هنا، فأنا الآن أتكلّم. ربّما قال أو لم يقل: اجلس هنا حتّى ينتهي حديثي. فجلس إلى جانب النبيّ، وتابع النبيّ كلامه، ثمّ نزل۱. عندها قال العلاّمة الطهراني: هل تعرف أحدًا من العلماء يمكنه أن يفعل ذلك أمام الناس؟ ثمّ التفت إليه وقال: العلاّمة يفعل ذلك. انظروا كم هو مهمّ هذا الأمر. العلاّمة يقوم بذلك. حسنًا نتابع فهذا المقدار يكفي.

    1. الدرّ المنثور، ج٦، ص ٢٢۸: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فاقبل الحسن والحسين رضي الله عنهما عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما واحدًا من ذا الشق وواحدًا من ذا الشق ثم صعد المنبر.
      إنّ رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم بينما هو يخطب الناس على المنبر خرج الحسين ابن علي رضي الله عنه فوطئ في ثوب كان عليه فسقط فبكى فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر فلما رأى الناسُ أسرعوا إلى الحسين رضي الله عنه يتعاطونه يعطيه بعضهم بعضا حتى وقع في يد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم...

الشورى، تاريخها عند فقهاء الإماميّة، أهميّتها ومشروعيّتها - بحث منتخب من محاضرات سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني

6
  • فهذه الأخلاق أخلاق رسول الله. أخلاق رسول الله يجب أن تكون أسوة لنا. فما معنى أن نجعل أنفسنا في هذه الوضعيّة، أن نجعل لأنفسنا حريمًا، وهذا يجب أن لا يلتقي بالسيّد، وذاك يجب أن لا يلتقي، وخمسة عشر ومائة وخمسين عقبة وعتبة وحرس للوصول إلى هناك، وهل هناك وقت أم لا.

  • يقول أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الأشتر: «يا مالك لا تجعل بينك وبين الناس حاجبًا، لعلّ فقيرًا أو مظلومًا أو صاحب دعوى أو مظلومًا يريد أن يصل إليك فلا يبلغ بسبب هذا الحاجب»۱. وبسبب هؤلاء. من الذي يقول هذا؟ هذا ما يقوله أمير المؤمنين لنائبه الخاصّ مالك الأشتر. لا تجعل حاجبًا. فهذه الأخلاق أخلاق رسول الله. ونحن علينا أن نغيّر أنفسنا وفق هذه الأخلاق، علينا أن نتأمّل في سيرة وسنّة رسول الله أكثر. دعونا نتابع.

  • {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك} لذهبوا وتركوك. {فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكّل على الله إنّ الله يحبّ المتوكّلين}.لقد نزلت الآية بعد معركة أحد. {فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكّل على الله إنّ الله يحبّ المتوكّلين}، تجاوز عنهم، لقد أخطأوا، لقد فرّوا من المعركة، وتركوك وحدك. {فاعف عنهم واستغفر لهم} جاهلون، فليس الجميع يمتلكون دين عليّ وهمّته وشهامته، ليس الجميع يمتلكون تلك الهمّة وذلك الخلوص والصفاء الذي عند عليّ {فاعف عنهم} تجاوز عنهم {واستغفر لهم} اطلب لهم المغفرة {وشاورهم في الأمر} واستجلبهم إلى ميدان العمل، {شاورهم في الأمر} واجعل لهم حسابًا. انظروا إلى الآية، لقد نزلت إلى رسول الله كقاعدة أخلاقيّة. شاورهم في الأمور، شاورهم. بما أنّهم أخطأوا هذا الخطأ فلا تهملهم جانبًا وتقول: هذا هكذا، وذاك هكذا، كلاّ، بل اجعلهم محلّ اهتمامك. {فإذا عزمت فتوكّل على الله إنّ الله يحبّ المتوكّلين} إذا نويت أن تسلك في طريق، فاثبت وتوكّل على الله {فإذا عزمت فتوكّل على الله إنّ الله يحبّ المتوكّلين} فهذه الآية لرسول الله.

