24

العرفانُ مدرسة الدساتير الإلهيّة لا غير

أجوبة على أسئلة ورسائل

241
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمالمرأة والأسرة

المجموعةالمرأة والأسرة - قم


التوضيح

قسّم سماحة السيّد محمّد محسن الطهرانيّ (قدّس الله سرّه) هذه المحاضرة إلى قسمين، الأوّل منهما تناول فيه طبيعة الدساتير في مدرسة العرفان، الّتي هي دساتير إلهيّة لا محلّ فيها لمطارح الأنظار الشخصانيّة والنفسانيّة، ووضّح أنّ عدم التزام السالك بهذا الأمر هو سبب حرمانه مِن بعض فيوضات الأولياء والعظماء، وهو يؤثّر سلبًا على سلوك بقيّة الأفراد أيضًا. أمّا القسم الثاني فخصّصه للإجابة عن الأسئلة والرسائل، والّتي اشتملت على موضوعات مختلفة معرفيّة وفقهيّة وسلوكيّة واجتماعيّة، ويمكن ملاحظة عناوينها العامّة في فهرس المحاضرة.

/۲٩
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

العرفانُ مدرسة الدساتير الإلهيّة لا غير - أجوبة على أسئلة ورسائل

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • العرفانُ مدرسة الدساتير الإلهيّة لا غير

  • أجوبة على أسئلة ورسائل

  •  

  • المرأة والأسرة – قم – الجلسة ٢٤ 

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني 

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

العرفانُ مدرسة الدساتير الإلهيّة لا غير - أجوبة على أسئلة ورسائل

2
  •  

  •  

  • أعوذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم

  • بسم الله الرحمن الرحيم

  • وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمّد

  • وعلى آله الطيّبين الطاهرين

  • واللعنة على أعدائهم أجمعين مِنَ الآن إلى يوم الدين

  •  

  •  

  • تقدّم الحديث في المجالس السابقة عن كيفيّة السلوك، وعن طبيعة الطريق الّذي رسمه الله للجميع، حتّى يتمكّنوا بطيّه مِنَ الوصول إلى مراتب المعرفة والكمال ومِن أجل العبور عن النفس والأهواء. ويتركّز الحديث بشكلٍ خاصّ على الأمور الّتي تهمّ السيّدات وعلى ما رسمه الله لهنّ في هذا الشأن، إذ نسعى في هذه المجالس أن يكون أكثر خوضنا هو في المسائل الّتي تخصهنّ والمشاكل الّتي تعترض طريقهنّ، مع كون الأمر يشمل الرجال أيضًا بلحاظٍ عامٍّ وبلحاظ الملاك الواحد الكلّي، فالرجال يشتركون في هذه القضايا [مِن تلك الجوانب] مع النساء.

  • لقد تمّ التأكيد مرارًا على أنّ الهدف مِن إقامة هذه المجالس – كما يلاحظ ذلك الرفقاء أنفسهم – هو بيان المطالب الّتي تساعد على فتح الطريق أمام الإنسان، وعلى إزالة كلّ شكّ وشبهة، ونقل ما جاء عن العظماء بدون أيّة زيادة أو نقصان، حتّى لا تقع الخيانة في النقل بمشيئة الله وتوفيقه. وعلى الأفراد بطبيعة الحال أن يلتزموا ويتعهّدوا بالالتزام بالمسائل الّتي تُطرح هنا.

  • العرفانُ مدرسةُ الدساتير الإلهيّة لا غير

  • السير والسلوك هو طريق الالتزام بالمباني الإلهيّة

  • دخلت على المرحوم العلّامة يومًا، فوجدته ممتعضًا مِن أمرٍ ما، يبدو أنّ شخصًا قد جاءه فتبادلا الحديث، فتأثّر لذلك، ولكن عندما دخلتُ الغرفة، لم يكن ذلك الشخص موجودًا، فالتفت إليّ المرحوم العلّامة وقال: كيف علَيَّ أن أتعامل مع هؤلاء الناس؟! فمِن جانب، هم الّذين يأتون ويضعون أنفسهم تحت اختيارنا، فنتعامل معهم وفقَ ما فرضه الله مِن تكليف على البصير مِنَ الناس، ونبيّن لهم ما فيه خيرهم وصلاحهم، ومِن جانب آخر، تراهم يأتون ويعترضون على كيفيّة تعاملنا معهم، فيقولون: لماذا يجب أن يُطرح هذا الموضوع بهذا الشكل؟! ولماذا توجه خطابك لي أنا؟! ولماذا تكلّفني بهذا الأمر ولا تكلّف غيري به؟! وبما أنّ ظروف فلان هي نفس ظروفي، فلماذا لم تأمره بما أمرتني به؟! وأمثال هذه الاعتراضات الناشئة طبعًا مِن استنكاف النفس واستكبارها عن قبول المطالب الّتي تُطرح عليها.

العرفانُ مدرسة الدساتير الإلهيّة لا غير - أجوبة على أسئلة ورسائل

3
  • فالمرء: إمّا أن لا يأتي إلى هنا مِنَ البداية، فيختار بنفسه الطريق الملائم له، وإمّا أن يرفض هذه المطالب مِنَ الأوّل، فيكون تكليفه حينئذٍ واضحًا، وستجري الأمور معه بشكل آخر، فيستمر في أداء صلاته وصيامه، وله أن يتّبع مَن يوافقه على تحقيق نواياه ووجهات نظره، وإن لم يحصل هذا التوافق، يمكنه أن يرفض ويمتنع عن التطبيق. أمّا مَن يأتي إلى هذا الطريق – الّذي هو على خلاف ما ذُكر مِن حالات – وهو مذعنٌ ومعتقدٌ بصحّة الطريق وما يُذكر فيه مِن مطالب، [وهو مستعد] للالتزام بمبانيه، فهذا سيوجب عليه تكليف مِن نوعٍ آخر.

  • أتذكّر أنّ المرحوم العلّامة كان يُسمّي مواليد الرفقاء، فكانوا يتّصلون به هاتفيًّا ويبشّرونه بولادة المولود ويطلبون منه تسميته، فكان يُسمّيهم بما فيه صلاحهم. وكان يسمّي حتّى الكبار مِنَ الرجال والنساء الّذين كانوا يرون أنّ أسماءهم غير مناسبةٍ، فكانوا يحضرون عنده، فيقوم بتبديل أسماءهم. نعم، لم يكن يبدّل جميع الأسماء، وإنّما يبدّل الاسم الغليظ وغير المناسب وما لا ينبغي أن يُستعمل كاسم، لا جميع الأسماء مهما كانت.

  • المرحوم العلّامة يتدرّج في الامتناع عن التدخّل في بعض الأمور

  • أتذكّر أنّ اسم إحدى النساء كان على اسم زهرةٍ، لن أذكر اسمها هنا لكي لا تُعرف، فجاءت وسألت المرحوم العلّامة: هل علَيَّ أن أُغيّر اسمي، فقال لها: لا، لا مشكلة في اسمك، فهو اسمٌ جيّد، فليبقَ كما هو. فتعجّبنا مِن ذلك كثيرًا حينها، لأنّه كان مِن دأبه أن يستخدم أسامي النساء الفاضلات مِن أهل بيت العصمة والطهارة، والنساء المعروفات بالكمال والفضيلة. فعندما جاءت تلك المرأة، كان الجميع يتوقّع أن يستجيب لطلبها ويقول: نعم، إنّ اسمكِ غير مناسبٍ، فيبدّله لها، وإذا به يقول: بل هو اسمٌ جيّد ولا حاجة لتبديله. على كلّ حالٍ، كان دأبه أن [يسمّيَ] بأسماءٍ مناسبةٍ قدر الإمكان.

  • واستمرّ الأمر على هذا المنوال، حتّى شعرنا أنّه بدأ ينزعج [ويشعر] بالضيق مِن تسمية الأشخاص، فكان يقول لنا أحيانًا: لا داعي أن يراجعني الناس في هذا الشأن، فهم يستطيعون أن يختاروا الأسماء بأنفسهم، فها قد أصبحت المباني بين أيديهم، ولا حاجة لمراجعتي بهذا الشأن. وكذلك الحال بالنسبة إلى بقيّة المسائل الحياتيّة، مِن قبيل اختيار نوع العمل وأمثاله.

العرفانُ مدرسة الدساتير الإلهيّة لا غير - أجوبة على أسئلة ورسائل

4
  • أنا إنّما أذكر هذا الموضوع اليوم، لأهميّته الكبيرة عند السيّدات على وجه الخصوص، فمِنَ الضروريّ الاطّلاع عليه، وسأحاول تلخيصه حتّى أتمكّن مِنَ الإجابة على الأسئلة الّتي تمّ تقديمها إليّ.

  • كان سماحته يقول: لا داعي للرجوع إليّ في اختيار نوع العمل، بل يمكنهم مراجعتي لبيان الأحكام الشرعيّة الخاصّة بذلك العمل، [كالسؤال] إن كان يوجد فيه مشكلة شرعيّة أم لا، ولا حاجة للمراجعة فيما سوى ذلك. وكذا الحال بالنسبة إلى مواضيع الزواج وشراء البيوت واختيار محلّ السكن وما شاكل ذلك.

  • فلماذا امتنع في أواخر عمره عن التدخل في هذه الأمور، وتركها للأفراد أنفسهم؟! بحسب ما أذكر، أنّه امتنع عن تقديم المشورة، في المواضيع الخاصّة بالسكن والعمل والزواج، في السنوات العشر أو الاثنتا عشرة الأخيرة مِن عمره، وكان يقول: على كلّ شخص أن يتّخذ قراره بنفسه، فلينظر أين تكمن مصلحته، وأيّ مدينة هي الأصلح لسكناه. حتّى أنّه كان يقول: لماذا تأتون للسكن في مشهد؟! هل عندما اخترتم مدينة مشهد للسكن، أخذتم بعين الاعتبار بقيّة أموركم الخّاصة كعملكم وحياتكم وخصوصيّاتكم الأخلاقيّة والجوانب الاجتماعيّة، أم إنّكم قرّرتم الانتقال لمجرّد رغبتكم بالسكن فيها؟! عليكم أن تعلموا أنّ ارتباطي بكم ليس محدودًا بالمجاورة الظاهريّة.

  • فهو لم تكن علاقته بأساتذته بهذا الشكل؛ فبينما كان هو في إيران كان المرحوم السيّد الحدّاد في العراق، وبينما كان هو في طهران كان الشيخ الأنصاريّ في همدان، وفي الوقت الّذي كان يتتلمذ فيه على يد المرحوم العلّامة الطباطبائيّ، جاءه يومًا وقال له: أنا لا أستطيع أن أبقى في إيران أكثر مِن هذا. وذلك بسبب المشاكل الّتي حصلت له بعد وفاة المرحوم والده، فتلك المشاكل كانت مؤسفةً جدًّا وقد أخذت سنةً كاملةً مِن عمره، وأجبرته على مغادرة إيران بشكلٍ نهائيٍّ. وقد قال لي [مرّة]: في الوقت الّذي غادرت فيه إيران، كنتُ قد مسحت حتّى خارطتها مِن ذهني، فلم يعد في ذهني وجودٌ لإيران. هذا في الوقت الّذي كان المرحوم العلّامة الطباطبائيّ أستاذه، فذهب إليه بنفسه وقال له: لا يمكنني البقاء في إيران بسبب الظروف المحيطة بي، ولا أرى مِنَ المناسب أن أبقى فيها. فوافقه العلّامة على ذلك رغم عدم رغبته في فراقه، وأجاز له الذهاب، ولكن المراسلات بينهما لم تنقطع.

العرفانُ مدرسة الدساتير الإلهيّة لا غير - أجوبة على أسئلة ورسائل

5
  • قد أُدرجت بعض هذه الرسائل في كتبٍ مِنَ المقرّر طباعتها، ولعلّ بعض أجزاء هذه الكتب تُنشر عمّا قريب، لقد أضفت إليها الرسائل المتبادلة بين المرحوم العلّامة الطباطبائيّ وبين [المرحوم الوالد].. جاء في إحدى الرسائل الّتي أرسلها المرحوم العلّامة الطباطبائيّ إليه، ما يلي: «لولا البركات والفيوضات الّتي ستحصل عليها مِن مجاورتك لمرقد وعتبة مولى الموحّدين أمير المؤمنين، لَما وافق هذا العبد على فراقك، ولَما سمحتُ لك بمغادرة مدينة قم»۱. [أقول:] لماذا تجري الأمور بهذا الشكل؟ ذلك لأنّ ارتباط الإنسان بالله ليس مِن نوع الارتباط الظاهريّ، بل هو ارتباط معنويّ.

  • لماذا عفى المرحوم العلّامة (رضوان الله عليه) نفسه مِن تلك المواضيع في أواخر عمره؟ ولماذا طلب مِن الآخرين عدم جلب مواليدهم إليه مِن أجل تسميتهم، وقال: فليسمّوهم بأنفسهم؟ ولماذا طلب عدم مراجعته في مسائل الزواج والسكن والعمل، وقال: فليختار كلُّ واحدٍ ما يريده؟ لماذا؟ فعل كلّ ذلك لأنّهم سبّبوا له الأذى، وكانوا يلصقون به ما لديهم مِن باطل ونقص.

