23

الاعتدالُ هو سنّةُ اللهِ لسالكي الطريق

الإجابة عن أسئلة مختلفة المواضيع

217
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمالمرأة والأسرة

المجموعةالمرأة والأسرة - قم


التوضيح

قسّم سماحة السيّد محمّد محسن الطهرانيّ هذه المحاضرة إلى قسمين: خصّص القسم الأوّل منها لموضوع الاعتدال، لِما فيه مِن أهميّة محوريّة في سلوك الإنسان، فبسط الكلام فيه تعريفًا وتوضيحًا وتقريبًا وتمثيلًا وتطبيقًا. وخصّص القسم الثاني منها للإجابة عن أسئلة مكتوبة، تنوّعت مواضيعها بين التربية، والأسرة، والعلاقات الاجتماعيّة، والحجّ، وتوضيح مقام (هو)، ورفع شبهة حول إحدى حالات السيّد الحدّاد في أيّام عاشوراء، وبيان الأحكام الشرعيّة لبعض المواضيع، وغير ذلك. وقد اشتملت بعض الإجابات على تنبيهات وإشارات قيّمة، منها حول كيفيّة تعامل سماحته مع الأسئلة الّتي تُرسل إليه.

/۳۵
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

الاعتدالُ هو سنّةُ اللهِ لسالكي الطريق - الإجابة عن أسئلة مختلفة المواضيع

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • الاعتدالُ هو سنّةُ اللهِ لسالكي الطريق

  • الإجابة عن أسئلة مختلفة المواضيع

  •  

  • المرأة والأسرة – قم – الجلسة٢٣ 

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني 

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

الاعتدالُ هو سنّةُ اللهِ لسالكي الطريق - الإجابة عن أسئلة مختلفة المواضيع

2
  •  

  •  

  • أعوذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم

  • بسم الله الرحمن الرحيم

  • وصلَّى الله على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمّد

  • وعلى آله الطيّبين الطاهرين

  • واللعنة على أعدائهم أجمعين

  •  

  •  

  • الاعتدال هو سنّةُ الله لسالكي الطريق

  • الاعتدال هو الوسطيّة في الأمور الظاهريّة والباطنيّة

  • ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾۱؛كثيرًا ما تؤكّد الآيات القرآنيّة وكذلك الروايات الواردة عن أهل البيت وكذلك كلمات العظماء، على موضوع الاعتدال؛ الاعتدال يعني المحافظة على أفضل وأنسب مستوى مِنَ الصحّة والسلامة والعافية الظاهريّة والباطنيّة؛ الاعتدال هو أن تكونوا أمّةً وسطًا٢.

  • الاعتدال مطلوب دائمًا؛ فإن تعلّق الاعتدال بالأمور الظاهريّة والجسميّة، فعلينا أن ننظر حينئذ كيف يجب أن تجري الأمور وفق قانون الاعتدال للمحافظة على صحّة وسلامة البدن، وكيف يجب أن تراع الموازين الّتي ينتظم البدن بها. ولا يختلف الأمر في سائر الأشياء، حيث يجب أن تسير فيها الأمور على أساس الاعتدال، وذلك مِن أجل أن يستمرّ الجسم في نموّه ودفع الآفات عنه. وإن اختلّ هذا الاعتدال سيمرض الإنسان؛ مثلًا، لو ارتفعت نسبة اليوريا أو انخفضت، أو تغيّر ميزان حامض اليوريك، أو تغيّرت نسبة الدهون بانخفاضها عن المعدّل المطلوب، سيُؤدّي ذلك إلى بعض الأمراض، كما أنّ ارتفاعها عن ذلك المعدّل سيؤدّي إلى أمراض أخرى، وكذلك الحال في نسبة السكر ومستوى البروتئين [في الجسم]. يجب أن تكون جميع هذه الأمور في مستوى معتدلٍ لكي يستمرّ الجسم في نموّه دون أن يمرض، وحتّى يتمكّن مِن مقاومة الآفات الّتي تريد أن تفتك به. فإن حافظ الجسم على الاعتدال المطلوب، سيتمكّن مِن مقاومة تلك الآفات. أمّا إن اختلّ هذا النظام، سيعجز عن مقاومة تلك الآفات الكثيرة المحيطة به مِن كلّ صوب، والّتي ستهاجمه وتتغلّب عليه وتُلزمه الفراش.

  • وكذلك الحال [لو تعلّق الاعتدال] بالأمور الروحيّة والنفسيّة، فهو مِن هذا القبيل؛ إذ لا بدّ مِن رعاية الاعتدال دائمًا مِن أجل أن يستمر الإنسان في حركته. فليس للإنسان أن يقلّل أو يزيد مِن تكاليفه وفق ميوله، فيقول وفق مشتهياته: مِنَ الأفضل لي أن أقوم بإنجاز هذا العمل! أو أن تقول المرأة الّتي لا يجوز لها الصوم والصلاة في بعض الحالات الخاصّة: بما أنّني أتمتّع بحالةٍ معنويّةٍ جيّدةٍ، سأصلّي – وكأن الله يطالب بذلك – فأنا أهوى الصلاة! أو أن تقول: لا أستطيع أن أرى الناس تصوم شهر رمضان، دون أن أصومه أنا، فهذا ما لا أستسيغه، بل الصيام هو ما يحلو لي، وبما أنّه لا ضرر علَيّ مِنَ الناحية الصحيّة والسلامة، فلا مانع حينئذٍ مِن الصيام! إنّ هذه التصرّفات خاطئة، إذ قد أُمرتي أن لا تأتي بالعبادة في هذه الأحوال، فالمرأة لا تستطيع أن تأتي بهذه العبادات، أمّا بالنسبة إلى العبادات الأخرى، مِن قبيل التوجّه والذِّكر، فلا مانع مِنَ الإتيان بها.

    1. سورة آل عمران، جزء مِنَ الآية ۱۱۰.
    2. جاء في الآية ۱٤٣ مِن سورة البقرة: ﴿وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهيدًا﴾. [المترجم]

الاعتدالُ هو سنّةُ اللهِ لسالكي الطريق - الإجابة عن أسئلة مختلفة المواضيع

3
  • ما كان يضرّ الله – الّذي أوجب على المرأة الصلاة في غير تلك الأوقات – لو سمح لها بالصلاة في تلك الأيّام [الخاصّة] أيضًا، أو أمرها بالصلاة [فيها] قصرًا مراعاةً لحالتها الجسميّة؟! ما المانع مِن ذلك؟! ولماذا أمر الله بهذا؟ وكذا الحال بالنسبة إلى الصيام؛ أتعلمون ما الّذي يعنيه هذا الأمر؟ إنّه يعني أنّ الأثر الّذي يحصل بسبب نورانيّة الصلاة في الحالة العاديّة، لن يحصل في تلك الحالات [الخاصّة]، بل سينعكس ويتبدّل إلى ظلمة، نعم، سيكون له أثرٌ سلبيٌّ، لا أنّه مجرّد عملٍ بلا فائدةٍ وكأنّه يساوي صفرًا – فلو كان الأمر كذلك، أي لو كان هذا العمل لا يترك أثرًا، لَما كان هنالك إشكالٌ في الإتيان به، فها نحن نقوم بالكثير مِنَ الأعمال الّتي لا يترتّب عليها أيُّ أثرٍ ولا تُسبِّب للإنسان ضررًا – بل الأمر خلاف ذلك.

  • فعندما يُقال [للمرأة]: لا تجوز الصلاة أو الصيام في تلك الأيّام، فهذا لا يعني أن لا فائدة مِنَ الإتيان بهما، وأنّ الأثر المترتّب عليهما يقارب الصفر، بل ذلك يعني انعكاس الأمر وتبدّل النور إلى ظلمة، وحينئذ كيف ستتعاملين مع الظلمة والكدورة؟! كيف ستزيلينهما؟! إذا تبدّل الصيام إلى ظلمة، فكيف يمكن إزالة هذه الظلمة، كيف يمكن ذلك؟! إنّ تلك المرأة ستكون قد أتت بعملٍ محرّمٍ لا مباحٍ، فلو كان العمل مُباحًا، لكان متساويَ الطرفين، لا رجحان فيه لطرف على آخر، كأن يقول أحدهم: أريد أن أقوم بعمل مباح، كأن أتناول طعام السحور في شهر رمضان وإن لم أكن جائعًا، وذلك لكي لا أشعر بالجوع [خلال النهار] إلى العصر، فلِما لا أفعل ذلك، لماذا لا أفعل ما يفعله غيري، فما المانع مِن ذلك؟!

  • لماذا يجب أن تجري الأمور بهذا الشكل؟ إنّ سبب ذلك يعود إلى كون الّذي وضع الأحكام يعرف ما الّذي يفعله، فهو يفكّر أكثر بقليلٍ ممّا نفكّر نحن! وأُفق تفكيره أعلى مِن آفاقنا بقليل!۱ [مهلًا، بل] أفق تفكيره ليس أعلى مِن آفاقنا بقليلٍ، ولا أكثر مِنَ القليل، بل هو أعلى مِنَ المستوى الّذي نستطيع فيه أن نصيغ برهانًا فلسفيًّا نبدّل على أساسه الحكم، فنبدّل التكليف الإلهيّ بتكليف آخر.

    1. قوله (بقليل) في الموردين هو مِن باب التعبير بالضدّ، والمراد به التهكّم. (م)

الاعتدالُ هو سنّةُ اللهِ لسالكي الطريق - الإجابة عن أسئلة مختلفة المواضيع

4
  • إنّ القيام بهذه الأعمال حرامٌ، ولن تُقبل مِنَ الإنسان، ليس هذا فحسب، بل سيؤاخذ الإنسان على ما قام به أشدّ المؤاخذة، فيُقال للمرأة: لقد أخطأتِ بإتيانك الصلاة [في تلك الأيّام الخاصّة]، فهل الأمور عشوائيّة حتّى تقولين: لكنّني أحبّ أن أصلّي!! كلّا، إنّ الصلاة بيدي، فيجب عليكِ الصلاة متى ما أمرتُ أنا بذلك، والامتناع متى ما نهيتُ عنها. وكذلك الحال مع الصيام، فهو بيدي، فالصيام واجب على مَن آمره بالصيام، وغير واجب على مَن أنهاه عنه، فمَن أراد حينئذ أن يصوم، فلن أقبل منه صيامه، بل سأعاقبه على تمرّده على أمري. نعم، الأمر لا يقتصر على عدم قبول العمل.

  • نماذج مِن قانون الاعتدال

  • يجب العمل طبق أوامر الله دون زيادة أو نقصان

  • هذا هو الأمر المهمّ الّذي يجب على الإنسان أن يجعله نصب عينيه دائمًا، عليه أن يعمل وفقَ ما يُؤمر به، وأن يعلم أنّ هذه الأوامر مبنيّة على الاعتدال دائمًا. فإن رأيت مرّةً أنّ الدستور الّذي أُعطي لك، خالي الجانب مِنَ الاعتدال والتوازن، فاعلم أنّه توجد مشكلة هنا، وأنّ في المسألة شيئًا ما!

  • كنّا نشاهد كيف كان المرحوم العلّامة وسائر العظماء يراعون جانب الاعتدال في تصرّفاتهم وأقوالهم؛ فهم قد أدركوا ما جاء في الشرع بشكل جيّد، فقاموا بإبلاغه للناس، وكذا الأمر فيما يتعلّق بالأمور السلوكيّة.

  • قال المرحوم العلّامة لشخص: عليك أن تأتي بذكر اليونسيّة حالة السجود أربعمائة مرّة لا أكثر. وكان هذا الشخص قد سمع مِن المرحوم العلّامة في حديث له في أحد المجالس أنّه في فترةٍ ما كان يأتي باليونسيّة مثلًا ألفَي مرّةٍ. فقال الرجل: ما الّذي ينقصني، فصحيح أنّه لم يأمرني بذلك، ولكن دعني أجرّب لأرى إن كنتُ أستطيع أن أفعل ذلك أيضًا أم لا. فوجد أنّه قادرٌ على ذلك.. وقد جرى بيني وبين هذا الرجل – وهو مِن أرحامنا – حديثٌ في الزمن السابق، فقال لي متفاخرًا: إنّ أباك قال يومًا إنّه كان يأتي باليونسيّة ألفَي مرّةٍ في اليوم، فزِدتُ عليه وأتيتُ بها ثلاث آلافٍ، وفي بعض الأحيان أربع آلافِ مرّةٍ. التفتُ إليه وقلتُ: حتّى لو لم تكن مِن أرحامنا، ولم يكن احترامك واجبًا علَيَّ، لقلتُ لك: يا لك مِن أحمق. قال: ها قد قلتها! فقلتُ: أنا لا أقول لك الآن بأنّك أحمق، ولكن في ذلك الوقت كنتُ سأقول لك: يا أيّها الأحمق، إنّما أَمَرك أن لا تأتي بها أكثر مِن أربعمائة مرّةٍ لهذا السبب؛ فمَن كان يأتي بها ألفَي مرّةٍ [وهو مأمور بذلك]، لم يكن ليبوح بذلك ويتكلّم به هنا وهناك، واعلم أنّ [المرحوم الوالد] قد باح بذلك في مجلسٍ خاصٍّ، ليقول: اعلم أنّ الأذكار متفاوتة، فقد يُؤمر الإنسان بهذا المقدار مِنَ الذِّكر في اليوم، وبمقدار آخر في أيّامٍ أُخر؛ فهذا الّذي كان يأتي باليونسيّة ألفَي مرّةٍ في اليوم، ولم يكن أحدٌ مطلعًا على ذلك – وإنّما صرّح لك وحدك بذلك – هو نفسه الرجل الّذي أبلغه الأطباء في أواخر عمره بأنّ الصيام يضرّ به، فامتنع عن الصيام. قد كان الرجلُ وليًّا إلهيًّا، عارفًا بالله وعالمًا بالله وبأمر الله، وكان وجود هكذا إنسان منحصرًا بشخص هذا الرجل في زمن حياته. نعم، بعد صاحب الأمر عليه السلام وأرواحنا له الفداء، كان وجود هكذا شخص منحصرًا بفردٍ واحد، ومع كلّ هذا، لم يكن يصوم في أواخر أيّام حياته، ولم يكن يتجاهر بذلك، وذلك لأنّ الأطباء أخبروه بأنّ الصيام يضرّ بقلبه، فكان يقتصر على شرب الماء فقط، ولم يكن يتناول معه شيئًا آخر.

الاعتدالُ هو سنّةُ اللهِ لسالكي الطريق - الإجابة عن أسئلة مختلفة المواضيع

5
  • قد يُقال للمرء: عليك أن تأتي بهذا المقدار مِنَ الذِّكر في ظرف ما، وعليك أن لا تصوم في ظرف آخر، وعليك أن تنهض قبل صلاة الصبح بساعتين؛ كان أستاذ [السيّد الوالد] قد أمره بالنهوض قبل صلاة الصبح بساعتين أو أكثر للقيام بأعمالٍ معيّنة، ومع هذا فقد أدّى [في إحدى الظروف] صلاته الواجبة بتيمُّمٍ أمامي؛ فلذلك الظرف شروطه، ولهذا الظرف شروطه الخاصّة، ولكلّ شيء محلّ، وعلى الإنسان أن يعمل بموجب التكليف المختصّ بكلّ ظرف مِن تلك الظروف؛ فلو بحث عن الماء ليتوضأ به في ذاك الظرف الخاصّ، سيكون قد تمرّد على الأمر، وسيُطرد. إنّ الذات المقدّس الّتي فرضت عليك الصلاة بوضوء في إحدى الظروف، يأمرك بالتيمّم في ظروف أخرى، فيجب عليك أن لا تتجاوز الأمر. أمّا إن كنتَ لا تستسيغ الصلاة بتيمُّمٍ، وأحببت أن تتوضأ لأنّه يروق لك كثيرًا، فكررتَ غسل الوجه وغيره عدّة مرّات، فذلك سيُحقّق لك ما تستسيغه، غير أنّ جميع ذلك عبارة عن كدورة وظلمة وابتعاد عن الواقع، وهو سقوط عن مرتبة العبوديّة.

  • ما هو معنى العبد؟ بما أنّ الله يقول إنّه لا يوجد فرق بين الوضوء والتيمّم، والماء والتراب، فإن رجّحت الماء على التراب، لن تكون قد استمعت لكلامي، فأنت مَن يقول بتفضيل الماء! وعندما يكون الإنسان مريضًا مثلًا، أو لم يكن لديه ماءٌ، فأُجيز له استخدام التراب، فمِنَ الخطأ حينئذٍ أن يأتي الإنسان ويقول: لا أريد أن أصلي بتيمّم! لأنّه في الواقع لا فرق بين التيمّم والوضوء؛ فإن كان الماء متوفّرًا، وتيمّمتَ، ستكون صلاتك باطلةً، وإن كنتَ مأمورًا بالتيمّم وكان الوضوء [بالماء] مضرًّا لك، كأن تكون مصابًا بجروح وغير ذلك، ستكون صلاتك باطلةً أيضًا، فلا فرق بين الحالتين، لماذا؟ لأنّ كلا التصرّفين يُعدّان خروجٌ عن العبوديّة، فالإنسان يصير خارجًا عن العبوديّة بتصرّفاته تلك.