  • الآية الثانية: وأمرهم شورى بينهم

    1. نهج البلاغة، ج٣، ص ۱۰٢: «واجعل لذوي الحاجات منك قسمًا تفرغ لهم فيه شخصك، وتجلس لهم مجلسا عامًا فتتواضع فيه لله الذي خلقك، وتقعد عنهم جندك وأعوانك من أحراسك وشرطك، حتى يكلمك متكلمهم غير متتعتع، فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في غير موطن: "لن تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متتعتع". ثمّ احتمل الخرق منهم والعيّ، ونحّ عنك الضيق والأنف يبسط الله عليك بذلك أكناف رحمته ، ويوجب لك ثواب طاعته».

الشورى، تاريخها عند فقهاء الإماميّة، أهميّتها ومشروعيّتها - بحث منتخب من محاضرات سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني

7
  • ولدينا آية أخرى لها أهمّيتها وهي التي في سورة الشورى، ويبدو أنّها الآية الرابعة والثلاثون، هناك يقول الله في صفات المؤمنين وخصوصيّاتهم: {والذين استجابوا لربّهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم وممّا رزقناهم ينفقون}۱ فالمؤمنون هم الذين كلّما جاء نداء من قبل الله أن قوموا استجابوا له. لا يتركون لأنفسهم شيئًا. هنا نطيع وهناك لا. نذهب إلى المجالس ولكن إذا ما كانت هناك معركة فلا نذهب بل نفرّ. عندما تكون هناك منفعة نقدم، نعم مستحبّ، مستحبّ جدًّا، جيّد جدًّا. أمّا عندما يكون هناك ضرر علينا، فلا بدّ أن نتأمّل وأن نفكّر.

  • {والذين استجابوا لربّهم} عندما يريد الله شيئًا. عندما يأتي حكم، عندما يأتي أمر أو نهي، عندما يأتي طلب من قبل الله والرسول والأئمّة عليهم السلام إلى الناس، استجابوا، يقبلون، يقولون: لبّيك. يقبلون من أعماق قلوبهم وأرواحهم. {والذين استجابوا لربّهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم وممّا رزقناهم ينفقون} يقيمون الصلاة {والذين استجابوا لربّهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم وممّا رزقناهم ينفقون} يعني انظروا إلى جانب أقاموا الصلاة وكأمر واجب وكواجب إسلاميّ أصيل {والذين استجابوا لربّهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم وممّا رزقناهم ينفقون} فإنّهم يتداولون أمورهم بالشورى، لا ينظرون إلى الأمور من جانب واحد، ومن جهة واحدة {والذين استجابوا لربّهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم وممّا رزقناهم ينفقون} 

  • فهذه الآية تطرح أمر الشورى على أنّه قاعدة لا يمكن التخلّي عنها في شؤون المؤمنين…

  • بناء على ذلك، لا بدّ من الاهتمام بموضوع الشورى في الأمور الاجتماعيّة للمسلمين، كقاعدة لا يمكن تركها، كقاعدة، كقاعدة٢.

  • ب. أهميّة الشورى في عهد أمير المؤمنين إلى مالك الأشتر

  • في ذلك العهد الذي كتبه أمير المؤمنين عليّ عليه السلام إلى مالك الأشتر، يصرّح الإمام بهذا الأمر. من هو مالك الأشتر؟ التلميذ الأوّل عند أمير المؤمنين. إنّه مالك الأشتر في النهاية. الجميع يعرفونه. مقاماته فضائله تقواه ورعه اتّصاله ووصله بأمير المؤمنين عليّ عليه السلام، ذلك المدح الذي مدحه به أمير المؤمنين بعد شهادته. ماذا كان؟ لقد كان التلميذ الخاص في مدرسة أمير المؤمنين والذي كان يتحدّث معه صباحًا ومساء، كان يرى أمير المؤمنين كلّ يوم. كان يتحدّث معه كلّ يوم. كان يراه كلّ يوم في الحروب، رآه في الحضر، ورآه في السفر، رآه في المرض ورآه في الصحّة. فمالكٌ هذا بكلّ هذه الخصوصيّات، وبكلّ هذا المقام وهذه الفقاهة، وبهذه الرؤية الدينيّة التي لديه، فنحن لو كنّا مع الإمام شهرًا واحدًا لفهمنا الأمر كلّه، شهر واحد، في كلّ يوم نرى الإمام ساعة، في حين أنّ مالكًا كان عند أمير المؤمنين لسنوات متمادية. كان مع ضحكات عليّ ومع غضب عليّ ومع التأديبات التي كانت من عليّ، وبالطبع هذا ما أقوله أنا، وليس... فأمير المؤمنين كان يؤدّبه ببعض التأديبات، وأمير المؤمنين كان يضحك معه، وأمير المؤمنين كان يمازحه، وأمير المؤمنين كان يأمر وينهى تعال واذهب، قم واجلس. كلّ هذه الأعمال لسنين متمادية رآها، ولكن بما أنّه يذهب إلى مصر الآن فماذا يقول له أمير المؤمنين؟ «وأكثر مدارسة العلماء ومنافثة٣ الحكماء» اجلس مع العلماء، مع من يتكلّم الإمام؟ مع مالك هذا، أنا في النهاية لديّ حدودي! 

