المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسمالمرأة والأسرة
المجموعةالمرأة والأسرة - قم
التوضيح
يجب على الإنسان أن يتيقّن مِن صحّة الطريق، وذلك بإعمال الدليل والعقل وتحكيم الفطرة الصالحة، وهي الوسائط الّتي طالما اعتمدها الأنبياء والأئمّة والأوصياء والأولياء، وهي حلقة الوصل بين الإنسان وربّه. ثمّ يجب الثبات والاستقامة على الطريق. وثالثًا يجب اختبار النفس في تقدّمها وتأخّرها وتخلّصها مِن شعورها بمحوريّتها وأنانيّتها، وذلك بقياسِ ومقارنةِ حالاتها السابقة باللاحقة. ومِن جملة الشواهد الموضوعيّة على ذلك، ما ورد تحت العناوين التالية؛ محاكمة عقليّة لأهل السنّة – الأولياء يوسّطون العقل (قصتا الكرمنشاهيّ والشهيد مطهّري) – الحكمة والفلسفة تُعينان في الطريق – مفارقة ملفتة بين زمن النبيّ وزمن أبي بكر – مرتبة التكامل تتوقّف على الخلوص والامتثال.
هو العليم
الدليل والفطرة ملاكا صحّة الطريق
جلسة مباني السير والسلوك – قم – الجلسة الخامسة
محاضرة القاها
آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني
قدّس الله سره.
أعوذ بالله مِنَ ال شيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى اللَه على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين
واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين
إحدى المواضيع الّتي كانت تُطرح باستمرار في زمان المرحوم العلّامة رضوان الله عليه، وما زال رفقاء الطريق والأصدقاء يطرحونه إلى الآن، هو موضوع تبدّل الأحوال وتغيّر الحالات.
مهما تحدّثنا عن موضوع الخلوص والصدق، فلن نوفّيه حقّه. وقد تمّ الحديث عن هذا الموضوع في مجالس عديدة انعقدت سابقًا، وتمّ تعيين مِلاكات الخلوص والصدق، وكان أهمّ ملاك منها، والّذي بيّنه المرحوم العلّامة رضوان الله عليه، هو الثبات والتمسّك الشديدان بالطريق الّذي يسلكه المرء. فعلى الإنسان أن يختبر نفسه ليرى هل أنّ ثباته على هذا الطريق وتمسّكه به قد ازداد عمّا كان عليه في السابق أم أنّه ضعُف. على أنّ هذا الأمر يجب أن يحصل بعد أن يكون الإنسان قد أحرز صحّة المسير الّذي يسلكه. ومعرفة الطريق والاطمئنان مِن صحّته والتيقّن مِن أحقيّته، هي مسألة أخرى جديرة بالتحليل والتدقيق، قَبل الخوض في هذا الموضوع، وهي مسألة لم يتمّ الحديث عنها حتّى الآن، فلا بدّ أن أقدّم لكم شرحًا وتوضيحًا في شأنها إن شاء الله.
يجب أن يكون الإنسان مُوقنًا بأحقيّة الطريق الّذي يسير عليه ومطمئنًّا مِن صحّته، وعليه أن يُشخّص الوضع الّذي هو فيه، بالاعتماد على الأصول الّتي سيتمّ طرحها وبيانها. فلا فائدة تُرجى مِن سير الإنسان، إن كان هذا السير مصحوبًا بالشكّ والترديد، لأنّه لن يصل فيه إلى أيّة نتيجة. سأتحدّث اليوم بمشيئة الله حول هذا الموضوع بعض الشيء.
إنّ الإنسان متى ما حصل له اليقين بصحة طريقه، وعرف أنّه طريق الحقّ، فلا بدّ له بطبيعة الحال أن يلتزم بهذا الطريق، ويعتبره بمثابة شرفه، فيحافظ عليه كما يحافظ على شرفه، ويعمل على توفير كلّ ما يعينه على الإسراع في الحركة فيه، والتخلّي عن كلّ ما مِن شأنه أن يُحبط ويُقلّل مِن سرعة السير فيه. فهذا واحد مِن مستلزمات السير في هذا الطريق.