  • عندما يكون الإنسان مصابًا بقرحة المعدة أو الإثنى عشر، فلا يجوز له أن يصوم، فإن صام كان صومه باطلًا، وعليه أن يقضيه فيما بعد عندما تتحسّن حالته الصحيّة، ولن يُعطى في الآخرة ثوابًا على ما عاناه مِن آلام مِنَ الصباح حتّى المساء، فيا مَن كنت تتلوّى ألمًا طوال الوقت كمَن يتلوّى مَن لدغة ثعبانٍ، لن تُثاب على صيامك، بل ستُعاقب عليه، وسيُقال لك: بأيّ حقٍّ تتدخّل وتتطفّل في ملك الله! هذا في الوقت الّذي كنت مأمورًا فيه بالإفطار.

الاعتدالُ هو سنّةُ اللهِ لسالكي الطريق - الإجابة عن أسئلة مختلفة المواضيع

6
  • «دع نفسك وتعال»

  • نعم، هذا هو ميزان أعمال الإنسان، وهو أن يعمل وفق ما يأمره الله لا وفق ما يراه هو؛ هذا ما يجب أن تتنبّهوا له دائمًا، وبالأخصّ السيّدات، عليهنَّ أن يراعين هذا الأمر المهمّ، فهذه المسألة مشهود في أسئلتهنّ، فهو أمر يدور في أذهانهنّ.

  • بناءً على ما يُطرح مِن مواضيع في هذا المجال وفي هذه المدرسة، [تبيّن] أنّ هناك شبهة حصلت للكثير مِنَ الأفراد [دفعتهم] للتساؤل: ما هو الميزان هنا؟ [أقول:] إنّ الميزان هو أن يراعي الإنسان ما يَأمر به الله لا ما تراه نفسه، وأن يرى أنّه يتعامل مع الله لا مع نفسه، وأن لا يخلط بين المواقف، فمِنَ العسير حقًّا أن يُبدِّل الإنسانُ المواضع، فيجعل الله مكان نفسه، ويجعل نفسه مكان الله! إنّه أمرٌ عسير! فقد أمضى الإنسان عمره بالتعلّقات والأوهام والتصوّرات والحالات الخاصّة والارتباط بشخصيّات مختلفة، وامتلأ بنوع خاصّ مِن المعرفة والعلاقات الاجتماعيّة! فهو قد سمع أشياءً كثيرةً، ففي كلّ لقاء كان يسمع شيئًا، والآن عندما أراد أن يغيّر نفسه، فأوّل شيءٍ عليه أن يقوم به، هو أمرٌ بمثابة عمود الخيمة..

  • مَن يريد أن ينصب خيمةً، لا يقوم بوضع الغطاء أوّلًا، بل عليه أوّلًا أن يجِد المكان المناسب لينصب العمود فيه بإحكامٍ، فمكان هذا العمود يجب أن يكون محكمًا؛ كنّا يومًا في مِنى، وذلك في سفر الحجّ الّذي ذهبتُ فيه مع المرحوم العلّامة عندما كنتُ في حدود السابعة عشر مِن عمري، ولا أعلم كيف نصبوا تلك الخيام لتَسَعَ ذلك العدد الكبير مِنَ الحجّاج، فقد كنّا ضمن قافلةٍ مكوّنةٍ مِن أربعمائة نفرٍ تقريبًا. ففي اليوم الثاني أو الثالث مِن تواجدنا في مِنى، وبينما كنّا جالسين، هبّت ريحٌ ليست شديدة كثيرًا، بل كانت تيّارَ هواءٍ عابرٍ، فدخلت الريح الخيمة ودارت فيها دورةً واقتلعتها مِن مكانها، رأينا كيف اقتلع الهواء تلك الخيمة، الّتي كانت تُظِلّ حوالي مائتي امرأة، وأخذها معه مع أعمدتها! وعندما سقطت، ضَربتْ إحدى الأعمدة رأسَ امرأةٍ، وضرب عمودٌ آخر يدَ امرأةٍ ثانية! كان حادثًا عجيبًا! عندما يريد الإنسان أن يبني خيمة، عليه أن يحدّد مكانًا [مناسبًا] لنصب العمود وأن يُحكم نصبه أوّلًا، ومتى ما أحكم نصب العمود، يضع الغطاء فوقه.

الاعتدالُ هو سنّةُ اللهِ لسالكي الطريق - الإجابة عن أسئلة مختلفة المواضيع

7
  • وعمودُ خيمةِ السلوك الّتي يُراد نصبها، سواء للنساء أم الرجال، هو أن لا يَستبدل هذين الأمرين أحدهما مكان الأخرى [أي أن لا يجعل الله مكان نفسه، ويجعل نفسه مكان الله]. إنّ جميع الدساتير وبرامج الحركة [السلوكيّة] وجميع المباني وكلّ ما يُطرح في مجال [العرفان والسلوك]، مبنيٌّ على هذا الأساس.

  • سُئل المرحوم العلّامة عن معنى السلوك، فقال: «دع نفسك وتعال». وهذا هو معنى الكلام المتقدّم نفسه، فعلى الإنسان أن يُجلس الله في نفسه، ويَخرج هو منها جانبًا، فإن حلّ اللهُ في النفس، على الإنسان أن يجلس جانبًا وينظر ما الّذي يريده الله منه. إنّ الأمر صعبٌ في البداية، لأنّ للإنسان تعلّقات كثيرة، فيجب أن يُقلّل هذه التعلّقات تدريجيًّا، وعليه أن يتخلّى عن الكثير ممّا كان يعمله حتّى اللحظة، فيُقال له [مثلًا]: عليك أن لا تتحدّث بهذا الشكل، والحال أنّ الرجل قد أمضى عمرًا في التعامل بهذا الأسلوب، فكان يأمر وينهي، ويتصرّف تصرّف المتسلّط. ومثلًا، قد تكون المرأة إلى الآن تفتح الباب وتَخرج مِن تلقاء نفسها، وتدعو مَن تريد إلى المنزل، فإذا بها تُؤمر بطاعة زوجها، وأن لا تفعل شيئًا إلّا بعد استئذانه، وإن علِمتْ بعدم رضا زوجها في استمرار علاقتها بجماعة معيّنة، فعليها أن تقطع تلك العلاقة، وإن علِمتْ أنّه مِنَ الضروري أن لا تتّصل هاتفيًّا بالآخرين، فعليها أن تتوقّف عن ذلك. لعلّ المرأة قد أمضت عمرًا وهي تتلقّى أمورًا مختلفة مِنَ الأماكن الّتي كانت ترتادها، وكانت قد عاشت في بيئة مختلفة وتربّت تربية مختلفة، وأمضت أوقاتها كما يمضي سائر الناس أوقاتهم، أي في الأمور الّتي نشاهدها، أمّا الآن، وقد جاءت إلى هذه المدرسة، فسيُقال لها: الوضع مختلفٌ هنا، عليكِ أن تتركي كلّ ما مِن شأنه أن يزيد التخيّلات، [وأن تمتنعي] عن مشاهدة الأفلام الّتي تزيد في الخيال. مع العِلم أنّ بعض الأفلام الّتي تحتوي على أمور مفيدة وتعليميّة، فأمرها يختلف دون شكٍّ، ولكن الكثير مِنَ الأفلام ليست كذلك، بل هي عبارة عن حكايات يكتبها البعض، ثمّ يمثّلُها الآخرون، فهي أمور تزيد المتخيّلات، وتفرّغ الإنسانَ مِن محتواه، وتعمل على إحلال الجزئيّات محلّ الكلّيات، فتسلب مِنَ الإنسان الكلّيات اللازمة لعبوره [طريق السلوك]، وتجلب له الأوهام والتصوّرات والتخيّلات، فتترك آثارًا في النفس، ويبدأ الإنسان بالميل تدريجيًّا للقيام ببعض الأعمال، دون أن يعلم كيف حصل له كلّ ذلك، والحال أنّها جاءت مِن تلك الأشياء؛ وذلك لأنّ كلّ شيءٍ يترك أثرًا على الإنسان، فالألفاظ الّتي يتلفّظ بها، والصور الّتي يراها، وجميع الأعمال الّتي يقوم بها، تترك أثرًا تكوينيًّا وتشريعيًّا عليه.

الاعتدالُ هو سنّةُ اللهِ لسالكي الطريق - الإجابة عن أسئلة مختلفة المواضيع

8
  • يجب إحياء الشعائر الإسلاميّة ورعايتها طبق نظر المعصوم

  • ذهبتُ في شهر محرّم مِنَ العام الماضي إلى إحدى المدن، وهي مدينةٌ ليست كبيرة جدًّا، ذهبت إليها ورجعت في اليوم نفسه؛ كانوا قد رفعوا فيها أعلامًا سوداء، وإلى جانبها أعلامًا حمراء وخضراء، كتبوا عليها كلمة (يا حسين) باللون الأحمر، وكلمة (يا أبا الفضل) على علمٍ أخضر اللون، فخرج الجوّ بذلك عن كونه جوَّ محرّمٍ. أرأيتم كيف أنّ علمًا واحدًا غيّر جوَّ المجلس. يجب أن تُكتب كلمة (يا حسين) في أيّام محرّم باللون الأسود، لكي تترك الأثر المطلوب.

  • افترضوا أنّكم غطيتم جدران هذه الحسينيّة باللون الأخضر في أيّام العزاء، فسيُضفي ذلك على الحسينيّة جوّ الاحتفال لا جوّ عزاء. تراهم يجمعون بين الأخضر والأحمر والأصفر والأسود ليصبح المنظر جميلًا، نعم، سيكون المنظر جميلًا، ولكنّه لا يتلاءم مع أجواء محرّم، والحال أنّه يجب أن يطغى جوّ العزاء على المجلس في أيّام محرّم، لكي يأخذ هذا الجوُّ الإنسانَ معه وتبدّل حاله. إنّ هذا المنبر الموجود هنا، لا يتلاءم [مظهره الحاليّ] مع أجواء شهر محرّم، بل يتلاءم مع ما قبله مِن أشهر، أمّا في محرّم فيجب أن يتوشّح بالسواد؛ فهذا عبارة عن قانونٍ وأمر تكوينيّ ونظام، فالنظام يقتضي ذلك.

  • قلتُ لرفقاء الطريق الّذين يذهبون للوعظ في أماكن مختلفة في هذه الأيّام: إنّ طبيعة الكلام يجب أن يكون بحيث يتغيّر معه جوّ المجلس.كان أحد عباد الله، وهو المرحوم الشيخ علِيّ أكبري رحمة الله عليه، يحضر في مسجد القائم في عهد المرحوم العلّامة في أيّام شهر محرّم، وذلك لقراءة مجالس العزاء وإقامة مسيرة لطم في يومَي تاسوعاء وعاشوراء، الّتي كانت تنطلق مِن هناك. كان الرجل ضريرًا منذ ولادته، وكان ذكيًّا جدًّا وكيِّسًا. كان يختار أشعارًا مميّزة، كأشعار المرحوم الكمباني والمرحوم نيّر وغيرهم، لا أشعار هذه الأيّام الملفّقة والواهنة والمستهجنة! فترى كل مَن هبّ ودبّ يأتي بمظهرٍ عجيبٍ غريبٍ ويؤدّي أدوارًا تمثيليّة، ثمّ يُطلقون على مجالسهم اسم مجالس عزاء! نعم، إنّهم يُمثِّلون ويؤدّون بعض الحركات ويقفزون! والإمام الحسين ليس بحاجة إلى هذه الأمور والألاعيب، يجب أن يكون المؤدِّي مؤدَّبًا ودقيقًا ورزينًا، وأن يختار مِنَ الأشعار ما يُلائم مقام الإمامة والولاية. فما معنى أن يأتي البعض بكلمات ركيكة وألاعيب! ما هذه الأشعار! [أنظروا] كيف كانت الأمور تجري في السابق، وكيف أصبحت الآن! كانوا يتصفّحون الكتب وينتخبون أزهاها ليُلقوه في مجالسهم، أمّا الآن فقد أصبحت الأوضاع على ما هي عليه! أصبحت مستهجنة! ثمّ إنّ هذا النوع مِنَ العزاء حرامٌ.

الاعتدالُ هو سنّةُ اللهِ لسالكي الطريق - الإجابة عن أسئلة مختلفة المواضيع

9
  • ذهبنا مرّة إلى صحن السيّد عبد العظيم في ليلة الأربعين، وكان المكان مزدحمًا، إذ إنّ زيارة السيّد عبد العظيم كزيارة سيّد الشهداء؛ جاء عن الإمام الهادي عليه السلام: «مَن زار عبد العظيم في الريّ كمَن زار الحسين بكربلاء»۱، هذا ما قاله الإمام لشخص جاءه مِن الريّ، وكان يتألّم لأنّه لم يتمكّن مِنَ الذهاب إلى كربلاء، فقال له الإمام: لديكم السيّد عبد العظيم في بلادكم، فاذهب لزيارته، فإن زرته فستُعطى ثواب مَن زار جدّي؛ «مَن زار عبد العظيم بالريّ كمن زار جدّي»٢. هذه رواية عن الإمام الهادي عليه السلام، الّذي هو إمام معصوم، فالإمام لم يقل هذا الكلام اعتباطًا، بل لا بدّ أنّ وراء ذلك شيئًا، وإلّا لماذا لم يقُل هذا الكلام بحقّ غيره؟! نعم، لا بدّ أنّ هنالك أمرًا ما، فهذا الكلام صادرٌ عن إمام معصوم، وهناك فرق بين الكلام الّذي يصدر عن الإمام المعصوم وبين الكلام الصادر عن أبناء البشر العاديّين الجهلة.

  • فذهبنا لزيارته، ودخلنا الصحن الّذي كان مزدحمًا جدًّا بالمواكب، فرأيتُ شخصًا واقفًا يقول شيئًا لم أفهمه، لم أفهم منه سوى صوت: سي، سي، سي! فسألتُ: ماذا يقول، فأنا لا أفهم شيئًا ممّا يقوله؟! قالوا: إنّه يقول: حسين، حسين. [أقول:] لقد أخزيتَ نفسك بهذا النوع مِنَ العزاء، وبترديدك لكلمات: سي، سي، سي، أيّها الأحمق! إن كنت تريد أن تلعب، فهناك الكثير مِنَ المجالس الّتي تستطيع أن تلعب فيها، نعم، هناك الكثير مِن قاعات الاحتفالات والأعراس، الّتي يكثر فيها الطبل والضرب، فلماذا تأتي وتلعب بمناسبة خاصّة بالإمام المعصوم! مِنَ المعيب حقًّا أن يستعرض المرء إمكاناته تلك متظاهرًا باتّباع الإمام المعصوم، وأن يُظهر نواياه المستبطنة بهذه الكيفيّة، فيجعل مِنَ الإمام درعًا يستغلّه في ذلك، ويجعل منه نقابًا يُغطّي به حقيقته، ويحاول أن يستغلّ الإمام لتحقيق نواياه وأهدافه ولإبراز شخصيّته وأنانيّته!

  • ما الّذي يريد تحقيقه؟! إنّه يبحث عن الشهرة، حتّى يُقال: أرأيتم أيّ مجلس عزاء أقامه فلان، فقد جمع أكبر عدد مِنَ الشباب في مجلسه! كيف جمعهم؟! إنّه جمعهم بواسطة: سي، سي، هذه! كلّ ذلك خطأ وهو محرّم، ويُعدُّ هتكٌ لاحترامِ ساحةِ الولاية، يجب أن تُترك تلك العادات كاستخدام الطبول، والضرب واستخدام المزمامير وما شاكل ذلك، وعليهم أن يرفعوا تلك الأدوات الّتي على هيئة الصليب، فهي محرّمة، فالصليب شعار النصارى ... ومنها تلك الهياكل الكبيرة الّتي يقومون بتدويرها، والّتي لا أعرف اسمها. كان أحداها موجود في مسجد القائم أيضًا، وقد مَنع المرحوم العلّامة استخدامه. كانوا قد وضعوا أمثال هذه الأشياء في غرفة تقع في الجهة الخلفيّة لمسجد القائم أيّام المرحوم العلّامة، كنتُ صغيرًا حينها أبلغ مِنَ العمر حدود عشر سنوات، وكنت أتمنّى أن أذهب وأراها، ولكنّهم كانوا يمنعونني مِن رؤيتها، ويقولون لي: إنّ أباك لا يرضى بذلك ويقول إنّها حرامٌ. لا زلت أتذكّر كيف قلتُ لهم: لماذا لا تأخذونني لأراها؟ فقالوا لي: إنّ أباك لا يرضى بذلك ويقول إنّها حرامٌ. فعندما ذهبتُ لأسأل والدي عنها، قال لي: إنّها عبارةٌ عن صليبٍ، اذهب غدًا وانظر كيف أنّ تلك القطع الحديديّة المعلّقة هي على شكل صليب.