  • نعم، إنّه لم يفعل ذلك اعتباطًا، فإنّ تخلي الرفيق والأستاذ والوليّ عن تحمّل مسؤوليّة مشورة الأفراد له، لا يكون فعله هذا اعتباطيًّا، بل كان هناك ما يدعوه لذلك. لقد رأينا خلال فترة حياته أمورًا كثيرةً جدًّا أجبرته في أواخر عمره على التخلّي عن تلك المهمّة، فكان يقول: فليفعل كلّ شخص ما يريد، شريطة أن لا يكون عمله هذا مخالفًا للشرع، وليشتغل كلّ منهم بما يراه مناسبًا، سواء [اشتغل] بائعًا متجوّلًا أو أيّ عملٍ آخر. لماذا حصل ذلك؟

  • كنتُ شاهدًا عندما سمّى أحدَ أبناء رفقاء الطريق، وبعد مدّةٍ جاء هذا الرجل إلى منزل المرحوم العلّامة، فسأله عن أحواله وأحوال أبنائه بمَن فيهم الطفل الّذي وُلد قبل عدّة أشهر والّذي سمّاه بنفسه، فقال: وكيف حال فلان؟ فظهرت علامات الخجل على وجه الرجل، فتبسّم قائلًا: أنا خجلٌ منك أيّها السيّد، وأنا أعتذر عمّا حصل، فعندما طرحت الموضوع على والدة الطفل، قالت إنّها تريد أن تسمّيه باسم السيّد العلّامة، فسمّيناه محمّد حسين. [أقول:] أترون كيف تجري الأمور! مِنَ المناسب هنا أن نتمثّل بشعر مولانا الروميّ، وهو البيت الّذي كان المرحوم السيّد الحدّاد يقرأه كثيرًا:

    1.  الشمس المنيرة، سماحة السيّد محمّد محسن الطهرانيّ (قدّس الله سرّه)، ص٤۱. (م)

العرفانُ مدرسة الدساتير الإلهيّة لا غير - أجوبة على أسئلة ورسائل

6
  • داند وخر را همی‌راند خموش‌***بر رُخت خندد برای روی پوش
  • [يقول: إنّه يعلم، ومع هذا يسوق حماره بصمتٍ (متجاهلًا)، إنّه يضحك في وجهك ليستر ما هو مطّلع عليه].

  • فضحك المرحوم العلّامة وقال: حسنًا، هل عرف الرفقاء الآن السبب الّذي جعلني أمتنع عن تسمية الأطفال؟! تفضلوا وشاهدوا بأنفسكم، ثمّ غيّر مجرى الحديث.. هل تريد أن تتعامل في جميع الحالات بالطريقة نفسها يا هذا؟! عندما نرى الأمور تجري وفقَ ميولنا، نُقدم عليها ونقول [مسرورين]: أيّ كلام هذا الّذي قاله هذا السيّد! وأيّ دستور قد أمر به! وأيّ توصية قد أوصى بها! أمّا إن جرت الأمور بشكل آخر، فترانا نقول [مستنكرين]: لا ندري ما الّذي حصل! كنتُ قد قلتُ له هذا الشيء، [ولكنّه] أمرني بهذا العمل! لا أدري كيف جرت الأمور! [أقول:] هذا الشخص لا يذكر عيوبه، ولا يذكر تلك الأعمال الباطلة الّتي ارتكبها والّتي بلغت ألف عملٍ.. أنا كنتُ أشاهد هذه الأشياء بنفسي في فترة حياة المرحوم العلّامة، فأنا قد عشت معه في منزل واحد، وكنت أرى بعيني ما كان يحصل.

  • إنّ رفيق الطريق هو الّذي يأتي للتشاور –المرحوم الوالد لم يدّعِ العصمة رغم أنّه وليٌّ إلهيٌّ، كما أنّ للآخرين مكانتهم الخاصّة أيضًا – وهو في حالة تسليمٍ لِتلك النيّة ولِما سيُشير به إليه. وقد تأتي نتيجة الاستشارة أحيانًا متوافقة مع ميول المستشير، فتُسبّب له الفرح السعادة، ولكنّها قد لا تكون كذلك في أوقاتٍ أُخر، فلماذا تُقطّب حاجبيك وتنزعج؟! ولماذا تنشر الخبر، فتُخبر هذا وذاك وتقول: لقد استشرت فلانًا، وحصل لي كذا، فلو لم أستشره [لكان أفضل]!!

  • كنتُ أسمع البعض يقول: لو لم أستشره لِما بعت بيتي بهذا السعر المنخفض! نعم، لقد سمعت هذا الكلام في زمن حياة المرحوم العلّامة! والحال أنّ المرحوم العلّامة كان يريد مصلحته، فقال له: بعِ بيتك وانتقل إلى مكان بيئته جميلة ومناسب لحالتك المرضيّة. [أقول:] قد أراد لك الخير فيما قاله لك، فإن حصل وارتفع سعر المنزل بعد أن بعته لسبب مِنَ الأسباب [فليكن]، فلماذا تقول: لو كنت قد بقيت.. [إلخ]! إنّك لو صبرت حتّى يرتفع سعر المنزل يا عبد الله، لأخذ منك المرض مأخذًا، ولَما أمهلتك الفرصةُ حينها للانتقال إلى مكانٍ آخر! هذا ما كان قد حصل في ذلك الزمان، وهذا ما كنّا نراه في ذلك الوقت.

العرفانُ مدرسة الدساتير الإلهيّة لا غير - أجوبة على أسئلة ورسائل

7
  • هذا هو الموضوع الأوّل، وهو يتعلّق بما كان يحصل في ذلك الوقت، وكنتُ أشاهده بنفسي، وهو يدلّ على أنّ الأفراد الّذين كانوا يحضرون لديه، لم يكونوا صادقين، حتّى يقبلوا كلّ ما يقوله لهم، سواء كان ذلك ممّا تُسرّ له نفوسهم أم لا. بل كانوا إن جاءت الاستشارة متوافقةً مع رغباتهم قالوا: الحمد لله، حسنًا فعلنا بذهابنا إليه واستشارته، وإن حصل العكس قالوا: يا للعجب! أيّ فعل سيّءٍ قد قمنا به باستشارته! [هذا كان واقع الحال] سواء صرّحوا بذلك أم لم يصرّحوا به.

  • سماحة المحاضِر مُكلّف بعدم التدخّل في بعض المواضيع

  • أمّا الموضوع الثاني الّذي هو غاية في الأهميّة، وممّا يجب الاهتمام به، هو أنّه: إن أراد الإنسان أن.. إنّ موضوع التسمية موضوع آخر، ولهذا السبب طلبتُ مِنَ الرفقاء أن لا يطلبوا منّي تسمية أطفالهم، فأنا لن أُسمّي أحدًا، وكذلك الحال فيما يتعلّق بمواضيع السكن والعمل والزواج، [نعم]، كنتُ قد طلبتُ أن لا يشاورني أحدٌ بهذا الشأن، فعليهم أن يُقْدموا بأنفسهم على ما يرون فيه صلاحهم.

  • هذا هو ما عهد به إليّ المرحوم العلّامة مِن تكليف، ولا يمكن لهذا العبد أن يتخطّى هذا التكليف؛ فلو أصرّ علَيَّ أحدٌ مدّة مئة سنةٍ وهو يقول لي: أيّ فتاة تراها مناسبة حتّى أزوّجها لابني؟ فلو قلتُ له: تلك الفتاة مناسبة، سأكون قد ارتكبتُ عملًا باطلًا. وإن ألحّ علَيّ أحدٌ مدّة مئة سنةٍ وهو يقول: أيّ شابٍّ تراه مناسبًا لأزوّجه لابنتي، أريدك أن تختار زوجًا لها؟ فإن أشرت عليه في هذا الأمر، سأكون قد ارتكبت مخالفة. لا يمكنني أن أقبل بهذه المسؤوليّة، لأنّني لن أتمكّن مِنَ الدفاع عن نفسي أمام والدي يوم القيامة. وعلى الرفقاء أن يُولّوا هذا الموضوع أهميّةً كافيةً، وأن يعفوا هذا العبد مِن هذا النوع مِنَ المواضيع إلى الأبد.

  • يجب أن تُبنى خطوات السالك على أساس الفهم والتفكير والتعقّل

  • ما يجب علَيَّ قوله للرفقاء بكلّ صراحة هنا، وإن كنتُ قد طرحته سابقًا بطرق مختلفة، هو أنّه: على كلّ شخص أن يخطو خطواته في مدرسة تربية العرفاء الإلهيّين، [على أساس] الفهم والتفكير والتعقّل. فلو أراد أن يكون مقلِّدًا في كلّ خطوة يخطوها، لن يصل إلى أيّة نتيجة. إنّ المُقلِّد – [وهو لفظ] مأخوذ مِنَ التقليد – هو الشخص الّذي وضع في رقبته قلادةً، وسلّم [زمامها] لشخص آخر، أيّ إنّه وضع حبلًا حول رقبته ووضع طرفه بيد شخص آخر، ليأخذ به أينما يريد وهو مغلق العينين والأذنين؛ هذا هو التقليد.

العرفانُ مدرسة الدساتير الإلهيّة لا غير - أجوبة على أسئلة ورسائل

8
  • نحن لا نُقلّد الإمام عليه السلام، بل الإمام أسوتنا، فليس الأمر أنّنا وضعنا قلادة في أعناقنا وسلّمنا زمامها للإمام عليه السلام، كلّا، بل نحن جعلنا الإمام أسوة لنا، أي إنّنا نرى فعل وعمل الإمام حُجّة علينا، والعقل يحكم بوجوب اتّباع مَن فعله وعمله حجّة، [ووجوب اتّباع] مَن تكون حجّته ذاتيّة، أمّا غير ذلك، فلا.

  • لا ينبغي للمقلِّد أن يُغمض عينيه ويسدّ أذنيه، بل على العكس، لا بدّ أن يفتح عينيه وأذنيه أكثر. نعم، رغم أنّه مقلِّدٌ، إلّا أنّه يجب أن يفتحهما، لأنّ ذلك الشخص قد يُخطئ؛ وهذا هو الفرق بين التقليد الظاهريّ لشخص عاديّ – وإن كان يملك حجّةً شرعيّة – وبين إتّباع الإمام المعصوم عليه السلام، فإنّ حجيّة كلام الإمام المعصوم عليه السلام ذاتيّةٌ، فلا يمكن أن يخطِئ ولو بمقدار ذرّةٍ، [ففعله وكلامه] هما عين فعل وكلام الحقّ [تعالى]،غير أنّه صادرٌ مِن فم الإمام المعصوم عليه السلام؛ فلو أمرنا إمام الزمان عليه السلام بأمر، سيكون وكأنّ الله قد نزل إلى الأرض – نعم نفس الله الّذي نعرفه يكون قد نزل إلى الأرض – وقال: عليك القيام بهذا العمل يا فلان. فكما أنّ الأمر الصادر مِن فم الله خالٍ مِنَ الشكّ والشبهة، ولا يُحتمل أن يسري البطلان والعدم والنقص إليه، كذلك كلام الإمام المعصوم عليه السلام؛ نعم، هذا هو حال كلام الإمام الصادق وكلام الإمام السجّاد وكلام إمام الزمان والإمام الرضا عليهم السلام، فكلامهم هو كلام الله الخارج بواسطة لسان الإنسان، دون أيّ تفاوت، فهذا الكلام هو نفسه ذاك؛ إنّ كلام إمام الزمان مساوٍ لكلام الله، ولهذا السبب كانت حجيّته حجّيةً ذاتيّةً، أمّا بالنسبة لغيرهم مِنَ الناس، فالأمر ليس كذلك.

  • كلام الآخرين ليس حجةً علينا إلّا عندما نكون جاهلين بموضوع ما، ولهذا فلا تقليد في كون الصلوات أربع ركعات أو ركعتين أو ثلاث ركعات (كما في صلاة المغرب). فلا تقليد في المسائل الضروريّة، ولا تقليد في وجوب الحجاب والحجّ. نعم، يمكن أن يتعلّق التقليد في التفاصيل الخاصّة بهذه الموضوعات، وذلك لكون الإنسان جاهلًا بها، مثلًا، لو أدار الحاجّ رأسه أثناء الطواف، فهل سيبطل طوافه أم لا؟ فهذه مسألة فرعيّة، أمّا فيما يتعلّق بأصل موضوع الحجّ ووجوب الصلاة ووجوب صيام شهر رمضان، فلا معنى للتقليد فيها، وإن كانت أحكامها مذكورة في الرسائل العمليّة، ولكن أيًّا منها غيرُ خاضعةٍ للتقليد، بل التقليد يكون في المسائل الّتي يجهلها المسلم، وهذا يكون في الفروع الجزئيّة لا الأصول المُسلّمة الكليّة، والضروريّات والبديهيّات، فلا طريق للتقليد إلى هذه المواضيع.