    1. سورة الشورى (٤٢) الآية ٣۸. 
    2. مقطع من عنوان البصري ٦۱ ص ۱٢
    3. المنافثة المحادثة. 

الشورى، تاريخها عند فقهاء الإماميّة، أهميّتها ومشروعيّتها - بحث منتخب من محاضرات سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني

8
  • «وأكثر مدارسة العلماء ومنافثة الحكماء». اجلس مع العلماء، وشاورهم في شؤون البلاد. فهل قال الإمام هزلاً في عهده؟ هل أراد المزاح؟ «ومنافثة الحكماء»، تحدّث مع الحكماء والعقلاء، والمراد من الحكمة هنا العقل، وليس المراد هذه الفلسفة الاصطلاحيّة. اجلس مع العقلاء الذين يحقّقون حول الأمور من منظار عقليّ، يا مالك الذي كنت معي سنين لا تغترّنّ، لا تغترّنّ بهذه السنوات التي كنت فيها معي؛ فأنت لست في تلك المرتبة ـ وبالطبع أنا أقول هذا ـ أنت لست في تلك المرتبة بحيث يكون لك إشراف على الواقع مثلي. أنت تحتاج إلى جليس حكيم، أنت تحتاج إلى جليس عالم. «في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك»، في تلك المسائل التي ترتبط بالأمور الاجتماعيّة للنّاس، لا في الأحكام الفقهيّة، اذهب وأفت الناس في الأحكام الفقهيّة. ولكنّ الأمر المهمّ هو الشؤون الاجتماعيّة، فيجب أن تكون مع العلماء. «في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك وإقامة ما استقام به الناس قبلك»۱ وأن تعمل على تثبيت تلك المبادئ التي كان الناس عليها قبلك، والتي يدبّر بها الناس أمر مجتمعهم، وكان على أساسها قوام مجتمعهم وصلاحه. فيجب أن تشاور الناس في هذه الأمور. فالإمام يقول هذا الكلام لنائبه الخاص، ثمّ يقول أمورًا أخرى٢.

  • ٢. أهمّية الشورى بحسب التحليل العقلي

  • والآن ما علّة هذا الأمر؟ لماذا يجب أن تكون الشورى في مجتمع المسلمين؟ ولماذا يجب الاستفادة من وجهات نظر مختلف الناس من أي صنف كانوا في سبيل تسيير الأمور؟ وماذا يحدث عند عدمها؟ وما هي المشكلات التي يصاب بها المجتمع؟٣

  • أ. الشورى مصداق لحكم العقل بضرورة اتّباع الواقع

  • الأساس في المراتب التكامليّة للإنسانيّة هو العمل بالواقع، والعمل بالعقل، وبما تحكم به القوى العاقلة لدى الإنسان. فبماذا يحكم عقل الإنسان؟ يحكم عقل الإنسان بأنّه إن كان هناك طريق يتمكّن الإنسان من خلاله من الوصول إلى حقيقة الأمر، فمن الواجب على الإنسان العاقل لا المهمل ولا الذي هو على أيّ حال من الأحوال، ولا الإنسان اللاأبالي، ولا الإنسان غير الهادف، ولا الإنسان الذي لا يبالي على أيّ حال يكون، بل الإنسان العاقل الذي يريد الوصول إلى أهدافه من الكمال، من الواجب عليه بحكم العقل أن يختار هذا الطريق الذي يوصله إلى المقصود.