العقل والدليل ملاكَا اليقين بالطريق
مَن كان ملتزمًا بالطريق وثابتًا عليه، لا يمكنه – والحال هذه – أن يمضي أوقاته بالباطل ويقضيها بأيّ شكلٍ كان، لأنّ هذا يتعارض مع أصل الالتزام بالطريق. فإن أصبح المرء على يقين مِن صحّة مسيره، فلا بدّ له مِن ملاك يُعينه على معرفة مدى قربه أو بعده عن الله، ويعينه على معرفة الرتبة الّتي هو فيها. إنّ أهمّ ملاك، ويمكن القول إنّه الملاك الأهمّ الّذي لا ملاك فوقه... .
تجد بعض الأمور غير الوجيهة طريقًا إلى الملاكات، فتسبّب الخلط والاشتباه؛ كمَن يعتبر المنام مِنَ الملاكات، ويعتبر أنّ الأفكار والتخيّلات أو المكاشفات أو الواردات أو ميل الإنسان لحدث معيّن وعدم ميله لآخر، مِنَ الملاكات! ونحن نرى رواجًا لهذه الأشياء بين الفِرق والفئات المتخالفة، ونلاحظ هذه الأمور في الأحداث السياسيّة، وهي موجودة في المحافل والجموع غير الإسلاميّة أيضًا، وأنتم ترون أنّ أفراد هذه الفِرق مؤمنون بعقيدتهم وثابتون عليها ويدافعون عنها دفاعًا مستميتًا. فإنّ كلّ ذلك ناشئ مِن نسيان الأصول والمبادئ الأوّلية، فهم قد بنوا عقائدهم على أساس مجموعة مِنَ التخيّلات والأفكار غير الصحيحة. وبميل الإنسان إلى جهة معيّنة، يمكنه طبعًا أن يبتعد عن التفكير الصحيح، فتأخذه هذه الجهة معها وتبتلعه، بحيث لا يستطيع أيّ منطق بعد ذلك ولا كلام ولا دليل أن يُخرجه ممّا وقع فيه، والسبب في ذلك كلّه يعود إلى الخطأ الّذي حصل منذ البداية.
غير أنّ يقين الإنسان بالطريق الّذي يسلكه – كما أوضحت سابقًا – إنّما يحصل بالدليل والحجّة، وهي عبارة عن أشياء مشخّصة، ولم تكن مِن بنات أفكاره. فالحجج والأدلّة الّتي يأتي بها العقلاء والعظماء والأنبياء والأئمّة والأولياء هي حجج بيّنة، فإنّ الأدلّة والحجج الّتي يتوسّلون بها لإثبات صحّة مسيرهم، هي مِن قبيل ما نشاهده الآن بأنفسنا وما تدركه عقولنا، فهم لم يأتوا الناس بدليل غير تلك الأدلّة الّتي ندركها بأنفسنا.
إنّ أُولى المسائل الاعتقاديّة هي الإيمان بالألوهيّة والمعارف الإلهيّة، وهذه الأمور مبنيّة على العقل، أليس كذلك؟ لذا كان الأنبياء يخاطبون عقول الناس، ليُدركوا مسألة الألوهيّة والتوحيد، ولم يدخلوا الميدان مِن باب المنامات والمكاشفات، عند إلقاء المطالب والوحي على الناس. نعم، لم يدعوا الناس مِن باب الإجبار وتحميل العقائد [بالقوّة]؛ أين رأيتم مثل هذا الشيء! أين وجدتم أنّ الأنبياء يدعون الناس للإيمان بطُرق وأساليب غير متعارفة وخارقة للعادة! فلو كان الأمر كذلك، لَمَا حصلت كلّ تلك النزاعات مع الأنبياء، إذ كان بإمكان نبيّ الله نوح عليه السلام أن يُلقي التوحيد والمعارف الإلهيّة على الناس بإرادة وولاية إلهيّة واحدة؛ جاء في الآية الشريفة {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عامًا}۱.
سمعتُ أنّ البعض هذه الأيّام قد حرّف معنى هذه الآية، إذ قال: ليس نوح فردًا واحدًا، بل هو قبيلة عاشت على مدى تسعمئة وخمسين عامًا، وإلّا كيف لبشر أن يعيش كلّ هذا العمر، فلا يجوز هذا! [أقول:] ألا يبلغ عمر إمام الزمان الآن ألف ومئتا سنة، فما هو المستبعد في الأمر؟! وكذلك الحال مع النبيّ نوح، إذ قد عمّر في ذلك الزمان. [فقول ذلك الرجل] هو تحريف صريح للقرآن.