    1. ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، الشيخ الصدوق، ط. الشريف الرضي قم، ص٩٩؛ الرواشح السماوية، السيد ميرداماد، ط. دار الحديث للطباعة والنشر، ص۸٦؛ فهرست أسماء مصنّفي الشيعة (رجال النجاشي)، ط جماعة المدرّسين في قم، الطبعة الخامسة، ص٢٤۷؛ مستدرك الوسائل، الميرزا حسين النوري الطبرسيّ، ط مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، الطبعة الثانية، ج۱۷، ص٣٢۱؛ مع اختلافات يسيرة. (م)
    2. المصدر نفسه؛ مع اختلافات يسيرة. (م)

الاعتدالُ هو سنّةُ اللهِ لسالكي الطريق - الإجابة عن أسئلة مختلفة المواضيع

10
  • يجب رعاية الشعائر الإسلاميّة، ولا يجوز أن نخلط الأمور، فللإمام الحسين عليه السلام جاذبيّةٌ لا حاجة معها إلى التوسّل بتلك الوسائل الّتي يفتعلونها مِن أنفسهم لإيجاد جوٍّ مِنَ الجاذبيّة والشوق إلى الإمام. عليهم أن يؤدّوا المراسم بشكلها العاديّ هذا؛ يستطيعون أن يلطموا الصدور، وإن أرادوا الضرب بالسلاسل فليفعلوا، فلا مانع مِن ذلك، ولكن افعلوا كلّ ذلك بشكله العادي، وسترون بأنفسكم أنّ أثر هذا النوع مِنَ المراسم على الناس أكثر مِن ذلك الّذي يرافقه قرع الطبول، الّذي يوقظ النساء والأطفال في منتصف الليل، ويوقظ الرضَّع بسبب [تلك] الأصوات المرتفعة. هل يمكن أن يرضى الإمام الحسين عن شيء مِن هذا؟! إنّ المصاب بمرضٍ قلبيٍّ والراقد في المستشفى الآن، يحتاج إلى الراحة، وكذلك بقيّة المرضى الراقدين في المستشفيات، فهم يحتاجون للراحة والهدوء، وأولئك الأطفال والعجائز والشيوخ والمرضى النائمون في بيوتهم ليلًا، يحرُم عليكم إيقاظهم مِن نومهم بسبب مراسم العزاء هذه الّتي تقيمونها للإمام الحسين. 

  • لا يجوز لأحد طبعًا أن يَمنع إقامة مجالس العزاء الخاصّة بالإمام الحسين، ومُخطئٌ مَن يُقدم على هذا الأمر، وسيعاقبه الله أشدّ العقاب؛ أرأيتم ما حلّ بهم، أرأيتم ما حلّ بحزب البعث الّذي منع إقامة مراسم العزاء؟! كيف سلّط الله عليهم مَن أبادهم.

  • لا يمكن لأحد أن يتدخّل في موضوع الإمام الحسين، فلا يجوز لأحدٍ أن يمنع إقامة مراسم العزاء بأيِّ حجةٍ كانت، غير أنّ مراسم العزاء هذه يجب أن تكون وفقَ الدستورٍ، فيجب أن تكون وفقَ ما أمر به الإمام، ووفقَ مرام العظماء وأئمّتنا. وعليه، لا بدّ مِن اللطم والضرب بالسلاسل، ويجب رفع أعلام العزاء وترديد الشعارات، وهي الشعارات المحيية والمُظهرة لهدف الإمام الحسين وثورته، لا تلك الشعارات الّتي لا أساسٌ صحيحٌ لها، بل الشعارات الّتي يجب أن تُنشر بين الناس والّتي توضّح نداء السيّدة زينب ورسالتها في واقعة كربلاء؛ هذه المرأة الّتي كانت تالي تِلْوَ الإمام الحسين وأخيه؛ فقد رفعت نداء الإمام وأوصلته إلى مقصده، تلك المرأة الّتي لا يمكن في الواقع أن نتصوّر نظيرًا لها في عالَم الخلق غير المعصوم ووالدتها. نعم، لا يمكن أن يُتصوّر لها نظيرٌ غير المعصوم. فعلى الجميع أن يعمل على توضيح هذا الأمر للناس وإيصاله إليهم، وعلى فتح آذانهم، لكي يعرفوا وظائفهم وتكاليفهم وكيفيّة إدارة أمورهم الشخصيّة والاجتماعيّة، وليعلموا كيفيّة الارتباط بربّهم. نعم، لا بدّ مِن فتح آذان الناس والارتقاء بأفكارهم، واستبدال التقليد والأحاسيس بالعقل؛ فيجب أن يكون العقل هو الحاكم على الناس، إذ إنّ نداء عاشوراء هو نداء التعقّل، ونداء الإمام الحسين هو نداء العقل.

الاعتدالُ هو سنّةُ اللهِ لسالكي الطريق - الإجابة عن أسئلة مختلفة المواضيع

11
  • عليك أن تستخدم عقلك أيّها المسكين، لا أن تكون مقلِّدًا في جميع الأحوال. ثمّ مَن يكون هذا الّذي تقلِّده؟ إنّك تقلّد ابن زياد ويزيد وجمعًا مِن الحكّام الظالمين المزوّرين! انهض يا هذا، وارتقِ، وتعلّم منّي أنا الحسين، وتعلمّ منّي أنا زينب، ولا تغرّنكم الدنيا، ولا ترضخ للباطل، فإن قيل لكم: سنقتلكم. فقولوا لهم: افعلوا. وإن قيل: سنأسركم. فقولوا: هيا افعلوا، فحتّى لو أسرتمونا لن نتراجع عن قولنا، لا تتصوّروا أنّنا سنتخلّى عن مذهبنا بتهديدكم إيّانا بالقتل أو الأسر أو الحبس! أتخوّفوننا! مَن تخوّفون! يقول الإمام الحسين: هل تخوّفونني بالموت؟۱ ألا تعلمون أيّها المساكين أنّني أتمنّى الموت في كلّ لحظةٍ مِن لحظات حياتي، ولكنني لم أكن مكلّفًا [بالموت]، وإلّا لتناولت شيئًا وقتلت نفسي قبل أن تتمكّن منها أنت! فما الّذي أبغيه مِن بقائي في هذه الدنيا، إنّ ما هَيّأه لي ربّي في ذلك العالَم، لا يسمح لي أن أتمنّى البقاء في هذه الدنيا لحظةً واحدةً، فأنا لا أريد البقاء، غير أنّني لو قتلتُ نفسي سأُعاقب هناك، وسيُقال لي: لماذا قتلت نفسك، لماذا انتحرت؟! لذا سأعيش في هذه الدنيا كطيرٍ محبوس في قفص، ولكنّ أعينكم لا ترى ذلك لأنّكم متعلّقون بالدنيا وتسعون للحصول على زخارفها؛ إنّك تسعى وراء كيسين مِن قمح الريّ يا بن سعد، أمّا أنا، فلست كذلك، أنا لا أسعى إلى ما تسعى إليه. أتريد أن تقتلني؟! هيّا، عجّل بذلك، اقتلني حتّى قبل حلول يوم عاشوراء. [وإن قيل] لزينب: سنأسُرك. ستقول: افعلوا. وكذا الحال بالنسبة للإمام زين العابدين.

  • إنّ مَن استشهد وأُسر، إنّما فعل ذلك مِن أجلنا في يومنا هذا؛ مِن أجل أن تتفتّح العقول ويُزال القطن الّذي سددنا به آذاننا، ولكي لا نصغي لكلّ صوت صادر لا يستند على أساس، نعم، إنّها أصوات لا تستحق أن يُنصت إليها أصلًا.

  • يحصل أحيانًا أن يستمع الإنسان إلى كلام، فيجد فيه إشكالًا، غير أنّ هنالك مِنَ الكلام ما لا يستحقّ أن يُنصت إليه أساسًا.

  • الفناء في الإمام المعصوم وبلوغ مرتبة العبوديّة لله

    1. لمعات الحسين عليه السلام، العلّامة السيّد محمّد حسين الحسينيّ الطهرانيّ (قدّس الله سرّه)، ص٢۸، قال: وأقبل الحرّ بن يزيد يُساير الإمام ولا يُفارقه وهو يقول له: يَا حسين! إنّي أُذكِّركَ اللهَ في نفسكَ، فإنّي أشهَد لَئن قاتلتَ لَتُقْتَلَنَّ. فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَفَبِالْمَوْتِ تُخَوِّفُنِي»؟! [إلى أن تمثّل بقول القائل]: 
      سأمضي وما بالموت عارٍ على الفتى***إذا ما نوى حقًّا وجاهد مسلما) ... إلخ. 
      وقد خرّج السيّد العلّامة هذا الحديث في الكتاب المذكور، ومِن مصادر هذا الحديث: مقتل الحسين ع، أبو محنف الأزدي، ص۸۷؛ المناقب، ابن شهر آشوب، ط. (علامه – قم)، ج٤، ص ٩٦. (م)

الاعتدالُ هو سنّةُ اللهِ لسالكي الطريق - الإجابة عن أسئلة مختلفة المواضيع

12
  • يجب أن نذهب إلى الإمام الحسين، لنرى ما الّذي قاله الإمام. إنّ الّذي كتبه المرحوم العلّامة في كتاب (لمعات الحسين)، هو ما أراده الإمام الحسين منّا، وهو ما يجب ترتيب الأثر عليه. يجب أن تُلقى كلمات الإمام المعصوم عليه السلام على المنابر في شهر محرّم، ويجب أن تُشرح وتُفسّر، يجب الاهتمام بها. علينا النظر إلى كلمات المعصوم على أنّها جرس إنذار لنا، فتلك الكلمات فقط هي الّتي تستحقّ ذلك، لماذا؟ السبب واضح، وهو أنّ هذه كلمات صادرة عن المعصوم، وما دامت كلمات معصومٍ فيجب أن لا نتخطّاها. ولهذا عندما سُئل المرحوم العلّامة عن أفضل كتاب له، قال: كتاب (لمعات الحسين). ولم يكن قوله هذا مزاحًا ولا [مِن باب] كسر النفس، إذ لا وجود لِما يُسمى بـ (كسر النفس) في تصرّفاته؛ فلماذا قال إذًا: إنّ أفضل كتاب ألّفته هو كتاب (لمعات الحسين)؟ قال ذلك للسبب الّذي ذكرتُه، وهو أنّه لم يكن يرى نفسه. إنّ كتاب (لمعات الحسين) صغيرُ الحجم، وكان المرحوم العلّامة قد ألّف الكثير مِنَ الكتب، بحيث لو وضعناها فوق بعضها لبلغ ارتفاعها مترًا ونص أو مترين، وإن أضفنا إليها تلك الّتي ستُطبع، سيصل ارتفاع الجميع ثلاثة أمتار، ومع هذا نراه يقول: إنّ كتاب [لمعات الحسين] هو أفضلها والمرجّح عليها جميعها. مع العِلم أنّه لم يكن هو مَن ألّف [وكتب مضمون هذا الكتاب]، بل المكتوب هو للإمام الحسين، واقتصرت مهمّة [المرحوم العلّامة] على الترجمة فقط.

  • نعم، إنّ السبب [في تفضيله كتاب (لَمَعات الحسين)] هو أنّه كان يرى الإمام الحسين فقط، ولم يكن يرى نفسه، فكان يرى أنّ هذا الكتاب للإمام، أمّا بقية الكتب فهي له، هذا مع أنّ بقيّة كتبه للإمام أيضًا إلّا أنّ كتاب [لَمَعات الحسين] يختلف عنها.

  • إنّ حقيقة الذوبان والفناء والمحو في وجود سيّد الشهداء قد تحقّقت للمرحوم العلّامة، أمّا نحن فلم يتحقّق لنا ذلك بعدُ، نعم، نحن نحبّ سيّد الشهداء ومتعلّقون به، إذ للتعلّق مراتب متفاوتة، وهذا محفوظ في محلّه، ولكن أمامنا طريق طويل حتّى نصبح مثل المرحوم العلّامة، فذلك يتطلّب الكثير مِنَ العمل. إنّ هذا الأمر قد تمّ بالنسبة إلى المرحوم العلّامة، ولهذا نراه يقول: إنّ أفضل كتاب لي هو كتاب (لَمَعات الحسين). يجب على الإنسان أن يسير في هذا الاتجاه لكي يصل، وعلينا أن نعلم أنّ عمود الخيمة هو عبارة عن هذا التغيّر التدريجيّ، فعلى الإنسان أن يعمل على تغيير نفسه بشكل تدريجيّ حتّى تتبدّل النفس.

الاعتدالُ هو سنّةُ اللهِ لسالكي الطريق - الإجابة عن أسئلة مختلفة المواضيع

13
  • التمييز بين الوهم والحقيقة في تبدّل أحوال الأفراد 

  • يجب المحافظة هنا على جانب الاعتدال، ففي ظلّ الاعتدال يستطيع الإنسان أن يعبد الله، وفي ظلّ الظروف الآمنة والمناسبة يستطيع أن يشقّ طريقه، وفي حالة الرفاهيّة يستطيع أن يقوم بأعماله، لذا فإنّ الكثير ممّا يواجهه الإنسان مِن اعتراضات ومضايقات وأمور غير مناسبة ومزعجة تحصل بسبب هذا الأمر، وهو أنّ الإنسان في حال انتقال، ففي حالة الانتقال هذه عليه أن يقوم بأعمال لا تتلاءم مع ما تريده النفس. فترى البعض يقول: ما الّذي يحصل معي، فهذا يتعامل معي بشكل، وذاك يتصرّف معي بشكل آخر! [أقول:] لا، لم يحصل لك شيءٌ، بل كلّ ما في الأمر أنّك تنتقل الآن مِن حالٍ إلى حالٍ. على أنّ هذا ليس هو السبب الوحيد، بل قد يكون [مِنَ الأسباب] تقصير الإنسان في بعض الحالات، إلّا أنّه غالبًا ما يكون ذلك مرتبطًا بتبدّل الأحوال، حيث تكون النفس قد تأقلمت مع الحال السابق ولا تريدك أن تقوم بتلك الأعمال. لذا ترى البعض يقول: أشعر بانقباضٍ في القلب. [أقول:] كلّا، لم يحصل لك شيءٌ، عليك أن تكون مطمئنًّا.

  • كنت مع بعض الأصدقاء في إحدى الدول، فنوينا الذهاب يومًا خارج المدينة لتناول طعام الغداء، وكان بصحبتنا امرأةٌ مِن أقاربهم غير محجّبة، فقلت لزوجتي: أخبريها أنّني لن أذهب إن أتت معنا بدون حجاب. فذهبت وقالت لها ذلك، فأجابت: إن وضعتُ على رأسي غطاءً سينقبض قلبي، فلا أستطيع ذلك. قلت لزوجتي: قولي لها ضعي على رأسك غطاءً، وإن حصل لقلبك شيءٌ سنعالجك. قالت: لا يمكن أن يحصل ذلك، فأنا لا أستطيع أن أفعل ذلك أبدًا. قلتُ اذهبي وقولي لها: يقول فلان، إن كنتِ تُعانين مِن مرضٍ في رأسك، وقال لكِ الطبيب إنّ شعرك سيتساقط إن تعرَّض رأسُكِ لأشعة الشمس، فهل ستقولين حينها: [إن وضعتُ غطاءً على رأسي] سيتألّم قلبي؟! [أقول:] عندما تصل النوبة إلى ارتداء الحجاب، ستظهر أمورٌ مِن قبيل: قلبي يتألّم، ورئتي لا تعمل، أو معدتي مضطربة، أو أمعائي قد انسدّ بأكمله! فعندما رأت إصراري على عدم الذهاب، اضطرّت أن تضع على رأسها غطاءً على هيئة حجاب، ولم يتألّم قلبها حينها ولا رأسها، ولم تُصب بشيء.

الاعتدالُ هو سنّةُ اللهِ لسالكي الطريق - الإجابة عن أسئلة مختلفة المواضيع

14
  • إنّ هذه الأشياء عبارة عن تخيّلات تهيمن على الإنسان وتخلق له شعورًا يُهيمن عليه، ويجعله تحت سيطرته، فتراه يقول عندها: آه، لقد ضاق قلبي، لا أدري ما الّذي أصابني! آه، ما الّذي حصل لي! كلّا، لم يحصل لك شيءٌ، فكلّ هذه الأمور عبارة عن أوهامٍ سيطرت على ذهنك.

  • لحديثنا هذا تتمّة، وما تطرّقنا إليه كان مقدمةً للحديث عن موضوع الاعتدال المرتبط بالمسائل الخاصّة بالنساء. ولَمّا كان هنالك الكثير مِنَ الأسئلة الّتي لم أُجِب عليها بعدُ، فإن أردتُ أن أستمر في الحديث عن هذا الموضوع، لن أتمكّن مِنَ الإجابة على تلك الأسئلة. ولَمّا كان الهدف الأساسيّ مِن إقامة هذه المجالس هو الإجابة عن الأسئلة، فأعتقد أنّه مِنَ الأفضل التوقف هنا وإلّا سنتخلّف عن هدف الجلسة الرئيسيّ.

  • أسئلة وأجوبة

  • منهجيّة سماحة السيّد محمّد محسن الطهرانيّ في التعامل مع الأسئلة والإجابة عليها 

  • تقول هذه السيّدة هنا، وهي كأنّما تتحدّث عن لسان بقيّة الأصدقاء أيضًا: لقد ضاق صدري وتألّمت، فأنا لم أستلم منكم جوابًا على رسالتي الّتي أرسلتها لكم، ولم أُوفّق لزيارتكم، ولكنّني سعيدةٌ اليوم لحصول هذا التوفيق ...

