2

أهمّيّة الشعور بالحاجة في السير والسلوك

ضرورة الرفيق السلوكي

67
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1426

التاريخ 1426/09/04

جلسات المجموعة(9 جلسة)

التوضيح

ما هو دور المعرفة والشعور بالاحتياج في تحريك السالك نحو الله؟ وما خطورة فقدان هذا الشعور أو استبداله بالدلال؟ كيف أثّر عدم وجود وصيّ للمرحوم العلامة الطهراني على مسيرة تلامذته ورفقائه؟ ولماذا يُعدّ اختيار الرفيق الصالح من أهمّ الأمور في هذا الطريق؟ كيف نتعامل مع نقائصنا ونقائص الرفقاء بإنصاف؟ وما معنى النظر الباطنيّ الحقيقي في مدرسة الأولياء؟ تجيبك هذه المحاضرة لسماحة آية الله السيِّد محمَّد محسن الحسينيّ الطَّهرانيّ قدَّس الله سرَّه عن ذلك ضمن تحليل فقرة معرفتي يا مولاي دليلي عليك.

/۲۱
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

أهمّيّة الشعور بالحاجة في السير والسلوك - ضرورة الرفيق السلوكي

1
  •  

  • هوالعليم

  •  

  • أهمّيّة الشعور بالحاجة في السير والسلوك 

  • ضرورة الرفيق السلوكي

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثُّمالي ـ سنة ۱٤٢٦ هـ ـ الجلسة الثانية

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

أهمّيّة الشعور بالحاجة في السير والسلوك - ضرورة الرفيق السلوكي

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللَه مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ

  • بِسمِ اللَه الرَّحمٰنِ الرَّحيمِ

  • وصلَّى الله على سيِّدنا ونبيِّنا أبي القاسم مُحَمَّدٍ

  • وعلى آله الطَّيِّبين الطَّاهرين

  • واللَّعنةُ على أعدائِهم أجمعينَ

  •  

  •  

  • المعرفة والاحتياج: مفتاح السير إلى الله

  • «مَعرِفَتي يا مَولايَ دَلیلي عَلَیکَ وَ حُبّي لَکَ شَفیعي إلَیک»

  • يخاطب الإمام السجَّاد عليه السلام ربَّه قائلًا: إلهي، إنَّ معرفتي بك كانت دليلي عليك. أي إنّي لو لم أكنْ عارفًا بك لما جئتُ إليّك. لكنتُ تركتك ولم أعرْك اهتمامًا، ولم أكن لأشعرَ بالاحتياج إليك، لأنَّ الاحتياج هو الَّذي يدفع الإنسانَ إلى هذا الطَّرف وذاك. وأمّا مَن لا حاجة له فيجلس في بيته، فعندما يجوع الإنسان يتحرَّك نحو الخبَّاز، أليس كذلك يا عزيزي؟! فهل يذهب إلى الخبَّاز وهو شبعان؟! فإنّه لا يذهب. وليخبز الخبَّاز ما يشاء لنفسه. وعندما يتألّم رأس الإنسان يذهب إلى الطَّبيب، ولكن عندما يكون الرأس سالمًا فلا أحد يذهب إلى الطَّبيب، وهل يذهب إلى الطبيب ليسأله عن حاله؟! فليذهب إلى بيته. فما الدَّاعي للذَّهاب إلى العيادة؟! أمّا عندما يشعر الإنسان بالألم، فإنّه يقصد الطَّبيب، ويقصد الصيدليَّة، ويقصد الدواء، وعندما يجوع يبحث عن الطعام، وعندما يحتاج إلى مأوى، فإنّه يقصد المهندس والبنَّاء. وإلاّ فإن أراد أحدٌ أن يعيش مثل سلمان، فقد جاء وبنى لنفسه كوخًا في بغداد، هذا الحاكم، حاكم المدائن وما حولها، بحيث إنَّه حينما كان يقف ويرفع رأسه قليلًا كان يرتطم رأسه بالسَّقف، أي بدقَّةٍ، مع فارق بضعة سنتيمترات، وكان هذا سقف منزل جناب سلمان، قال: هذا يكفينا. ثمّ جاء المطر فهدَّم البيوت وهدّم بيته، فقال: نحن لم نخسر شيئًا. وضع كيسه على ظهره وقال: نذهب إلى مكان آخر ونبنيه، فنحن لم نخسر شيئًا.

  • ...***تا نِگِریَد طِفل کِی نُوشَد لَبَن
  • يقول: متى يرضع الطِّفل إن لم يبكِ؟

  • فما لم يبكِ الطفل، فإنَّ الأمَّ لا تشعر بحاجته، ولا تأخذه في حضنها. وتقول: إنَّه شبعان. والطفل الشبعان لا تهتمُّ به الأمُّ، وتضعه في المهد ليستريح. ومهما قال في باطنه: يا أمَّاه أنا جائع، فتقول له: حسنًا، أظهر لي جوعك هذا بطريقةٍ ما، فهكذا لا يجدي، فأنا لا أعلم الغيب.

أهمّيّة الشعور بالحاجة في السير والسلوك - ضرورة الرفيق السلوكي

3
  • تا نِگِریَد اَبر کِی خَندَد چَمَن ...***
  • تا نِگِریَد طِفلَک حَلوا فُروش***دیگ بَخشایِش کُجا آیَد به جُوش
  • يقول: متى يضحك البستان إن لم تبكِ السَّحابة؟ 

  • وما لم يبكِ بائع الحلوى المسكين فمتى يغلي قِدر العطاء؟

  • رحم الله مولانا. فالاحتياج إذن هو الَّذي يجرُّ الإنسان نحو مطلوبه ويزيد في شوقه للوصول إلى المقصود. فهل الاهتمام الَّذي يوليه الإنسان للوصول إلى الطَّبيب لعلاج صداعٍ، هو نفسه الاهتمام الَّذي يوليه عندما يكون لديه ألمٌ في القلب؟ وهل إصرار أحدٍ ما على الوصول إلى الطبيب لأجل ألمٍ في البطن، أو ألمٍ في الرِجل، أو ألمٍ في اليد، هو بنفس مقدار الاهتمام الذي يبديه عندما يشعر بخطرٍ جادّ مدعومًا بالقرائن والشواهد؟ فالاحتياج أيضًا يختلف. وهذا الاحتياج ينشأ بناءً على المعرفة والإدراك. ولماذا يشعر الإنسان بالاحتياج؟ لأنَّ لديه معرفة، فهو يعلم أنَّ الصُداع قد يزول بقرص أسبرين، فلنأخذ الآن حبّة أسبرين، أو مسكِّنًا، أو أسيتامينوفين، ثمَّ نرى ما هي القضيَّة؟ ولكنَّه فجأةً يشعر بألمٍ شديدٍ في منطقة الصَدر، ولديه بعض المعلومات، فيرى أنَّ هذا الألم ليس عاديًّا، فيتَّصل فورًا بسيَّارةٍ، أو يركب سيَّارته ويذهب، ويطلب إجراء صورةٍ، أو تخطيط قلبٍ، أو غير ذلك. لماذا؟ لماذا لا نقول نأخذ أسبرين أو مسكِّنًا؟ لماذا؟ فكلاهما ألمٌ، ولكن معرفته بمنشأ الألم تقتضي اهتمامه وإصراره، بحيث يكون جِدُّه لهذا الأمر أكبر وأعمق بكثيرٍ من جدِّه لذلك الألم الأوَّل. إذن، فبواسطة ماذا ينشأ الاحتياج؟ إّنه ينشأ بواسطة المعرفة. فمهما كانت المعدة جائعةً، وطالما كنت نائمًا، فلا نتيجة لذلك. فما لم تكن هناك معرفة وشعورٌ بالجوع، فإنَّ الجوع لا فائدة منه.

  • خطر فقدان الشعور بالاحتياج

  • وهل لاحظتم أنَّ الإنسان يصاب أحيانًا بفقدان شهيَّةٍ كاذب؟ فيفقد الإنسان شهيَّته للطَّعام بسبب بعض الأمراض الَّتي تصيبه، وخاصَّةً أمراض الكبد، فينشأ لديه نوعٌ من فقدان الشَهيَّة. فيضعف تدريجيًّا ولكن لا رغبة له في الطَعام. وهل رأيتم كيف أنَّ الإنسان يصاب أحيانًا باضطراباتٍ عصبيَّةٍ فيفقد شهيَّته للطعام؟ وتجدون أنَّ الذين تصيبهم مصيبةٌ يفقدون الرَغبة في الطَعام. والذين يعانون من مشكلةٍ ويسعون لحلِّها، أو يمرُّون بضائقةٍ، أو لديهم عملٌ لا يشتهون الطعام. أي أنَّ التَّفكير ينصبُّ على تلك المسألة ودفع تلك المشكلة، ولا يستطيع الجهاز العصبيُّ أن يُبرز تلك الحالات الباطنيَّة للإنسان بدقَّةٍ من الدماغ. فالفكر يعمل في مكانٍ آخر، والدماغ مشغولٌ بأمورٍ أخرى، لدرجةٍ أنَّه يُرى أحيانًا أنَّهم يسقطون، أي أنّهم يسقطون من شِدَّة الضَّعف، ودون أن يدركوا ذلك. فيصاب الإنسان بفقدان شهيَّةٍ كاذبٍ. وهذا الفقدان للشهيَّة يؤدِّي إلى زوال معرفة الإنسان بالألم. فهو جائعٌ ولكنَّه لا يشعر. ويحتاج إلى الهواء ولكنَّه لا يشعر، لا يدرك. وبعض الذين يصابون بالاختناق بالغاز ونحوه، لا يدركون أصلًا أنَّهم يستنشقون الكربون، ولا يشعرون. فيستنشقون، ويستنشقون غاز ثاني أكسيد الكربون (CO٢)، ويستنشقون وفجأةً يفقدون الوعي ويموتون. وأنا شخصيًّا أعلم عن بعض الذين توفُّوا بسبب هذا الاختناق بالغاز، من غاز الفحم ونحوه في مكانٍ مغلقٍ. فلو شعر لأسرع بإنقاذ نفسه، ولكنَّه لم يدرك. أي أنَّ هذا الغاز يأتي فيستنشقه شيئًا فشيئًا، فيصيبه بالدُّوار تدريجيًّا، لقد أدرك الرُّفقاء ما أريد قوله. فيصيبه بالدُّوار شيئًا فشيئًا، ودون أن يشعر، فيكون الأوان قد فات، ولم يعد لديه القُدرة.