قد أمضى النبيّ نوح تسعمئة وخمسين سنة يدعو قومه إلى التوحيد والمعارف الإلهيّة، ولدينا روايات عن الأئمّة تصرّح بذلك، فلا يوجد أيّ شكّ في هذه القضيّة. نعم، إنّ التسعمئة والخمسين سنة ليست بالمدّة القصيرة، فالعمر الطبيعيّ للإنسان هذه الأيّام لا يكاد يبلغ الخمسين سنة، فإن أمضى أحدهم تسعمئة وخمسين سنة في دعوة قومه، فيُنظر إليه على أنّه أمر غير عاديّ. لقد كان بإمكان النبيّ نوح وبتصرّف ولائيّ أن يجعل الجميع مِنَ المسلمين والمؤمنين، ولكنّه لم يفعل ذلك، لماذا؟ لأنّه لو كان الأمر كذلك لَما كانت حاجة لبعثته أصلًا، إذ كان بإمكان الله المتعال أن يجعل كلّ مولود يخرج مِن بطن أمّه مؤمنًا موحّدًا، ويستمر على هذا الحال إلى آخر عمره. ألم تكن إرادة الله وتصرّفه في العالَم بهذا الشكل؟! ألا يستطيع أن يتصرّف في عالَم التكوين، فيجعل جميع الناس مِنَ البداية مؤمنين موحّدين عرفاء وواصلين، ويجعل الجميع فانين مِنَ الأوّل؟! ولكن لماذا لم يفعل ذلك؟ لأنّ نظام العالَم مبنيّ على التربية، وهو عبارة عن تفتّح الاستعدادات والوصول إلى الفعليّة. لقد خلق الله الإنسان مادةً خام غير ناضج، ومِن أجل أن يبلغ الإنسان كماله ويصل إلى مرحلة الفعليّة، جعل الله له أدلّةً وحججًا إلهيّة. ولا يوجد شك في طرَفَي القضيّة هاتين، وهما: كون الإنسان خامًا وجاهلًا وناقصًا لا يعرف الكثير مِنَ الأمور، وهذا أمر واضح. هذا بالنسبة إلى الطرف الأوّل، أمّا الطرف الثاني فهو الحجج الإلهيّة المتمثّلة بالأنبياء والأئمّة والأولياء والعظماء، فهم مؤيَّدون منذ بداية خِلقتهم، وطريقهم يختلف عن طريق الآخرين، كالأئمّة عليهم السلام، والأفراد العاديّين الّذي وصلوا إلى درجة الكمال بالتربية، فأصبحوا في خدمة الناس ليأخذوا بأيديهم إلى طريق النجاة. [وكما أنّ الطرف الأوّل واضح] فكذلك الطرف الثاني للقضيّة، فلا شكّ عندنا في هذا الأمر أيضًا.
العقل والدليل هما الحلقة الرابطة بين الناس والله تعالى
إنّ الحديث يدور هنا حول الحلقة الرابطة بين الفرد الكامل والفرد الناقص، وهي الحلقة الّتي تُحقّق الاتصال بينهما، ولولاها لَما تمّ هذا الاتّصال أبدًا. فما هي هذه الحلقة؟ إنّها عبارة عن العقل والفطرة والمواهب الإلهيّة المُودعة في الإنسان؛ هذه هي الحلقة الرابطة الّتي إن وُجِدت في الإنسان، لمكّنته مِنَ الوصول إلى الكمال، وإلّا، فلا عمل للأنبياء مع المجانين، لأنّ وضعهم مشخّص، فلا تكليف عليهم، والله يتعامل معهم بشكل آخر، وكذلك الأمر بالنسبة إلى السفهاء الّذين ليس لهم نصيبٌ كافٍ مِنَ العقل والقابليّة للرشد، وكذلك الّذين يولدون حاملين صفات أخرى [غير اعتياديّة]، فلكلّ واحد مِن هؤلاء حسابه وكتابه الخاصّ به، ولا عِلم لنا بما سيجري عليهم. فبحثنا يتعلّق بالّذين يخاطبهم الأنبياء والأئمّة، فمَن هم هؤلاء؟ إنّهم الّذين يمتلكون العقل والفطرة، أليس كذلك! أم هناك أمر آخر في القضيّة!