  • جواب سماحة السيّد: فيما يتعلّق بالإجابة على هذه الرسائل، فقد قلت مرارًا إنّني أُجيب على الرسائل الّتي أرى مِنَ الضروريّ الإجابة عليها، أمّا في غير هذه الحالة، فالرسائل كثيرةٌ، كثيرةٌ جدًّا، فلو أصبح يومي – بليله ونهاره – خمسين ساعةً، لن أستطيع الإجابة على كافّة الرسائل، [ولن أتمكّن مِن تلبية] طلب الرفقاء. لذا أنا أعتذر مِن هذه الناحية. وها أنا أقولها لكم هنا: إنّ الكثير مِنَ الأسئلة، أجوبتها موجودة ضمن هذه المحاضرات والمطالب الّّتي يتم طرحها، وأنا أعتقد أنّه لا يوجد مطلب لم يُطرح. حتّى الأسئلة الّتي تُرسل عبر الموقع الإلكتروني (السايت)، فرغم أنّني طلبت مِنَ الرفقاء عدم تكرار طرح الأسئلة [نفسها]، إلّا أنّه يعاد طرح الكثير مِنَ الأسئلة مع تغيير في العبارات.

  • إنّ بعض الأسئلة الّتي تصل إلى هذا العبد، أو تلك الّتي أُسأل عنها شفاهيًّا، سيتمّ بيانها [والإجابة عنها] ضمن المحاضرة، أمّا تطبيقها على موارد سؤالهم، فهو بعهدة الرفقاء أنفسهم. فهذا العبد يطرح الأمور بصيغتها العامّة فقط، أمّا فيما يتعلّق بتطبيقها، فذلك أمر شخصيّ، فعلى كلّ واحد أن يطبّق ذلك في بيئته الخاصّة وفي حياته اليوميّة بالنحو المطلوب وبأحسن ما يمكن. مثلًا، عندما أقول: يوجد إشكال في جلوس المرأة والرجل الأجنبيين على مائدة مشتركة. يأتي مَن يقول: ولكنّهم ينزعجون مِن تصرفنا هذا، فما الّذي علينا فعله في هذه الحالة؟ إنّ الّذي يمكنكم فعله ليس بيد هذا العبد، فهناك حلول معيّنة على الإنسان أن يبحث عنها وينتخبها [لحلّ هذه المشكلة]؛ هذا نظير قضيّة تلك الفتاة الّتي قالت: إنّ قلبها سينقبض إن وضعتْ غطاءً على رأسها! وعندما قيل لها: لا، لن ينقبض قلبُكِ، تمكّنتْ نفسُها مِن هضم المسألة. ولعلّها لم تكن تكذب – والعياذ بالله – بل لعلّ الأمر كان كما قالت فعلًا، ثمّ تنبّهت للمسألة حينها وتمكّنت مِن تغيير نفسها.

الاعتدالُ هو سنّةُ اللهِ لسالكي الطريق - الإجابة عن أسئلة مختلفة المواضيع

15
  • لقد قلتُ مرارًا إنّ كيفيّة تطبيق المطالب وفهمها وإدراكها والوصول إلى الأهداف، ليس مِن اختصاصي، فأنا مسؤول عمّا أقوله، ولا شأن لي بما يقوله غيري؛ جاء شخص يومًا إلى هنا، ووقف على الباب وقال: جئتُ مِنَ المكان الفلاني. فنزلتُ إليه عند الباب وقلتُ له: تفضّل. قال: ما هي وجهة نظرك بشأن القضيّة الفلانية؟ قلتُ: ليس لديّ اطّلاعٌ كافٍ على الأمر. فأصرّ على سؤاله، فقلتُ: يجب أن يكون الأمر على النحو الفلانيّ. قال: ولكنّ السيّد فلان يقول كذا. فقلتُ له: أنا مسؤول عن كلامي، وكلّ فردٍ مسؤولٌ عن كلامه.

  • عندما يُنظر إليَّ كأمين، فما الّذي يتوقّعه الأصدقاء منّي، وما الّذي يتوقّعون أن أفعله بموجب هذه الأمانة؟ [يتوقّعون أن أساعدهم] في الوصول إلى المطالب الّتي جاءت بها مدرسة الأولياء والعظماء والعرفاء بالله والعلماء، وإلّا فالمطالب المطروحة كثيرة؛ ما يريد العبدُ قوله هنا هو أنّه علَيّ أن لا أخون في إيصال هذه المطالب إليهم، وأنا أسعى بمشيئة الله أن أُلبس هذا الأمر لباسًا عمليًّا وأن أعمل بموجب تكليفي، فإن قصّرتُ في هذا المجال، فعلى أقلّ تقدير أن لا أكون مقصّرًا في ذاك، فهذا ما أقدر عليه. أمّا في كيفيّة تطبيق هذه الأمور عمليًّا، فتلك مسؤوليّة الأفراد أنفسهم، فعليهم أن لا يُطالبوا هذا العبد ببيان ذلك، فأنا أقوم ببيان المطالب بشكل عامّ، وعلى كلّ فرد أن يُهيّئ لنفسه الطريق [وينظر في] كيفيّة التطبيق، فهناك ألف طريق وطريق؛ يستطيع الإنسان أن يتصرّف بهذا الشكل أو بذاك، ويستطيع أن يتكلّم مع الآخرين بهذا الشكل أو بآخر؛ مثلًا، لو واجهتم مشكلةً حياتيّةً لا علاقة لها بالسلوك، كيف ستتصرّفون؟ لديكم ألف وسيلة لذلك، قد تختارون مثلًا أن تتعاملوا مع هذه القضيّة بالأسلوب الكذائي، لأنّه سيؤدّي إلى النتيجة المطلوبة، وأنّه [مثلًا] لا يصحّ التعامل بحدّة وشدّة في هذه الحالة، بل ينبغي التعامل طبق ﴿ادْفَعْ بِالَّتي‌ هِيَ أَحْسَنُ﴾۱.

  • حول طاعة المرأة لزوجها

  • يفتي البعض بجواز ذهاب المرأة في الظروف الحاليّة إلى المسجد بدون أن تستأذِن زوجها، بل [يفتون بجواز ذلك] حتّى لو منعها زوجها. أمّا بالنسبة لي، فأنا لا أفتي بذلك، بل أقول: يحرم على المرأة أن تذهب إلى المسجد دون إذن زوجها. نعم، هذا ما أقوله، فأنا أقول بحرمة ذهابها إلى المسجد بغير رضا زوجها، [وإن فعلت ذلك] فصلاتها باطلة. هذا ما يقوله هذا العبد. أمّ الدليل الّذي استند عليه الآخرون في قولهم ذاك، فلا عِلم لي به! فأنا لم أقرأ شيئًا مِن ذلك في الكتب، ولم أدرُس شيئًا كهذا. هذه هي وجهة نظري، ولا شأن لي بما يقوله غيري.

    1. سورة المؤمنون، جزء مِنَ الآية ٩٦.

الاعتدالُ هو سنّةُ اللهِ لسالكي الطريق - الإجابة عن أسئلة مختلفة المواضيع

16
  • [ما تقدّم] كان مثالًا عن جانب مِنَ القضيّة، وفيما يلي مثال عن جانب آخر في القضيّة: جاءت إحدى النساء قبل سنة أو سنتين إلى هذا المكان، فجلسنا هنا وقالت: يريد زوجي أن نذهب معًا إلى الشمال يومَي تاسوعاء وعاشوراء. قلتُ لها: اذهبي، ما المانع مِن ذلك؟ قالتْ: هل يُعقل السفر إلى الشمال في هذين اليومين، فأيّ شيء هذا، وأيّ حياة هذه؟! قلتُ لها: عليك أن تقومي بواجبك وتكليفك المُلقى على عاتقك، نحن مكلّفون بالعمل وفقَ التكليف، وأن لا نتخطّى ما أُمرنا به، فعندما طلب منك زوجك الذهاب إلى الشمال، فهو لا يأمرك بعمل محرّم. فإن كنتِ ترَين أن هذا السفرَ سفرٌ ترفيهيٌّ، فالإمام الحسين يعلم ما يدور في قلبك، ثمّ إنّك تستطيعين أن تُقيمي العزاء هناك. لعلّ زوجك يعيش أجواءً أخرى وفي عالَم آخر ولديه تصوّرات أخرى، فقال في نفسه: ما دامت لدي عطلة لعدّة أيّام، سأستغلّها بالذهاب إلى هذا المكان. أنتِ غير مسؤولةٍ عن صحيفة أعماله، وهو لم يُكلّف بصحيفة أعمالكِ، فلكلّ منكما صحيفةُ أعمالٍ خاصّةٍ به، وبرنامجُ عملٍ خاصٍّ به، أمّا الأمر المهمّ في هذه الحالة فهو: ما الّذي يجري في قلبكِ، وما هي نيّتكِ! ما دام زوجك قد طلب منك الذهاب، فاذهبي معه، وأنتِ لستِ مُلزمةً هناك أن تضحكي وتُظهري السرور، وأن تتصرّفي تصرّفات تَظهر مِنَ الإنسان أيّام الفرح، كلّا، فهذه الأيّام هي أيّام عزاء، وحال الإنسان فيها يختلف عن غيرها مِنَ الأيّام طبعًا.

  • وبذلك تكونين قد استمعتِ لكلام زوجكِ مِن جهة، وحصلتِ على أجر المشاركة في عزاء سيّد الشهداء مِن جهة أخرى، بل ستُمنحين أجرًا أكبر، لانزعاجكِ مِن عدم قدرتك على التصرّف كما كنتِ ترغبين، ولعدم مشاركتكِ في المجالس. فذاك الأمر في محلّه، وهذا في محلّه، ولكلٍّ ظرفه الخاصّ به.

  • حول الحجّ والعمرة وأفعالهما

  • أمّا بالنسبة إلى الأسئلة الّتي طرحتها هذه السيّدة هنا فهي:

  • السؤال: هل يمكن أداء العمرة في أشهر: شوال، ذي القعدة وذي الحجّة؟

  • جواب سماحة السيّد: إن كان المقصود مِنَ العمرة هنا، العمرة المفردة، فيستطيع الإنسان أن يأتي بها في أيّ شهر مِن أشهر السنة، حتّى في شهر ذي الحجّة، حيث يستطيع أن يأتي بالعمرة المفردة دون أن يأتي بالحجّ. نعم، مَن كانت نيّته أداء حجّ التمتّع، فالعمرة المفردة الّتي يأتي بها قبل الحجّ، ستكون هي عمرة التمتّع، إلّا اللهمّ إن كان وقت ورود الحرم ضيّقًا، ولا فرصة لديه غير الذهاب إلى عرفات، فيجب في هذه الحالة أن يتمّ الإحرام في عرفات، ثمّ يأتي بعمرة مفردة بعد الانتهاء مِن أداء مراسم الحجّ. وهكذا هو الأمر بالنسبة إلى مَن يحجّ حجّ القران، فحكم هؤلاء مختلفٌ، أمّا بالنسبة إلى غيرهم، فلهم أن يأتوا بعمرةٍ مفردةٍ في كلّ شهرٍ.

الاعتدالُ هو سنّةُ اللهِ لسالكي الطريق - الإجابة عن أسئلة مختلفة المواضيع

17
  • السؤال: ما هي فلسفة الطواف سبعة أشواط حول الكعبة؟

  • جواب سماحة السيّد: هذا الأمر يتعلّق بالعدد (سبعة)؛ إنّ كافّة عالَم التكوين نشأ بواسطة المشيئة الإلهيّة ومقام الإرادة [الإلهيّة] في السموات السبع، والطواف عبارةٌ عن الحركة حول ذات الله الأقدس، وتوجّه القلب إلى كافّة مظاهر الوجود، الّذي هو عبارة عن السير الطوليّ لإرادة ومشيئة الله، انطلاقًا مِن مقام المشيئة وصولًا إلى مقام الشهادة الّذي هو مقام الكون والفساد وعالَم الظاهر؛ ففي جميع هذه المراحل، يجب أن يكون توجّه الإنسان نحو الله في [عالَم] الظاهر والمثال والملكوت، ثمّ في العوالم العليا، كالجبروت واللاهوت، وهكذا حتّى يعبر الأسماء ومقام الفناء. فالسماوات السبع هذه، تقتضي حركة عالَم التكوين، مِن عالَم الذات (الّذي هو الوجود البحت والبسيط) إلى عالَم الشهادة، وقد تجلّت هذه المسألة في حركة الطواف حول الكعبة، وهو نفس ما سيحصل في القيامة.

  • سأتحدّث مفصّلًا عن هذا الموضوع إن وفّقني الله في مبحث الحجّ الّذي سأبدأ به – لنرى متّى سيوفّقنا الله لذلك – فهذه الأمور ستُطرح هناك، وسنبيّن لماذا للجنّة سبع مراتب، وكذلك جهنّم، وكيف أنّ لكلّ مرتبة أمورًا تخصّها. على أنّ المرتبة الثامنة مِنَ الجنّة ليست في عداد المراتب السبع هذه، بل تلك هي جنّة الذات الّتي هي فوق هذه المراتب، فهي مع تلك يُقال عنهم ثمانية. والمراتب السبع للجنّة هي في الواقع مراتب ظهور أسماء الله الجماليّة، وكذلك فإنّ عدد المراتب الجلاليّة هي مراتب النيران والعقوبات السبع، والإنسان [في ذلك كلّه] رهن مستوى سعيه لكسب المعرفة في هذه الدنيا [ورهن] مستوى بُعده عن مقام القرب.

  • وما يجري في الكعبة مبنيّ على هذا الأساس، وكذا الحال بالنسبة للسعي سبعة أشواط بين الصفا والمروة، وكذلك بالنسبة لرمي الجمرات بسبع حُصيَّات.

  • السؤال: مَن لم يتمكّن مِن تحصيل سعادة التواجد في تلك الأماكن الإلهيّة في يوم عرفة ويوم زيارة الإمام الحسين عليه السلام، ولكنّه قام بالأعمال الخّاصة بذلك اليوم، هل سيَنظر اللهُ إليه نظرة مَن تواجد في عرفات ومِن زوّار الإمام الحسين، وبالتالي يتطهّر مِن ذنوبه وينال نصيبًا مِن ذلك؟

الاعتدالُ هو سنّةُ اللهِ لسالكي الطريق - الإجابة عن أسئلة مختلفة المواضيع

18
  • جواب سماحة السيّد: نعم، لن يفرق الأمر شيئًا أبدًا، ولن يختلف ولو بمقدار رأس إبرة.

  • السؤال: ما هي الاستطاعة المشروطة في الحجّ [حسب رأيكم] بالنسبة إلى الرجل والمرأة، مع ملاحظة أنّ الرجل قد يقول لزوجته: لا قدرة ماليّة لديّ لإرسالك لأداء حجّ التمتّع؟ وهل تستطيع المرأة – لا أقلّ – أن تؤدّي العمرة المفردة إذا قال لها زوجها: لدي مالًا يكفي لتؤدّي العمرة المفردة في الوقت الحاضر؟

  • جواب سماحة السيّد: لا مانع مِنَ الذهاب لأداء العمرة. على أنّه يجب أن نعلم هنا بأنّ الرجل ليس مسؤولًا مِنَ الناحية الشرعيّة عن توفير نفقة سفر زوجته، أمّا إن أراد أن يفعل ذلك فهو عمل حسنٌ للغاية، وإن كان ذلك لا يتعلّق بذمّته شرعًا. مَثَل هذا كمَثَل المرأة الّتي لا تستطيع الصيام بسبب إرضاعها لطفلها أو بسبب إصابتها بمرضٍ، فلا يترتّب على الرجل [أي الزوج] دفع كفارة قضاء هذا الصيام، أمّا إن أراد أن يدفع فليدفع، وإلّا فالكفّارة ساقطة عن ذمّة الرجل. نعم، إن لم تكن المرأة تملك مالًا، حتّى بمقدار الكفّارة، فتسقط الكفّارة عن ذمّتها حينئذٍ، أمّا إن دفع الرجل عنها، فكم هو عملٌ حسن.

  • أمّا فيما يتعلّق بالحجّ، فهو واجب على كلٍّ مِنَ الرجل والمرأة دون أيّ فرق، غير أنّ مسألة الاستطاعة تتفاوت هنا، فهي أيسر على المرأة منها على الرجل، نظرًا لمسؤوليّاتها وتكاليفها المتعلّقة بتربية الأطفال والقيام بواجبات البيت. فمع ملاحظة هذه الأمور [والمسؤوليّات]، فإن حصلت لها الاستطاعة، فعليها أن تذهب [إلى الحجّ] – حالها في ذلك حال الرجل – حتّى إن منعها الرجل مِنَ الذهاب. وإن لم تستطع، فلا يجب عليها الذهاب، ولا يترتب على الرجل تكليف توفير المال اللازم لذلك.

  • وإن استطاعت المرأة أن تؤدّي العمرة، فلتفعل، لأنّ الوجوب يتعلّق بأمرين هنا، هما: العمرة الواجبة، وحجّ التمتّع الواجب الّذي يتضمن الأعمال الخاصّة بيوم عرفة وما بعدها، فأيُّ هذين العملين استطاع الإنسان أن يؤدّيه، يكون قد أدّى أحد التكليفين؛ فإن كان الإنسان يملك المال الكافي لأداء العمرة، فليؤدّها، وبذلك يكون قد أتى بأحد الواجبين، ويبقى عليه الواجب الآخر الّذي يستطيع أن يأتي به فيما بعد. أمّا إن كان يعلم أنّه إذا ادّخر هذا المبلغ مِنَ المال، سيتمكّن فيما بعد مِن إضافة مبلغ آخر عليه، وبذلك سيتمكّن مِنَ الذهاب إلى الحجّ، فيجب عليه أن يحافظ على المبلغ الأوّل حتّى يضيف إليه المبلغ الآخر [ثمّ] يذهب إلى الحجّ، ولا يجوز له عندها أن يصرف هذا المبلغ.