أهمّيّة الشعور بالحاجة في السير والسلوك - ضرورة الرفيق السلوكي

4
  • قصة نجاة والدة المحاضر من الاختناق بالغاز 

  • والآن تذكَّرت هذه الحادثة، فقد كنتُ تقريبًا في الصف الأوّل من المدرسة، وربَّما كان عمري سبع سنواتٍ. وكانت ليلة النِّصف من شعبان في منتصف الشِّتاء، وكان الثَّلج يتساقط بغزارةٍ شديدةٍ جدًّا، وبالصُّدفة كان في ذلك اليوم في المدرسة ونحوها مجالس واحتفالاتٌ وما شابه، في نفس المدرسة الَّتي كنَّا نذهب إليها. وكان المرحوم العلاّمة قد ذهب إلى مسجد القائم وغيره للمشاركة في مراسم ليلة النِّصف من شعبان وتأخَّر كثيرًا، ففي تلك الأيَّام كان سماحته يقيم مجالس الأعياد ـ خاصَّةً النِّصف من شعبان وعيد الغدير والمبعث، هذه الأعياد المهمَّة ـ بشكلٍ رائعٍ جدًّا، وكان يطبع الإعلانات ويوزّعها في كلِّ مكانٍ. لأنَّه في ذلك الوقت، في القضايا السِّياسيَّة والأحداث السِّياسيَّة أيضًا، كما يعلم الرُّفقاء، كان نشطًا جدًّا، وكان مع المرحوم السيِّد الخمينيِّ في هذه الأحداث، بل أريد أن أقول إنَّه كان يتقدَّم عليه. فكانت ليلة النِّصف من شعبان، وعدنا متأخِّرين إلى المنزل، وكان قد حلَّ اللَّيل، والطرق كانت مغلقةً تمامًا بسبب الثَّلج، فقد تساقط ثلجٌ كثيفٌ. فجئنا فوجدنا والدتنا نائمةً وحالها لم تكن جيِّدةً، بل خطرة، ثمَّ علمنا أنَّها دخلت إلى الحمَّام، ولم يكن هناك مدفأةٌ ونحوها في ذلك الوقت، فمثلًا لم يكن هناك نفطٌ، بل كان من الصَّعب الحصول على النَّفط في ذلك الوقت أو لم يكن هناك نفطٌ في المنزل، فأخذت معها منقل فحمٍ ونحوه لتُدفِّئ الحمَّام أوَّلًا ثمَّ تستحمّ، وهذا الفحم أيضًا بطبيعة الحال لم يصل إلى درجة الحرارة المطلوبة، فتصاعد منه غازٌ خطيرٌ، فغاز ثاني أكسيد الكربون (CO٢) خطيرٌ جدًّا. فانتشر هذا الغاز، وهي نفسها روت لي قائلةً: كنتُ في الحمَّام، ولم أدرك ما حدث؟ ولم أدرك شيئًا على الإطلاق. والغريب هنا، وكان من لطف الله، أنَّه كان في المنزل أحدٌ ما، لأنَّ جدَّتي في ذلك الوقت ـ رحمها الله ـ كانت مريضةً، فقد كان ذلك بعد ستَّة عشر عامًا تقريبًا من قدوم المرحوم العلاّمة من النَّجف، وكانت هي منذ ذهابه إلى النَّجف مصابةً بالرَّبو ومرض القلب، وكانت طريحة الفراش، وحتَّى عندما كانت في المنزل كانت نائمةً هكذا. فجاء أحدٌ بالصُّدفة وفتح باب الحمَّام، فقد كانت في المنزل امرأة من الأقارب. وبمجرَّد أن فتحت الباب ودخل الأكسجين، استعادت وعيها فجأةً. ويبدو أنَّ تلك المرأة انتبهت وقالت: عجبًا! يا له من هواءٍ! فقالت فلانةٌ في مثل هذا الهواء... فرأت أنَّها لم تكن واعية أصلًا، وحالتها غير طبيعيَّةٍ. فجاءت وأخبرت الجيران، وجاؤوا وأخرجوها، وأحضروها وأسعفوها...، فكانت مشرفةً على الموت، وكانت تموت بالفعل. وربَّما لو لم تأتِ تلك المرأة وتفتح الباب لبضع دقائق أخرى لكانت قد توفِّيت.

أهمّيّة الشعور بالحاجة في السير والسلوك - ضرورة الرفيق السلوكي

5
  • عندما يزول الاحتياج... ماذا يحدث؟

  • و شيئًا فشيئًا يفقد الإنسان شعوره بالمرض، وهذا هو الخطر. لأنَّه إذا كان الإنسان مريضًا، فإنّه يبحث عن سبب المرض. فالإنسان ليس أحمق ليرى أنَّ لديه حاجةً وأنَّه مريضٌ وأنَّ هناك علّةً ومع ذلك لا يسعى لعلاجه. أمّا اذا زالت المعرفة بالمرض، فيزول الاحتياج أيضًا، وعندما يزول الاحتياج، لا يعود الإنسان يسعى وراء شيءٍ، فيجلس في بيته ويضحك، وينشغل باللغو والعبث من دون سببٍ أو داعٍ، وينشغل بنفسه فقط، فلا يهتمُّ بغيره، ويتغيَّر سلوكه. وتتغيَّر أعماله، فكلُّ هذا بسبب ماذا؟ لأنَّه لا يوجد احتياجٌ. فلماذا لا يوجد احتياجٌ؟ لأنَّه لا توجد معرفةٌ. ولا يوجد إدراكٌ. ولا يوجد وعيٌ. ولا يوجد فهمٌ. ولا يوجد شعورٌ. إذن، فعندما يقول الإمام السَّجَّاد عليه السلام: إلهي أنا قادمٌ إليك، ولأنَّني محتاجٌ إليك فأنا قادمٌ. فلو لم أكن محتاجًا لما جئتُ نحوك، ولما كان لي معك شأنٌ أصلًا. ذاك الذي لا شأن له بالله، إنّما هو كذلك لأنَّه لا يشعر بهذا الاحتياج. يقول: الله في شأنه ونحن في شأننا، الله لنفسه ونحن لأنفسنا، لقد خلقنا، ونحن ممتنُّون له جدًّا. ولكن لماذا نقوم بهذا العمل؟! فيقول للإنسان: يا عزيزي لماذا أقوم بهذا العمل؟! 

  • ـ لا تفعل، فنحن لا نقول لك حتمًا يجب أن تفعل، فأنت لست محتاجًا ولذلك تقول: يا عزيزي لماذا نقوم بهذا العمل؟! وأنت لست محتاجًا حتى صرت تقول: سيّدنا هل يمكن التقليل من هذا العمل. فنحن لسنا محتاجين، ولذلك نريد بطريقةٍ ما أن نجعل وضعنا في هذا المحيط وفي هذا الظَّرف وضعًا ممتازًا ومتميِّزًا ونعتبره كذلك، فالذي يكون محتاجًا لا يتحدَّث بهذه الطَّريقة. والَّذي يحتاج لا يتدلَّل. والَّذي يحتاج لا يقول: يا سيِّد لماذا هكذا ولماذا كذلك. فهو لا يتفوَّه بهذه الكلمات أصلًا. والذي يكون محتاجًا لا ينسحب جانبًا. ويقول: بما أنَّهم لم يطلبوا منّا هذا، فنحن بدورنا نجلس جانبًا حتَّى يأتوا هم ويطلبوا منّا. كلاّ ليس الأمر كذلك! فهذا يدلُّ على أنَّك لست محتاجًا. فأنت لديك دلالٌ بدل الاحتياج، والدَّلال هنا لا مكان له. والدَّلال هنا لا يُشترى، بالطَّبع فإن قليله لا بأس به يا عزيزي. فنحن لا نقول يجب أن نتعامل بخشونةٍ وعنفٍ وقسوة! لا نريد ذلك، فالقليل منه مقبولٌ. ولكن لكلِّ شيءٍ حدٌّ. فللطف والرحمة في السّلوك والمعاشرة تقتضي أحيانًا مثل هذه الأمور، ولكن إذا تحوَّلت القضيَّة إلى دلالٍ نفسانيٍّ، وتحوَّلت إلى واقعٍ نفسانيٍّ. فلا نريدها! ويكون الأمر قد صار مختلفًا. فيجب صرف الدَّلال في مكانٍ آخر، حيث يقبل دلال الإنسان. ولماذا لا يقبل هنا؟ لأنَّ الدَّلال هنا يضرُّ بالإنسان، يضرُّ بنفسه، ولأنَّ الدَّلال هنا يسبِّب ركود الإنسان وتوقُّفه، فيبقى في مكانه. والله يريد له الخير أيضًا ولا يريد الشرَّ. فقد دلّلنا الله بما فيه الكفاية. وقال: يا عبدي تعالَ إليَّ، وبابي مفتوحٌ لك، فمتى ما جئتَ قبلتُك، فإن أذنبتَ، فباب التَّوبة مفتوحٌ، فكلُّ هذا ما هو؟ فكلُّ هذا دلال، أليس كذلك؟! فمن يتحدَّث مع عبده ومرؤوسه بهذه الطَّريقة؟ لا يا عزيزي ، يقول كلمةً واحدةً للإنسان ويديرُ ظهره ولا يجيب بعد ذلك. فلانٌ قال لي هذه الكلمة، دعه الآن هو يأتي خلفي. فلانٌ قال لي هذه الكلمة، فلم يعد لي شأنٌ به. فلانٌ قال هذه الكلمة أنا لم أعد...، فنحن هكذا، فكلُّنا دلالٌ من رأسنا الى أخمص أقدامنا ونظنُّ أنَّه احتياجٌ، لا يا عزيزي! فليس الأمر كذلك، وفي النِّهاية هناك مشكلة عامّة مشتركة بيننا جميعًا، وقد دلّلنا الله بهذا المقدار من الدَّلال، لقد دلّلنا الله هذا المقدار وأكثر منه. فلو يعلم عبادي المذنبون كم أفكِّر فيهم، وكم أنتبه إليهم. وكم أنا أهتم بهم، لفعلوا هكذا؟! فلو يعلم أولئك الَّذين لا يُقبلون عليَّ كم أنا مُقبلٌ عليهم، وكم أتوجَّه إليهم، لما استطاعوا فعل شيءٍ من الخجل والحياء۱.

    1. المَحجّة البیضاء، ج ٨، ص ٦٢: «یا داود، لو یعلَمُ المُدبِرونَ عنّی کيفَ انتِظاري لَهُم و رِفقي بِهِم و شَوقي إلیٰ تَرک مَعاصیهِم، لَماتوا شَوقًا إليّ و تَقَطَّعَت أوصالُهُم مِن مَحبّتي! یا داود، هذه إرادَتي فِی المُدبِرينَ عنّي، فَکیفَ إرادَتي فِی المُقبِلينَ عَلَيّ؟! یا داود، أحوَجُ ما یکونُ العبدُ إليّ إذَا استَغنیٰ عنّي، و أرحَمُ ما أکونُ بِعَبدی إذا أدبَرَ عنّي، و أجَلُّ ما یکونُ عَبدي إذا رَجَعَ إلَيّ.»

أهمّيّة الشعور بالحاجة في السير والسلوك - ضرورة الرفيق السلوكي

6
  • كيف نتعامل مع نعم الله علينا؟

  • وورد في الرِّواية أنّه عندما يُؤتى بالعبد المؤمن المذنب يوم القيامة ويوقفه الله في مقام السُّؤال والحساب ويقول له: ألم أفعل لك هذا؟! أولم أفعل لك هذا في الدُّنيا؟! أولم أعطك هذه النِّعمة؟! فهناك ـ كما في الرِّواية ـ يطلب العبد من الله أن إلهي خذني الآن إلى جهنَّم، فأنا لا أطيق سؤالك هذا. أي أن تأخذني إلى جهنَّم أهون عليَّ؛ فإنه من شِدَّة الخجل ومن شِدَّة الحياء الَّذي يشعر به الإنسان تجاه وليِّ نعمته، سواء كان الله تعالى أو الأئمَّة عليهم السَّلام. ذات مرَّةٍ خرجت من فم المرحوم العلاّمة كلمةٌ عجيبةٌ ـ وأذكر أنَّها كانت في إحدى جلسات عيد الفطر في طهران حيث كان يتحدَّث ويخطب، وهي عبارةٌ ومسألةٌ عجيبةٌ، لا أعلم الآن هل تسجيلها الصَّوتيُّ موجودٌ أم لا؟ فلستُ مطَّلعًا. فكان يقول: لو جاء سيِّد الشُّهداء عليه السَّلام يوم القيامة وقال إنَّ هذه الأمور الَّتي وقعت لي، من ضربٍ وجرحٍ وقتلٍ ونهبٍ وأسرٍ وأمثال ذلك، ولم يبق هناك أيّة إساءة في العالم لم يفعلوها تجاه أهل بيت الإمام الحسين عليهم السَّلام، حقًّا وقاحةٌ لا يدري الإنسان ماذا يقول عنها. فالإنسان الملحد، والكافر يؤمن ببعض وجدانيَّاته، ولكن هؤلاء عديمي الإنصاف لم يتورَّعوا حتَّى عن طفل الإمام الحسين عليه السَّلام الرَّضيع ذي السِّتَّة أشهرٍ! فهذا عجيبٌ جدًّا. فبأيِّ قانونٍ؟! وبأيِّ مذهب؟! وبأيِّ دينٍ؟! فلو كان نمرًا يا عزيزي لما فعل شيئًا بالطِّفل، ولو كان ذئبًا لما فعل شيئًا. حسنًا، ما هذه المسألة الَّتي يمكن أن تكون؟ كان سماحته يقول هذا الأمر: لو جاء الإمام الحسين عليه السَّلام وقال يوم عاشوراء إنَّني من أجلكم قدَّمتُ عليًّا الأكبر، وإنَّني من أجلكم قدَّمتُ عليًّا الأصغر أيضًا. وإنَّني من أجلكم عرَّضتُ زوجتي وأطفالي والسيِّدة زينب وغيرهم لهذا التشرُّد، ومن أجلكم قدّمت وقدّمت... فلأجل مَن فعل الإمام ذلك؟ أمن أجل دين النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله، فأيُّ دينٍ؟! فهو بنفسه كان يعرف الدين، وهو نفسه لم يكن بحاجةٍ. بل من أجل أن يصل هذا الدِّين إلينا في هذه اللَّيلة، ليلة الأربعاء، قام الإمام الحسين عليه السَّلام وقدّم كلّ هذه التضحيات. وإلاّ فهو قد أدَّى واجبه، ولم يكن بحاجةٍ بعد ذلك، فيقول: أنا فعلتُ هذا الأمر، فماذا فعلتم أنتم؟! فما الجواب الَّذي لدينا لنقدِّمه؟! 