إنّ الفطرة هي الكيفيّة الّتي خُلقت عليها النفس الإنسانيّة، وهي الّتي تساعدها للوصول إلى الكمال، فيستفيد منها الإنسان للوصول إلى تلك النقطة مِنَ الكمال. لاحظوا هنا، إنّ الإنسان يرى في ضميره وقرارة نفسه قُبح الكذب وحُسن الصدق، فأين تكمُن مسألة قبح الكذب وحُسن الصدق هذه، أين هو مكانها في وجودنا؟ إنّها موجودة في أنفسنا. فإن التقيتَ بشخص وسمعت منه كذبة، فستتّخذ نفسك موقفًا اتّجاهه، لماذا؟ لأنّك لا تستحسن هذا الأمر، وإن سمع أحدهم منك كذبة، فستحصل في نفسه ردّة فعل اتجاهك وسينفر منك. وردّة الفعل هذه مِن حقّ الإنسان، لأنّ الحقّ مجبول بنفسه ووجوده.
قد أودع الله هذه الحقيقة في نفس الإنسان، لكي يستطيع بواسطتها أن يُوصل نفسه غير الكاملة إلى مرحلة الكمال. فلو لم يكن الأمر بهذا الشكل – عليكم أن تركّزوا على هذه الجملة وتقيسوا عليها سائر المسائل الفطريّة – وأخذت كلّ قضية مكان الأخرى، لاستحسنت فطرةُ الإنسان الكذبَ ورأته أمرًا صحيحًا وراقيًا، ولَمَقَتَتْ الصدق؛ فما الّذي سيحصل عندئذ؟!
محاكمة عقليّة لأهل السنّة
قلتُ بالأمس في بحث الولاية إنّ أهل السنّة يقولون بخلافة أبي بكر بعد رسول الله، إذ قاموا بانتخابه خليفة لهم. [أقول:] حسنًا ... إنّ النبيّ قال في حقّ أمير المؤمنين ما قاله، وكلماته تلك موجودة في كتبكم، فهي موجودة في كتب البلاذري والسبط بن الجوزي والسيوطيّ وابن أبي الحديد – وكتبهم مشحونة بمثل هذه الأحاديث – هؤلاء علماؤكم. فها نحن نرى قول النبيّ بحقّ أمير المؤمنين عليه السلام «أقضاكم علِيّ» و «علِيٌّ أعلمكم»،۱ أي إنّ علِيّا هو أعلمكم جميعًا، فكلّ سؤال أستطيع أن أجيب عليه، فعلِيٌّ يستطيع الإجابة عليه – هذا الكلام موجود في كتبكم – وقال النبيّ «أنا مدينة العلم وعلِيٌّ بابها»٢، وقال «عليٌّ أتقاكم»، أي لو جُمع تقوى الجميع، لَمَا وصلت إلى درجة تقوى علِيّ. كلّ ذلك ممّا قاله النبيّ، فكيف للمرء أن يشكّ أحيانًا بتلك الروايات، والحال أنّه لا يمكن الشكّ فيها!! ومِن أمثال تلك الروايات، ما ورد عن النبيّ في حرب خيبر حيث قال «لولا مخافتي أن يقال فيك يا علِيّ ما قالته النصارى في عيسى بن مريم، لقلتُ فيك مقالًا، لا تمرّ على أحد حتّى يأخذ التراب مِن تحت قدميك»٣، أي إنّهم سيتكحّلون بالتراب الّذي تحت قدميك. ما الّذي يعنيه هذا؟ أنا لا أستطيع أن أقول شيئًا هنا، ففي الأمر صعوبة، ولكن بما أنّ النبيّ قد أشار إلى هذا الموضوع، فأقول: إنّ النصارى قالت أنّ عيسى بن مريم هو الله، فالنبيّ يريد أن يقول هنا: قد وصل علِيّ إلى درجة مِنَ الفناء لم يبق له فيها أيّ وجود بشريّ، غير أنّ هذه الحقيقة لا يمكن أن يُباح بها للناس، فلو قلتُ ذلك، لقالتْ جماعة مِنَ الناس بألوهيّة علِيّ.. فمِن أين جاء أولئك الغلاة! فبالرغم مِن أنّ النبيّ لم يقل شيئًا بحقّ عليٍّ [يوجب الغلوّ فيه]، إلّا أنّه قد ظهرت تلك الفِرق [المغالية]، فكيف لو صرّح النبيّ [بالمراتب العالية الّتي بلغها الإمام علِيّ]؟!