الاعتدالُ هو سنّةُ اللهِ لسالكي الطريق - الإجابة عن أسئلة مختلفة المواضيع

19
  • الروابط الرحميّة والعائليّة وأثرها على السير والسلوك

  • السؤال: طرحتم مؤخّرًا في مجلسٍ لنساءِ طهران موضوعًا يتعلّق بكيفيّة تأثير السلام على الأفراد في تغيير حال الإنسان، وكذلك فيما يتعلّق بالارتباط بأهل الدنيا، فما هو تكليفنا فيما يتعلّق بالارتباط بأقاربنا، ومنهم أقارب الدرجة الأولى مثل الأب، الأمّ، الأخ والأخت؟

  • جواب سماحة السيّد: لا، لا يَترك هؤلاء الناس تأثيرًا على الإنسان، على أنّ صلة الرحم لا تعني زيارتهم في كلّ صباح ومساء، والتحدّث والضحك معهم، والاستماع إلى كلّ ما يُقال، والاستماع إلى أنواع الغيبة وغيرها، فهذه التصرّفات ليست وصلًا للرحم، بل صلة الرحم تعني أن يتصرّف الإنسان بالشكل الّذي يشعر فيه الطرف المقابل أنّه لم يقطع علاقته به، هذا هو معنى صلة الرحم؛ وهذا قد يتحقّق بواسطة اتّصالٍ هاتفيّ أحيانًا، أو بإرسال هدية، أو بإرسال السلام عن طريق أحدٍ. نعم، إنّ صلة الرحم لا تقتصر على الزيارة فقط، بل قد تتحقّق بواسطة اتّصال هاتفيّ أو إرسال السلام، فهي لا تقتصر على المتعارف بين الناس هذه الأيّام وهو الزيارة.

  • ومِن جانب آخر، فإنّ الناس متفاوتون، إذ قد يزور الإنسان شخصًا ويتحدّث معه نصف ساعة دون أن يتأثّر.. هنالك ألف وسيلة ووسيلة نستخدمها في غير هذا الموضوع – كما ذكرت – ولكن عندما نصل إلى هذا الموضوع، نرمي به على الله! كلّا، فلدى الإنسان ألف حجّة وحجّة يستطيع بواسطتها أن يحدّ مِن علاقاته بالآخرين؛ ثمّ إنّ صلة الرحم لا تعني الزيارة والتعامل مع الطرف الآخر بحرارة بحيث يترك أثرًا عليه، بل يستطيع الإنسان مثلًا، أن يزور الشخص ويسلّم عليه ويسأل عن أحواله، ويستطيع – بشرط حفظ الحالة الّتي هو عليها – أن يشرب معه الشاي ويلاطفه بكلمتين، ثمّ يعود لممارسة نشاطه العادي. وقد يتحقّق هذا بواسطة اتّصالٍ هاتفيٍّ أحيانًا، أو بتوكيل أحدٍ في إيصال السلام أو بإرسال هدية في بعض الأحيان، لِيسعد الطرف الآخر بذلك، هذه هي صلة الرحم، فهي لا تقتصر على الزيارة. في مثل هذه الموارد، فإن كان أحدنا مجبورًا على القيام بتكليفه، فإن لم يُشغل ذهنه بتلك البيئة ولم يتمسّك قلبه بها، فلن يترك هذا اللقاء تأثيرًا على الإنسان.

الاعتدالُ هو سنّةُ اللهِ لسالكي الطريق - الإجابة عن أسئلة مختلفة المواضيع

20
  • السؤال: ماذا يجب أن تفعل الأمّ في البيت لكي تقلّل مِن توقعات الأولاد والزوج ...؟

  • جواب سماحة السيّد: لقد أجبت عن هذا السؤال، فيجب التصرّف بموجب ما أوضحته هذا اليوم.

  • كيفيّة التعامل مع الغضب والعصبيّة

  • السؤال: ما الّذي علَيّ فعله حتّى أسيطر على يدي ولساني عندما أغضبُ على الأطفال؟

  • جواب سماحة السيّد: يجب علينا أن نفكّر قبل حصول الغضب، لا أن ندع الغضب يحصل ثمّ نقول: ما الّذي علينا فعله في هذه الحالة! فقبل أن نغضب، علينا أن ننظر ونرى: هل يستحقّ الموضوع الغضب أم لا، وما هو مستوى الغضب المطلوب [في هذه الحالة وتلك]، وما هو مقدار ردّة الفعل المطلوبة؛ هذا ما يمكن للإنسان أن يقوم به، أن يتأمّل في الأمر ثوانٍ معدودة قبل أن يغضب. وإن مرَّن الإنسان نفسه على ذلك، سيتمكّن مِنَ السيطرة على نفسه.

  • السؤال: عندما يعاني الزوج مِن مرض عصبيّ – [يقول سماحة السيّد:] يعاني الكثير هذه الأيّام مِنَ الأمراض العصبيّة، وغالبًا ما يشتكي الرجال مِن ضعف أعصاب نسائهنّ – ويصل به الحدّ إلى أن يضرب أبناءه بشدّة، ومع ذلك يرفض مراجعة الأطباء، فما هو التكليف المترتب علَيّ في هذه الحالة؟

  • جواب سماحة السيّد: ليس واجبك أن تُمسكي عصا وتتحدّينه قائلة: تعال لنرى مَن هو الأقوى! فذلك سيؤدّي إلى تهييجه. والتكليف معروف هنا، إذ مِنَ المعلوم كيف على الإنسان أن يتعامل مع الشخص المريض، هذا أمرٌ معروف.

  • حول قراءة كتب سماحة السيّد العلّامة الطهرانيّ 

  • السؤال: عندما تريد المرأة أن تطالع كتب المرحوم العلّامة، فبأيّ كتاب يُفضّل أن تبدأ؟

  • جواب سماحة السيّد: تستطيع أن تبدأ بأيّ كتابٍ شاءت، فلا أرى كتابًا خاصًّا يمكن أن أوصي بقراءته، بل عليها أن تختار أيّ كتابٍ ترتاح لقراءته، وتستطيع فهمه بسهولة. أنا لا أوصي بأيّ كتابٍ خاصٍّ.

  • الجمع بين الدراسة وبين تربية الأطفال والعناية بالمنزل

  • السؤال: إذا كان لدى المرأة استعدادًا جيِّدًا للدراسة، ولكنّها تركت الدراسة الحوزويّة مِن أجل تربية أطفالها والعناية بالمنزل، وعندما تراجع نفسها تجد أن لا عمل لها سوى إدارة المنزل، فهل يكون استعدادها قد ذهب هباءً حينئذ؟

الاعتدالُ هو سنّةُ اللهِ لسالكي الطريق - الإجابة عن أسئلة مختلفة المواضيع

21
  • جواب سماحة السيّد: لا، لم يذهب استعدادها هباءً، بل تستطيع أن تستمرّ على الطريقة نفسها، ولكن تحوّل دراستها إلى داخل البيت؛ هناك الكثير مِنَ النساء العظيمات اللاتي وصلن إلى درجات عالية وهم داخل بيوتهنَّ، فلا يلزم أن تحمل المرأة حقيبتها وتذهب إلى المدرسة، بل يوجد ألف أسلوب وأسلوب [للتعامل] مع هذا الموضوع؛ فتستطيع أن تأتي بالكتب إلى بيتها، وتستمرّ في دراستها، وستصل بكلّ تأكيد إلى تلك المراتب العالية. إنّ هذا العبد يعرف الكثير مِنَ النساء اللاتي وصلن إلى درجات رفيعة في هذا المجال بهذه الطريقة.

  • المطالبة بدروس حول المعارف وحسن التبعّل

  • السؤال: ألا يمكنكم إقامة دروس للنساء حول حُسن التبعّل، وحول المعارف [الإلهيّة] ليزداد اطّلاعهنّ، وذلك مرّة في الأسبوع، أو لا أقل مرّة شهريًّا، لتصبح المرأة بذلك صاحبة اطّلاعٍ واسعٍ، وبهذا الاطّلاع الوافي يسهل عليها تحمّل المشاكل؟

  • جواب سماحة السيّد: طُرح نفس هذا الموضوع مِن قبل، واتّخذنا خطواتٍ بهذا الاتجاه، إلّا أنّه وُوجِه – للأسف – بعدم تقبّل الآخرين.

  • التنبيه على شموليّة المطالب وإعادة التذكير بمنهجيّة سماحته في الإجابة

  • السؤال: ما هي حدود واجبات المرأة اتّجاه الأبناء؟

  • جواب سماحة السيّد: ما أريد قوله هنا هو: إنّ واجب هذا العبد ليس بيان كيفيّةِ التطبيق العمليّ، بل يقتصر واجبي على مجرّد بيان المطالب، أمّا تطبيقها فهو على عهدة الأصدقاء، إلّا اللهمّ إن حصل وشعرتُ بوجود خطرٍ قادم، وفسادٍ أو إفساد، وضلالٍ أو إضلال، في بعض الأحيان، فسأقوم عندها بالتدخّل شخصيًّا، وهو ما ترونه بأنفسكم. أمّا فيما يتعلّق بالتطبيق العمليّ في هذه الصورة [المطروحة في السؤال]، فأنا لا أتدخّل في ذلك، ويستطيع رفقاء الطريق والأصدقاء – بما لديهم مِن خبرة وبصيرة في هذا المجال – أن يقوموا بواجباتهم بالنحو المطلوب.

  • وهنا مسألة أوّد قولها وهي: رغم أنّ سبب طرح هذه المطالب، هو وجود الرفقاء والأصدقاء، غير أنّني أرى أنّ رسالتي ومسؤوليّتي لا تنحصر في بيان المطالب للرفقاء والأصدقاء فقط، وهو ما ترونه بأنفسكم. إنّ المطالب الّتي أطرحها تتعدّى حدود البيئة الحاليّة، فهي تشمل كلّ مَن يريد أن يشقّ هذا الطريق، فكثير مِنَ الناس على ارتباط بهذا العبد وهم غير هؤلاء الرفقاء، ومساعيهم تفوق مساعي الرفقاء، وهم يتابعون هذه المطالب، وهي تصل إلى أيديهم. فهذا الأمر لا يشمل الأفراد الّذين يحضرون هنا [فقط]، وإن كانوا هم سبب الخير في حصول هذا الأمر، ولهم الأولويّة في هذا الأمر بالطبع، غير أنّ هذه المطالب مطالب عامّة وللجميع. هناك الكثير مِنَ الأفراد الخارجين عن زمرة الرفقاء العاديّين والظاهريّين، وهم – لا أدري، هل أقول لحسن الحظّ أم أقول للأسف – متقدّمون على رفقاء الطريق مِن حيث الاهتمام بالمطالب، هم أُناس لا يسكنون هنا، ومنتشرون في أماكن كثيرة، ومع أنّهم يعيشون في بيئة غير ملائمة، إلّا أنّهم يهتمّون بهذه المطالب بشكل يجعل هذا العبد يغبطهم على حالهم هذه.

الاعتدالُ هو سنّةُ اللهِ لسالكي الطريق - الإجابة عن أسئلة مختلفة المواضيع

22
  • حدود واجب المرأة في متابعة دروس أبنائها

  • السؤال: ما هي حدود واجب المرأة في متابعة دروس أبنائها، وهل يتوجب عليها ذلك، مع كلّ ما تتحمّله مِن مسؤوليّات، ومع كلّ ما تتعرّض له مِن ضغوط؟

  • جواب سماحة السيّد: هذا الأمر يعتمد على ظروف المنزل، ومدى ما يملكه الأبناء مِن استعداد؛ فإن كان للمرأة القابليّة على ذلك، فلتفعل، وإلّا فلا.

  • ضوابط خروج المرأة مِن منزلها

  • سؤال: ذكرتم مرارًا أنّ العائلة النصرانيّة الّتي تعيش معًا بأخلاقٍ طيّبة وصفاء قلبٍ، أفضل مِنَ الشيعيّ الّذي ينعدم في بيته الصدق والصفاء؛ ولهذا يرغب الكثير مِنَ الأزواج أن تكون زوجاتهم بشوشات ترتسم على وجوههنَّ آثار الفرح والسرور. وهذا أمر جيّد وطبيعيّ، ولكن مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ شواكل الناس تتفاوت، فمنهم يبتهج بخروجه مِنَ البيت وبالتنزّه، ومنهم يبتهج بقراءة كتابٍ، ومنهم يبتهج بالسكوت. فإن كان الجوّ الحاكم على بعض البيوت هو الأمر والنهي، مضافًا إلى المشاكل العائليّة، وتعدّد الروحيّات الحاكمة على أفراد المنزل، ومع وجوب حلول الصفاء، كيف يمكن تحقيق ذلك مع وجود دستور سلوكيٍّ يُحدّد للمرأة عدد مرّات خروجها مِنَ البيت، وممارستها الرياضة؟ وكيف يمكن الجمع بين أن نكون مِن شيعة أمير المؤمنين – إن شاء الله – وأن نكون بشوشين وسعداء؟

  • يحصل كثيرًا أن ترى المرأة جواز عدم الاعتناء بالوصايا السلوكيّة القاضية بإطاعة الزوج؛ فهل يجب على المرأة أن تطيع الزوج عندما يأمر بعدم الخروج مِنَ المنزل أم لا؟ وهل يجب عليها أن تطيعه في عدد مرّات الخروج مِنَ البيت؟ وهل يجوز لها أن تفعل ما يخالف أمر الزوج؟ أو ... [يقول سماحة السيّد هنا:] إنَّ طبيعة ما تبقى مِنَ السؤال معروفة.

  • جواب سماحة السيّد: إنّ الموضوع الّذي كنتُ أتحدّث عنه يتعلّق بهذا المورد، وهو ضرورة إطاعة أوامر الزوج؛ فعندما يأمر الزوج بعدم الخروج مِنَ البيت ليلًا، فلا يجوز للمرأة أن تخرج. نعم، يستطيع الإنسان أن يوفرّ ذلك الجوّ مِنَ السعادة في المنزل بشكل آخر، فلا يقتصر تحقيق السعادة على الخروج مِنَ المنزل، أو أن يفرض تحقّقها بشكل خاصّ. الكثير مِن أشكال السعادة هي وليدة تخيّلات وتصوّرات الإنسان نفسه. نعم، إن أرادوا أن يذهبوا إلى مكانٍ ما معًا، فعلى المرأة أن تستمع إلى كلام زوجها، ولن يُسبّب لها هذا الخروج [حينئذ] أيّ ضرر.

الاعتدالُ هو سنّةُ اللهِ لسالكي الطريق - الإجابة عن أسئلة مختلفة المواضيع

23
  • عندما أوصى العظماء بعدم الخروج ليلًا، فوصيّتهم هذه مبنيّةٌ على أمرٍ واقعيٍّ، وكما ذكرت لكم سابقًا، ليس للعظماء عداوة مع أحد، ولا يضرّهم خروج الناس أو عدم خروجهم ليلًا؛ قالوا إنّ خروج المرأة مِنَ المنزل ليلًا غيرُ صحيحٍ، ويضرّ بحالها. فمَن شاءت أن تخرج حينئذ، فلتخرج، ولكن إن خرجتِ وفقدتِ حالتكِ المعنويّة، فلا تأت إليّ بعدها وتقولي: كيف أعالج هذا الأمر أيّها السيّد الطهرانيّ؟! أنا بينكم منذ عشر سنواتٍ أو خمس عشرة سنةً، وهذا أمر لا يعنيني، فأنا قد أدّيتُ ما يترتّب علَيّ مِن واجب وأوضحت التكاليف، أمّا ما يتعلّق بالتطبيق العمليّ، فمسؤوليّته تقع على عاتق الأصدقاء ورفقاء الطريق أنفسهم. تستطيع المرأة أن تبدّل جوَّ المنزل بالشكل الّذي ترتئيه، وتستطيع أن تجعله سعيدًا، وأن تحافظ على الليونة فيه بشكلٍ دائمٍ، على أنّ ذلك قد لا يكون بالضحك وأمثاله في بعض الأحيان، فهي قادرة على تبديل وضع المنزل والجوّ الحاكم فيه عن طريق تعاملها مع زوجها وأولادها، وتوقّعاتها منهم، وهذا يحتاج إلى شيءٍ مِنَ الخبرة والذكاء والكياسة.

  • عليكم أن تتنبّهوا إلى أنّ قولي بأن لا يتجاوز خروج المرأة مِن المنزل المرّة أو المرّتين في الأسبوع، لا يشمل الموارد الّتي يكون الخروج فيها ضروريًّا، كما لو حصلت مشكلة قد ترتفع بخروج المرأة مِنَ البيت وزيارة الأقارب، ولا يشمل الموارد الّتي يكون الخروج فيها للترفيه عن النفس أو للقيام بعملٍ خيّر يرفع الضيق، فتقومين بزيارةِ أحدٍ [مثلًا]، على أن لا يمانع الزوج مِن ذلك. فهذه الحالات ليست مقصودة بكلامي ذاك، بل الّذي قصدتُه وقصده العظماء، يخصّ أولئك الّذين يعمدون إلى استبدال الأمور الحقيقيّة بأمور غير حقيقيّة، فيصبغون المسائل الاعتباريّة بصبغة الواقع.