أهمّيّة الشعور بالحاجة في السير والسلوك - ضرورة الرفيق السلوكي

7
  • فهذه كانت عبارة المرحوم العلاّمة وهي عبارةٌ عجيبةٌ جدًّا. وكلَّما تذكَّرتُها يرتجف بدني! واقعًا ليفكِّر الإنسان؛ فنحن أخذنا الأمر بمزاحٍ شديدٍ، ونمرُّ بجانبه ونتحرَّك بهدوءٍ وطمأنينةٍ بالغةٍ. يا عزيزي، الإمام الحسين عليه السَّلام قدَّم عليًّا الأكبر من أجلنا. فعليّ الأكبر الَّذي لا يوجد له مثيلٌ في العالم، فهو تالي المعصوم. فلو لم يُستشهد عليُّ الأكبر لكان هو الإمام بعد الإمام الحسين عليه السَّلام، ولا شكّ في ذلك. فبماذا كان يختلف عن الإمام السجَّاد عليه السَّلام؟ بماذا كان يختلف؟ لا شيء، فقط تعلَّقت المشيئة الإلهيَّة بأن تصل الإمامة إلى الإمام السجَّاد عليه السَّلام، فتلك مكانةٌ لها محلُّها. وأمَّا من حيث الأخلاق والسُّلوك، فيقول الإمام الحسين عليه السَّلام إنَّنا كلَّما أردنا أن ننظر إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله نظرنا إليه۱، كان شخصيّة كهذه. فأخلاقه أخلاق النبيِّ صلَّى الله عليه وآله، وسلوكه سلوك النبيِّ صلَّى الله عليه وآله، وشمائله وصورته صورة النبيِّ صلَّى الله عليه وآله. 

  • وهل كان أبو الفضل عليه السَّلام قليلًا؟! واقعًّا هل كان قليلًا؟! فأبو الفضل عليه السَّلام كان شخصيّة إذا قال له سيِّد الشُّهداء عليه السَّلام: يا أخي، كان يقول بعدها: روحي فداك، فكان شخصيّة كهذه. فالإمام الحسين عليه السَّلام كان يخاطب أخاه هكذا. فهؤلاء لم يكونوا بائعي شمندر أو لبنٍ في الحيِّ، فهكذا كان أبو الفضل وعليُّ الأكبر ومسلمٌ وحبيبٌ والأصحاب و... نعم! ثمَّ يأتي ذلك الخطيب ويقول: يا حسين إن كنتَ قد قدَّمتَ واحدًا من عليّ الأكبر، فنحن قدَّمنا آلافًا من أمثال عليِّ الأكبر! ما شاء الله على هذه المعرفة! ما شاء الله على هذا! وليس مستبعدًا أبدًا، حيث يأتي المحدِّث النُّوريُّ، الحاج الميرزا حسين النُوريُّ في كتاب سلمان الفارسيِّ ليقول إنَّ مقام سلمان أعلى من مقام أبي الفضل عليه السَّلام! أيُّها الأحمق، على حدِّ قول المرحوم العلاّمة، مَن الَّذي قال لك أن تحكم على أبي الفضل عليه السَّلام؟! آلافٌ مثل سلمان الفارسيِّ يجب أن يكونوا كنَّاسي صحن أبي الفضل عليه السَّلام، وهذه ليست مبالغةً. فأين درجات التَّوحيد وسعة تجلِّي أسماء الله وصفاته في أبي الفضل عليه السَّلام وأين هي في سلمان؟! نعم! لقد وصل سلمان إلى مقاماتٍ، ولكن أين الكوب من البحر؟! وعندما يكون هو كذلك، فهذه الكلمات ليست مستبعدةً على كلِّ حالٍ من الآخرين.

    1. مناقب ابن شهرآشوب: ٣ / ٢٥۷ والبحار: ٤٥ / ٤٢: قالوا: ورفع الحسين عليه السلام سبابته نحو السماء وقال: «اللهم اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسولك، كنا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إلى وجهه، اللهم أمنعهم بركات الأرض، وفرقهم تفريقا، ومزقهم تمزيقا، واجعلهم طرائق قددا، ولا ترض الولاة عنهم أبدا، فأنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا.» 

أهمّيّة الشعور بالحاجة في السير والسلوك - ضرورة الرفيق السلوكي

8
  • تضحيات الأئمة من أجلنا ودلالنا نحن!

  • لقد سلَّمونا الأمر، وسيِّد الشُّهداء عليه السَّلام فعل كلّ هذا من أجلنا، والإمام زين العابدين عليه السَّلام عرَّض نفسه لهذا الوضع وهذه الحال من أجلنا، بحيث بقيت آثار جراح السَّلاسل على ظهره وقدميه حتَّى آخر عمره، حتَّى آخر عمره! والإمام الرِّضا عليه السَّلام من أجلنا تحمَّل ذلك التشرُّد والسمَّ والهلاك وكلَّ تلك المصائب من ذلك الخبيث وذلك الملعون وأمثاله. وكلُّ أئمَّتنا عليهم السَّلام فعلوا هذا من أجلنا، ثمَّ نأتي نحن الآن ونظهر الغنج والدلال! سيِّدنا هل يمكن أن يكون الأمر هكذا؟ سيِّدنا هذا يقول كذا، سيِّدنا ذاك يقول كذا، سيِّدنا إذا فعل هذا كذا فأنا لا أفعل، سيِّد إذا فعل ذاك... ! يا عزيزي ما هذا؟! ما هذه الفوضى؟! يجب التَّفكير في فقره واحتياجه، يجب على الإنسان أن يفكَّر في الاحتياج.

  • قصّة الرفيق المتدلّل في سفر همدان 

  • ذهبنا في إحدى الأسفار إلى همدان مع المرحوم العلاّمة برفقة بعض الأفراد، أذكر في ليلةٍ ما، قال أحد الرُّفقاء، لا أدري ماذا خطر بباله أو ماذا حدث له، أراد أن يتدلَّل على كلِّ حالٍ فقال: سيِّدنا ماذا حدث كلَّ هذه الفترة الَّتي كنَّا فيها في خدمتك؟ وإلى أين وصلنا؟

  • قال: ماذا أقول لك؟! إن أردت تفضَّل بالذِّهاب إلى مكانٍ آخر.

  • وعندما أخبرني بهذه القضيَّة في وقت لاحق قال: إنَّني تجمَّدتُ في مكاني، ما هذا الكلام الَّذي قلته للمرحوم العلاّمة؟! كنت قد قلت: كلُّ هذه الفترة الَّتي كنَّا فيها هنا، ماذا حدث في النِّهاية؟! 

  • فقال لي: لم يحدث شيءٌ، تفضَّلوا بالذِّهاب، مَن قال لكم أن تأتوا؟!

  • الدلال أم الاحتياج؟ أيهما يحكم علاقتك بالله؟

  • أحيانًا ومن منطلق الاحتياج يقول الإنسان أمرًا ما، ولكن لا يكون بهذا التعبير، ومن منطلق الاحتياج يطرح موضوعًا، عندها يجب أن يوضَّح له الأمر، وهذا لا عيب فيه ولا إشكال، ويجب أن يكون الأمر هكذا. ولكن أحيانًا يأتي البعض بحالةٍ من التوقُّع، بأنَّنا جئنا إلى هنا، فأين حصَّتنا؟! أين حقُّنا؟! إذن ماذا حدث؟! ففي نهاية الأمر نحن هنا ويجب أن يكون هناك حسابٌ، ففي النِّهاية نحن جئنا إلى هنا، وأنتم مدينون! فهذا ليس احتياجًا. فالاحتياج هو أن يُطأطئ الإنسان رأسه، ولا يشعر بأيِّ شيءٍ بينه وبين ربِّه سوى العجز واليأس والاضطرار والخجل والعبوديَّة، فهذا يصير احتياجًا. وعندما تحصل هذه الحالة، حينها يفتح الله بنفسه الطَّريق للإنسان، ويوضِّحه له، ويرشده إليه، ويحفظ الإنسان، ويثبِّته في هذا الاحتياج، ولا يسلبه منه، فلا يسلب منه هذا الاحتياج، والذين ليس لديهم إدراكٌ صحيحٌ للاحتياج، يأتون يومًا بهوى ويذهبون في اليوم الآخر. قبل أيَّامٍ قليلةٍ، يومين أو ثلاثة أيَّامٍ، كنتُ مع أحد الأصدقاء فسأل عن بعض الأفراد، قال: سيِّدنا هناك البعض كانوا موجودين في هذا المحيط ويتردّدون على هذه المجالس، ثمّ اختلف الوضع، فقلّ الارتباط بهمن فكيف حصل هذا؟! كيف صارت القضيَّة بهذه الكيفيَّة؟ 

أهمّيّة الشعور بالحاجة في السير والسلوك - ضرورة الرفيق السلوكي

9
  • قلتُ: إنَّ حقيقة الأمر وأصله أنَّني أنظر إلى نفسي، أي لو أنّني وضعتُ نفسي مكانهم لحكمتُ بهذه الطريقة، ولأبديتُ رأيي هكذا وأنّه هل أرى في نفسي احتياجًا أم لا؟ هل أرى احتياجًا في وضعي أم لا بل سمعت خبرًا ما وضجَّة وإشاعات ورأيت مجموعة من النَّاس، فقلت: لأكن موجودًا بينهم أيضًا، ولأر ما حقيقة الأمر، فلأكن موجودًا لبضعة أيَّامٍ أنا أيضًا. ثمَّ رأيتُ أنّ الأمر ليس كذلك يا عزيزي، فلا يوجد شيءٌ ولا خبر، وهذه الهيئة، وهؤلاء الذين يتردّدون ونحو ذلك من هذه الأمور، كلّها لا طائل منها، فلأنشغل بنفسي، فمثل هذه الأماكن كثيرةٌ. وأحيانًا لا يكون الأمر كذلك، بل يكون ذلك الإحساس موجودًا، وذلك الإحساس بالضَّعف والنَّقص والشَّقاء والعجز يكون موجودًا، و يظهر ذلك الإحساس بالفراغ والخواء والنَّقص والفراغ والضَّعف والعجز في الإنسان، ويشعر بهذا الأمر من داخله، فحينها لا يكون هناك تردّدٌ وتراخٍ وتشدُّدٌ ونحو ذلك، بل يطرق الإنسان كلَّ بابٍ، ويستخدم كلَّ وسيلةٍ لهذه القضيَّة.