    1. نهج البلاغة، ج٣، ص ۸٩.
    2. مقطع من محاضرة عنوان البصري ٦۱ من ص ٩ إلى ص ۱٥.
    3. مقطع من محاضرة عنوان البصري ٥٩ ص ٣.

الشورى، تاريخها عند فقهاء الإماميّة، أهميّتها ومشروعيّتها - بحث منتخب من محاضرات سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني

9
  • ووفق ما لدينا من معطيات حول الإمام عليه السلام، فإن تمكنّا في موضع من المواضع من الوصول إليه، فلا بدّ من الرجوع إليه بحكم العقل. بحكم العقل يعني أنّه حتّى لو لم يقل لنا الإمام تعالوا إليّ. لو لم يقل الإمام إنّ كلّ ما تريدون ههنا، ورغم أنّه قال جميع ذلك، ورغم أنّ الإمام عليه السلام ذكر كلّ ذلك، ورغم أنّ النبيّ قال في أمير المؤمنين: «أنا مدينة العلم وعليّ بابها». رغم أنّ النبيّ قال في أمير المؤمنين: «أتقاكم عليّ، أعلمكم عليّ»۱، أورعكم عليّ، أقواكم بالحقّ عليّ، «أقضاكم عليّ»٢. وهذه صيغة أفعل التفضيل، أعلم أفعل التفضيل. هذا يعني أنه لو اجتمعتم جميعًا يا أهل الكرة الأرضيّة ووضعتم عليًّا في جانب، فسوف يرجح عليّ هناك. ورجحانه أيضًا ليس رجحان قدم واحدة أو متر واحد، هو رجحان ما بين الأرض والسماء.

  • حتّى لو لم يقل رسول الله هذه الأمور، وحتّى لو لم يقل أمير المؤمنين هذه الأمور، ولو لم يأت أمير المؤمنين إلى بيوت الأنصار والمهاجرين ويذكّرهم بالأمور التي مضت، لكان واجبًا على المسلمين بحكم العقل الرجوع إلى أمير المؤمنين. لذلك الدليل.

  • لذلك فإن الشورى التي يدّعي أهل السنة تشكيلها هي شورى السقيفة الملعونة. وقد جعلوها أحد مفاخر الديمقراطيّة في نظام حكمهم، فهذه الشورى بكلّ تأكيد منافية لحكم العقل. من هنا نريد الانتقال إلى موضوع آخر.

  • إنّ الشورى التي لها ما يبررها من وجهة نظر حكم العقل، والشورى المتّبعة هي التي تؤيّد حكم العقل، تؤيّد المجتمع٣.

  • لا بدّ من النظر إلى الشورى التي هي مطابقة للموازين العقليّة والسيرة العقلائيّة، وموافقة لدليل العقل، عندما يكون هناك إمام معصوم عليه السلام فلا بدّ للإنسان أن يراجعه وحده دون سواه. هذا في حال وجود الإمام المعصوم عليه السلام.

  • أمّا لو لم يكن هناك إمام عليه السلام، كما هو الحال في زماننا هذا، حيث سلب منّا توفيق الزيارة الظاهريّة للإمام عليه السلام، وبقيّة الله أرواحنا فداه في غيبة. فما هو التكليف في هذه الحالة؟ أو كما كان الحال سابقًا في زمان رسول الله أو زمان الأئمّة حيث لم يكن جميع الناس يتمكّنون من التواصل معهم. لم يكن ممكنًا لجميع الناس التواصل مع الإمام عليه السلام. فلو كان الإمام في المدينة فالتواصل معه منحصر بالذين هم في المدينة، بل لو كان في حصار لم يكن باستطاعة حتّى أهل المدينة التواصل معه. فهنا أيضًا يحكم العقل بانتخاب الطريق الأقرب إلى الواقع من حيث قوّته واستقامته ومتانته في مسير الإنسان. فعلى الإنسان أن يهتمّ بهذه الأمور.٤