العرفانُ مدرسة الدساتير الإلهيّة لا غير - أجوبة على أسئلة ورسائل

9
  • بناءً على هذا، فما هو حدود حجيّة كلام المجتهد على المقلِّد؟ حجيّته عليه تكون ما دام الإنسان جاهلًا بالحكم، فعندما يكون جاهلًا، ستكون القاعدة العقليّة والشرعيّة الحاكمة هنا هي: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾۱، هذا فيما لو كنتم لا تعلمون، أمّا إن كنتم تعلمون فلا حاجة لذلك.

  • ولهذا السبب، فإن رأيتم هلال شهر رمضان، بأن اعتليتم سطح الدار، أو صعدتم جبلًا ورأيتم الهلال بأنفسكم، تكونون بذلك قد أحرزتم رؤية الهلال وبالتالي بداية شهر رمضان، في الوقت الّذي قد لا يكون مرجع تقليدكم قد أحرزه، وهذا ما قد يحصل، بل كثيرًا ما حصل، إذ مِنَ الممكن أن لا يُحرز المرجع الرؤية لأسباب عديدة، فإن حكم المرجع – في هذه الحالة – بأنّ اليوم التالي هو اليوم الأخير مِن شهر شعبان، إلّا أنّه يحرم عليك أنّ لا تصوم ذلك اليوم، لماذا؟ لأنّك قد رأيت الهلال بنفسك، وإن كان ذلك الشخص مرجع تقليدٍ، فهو مرجعك حالة كونك جاهلًا، أمّا في هذا المورد فأنت عالِمٌ وقد قطعت بحصول الرؤية، فتقليدك له [في هذا المورد] باطل، ولا محلّ له مِنَ الإعراب.

  • وكذلك الحال فيما لو رأيتَ هلال شهر شوال، ولم يكن مرجع تقليدك قد أحرز ذلك، فأفتى بأنّ اليوم التالي هو اليوم الأخير مِن شهر رمضان، إلّا أنّه يحرم عليك أن تصوم هذا اليوم ويجب عليك الإفطار، فإن صمته ستتعرّض لعقاب الله، لأنّ صومك لليوم الأوّل مِن شهر شوال بدعة. فإن قال الشخص: لكنّ مرجع تقليدي أفتى بكذا! [نقول له:] إن كان مرجعك قد أفتى بذلك، فهو أمر عائد إليه، فدور المرجعيّة هو عندما يكون هناك جهلٌ بالحكم.

  • هذا [كلّه] بالنسبة إلى غير المعصوم، أمّا فيما يتعلق بالكلام الصادر عن الإمام عليه السلام، فالأمر فيه مختلفٌ؛ فإن حصل ورأيت الهلال بنفسك، ولكنّ الإمام أمرك بصيام اليوم التالي، فلا يحقّ لك أن تقول هنا: بما أنّني رأيتُ الهلال بنفسي، فلن أصوم هذا اليوم! نعم، لا يجوز لك ذلك، لأنّ كلام الإمام عليه السلام يختلف عن غيره، إذ حجيّة كلامه ذاتيّة، فلا يمكن لأحد أن يعترض عليه لأنّ كلامه مساوٍ لكلام الله دون أيّ فرق؛ فالحالة هنا هي: وكأنّ الله قد نزل بنفسه، وتجلّى بهيئة إنسان وتكلّم معك.. فما الّذي ستصنعه في هذه الحالة؟ فها هو الله الّذي أمر بوجوب الإفطار في اليوم الأوّل مِن شوال، يأتي الآن ويأمرك بعدم الإفطار، بل بالصيام. نعم، [فالحكم النهائيّ] هنا هو أنّه لا يجوز الإفطار. فالله الّذي قال إنّ الحكم في هذا الموضوع هو كذا، ها هو يقول في المورد نفسه: عليك أن تنفّذ حكمًا وعملًا آخر. [فإن قال أحدٌ:] إلهي أنت الّذي قلت ذاك الكلام بالأمس! [سيقول الله:] وها أنا أقول هذا الكلام اليوم. نعم، هذا هو الفرق بين كلام المعصوم وكلام غيره.

    1. سورة النحل، جزء مِنَ الآية ٤٣؛ سورة الأنبياء، جزء مِنَ الآية ۷.

العرفانُ مدرسة الدساتير الإلهيّة لا غير - أجوبة على أسئلة ورسائل

10
  • أهمّ مسألة يجب الالتفات إليها في طيّ طريق السير والسلوك إلى الله هي أن يعمل الإنسان بنفسه وفق تشخيصه، وذلك بناء على المطالب الّتي أُلقيت عليه، فيتحرّك ويتقدّم إلى الأمام بناء على المطالب الّتي تُطرح [في هذه المدرسة]؛ فيجب أن تُطرح المطالب أوّلًا ثمّ يتقدّم الشخص بنفسه إلى الأمام، لا أن يسأل عن كلّ صغيرة وكبيرة، فيقول: ما الّذي علَيَّ فعله في هذا المورد أيّها السيّد؟ وما الّذي علَيَّ القيام به في ذاك المورد؟ [أقول:] ألم تُلقى عليك تلك المباني في المحاضرات، ودُوّنت في الكتب؟! كان عليك أن تأخذها وتعمل بموجبها.

  • إن أراد الإنسان أن يُلقي بأعبائه الفكريّة في الجزئيّات على غيره، سيكون سالكًا في هذا الطريق بدون تفكير، وهنا تكمن نقطة الضعف! على السالك أن يقطع طريقه بالفكر لكي يتخطّى الموانع بعمله. إن أمسك النائم بقلمٍ وبدأ يكتب مِنَ المساء حتّى الصباح، لن تكون لكتابته هذه قيمةُ فلسٍ واحدٍ، لأنّه كان نائمًا. أرأيتم كيف يكتب البعض وهم نائمون؟ ويتكلّم البعض وهو في حالة سكر؟ لا يمكن الأخذ بكلامهم، لأنّه كلامٌ بدون تفكير، فلا فائدة فيه، بل يجب أن يكون الكلام عن وعي وإدراك.

  • هذا هو الأمر الّذي دعا المرحوم العلّامة – بعد أن تعامل طول حياته مع أصدقائه بتلك الكيفيّة – إلى تغيير طريقة تعامله تلك في أواخر أيّام حياته، وهذا ما شاهدته بنفسي، فعمد بالتالي إلى إلقاء مسؤوليّة الأعمال على عهدة الأشخاص أنفسهم، فقال في إحدى محادثاته الّتي جرت في السنوات الأخيرة مِن عمره: أيّها الرفقاء، لن أتحمّل مسؤوليّة الأعمال الّتي تقومون بها.. لا بدّ أن الأصدقاء قد استمعوا إلى التسجيل الصوتيّ لتلك المحاضرات، فهذا الحديث موجود في الأشرطة الّتي تمّ نشرها. فقد قال: على كلّ شخص أن يتحمّل مسؤوليّة أعماله بنفسه، هذا مع العِلم أن المطالب تُطرح عليكم، ويُبيّن فيها ما الّذي يجب فعله.

  • رأينا بأنفسنا كيف خولفت المطالب الّتي طرحها المرحوم العلّامة، وذلك بعد ارتحاله. عندما تُخالَف تلك المطالب، يجب أن يُعترض على المخالِف ويُقال له كائنًا مَن كان: هذا عملٌ باطل.

العرفانُ مدرسة الدساتير الإلهيّة لا غير - أجوبة على أسئلة ورسائل

11
  • ذكر المرحوم العلّامة في كتابه أنّ الوصيّ هو الشخص الّذي يُعرِّفه الأستاذ للجميع [بأنّه وصيٌّ]، أو أن يكتب ذلك۱، وهذا الأمر لم يحصل، وأنا لم أكن منعزلًا في مناطق جبليّة، بل عشتُ وترعرعت في هذا البيت، فقد عشت فيه أربعين سنةً، فلو كان قد حصل شيءٌ مِن هذا القبيل، لكنتُ عرفت به. لذا، لا يمكنني أن أعمل بما لم أحرزه، ولا يمكنني أن أرتّب عليه أيَّ أثرٍ. فجاءني الجواب التالي [على موقفي هذا]: بل يجب عليك أن تقبل بهذا الأمر، وأن ترتّب عليه الأثر المطلوب. قلتُ: ولكنّ هذا أمرٌ باطلٌ، وهو يقع في الجهة المقابِلة لمبانينا. واستمرّ الأمر على هذا المنوال حتّى رأيتم – بحمد الله – ما يحدث هذه الأيّام! إنّ ما نراه ونسمع به وما يجري الآن مِن أحداث سيُسعد العظماء والماضين٢!

  • كان هدف المرحوم العلّامة أن تكون حركة الناس مبنيّةً على أساس الفهم. ألم يذكر هذا العبد للرفقاء مرارًا أنّ المرحوم العلّامة سألني [مرّةً] عندما سافرت مِن قم إلى مشهد: كيف هو وضع رفقاء قم؟ فقلت له: حالهم جيّدة والحمد لله. فردّ علَيَّ قائلًا: أنا لا أسأل عن حالهم، بل أسأل عن فهمهم، هل ترقّى فهمهم أم لا؟! كانت هذه عين عبارته، فقد قال: هل ترقّى فهمهم أم لا؟ لم يُرِد المرحوم العلّامة أن يكون السالك على الدوام كمَن أُلقي في عنقه قلادة وسلّم زمامها لغيره، يأخذه إلى هذه الجهة وتلك، ولم يُرد أن يكون الطلّاب كالأنعام يسوقها مالكها حيث يشاء، فتتبعه حيث يذهب، بل أراد أن يكون لكلّ واحدٍ مِنَ الطلّاب الخاضعين لتربيته، ثقلٌ ومكانةٌ خاصّة وشخصيّةٌ متميّزة، أراد أن يقف كلّ واحدٍ على قدميه بنفسه. نعم، هذا ما كان يطمح إليه، أراد مِنَ الأفراد أن يفهموا إلى أين هم ذاهبون، وأن يتمكّنوا مِن تشخيص نتائج أعمالهم.

  • عدم التزام فردٍ بالمباني السلوكيّة يضطرّ الجميع

  • عندما كان المرحوم العلّامة يقول: على الرفقاء أن يتفرّقوا بعد الجلسة ويذهبوا إلى منازلهم، ويقلّلوا مِنَ الكلام ويحافظوا على حالاتهم، فلأيّ شيءٍ كان يقول ذلك؟ سبب قوله هذا هو أنّه إن لم يفعلوا ذلك سيفقدون ما حصلوا عليه. نحن نرى كيف يستغلّ الأفراد اجتماعاتهم بالمزاح والمرح بحجّة أنّهم رفقاء وأنّه لا بدّ أن تكون هناك حميميّة بينهم! والحال إنّ ذلك يبدّل جوّ المجلس إلى جوٍّ مِنَ الضحك والمزاح وما شاكل ذلك! فلن تجني مِن حضورك هذا أيّة نتيجة! فلأيّ شيء قدِمت مِنَ ذلك المكان البعيد مِن طهران وأمضيت ليلتك هنا؟! كان مِنَ الأفضل أن تبقى في بيتك بدلًا مِن هذا! ونرى البعض يستأنفون البحث في الموضوعات السياسيّة والاجتماعيّة بعد انتهاء المجلس، فتراهم يتبادلون أطراف الحديث حول غلاء سعر سلعةٍ ما، وانخفاض سعر الأخرى، وحول الأحداث الّتي وقعت هنا وهناك!

    1.  الروح المجرّد، العلّامة السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ (قدّس الله سرّه)، ص ٤۷۱، قال: فالوصيّ الظاهريّ هو الّذي يجعله الأستاذ وصيّه أمام الملأ العامّ، فيكتب بذلك ويمضيه ويُعلنه. ولمزيد مِنَ الاطّلاع على هذا الباب راجع المصدر المذكور. (م)
    2. قوله (إنّ ما نراه ونسمع به وما يجري الآن مِن أحداث سيُسعد العظماء والماضين) هو مِن باب ذِكر الشيء وإرادة ضدّه. (م)

العرفانُ مدرسة الدساتير الإلهيّة لا غير - أجوبة على أسئلة ورسائل

12
  • إن كنتَ لا تريد أن تعمل بموجب المطالب الّتي طرحها ذلك الرجل الكبير، فلماذا تحضر هذه الجلسة؟! ولماذا تفسد حال الآخرين؟! بما أنّك لا تستطيع أن تتحمّل كلام العظماء، كان عليك أن تبقى في بيتك، فأنت غير مجبورٍ على حضور الجلسة، وأنت غير مجبور على إفساد حالة الآخرين، إنّ هذا العمل مخالفٌ للشرع. كان عليك أن تقول منذ البداية: أنا لا أستطيع أن أبقى ساكتًا مدّة ساعتين مِن عمري، بل عندما أتواجد في مكان لا بدّ أن أتكلّم، وذهني لا يتحمّل التركيز لفترة [طويلة]، فلا بدّ أن يبقى طوال الوقت مشتّتًا، يتنقّل شرقًا وغربًا ويذهب إلى المنظومة الشمسيّة!