لو فرضنا أنّ النبيّ قال بحقّ أبي بكرٍ كلّ ما قاله بحقّ علِيّ، وكان قد نصّب أبا بكرٍ بدل علِيّ في يوم الغدير، لَمَا قبلنا مِنَ النبيّ ذلك! نعم، نحن نقول هذا بدون مجاملة، وذلك لأنّ النبيّ لا يمكن أن يقول ذلك، لا يمكن أن يصدر مِنَ النبيّ كلام غير عقلائيّ. فنحن نخاطبكم يا أهل السنّة هنا، أنتم يا مَن تفتخرون بأنّ أبا بكرٍ قد وصل إلى الخلافة بطريقة ديمقراطيّة، هل سيبقى لكم ماء وجه أمام سكّان العالَم [بعد هذه المحاججة]؟! نعم، هل سيبقى لكم ماء وجه؟! فأبو بكر الّذي عجز عن إجابة الرجل اليهوديّ۱، هل يمكن للنبيّ أن يقول بحقّه: أنا مدينة العلم وأبو بكر بابها!؟ أو يقول: أبو بكرٍ أعلمكم!؟ كيف يمكن للنبيّ أن يقول هذا الكلام بحقّ هذا الّذي لا يميّز يده اليمنى مِنَ اليسرى. لماذا لا يمكن للنبيّ أن يقول مثل ذلك الكلام؟ لأنّ النبيّ لا يقوم إلّا بعملٍ عقلائيٍّ.. هل التفتّم! هذا ما قصدته بقولي: إنّ عمل النبيّ لا يمكن أن يتناقض مع ما هو موجود في أذهاننا [العاقلة]، ومع ما أودعه الله في فطرتنا. فلو حصل تناقض في البين؛ فإمّا أن يكون الأوّل خطأً أو الثاني، والحال أنّ الله جعل الفطرة هي حلقة الوصل بيننا وبين ولِيِّه، فليس عندنا شيء سوى العقل والفطرة ليكونا حلقةَ ربط بين الوليّ وبين وجودنا.
فإن جاء مَن يقول: دع هذين الأمرين جانبًا، أي دع عقلك جانبًا، وذلك لأنّ
پاى استدلاليان چوبين بود | *** | پاى چوبين سخت بي تمكين بود |
[يقول: إنّ الأساس الّذي يبني عليه المستدلّون أدلّتهم هو أساس خشبيّ، والعمود الخشبيّ لا متانة له يمكن الاعتماد عليها]
هذا البيت يشير إلى موضوع آخر [ولكن يمكننا الاستشهاد به هنا] – فنقول له: إن تخلّينا عن العقل، فما الّذي سيحلّ محلّه؟ لا شكّ أنّ الجنون سيحلّ محلّه. فمَن يتخلّى عن عقله وقِوى التمييز لديه، فما هو البديل الّذي سيحلّ محلّه؟ ستأتي حينئذ الأفكار الباطلة والتخيّلات والتصوّرات والشائعات، وكلّ ما لا أصل ولا أساس له، لتحلّ محلّ العقل. لأنّ النفْس لا يمكن أن تبقى خالية، فإن ذهب الدليل والبرهان العقليّ، فلن يبقى المكان فارغًا [بل ستأتي حينئذ الأباطيل لتملأها].
الأولياءُ يوسّطون العقلَ، والحكمةُ والفلسفة تُعينان في الطريق
قال أحد أهالي طهران لشخص: لماذا لا تأتي وتتكلّم مع فلان – وكان يقصدني بذلك – مدّة نصف ساعة، فهذا السيّد بابه مفتوح كما يقول، فلا تحتاج إلّا أن تدقّ جرس الباب، فتعال وتباحث معه مدّة نصف ساعة، فإن لم تقبل كلامه فلك ذلك – وبالمناسبة هذا ما أقوله بنفسي للجميع – فأجابه: لا، لا يمكن ذلك، لأنّ الحديث معه خطر كبير، لأنّه حكيمٌ جدًّا وبارعٌ جدًّا في الفلسفة، وهذه الفلسفة والحكمة حجابٌ يصدّ الإنسان عن الطريق. فقلتُ: يا للعجب! إن كانت الفلسفة والحكمة حجابًا، فمسؤوليّة انحرافي تقع على عاتق المرحوم العلّامة، لأنّه هو الّذي أرسلني إلى قم، وتقع المسؤوليّة على عاتق المرحوم السيّد الحدّاد أيضًا، فهو الّذي قال لي: يا سيّد محسن، عليك أن تُتقن دروسك بإحكام، ما استطعت إلى ذلك سبيلًا؛ [فبناء على قول ذلك الشخص يكون] هؤلاء هم الّذين تسبّبوا في انحرافي، فهم الّذين ألقوا بي في هذا الطريق، فيكون المسؤول عن انحرافي هو المرحوم العلّامة لأنّني درستُ الفلسفة على يديه!