    1. أعلم أمتي من بعدي علي بن أبي طالب. الغدير، ج٣، ص ٩٦ عن: مسند أحمد ٥ ص ٢٦، الاستيعاب ٣ ص ٣٦، الرياض النضرة ٢ ص ۱٩٤ . مجمع الزوايد ٩ ص ۱۰۱ و ۱۱٤ بطريقين صحح أحدهما ووثق رجال الآخر، والمرقاة في شرح المشكاة ٥ ص ٥٦٩، كنز العمال ٦ ص ۱٥٣، السيرة الحلبية ۱ ص ٢۸٥، سيرة زيني دحلان ۱ ص ۱۸۸ هامش الحلبية.
    2. الغدير، ج٣، ص ٩٦؛ الاستيعاب ج٣ ص ٣۸ هامش الإصابة؛ مواقف القاضي الإيجي ٣ ص ٢۷٦؛ شرح ابن أبي الحديد ج ٢ ص ٢٣٥؛ مطالب السؤل ص ٢٣، تمييز الطيّب من الخبيث ص ٢٥؛ كفاية الشنقيطي ص ٤٦.
    3. مقطع من عنوان البصري ٦۱ ص ٣ـ ٤. 
    4. مقطع من عنوان البصري ٦۱ ص ٥

الشورى، تاريخها عند فقهاء الإماميّة، أهميّتها ومشروعيّتها - بحث منتخب من محاضرات سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني

10
  • أمر الإمام عليه السلام مختلف. هذا يرتبط بالإشراف. ولكن عندما لا يكون لدينا إشراف، فحتّى لو لم تكن لدينا آية قرآنيّة، وحتّى لو لم تكن لدينا روايات في هذا المجال، فإنّ حكم العقل كما كان الرجوعَ إلى أمير المؤمنين بعد زمان رسول الله، وكانت الشورى الملعونةُ في مقابل حكم العقل وفي مقابل حكم النقل الذي هو كلام صريح ونصب صريح لخلافة أمير المؤمنين عليه السلام في يوم الغدير، فرغم أنّ هذه الشورى كانت مخالفة لحكم العقل، فإنّها ـ وبحكم هذا العقل نفسه ـ تصبح حجّة عند عدم الوصول إلى الإمام عليه السلام۱.

  • ب. الشورى تمنع انحصار اللوم بفرد 

  • لا يمكن في الأمور الاجتماعيّة أن يفضّل الإنسان ويغلّب رأيه الخاصّ وفكره الخاصّ على سائر أفكار العقلاء والذين لديهم قدرة على التشخيص في الأمور. فالناس لم يأكلوا التبن، الناس يدركون. الناس يفهمون جيّدًا. هؤلاء العقلاء يشخّصون بشكل دقيق. لماذا؟ هناك دليل عقليّ، لأنّه إمّا أن يكون هذا الأمر الذي يجري مؤدّيًا إلى نتيجة، فيرى الجميع أنّهم شركاء في هذا الأمر، وإن لم يصل إلى نتيجة فإنّهم لا يلومون إنسانًا آخر وشخصًا معيّنًا. يقولون: اجتمع العقلاء في هذا الأمر، كما لو حصل هناك مرض، مرض عضال، صعب فيه أذى، مرض في الأمعاء، أو ما شابه. في النهاية: أحدهم يقول: إنّه الزائدة، والآخر يقول: انعقاد في الأمعاء، وأمثال ذلك. هنا ماذا يُصنع؟ القاعدة في ذلك أن تنعقد شورى طبّية، ثمّ وفق نظر الشورى يجرون له عمليّة. فإن مات، يقولون: حسنًا فالجميع قرّروا. وإن لم يمت، فبها ونعمت. أمّا لو أنّ طبيبًا واحدًا جاء وقال: أنا أشخّص هذا فاعملوا به. يقولون: لماذا لم تسأل عن رأي الآخرين؟ حبّذا لو أخذت صورة، أو أجريت اختبارًا.

  • في مسائل المسلمين، إن كان المقرّر أن يعمل الحاكم الإسلاميّ على أساس رأي العقلاء والمتخصّصين في ذلك الفنّ، فإمّا أن يصل إلى نتيجة فبها ونعمت، وإن لم يصل فإنّ المسؤوليّة ليست في عهدته هو وتكليفه هو فلا يلام٢.

  • ج. الشورى تقلّل احتمال الخطأ في طريق الوصول إلى الواقع والكمال

    1. مقطع من محاضرة عنوان البصري ٦۱ ص ۱٤
    2. مقطع من محاضرة عنوان البصري ٦۱ ص ۱٦.