  • كنتُ قد قلت إنّه يكفي الذهاب لحضور الدروس وأمثالها مرّتين في الأسبوع، فلا ترتدي عباءتك كلّ يوم وتتنقّلي بحقيبتك بين هذا الصفّ وذاك، كمَن يتنقّل مِن غرفة إلى أخرى عند مراجعة دوائر الدولة، [فتراه] يُراجع هذا وذاك لكي يختم المعاملة. ليس لدينا هكذا سلوك، ولا وجود لمثل هذا الشيء في مدرستنا.

  • أنا أعلم أنّه عندما أتكلّم يقوم البعض بتغيير كلامي، نعم، أنا أعرف ذلك، وأعرف مَن يقوم بذلك، أنا أعرف الأشخاص الّذين يقومون بهذا الأمر. وقد قلتُ لكم إنّ كلامي ليس مختصًّا بمجموعة بعينها، بل هو كلامٌ عامّ، وأنا أنقل لكم ما قاله العظماء؛ فإن بقيت إحداكنَّ في بيتها مِنَ الصباح حتّى المساء، فلن أجني أنا مِن ذلك شيئًا، وإن خرجت صباحًا ولم تعد إلّا ليلًا، فلن أخسر أنا شيئًا؛ فأنا أُبيّن هنا مرام العظماء ونهجهم.

الاعتدالُ هو سنّةُ اللهِ لسالكي الطريق - الإجابة عن أسئلة مختلفة المواضيع

24
  • ومِن جانب آخر، أقول: لا تعتقدوا أنّ مَن يحضر هنا، فقد حُسم أمره، كلّا، ليس الأمر بهذا الشكل، هناك الكثير مِمّن يأتي وينتسب إلى هذه المدرسة ويبقى فيها مائة سنةٍ دون أن يتقدّم ولو سنتمترًا واحدًا، فليكن ذلك واضحًا لكم، وهكذا كان الحال في عهد المرحوم العلّامة، وقد صرّح هو بذلك. وها أنا أُتمّم الحجّة على أولئك الّذين يُبدّلون المطالب الّتي أطرحها، ويحاولون اللفّ والدوران باستمرار، ويغيّرون الكلام بشكلٍ أو بآخر. ها أنا أقولها لكم بكلّ وضوح: إنّ المرحوم العلاّمة كان قد اعترض علَيَّ في الأشهر الأخيرة مِن حياته، وقال لي: لماذا تتوسّع في الحديث، حتّى يصير مصداق حديثك معلومًا! فقلتُ له: إن لم أفعل ذلك يا والدي العزيز، سيُؤوّلون كلامي بهذا الشكل وبذاك. فقال: دعهم يفعلون ذلك، فمَن كان مقرَّرًا له أن يفهم المغزى.. كانت هذه عين عبارته دون زيادة أو نقصان، حيث قال: مَن يجب أن يفهم سوف يفهم، حتّى لو تكلّمت معه كلامًا عامًّا دون أن تُحدّد المصداق، وسيعلم كيف يتصرّف، ومَن لم يرد أن يفهم، فلو أقسمت أمامه ألف مرّة بالآيات القرآنيّة، وقلت له: هذا هو قصدي مِنَ الكلام، لقال لك: لا.. وها أنا قد أتممتُ عليكم الحجّة.

  • أمّا فيما يتعلّق بحضور الدروس، فالأمر كما قلتُ: مِنَ الخطأ أن يحصل ذلك أكثر مِن مرّتين في الأسبوع، حيث تتردّد المرأة بين الصفوف، مِن صفٍّ إلى صفّ، ومِن درسٍ إلى درس. أمّا بالنسبة لخروج المرأة للزيارة أو لمراجعة الطبيب، أو لكونها تعاني مِن انقباض القلب، فتروِّح عن نفسها بالمشي في أحد المتنزهات، فما المانع مِن ذلك؟! فهي تستطيع أن تتنزّه في الهواء الطلق مدّة نصف ساعة، إن لم يرافق ذلك مضايقات ومزاحمات قد تتعرّض لها مِن رجلٍ غريب. فهذا الأمر جيّد جدًّا، ومِنَ المستحسن أن يتمشّى المرء عندما يكون الجوّ مناسبًا، فيتحرّك الجسم ويكون ذلك تمرينًا رياضيًّا، ما المانع مِن ذلك؟! ولكن يجب أن لا يكون ذلك في المساء، فسبق أن قلتُ إنّ الخروج ليلًا ليس صحيحًا، أمّا في ساعات النهار، فلا إشكال فيها، فيمكن للمرأة أن تخرج مع زوجها، فيسيرون معًا ويتنزّهون، ويشترون بعض الحاجيات كالخبز والجبن، لا مانع مِن ذلك كلّه. أمّا أن تخرج المرأة بحجّة الدرس أو مجلس العزاء وما شابه ذلك، فهو أمرٌ غير مقبول! تستطيع المرأة أن تحضر مجلس عزاء واحد، على أنّ الخروج ليلًا في أيّام العزاء [للعزاء] لا إشكال فيه، أمّا في غير أيّام العزاء، فيكفي أنّ تحضر مجالس شهادة الأئمّة وولادتهم الّتي تُقام بين الطلوعين – وكانت تُقام هذه المجالس في حياة المرحوم العلّامة أيضًا – ولا حاجة لحضور المزيد مِنَ المجالس، فما الداعي أن تحضر المرأة ذاك المجلس عصرًا وهذا المجلس مساء أو في منتصف الليل؟! يكفي حضور مجلس واحدٍ فقط، فلن ينال الإنسان شيئًا مِن كثرة حضور المجالس، فحضور مجلس واحد وهو في حالةِ نشاطٍ مع نيّةٍ صادقةٍ وصفاءٍ يكفي؛ يجب علينا هنا أن نحترز مِنَ الإفراط والتفريط.

الاعتدالُ هو سنّةُ اللهِ لسالكي الطريق - الإجابة عن أسئلة مختلفة المواضيع

25
  • تقول بعض النساء إنّ أزواجهنَّ يأمرونهنَّ بالبقاء في المنزل! [أقول:] كلّا، إنّ هذا الأمر غير صائبٍ، فالزوج مخطئٌ في تصرّفه هذا، فعندما يرى زوجته تعاني مِن ضيق صدرٍ وانزعاجٍ، فعليه أن يخرج معها، فيذهبا إلى الحرم، أو في جولة ترفيهيّة، فإن كان لا يقدر على ذلك، فليسمح لها – على الأقلّ – أن تذهب إلى الحرم بمفردها، إن كان ذلك ميسورًا. لا يصحّ وضع حدود تضرّ بأعصاب المرأة وتؤثّر سلبًا على روحيّتها؛ إنّ هذه التصرّفات خاطئةٌ؛ ﴿وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً﴾۱، فيجب سلوك طريق الاعتدال. أمّا أن تصبح المرأة سائبة، فما إن تبقى لحظة في البيت حتّى تشكو ضيق الصدر، فهذا أمر غير مقبول، ولا يمكن أن تجري الأمور على هذا المنوال، والإنسان يعلم بنفسه سبب كون هذا التصرّف خاطئًا؛ والسبب [يكمن في الجواب عن الأسئلة التالي]: ما الّذي نريد فعله، ولأيّ سبب نقوم به؟ إنّ السبب ضمنيٌّ، فعندما نريد أن نُقدم على عملٍ، فإرادتنا هي السبب الّذي يدفعنا للقيام به؛ فعلينا أن نهتمّ بما نراه مفيدًا لنا، ونبتعد عمّا نراه مضرًّا لنا، متجاوزين الإفراط والتفريط، فكلاهما خطأ.

  • ضوابط زيارة الإمام والأولياء والصالحين

  • السؤال: هل يوجد إشكال في زيارة شخصيّات أمثال بايزيد البسطاميّ وغيره عند العودة مِن زيارة الإمام علِيّ بن موسى الرضا، هذا مع كونكم تعتبرونهم صفرًا في مقابل الإمام الرضا؟ وغرض سؤالي هذا هو الاطّلاع.

  • جواب سماحة السيّد: قد أوضح العبدُ هذا الموضوع، وتمّ بيانه في مجالس عنوان البصريّ نقلًا عن المرحوم العلّامة؛ مَن أراد زيارة الإمام الرضا، عليه أن لا يضع في ذهنه شخصًا آخر غير الإمام، فيجب أن يكون هدفه هو الوصول إلى الإمام فقط، وعليه أن لا يرى غيره. عندما تتحرّكين مِن طهران بقصد زيارة علِيّ بن موسى الرضا، عليكِ أن لا تفكّري ولا تقولي خلال سيرك باتجاه الإمام: يوجد فلان في شاهرود أو سبزوار أو نيشابور. نعم، يجب أن لا يخطر على بالك أمثال هذه الأمور. وكذا الأمر عند زيارة السيّدة المعصومة سلام الله عليها، فعندما تتحرّكين مِن طهران ويقع بصرك على قبّة السيّد عبد العظيم الحسنيّ، يجب أن تسلّمي عليه، ولكن يجب أن يقتصر تفكيركِ على السيّدة المعصومة سلام الله عليها، فلا تلتفتين إلى هذه الجهة أو تلك. وعندما تذهبين لزيارة الإمام الرضا عليه السلام، يجب أن تقومي بنفس هذا العمل. فرغم عظمة هؤلاء الشخصيّات، الّذين لا يوجد اليوم مَن يساوي شعرة منهم، إلّا أنّ مقصدنا يجب أن يكون الإمام الرضا فقط؛ فعندما يكون العدد هو مائة، ستكون كافّة الأعداد صفرًا في قِباله؛ فالبركات الّتي تُفاض مِن أمثال بايزيد والشيخ أبو الحسن الخرقاني (أعلى الله مقامهما) والمرحوم الحاجّ هادي السبزواريّ والشيخ فريد الدين العطّار وابن الإمام الصادق عليه السلام السيّد محمّد، وكلّ ما يملكه هؤلاء، هو بسبب كونهم طريقًا موصلًا إلى الإمام الرضا، فهذا الفيض يأتي مِنَ الإمام الرضا ومِن بركاته، لذا كانوا أصفارًا والإمام الرضا كلّ شيء. إنّ الإمام هو كلّ الوجود وكلّ الولاية وجميع القِيم، فيتوجّب أن نتوجّه إليه وحده. نعم، عندما يُنهي الإنسان زيارته للإمام ويريد العودة، فلا مانع أن يزور أولئك الأشخاص حين رجوعه، نعم، عند العودة لا عند الذهاب، فإن كانت لديه فرصة أن يذهب إلى نيشابور، فيمكنه أن يفعل ذلك، وإن لم يشأ فلا يفعل. أمّا ما ذكرناه سابقًا، فهو يختصّ بمرحلة الذهاب.

    1. سورة البقرة، جزء مِنَ الآية ۱٤٣.

الاعتدالُ هو سنّةُ اللهِ لسالكي الطريق - الإجابة عن أسئلة مختلفة المواضيع

26
  • ما هو مقام (هو) الوارد في الآيات القرآنيّة

  • السؤال: إنّ الله عزّ وجلّ يُشير إلى نفسه في الكثير مِنَ الآيات القرآنيّة بلفظ (هو)، ومِنَ المعلوم أنّ هناك أسرارًا في هذا الموضوع، فمِن أين لي فهمها؟ فسؤال هذه الحقيرة هو: لماذا يُشير الله إلى نفسه بلفظ (هو)، ومَن يكون حقًّا؟ وهذا السؤال يتردّد على ذهني دائمًا: مَن يكون هذا الّذي يُعبّر عن نفسه بلفظ (هو)؟

  • جواب سماحة السيّد: إنّ (هو) عبارة عن مقام غيب الغيوب، ومقام الحقيقة البسيطة الّتي لا يمكن الإشارة إليها لبساطتها وصرافتها؛ باستطاعتكِ الإشارة إلى الشيء متى ما كان متشخّصًا ومتعيّنًا، فهذا الإناء الّذي أمامي قابل للإشارة إليه، وكذا الحال بالنسبة إلى هذا القدح وهذا الفراش، أمّا الشيء الّذي لا يمكن الإشارة إليه، فلا يمكن الإشارة إليه إذن؛ [ما سأقوله] هو مِن باب المثال فقط، وإلّا ففيه جانب ضعف، ولكنّني سأستخدمه لتقريب المطلب إلى أذهانكم؛ مثلًا، [هل تستطيعون أن] تشيروا إلى الهواء الموجود في هذا المكان، كأن تقولوا لي: هذا هو الهواء؟! أين هو الهواء؟! هذا في الوقت الّذي نستنشق جميعنا هذا الهواء ونتنفّسه. باستطاعتكم أن تشيروا إلى ما هو قابل للمشاهدة، أمّا الهواء، فهل أستطيع أن أشير إليه بأصبعي وأقول: يوجد هنا هواء، [وإلّا] فما الّذي أتنفّسه إذن؟! أو أقول: يوجد هواء في هذا المكان، [وإلّا] فما الّذي يتنفّسه الجالسون؟! بل الهواء غير قابل لأن تشيرين إليه. [وهكذا هو مقام (هو)]؛ مقام (هو): هو هوية هذا المقام. كان ذلك مِن باب التقريب، إذ المثال المتقدّم يشوبه بعض الضعف، وإنّما ذكرناه لمجرّد تقريب الفكرة لكم.

  • إنّ مقام (هو): هو هويّة الله، وهو مقامٌ غير مقام ظهور الأسماء والصفات الجلاليّة والجماليّة، وغير مقام التحقّق العينيّ والخارجيّ للأسماء والصفات. فما دام الأمر كذلك، فكيف يمكنكم أن تشيروا إلى هذا [النوع الخاصّ مِنَ] التحقّق الخارجيّ؟ لا يوجد مكان يمكن لكم أن تشيروا إليه فيه.

  • إنّ قدح الماء هذا هو أحد مظاهر الله، والإنسان مِن مظاهر الله، ونستطيع أن نشير إلى هذه الأشياء فنقول: هذا إنسان وهذا حيوان وهذه شجرة وهذا جبل وهذه صحراء وذاك جبرائيل؛ وهي جميعها مِن مظاهر الله، ولكن أين الله؟ إنّ ما ذكرته لكم مِن أمثلة عبارة عن مظاهر الله، ولكن أين هو الله؟ إنّ الله عبارة عن الحقيقة الموجودة في نفس الوقت الّذي نتكلّم فيه الآن ونقول فيه: أين ذات الله؟ وعليه، كيف يمكن أن نشير إليه؟! ففي نفس هذا الوقت الّذي أتكلّم فيه الآن وأقول: أين هو الله، ففي كلامي هذا يوجد الله، وهو موجود في استماعكم، وفي اهتزاز رؤوسكم الّتي تشير على تصديقكم بوجود الله، وفي حركة أجفانكم، فهو موجود في كلّ هذه الأشياء، فكيف يمكنكم والحال هذه أن تشيروا إليه؟! هذا هو المورد الّذي يُعبَّر عنه في القرآن بلفظ (هو): فهو الحقيقة الكامنة وراء المظاهِر والظواهِر، وفي الوقت عينه فإنّ الجميع هو، لأنّ وجوده سارٍ وجارٍ في الجميع. هذا المقام هو مقام (الهوهوية) الّذي يُعبّر عنه أيضًا بغيب الغيوب وبمقام العماء، وهذه كلّها عبارة عن اصطلاحات خاصّة.

الاعتدالُ هو سنّةُ اللهِ لسالكي الطريق - الإجابة عن أسئلة مختلفة المواضيع

27
  • التوبة وأثرها في الآخرة

  • السؤال: إن تاب الشخص في هذه الدنيا، ولم يعد إلى الذنوب الّتي كان يرتكبها، فهل سيُعاقب في الآخرة على ما اقترفه مِن ذنوب [قبل التوبة]؟

  • جواب سماحة السيّد: كلّا، بل سيسامحه الله، فالأمر منتهٍ بالنسبة له؛ وورد في الروايات أنّ مَن يتوب هكذا توبة، سيكون كمَن ولدته أُمّه للتّو۱، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مَن يتوب في يوم عرفة٢. فهذه مِنَ الأمور الّتي هيّأها الله ومَنَّ بها على عباده مِن أجل تطهيرهم.

  • حكم الصيام فترة الرضاعة

  • السؤال: لدى هذه الحقيرة طفلةٌ لم تتجاوز السنتين ولا تزال في مرحلة الرضاعة، فهل علَيَّ في هذه الحالة أن أقضي ما في ذمّتي مِن صيام عن العام الماضي – الّذي لم أتمكّن مِن قضائه حتّى الآن – أم يمكنني تأجيله حتّى تنتهي فترة الرضاعة.

  • جواب سماحة السيّد: إنّ تقدير هذا الأمر متروك لكِ، فإن كان الصيام سيلحق الضرر بالطفلة، فلا يجوز لك [الصيام]، وإلّا يمكنك الصيام.