  • إن كنتَ لا تستطيع ذلك، كان عليك أن تبقى في بيتك فلا تخرج، وإن كنت لا تستطيع ذلك، فاذهب واختلط مع مَن خُلق لذلك؛ فقد خَلق الله الكثير مِنَ الناس الّذين يصلحون لهذا الأمر. نعم، يوجد الكثير الكثير مِمّن لا همّ ولا غمّ لهم سوى الخوض في هذه المواضيع، إنّهم مِنَ الكثرة بحيث يبلغون عدد نجوم السماء، فاذهب واختلط بهم.

  • أنت تريد بحضورك هذا أن تحافظ على الأمرين، تريد أن تقول: أنا أشارك بجلسة عصر الجمعة، ولي علاقة بمَن يرتبط بالمرحوم العلّامة، وأنا أقرأ دعاء السمات وكذا وكذا. هذا مِن جانب، ومِن جانب آخر، تريد أن تتحدّث في تلك المواضيع، لأنّ النفس تتوق إليها، فتشتغل بالمواضيع الاجتماعيّة والمسائل اليوميّة، لأنّ للنفْس علاقة بالأمور الظاهريّة والجزئيّة والكثرة، فلا تستطيع أن تهدأ، فتراه عندما يقف للصلاة يقول [في نفسه]: ليت الصلاة تنتهي بسرعة، فيُحْضرون الشاي ونحتسيه ونتكلّم بتلك الأحاديث! فهو يريد أن تنتهي الصلاة بسرعة، وكأنّه نابضٌ مضغوط ومجبورٌ على إمضاء ساعة بين السكوت وقراءة دعاءٍ وما شابه ذلك، فما إن تنتهي الصلاة، حتّى يتحرّر النابض ويعود مرّة أخرى إلى ما كان عليه مِن أفكارٍ وتخيّلاتٍ!

  • إنّ هذه الحالة تلوّث مسير الآخرين، وتحرمهم مِنَ الاستفادة. إنّ المسؤوليّة المُلقاة على عاتق البعض، تقتضي أن يتعاملوا بحزم وشدّة في هذه الموارد، فقد انتهى زمن المداراة والرِّفق؛ فقد قُدّمت النصائح اللازمة، وما يجب أن يصل إلى مسامع الجميع، قد وصل بالفعل، وحالنا لا يسمح بعد للتخاصم في هذه الأمور، فالأمر لا يستحقّ، وقد مضى مِن عمرنا الكثير، ولم نعد أطفالًا، فقد تجاوزنا مرحلة الطفولة، وعلينا أن نفكر بمستقبلنا.

العرفانُ مدرسة الدساتير الإلهيّة لا غير - أجوبة على أسئلة ورسائل

13
  • فمَن لا يريد، أو لا يستطيع، أن يطبّق المطالب الّتي طُرحت خلال الخمس عشرة سنةً هذه، فعليه أن ينسحب بنفسه بكلّ عزّةٍ واحترام، فلا حاجة للصدام في هذه الحالة، فهنالك طُرقٌ أخرى. ومَن يقول: إنّ كلّ حقٍّ واستقامةٍ موجودٌ في هذا المكان، ومَن أدّعى أنّ الطريق إلى الله ينحصر في هذه البيئة الحاضرة فقط، [نقول له:] كلّا، لا يوجد ادّعاءٌ كهذا، بل هناك آلاف المجالس، وآلاف الطُرق، وآلاف المدارس ... ولا يوجد مَن يستطيع أن يُقدِّم ضمانًا بذلك.

  • ثمّ إنّ ما يُطرح هنا مِن مواضيع، فهو ما أفهمه أنا. وقد قال هذا العبد مرّاتٍ ومرّات إنّه يطرح على الآخرين ما يراه صحيحًا، وهو ليس معصومًا، ويجوز أن يُخطئ، فلا أتحمّل مسؤوليّة أعمال الآخرين يوم القيامة، فكلّ واحد مسؤولٌ عن تصرّفاته. وبالنسبة لي، ها هي طريقة تفكيري، وها هي طبيعة مسيري، وقد وجدتُ هذا الطريق مِن خلال مرافقتي للعظماء، حسنًا، ولعلّ تشخيصي هذا خاطئٌ.

  • مدرسة العرفان ليست محلًّا لمطارح الأنظار الشخصانيّة والنفسانيّة

  • لماذا منحنا الله هذا العقل والفهم؟ إنّه منحنا إيّاهما لمثل هذا اليوم. هذا مِن جانب، ومِن جانب آخر، فإن جاء أحدٌ إلى هذه المدرسة، وقَبِل مبانيها، فلا يتذمّر مِنَ المطالب الّتي تُطرح عليه، فلا يقول: لماذا الأمور بهذا الشكل؟! لماذا الأمور بذاك الشكل؟! أين موقعي مِنَ الإعراب؟! لماذا لم يُطرح علَيَّ هذا الموضوع؟! بل عليه أن يدع تلك الترّهات والخزعبلات جانبًا، ويتخلّ عن الأباطيل، كأن يقول: لم يشاوروني بشأن هذا الموضوع، وأنا لست على اطلاع به! لقد انقلبت الصفحة، والصحيفة تبدّلت، وأصبح المسير الآن يجري وفق ما يُشعر به مِن تكليف. على الأفراد أن يلتفتوا إلى هذه النقطة وهي أنّ: هناك شعور بالتكليف مِن وراء ما يتمّ طرحه مِن مطالب.

  • فليعلم مَن يحاول أن يستغلّ هذه المدرسة لتأمين قوته اليوميّ، أنّه سيتمّ إيقافه عند حدّه، وليعلم مَن يحاول أن يستغلّ هذه المدرسة لإبراز شخصيّته – ولا فرق هنا بين الرجال والنساء فالخطاب موجه للجميع – أنّ المرحوم العلّامة قال: إنّ جميع الرفقاء متساوون وهم كأسنان المشط. ألم أكرر هذا الأمر مرارًا؟! أين ذهب كلّ ذلك الكلام؟! وأين كان أصحاب الخزعبلات الّتي تصل إلى مسامعي؟! ألم أقل إنّ مسؤوليّة الرفقاء اتّجاه هذه المدرسة مساويةٌ لمسؤوليّتي اتّجاهها؟! ألم أقل مثل هذا الكلام؟! لأيّ زمان قلتُ ذلك الكلام؟! نعم، لأيّ زمان؟!

العرفانُ مدرسة الدساتير الإلهيّة لا غير - أجوبة على أسئلة ورسائل

14
  • عندما أقول إنّ سلوك المرأة في أن يكون فكرها أكثر هدوءً، وأن تتحمّل مسؤوليّاتٍ أقلّ، وأن يكون ارتباطها بالرجال في حدّه الأدنى، فأنا لم آتِ بهذا الكلام مِن عندي، بل هي مطالبٌ سمعتها مِنَ العظماء.

  • إن لم نُكلَّف بعمل ما، فلا نتقدّم مِن تلقاء أنفسنا، ونُخبر الجميع أنّنا نتولّى الرئاسة! وما لم نُكلّف بمسؤوليّة معيّنة، فلا نتقدّم مِن تلقاء أنفسنا على الآخرين؛ فهذه التصرّفات مِنَ الشيطان! هل هناك تعبيرٌ أكثر صراحة مِن هذا؟! إنّ جميع هذه الأفكار والتخيّلات هي مِنَ الشيطان، أما آن الأوان لنُبعد هذا الشيطان عنّا؟! عندما يأتي مسكين وفقير كهذا العبد ويطرح عليكم مسألتين، ألا يجدر أن تُقبلا منه؟! إلى متى سنأجّل إصلاح أنفسنا؟! قد قرأنا في جميع هذه الكتب حول ضرورة مبارزة النفس ومجاهدتها، وحول ضرورة إبعاد التخيّلات.

  • عندما كان أصحاب أمير المؤمنين، يشعرون بأنّ الإمام سيكلِّف أحدهم بالتصدّي لمسؤوليّة معيّنة، كانت أبدانهم ترتعش، وكانوا يقولون: نحن نفضّل الاعتزال، والبقاء في أطراف هذا المسجد وخلف أمير المؤمنين، فهذا يكفينا في دنيانا وآخرتنا، إلّا أنّهم كانوا يرون أنّ ذلك أمر الإمام، وهو واجب لا بدّ مِن طاعته.

  • كم هو جميل أن يحافظ الإنسان – عندما تُزال عنه المسؤوليّة بعد أن أدّاها – على الحالة الّتي كان عليها في بداية تكليفه بالمسؤوليّة، دون [أن يترك الأمر] فرق. ثمّ ما هو حجم تلك المسؤوليّة الّتي يمكن أن يُكلّف بها الشخص؟! إنّها لا تتجاوز أن يبلِّغ أحدًا أمرًا ما؛ أيُعدُّ هذا الأمر مسؤوليّة، أليس هذا مضحكًا حقًّا؟! أو أن يُكلَّف بتسليم أحدٍ شيئًا ما، أو أن يُكلَّف بالتحدّث في مكان ما حول موضوعٍ معيّن؛ فما قيمة تلك الألاعيب؟! وما معنى هذه السخريّة؟! إنّ أفضل حالة للمرأة هي ما قالته السيّدة الزهراء؛ كيف يجب أن نتعامل مع كلام السيّدة الزهراء؟ هل يجب أن يبقى كلامها في الكتب، فنطوي أعمارنا بلا نضوجٍ ثمّ نغادر الدنيا؟! ألم تقل الزهراء سلام الله عليها إنّ أفضل حالةٍ للمرأة هو أن لا يراها الرجل ولا تراه۱. وها نحن نقول: عليكنّ أن تلتزموا بهذا الأمر.

    1.  بحار الأنوار، الشيخ المجلسي، ط. مؤسسة الوفاء، ج٤٣، ص۸٤، قال: وقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله) لها: «أي شيء خير للمرأة؟ قالت: أن لا ترى رجلًا ولا يراها رجل. فضمها إليه وقال: ذريّة بعضها مِن بعض». (م)

العرفانُ مدرسة الدساتير الإلهيّة لا غير - أجوبة على أسئلة ورسائل

15
  • لماذا تتواصل المرأة مع الرجال؟! عندما تكون المرأة بحاجة إلى أمر ما، لماذا ترفع هي الهاتف وتتكلّم مع الرجل الأجنبيّ؟! كان عليها أن تتشاور مع امرأة مثلها، أو أن تكتب ما تريده على ورقة وتسلّمها إلى الطرف المقابل، فلماذا تتكلّم هي معه؟! إنّ كلامها مع الرجل سيعمل على مسح وإتلاف كافّة عباداتها الليليّة. هل رأيتم ما الّذي يفعله الأسيد عندما يُصبُّ على شيء؟ افرضوا أنّكم صببتم أسيدًا على سجّادة، سترون حينها تفاعله مع مادّة السجّاد وتسمعون فرقعةً، وبعد لحظات تظهر أرضيّة الغرفة، حيث تكون السجّادة قد احترقت وأصبحت رمادًا وانتهى أمرها، هكذا يفعل ذلك الكلام. فلماذا لا تستمع تلك الآذان السميعة كلام العظماء هذا؟!

  • المباني السلوكيّة لم ترتفع بارتحال السيّد العلّامة الطهرانيّ

  • أمّا فيما يتعلّق بالمطالب الّتي تُطرح، والّتي على الجميع الاطّلاع عليها، فكما قلتُ لكنّ، وكما قلتُ في الليلة الرابعة مِن ارتحال المرحوم العلّامة: إنّ الله لم يرتحل بارتحال المرحوم العلّامة، فقد كان عبدًا مِن عباد الله ووليًّا مِن أوليائه، عاش عدّة أيّامٍ في هذه الدنيا، وزكّى نفسه وربّاها ووصل إلى مقام الصلاح، وأنجز تكاليفه على هذا الأساس، وقام بما عليه اتّجاه الناس، فهل ارتحل الله بارتحاله؟! إنّ إلهه لم يرتحل. وكلّ مَن يشخّص أنّ مسيرًا ما صحيحٌ، فعليه أن يسلكه. كان هذا العبد قد طرح هذا الموضوع في الليلة الرابعة لارتحال المرحوم العلّامة، حيث قلتُ: لكلّ شخص أن يذهب حيث يريد، ولا يوجد ما يجبره على البقاء، فلا يأتي غدًا ويقول: لقد بقيتُ في هذه المدرسة مِن أجلكم. [أقول:] إن كنتَ قد بقيت لأجلنا، فبقاؤك هذا هباء، فإن شئت المغادرة فغادر، فهناك الكثير مِنَ الأماكن، وفيها الكثير مِنَ الناس، وهناك الكثير مِنَ المجالس.

  • يوجد الآن الكثير مِنَ المجالس الأخلاقيّة في المدن؛ كم مجلس موجود في طهران، فمَن أراد، فليذهب وليحضر فيها. كلّ مَن أحبّ مدرسة ما، فليلتحق بها، فإن لم يفعل، سيكون مسؤولًا عن عمله هذا، لأنّه يكون قد عمل على خلاف ما يمليه عليه عقله واطمئنانه، وعليه أن يُجيب عن هذا التصرّف يوم القيامة. أمّا مَن أراد أن يبقى في هذا المسير، فهذا ما يجب عليه فعله، وعليه أن يتحرّك طبق هذا الأساس.