  • لماذا لم يدّعِ المحاضر الوصاية بعد والده؟ ثلاثة أسباب وجيهة

  • سمعتُ أحدهم يقول إنَّه في ذلك المجلس الَّذي تحدَّثتُ فيه عن مسألة رحيل المرحوم العلاّمة وأنَّه لم يعيِّن وصيًّا بعده، نعم كان بإمكاني أن أتحدَّث مثل بقيَّة المتحدّثين، وكنتُ أجيد ذلك أفضل منهم، وأجيد فنَّ التَّلاعب بالكلام جيِّدًا، وأجيد عرض المسألة بطريقةٍ ترجِّح كفَّة الميزان لصالحي، ولديّ تجربةٌ في ذلك أيضًا، ولكن لماذا لم أفعل هذا بعده؟ أن آتي وأتحدَّث بطريقةٍ ذات وجهين، ولكن في النِّهاية يرجح جانبٌ واحدٌ؟ لماذا لم أفعل هذا؟ لسببين:

  • السَّبب الأوَّل: هو أنَّني لو فعلتُ هذا لكنتُ قد خنتُ أبي. فهو لم يقل لي أنت وصيِّي من بعدي ويجب أن تتولَّى رعاية تلاميذي، فلم يقل لي مثل هذا الكلام أبدًا. نعم، في أنَّه قال: لقد وصلنا إلى هنا وعليكم أن تواصلوا الطَّريق ونحو ذلك من هذه الكلمات فهذا كثيرٌ، وعاديٌّ، وهو لكلُّ الرفقاء، ولكلُّ الأفراد، فكلُّهم هكذا، وهذا لا يختصُّ بي. أمَّا أن يأتي ويقول لي تحديدًا: يجب أن تتولَّى الرِّعاية، فلم يكن شيءٌ كهذا. ولم يقل ذلك لأحدٍ آخر، إن قال أحدٌ ذلك فقد كذب، وهذا كذب صراحةً. وأنا بصفتي ابنه أقول هنا: إنَّ هذا كذبٌ محضٌ، لأنَّني ابنه، و ﴿لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾۱ (ضحك سماحته). فلا يمكن إخفاء شيءٍ عنَّي. ولو كان هناك كلامٌ لكنتُ أوَّل من يعلم به، إذن فهذا كذبٌ محضٌ.

    1. جزء من سورة آل عمران(٣)، الآية ٥.

أهمّيّة الشعور بالحاجة في السير والسلوك - ضرورة الرفيق السلوكي

10
  • وثانيًا: لو فعلت ذلك لكنتُ قد خنتُ الأصدقاء. لماذا؟ لأنَّني أغويتهم عن طريقهم. فهل أنا قيِّمٌ على الناس لأعيِّن لهم تكليفًا؟ يا فلان تعالَ إليَّ أو إلى هناك، فما علاقتي بذلك؟! فلكلِّ إنسان طريقٌ ولكلِّ إنسان تكليفٌ بينه وبين الله. وهو أعلم بنفسه وبربِّه، فما علاقتي بذلك؟ هل عيَّنني إمام الزَّمان عليه السَّلام قيِّمًا؟ وهل قال لي أحدٌ: يا فلانٌ تعالَ وافعل هذا؟ كلاَّ، والله وبالله وبحقِّ الإمام نفسه قسمًا لم يُكلَّف إليَّ مثل هذا التَّكليف من ناحية الإمام، كلاَّ، وأبدًا! فلا يوجد شيءٌ من هذا، ولم يقل مثل هذا الكلام أحد. فهذا هو السَّبب الثَّاني.

  • وثالثًا: كيف سأجيب الله غدًا؟ فهذان اليومان من الدُّنيا سيمضيان أيضًا، وسيمضيان بشكلٍ ما، فلماذا نقضيهما بطريقةٍ تجعل غدنا معلَّقًا؟ ولماذا يجب أن نقضيهما هكذا؟ ولماذا نتحدَّث مع النَّاس بطريقةٍ ملتوية توحي لهم بأنَّ الطَّريق هو هذا؟ 

  • أحيانًا لا يكون الأمر هكذا بل أقول: يا فلان أعطني هذا الماء، فيقول: هل قلتَ ماءً، فهذا هو الماء. وأحيانًا لا أذكر اسم الماء، فأقول: يا فلان أنا عطشان، ويبدو أنَّ هناك سائلًا في هذا الكوب، ولا أذكر اسم الماء، وأقول: هناك سائلٌ، وأعتقد أنَّه مفيدٌ لرفع العطش. فيقول: تفضَّل يا سيِّد، فأجيب: متى قلتُ أعطني ماءً؟ فيقول: أنت تقول أنا عطشان أوَّلًا، ثمَّ هذا الكوب أمامك ثانيًا، ثمَّ في هذا الكوب سائلٌ، فماذا هناك أكثر من ذلك؟! هل تريد أن يصبُّوه في حلقك؟ حسنًا ما الفرق بين أن تقول يا سيِّد أعطني هذا الماء، أو أن تقول هكذا وتلفّ وتدور وتلفُّ وتدور؟ فهذا عين طلب الماء، وهذا يصبح أسوأ من ألف تصريحٍ، فما الفرق؟! كلاهما واحدٌ. أن آتي وأتحدَّث بطريقةٍ، وأدير الأمر بطريقةٍ، وألعب بالعبارات بطريقةٍ تجعل الطَّرف الآخر يقول: أنا وليُّ الله. حسنًا قل من البداية أنا وليُّ الله. فلماذا آتي وأخدع النَّاس؟! فلأقل بصراحةٍ: أنا وليُّ الله وبعد المرحوم العلاّمة يجب أن أكون أنا، وأينما تذهب سيعذِّبك الله، وأينما تذهب هلاكٌ، وأينما تذهب ضلالةٌ، وأينما تذهب في جهنَّم. فيقول: حسنًا هذا هو المكان إذن. فلقد أغلقتَ عليَّ كلَّ الطُّرق وفتحتَ طريقًا واحدًا فقط. قل بصراحةٍ من الأوَّل يا سيِّد أنا هو، فلماذا تراوغ بعد ذلك؟ تديره هكذا وتقلّبه أخرى؟ 

أهمّيّة الشعور بالحاجة في السير والسلوك - ضرورة الرفيق السلوكي

11
  • هل هذان اليومان من الدُّنيا يستحقَّان؟ كم سنةً مرَّت الآن على وفاة المرحوم العلاّمة؟ عشر سنواتٍ أليس كذلك؟ لقد مرَّت عشر سنواتٍ، فنحن في عام ١٤٢٦هجري. لقد مرَّت عشر سنواتٍ كلمح البصر، فلنجلس الآن ونراجع عملنا، فماذا فعلنا في هذه السَّنوات العشر؟ ماذا فعلنا ؟ 

  • هل يجب على كل وليّ أن يعيّن وصيًّا؟

  • أنا في ذلك المجلس الذي شرحتُ فيه هذه المسألة ـ بالطَّبع ذُكر جزءٌ من هذه القضيَّة مع بعض التَّوضيحات في المجلَّد الثاني۱ فليطالعه الرُّفقاء، ولقد أوضحت المسألة هناك بشكل كامل، وأنهيتُ الموضوع، ولا يتصوَّر الرُّفقاء عند مطالعة هذه المواضيع أنَّني قلتُها من عندي، فكلُّ الجمل التي كتبتها في هذا الكتاب هي للمرحوم العلاّمة ـ وقلتُ هناك: أنَّ كلَّ وليّ من الأولياء [كانت له خصوصيّته...] ومعنى الوصيِّ هو كذا، هذا هو معناه الواقعي، وليس هناك دليلٌ على أنَّ وليَّ الله عندما يرحل عن الدُّنيا يجب حتمًا أن يعيِّن وصيًّا من بعده. كلاَّ، فكثيرٌ من أولياء الله لم يكن لديهم أوصياء، فالنَّاس أعلم بأنفسهم، وكلُّ واحدٍ يعرف نفسه، كلُّ واحد، بل الجميع. أليس هناك الآن في قم مجموعةٌ يدَّعون بعض الأمور؟! أليسوا موجودين في بعض المحافظات؟! أليسوا موجودين في بعض الدُّول الأخرى؟! إنهم موجودون، ويدَّعون أمورًا، ولا بدَّ أنَّ لهم آثارًا وتصرّفات وظهوراتٍ قد شوهدت منهم أيضًا. جيّد ، فتفضَّلوا. فبعض هؤلاء قالوا: حسنًا، بما أنَّ الأمر كذلك ـ وقد جاء بهذه الصَّراحة وقالها بهذه الكيفيَّة ـ فما الحاجة إذًا لأن نأتي إلى هنا؟! فلنذهب وشأننا.

  • لماذا نجتمع معًا رغم عدم وجود وصيّ؟

  • هذه هي المسألة. نحن الآن رفقاء وأصدقاء قد اجتمعنا وتجمَّعنا حول محورٍ وعلى أساس خطٍّ وعلى أساس نقطةٍ مشتركةٍ ووحَّدنا القلوب، ألم نكن ندرك هذه الأمور؟! هل أنتم فقط تدركونها؟! أم لا؟ فلماذا جئنا واجتمعنا معًا؟ لأنَّنا شعرنا بالاحتياج. لماذا لم يأخذنا ذلك الاحتياج إلى مكانٍ آخر؟! ولماذا لم نذهب إلى هيئاتٍ وتجمّعات أخرى؟! ولماذا لم نذهب إلى مجالس أخرى؟! ولماذا لم نجلس نستمع إلى حديث فلان وفلان؟! لماذا لم نشارك في دروس الأخلاق المنتشرة والشَّائعة في كلِّ مكانٍ؟! لماذا؟ لأنَّنا لا نرى أنَّ هذا الاحتياج يُلبَّى هناك، فهذه هي المسألة. فهذا الاحتياج وهذه الحاجة تتمُّ في متابعة مدرسة أولياء الله بهذه الكيفيَّة، وبما أنَّ الرُّفقاء والأصدقاء الذين رأوا المرحوم العلاّمة، قد توصَّلوا من وجهة نظر الاشتراك في المسير إلى تجربةٍ لا توجد في مكانٍ آخر، جاؤوا وقالوا: بما أنَّ الأمر كذلك، فلنكن معاً، جنبًا إلى جنبٍ على أساس تلك التَّجربة، فهل هذا أفضل أم أن يذهب كلُّ منَّا في سبيله؟ أيُّهما أفضل؟ أنا أسأل كم يساوي اثنان زائد اثنين؟! أربعة. هذا عاشر المرحوم العلاّمة لفترةٍ، وأنا أيضًا عاشرته، هذا سمع شيئًا منه وأنا أيضًا سمعتُ شيئًا منه، فهل الأفضل أن نكون معًا أم أن نفترق؟ إذا افترقنا، ألن يؤدِّي هذا إلى أن يأتي آخرون ليملؤوا مكان هؤلاء الأفراد؟ في النِّهاية الإنسان يريد رفيقًا، وعندما لا يكون هذا هو الرفيق، فسيأتي رفيقٌ آخر من مكانٍ آخر ليملأ مكانه. هل كان وجود هذا أكثر فائدةً لك أم وجود ذاك الرفيق الآخر الذي جاء وملأ مكانه؟ إن كان هو أكثر فائدةً، فلا مشكلة. نحن اجتمعنا على هذا الأساس فقط، لا أكثر، فقط على هذا الأساس ـ وقد ذكرتُ ما هي المسائل الأخرى التي لا علاقة لنا بها ـ فقط على هذا الأساس الأدنى، وهذا هو أقلُّ ما يمكن أن نقوله هنا، وهو أنَّ تلك التَّجربة وذلك الاشتراك في المسير الموجود بين هؤلاء الأفراد وهؤلاء الرُّفقاء الموجودين في هذه المجموعة وفي هذه المدرسة، هل هو أكثر فائدةً أم أن يجلس الإنسان جانبًا، ويسعى وراء أموره الخاصّة ثمَّ تأتي مسائل أخرى وأفرادٌ آخرون ليحلُّوا محلَّهم ثمَّ يتَّضح شيئًا فشيئًا إلى أين تصل الأمور وإلى أين تنتهي وكيف يمضي العمر بعد ذلك، في البطالة وفي الكلام الفارغ، فهذا الحدُّ الأدنى هو أقلُّ ما يمكن أن نقوله، هذا هو الحدُّ الأدنى للمسألة.

    1. كتاب أسرار الملكوت المجلس الثاني عشر ص ٥۱۷ ـ ٥٣٦. 