  • السؤال: تحصل للحقيرة حالة مِنَ الانقباض الروحي في بعض الأحيان، فأذهب إلى إحدى رفيقاتي في نواحي مشهد وأطرح عليها هذا الأمر ...

  • جواب سماحة السيّد: قد أجبت عن هذا السؤال سابقًا.

  • يجب مراعاة الدقّة الشديدة في التصرّف

  • السؤال: لا يعلم الإنسان أحيانًا إن كانت تصرفاته صائبةً أم لا؛ مثلًا، قد يرى المرء أنّ الواجب هو أن يقول الحقّ في بعض المواقف، الأمر الّذي قد يكسر قلب الطرف المقابل، فلا أدري إن كان تصرّفي هذا صحيحًا أم لا؟

  • جواب سماحة السيّد: نعم، على الإنسان أن يكون دقيقًا في هذا الأمر ويرى أين عليه أن يتكلّم وما هو طبيعة الكلام [الّذي يجب قوله]، وهذا هو الغرض مِن القول: لا يجوز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جميع الظروف؛ فقد يتكلّم الإنسان بكلام يؤدّي إلى نتيجة عكسيّة، وأحيانًا قد ينكسر قلب الشخص المقابل، لذا عليه في هذه الحالة أن يتوسّل لطائف الحيل، فيطرح الأمر بالكناية والإشارة، وإن علِم أنّ الكناية والإشارة قد تكون مضرّةً، فلا يجوز له أن يفعل ذلك.

  • كان هذا العبد يتعجّب مِن أمور كنتُ أراها في فترة حياة المرحوم العلّامة، كنتُ أتعجّب كيف أنّ المرحوم العلّامة لم يكن ينبّه البعض على أعمال واضحة البطلان، ولم أكن أرى ما يمنع مِن تنبيههم على ذلك، فما الّذي كان يمنعه مِن ذلك؟ ولماذا لم يكن ينبّههم؟ ظلّ البعض يتردّد إلى بيتنا سنوات عديدة، ولم يكن المرحوم العلّامة يقول لهم: هذا العمل الّذي تقوم به حرامٌ، ثمّ علِمتُ فيما بعد أنّ هذا الشخص كان في وضعٍ روحيٍّ لا يسمح له أبدًا أن يتقبّل ما قد يُقال له، [فلو حصل ذلك] لانصرف وأصبح في حالةٍ مختلفةٍ، ولتغيّرت حياته بشكلٍ كامل، لذا نرى المرحوم العلّامة كان يصبر عليه ويصبر، حتّى تغيّرت أموره وأصبح مختلفًا.

    1. الكافي، الشيخ الكليني، ط. دار الكتب الإسلامية، ج٢، ص٤٣۰، باب التوبة وما يليها؛ بحار الأنوار، الشيخ المجلسي، ط. مؤسسة الوفاء، ج٦، ص۱۱، باب٢۰ (التوبة وأنواعها وشرائطها).
    2. تفسير العياشي، العياشي، ج۱، ص۱۰۰.

الاعتدالُ هو سنّةُ اللهِ لسالكي الطريق - الإجابة عن أسئلة مختلفة المواضيع

28
  • ... تجب مراعاة الدقّة والجديّة في التصرّف، فلكلّ كلامٍ ونكتةٍ ظرفها الخاصّ، فلا يمكن أن يطلق الإنسانُ لنفسه العنان في أن يفعل كلّ ما يريد، فلكلّ شيء حسابٌ وكتاب. الآن وقبل أن أسرد لكم حكاية [أحد رفقاء الطريق]، سأذكر لكم حكاية تتعلّق بأحد الوعّاظ المتوفّين، كان يقول: كنت مارًّا في شارع الريّ في طهران، شارع (دردار) – حيث كان يسكن – فرأيتُ أحدَ أصدقائي، مِنَ الّذين يعملون في السوق، كان في حالةٍ عصبيّة عجيبة، فقال لي: إنّ هذا الزمان هو آخر الزمان، ما الّذي يحصل هذه الأيّام! فها أنا أنصح هذه المرأة – ثمّ أخذ بذمّها – وأقول لها: عليك أن تغطّي وجهك، وإذا بها تنزع العباءة عنها. فجاءت [حينها] المرأة وقالت [لي]: يا أيّها السيّد، قُل لأتباعك أن يتعاملوا مع الآخرين معاملة الإنسان للإنسان، فقد كنت مارّة في طريقي مرتدية العباءة، فجاءني هذا وقال لي: أغلقِ باب دار الخلاء هذا! [وقالت:] انظر إلى وجهي، فهل هو دار خلاء؟! فقلتُ لها: لا والله، إنّ ما أراه هو الجنّة العليا، فما هذا الكلام الّذي أسمعه؟ قالتُ: هذا ما قاله لي هذا الرجل! فقلتُ له: إن كنت تريد أن تأمر بالمعروف، فهل الأمر بالمعروف يكون بهذا الشكل؟! لماذا تتصرّف هكذا؟! أهكذا تتعامل مع وجهٍ بهذا الجمال؟! [ثمّ لو كلّمتها] وأرادت أن تستمع للكلام فبها، وإلّا فاتركها، فهل كان النبيّ يتعامل بهذا الشكل ويقول: أيّتها القردة، أنتِ القردة يا هذه!! كان المفروض أن تقول لها: بما أنّ لكِ وجهًا جميلًا، ألا يُستحسن أن تحفظيه عن أنظار الأجانب؟! أهذا الأسلوب أفضل، أم [أن نرى] ردّة فعلها عندما قالت: ما دام الأمر كذلك، فسأكشف عن كلّ جسمي، فقامت بنزع عباءتها ووضعتها في حقيبتها؟! فقلتُ للمرأة: لقد أخطأ الرجل في تصرّفه. فقالتْ: ما دمت قد نصحتني بهذا الأسلوب، فسألبس عباءتي مِن جديد، فأخرجت عباءتها مِن حقيبتها ولبستها.

  • أيُّ الأسلوبين أفضل؟ وبأيّهما يجب أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر في مجتمعنا؟ وأيّهما أكثر جذبًا للناس إلى الطريق؟ وأيّهما يقرّب القلوب، ويقرّب أصحاب القلوب الضعيفة؟ هل تلك التصرّفات تشبه تصرّفات النبيّ والأئمّة والعظماء؟!

الاعتدالُ هو سنّةُ اللهِ لسالكي الطريق - الإجابة عن أسئلة مختلفة المواضيع

29
  • كان أحد رفقاء الطريق يقول: عندما كنتُ أتردّد على المرحوم الشيخ الأنصاريّ كنتُ حليق اللحية – كان شابًّا حينها – وكان الرفقاء يتعجّبون مِن حضورِ شابٍّ حليق اللحية عند الشيخ الأنصاريّ. ولم يكن الشيخ يقول له شيئًا، أو ينبّهه على الأمر. [وقال:] كان يصل إلى مسامعي أحيانًا شيءٌ مِن هذا الكلام، فكنتُ أقول: لو كان الأمر مطلوبًا، لقاله لي الشيخ بنفسه. ومضى زمنٌ على هذه الحالة، أي ما يقارب السنتين أو الثلاث، حتّى بدأ الموضوع يزعجني أنا أيضاً! وكان الشيخ يضحك بوجهي ويقول لي: أكثر مِن مجيئك، لماذا لا تزورنا؟ تعال مرّة كلّ شهرين لكي نراك. وعندما تعبتُ مِنَ التفكير بهذا الموضوع، قلتُ له يومًا: لقد اشتبه الأمر علَيَّ، وأريد أن أعرف وجهة نظركم بشأن لحيتي. فضحك وقال: أحسنت، أحسنت، إن جعلت لحيتك تطول، ولو بمقدارٍ قليل، فهو أفضل. [أقول:] هل لاحظتم، فقد قال له: لو أطلتها قليلًا لكان أليق بك. عندما يحتفظ البعض بلحاهم تصبح وجوههم أجمل، وعندما يحلقونها تصبح وجوههم قبيحة؛ فلم يكن اعتباطًا أن عدُّوا اللحية مِنَ المحاسن، فهي مصدرٌ للحُسن والجمال. هل لاحظتم طريقة تصرّف الوليّ الإلهيّ والعالِم والمجتهد والعارف بالله، فهو لم يقل شيئًا لذلك الشابّ خلال تلك المدّة الّتي قضاها عنده، حتّى طرح هو الموضوع بنفسه، حيث قال في نفسه: لماذا لم يأمرني بمثل هذا الأمر مع كونه وليَّ الله وعارفًا؟ [أمّا بالنسبة إلى الشيخ] فهو لا يتكلّم بشيء قبل أن يحين وقته. يقول ذلك الشابّ: لقد أطلتُ لحيتي أكثر ممّا أوصاني به.. [أقول:] عندما يُقدم الإنسان على أمرٍ بكامل إرادته وبطيب خاطرٍ، سيستقرّ هذا الأمر في قلبه، وسيشعر بحلاوة طاعة الله، وسيستسيغ هذا الأمر المبهج والجميل. لقد حصل معي شخصيًّا مثل هذا الأمر آلاف المرّات، ولم أندم على ما مررتُ به مِن تجارب.

  • نعم، لا يجب على الإنسان أن ينبّه الآخر على كلّ شيءٍ لمجرّد كون ذلك الشيء حقًّا، فللأمر بالمعروف شروطٌ خاصّة: فيجب أن يعرف الإنسان ما هو المعروف وما هو المنكر، وليس المطلوب أن يُذكِّر الآخرين [دائمًا وكيفما كان]، فلعلّ الطرف الآخر يجيبه [قائلًا]: أصلح نفسك أوّلاً قبل أن تنصحني بالقيام بكذا وكذا. هذا أوّلًا، ثمّ عليه ثانيًا أن يعرف طبيعة الطرف المقابل وخصائصه الروحيّة، ومَن لديه هكذا اطّلاع حقًّا؟ لهذا عندما يأتي بعض الأصدقاء ويطلبون أن يتحدّثوا مع الآخرين، كنتُ أقول لهم: مَن أمركم بذلك؟! فلو استطعت أن تحفظ ثيابك مِنَ البلل، تكون قد أحسنت صُنعًا، ولكن تراه – وهو على ما عليه مِن حال – يتّصل بهذا وذاك، ثمّ تؤول الأمور إلى شيء آخر، ويؤدّي الأمر إلى أن يتصوّر الطرف المقابل أنّني أنا الّذي كلّفته بهذه المهمّة، ولكن متى كنتُ قد كلّفته بذلك! فأنا اكبح نفسي عن القيام بهذا العمل، وأحوال الحيلولة دون حصول ذلك! لقد تعبتُ مِن هذه الأمور، نعم، لقد تعبت حقًّا مِن كثرة العلاقات، وأنا أشعر بالحاجة إلى السيطرة أكثر على أوقاتي ونشاطاتي، ومع كلّ هذا ترى البعض يريد أن يدعو جاره للحضور أيضًا! لكلّ شخص إلهه أيّها العزيز، وتكليفه الّذي عليه القيام به، ومسؤوليّاته الواجبة عليه. على كلّ شخص أن يلتزم بما يُؤمر به، وأن يسعى للوصول إلى هدفه المنشود، ولا شأن له بغيره، فمَن يجب أن يصل المطلبُ إلى مسامعه، سيصل إليه دون قيامك أنت بذلك.

الاعتدالُ هو سنّةُ اللهِ لسالكي الطريق - الإجابة عن أسئلة مختلفة المواضيع

30
  • هل يُحرَم المذنب أربعين يومًا مِن قبول الأعمال

  • السؤال: إن ارتكب أحدٌ الغيبة، ثمّ ندم بعد ذلك على فعلته، واستغفر، فهل مع ذلك ستبقى أعمالُه غير مقبولة أربعين يومًا.

  • جواب سماحة السيّد: بل ستُقبل أعماله.

  • حكم زيارة الأرحام الّذين يوجد عندهم صحون لاقطة

  • السؤال: ألا يوجد إشكالٌ شرعيٌّ في زيارة منزل الوالدين الّذي يوجد فيه صحن لاقط [المعروف بالستالايت]؟

  • جواب سماحة السيّد: لا إشكال في الذهاب إلى هذه الأماكن بعنوان صلة الرحم، على أنّه يجب على الإنسان أن لا يلتفت إلى تلك الأدوات، وهو يستطيع أن يحدّ مِن تأثيرها بشكلٍ مِنَ الأشكال.

  • حول عشرة الأصدقاء وكيفيّتها المُثلى

  • السؤال: عندما سألكم أولئك الأصدقاء والرفقاء، أجبتموهم بأنّه: عليكم بالتواصل مع مَن رؤيته تُذكّركم بالله. وبناءً على هذا، فأنا أتواصل مع السيّدات فلانة وفلانة.

  • جواب سماحة السيّد: لعلّها تقصد مِن سؤالها هذا، أن ليس للأطراف المقابِلة فرصةٌ كافيّة لتتواصَل معهم؛ يسأل بعض الأصدقاء حول كونهم يأنسون بلقاء بعض الأصدقاء، وأنّهم يرون تشابهًا بينهما مِنَ النواحي الفكريّة والروحيّة، غير أنّ الطرف المقابل تُشغله أمورٌ ولديه مشاغل عائليّة. [أقول:] نعم، لكلّ شخص خصوصيّات، ولا يمكن تحميله ما يريده الطرف الآخر، وعليه، يمكنكم والحال هذه أن تتواصلوا مع غيره، حتّى إن كان تقييمكم لهذا الغير هو ستّون بالمائة وليس مائة بالمائة؛ فليسع الإنسان في الأربع والعشرين ساعة، أن يمضي مع الآخر ساعةً واحدةً يتحدّث معه فيها ويطرح عليه موضوعًا معيّنًا، أو يسأله عن وجهة نظر العظماء بشأن ذلك الموضوع، أو أن يقرؤوا معًا كُتُب المرحوم العلّامة ويتباحثون حول ما جاء فيها. يستطيع الإنسان أن يجد مَن يفيده في هذا المجال.

  • خصوصيّة بعض الحالات المعنوية الّتي لا يمكن تعميمها

  • السؤال: ورد في كتاب الروح المجرّد، عن حالات الشغف الّتي كانت تظهر على سيماء السيّد الحدّاد [في أيّام محرّم]، فهل يمكننا أن نُظهر السعادة أيضًا؟

  • جواب سماحة السيّد: هذا الموضوع سبّب الكثير مِنَ التساؤلات حتّى بين الأصدقاء أنفسهم، فها نحن نعيش أيّام محرّم، والكثير مِنَ المعاندين يستغلّون هذا الأمر۱. [أمّا الجواب عن السؤال فهو:] كلّا، بل هذه حالة مرتبطٌ بالسيّد الحدّاد نفسه، وهو لم يأمر بإقامة مجالس الفرح [في هذه الأيّام]. وقد ذكرتُ في بعض المجالس الأخيرة أنّ حال السيّد ورؤيته لِما حصل في كربلاء يتفاوت تفاوتًا جوهريًّا مع رؤيتنا لتلك الأحداث؛ أي إنّ أفق تفكيره كان في مرتبةٍ، [لو نظرنا إليها] لاحترنا في تشخيص التصرّف المناسب، فهل كنّا سنُظهر الفرح أم الحزن، [فلا نعلم] ماذا علينا فعله! ثمّ إنّ السيّد الحدّاد لم يُظهر الفرح! أين جاء مثل هكذا تعبير في كتاب الروح المجرّد! بل الّذي جاء هناك: أنّه كان في حالة انبساط، وهذا الانبساط يعني نوع مِنَ البشاشة الخاصّة الحاكية عن الرضا والطمأنينة والهدوء الداخلي.٢

    1. هذه الجملة، أعني قوله (هذا الموضوع ... هذا الأمر)، ذكرها سماحة السيّد كجملة اعتراضيّة خلال قراءته للسؤال، فنقلناها إلى هذا الموضع رفعًا للإرباك. (م)
    2. للوقوف على تفصيل ذلك راجع كتاب (الروح المجرّد)، لسماحة العلّامة السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ (قدّس الله سرّه)، ص ۸۰. (م)

الاعتدالُ هو سنّةُ اللهِ لسالكي الطريق - الإجابة عن أسئلة مختلفة المواضيع

31
  • أرأيتم ما الّذي يحصل للبعض عندما يخبره الطبيب بوجود مرض لديه؟ إنّك عندما تلتقي به، لا تجد لديه الاستعداد للتكلّم معك بل حتّى ردّ السلام عليك. يُقال لهذه الحالة: حالة الانقباض. كما هو حال مَن يتمّ إرجاع صكّه المصرفيّ، فتجده غير قادر على التكلّم مع أحد، فيُقال عن هذا الشخص: إنّه منقبضٌ. وكذلك مَن تنزل عليه مصيبةٌ فيُقال عنه: إنّه في حالة انقباض. الانقباض يعني الانطواء على النفس والانشغال بها والكون في حالة عدم القدرة على التكلّم مع أحد. إنّ جميع هذه الحالات تُسمّى انقباض. أمّا بالنسبة إلى حالات الانبساط، فترى صاحبها يُسلِّم على الطرف المقابل ويدعوه لتناول الشاي، والانبساط لا يعني الضحك والقهقهة دائمًا، بل يمكن [أن يتمثّل] الانبساط [في] الإنسان ولو بشربه للشاي. فالانبساط يعني حالة البشاشة الداخليّة.