العرفانُ مدرسة الدساتير الإلهيّة لا غير - أجوبة على أسئلة ورسائل

16
  • وهذا الأمر مطروح الآن أيضًا، وبنفس تلك الكيفيّة، فكلّ مَن يرى طريقًا أفضل [مِن طريقنا]، وأشخاصًا يُقدّموا مطالبًا أفضل [منّا، فليلتحق بهم]. يوجد الآن الكثير مِنَ المجالس الّتي تُدرِّس كتب المرحوم العلّامة، والعبد على اطّلاع على كثير منها، ولكن لا علاقة لهم بالعبد. هناك الكثير منهم في طهران وفي بقيّة المدن، وهم يقرؤون نفس هذه الكتب [الّتي نقرؤها] ومِن ضمنها كتب المرحوم العلّامة، وهم يوصون تلامذتهم ومَن يرتبط بهم بمطالعة الموضوعات نفسها، ولكنّي لا أعرف عنهم شيئًا ولا أخبار لديّ عنهم، وهم مقتنعون بما يقومون به، مقتنعون جدًّا، [فمَن يريد ذلك] فليذهب إليهم، متداركًا وضعه. أمّا إن أراد أن يثبت على هذه المطالب [الّتي نطرحها] ويلتزم بها، وأن يحطّ رحله هنا، أي إن أراد أن يعمل بالمطالب الّتي أُتيحت له، عليه أن يجدّد النظر في الموارد الّتي يحسّ أنّه ضعيفٌ فيها، أي الموارد الّتي يرى أنّها نقاطُ ضعفٍ، وخلاصة الأمر، وبجملةٍ واحدة: يجب عليه أن يبادر إلى العمل قبل أن يُكلَّف به ويُطرح عليه، فلا ينتظر المواضيع حتّى تُطرح، وما بالك حينئذ بالمواضيع الّتي يتم التنبيه والتأكيد عليها.

  • ويجب الانتباه إلى أن مسؤوليّة هذا العبد – مِنَ الآن وصاعدًا – اتّجاه الأفراد الطالبين للحقيقة، والّذين يشعرون أنّهم بحاجة، والساعين لمعالجة أمراضهم، والباحثين عن ضالّتهم، واقعًا لا لفظًا، فإنّ مسؤوليّة العبد اتّجاه هؤلاء هو أن أطهّر طريقهم مِنَ الأفراد الّذين لا يريدون السير وفق الموازين المطروحة.

  • على كلّ حال، إنّ الأمر لا يجري في اتّجاه واحد فقط؛ فما ذنب الشخص الّذي يبحث عن الحقيقة، حتّى يواجِه أوساخًا تعيق سيره في هذا الطريق؟! نعم، ما هو ذنب هكذا شخص، ما ذنبه؟!

  • أنّا أطرح هذا الموضوع اليوم لأنّه آن الأوان للتحرّك، فأنا أشعر بأنّ تساهلي مع هؤلاء الناس، يخالف الدستور الصريح لوالدي، فلا يستطيع هذا العبد أن يتجرّأ ويتجاسر أكثر مِن ذلك ويقف بوجه دساتيره، ويسدّ الحركة المعنويّة لسائر الأفراد مراعاةً لمصالح بعض الناس الدنيويّة.

  • ولهذا السبب، فأولئك الّذين يعلمون أنّهم لا يستطيعون أن يجعلوا أنفسهم تتوافق مع ما أشرت إليه، عليهم مِنَ الآن وصاعدًا أن لا يُتعبوا أنفسهم بالاتصال بهذا وذاك، ويقولون: لماذا يحصل هذا، ولماذا يحصل ذاك؟! نعم، عليهم أن لا يُتعبوا أنفسهم بهذه الاتّصالات الهاتفيّة، والتحدّث في مجالسهم بتلك الكيفيّة. وليعلموا أن لا رجعة عن هذا القرار، فلا يُؤذوا أنفسهم، ولا يُتعبوا غيرهم.

العرفانُ مدرسة الدساتير الإلهيّة لا غير - أجوبة على أسئلة ورسائل

17
  • لقد جاء في الآية الشريفة، وهي آيةٌ عجيبة جدًّا، نعم، إنّها آية في غاية العجب: ﴿وَأَقْسَمُوا بالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ﴾ أي قد أقسم أولئك المشركين بالله، ولم يكتفوا بالقول إنّهم سيفعلون كذا، بل عقدوا العزم وبايعوا وأقسموا لئن جاءتهم الهداية مِنَ الله ورسوله ﴿لَيَكُونُنَّ أَهْدى‌ مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ﴾۱ أي سيسبقون كافّة الأمم، وسيلتحقون بالحقّ ويتمسّكون به ويعملون بما جاء فيه، نعم، كانوا قد أقسموا على ذلك. وعندما جاء نبيّنا، وجاءهم النذير مِن جانب الله، تراجعوا بأجمعهم. يا للعجب! النبيّ لا يوزّع الحلوى دائمًا عندما يجيء، بل يأمر بهذا العمل وينهى عن غيره، فكانوا يرون أن بعض الأعمال تتلاءم مع أذواقهم، وبعضها لا تتلاءم، فقالوا: يا للعجب، إنّ هذا النبيّ الّذي جاء، لا يعمل وفق ما نريده، بل هو يسلبنا مكانتنا! نحن نريد أن نصعد ونحتلّ مركز الرئاسة، وكنّا نلوّح هنا وهناك بأنّ الرئاسة لنا، وها هو يريد أن يسلبها منّا، فيا له مِن نبيّ! إنّه لا ينفعنا أيّها الناس، فلنبحث عمّن يحفظ لنا منصب الرئاسة. [أقول:] نعم، إنّ النبيّ جاء ليسلب منك الرئاسة يا عزيزي، لا أن يمنحك إيّاها؛ ما الّذي تعنيه الرئاسة؟ إنّها ليست سوى خزعبلاتٍ وزخارفٍ دنيويّة، وهي صدأ النفس الّذي يجب أن يُزال عنها، لأنّ النفس محلُ تجلّي ذات الله نفسها:

  • آیینه شو جمال پری طلعتان طلب***...‌٢
  • [يقول: كن مرآة مصقولة ثمّ اطلب أن يتجلّى فيك جمال المَلَك].

  • فما لم يصبح الإنسان كالمرآة، لا يمكن أن يطلب ظهور جمال الملائكة فيه. لقد أتى النبيّ ليُنذرنا قائلًا: إن قمت بهذا العمل ستُعاقب، وعليك أن لا ترتكب هذا الذنب. أمّا نحن، فنتصوّر أنّه سيبسط أيادينا، إلّا أنّنا نرى أيادينا مقيّدة بسبب الاستكبار والأنانيّة، وهو ما دفعهم ليضعوا كلام النبيّ جانبًا، وذلك في الوقت الّذي كان الله يقول: إنّ هناك سُنّةً جرت في كافّة الأديان السابقة، وعبر القرون [وخلال] مئات آلاف السنين. نعم، كانت سُنّةً وستبقى موجودةً، ستبقى ما دام هناك إنسانٌ حيّ، وهي أنّه لا بدّ أن يأتي اليوم الّذي يُرسل فيه نذيرٌ يَنهى ويزجر، نعم، لا بدّ أن يأتي مَن يقوم بذلك يومًا ما، فعلينا أن نُهيّئ أنفسنا لتقبّل أوامره ونواهيه. وعلينا أن ننظر إلى الضربة الّتي نتلقّاها على أنّها هديّةٌ إلهيّة جاءت لتُنجينا مِن هذه النفس ومِنَ الشيطان، لا أن نعارضها ونأخذ موقفًا اتّجاهها، فنبدأ بالاتّصالات الهاتفيّة بهذا وذاك ونتساءل: لماذا حصل هذا الأمر، ولماذا حصل ذاك؟! أو نقول: لم نُخبر بما حصل! أو نقول: كنَّا نعلم! أو نقول: لم نكن نعلم! وهذه المسألة تشمل الجميع رجالًا كانوا أم نساءً.

    1. سورة فاطر، جزء مِنَ الآية ٤٢، وتمام الآية: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا﴾. (م)
    2.  *** هذا شطر من بيت شعر لصائب التبريزيّ، وتمام البيت: 
      آئینه شو جمال پری طلعتان طلب***جاروب زن به خانه وپس میهمان طلب. [المترجم]

العرفانُ مدرسة الدساتير الإلهيّة لا غير - أجوبة على أسئلة ورسائل

18
  • قلتُ للرفاق الّذين يعملون على نشر مؤلّفات المرحوم العلّامة، وقد رأيتُ ما نالوه مِن توفيقٍ إلهيّ بحمد الله، لأنّهم أصحابُ نقاءٍ وصادقون، نعم، إنّهم صادقون في مسيرهم، وقد لمستُ صدقهم، وإلّا لَما تعاملتُ معهم، قلتُ لهم: أيّها الرفقاء، إنّ أوّل شيءٍ عليكم القيام به هو أن تضعوا أنفسكم جانبًا، وتستبدلوها بالصفاء والصدق، أتعلمون أيّ عملٍ تقومون به الآن؟ إنّكم تُروِّجون لمدرسة المرحوم العلّامة؛ ولكنّنا تعساء لا نعلم! [وإن كان الأمر كذلك] فهناك ألف طريقٍ آخر! فهل أصابنا القحط حتّى نأتي إلى هنا! يمكننا الذهاب إلى أماكن أخرى، حيث يُقدّمون أموالًا أكثر ويحتضنونا بشكلٍ أفضل! أمجبورون نحن! أين الجبر؟! ذهبتُ إليهم وأردتُ اختبارهم، فقلتُ لهم أريد أن أقوم بأمر وهو تسليم هذه الكتب – الّتي عمِلتم على تنظيمها – إلى مخالفينا ليطبعوها وينشروها بأسمائهم، فماذا تقولون؟ قالوا: ما المانع مِن ذلك، إنّ الأمر لك، فما بذلناه مِن جهدٍ وعملٍ إلى الآن كان لنشر هذه الكتب، فلا يعنينا أن تُكتب أسماؤنا عليها. وعندما لمستُ صدقهم، سجدتُ لله سجدة شكرٍ – لم يكن ذلك بحضورهم طبعًا بل حصل فيما بعد – وقلت: الحمد لله الّذي يسّر لي هؤلاء الرفقاء الّذين يجب أن أغبطهم على حالتهم هذه. فهم يقولون: خذ ما قمنا به مِن عمل وسلِّمه لأولئك، بل اطبعه باسمك، وليُكتب عليه (طُبع هذا الكتاب بإشراف فلان). هذا ما يُقال له (الصدق والصفاء)، وهذه هي الاستقامة وتجاوز النفس، أي أن تُترك النفسُ جانبًا ولا تُلاحظ. فما هي نتيجة عملهم هذا؟ سيحظى عملهم بتأييد أولياء الله، وسيضع الأولياءُ أياديهم على رؤوسهم لحمايتهم، وستهيمن الروحانيّة والنورانيّة على هذا الجوّ. أمّا الأماكن الأخرى، واللهِ إنّها تسود فيها الكدورة والظلمة، فأنا لا أمزح!

  • مَن يريد أن تُسجّل هذه الأعمال باسمه، فليعلم وليكن على يقين أنّه لن يحضر مجالسهم، لا المرحوم العلّامة ولا أولياء الله ولا إمام الزمان، وإن كانوا يذكرون اسم إمام الزمان فيها، ويبكون عليه؛ وسبب ذلك هو أنّ الجوَّ شيطانيٌّ، ومحلٌّ لإبليس، لماذا؟ لأنّ النفْس دخيلةٌ في الأمر، وعندما تكون النفْس دخيلةً، يذهب الله جانبًا:

العرفانُ مدرسة الدساتير الإلهيّة لا غير - أجوبة على أسئلة ورسائل

19
  • ...***دیو چو بیرون رود فرشته درآید
  • [يقول: إذا غادر الشيطان حضَر المَلَاك].

  • فما دام الشيطان حاضرًا، فلا تستطيع الملائكة أن تدخل المكان، فهذا ليس مكانها المناسب، لأنّ طبيعة المكان تقتضي إمّا أن يكون مقرًّا للشياطين أو للملائكة.

  • منزل دل نیست جای صحبت اغیار...***۱
  • [يقول: إنّ منزل القلب ليس مناسبًا لاستقرار الأغيار]

  • هذا المنزل خاصّ بالله، ولا يمكن أن يجتمع في القلب اثنان، فلا يمكن الجمع بين محبوبين في نفس المكان، خصوصًا إذا كان المحبوبان كالسكين والجِبن، فكلٌّ منهما يقابل الآخر. أمّا لو كان المحبوبان يشبهان بعضهما البعض كالنبيّ وعلِيّ، فلا مانع مِن تواجدهما معًا لأنّهما متّحدان.