أهمّيّة الشعور بالحاجة في السير والسلوك - ضرورة الرفيق السلوكي

12
  • أهميّة اختيار الرفيق الصالح في السير والسلوك

  • قلتُ لو كنتُ مكان هؤلاء لما تركتُ هؤلاء الرُّفقاء، هذا منِّي. لو كنتُ في مقام اختيار الرَّفيق والصَّديق، هل كنتُ سأبحث عن شخصٍ في الشَّارع أو عن شخصٍ كان مع المرحوم العلّامة لسنواتٍ متمادية، مع المرحوم العلاّمة، ومع هؤلاء الرُّفقاء، وسمع أمرًا، ولومجرَّد أمرٍ واحدٍ. يأتي ويقول: كنَّا في يوم كذا عند ذاك الرجل العظيم وقال هذا الأمر. ألا يكفي هذا؟! أليس لهذا قيمةٌ؟! وهل هذا المقدار ليس له قيمةٌ؟! أليس كافيًا بهذا المقدار؟! الذي يقول: إذن وداعًا، بما أنَّ الأمر كذلك فقد ذهبنا، يتَّضح أنَّ هذا جاء حتَّى الآن على أجنحة الدَّلال، جاء على أجنحة الدَّلال ولم يأتِ بألم الاحتياج. فلو كان هناك ألم الاحتياج لقال: يا سيِّد لا بأس، فالسيِّد ليس لديه وصيٌّ، حسنًا فليكن ليس لديه. يا سيِّد ليس هناك وليٌّ بعده، فليكن ليس هناك. هل يجب حتمًا أن يكون هناك وليٌّ؟! مَن قال ذلك؟! مَن قال؟! فهل كان العلاّمة الطَّباطبائيُّ وليًّا للّه عندما كان المرحوم العلاّمة عنده تلك السَّنوات السَّبع؟!كلاَّ لم يكن، لم يكن. لقد ذكرتُ في الكتاب أنّه لم يكن. هل كان الشَّيخ عبَّاس القوجانيُّ وبقيَّة الأفراد أولياء للّه عندما كان هو في النَّجف تلك السَّنوات السَّبع؟! نعم هم أولياء الله بالمعنى الأعمِّ قليلًا، فهؤلاء في النِّهاية عملوا وكانوا صادقين، وكانوا أهل مراقبةٍ، وكانوا مقرَّبين، نعم، ولكن ليس ذلك الوليَّ الاصطلاحيَّ، ذلك الوليَّ الاصطلاحيَّ وأولئك الأولياء الاصطلاحيِّين لم يكونوا منهم، كلاَّ يا عزيزي، لم يكونوا، لم يكونوا! 

  • ولكن هل قال العلّامة: بما أنَّ الأمر كذلك، فلأذهب وشأني؟ ولا علاقة لي بالشَّيخ عبَّاس ولا بالسيِّد عبد الهادي الشِّيرازيِّ ولا بالسيِّد جمال الكلبايكانيِّ ولا بالشَّيخ محمَّد جواد الأنصاريِّ، فلا علاقة لي بأحدٍ، وكذلك لا علاقة لي ببعض الَّذين لن أذكر أسماءهم الآن، والذين كانوا على صلةٍ بهؤلاء جميعًا. فالآن، وبما أنَّ الأمر كذلك، فلا علاقة لي بأحدٍ فلأذهب وشأني، كلاَّ! ولو فعل ذلك لما استفاد شيئًا، ولا انتفع بشيء.

  • لو لم ترتبط بالسيِّد جمال الدِّين الكلبايكانيِّ، فهل سترتبط بذلك الملاّ فلان؟! في النِّهاية يجب أن يأتي أحدٌ ليحلَّ محلَّه، إذا أُغلق هذا الطَّريق فسيأتي آخر، إمَّا الجار أو زميل المباحثة أو لا أدري من، أو هذا، أو ذاك، فالإنسان مدنيٌّ بالطَّبع، أي أنَّ الشُّعور بالميل إلى بني نوعه هو من صميم ذاته. فما كان المرحوم العلاّمة يردِّده دائمًا من قوله: اختاروا أصدقاءكم من رفقاء الطريق، إنّما هو لهذا السَّبب. وعندما لا يختار الإنسان صديقه من الرُّفقاء، فسيأتي الشَّريك ليأخذ مكانه، ويأتي الجار ليأخذ مكانه، ويأتي زميل العمل ليأخذ مكانه، فهم من سيأخذون مكان هذا، ومَن هم هؤلاء؟! أهل الدُّنيا وأهل إضاعة الوقت والكلام الفارغ، وإن كانوا أناسًا جيِّدين فهم يصلُّون ويصومون ثمَّ يجلسون يتحدَّثون معًا ويقضون المجالس في اللَّهو واللَّعب، فنحن نرى ذلك. نحن نراهم في كلِّ مكانٍ بأنفسنا، نتحدَّث ونضحك ونحو ذلك، ثمَّ نصلِّي في أوَّل الوقت أو آخره ثمَّ ينتهي الأمر. كلُّ هذا الإصرار من المرحوم العلاّمة على أن تختاروا أصدقاءكم من رفيق الطريق، ومن الشريك في الطريق.

أهمّيّة الشعور بالحاجة في السير والسلوك - ضرورة الرفيق السلوكي

13
  • التعامل مع نقائص الرفقاء ونقائصنا!

  • وبالطَّبع، أقول هذا للرُّفقاء أيضًا، فلا يتصوَّروا أنَّه بمجرَّد أن يحمل الإنسان عنوانًا ما، تنتهي المسألة، كلا! فكلُّنا لدينا نقصٌ، وكلُّنا لدينا مشاكل، وبكلِّ صراحةٍ كلُّنا لدينا مشاكل، فالمسألة ليست مزاحًا، ابتداء منِّي أنا المتحدِّث وإلى الأصدقاء والرُّفقاء المستمعين، فكلُّنا لدينا مشاكل. ولا بأس في ذلك، فهل وجود المشاكل عيبٌ؟! نحن هكذا كما نحن، قيل: المال الرَّديء يبقى عند صاحبه. نحن عباد الله. ألا يقبلنا الله؟! لماذا؟! فلنكن ذوي مشاكل، هل نرفض العبد ذا المشاكل؟! وهل يجب أن يكون الجميع سلمان؟! وأن يكونوا سلمان وأبا الفضل عليهما السَّلام؟! لا يا عزيزي، الله يهتمّ بنا نحن أيضًا، ويهتمّ بنا كثيرًا. فلا تظنُّوا أنه لا يهتمّ بنا، فليس الأمر كذلك، وإمام الزَّمان عليه السَّلام يهتمّ بنا كثيرًا، مع هذه النَّقائص التي فينا، ومع هذا الضَّعف الذي فينا، ومع هذه الأمور، لماذا يهتمّون بنا؟! لأنَّهم عظماء، لأنَّهم كرماء، فهم ينظرون إلينا بكرمهم وبسعة صدرهم، لا بعيننا الضيِّقة، نحن إذا قال لنا أحدٌ: فوق عينك حاجبٌ، لا ننظر إليه طوال العمر. أمّا هم فليسوا كذلك، هم رؤيتهم مختلفةٌ من الأساس، وحالهم مختلفةٌ، وصفاتهم صفاتٌ إلهيَّةٌ، فالله لا يقاطع عبده، حتَّى يزيد ومعاوية، فالله لا يقاطعهما، فهم في النِّهاية عبادٌ أيضًا، ولكنّهم هم يقاطعون الله، أمّا الله فلا يقاطعهم. قال الإمام السجَّاد عليه السَّلام ليزيد: نعم، أنت أيضًا لو تبتَ لقبل الله توبتك. ولكنّه لم يعد يوفَّق بسبب أعماله التي فعلها، وهذه مسألةٌ أخرى. فالله يقبل التَّوبة.

  • كلُّنا لدينا مشاكل، ولكن محلّ الكلام هو أنّه هل نحن مع هذه المشاكل أفضل أم أفرادٌ آخرون لا علاقة لهم أصلًا؟! أيُّهما أفضل؟! فعندما نضع هاتين المسألتين في كفَّة الميزان، أيُّهما يرجح؟! أيُّهما يغلب؟! وعلاوة على ذلك، فكلُّ إنسان يأنس أكثر بذلك الَّذي ينسجم معه أكثر من حيث السنخيَّة، ومن حيث الأفكار، ومن حيث... لنفترض أنَّ الإنسان لديه مائة رفيقٍ، مائتا رفيقٍ، ولكنّه يتواصل بشكلٍ أعمق مع أربعةٍ منهم، يأنس بأربعةٍ منهم أكثر، فلا إشكال في ذلك. كان هذا موجودًا دائمًا، وفي زمن المرحوم العلاّمة أيضًا كان موجودًا. فالأنس الأكثر لا يطرد الرِّفقة، فالرَّفيق محفوظٌ في مكانه. وهناك رفيقٌ لا يفهم كلام الإنسان، أي أنَّ سعة فهمه أقلُّ، فمن المسلَّم ألاّ يتحدَّث الإنسان معه بهذا الكلام مع الحفاظ على الرِّفقة. فهل تقولون لطفلكم في البيت كلَّ ما تريدون؟! لا تقولون، لا يتحمَّل، تقولون ذلك لطفلكم الكبير ولكن لا تقولونه لطفلكم ذي الخمس سنواتٍ، فذاك لا يتحمَّل، وهذا يتحمَّل. سعة الأفراد في هذه المسألة متفاوتةٌ، وهذا لا يطرد الرِّفقة. ولكن أن نأتي ونقول إنَّ هذا كذا، وهذا لديه هذا العيب، يا عزيزي أنت لديك مائة عيبٍ أسوأ منهم. فهل فكَّرتَ في نفسك أنَّ العيب نفسه الذي تقوله عن الآخرين، يقوله الآخرون عنك أيضًا؟! فهل فكَّرتَ في هذا؟! أم لا بل بمجرَّد أن تصل القضيَّة إليك، تقول: كلا، أنا لستُ كذلك، أخطؤوا واشتبهوا، والعيب الذي أقوله عنهم صحيحٌ، أمَّا أنا فلا يلحقني عيبٌ أصلًا. أيُّها الرُّفقاء! النَّفس لا تسمح بأن نعيب أنفسنا، وهذا خطرٌ. ما نعتبره نقصًا في الآخرين، يتوجَّه إلينا عشرة أضعافه. ولكن لأنَّ النَّفس المباركة في مقام العزَّة والاستعلاء، وتعتبر نفسها مبرَّأةً ومنزَّهةً عن كلِّ شائبةٍ وعيبٍ، لذلك توجِّه كلَّ السِّهام نحو هذا؛ فهذا كذا، وذاك كذا، يقولون إنَّه يفعل كذا، وذاك يفعل كذا، وذاك يقول عنِّي هذا الكلام، وذاك يقول عنِّي هذا، وذاك يخطئ، وذاك لا أدري ماذا يفعل، أمَّا إذا نظرنا إلى أنفسنا قليلًا، فسنرى أنّ هذا الإشكال يرد علينا نحن أيضًا.

أهمّيّة الشعور بالحاجة في السير والسلوك - ضرورة الرفيق السلوكي

14
  • الإنصاف مع الرفقاء: هل نراه في أنفسنا؟

  • بما أنَّ الأمر كذلك، فلنأتِ بروح الرِّفقة ونقسِّم القضيَّة بالسويّة على الأقلِّ، فلا نقول إنَّ كفَّة الميزان كلَّها ترجح نحونا من حيث العيوب، أمَّا المحاسن فالحمد للّه كلُّنا محاسن من الرَّأس إلى القدم (يضحك سماحته). لا يا عزيزي! كان المرحوم العلاّمة يقول: أحد أصدقائه ـ لم يذكر اسمه وأنا أيضًا لن أذكره، فأنا أظنُّه أحدًا ما ـ تصوَّرَ أنَّه لم يعد لديه أيُّ عيبٍ وأيُّ نقصٍ ولا مشكلة، فقد انتهى أمره ووصل. و أحيانًا تحدث هذه القضيَّة للإنسان واقعًا، أي أنَّ النَّفس تشعر بأنَّها متكاملةٌ من حيث وضعها وحالها، وعندما تقارنهما بالآخرين، ترى نفسها في مرتبةٍ متكاملةٍ. وإذا كان لديه بعض الحالات والمكاشفات والتصرّفات أيضًا، فما أحسن ذلك! ما أحسن ذلك! 