الشورى، تاريخها عند فقهاء الإماميّة، أهميّتها ومشروعيّتها - بحث منتخب من محاضرات سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني

11
  • هذا الأصل المهمّ وأمرهم شورى بينهم لأيّ شيء هو؟۱ لماذا يجب أن يكون في المجتمع وبين المسلمين شورى؟ 

  • الأمر واضح وضوح معادلة (٢+٢=٤) لأنّ المجتمع لا بدّ أن يسير على أساس اعتدال المزاج لتحصيل كماله، لا بدّ أن يسير على أساس العقل والفهم، على أساس تأمين العدالة ونشر العدالة بجميع الشؤون والحيثيّات الاجتماعيّة، لذلك فالأمر واضح وكلّ من نسأله ولو كان صغير السن لماذا يجب أن تكون في المجتمع مشورة؟ سيقول: لأن الإنسان ممكن الخطأ الأمر واضح جدًّا. هذا لا يحتاج إلى دليل وبرهان، دائمًا المشورة تؤدّي إلى تضاؤل احتمال الخطأ، وبدون المشورة يرتفع احتمال الخطأ.

  • والمجتمع الذي فيه خطأ والمجتمع الذي فيه اشتباه، هذه الاشتباهات لا تدعه يصل إلى الكمال الكافي، بل من الممكن أحيانًا أن تؤدّي إلى عواقب لا يمكن تداركها، لدينا اشتباه أو لدينا اشتباهات إلى ما شاء الله؛ نحن نخطئ بين الصلاة الثلاثيّة والرباعيّة فنصلي الثلاثيّة رباعيّة، فهذا خطأ، وإنكار الله أيضًا خطأٌ، فذاك خطأ أيضًا ولكنّ ما صلة هذا بالأمر؟ نعم لأنّ المجتمع لا بدّ أن يكون على أساس العقل وعلى أساس الدراية، وكلّ إنسان ينبغي أن يختار أفضل طريق وأفضل منهج سواء في الأمور الشخصيّة أو الاجتماعيّة أو الأسريّة أو في علاقاته مع الناس الآخرين في أيّ أمر وفي أيّ قضيّة.

  • فمثلاً أنا الآن يجب أن أستريح وإن لم أسترح سأمرض، إن لم أسترح سأمرض وأسقط وتتعطل أعمالي الأخرى، الآن يجب أن أتناول الطعام، إن لم أتناوله سأمرض، سأصاب في معدتي، سأتأذّى، ثمّ يصبح هذا الأمر مشكلة، الآن يجب أن لا آكل، الآن يجب أن لا أتكلّم بهذا الكلام، الآن يجب أن أقوم بهذا العمل، في جميع الموارد سواء منها الشخصيّة أم العامّة أو الاجتماعيّة يجب أن يكون العقل والاعتدال حاكمين على أمور الإنسان. هذا القانون قانون مهم.

  • إذن لماذا نحن نشاور، لماذا في الدنيا هذه المجالس؟ لماذا في الدنيا مجالس تشريعيّة ومجالس للتخطيط؟ لماذا؟ لكي يقلّلوا من نسبة الخطأ، لو كان من المقرّر أن يطيع الجميع وزيرًا في دولة في كلّ ما يقول فمن المعلوم ماذا سيحل بتلك الدولة، لو كان من المقرر أن يطاع الملك في كل ما يقول من قبل ثمانمائة مليون من الناس ومليار من الناس ومائتي مليون من الناس وخمسين مليون من الناس، فيقولوا: نعم نعم يا سيدي. فمن الواضح ماذا سيحلّ في تلك الدولة.

    1. يمكن إرجاع هذا الدليل إلى الدليل الأوّل ولكن حيث بيّنهما المحاضر في موردين وببيانين فقد حافظنا على ذلك. (م) 

الشورى، تاريخها عند فقهاء الإماميّة، أهميّتها ومشروعيّتها - بحث منتخب من محاضرات سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني

12
  • فلكي نقلّل من احتمال الخطأ لا بدّ من طرح هذا الأمر كقانون عقلائي۱.