  • إنّ المعصومين الأربعة عشر متّحدون، نسأل الله أن يستقرّوا في قلوبنا، وأن يضيء طريقنا بنورهم؛ لو بلغ تعداد الأئمّة والأولياء مئة ألفٍ، فهم لا يتعدّون الواحد [في الواقع]، أمّا الأمران المتضادّان فلا يمكن جمعهما في مكانٍ واحد. يقول العظماء: نحن أهل السخاء والجود والعطاء، فسنمنح سهمنا مِن هذا القلب إلى مَن سيُشاركنا إيّاه، فليكن كلّ القلب له. لماذا يفعلون ذلك؟ لأنّهم أغنياء.

  • تقول تلك الآية٢: لا بدّ أن تواجه الإنسانَ – في طيّه الطريق إلى الله – أمورٌ تتعارض مع ميوله، نعم، لا بدّ مِن ذلك؛ وهذا ما كان عليه الأمر في زمن النبيّ والأئمّة والأولياء، وكذلك في زمن المرحوم العلّامة رضوان الله عليه؛ فهذه هي الحال دائمًا، فلا بدّ أن تواجه الإنسانَ أمورٌ لا تتلاءم مع ذوقه، وعليه أن يفكّر بإمعانٍ في هذا الأمر.

  • هذه هي المطالب الّتي نويتُ ذكرها بشكل مجمل، غير أنّ الحديث قد طال بنا بعض الشيء، ولعلّ هذه الإطالة ليست خارجةً عن محلّ [كلامنا]، إذ كان لا بدّ مِن توضيح الأمر بشكلٍ صريح، حتّى لا تستمرّ تلك الحالات، لأنّه قد نفد صبري! وأنا أقولها بكلّ صراحة وشفافية: لم يعد هذا العبد على نفس تلك الحالة السابقة والمزاج السابق، ولم أعد قادرًا على مجاملة الآخرين، وقد منعني الأطباء مِن هذه الأمور. لهذا أردتُ مِنَ الرفقاء والأصدقاء أن يركّزوا بشكل أكبر، حتّى يستفيد الجميع بأحسن وجهٍ مِن الأيّام القليلة المتبقيّة مِن أعمارنا والّتي قدّرها الله لنا، والّتي لا يعرف الإنسان كيف يقضيها، وحينئذ فلا أقلّ أن يقضيها بهدوء ونورانيّة وانبساط.

    1.  *** الغزل رقم ٢٣٢ مِن غزليّات الشيخ حافظ الشيرازيّ، وجاء كما يلي: 
      خلوت دل نیست جای صحبت اغیار***دیو چو بیرون رود فرشته درآید. [المترجم]
    2. لعلّه يشير إلى الآية ٤٢ مِن سورة فاطر، الآنفة الذكر: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا﴾. (م)

العرفانُ مدرسة الدساتير الإلهيّة لا غير - أجوبة على أسئلة ورسائل

20
  • فإن لم يَطلب الآخر منك شيئًا، فهل رأسك بدون أوجاع [حتّى تتبرّع بالقيام به]؟! أنا أتعجّب مِن هذا الأمر، فالرأس الّذي لا يُوجع صاحبه، لا يُشدّ بالمنديل. فعلى الإنسان – لا أقلّ – أن يقضي هذه الأيّام القليلة بهدوء واطمئنان، وأن يُحصّل نتائجَ إيجابيّةً مِن حياته الّتي يعيشها.

  • أسئلة وأجوبة

  • على أيّة حال، فلنشتغل الآن بهذه الأمور [وهي الإجابة على الرسائل] بمقدار ما يسمح به الوقت:

  • حكم لبس الجوارب البيض والعباءة

  • السؤال: ما هو حكم لبس الجوارب البيضاء السميكة؟

  • جواب سماحة السيّد: إن كانت الجوارب سميكةً، فلا إشكال فيها، ولا إشكال في لبس الجوارب غير السوداء، سواء كان لونها أبيضًا أو أيّ لونٍ فاتح، ولكن يُفضّل أن لا يكون لونها ممّا يُلفت الأنظار. على أيّة حال، لا إشكال فيه، وكانت هذه وجهة نظر المرحوم العلّامة أيضًا، فعلى ما أذكر أنّه كان يقول فيما يتعلّق بالحجاب: لا يوجد ما يوجب أن يكون الحجاب بشكل عباءة سوداء، فما المانع أن يكون الحجاب أو العباءة – على أنّه لم يذكر اسم العباءة – [بل قال: ما المانع] أن يكون اللباس مِنَ النوع الّذي يستر المرأة، كالعباءة الّتي لا تُظهر تفاصيل بدنها، وأن يكون لونها فاتحًا، بمعنى أن لا يكون قاتمًا جدًّا، فليس مِنَ الضروري أن يكون لون العباءة أسودًا.

  • حكم الرسم على الجلد بوغز الإبَر (التاتو)

  • السؤال: هل يوجد إشكال شرعيّ في عمل التاتو؟

  • جواب سماحة السيّد: [يضحك سماحة السيّد ويقول:] أرجو توضيح معنى هذه الكلمة، فأنا لم أتعامل بهذه الأشياء حتّى الآن. [وبعد أن تجيبه إحدى السيّدات، يقول:] لا إشكال فيه.

  • حكم كشف اليدين أمام الأجنبيّ

  • السؤال: هل يجب تغطية اليدين أمام الأجنبيّ، أي هل على المرأة ارتداء القفازات؟

  • جواب سماحة السيّد: لا إشكال فيه إلى حدّ المرفق، أمّا إن شعرت المرأة أنّ حتّى هذا المقدار يُلفت النظر، فعدم تغطيته حرامٌ، فيجب عليها تغطية الكفّ.

  • ضوابط أعلام العزاء وكيفيّة الكتابة عليها

  • السؤال: إشارة إلى ما ذكرتموه في المجلس السابق مِن ضرورة أن تكون الأعلام الّتي تُستخدم في شهر محرّم سوداء اللون، فهل يجب أن تكون الكلمات الّتي تُكتب عليها، باللون الأبيض، أم يمكن الكتابة بألوانٍ أخرى؟

العرفانُ مدرسة الدساتير الإلهيّة لا غير - أجوبة على أسئلة ورسائل

21
  • جواب سماحة السيّد: لا، لا إشكال في أن تكون صفراء أو خضراء، بشرط أن تَظهر منه حالة العزاء والحزن، لا أن تتّخذ هذه الكتابات وبشكل تدريجيّ حالة الزّينة؛ هذا ما قصده العبد، فلو ازداد عدد الألوان لانتفى الهدف مِن رفع الأعلام.

  • هل كحل العيون حاجب

  • السؤال: هل كحل العيون حاجب مِن وصول الماء إلى العين؟

  • جواب سماحة السيّد: لا، لا إشكال في ذلك، فيمكن للمرء أن يتكحّل ويتوضأ، نعم هنالك مواد توضع على العين ولها سماكة، بحيث لو لمسها الإنسان بيده لأحسّ بسماكتها، فلا بدّ مِن إزالتها في هذه الحالة، أمّا خصوص الكحل، فهو لون ليس إلّا.

  • حكم إغماض العينين في الصلاة

  • السؤال: إذا كان إغماض العينين أثناء الصلاة يساعد على توجّه الذهن إلى الله بشكلٍ أفضل، فهل في ذلك إشكال؟

  • جواب سماحة السيّد: نعم فيه إشكال، فلا بدّ مِنَ العمل بواجباتنا في الصلاة، والواجب هو أن يُبقي الإنسان عينيه مفتوحتين. كان بإمكان الله أن يأمر بإغماض العينين، ولكنّه لم يفعل، بل أمر بالنظر إلى التربة أثناء الصلاة، على أنّ الإنسان لو ركّز على ذلك، لحصلت له حالات أعلى بكثير مِن إغماض العينين. وكذا الحال أثناء السجود، فلا يجوز إغماض العينين، بل على المُصلّي أن ينظر إلى نفس النقطة الّتي يسجد عليها، على أنّ هذا أمر مستحبّ.

  • المجادلة والمشاجرة يفقدان زائر العتبات آثار الزيارة

  • السؤال: إن ضربت المرأةُ طفلها أو تجادلت مع زوجها وهي في طريقها لزيارة العتبات المقدّسة، فهل يكون ذلك مانعًا مِن قبول زيارتها؟

  • جواب سماحة السيّد: نعم، إنّ ذلك يمنع مِن قبول الزيارة، إذ يجب أن يكون الهدف مِنَ الزيارة هو كسب رضا الله، والقيام بما يريده الإمام، فإن قام بأمور لا تُرضي الأئمّة، ستفتقد النفس حضور القلب والتوجّه اللازم لجلب الفيض.

  • كم مرّة يجب زيارة الوالدين

  • السؤال: بالنسبة لنا، نحن الّذين نسكن في مدن تبعد تسع إلى اثني عشر ساعة عن مدينة مشهد، هل يكفي أن نزور الوالدين أربعة أو خمس مرّات في السنة؟

  • جواب سماحة السيّد: اعلموا أنّ هذا الأمر يعود إلى الأفراد أنفسهم، فأنا لا أستطيع أن أُعيّن حدًّا معينًّا لذلك، فلعلّ بعض الوالدين يرضون بأقلّ مِن ذلك. ثمّ إنّه يمكن التحدّث معهم هاتفيًّا، وزيارتهم بين الحين والآخر، وهذا يعتمد أيضًا على الظروف الخاصّة بالأفراد، كالأطفال وقيود [الحياة] والأشغال، فيجب أن يُحسب حساب جميع هذه الأمور، وهذا يحتاج إلى تشخيص الأفراد أنفسهم، فهم مَن يستطيع أن يعرف إن كان هذا العدد مِنَ الزيارات سيُرضي الوالدين أم يجب زيادتها أو ربّما تقليلها، فقد تكون [زيارتهما] مرّتين في السنة كافية لاسترضائهما، وهو ما يستطيعون عليه لا أكثر؛ فلا يمكن تعيين حدٍّ وحدودٍ هنا، فعلى الإنسان أن يتدبّر في هذا الأمر بينه وبين الله، [فيرى] إن كان سيحصّل رضا الله تعالى مِن هذه الزيارة أم لا.. لو أردتِ المطالبة بمالٍ قد استدانته مِنك إحداهنّ، أَمَا كنتِ ستقصدينها بدل زيارتك لوالديكِ؟! ولو كانت المرأة تعترض على زيارة زوجها لأمّه، فهل تمتنع هي أيضًا عن زيارة أمّها؟ وهكذا.. فهذا ما يجب على الإنسان أن يأخذه بعين الاعتبار. فالملاك والمعيار العامّ هنا هو أن يجعل الإنسانُ اللهَ فقط أمام عينيه، [فيبحث] عن أمر الله في هذا المورد – هذا هو المهمّ – كأن يسأل: ما هو حكم وأمر الله في هذه المسألة؟

العرفانُ مدرسة الدساتير الإلهيّة لا غير - أجوبة على أسئلة ورسائل

22
  • سكن المرحوم العلّامة سنواتٍ طويلة في مشهد، في حين كنتُ أسكن أنا في قم، وكان قد قال لي: متى سنحت لك فرصة، ولم يكن عندك ما يشغلك، يمكنك أن تأتي إلينا، فلا تُتعب نفسك وتوقعها في المتاعب. فحصل أن تأخّر ذهابي إلى مشهد شهرين ونصف، وعندما التقيتُ بالمرحوم العلّامة، أصابتني حالةٌ شعرتُ فيها بالخجل مِن عدم قدومي في وقت أبكر، هل التفتّم، فقد شعرت هناك أنّه كان بإمكاني الحضور في وقت أبكر، ولكنّني تكاسلت، لقد تكاسلت! باستطاعتنا أن نشخّص الأمر بأنفسنا، فنرى إن كنّا نقدر على القيام بالعمل أو إن كان شاقًّا علينا. وليس مِنَ الضرورة أن تكون جميع الأعمال الّتي نقوم بها سهلةً، [فليس الأمر أنّه] إمّا أن نُحمَل على سرير ناعم مريح، وإلّا فالتكاليف ساقطة عنّا! فكلّ فرد قادرٌ على تشخيص وضعه بنفسه.

  • حكم الجلوس مع أجنبيّ

  • السؤال: هل هناك إشكال في الجلوس في غرفة مع شخص أجنبيّ مع المحافظة على الحجاب الكامل، أم لا؟

  • جواب سماحة السيّد: يجوز في حالة كون الباب غيرَ مغلقٍ بل مفتوحًا، فإن كان الباب مفتوحًا بالشكل الّذي يمكن للآخرين أن يتردّدوا على الغرفة، فلا إشكال في ذلك، فيمكن أن يجلس أحدهما في مكانٍ والآخر في مكان منفصل، بشرط أن لا يكونان قريبان مِن بعضهما.