  • ذات مرَّةٍ كنتُ في مكانٍ ما، وكان أحد الأفراد والذي هو من أهل التهجُّد وله حالات ومسائل كثيرة بحسب الظَّاهر، وأنا على صلةٍ به أيضًا وأتعامل معه، فقد كنتُ أتعامل معه وأحيانًا كنت أقول له بعض الأمور التي تخطر ببالي النَّاقص. ثمَّ كنت في مكانٍ ما، وأراد أن يمدح رجلاً، ولكن بمدحٍ لم يعجبني، فلم أستطع أن أحتمل، فقد كان هناك بضعة أشخاصٍ في مكانٍ ما، وذهبوا للحجِّ، وفي نفس غرفتهم كان هناك أيضًا طالب علمٍ سيِّدٌ، وكانوا أربعة أو خمسة في غرفةٍ واحدةٍ، وبالطَّبع هو من أهل التهجُّد أيضًا، فالتفت إلينا وقال: كان ذلك الطَّالب الَّذي رأيتموه ينام من اللَّيل حتَّى الصَّباح ونحن نوقظه قبل طلوع الشَّمس للصَّلاة، وكان هذا الرجل وقبل ساعتين من أذان الفجر مشغولًا بالتَّهجُّد والذِّكر والورد والابتهال حتَّى أذان الفجر. 

  • يا عزيزي! لماذا انتقدتَ مثل هذا الفرد؟! أوَّلًا، ذلك الرجل الَّذي نام حتَّى ذلك الوقت، لم يرتكب ذنبًا. فهل صلاة اللَّيل واجبةٌ؟! حسنًا لم يُرد أن يصلِّي صلاة اللَّيل. نعم، أداء صلاة اللَّيل مؤكَّدٌ جدًّا. يقول الإمام الحسن العسكريُّ عليه السَّلام: «لَیسَ مِنّا مَن تَرَکَ صَلوٰةَ اللیل»۱. والاستيقاظ قبل طلوع الشَّمس هكذا هو، وهناك تأكيدٌ كبيرٌ في الاستيقاظ بين الطُّلوعين، ولكن الكلام هو أنَّ هذا المسكين لم يؤدِّ هذه المستحبَّات. فلماذا يجب على الإنسان أن يأتي بهذه الطَّريقة ويمدح أحدًا ما بهذا الشَّكل بحيث يعود هذا المدح عليه هو أيضًا، فنحن كنَّا نصلّي معه أيضًا. فهذا الرجل كان يقوم قبل ساعتين، نعم وكنَّا نراه، ونحن أيضًا كنا نستيقظ، نعم! ما فائدة هذا؟! ما فائدة مدحه لهذا الرجل؟! فصلاة اللَّيل هذه تكون مؤثِّرةً في داخلك عندما لا ترى فرقًا بينك وبين ذلك الَّذي نام، حقًّا لا ترى. أنا لا أقول أن تراه أفضل منك، وهو ما يجب أن يكون. كلا، على الأقلِّ فلننصف، ولنساوِ بينهما. فلنوازن بين كفَّتي الميزان، ولنقل يا عزيزي بنفس المقدار الَّذي لديه من العيب والذي هو خمسون بالمائة، نحن لدينا مثله أيضًا، وبما أنَّ الأمر كذلك، فنحن كِلانا رفيقٌ للآخر، ونحن رفقاء لك ورفقاء لهذا أيضًا، وأنا أدعو لك وأنت تدعو لي، وأنا أعمل من أجلك وأنت تعمل من أجلي، ونجمعهما معًا في كشكولٍ واحدٍ، ونتقاسمهما معًا حتَّى يأتي الله والأئمة بعظمتهم ويجمعوا الملفَّ كاملًا ويغلقوه ويمرِّروه. فهذا ممكنٌ، وأحيانًا يحدث هذا أيضًا، فلا يفتحون الملفَّ، لأنَّهم لا صبر لهم على قراءته، فعملنا سيِّءٌ جدًّا (يضحك سماحته) لدرجةٍ أنَّهم يقولون: يا إلهي،لا نريد حتَّى أن نضيِّع وقتنا، يا عزيزي، حسنًا فأنتم مقبولون. فهم يفعلون مثل هذه الأعمال أيضًا، هم يفعلون مثل هذه الأعمال، ولكن ما يريدونه منَّا هو قليلٌ من الإنصاف، فيجب ألاّ نفقد هذا الإنصاف. ويجب ألاّ نفقد الابتهال، ويجب ألاّ نفقد المناجاة، ويجب ألاّ ندوس الحقَّ بأقدامنا، ويجب ألاّ ننسب الأمور لأنفسنا، ويجب ألاّ ننسب المسائل لأنفسنا، فكلُّنا لدينا عيوبٌ، وكلُّنا لدينا مشاكل يا عزيزي، ونحن نتحدَّث بروح الرِّفقة، إنّنا نتحدَّث بروح الرِّفقة. وحقًّا أقول ولا أمزح، وإن شاء الله لا يحمل الرُّفقاء هذا على التَّواضع؛ لأنَّني لا أتحدَّث في مقام التَّواضع، فلا يحملوه على التَّواضع أقول: كلّنا لدينا عيوبٌ بدءًا منِّي، والآخرون لديهم أيضًا، ولدينا أشياء جيِّدةٌ أيضًا، فليس الأمر أنَّنا نريد أن نحقّر أنفسنا، فلنحترم أنفسنا قليلًا، ولنُقدِّر أنفسنا قليلًا. فلا نريد أن نقول إنَّنا سيِّئون مائةً بالمائة، لا بل لدينا أشياء جيِّدةٌ أيضًا. ولكن تلك الأشياء الجيِّدة هي له أيضًا، فلننصف، فالأشياء الجيِّدة منه، والصِّفات الجيِّدة منه، والملكات الجيِّدة منه، ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾٢.فهذا الانشراح الَّذي تراه في ذهنك، هذا الانشراح نعمةٌ وهو من الله. وهذا الانبساط وهذا العطاء، وهذا الجود وهذه الرَّحمة وهذا العطف وهذه الرِّفقة وهذه الأخوَّة، ممّن هي؟! هي كلُّها من الله. فلننصف، وهم يأتون ويغمضون أعينهم أيضًا، ويغمضون أعينهم عن سائر الصفات، فيريدون منَّا الإنصاف. وأمَّا إذا قلنا إنّ النَّقائص للآخرين، ولأنَّ فلانًا فعل كذا، فأنا أيضًا أفعل هكذا الآن. فماذا يصبح هذا؟! هذا نسبة النَّقائص إلى الآخرين... .

    1. الكافي، الشيخ الكليني، الجزء الثالث، ص ٤٤٥، الحديث ١٣.
    2. (سورة النحل (۱٦) الآية ٥٣.

أهمّيّة الشعور بالحاجة في السير والسلوك - ضرورة الرفيق السلوكي

15
  • سوء الفهم في التواصل: هل اللوم على المتكلّم أم السامع؟

  • أحيانًا أتحدَّث مع بعض الرُّفقاء أو مثلًا أحدِّد موعدًا، ثمَّ يقولون: يا سيِّد أنت قلتَ هذا بنفسك. أقول: متى قلتُ هذا؟ ربَّما سمع كلُّ الرُّفقاء منَّا مثل هذا الكلام بشكلٍ أو بآخر، يقولون: يا سيِّد أنت حدّدت موعدًا، فأقول: يا عزيزي أنا لا أتذكَّر، وواقعًا لا أتذكَّر. ثمَّ أفكِّر في نفسي، حتمًا كان تعبيري وكلامي بطريقةٍ توحي إلى ذهن المخاطب بأنَّ هذا العمل يجب أن يتمَّ وهو ليس مخطئًا، وليس مقصّرًا. لقد عمل وفقًا لكلامي في حين أنّني لا علم لي بذلك أصلاً. مثلًا قال: سيِّدنا تفضَّل بزيارتنا غدًا ليلًا في منزلنا لنكون في خدمتك ونحو ذلك من هذا الكلام، فأقول: إن شاء الله، سأرى، على عيني، إذا سمحت الفرصة، سأخبركم أو إن شاء الله أتمنَّى ألاّ يكون هناك مانعٌ وبمثل هذا، ولكن لا أعده. فيفهم الطَّرف الآخر أنَّني وعدته. ثمّ يعدّ الطَّعام والعشاء ويتعب الأهل والعيال، نعم يا عزيزي؟ ألم يحدث لك مثل هذا؟ (ضحك من سماحته)

  • قصّة الوعد المنسي في طهران 

  • ذات مرَّةٍ في طهران كان من المفترض أن آتي من مكانٍ ما، من مشهد، واتَّفقنا مع أحدهم أن نلتقي في طهران في منزل فلان، وكان هناك مجلسٌ، وكنت سأذهب إلى هناك، وهو سيأتي أيضًا، ونعود معًا إلى قم من هناك، فجاء هذا الدُّكتور المسكين، وأنا نسيتُ الأمر تمامًا وكأنَّني لم أقل له شيئًا كهذا. ورجعنا من مشهد إلى طهران وبقيت نصف يومٍ ثمَّ جئت إلى قم وحدنا، أو ولا أدري مع مَن رجعت (ضحك سماحته)، وهو بدوره ذهب إلى طهران إلى المنزل المحدّد. وسأل عنّي هناك: أين السيّد؟ قالوا: نحن لا علم لنا أين هو! (ضحك سماحته) وأنا بدوري جئتُ إلى قم، وجلست واسترحت وكأنَّه لا يوجد من ينتظرني، فجأةً اتَّصل هو هاتفيًّا: 

  • سلامٌ عليكم. يا سيِّد أين أنت في طهران؟

  • قلتُ: يا عزيزي أنا في قم.

  • ـ في قم؟! ألم يكن من المفترض أن تأتي الى منزل فلان؟! (ضحك سماحته)

أهمّيّة الشعور بالحاجة في السير والسلوك - ضرورة الرفيق السلوكي

16
  • قلتُ: الويل لي، الويل لي، حقًّا لو انشقَّت الأرض وابتلعتني لكان ذلك لائقًا.