  • لا بدّ من الاهتمام بموضوع الشورى في الأمور الاجتماعيّة للمسلمين، كقاعدة لا يمكن تركها، كقاعدة، كقاعدة، لماذا؟ لأنّه ومع غضّ النظر عن الإمام المعصوم عليه السلام الذي قوله حقّ ورأيه صدق مطلق، فإنّ كافّة الناس من حيث المشاعر ومن حيث الإدراكات هم أسرى حدود الإدراكات البشريّة المتعارفة. فرغم أنّ كلّ إنسان من حيث مدركاته الفكريّة والذهنيّة وتشخيصه للموضوعات هو في مرتبة عالية، ولكن من حيث عدم إشرافه على الأمور المستقبليّة وعدم إحاطته بقرائن الموضوع وجوانبه، حيث لا يمكن للإنسان أن يحيط بكافّة الحواشي والجوانب لموضوع معيّن، فالآن ماذا يجري في قلب فلان؟ الآن ماذا يجري في مدينة كذا؟ الآن... .

  • فإحدى القواعد التي كان يطرحها المرحوم العلاّمة هي هذه المسألة المهمّة، حيث كان يقول: يجب على الحكومة الإسلاميّة في المجتمع الإسلاميّ أن تطّلع بشكل دقيق على كافّة الخصوصيّات والأمور التي تجري في سائر البلدان. لماذا؟ فحقيقة المسألة وواقعها هو كذلك. لأنّهم إن لم يكونوا مطّلعين خدعوا، احتالوا عليهم، مهما رأى الإنسان نفسه من الناحية الفكريّة في مرتبة عالية، ومهما رأى الإنسان أنّه من الناحية الخياليّة في مرتبة عالية، ومن ناحية الحدس رأى نفسه أعلى من الجميع، لكنّه رغم ذلك يقصّر في موضع من المواضع، وتكون مشكلته من هذا الموضع دون غيره؛ حيث إنّ الأمور التي يواجهها المجتمع ويواجهها الناس لا تقتصر على دائرة الأحكام والقياسات الظاهرة. جزء يسير من النسبة المئويّة يرتبط بذلك، وتسعون في المائة، أو خمس وتسعون في المائة يرتبط بالقضايا التي هي خارجة عن اختيار الإنسان ومحيطه. فهؤلاء الذين يراجعون الإنسان هل هم أصحاب نوايا حسنة أم لا؟ لا يمكنه أن يعرف ذلك. ما يجري في الأمور المختلفة في سائر الأماكن وكيف يمكن التعاطي معه لا يمكن تشخيصه. ما هي العواقب والتبعات المترتّبة على هذا الأمر لو قام بهذا العمل أو قام بذاك؟ فهذا ما لا يمكن للفرد أن يعرفه، إنّه خارج قدرته. يمكن أن يحدس في بعض الموارد، وقد رأينا ذلك رأي العين وجرّبناه، كما قرأناه في تاريخ الثورات والأحداث التي جرت في المجتمع الإسلاميّ على مرّ الزمان، من زمان رسول الله فصاعدًا.

    1. مقطع من محاضرة عنوان البصري ٥٩ ص ٩

الشورى، تاريخها عند فقهاء الإماميّة، أهميّتها ومشروعيّتها - بحث منتخب من محاضرات سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني

13
  • وقد ذكرت في الجلسات السابقة أنّ الإمام الباقر عليه السلام يقول لزيد: أنت تريد أن تثور على الظلم، حسنًا فلتثر، لا بأس، أنت تريد أن تقضي على حكومة بني مروان وتسقطها حسنًا، أنت تريد أن تحيي الحكومة الإسلاميّة، حسنًا. أنت تريد أن تقيم العدالة، صحيح؟ إنّ حكّام بني مروان حكّام ظلمة معتدون متجاسرون فسقة، حكومتهم حكومة ظلم. ولكنّ كلامنا هو في أنّك مطّلع على الأحداث التي ستجري بعد ذلك أم لا؟ هل أنت مطّلع على حقائق هؤلاء الذين يحيطون بك ويضحكون في وجهك، فهؤلاء الآن يمدّون إليك يد البيعة، الآن هم... فماذا تعرف عن الغد؟ إنّ أهل الكوفة هؤلاء سيخذلونك، بحيث تبقى أنت وحدك يا زيد مع ثلاثين رجلاً أمام جيش الشام. هل التفتّم؟ هؤلاء الناس سيتركونك. هل أنت مطّلع على ذلك أيضًا أم لا؟ فماذا يجب على زيد أن يصنع؟ ماذا يجب عليه؟ هو يعلم أنّ الإمام يقول حقًّا. فإذن عليه أن يأتي ويسلّم. عليه أن يقول: كوننا إخوة هو شيء منفصل، فأنت إمام. فهل أقدم على هذا العمل أم لا؟ فيقول الإمام: لا تقدم. وينتهي الأمر. من الذي يحمل المسؤوليّة أمام الله؟ الإمام الباقر نفسه يوم القيامة هو الذي يحمل المسؤوليّة. إذا قال الله لزيد: لماذا لم تثر في وجه الظلم؟ يقول: أخي الإمام قال لا فاسأله هو. والإمام في المقابل يمكنه أن يجيب. أنا لا يمكنني أن أجيب. أنتم أيضًا لا يمكنكم أن تجيبوا. ولكنّ ذلك الإنسان يمكنه أن يكون مسؤولاً، الإمام عليه السلام، إنّه مسؤول ويجيب. ذلك الذي يمكنه أن يخبر عن كافّة النتائج إلى يوم القيامة، ويمسك الراية بالحجّة والدليل من الله.