  • ما هو مقدار ما يجب ستره مِن وجه المرأة

  • السؤال: ما هو المقدار الّذي يجب ستره مِن الوجه؟

  • جواب سماحة السيّد: اعلموا أنّ المقدار الجائز كشفه هو قرص الوجه بشرط أن لا يراه الأجنبيّ، فلو جلست المرأة في مكانٍ تعلم أنّ الأجنبيّ لن يراها فيه، أو كانت تسير في الجانب الآخر مِنَ الطريق، وكان جميع الرجال مطرقين رؤوسهم إلى الأرض ماضين في حال سبيلهم، فلا إشكال حينئذٍ أن تكشف وجهها، أي هذا هو مقدار ما يجوز في هذا الأمر، سواء بالنسبة للكفّين أم الوجه.. الحالات تتفاوت، فيحصل أن يمرّ الرجل بجنب المرأة دون أن ينظر إليها، وهذا ما يحصل في بعض المجتمعات المتمدّنة، فتراهم لا ينظرون، فكلّ واحد منهم مهتمٌ بشأنه، ولو تقابلوا عشر مرّات، ما كان الرجل لينظر إلى المرأة، أمّا في بقيّة المجتمعات، كمجتمعنا مثلًا، فتراهم يفتحون أعينهم كالّذي يبحث عن شيءٍ ليتفحّصه جيّدًا، ففي مثل هذه الحالة، لا نستطيع أن نحكم بنفسِ حكمِ ذلك المجتمع، إذ الحكم يختلف باختلاف الظروف.

العرفانُ مدرسة الدساتير الإلهيّة لا غير - أجوبة على أسئلة ورسائل

23
  • وبالرغم مِن كون نظر الرجل إلى وجه المرأة حرامًا، فإنّه مِن جانب آخر يحرم على المرأة أن تضع نفسها في مرأى الآخرين، فيمكنها أن تغطي وجهها بمقدارٍ تستطيع أعينها أن تبصر الطريق، فلها أن تكتفي بهذا المقدار.

  • هل يجب على المرأة ستر يديها

  • السؤال: وماذا عن تغطية اليد؟

  • جواب سماحة السيّد: [الأمر فيه] هو نفس ما ذكرته [في مسألة ستر الوجه].

  • التوفيق بين القيّوميّة والاحترام

  • السؤال: بسبب تأكيدكم الكبير في المجالس على ضرورة طاعة المرأة لزوجها، وعلى ضرورة احترام وطاعة الوالدين، التزم الكثير مِن رفقاء الطريق مِنَ الرجال بهذا الجانب فقط ونسوا ضرورة احترام الزوجة ومسألة الجمع بين [الاهتمام] بالزوجة وبين [الاهتمام] بعائلة الزوج! ثمّ إنّهم يتأثّرون بأقل إشارة وتدخّل مِن قِبَل والديهم، ولا يأخذون بعين الاعتبار احترام الزوجة.

  • جواب سماحة السيّد: إنّ واجب الزوج معلوم، ومسألة طاعة المرأة لزوجها لها مكانتها، وكيفيّة تعامل الزوج مع زوجته لها مكانتها الخاصّة أيضًا، فلكلِّ موضوعٍ مِن هذين الموضوعين شأنه الخاصّ؛ فعلى المرأة أن تطيع زوجها، وعلى الزوج أن لا يستغلّ هذه الطاعة، فإن فعل ذلك، سيكون قد ارتكب محرّمًا وسيكون مسؤولًا أمام الله عن عمله هذا. غير أنّ هذا الأمر لا يسمح للمرأة أن تنسى واجبها عندما ترى مِنَ الزوج أمورًا غير ملائمة، كأن تضع نفسها في موضع المواجهة، بل إن امتنعت عن المواجهة سيزيد الله مِن أجرها، وسيمنحها ما يَمنح المرأة العاملة بالتكليف الملقاة على عاتقها.

  • حول مقام العصمة

  • السؤال: إذا بلغ الوليّ مقام البقاء في الله هل يكون قد بلغ بذلك مقام العصمة؟

  • جواب سماحة السيّد: نعم، يكون قد بلغ العصمة، على أنّ المقصود بالعصمة هنا هي العصمة في الأفعال، لأنّ فعله هو عين فعل الله. ولقد أوضح العبد هذا الموضوع في الجزء الثاني مِن كتاب (أسرار الملكوت)۱، لذا لن أقدّم [هنا] المزيد مِنَ التوضيح [فمَن أراد التفصيل فليُراجِع الكتب المذكورة].

  • السؤال: إن مُنح [الوليّ الإلهيّ] العصمة، فما هو الفرق بين عصمته وعصمة الإمام؟

  • جواب سماحة السيّد: لقد أوضح العبد هذا الموضوع، فعلى الرفقاء الرجوع إلى [الكتاب]، ستجدون الجواب هناك٢. كما تمّ شرح هذا الموضوع في كتاب (اُفق وحى)، في القسم الخاصّ بالعِلم٣، ووضّحناه هناك.

    1. لعلّ المورد المشار إليه، تجدونه عمومًا تحت عنوان (المجلس الحادي عشر: خصوصيّات العارف الواصل ومميّزاته‌) صفحة ۱٦٣ مِنَ المصدر المذكور، وخصوصًا تحت الخصوصيّات الثالثة والخامسة والسابعة. (م)
    2. إنّ المصدر الّذي يشير إليه سماحته هو كتاب (أسرار الملكوت). (م)
    3. هو كتاب باللغة الفارسيّة تحت اسم (افق وحى) لسماحة المحاضِر (قدّس الله سرّه)، ومعناه بالعربيّة (أفق الوحيّ)، والقسم المشار إليه هو الفصل الثاني مِنَ الطبعة الفارسيّة. (م)

العرفانُ مدرسة الدساتير الإلهيّة لا غير - أجوبة على أسئلة ورسائل

24
  • ما هي الوظيفة اتّجاه مَن يستجدي المال مِنَ الآخرين

  • السؤال: ما هو تكليفنا اتّجاه مَن يتخذ الاستجداء مهنةً، فيطلب منَّا أن نعطيهم المال؟

  • جواب سماحة السيّد: يستطيع الإنسان أن يعطيهم مقدار ما يرفع عنهم [حاجتهم] الضروريّة، لأنّ الكثير منهم يتّخذون الاستجداء مهنةً، لا أنّهم يستجدون لرفع الحاجة، فإن شعر الإنسان أنّهم محتاجون حقًّا، يستطيع أن يقدّم لهم مقدار ما يرفع حاجتهم، أمّا إن شعر أنّهم فقراء فعلًا، فيمكنه أن يزيد مقدار المبلغ [الّذي يقدّمه لهم].

  • حكم قراءة آيات السجود في الصلوات الواجبة

  • السؤال: هل يجوز قراءة السورة الّتي تشتمل على آيات توجب السجود في الصلوات الواجبة؟

  • جواب سماحة السيّد: مِنَ الأفضل عدم قراءتها.

  • ما معنى وسبب رؤية الأحلام السيّئة والمخيفة باستمرار

  • السؤال: ما هو سبب رؤية الأحلام السيّئة والمخيفة باستمرار، فهل هو كفارة ذنوبه، أم ناشئ مِن اضطراب النفس؟

  • جواب سماحة السيّد: لا، بل هذا الأمر يتعلّق بوضع الإنسان الحاليّ أكثر مِن تعلّقه بما حصل معه في الماضي، فعلى الإنسان أن يراجع نفسه ليرى ما الّذي فعله طوال يومه، وبأيّ شيء أشغل وقته، ومع مَن تكلّم واتّصل هاتفيًّا، ومع مَن تبادل الاستفسارات عن الأحوال، وبأيّة مسائل كان يفكّر، وهل أدّى التكاليف الملقاة على عاتقه؛ فعليه أن يبحث عن السبب في الأمور الّتي جرت معه في يومه.

  • متى يمتنع على المرأة الحمل

  • السؤال: ما هو المقصود مِنَ الضرر الجسمانيّ الّذي يجب ارتفاعه حتّى تستطيع المرأة أن تحمل؟ وإن كانت المرأة تعاني مِن آلام قد تشتدّ عليها أثناء الحمل، فهل عليها أن تحمل، أم يجب عليها الصبر حتّى تزول تلك الآلام؟ وما هو الحدّ الّذي أجازه الله للمرأة لكي لا تحمل؟

  • جواب سماحة السيّد: إنّ الألم وحده ليس مانعًا مِنَ الحمل؛ إنّ سبب الألم هو وجود مرضٍ، فإن كان الحمل سيتسبّب في زيادة حدّة المرض، فيُمنع الحمل حينئذٍ. مثلًا، قد تعاني المرأة مِن وجع الظهر، أو انزلاقٍ غضروفيٍّ، فيُقال في مثل هذه الأحوال: إنّ الحمل سيسبّب لها ضررًا، لأنّه مِنَ الممكن أن يزيد مِن آلامها، إذ مِنَ الطبيعيّ عندما تصبح المرأة ثقيلة [بسبب الحمل] وتبرز [بطنها] إلى الأمام، سيسبّب ذلك ضغطًا على الفقرات وعلى القرص الغضروفيّ، وهذا مبرِّرٌ صحيحٌ [لعدم الحمل]. أمّا إذا كان مِنَ الممكن أن يرتفع هذا الألم أو الضرر بعد الحمل، فيمكن للمرأة [أن تداري نفسها] باختيار الوضع الّذي يُقلل عليها الألم، ثمّ قد يرتفع الألم وتعود إلى حالتها الطبيعيّة أو تبقى على وضعها السابق، ففي هذه الحالة لا يمتنع [عليها الحمل]. نعم، إن كان الحمل يزيد الانزلاق، ويُشكّل خطرًا على المرأة، فهذا يستوجب الامتناع عن الحمل، وكذلك الأمر بالنسبة إلى سائر الحالات الّتي قد تتعرّض لها المرأة.

العرفانُ مدرسة الدساتير الإلهيّة لا غير - أجوبة على أسئلة ورسائل

25
  • التخلّص مِنَ الحساسيّة الزائدة وسرعة الانفعال

  • السؤال: كيف يمكن التخلّص مِنَ الحساسيّة الزائدة وسرعة الانفعال؟

  • جواب سماحة السيّد: لا بدّ مِنَ المراقبة هنا؛ وهذا هو معنى المراقبة؛ إنّ المراقبة تعني أن يجعل الإنسان نفسه في جوٍّ يُخرجه مِن حالة الانفعال، ويمنحه القدرة ويجعله يتصوّر أنّه قادرٌ على مراقبة نفسه عندما يواجه ظاهرةً وحدثًا واقعيين. فإن مرّن الإنسان نفسه، سيرى بعد مدّة كيف ستتبدّل روح الحسّاسة إلى روحٍ عاديّةٍ وقادرةٍ على هضم المواضيع، تلك المواضيع الّتي لم تكن الروح قادرةً حتّى على سماعها.

  • ما هو الاستعداد الروحيّ للحمل

  • السؤال: ما هو المقصود مِنَ الاستعداد الروحيّ للحمل؟ وكيف نستطيع أن نعرف [إن كان عذر عدم القابليّة على الحمل] هو أمر نفسانيّ؟

  • جواب سماحة السيّد: لا حاجة للاستعداد الروحيّ، نعم، لا حاجة لمثل هذا الاستعداد، فالاستعداد هو هذا، فلدى الجميع الاستعداد لهذا الأمر، فلا يوجد شيء خاصّ في هذا الأمر.

  • حول كراهة قصّ الأظافر ليلًا

  • السؤال: قلتم في أحد أحاديثكم إنّ قصّ الأظافر ليلًا مكروه، وقلتم حينها إنّ سبب ذلك يعود إلى قلّة النور في الليل وأنّه يُسبّب الالتهاب، فهل ترتفع الكراهة الآن مع انتفاء قلّة النور؟

  • جواب سماحة السيّد: لم يقل العبد إنّ الكراهة ترجع إلى قلّة النور! مِنَ المستبعد أن أقول ذلك! فإنّ مسألة قصّ الأظافر ليلًا لا ترجع إلى الناحيّة الظاهريّة فقط، بل للمسألة جانبٌ باطنيٌّ كما جاء في روايات الأئمّة عليهم السلام، فكراهة [ذلك] ليلًا لا يعود إلى قلّة النور. وبصورة عامّة، هناك ارتباط بين الأعمال الّتي نقوم بها وبين الأمور المثاليّة والبرزخيّة والملكوتيّة، ولهذا وصّوا بعدم قصّ الأظافر ليلًا، فذلك قد يسبّب حضور الجنّ، ولا علاقة للموضوع بالنور وغيره.

  • هل يمكن للإنسان أن يغيّر شاكلته

  • السؤال: هل تغيير الشاكلة ممكن؟

  • جواب سماحة السيّد: إن كان المقصود بالشاكلة، هو بعض الصفات الموجودة في الإنسان، فنعم، يمكن للمرء أن يرفع بعض الصفات فيه؛ فبعض الناس بُخلاء [مثلًا]، فيمكنهم القيام ببعض التمارين للقضاء على صفة البخل هذه، وقد يكون البعض حسودًا، فيمكنه اتّباع بعض أنواعِ المراقبات حتّى يمحوَ صفة الحسد ويستبدلها بصفاتٍ حسنةٍ. هذا فيما إن كان المقصود مِنَ الشاكلة ما ذكرتُ، فالشاكلة بهذا المعنى قابلةٌ للتغيير. أمّا إن كان المقصود مِنَ الشاكلة تلك الخصوصيّة الوجوديّة الخاصّة بكلّ شخص، فلا يمكن ذلك، فهي غير قابلةٍ للتغيير.