  • عجبًا! لقد نسيتُ الأمر تمامًا، ولم أتذكّر أبدًا، وكأنّ هذا الملفُّ كان فارغًا تمامًا، فلا شيء في ذهني، ثمَّ تذكرت أنّني كنت قد قلتُ له ذلك ووعدته. فماذا حدث؟ لا أدري. فالإنسان يَعِدُ صراحةً وينسى تمامًا، فما بالك بأن لا يَعِدَ، ولكن يكون كلامه بطريقةٍ يفهمها الآخر بنحو مغاير، فكم يحدث للإنسان أمثال ذلك، و كم حدث لي أنا شخصيًّا مثله مع الناس. ماذا يقول الناس؟ يقولون: يا له من رجلٍ عجيبٍ، لا يمكن الاعتماد على كلامه ولا على قوله ووعده، أمَّا أنا فماذا أتخيَّل في ذهني؟ حسنًا، هذا نسيانٌ، ولكن بالنِّسبة للطرف الآخر ليس كذلك. قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله أيضًا: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي تِسْعَةٌ الْخَطَأُ وَ النِّسْيَانُ...»۱. فالآخر يفهم بطريقةٍ أخرى؛ فماذا يجب أن يفعل؟ كما يحتمل أنَّ يكون الخطأ من الآخر، فليلقي جزءًا من اللَّوم على نفسه أيضًا. ربَّما تكون كيفيَّة كلامه قد أوجدت هذا الوهم لدى الناس. أقول إنَّ هذا حدث لي أنا شخصيًّا، فأنا أتحدَّث عن نفسي، وأنَّ كيفيَّة حديثي كانت بطريقةٍ جعلت المخاطب يفهم الأمر بشكلٍ مختلفٍ، وذهب المسكين ونفَّذه، والحال أننّي لا علم لي بذلك أصلًا. أقول: أنا لم أقل ذلك، فكان من المفترض أن أخبرك. وكان من المفترض أن أخبرك بنفسي، أمّا هو فقد فهمَ المسألة أنّها كانت مؤكَّدةً مائةً بالمائة، وكانت يقينيَّةً. فماذا يفعل؟ هذا هو الموضع الذي يجب على الإنسان أن يتغاضى فيه، هذا هو بالضبط. أي يقول:حسنًا فإنّ الطَّرف الآخر قد أخطأ، والخطأ ليس شيئًا مهمًّا. فكما يَنسب الإنسان الخطأ إلى المخاطب في وجدانه، ويقول: أنا لم أقل هكذا، هو فهم هكذا، كذلك يتلقَّى هذه الحالة النفسيّة للمخاطب تجاه نفسه، بأنَّ هذا الوهم الَّذي وقع فيه هذا الإنسان وهذا الفهم الخاطئ الَّذي فهمه هذا الإنسان، كان بسبب كيفيَّة كلامه هو، وربَّما كان سمعه ثقيلًا فلم يسمع بعض العبارات، ومن الممكن أن سمعه ضعيف فلم يسمع، وفاتته كلمةٌ واحدةٌ، ولو كلمةٌ واحدةٌ، وأحيانًا يفوته حرف واحد هو حرف "الواو" فيفهم الإنسان الأمر بشكلٍ خاطئٍ، فانظروا هذه هي القضيَّة، والمسألة هي أنَّنا يجب في علاقاتنا أن نجعل المسألة خمسين بخمسين على الأقلِّ، وأن نتعامل دائمًا مع رفقائنا ومع أصدقائنا على أساس جهة الاشتراك، وإلاّ إذا كان الأمر على أساس جهات الضَّعف؛ فيذهب هذا لشأنه وذاك لشأنه وأبقى وحيدًا، ويقال: الكلام ما قاله السيِّد ، الكلام ما قاله السيِّد، الأمر ما تفضّل به، الأمر ما تفضّل به، وهذا لا فائدة منه، فقولي أنا لم يعد له فائدةٌ؛ لأنَّني أنا أيضًا واحدٌ مثل الآخرين، فأنا أيضًا لا أختلف عنهم، ومن الجيِّد أن يصل الإنسان بنفسه إلى هذه النُّقطة وأن يعالج مشكلته بنفسه.

    1. الكافي، الشيخ الكليني، ج ٢، ص ٣٦٢، ح ٤: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي تِسْعَةٌ: الْخَطَأُ، وَ النِّسْيَانُ، وَ مَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ، وَ مَا اضْطُرُّوا إِلَيْهِ، وَ مَا أَخْطَئُوا فِيهِ، وَ مَا حَسَنَ، وَ الطَّيَرَةُ، وَ الْوَسْوَسَةُ فِي التَّفَكُّرِ فِي الْخَلْقِ، وَ الْحَسَدُ مَا لَمْ يُظْهِرْهُ بِلِسَانٍ أَوْ يَدٍ.» 

أهمّيّة الشعور بالحاجة في السير والسلوك - ضرورة الرفيق السلوكي

17
  • "العناية الباطنيّة" في السير والسلوك: هل ننتظر أم نبادر؟

  • الليلة كنتُ أنوي التَّحدُّث عن مواضيع أخرى، وهذه المواضيع التي ذكرت اللَّيلة جاءت كمقدِّمةٍ بنفسها، ويبدو أنَّ المصلحة كانت في أن أذكرها، فلم أكن أريد التَّحدُّث عنها أصلًا. المهمُّ هو أن يصل الإنسان بنفسه إلى هنا. كانوا يأتون إلى المرحوم العلاّمة، يا سيِّد نحن هكذا، فتفضَّلوا بعنايةٍ باطنيّة. كان يقول: اذهبوا وأصلحوا أنفسكم هكذا، فلا عناية باطنيّة في البين، لا وجود لهذه الأمور، أقول افعلوا هذا فاذهبوا وافعلوه ـ بالطَّبع سنتحدّث حول هذا الموضوع إن شاء الله ليلة الغد إذا أتاح الله الفرصة ـ . فلا عناية باطنيّة، ولا مساعدة باطنيّة، ولا لطف باطنيّ، ولا نظرةٍ باطنيّة. ألقِ نظرةً علينا أيضًا، كلُّ هذا مزاحٌ يا عزيزي! كلُّ هذه الكلمات مزاحٌ، أتريدون عناية، تفضَّلوا، لقد قلت الكلام المطلوب، وقد اعتنيت. فهذا كلُّ ما في الأمر. 

  • ـ ألقوا نظرةً!

  • ـ لقد ألقيت نظرةً يا عزيزي، فاذهب وافعل هذا العمل. وأنا بنفسي كذلك، والجميع كذلك بدءًا منّي وحتَّى الآخرين. يا عزيزي أتريد مساعدةً، حسنًا لقد فعلت، فماذا تريد أيضًا؟!

  • ـ تعالوا وأنقذونا! 

  • ـ لا، فهذا ليس عملي أنا المسكين الفقير البائس المليء بالتَّقصير، ولا الوالد فعل هذا، ولا أستاذه فعل هذا، ولا الإمام فعل هذا، ولا النبيُّ صلَّى الله عليه وآله فعل هذا، فلم يفعل أحدٌ هذا، أبدًا. فلو كان من المفترض أن يفعل أحدٌ هذا، لكان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله قد فعل هذا بأبي سفيان ويزيد وهؤلاء. أمَّا إذا قال أحدٌ: سيِّدنا هؤلاء لم يكن لديهم احتياجٌ، وأنت تقول: يجب أن يكون هناك احتياجٌ. 

  • فأقول: إذا كان لدى أحدٍ احتياجٌ فلن يأتي ليتحدَّث بهذه الطَّريقة، وعندما أقول: يا عزيزي افعل هذا العمل، ينتهي الأمر. بعد ذلك ما معنى كثرة الاتِّصالات الهاتفيَّة؟! حسنًا، لقد قلت مرَّةً واحدةً، يا عزيزي مسألتك هي هذه، والمشكلة أيضًا هي هذه. فوداعًا، هذا هو الأمر. ولا شيء بعد ذلك. وقد كنَّا في زمان المرحوم العلاّمة هكذا وهكذا تعلَّمنا، وهكذا هي القضيَّة. فما معنى أين يكون هناك حسابٌ خاصٌّ وعناية؟!

أهمّيّة الشعور بالحاجة في السير والسلوك - ضرورة الرفيق السلوكي

18
  • قصّة التلميذ الذي طلب "النظر" من السيد الحداد 

  • كنتُ حاضرًا بنفسي في مجلس السيِّد الحدَّاد، وذلك الذي ذكر المرحوم العلاّمة اسمه في الكتاب وكان يتجاسر ولا يتأدَّب، كان هو نفسه يقول للسيِّد الحدَّاد: يا سيِّد هذا الأمر الَّذي تقوله أنا لا أستطيع فعله، فأين ذهبت النَّظرة الباطنيّة والرعاية وأنّه يجب في بعض المواضع النظر والاهتمام الباطنيّ؟!

  • هل تعلمون ماذا قال السيِّد الحدَّاد؟ قال: لو لم تكن تستطيع فعله، فلماذا أمرتك به؟! هل قلتُ هذا الكلام للجدار؟! إذن أنت تستطيع، ولكنك لا تريد. إمَّا أن يكون هذا مخطئًا أو ذاك مخطئًا. إمَّا أن يكون هذا يقول الصَّواب بأنَّ بعض الأشياء حقًّا لا يمكن فعلها بل يجب النَّظر والعناية ـ بالطَّبع يوجد مثل هذا الأمر ولكن ليس هنا، ذاك يتعلَّق بمسائل أخرى، ذاك يتعلَّق بمقامات أخرى ولا علاقة له بهذا المقام، ولا أريد أن أشغل أذهانكم بلا داعٍ، فتلك أمورٌ أخرى، أمّا في هذا المقام الَّذي نتحدَّث عنه فلا وجود لهذه الأمور ـ فإذا قال السيِّد الحدَّاد قم بهذا العمل وهو لا يستطيع فعله، فسيكون السيِّد الحدَّاد قد قاله لنفسه، وتحدَّث مع الجدار! أو أن نقول إنَّ السيِّد الحدَّاد قال من جانبٍ افعل ومن جانبٍ آخر منعه من الباطن! عجيب! وهل السيِّد الحدَّاد ـ نعوذ بالله ـ مريضٌ ليقول يا عزيزي قم بهذا العمل ثمَّ يمنعه من الباطن ويضع عائقًا، ويضع مانعًا فلا يفعله ذاك؟! أنا لم أعهد منهم مثل هذه المسائل. فإذا كان كلام السيِّد الحدَّاد صحيحًا، فيجب عليك أن تفكِّر في نفسك لترى أين الخلل عندك؟! أين الخلل؟! 

  • فعندما يقول السيِّد قم بهذا العمل، وأنت لا تذهب وتلقي باللَّوم على قدمك وتقول إنّها لا قدرة لها على الخروج من هذه الغرفة، وعلى الخروج من هذا المنزل، فلو شئت لأعطيتَ قدمي قدرةً. أقول لك: هل أنت روبوت ليضع السيِّد الحدَّاد فيك قرصًا مدمجًا بواسطة الكمبيوتر ويحرِّكك؟! كيف تدّعي هذا والحال أنّك عندما كانت بطنك تؤلمك وكنتَ تتلوَّى من الألم، كنتَ تذهب فورًا وتشتري الدَّواء من الصَّيدليَّة؟! لماذا؟! كيف تحرَّكت قدمك هناك؟! وكيف جاءت القدرة في قدميك هناك؟! ألأنَّ بطنك تؤلمك؟! ولكنك لا تعطي كلام السيِّد الحدَّاد تلك الأهمِّيَّة. فالنَّفس ووفقًا لهواها، تلقي بالذَّنب والعبء وكلَّ شيءٍ على رأس السيِّد الحدَّاد. وتقول: لا أقدر، ولأنَّني لا أملك القدرة فمن الواضح أنَّك أنت لا تريد. فيقول السيِّد الحدَّاد: أنت لا تريد. 

أهمّيّة الشعور بالحاجة في السير والسلوك - ضرورة الرفيق السلوكي

19
  • ـ أنا لا أستطيع. 

  • ـ لا تستطيع؟! فكيف ذهبتَ واشتريتَ الدَّواء لألم بطنك من الصَّيدليَّة؟! كيف؟!

  • هنا يتَّضح أنَّ السيِّد الحدَّاد قال الصِّدق، قال الصِّدق. فماذا يعني ألقوا نظرةً وعناية؟! النَّظرة تعني هذا، تعني عضّ على الجراح. هذا معنى النَّظرة، عضّ على الجراح، وتخلّ عن رغباتك وما تحبّ، وابذل دم القلب، وحينها انظر هل ستمشي أم لا؟! انظر هل أساعدك أم لا؟! حينها انظر هل تحصل على شيءٍ من هذا الذهاب أم لا؟! فإن لم تحصل على شيءٍ، فقل حينها: يا سيِّد لم أحصل على شيءٍ. أمّا أنّك جلستَ ولم تتأدَّب ولم تحترم، وأردتَ أن تلقي بالعبء كلَّه على كتفه، في حين أنَّ الطَّريق ليس هذا، الطَّريق ليس هذا، بل الطَّريق هو التَّأييد من الباطن مع اهتمام الشَّخص بنفسه، فهذه هي القضيَّة.