  • يقول الإمام عليه السلام لزيد: إن قمت بهذا فإنّ هذه الثورة لن تثمر. فهل أثمرت؟ أخذوه وقطعوا رأسه. وصلبوه أربع سنوات في كناسة الكوفة، حتّى كانت الحيوانات تعشعش في بطنه. هل التفتّم؟ هذا كان عمل زيد. لماذا؟! فاذهب وأطع كلام الإمام، اذهب وألق الحمل هناك. اذهب واجعل المسؤوليّة في عهدة الإمام، فيهدأ بالك، ولا تكون لديك أيّة مشكلة. إن قال الله: لماذا لم تثر؟ تقول: الإمام قال. لماذا لم يصنع الإمام الحسن عليه السلام ذلك؟ لماذا سالم الإمام الحسين عليه السلام عشر سنوات حكومة معاوية؟ ألسنا نحن نقول إنّا حسينيّون، فالسيّد سيّد حسينيّ في النهاية، ينتسب إلى الإمام الحسين في النهاية. وطريق الإمام الحسين ومسيره ونفَسه الخروج والثورة. فمن كان نفَسه الخروج والثورة والغليان لا يمكنه أن يتحمّل الظلم والتعدّي، فلماذا تحمّل عشر سنوات حكومة معاوية؟! هذا الإمام الحسين نفسه لماذا؟ لأنّ أخاه عاهد معاوية، واحترامًا لأخيه، لا لأنّ معاوية كان رجلاً جيّدًا، فقد كان أحقر إنسان في الدنيا، وأسوأ إنسان في الدنيا، وأحقّ الناس في الدنيا باللعن، ولكنّ أخاه كان قد صالح معاوية، فاحترم سيّد الشهداء الصلح إلى أنّ انتهى معاوية إلى الدرك الأسفل، هنا انتهت المصالحة. لا بدّ أن ترجع الخلافة والحكومة إلى الوليّ الأصليّ وإلى الإمام الأصليّ. من هو الإمام الأصليّ؟ إنّه الإمام الحسين عليه السلام. هنا جاء يزيد وواجه الإمام، فقال له الإمام أيضًا: من الآن فصاعدًا كلاّ، لقد انتهى الصلح الآن. من الآن فصاعدًا عليك أن تتنحّى وتجلس في بيتك، وأوكل الأمر إلى أهله. قال: لا لا أترك. وإن واجهتني قتلتك. قال: اقتلني اقتلني. دعا، وخرج وعمل وفق الظاهر ثمّ انتهى الأمر إلى هناك. حسنًا۱.

    1. مقطع من عنوان البصري ٦۱ ص ۱٢ـ ۱٤.

الشورى، تاريخها عند فقهاء الإماميّة، أهميّتها ومشروعيّتها - بحث منتخب من محاضرات سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني

14
  • نسأل الله أن يبيّن لنا ما هو حقّ، وأن لا يحرمنا في أيّ زمان وفي أيّ برهة من اتّباع الحقّ۱.

  •  

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد.

    1. مقطع من محاضرة عنوان البصري ٦۰ ص ۱۷