  • إنّ رؤية المرحوم الحدّاد لواقعة عاشوراء، هي [طبق] مشاهدته لمراتب فيض الله، وورود الأسماء الكليّة الجماليّة في نفس سيّد الشهداء بتمام معنى الكلمة، واستيعابه لتمام عالَم الوجود [وجعله] تحت ولايته ونفسه، وكلّ ذلك قد حصل بواسطة تلك الحادثة الّتي جرت في كربلاء. فالسيّد الحدّاد كان ينظر ويرى ما الّذي فعلته تلك المرارات والمصائب والجنايات والفواجع – الّتي لا نظير لها في التأريخ – وإلى أيّ أفق أوصلت سيّد الشهداء؛ فهي قد أوصلته إلى مقام الشفاعة الكبرى، وهو المقام الّذي يجعل خلق الله مِنَ الأوّلين والآخرين يتنعّمون إلى الأبد بهذه المائدة الّتي بسطها الإمام الحسين، ويقتاتون منها؛ فها هو آدم وإبراهيم وموسى والأولياء والعرفاء والعظماء والملائكة والجنّ والإنس وجميع خلق الله مِنَ الأزل الّذي لا بداية له إلى الأبد والسرمد الّذي لا نهاية له، جميعهم جالسون على مائدة الإمام الحسين. وعليه، فأيّ حالة ستحصل لمَن يتمكّن مِن إدراك هذا المقام وفهمه؟ فهل يستطيع بدنه حينئذٍ أن يسع روحه؟ وهل سيتمكّن مِنَ الوقوف على قدميه أساسًا؟

  • سأضرب لكم مثالًا هنا: تصيب البعض أحيانًا حالةٌ مِنَ الشعف تدفعه إلى بعض التصرّفات الملفتة لأنظار الآخرين، فيقولون له: ما الّذي جعلك اليوم فرحًا ومسرورًا إلى هذه الدرجة، ما الّذي حصل لك حقًّا؟ الّذي أصابه هو بعضًا مِن حالة الشغف الّتي لم يستطع أن يتحمّلها ... 

الاعتدالُ هو سنّةُ اللهِ لسالكي الطريق - الإجابة عن أسئلة مختلفة المواضيع

32
  • في أحد مجالس سيّد الشهداء (عليه السلام) الّتي كانت تُعقد في الصباح في عهد المرحوم العلّامة، جلس إلى جانبي أحدُ رفقاء الطريق رحمه الله، كان رجلًا حائزًا على مراتب عالية، وبينما كان القارئ مشغولًا بالعزاء ومُصاب الإمام الحسين، كان الرجل يبكي بشدّة، ثمّ رأيتُ حالة عجيبة قد هيمنة عليه، فاحمرّ لون وجهه وأخذ يتصبّب عرقًا، وأصبح بشوش الوجه، وذلك كلّه وهو يبكي إذ لم ينقطع عن البكاء، غير أنّ وضعه قد تبدّل دفعةً واحدة، فظهرت عليه البهجة والبهاء إلى درجة أن حالته هذه أثّرت على حال العبد. كانت حالته عجيبة، تشبه حالة مَن أُعطي العالَم بتمامه؛ ما الّذي يحصل لِمَن يُعطى العالَم بأسره! وبعد انتهاء المراسم، قال لي، وذلك دون أن أسأله عمّا حصل له: بينما كان القارئ مشغولًا بقراءة العزاء وما جرى على الإمام الحسين، حصلت لي ومضةٌ واحدة. [أقول:] يا له مِن أمر عجيب قد حصل للإمام الحسين، فلو أنّ واقعة عاشوراء تكرّرت مئات المرّات، فلن تساوي جميع مصائبها شيئًا أمام ما أُعطي للإمام.

  • ما أريد قوله هنا هو: إن كان حصول ومضة واحدة لا أكثر لعبد الله ذاك في مجلس الإمام الحسين، هو بسبب التأثّر والبكاء، فتعالوا وانظروا إلى ما كان يمرّ على السيّد الحدّاد، الّذي أدرك كلّ شيء، وكان كلُّ شيءٍ يتمثّل أمام عينيه، وهو الجالس الآن في ظلّ الإمام الحسين، وفي نفس المكان الّذي يجلس فيه الإمام الحسين، فما هي الحالة الّتي سيكون عليها حينئذٍ؟ وأريد القول: إنّ السيّد الحدّاد لم يُظهر مِن حالته الّتي كان عليها إلّا نسبةَ الواحدِ مِن مليار، فأين نحن مِن هذا؟ ثمّ هل كانت سعادته تلك سعادة بحيث تُضرب معها الطبول، كما كانت تفعل بنو أميّة؛ [ورد في زيارة عاشوراء ما معناه:] اللهمّ العن بني أميّة، إنّ هذا يوم تبرّكت به بنو أميّة وآل أبي سفيان وآل مروان۱، فقد كانوا يصفّقون ويتبادلون القبل ويهنّئون بعضهم البعض في هذا اليوم!!

  • قال جدّي لأمّي، المرحوم الحاجّ السيّد معين الشيرازيّ رحمه الله: كنتُ في يوم عاشوراء في الشام مرّة، فرأيت البعض – لا الجميع – يتعانقون في ذلك اليوم، ويهنّئون بعضهم البعض؛ «اللهمّ إنّ هذا يوم تبرّكت به..» فهؤلاء الّذين يقومون بذلك، هم مقصودون [أيضًا مِن فقرات هذه الزيارة] فهم يشبهون آل يزيد الّذين أنزلوا جميع تلك المصائب بالإمام الحسين، فهل كان السيّد الحدّاد مثلهم!!! كيف أتكلّم معكَ، وما الّذي يمكن أن أقوله لك؟! أنت أيّها المعاند عديم الإنصاف والوجدان، يا مَن سخرتَ مِن كتاب (الروح المجرّد) في كتاباتك وأحاديثك، وتستشكل عليه، فهل كان السيّد الحدّاد يهنّئ الآخرين في يوم عاشوراء!! [هل كان يقول:] مَن قام بقتل الإمام الحسين قد قام بعمل جيّدٍ، فتعالوا لنحتفل معًا بهذه المناسبة ولنتعانق!!! أهكذا كان السيّد الحدّاد، أم أنّه كان كما كنتُ أراه بنفسي، حيث كانت الدموع تنهمر مِن عينيه كالميزاب، فهل ابتهاجه هذا مثل ابتهاج أولئك [الّذين يتعانقون و..]؟!

    1.  مصباح المتهجّد، الشيخ الطوسيّ، ط. مؤسسة فقه الشيعة، ص۷۷٣، (۸٤۷ / ٢، الزيارة)، وممّا جاء فيها قوله عليه السلام: «السلام عليك يا أبا عبد الله ... يا أبا عبد الله، إنّي سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم إلى يوم القيامة، ولعن الله آل زياد وآل مروان، ولعن الله بني أميّة قاطبة، ولعن الله ابن مرجانة، ولعن الله عمر بن سعد، ولعن الله شمرا، ولعن الله أمة أسرجت وألجمت وتنقبت لقتالك ... اللهمّ إن هذا يوم تبرّكت به بنو أمية وابن آكلة الأكباد اللعين ابن اللعين على لسانك ولسان نبيّك صلّى الله عليه وآله في كل موطن وموقف وقف فيه نبيّك، اللهمّ العن أبا سفيان ومعوية ويزيد بن معاوية عليهم منك اللعنة أبد الآبدين، وهذا يوم فرحت به آل زياد وآل مروان بقتلهم الحسين صلوات الله عليه، اللهمّ فضاعف عليهم اللعن والعذاب ...» إلخ. (م)

الاعتدالُ هو سنّةُ اللهِ لسالكي الطريق - الإجابة عن أسئلة مختلفة المواضيع

33
  • نعم، أمّا فيما يتعلّق بنا، فنحن عندما نتمعّن في الحادثة، يكون نظرنا منصبًّا على السهام والسيوف والنار والدم السائل، فنتأثّر مِن تخيّلنا لهذا المشهد، وهذا أمر طبيعيّ بالنسبة لنا، لأنّا لا نمتلك ذاك الفهم والإدراك، فمِنَ الطبيعيّ حينئذ أن نجزع، ولا ينبغي لنا أن نفرح لذلك، ولكن متى ما وصلنا إلى ذلك الإدراك والشعور، فسيَفرض حكمه الخاصّ حينئذ، ولا علاقة لنا شخصيًّا بذلك. لماذا علينا أن نقوم بأداء أدوار تمثيليّة؟! لا داعي لذلك، بل علينا أن نتصرّف بما يقتضيه وضعنا الفعليّ اتّجاه هذه المصيبة.

  • قد قال هذا العبد مرارًا: علينا أن لا نحصر تفكيرنا بالمصيبة الواقعة فقط، بل علينا أن نسمو بأفكارنا إلى ما هو أعلى مِن ذلك، وما ذكره المرحوم العلّامة في كتاب (الروح المجرّد) [حول حالات السيّد الحداد أيّام عاشوراء]، كان لهذا الغرض، كان يريد أن يقرع هذا الموضوع أذهاننا، فالأمر لا ينحصر بالبكاء فقط، ولا ينحصر بضرب الرؤوس، بل لدينا أشياءٌ أُخر علينا أن نفكّر بها [في هذا الموضوع]؛ فما الّذي كان يقصده القاسم عندما قال: الموت أحلى مِنَ العسل؟۱ وما هو الجوّ الّذي كان يعيشه زهير بن القين والّذي دفعه لأن يقول في ليلة عاشوراء: لو قُتلتُ ألف مرّةٍ وقُطّعت وحُرّقت ونُثر رمادي، يُفعل بي ذلك ألف مرّةٍ، [ومع ذلك] فأنا مستعدٌ أن يُفعل بي ذلك ألفٌ وواحد؟٢ ما الّذي كان قد رآه حتّى يقول هذا الكلام؟ فهو لم يكن قد رأى السيوف، بل كان قد رأى شيئًا آخر. نعم، إنّه لم يكن قد رأى السيف والرمح والقتل، بل كان قد رأى شيئًا آخر، وهو الشيء نفسه الّذي يراه الآن السيّد الحدّاد، ولعلّ [السيّد الحدّاد] قد رأى ما هو أعلى مِن ذلك.

  • لهؤلاء درجات متفاوتة، فزهير، بالرغم مِن كونه مِن أصحاب سيّد الشهداء، غير أنّه يختلف عن حبيب بن مظاهر، فأين هو مقام زهير بن القين مِن مقام حبيب! رغم أنّهم جميعًا في مكانٍ واحدٍ، وفي خيمة واحدة، إلّا أنّ مراتبهم مختلفة؛ فرغم أنّه علينا أن نُقبّل أقدامهم جميعًا وأن نطلب شفاعتهم، إلّا أنّ اختلاف مراتبهم هو أمرٌ واقعيّ، فلكلّ منهم مرتبته الخاصّة.

    1. مدينة المعاجز، السيّد هاشم البحرانيّ، ط. مؤسسة المعارف الإسلاميّة قم، ج٤، ص٢۱٥، في حديث قال فيه: فقال لهم عليه السلام: «يا قوم إنّي في غدٍ اقتل وتقتلون كلكم معي، ولا يبقى منكم واحدٌ ... فقال له القاسم بن الحسن: وأنا فيمن يُقتل، فأشفق عليه. فقال له: يا بُنيّ كيف الموت عندك؟ قال: يا عمّ، أحلى مِنَ العسل. فقال: أي والله، فداك عمّك، إنّك لأحد مَن يُقتل مِنَ الرجال معي، بعد أن تبلو ببلاء عظيم، وابني عبد الله»؛ وراجع أيضًا النفس المهموم في مصيبة سيّدنا الحسين المظلوم (يليه نفث الصدور فيما يتجدّد به حزن العاشور)، للشيخ عباس القميّ، ط. المكتبة الحيدريّة النجف، ص٢۰۷. (م)
    2. روضة الواعظين، الفتال النيسابوري، ط منشورات الشريف الرضيّ قم، ص۱۸٤، في حديث قال فيه: وقام زهير بن القين رحمه الله فقال والله لوددت أنّي قُتلتُ ثمّ نشرت ثمّ قتلت حتّى اقتل هكذا ألف مرّة، وأنّ الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان مِن أهل بيتك لفعلت؛ ومثله في كتاب إعلام الورى بأعلام الهدى، الشيخ الطبرسيّ، ط مؤسسة آل البيت لإحياء التراث قم، ج۱، ص٤٥٦؛ والمناقب، لابن شهر آشوب، ط علامه قم، ج٤، ص٩٩. (م)

الاعتدالُ هو سنّةُ اللهِ لسالكي الطريق - الإجابة عن أسئلة مختلفة المواضيع

34
  • بناءً على ما تقدّم، فإنّ الشغف الّذي كان يُلاحظ عند المرحوم السيّد الحدّاد في يوم عاشوراء، بل في جميع أيّام محرّم، وكلّما كنّا نقترب مِن يوم عاشوراء، كنّا نرى حالة الابتهاج لديه تزداد بشكل عجيب، وكان وجهه يزداد احمرارًا، وكلّما اقتربنا مِن يوم عاشوراء، كان بدنه لا يسع روحه، فكلّ ذلك يعود إلى أنّه قد وصل إلى تلك الحقيقة، واقترب مِن تلك الواقعة وأحداثها المتلاحقة، فكان يرى ما الّذي حصل. أمّا نحن فلسنا كذلك، فنحن عندما نقترب مِن يوم عاشوراء، تزداد مصيبتنا؛ فإن كانت شدّة المصيبة في اليوم الأوّل بنسبةٍ معيّنةٍ، [فتراها] تأخذ بالازدياد [تباعًا] في اليوم الثاني والثالث والرابع حتّى يوم عاشوراء. نعم، هكذا هو سيرنا، ولا منقصة في ذلك، فهذا ما نحن عليه، وهذا هو حالنا ولا بدّ أن نكون كذلك، ولكن علينا أن نسعى في دفع أنفسنا وإلقائها في ذلك الجوّ وتلك الأفكار وفي ذلك الاتّجاه ونحو تلك المراتب؛ هذا ما كان يقصده المرحوم العلّامة ممّا ذكره في كتاب (الروح المجرد).

  • ختام المجلس

  • ... قد مضى الوقت، والساعة تشير إلى قرابة الواحدة، آمل إن شاء الله أن لا تتأخّر [مواعيد انعقاد] هذه المجالس كثيرًا، وعليكم بالتذكير إن رأيتموها تتأخّر عن وقتها، فتذكيركم يُبكِّر اللقاء بالأصدقاء.

  • أنا أشعر بالخجل حقًّا عندما أرى أنّ هذه المطالب يتمّ فهمها بشكل صحيح، ويتمّ تلقّيها بصورة حسنة، رغم ضيق الوقت. أمّا عن مطالبة سيّدات طهران لي، إذ قد وعدتهم بالقدوم، فأقول لهم: لا تنزعجوا [لهذا التأخير]، وعليكم أن تعملوا على دفعي وتشجيعي، نعم، أنا جادٌّ في قولي هذا، فأنا عندما أرى أنّ لدى الرفقاء رغبةً، وأنّ حالهم تتطلّب ذلك، سأتحرّك بدوري وستزداد رغبتي بلقائهم.

  • على كلّ حال، إنّ طبيعة هذه المجالس، أنّها مجالس أنس، نجلس فيها ونتبادل ما لدينا مِن حرقة ورغبة في طيّ الطريق، ففي مثل هذه المجالس تُطرح أحاديث وأفكار متنوّعة مِن كلّ جانب، على أن نغتنمها في طرح مطالب العظماء ومباني هذه المدرسة. وقد قلتُ قبل عدّة أيّامٍ: إنّ هذا الزمان يتطلّب – أكثر مِن أيّ زمانٍ آخر – أن يُطرح فيه مطالب ومباني المرحوم العلّامة، وهذا أهم وأشدّ ما نحتاج إليه [وهو الأكثر] إلحاحًا؛ هكذا هو الأمر حقًّا، [وذلك] بناء على ما نشاهده ونسمعه بأنفسنا مِن هنا وهناك ومِن كافّة أنحاء العالَم. إنّ التمسّك بحبل الله المتين وولاية الأئمّة والتوسّل بالإمام عليه السلام، عند أتباع مدرسة المرحوم العلّامة هو أمرٌ مشهود بالكامل، ومِن الواضح تمامًا أنّ ذلك مِن أهم القضايا، ومِنَ المشهود أنّ هذا الموضوع هو الأهم، حيث يُلاحظ الاهتمام الكبير به أكثر مِن أيّ زمان. أقول قولي هذا بدون أي مبالغة، بل هذا ما أشعر به، وأقول مِن كلّ وجودي: ما يمكن أن ينقذنا في هذه الأيّام الّتي نُصارع فيها النفس، هو أن نُشخِص أبصارنا وأسماعنا وعقولنا على هذه المباني لا غير، وأن نركّز عليها.

الاعتدالُ هو سنّةُ اللهِ لسالكي الطريق - الإجابة عن أسئلة مختلفة المواضيع

35
  • نسأله أن يمنَّ علينا بالفهم والمعرفة ويوفّقنا لذلك، وأن يوفّقنا للعمل، وأن لا يحرمنا مِن بركات صاحب مقام الولاية، وبركات الأيّام القادمة.

  •  

  • اللهمّ صلِّ على محمّد وآلِ محمّد