  • التفكّر في النفس: كيف نكشف خداعها حتّى في الخلوة؟

  • حسنًا، مهما تحدَّثنا يبدو أنَّ الأمر يطول، أفلا يقول الرُّفقاء كفى؟! إن شاء الله يوفِّقنا الله، وبحمد الله كلُّ الرُّفقاء أهل فهمٍ وإدراكٍ وحميَّةٍ ومطلبٍ، وهذا سبب أنسنا واجتماعنا وائتلافنا. الجميع يعلمون أنَّه في مثل هذه المسائل والمواضيع، لا يوزِّعون خبزًا وحلوى. إذن من الواضح أنَّ الجميع لديهم ألمٌ وربَّما يكون ألمهم أكبر من ألمي. فالجميع يبحثون عن الاستفادة المعنويّة، والجميع يبحثون عن الدَّواء، والجميع يبحثون عن العلاج، يبحثون عن العلاج، ولكن العلاج له طريقٌ. فعندما تذهب إلى الصَّيدليَّة، لا تقول أعطني هذا وهذا وتطلب أوَّل دواءٍ إلى آخره، بل يسألونك: ما هو مرضك؟ تقول: أنا مريضٌ وأريد أن آخذ الدواء، مثلاً ذاك الدواء الأوّل، يقولون: إذا تناولت هذا الدواء الأوَّل ستموت (يضحك سماحته)، فقل أنت ماذا تريد؟! ثمَّ هناك دواءٌ ضعيفٌ، وهناك دواءٌ قويٌّ، وهناك جرعةٌ محدَّدةٌ، فالقضيَّة لها حسابٌ. وكلّ هذه الأمور التي ذكرتها لكم قالها الأعاظم، ولكن أنقلها لكم عنهم، وإلاّ فالمسألة هي مسألتهم، والمواضيع هي مواضيعهم. وإن شاء الله نأمل أن يحصل لنا بتأييد الله وتوفيقه من ناحيته، معرفةٌ بأنفسنا وبمآخذنا وإشكالاتنا وصفاتنا. فالمرحوم العلاّمة كان يجعل أحد البرامج للأفراد هو التوجُّه والتفكُّر، ومعناه هو هذا يا عزيزي، فالتفكُّر في ماذا؟! التفكُّر في اللَّبن والخيار؟! أم التفكُّر في الآلام الموجودة فينا ونحن نلقي السِّتار على أنفسنا بأنفسنا، نجلس ونلقي الستار. 

أهمّيّة الشعور بالحاجة في السير والسلوك - ضرورة الرفيق السلوكي

20
  • وسأقول هذا للرُّفقاء: فحتَّى في الخلوة، النَّفس لا تكفُّ عن نفسها أيضًا، وليس فقط أمام النَّاس، فعندما تتفكّرون ـ فتجربتها لا تحتاج إلى مؤونةٍ كبيرةٍ ـ اذهبوا وأغلقوا باب الغرفة، اجلسوا وانظروا ما هي العيوب التي لديكم؟ ترون أنَّ أنفسكم تتستر عن نفسها، فما هذه الأعجوبة التي خلقها الله بحيث لا تريد أن توضِّح لنفسها ألمها! في الخلوة على الأقلِّ يجب أن توضِّح، فالآن لا يوجد أحدٌ ليفضحني، حتى أعدَّها أمامه (يضحك سماحته). بعض الأفراد كانوا يشهّرون بأنفسهم ـ بالطَّبع نحن لا نقول هذا، فهذه الطَّريقة ليست صحيحةً ـ بعض الأفراد لكي يصفعوا النَّفس، يصفعونها ويسحقونها ويهشمونها، فأحد البرامج التي كانوا يعطونها لهم هو هذا: إنّ العيوب التي تعرفها في نفسك بينك وبين نفسك، اكتبها على ورقةٍ وتعالَ غدًا وأرِ هذه العيوب لرفيقك. فهل نفعل مثل هذا العمل؟! فنأتي بيننا، ونقول: لديّ هذا العيب وهذا وهذا، فنقول هذه العيوب بيننا. وما هي العيوب التي لدينا؟! ما هي النقائص التي لدينا؟! وما هي المشاكل التي لدينا؟! بالطبع هذا العمل ليس صحيحًا أي في منهج المرحوم العلاّمة وهذه المدرسة لا وجود لهذا البرنامج، فلهذه المسألة تبعاتٌ. 

  • فليس صحيحًا! ولكن على الأقلِّ نأتي بيننا وبين الله وننتزع الذريعة من هذه النَّفس، ونأخذ الحجَّة منها، وحقًّا نقيّم أنفسنا لأنفسنا، نقيمها لأنفسنا.

  • دقّة المحاسبة الإلهيّة: قصّة تذكرة الطائرة الضائعة 

  • بالأمس حدثت لي قضيَّةٌ، لي أنا شخصيًّا. حدثت قضيَّةٌ كانت مثيرةً للاهتمام جدًّا بالنِّسبة لي (يضحك سماحته). بدأتُ أفكِّر بعد ذلك فيها، ما الَّذي حصل! تشرَّفت بزيارة مشهد ليومين أو ثلاثةٍ ـ أريد أن أقول هذا للرُّفقاء لنرى كم هو الأمر دقيقٌ ـ تشرَّفتُ بزيارة مشهد لثلاث ليالٍ، لتقبيل عتبة عليِّ بن موسى الرِّضا عليهما السَّلام، ثمَّ هناك وعند العودة حدثت مسألةٌ بسببها لم آتِ مباشرةً إلى طهران، بسببها ذهبتُ بالأمس صباحًا من مشهد إلى شيراز، وعدتُ البارحة ليلًا من شيراز إلى طهران، وبسبب مسألةٍ ما. فالتَّذكرة التي أُخذت لي في مشهد كانت من مشهد إلى شيراز ثمّ إلى عبّادان. أي أنَّ المسافرين الَّذين كانوا في الطَّائرة ينزلون في شيراز ويذهب بقيَّة المسافرين إلى عبّادان، وأنا نزلت في شيراز، نزلت بالأمس صباحًا، وفي الصَّباح الباكر أيضًا. وعند النُّزول قالوا: إنَّ الَّذين يريدون النُّزول يجب أن يُظهروا تذاكرهم حتَّى لا ينزل أحدٌ بالخطأ. فقلتُ في نفسي: ما معنى إظهار التَّذكرة؟! فهل هناك من سيطلب منِّي التذكرة مثلًا، فما معنى هذا الأمر؟! وأنا بدوري أخرجتها وأعطيتها لذلك الموظّف، ذلك الموظّف الَّذي كان يقف جانبًا، خارج الطَّائرة وينظر إليها وكان لديه شيءٌ، وعندما استرجعت التذكرة التي أخذها منّي، أخذتها بحالةٍ من عدم المراعاة لشأنه، فمراعاة الشأن كانت تقتضي أن أقف حتَّى ينظر هو تمامًا ثمَّ آخذها، ولكنّي أخذتها بحالةٍ من عدم الاكتراث قليلًا في نفسي تجاهه. مثلًا مددت يدي، وربَّما انتبه المسكين أو لم ينتبه، فكان ذاك مشغولًا بالبقيَّة، وربَّما لم ينتبه لهذه القضيَّة أيضًا بأنَّني أخذتها، فأخذتها ووضعتها في الحقيبة. والبارحة عندما أردت المجيء مع أحد الرُّفقاء والأصدقاء الَّذين كنَّا معهم هناك، قال: إنّهم يقبلون أن تعود بنفس هذه التَّذكرة التي لديك ولو لبعد بضعة أيَّامٍ أخرى، لأنَّه لم يكن هناك مكانٌ ونحو ذلك، فقال: إذا وجد مكانٌ بها فسيقبلون أن تعود. فأعطِني التَّذكرة نفسها، وأنا سأقوم بذلك وتعود إلى طهران، ففتحت الحقيبة، فرأيت أنَّ التَّذكرة ليست موجودةً، فأنا وضعتها في الحقيبة، وضعتها في هذه الحقيبة. بحثت في هذا الجانب، ومن الدَّاخل، ثمَّ تبيَّن أنَّ حقيبتي هذه لها جيبٌ على جانبها، وليس لها جيبٌ من الأمام، فهي مستويةٌ أي إذا أدخلتَ يدك تخرج من الجانب الآخر. فلا يوجد شيءٌ، ووضعتُ هذه التَّذكرة هكذا من الأمام، فبمجرَّد أن وضعتها، سقطت هناك من الأسفل، وسرتُ في طريقي وجئتُ! فذهبت تلك التَّذكرة وانتهى أمرها (ضحك سماحته). ثمَّ رجعت البارحة إلى قم، وقد اشترى لي تذكرةً جديدةً أيضًا، فاشترى مجدَّدًا تذكرةً أخرى، فتلك قد ضاعت أصلًا، حتَّى عندما ذهب وسأل، قالوا: لا لم تأتِ معلوماتٌ كهذه، ربّما أخذها غيره، وهو سيستفيد أيضًا. فالله أراد له خيرًا (ضحك سماحته). فجلستُ أفكِّر في نفسي ما سرّ القضيَّة، فقلتُ: هذا بسبب أنَّك تعاملتَ معه بعدم اكتراثٍ، وأعطيتَه البطاقة بحالة عدم اكتراثٍ، فالله جعل يدك بدل أن تضعها في جيب الشنطة، وضعتها في الجيب الَّذي قعره مثقوبٌ. لقد قال الله: تفضَّل (ضحك سماحته). وبينما دخلت هذه اليد في ذلك الجيب، ظننّت أنَّني وضعتها في نفس الجيب الذي يُفترض أنَّه جيب، فذلك الموظّف الذي يقف الآن عند باب الطَّائرة، ما ذنبه؟! فهو يؤدِّي واجبه، وهو عبدٌ للّه، عبدٌ للّه، انظروا هو عبدٌ للّه، يقف ويؤدِّي واجبه، وقد قيل له افعل هذا العمل، فيجب أن ينظر إلى هؤلاء ويتحقَّق منهم ويفعل ما يلزم حتَّى لا يكون هناك أحدٌ قد نزل بالخطأ. وأنت في وضعٍ كهذا، ما علاقته هو بذلك؟! هو يقول: أنا موظّف، والموظّف يجب أن يؤدِّي عمله، يؤدِّي واجبه، فلماذا تعاملتَ معي بعدم اكتراثٍ؟! الله أيضًا يقول: لماذا تعاملتَ معه بعدم اكتراثٍ؟! فأنت معمَّمٌ، فلا ترتكب مخالفةً، ما علاقته هو بذلك؟! فهو يؤدِّي تكليفه، وهو لا يعلم الغيب بأنَّك لا مشكلة لديك. مثلًا ليس لديك قصد سيّء، ولا تريد الإخلال، ومن هذه المسائل الأمنيَّة الموجودة طبعًا. فلماذا نظرتَ إلى عبدٍ من عبادي بنظرة عدم اكتراثٍ بهذه الطريقة؟! فتحمَّل وتفضَّل، هذه التَّذكرة التي يجب أن تذهب إلى هناك، تسقط على الأرض. ويجب أن تتفضَّل وتذهب مرَّةً أخرى لتأخذ تذكرةً جديدة. فالمسألة دقيقةٌ جدًّا، والأوضاع دقيقةٌ جدًّا، يضعون أعمال الإنسان تحت المجهر، وبمجاهرهم هم لا بهذه المجاهر، فمجاهرهم التي تستخرج الشعرة من العجينة. ويستخرجون الذرَّة ويميّزونها ويقولون: هذا لهذا، وهذا لذاك. تعاملتَ مع عبدنا بعدم اكتراثٍ، فلماذا فعلتَ هذا؟! وتبتُ في نفس المكان، واقعًا تبتُ واستغفرتُ وقلتُ: إلهي أنا جاهلٌ ولم ألتفت، ولن أكّرر هذا العمل بعد الآن. فعندما يكون هناك موظّفٌ ويطلب منك هذا، ويطلبه بشكلٍ صحيحٍ، وليس مخالفًا لعمله، فيجب أن تقف بشكلٍ صحيحٍ حتّى ينظر ثمَّ تذهب، فهل التفتّم؟! 

أهمّيّة الشعور بالحاجة في السير والسلوك - ضرورة الرفيق السلوكي

21
  • إن شاء الله نأمل أن يمنحنا الله تعالى معرفةً بأنفسنا ومعرفةً بآلامنا ومعرفةً بضعفنا ومعرفةً بطريقنا، وكذلك همَّةً للسَّير على ذلك الطَّريق، وأن يأخذ بأيدنا ويوصلنا هو بنفسه إلى المقصود إن شاء الله.

  •  

  • اللَّهُمَّ صلِّ على محمَّدٍ وآلِ محمَّدٍ