العرفانُ مدرسة الدساتير الإلهيّة لا غير - أجوبة على أسئلة ورسائل

26
  • ما هو حكم الاحتفال بعيد النوروز (سُفرة السينات السبع)

  • السؤال: في السنوات الأخيرة، وقبل أن تبدأ عطلة فروردين۱، صارت المدرسة تُعِدّ مأدبةً تحت عنوان (سفرة السينات السبع)، ويقيمون احتفالًا للأطفال، فهل يوجد إشكال في ذهاب الأطفال إلى المدرسة في ذلك اليوم أم لا؟

  • جواب سماحة السيّد: على كلّ حال، هذا الموضوع مخالفٌ للشرع، إنّ إقامة (مأدبة السينات السبع) مخالفٌ للشرع، وعلى خلاف مذاق الإسلام. لا يوجد لدينا احتفالٌ [في الإسلام] باسم النوروز، بل هذا احتفال للكفّار وليس عيدًا إسلاميًّا، وقد نهى عنه الإسلام. ووفقًا للرواية الواردة عن الإمام الكاظم عليه السلام، فهي مِنَ البدع المبتدعة، وعلى الشيعة اجتنابها. [أمّا بالنسبة لكيفيّة التعامل مع هذا الأمر] فيمكن للإنسان أن يتصرّف بشكلٍ غير منفّرٍ، فيتصرّف تصرّفًا تنبيهيًّا دون أن يواجههم بحدّة، فيقابل هذه الظواهر بلطائف الحيل، لأنّ الناس لا تعرف عن الموضوع شيئًا، فالكثير منهم لا اطّلاع لديهم، فلا يصحّ تنبيه الناس في جميع الأحوال بالتهديد والتوبيخ والخطاب والعتاب، فيمكننا أن ننبّههم بأسلوبٍ لطيف وطريقة حسنة. على كلّ حال، لا يجوز الاحتفال بهذه المناسبة بعنوانها عيد النوروز، فهو ليس مِنَ الإسلام في شيء، ويجب تركه.٢

  • هل لكلام وليّ الله حجّية ذاتيّة ككلام الأئمّة عليهم السلام

  • السؤال [باللغة العربيّة]: هل لكلام وليّ اللَه حجيّة ذاتيّة على الناس مثل الإمام المعصوم، باعتبار أنّ ﴿اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا﴾٣ و ﴿أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾٤. [والظاهر أن سماحته أعاد قراءة السؤال بالفارسية على الحضور]

  • جواب سماحة السيّد: نعم، كما ذكر هذا العبد في كتاب (اُفق وحى)، وفي الجزء الثاني مِن كتاب أسرار الملكوت،٥ مِن أنّ وليّ الله معصومٌ في المسائل الاجتماعيّة الّتي يطرحها، والمسائل المرتبطة بالنفس والتربية، أمّا المسائل العاديّة، فيمكن أن يُخطئ فيها، فمِنَ الممكن أن يقول مثلًا: هذا ماء، والحال أنّه ليس ماءً بل رقّي. نعم، هذه الأمور تحصل، فهم لا يريدون أن يُخرجوا أنفسهم مِن إطار البشر العاديّين، وإن كانوا يستطيعون ذلك، غير أنّهم مراعاةً لحرمة الولاية، ومنعًا لحصول شبهات عند الناس، فهم يتصرّفون في هذه الموارد كما يتصرّف سائر الناس.

    1. فروردين هو الشهر الأوّل مِنَ الأشهر الشمسيّة الفارسيّة المعتمدة في إيران، وفي مثل هذا الشهر تبدأ عطلة الربيع في إيران وتشمل المدارس. [المترجم]
    2. للمحاضِر سماحة السيّد محمّد محسن الطهرانيّ (قدّس الله سرّه) بحثٌ علميّ فقهيّ وأصوليّ مفصّل حول النوروز، أفرده في كتاب تحت عنوان (نوروز در جاهليت واسلام)، كتبه بالفارسيّة. (م)
    3. سورة البقرة، جزء مِنَ الآية ٢٥۷.
    4. سورة النساء، جزء مِنَ الآية ٥٩.
    5. تمّت الإشارة قبل صفحات إلى الموردين المقصودين في الكتب المذكورة. (م)

العرفانُ مدرسة الدساتير الإلهيّة لا غير - أجوبة على أسئلة ورسائل

27
  • لقد رأى [هذا] العبد الكثير مِن هذه الأمور في زمن المرحوم العلّامة، فتراه مِن جانب يعطيني الكتب الّتي يؤلّفها لأصحّحها وأدقّقها، فأعثر فيها على بعض الأخطاء، ومِن جانب آخر، عندما ابتلي بمرض تمدّد الأوعية القلبيّة، الّذي عجز الأطباء عن تشخيصه، فكان كلّ واحد منهم يقول شيئًا، ثمّ شخصّوه في النهاية بأنّه ألمٌ صدريّ، والحال أنّ لألم الصدر ألفَ علّةٍ وعلّة، فلم يستطيعوا تشخيص المرض، فقال لي يومًا عندما كنت إلى جانبه في المستشفى: إنّ المرض الّذي أعاني منه هو تمزّق الشريان الأبهر، وهم لا يعرفون ذلك. إنّ هذا يدلّ على أنّ وليّ الله يعلم، غير أنّه يراعي الظاهر في تصرّفاته. مثلًا: لو وصفوا له دواءً غيرَ صحيحٍ، فترينه يتناول الدواء، وذلك لأنّه مريضٌ ولا بدّ أن يطيع المريضُ أمرَ الطبيب، فكان يتناول الأدوية ويُجري المسح [الطبيّ] الكذائي والسونوغراف والأشعة والرنين المغنطيسيّ، وفي النهاية يقول: ليس الأمر كما يقولون، بل إنّ مرضي هو شيءٌ آخر. إنّ هذه التصرّفات تعكس المراتب الأدبيّة للأولياء اتّجاه مقام الأئمّة عليهم السلام، وذلك لكي لا يتصوّر الناس أنّهم في نفس درجة الأئمّة، الأمر الّذي يُوجد خدشٌ في حرمة وحريم الأئمّة.

  • طلب وردّ

  • السؤال: مع اعتذاري التامّ، ألن تجيبوا على الأسئلة الّتي تمّ تقديمها في المرّة السابقة؟

  • جواب سماحة السيّد: يعتذر العبد كثيرًا، فالرسائل الّتي تمّ تقديمها في المرّة السابقة قد أضعتها، وكان ذلك خارجًا عن إرادتي، فيبدو أنّ تلك الأوراق قد فُقِدت خلال التنظيف وتغيير المكان، فإن كانت هناك أسئلةٌ، فأرجو تقديمها لأجيب عليها في المجلس القادم إن شاء الله.

  • ختام المحاضرة

  • أعتقد أنّ الوقت قد انتهى، فقد مضى علينا ما يقارب الساعتين ونحن نتحدّث مع الأصدقاء، وإن شاء الله لن أضيّع الرسائل هذه المرّة، بل سأضعها في مكانٍ تُحفظ فيه، حتّى تحين فرصة [الإجابة عنها]، إن وفّقني الله لأكون في خدمة الأصدقاء. وأتمنى أن يتحقّق هذا الوعد باللقاء مجدّدًا في وقت أقرب [ممّا سبق]، وذلك بهمّة الرفقاء والأصدقاء؛ فإن تكاسلتُ في أداء تكليفي، ستكون تلك الهمّة وذلك النَفَس الدافئ هما الدافعان لي إلى الأمام.

العرفانُ مدرسة الدساتير الإلهيّة لا غير - أجوبة على أسئلة ورسائل

28
  • على كلّ حال، أنا خجل مِنَ المطالب الّتي طرحتها اليوم، وأعتذر، فقد تجاوزت حدّي، فلعلّ هذه المواضيع لا علاقة لها بهذا المجلس وبالأصدقاء المتواجدين فيه أبدًا، ولكنّه على أيّة حال، لمّا كان مِنَ الواجب أن يصل هذا الكلام إلى مسامع الجميع، كان لا بدّ أن يُقال.. فقد شعرتُ أنّ كلامي السابق في هذا الشأن لم يكن كافيًا على ما يبدو، لذا استمرّ البعض على نفس الطريق الّذي كانوا يسلكونه، متصوّرين أنّ هذا المكان كبقيّة المجالس، مِن أنّ كلّ ما كان العدد أكبر كنّا [أكثر] سعادة، والحال أنّ الأمر ليس كذلك، فهذا المكان ليس هيئة۱، وأنا لست مِن [أهل] هذا النوع من المجالس، بل أبحث عن طالب حاجة أكسب الفيض مِن رفاقتي له. أنا لا أقول هذا الكلام تواضعًا، فأنا لست مِن أهل التواضع، ولم أكن كذلك حتّى في زمن المرحوم الوالد، وأشعر أنّ الأفضل لي ولوضعي هو أن أكون صريحًا، وهذا ما أدّى إلى اعتراض البعض على العبد في كلا الزمانين السابق والحالي. على كلّ حال، [فالأمر] كما ذكرتْ تلك السيّدة، مِن عدم إمكانيّة تبديل الشاكلة؛ وهذا مِنَ جملة الموارد الّتي أطلب فيها مِنَ الأصدقاء أن يقبلوا عذري. فقد شعرتُ أنّه مِنَ الأفضل أن أتكلّم مع الرفقاء بصراحة تامّة، لأنّ هذا الأمر في الواقع مفيدٌ لنا جميعًا.

  • علينا أن نعلم – كما أشرتُ سابقًا – أنّ هناك أماكن أخرى أيضًا، فعلينا أن لا نتلف أعمارنا! إنّ المائدة المدودة هنا، عليها غذاء خاصّ لا مثيل له في أماكن أخرى، والأغذية الّتي تُعَدّ في تلك الأماكن ليست موجودة هنا. على كلّ حال، إنّ الموائد الموجودة هناك معلومةٌ، وما يوجد هناك مِن مسائل معلومٌ [أيضًا]؛ هذا ما نشعر به؛ ونحن لا ندّعي العصمة، بل العكس، فأنا أدّعي إمكانيّة الخطأ والنسيان والنقص. وما نشعر به هو أنّه إن كنّا صادقين في سلوكنا ونيّاتنا، فلعلّنا نكون حينئذ مورد نظر ورعاية الله. هذا ما نشعر به حقًّا، لذا قد لاحظ الرفقاء ورأوا أنّ تصرّفاتنا في الكثيرِ مِنَ القضايا كانت مختلفةً، وقد شاهَدوا كيف نختلف عمّن يعتبر نفسه مِنَ الموالين للمرحوم العلّامة، فشهدوا مواقفنا وكلامنا فيما يتعلّق بتلك الأحداث، رغم ما واجهناه مِن اعتراضات وما يفوق الاعتراض، فمع هذا قلتُ ما كنتُ أراه صحيحًا، فلا يمكنني أن أتخطّى ما أراه، وليحصل ما يحصل، فأنا لا أستطيع [مخالفة ذلك]. وهذا الأمر سارٍ في علاقاتنا ببعضنا أيضًا.

    1. كلمة (هيئة) هنا اصطلاح يُطلق بالفارسيّة على ما يشبه الجمعيّة المعنيّة بإحياء المناسبات الشيعيّة وخاصّة العزاء منها، وهي منتشرة بكثرة في إيران، وتتّسم عادة بعدم الانضباط، والحاكم فيها أفكار وانفعالات العوام. (م)

العرفانُ مدرسة الدساتير الإلهيّة لا غير - أجوبة على أسئلة ورسائل

29
  • هذا العبد يرى نفسه مسؤولًا اتّجاه مَن يشعر بالحاجة ويبحث عن دواء، ومَن يسعى لرفع عوزه ويبحث عمّا يفتقده؛ فقد تمّ تكليف هذا العبد بهذه المهمّة، ولقد قبِلني هؤلاء بعنوان الرفيق الّذي يستطيع أن يضع بين أيديهم مطالبَ العظماء، فحمَّلوني هذه المِنّة، وأنا أشعر بالمسؤوليّة والتكليف اتّجاه صدقهم وصفائهم هذا، فإن كانت هناك شوائبٌ في طريقهم سأزيلها، وإن وُجِدَ مَن يُعيق سيرهم سأنحّيه عن طريقهم؛ أنا لا أمزح ولا أجامل، فعلى أولئك أن يعلموا أن المطالب الّتي يطرحونها تصل إلى مسامع هذا العبد! أعتقد أنّ الأمر قد انتهى عند هذا الحدّ، وأنّه قد تمّ طرح ما يمكن طرحه. وعلى كلّ حال، إن شَعَر أحدٌ أنّ الارتباط بهذا الحقير يتنافى مع أهدافه ولو بمقدار رأس إبرة أو مثقال ذرّة، فنقول له: نتمنّى لك الخير، ونرجو لأنفسنا السلامة.

  •  

  • اللهمّ صلِّ على محمّد وآلِ محمّد