ما السبب وراء كلّ تلك [الأقوال والأفعال]؟ إنّه الجهل، فعندما يدخل العقل الميدان سيَسُدّ عليهم الطريق، ولكن ماذا عن الحقّ والباطل؟ سيتّضح أمرهما.. إنّهم يسعون إلى حذف حلقة [الوصل] هذه مِنَ البداية، فتتنحّى هذه الحلقة الرابطة جانبًا. وماذا عن الفطرة، وما هو تكليفنا مع الفطرة؟! [فإن وضعنا كلّ ذلك جانبًا] ماذا سنفعل حينئذٍ لمعرفة حُسن العدل وقبح الظلم، وحُسن الصدق وقبح الكذب؟! ستذهب هذه جانبًا أيضًا. فهم يقولون: إنّ الفطرة لا تنفع في شيء، بل هي لعوامّ الناس، وللطبقة الدنيا منهم، والحال أنّ اتصالنا بالله وبالنبيّ والإمام يحصل عن طريق هذه الفطرة وهذا العقل.
في سفري الأخير الّذي تشرّفت فيه بزيارة مدينة مشهد، والّذي كان قبل فترةٍ وجيزةٍ، تحدّثتُ مع أحد أقاربي القريبين جدًّا منّي، حول كيفيّة تعيين الله المِلاك للإنسان، غير أنّ الإنسان هو الّذي يدفن رأسه في الرمال. نعم، إنّ موضوع تشخيص الحقّ مِنَ الباطل واضح، فالدليل واضح والطريق واضح، فإن قمنا بخلاف ذلك ودفنا رؤوسنا في الرمال وسددنا آذاننا عن سماع الكلام، فلن يُغيّر ذلك مِنَ الحقّ شيئًا. فعندما تسدّ أذنيك، ستحرم نفسك، نعم، ستحرم نفسك مِنَ الحقّ.
قال المرحوم العلّامة: كان هنالك رجل أسود البشرة، عندما كان ينظر في المرآة ويرى سواد وجهه يضرب المرآة بحجرٍ فيكسرها، وهو يقول: يا لها مِن مرآة قبيحة، فهذا ليس شكلي الحقيقيّ. ثمّ يذهب ويشتري مرآةً أخرى وينظر فيها ثانيةً، فيرى فيها سواد وجهه مرّة أخرى، فيضربها بحجر ويكسرها هي الأخرى. فيقول المرحوم العلّامة: لو أنّك اشتريت ألف مرآة سوف تكسرها جميعها، عليك أن تعمل على تبييض وجهك، فلا ذنب للمرآة ولا هو تقصيرها، فهي تُريك عيوبك وتقول لك: اذهب وأصلح نفسك. هذه هي ميزة المرآة؛ فلو أرتك المرآةُ أنّ وجهك أبيض، فسيُبقيك هذا الأمر في السواد طوال عمرك، وأنت تظنّ نفسك أبيض، فكمال المرآة في إظهارها لعيوبك، وذلك لأجل أن تُصلح نفسك، فتذهب إلى الحمّام لتزيل الأوساخ عن وجهك، هذه هي ميزة المرآة.
ثمّ قلتُ [لقريبي ذاك]: انظر إلى ما ذكره المرحوم العلّامة في كتاب (الروح المجرّد) عن السيّد إبراهيم الكرمنشاهيّ حفظه الله تعالى – الّذي لا يزال على قيد الحياة ويعيش الآن في طهران، ووجوده شرفٌ كبير جدًّا والأهالي يستفيدون منه – عندما أراد المرحوم العلّامة أن يُعرّف له السيّد الحدّاد، فقد ورد معه مِن هذا الباب، مستفيدًا مِنَ الحلقة الرابطة هذه، فما هي هذه الحلقة الرابطة؟ إنّها العقل والفطرة؛ قال السيّد إبراهيم الكرمنشاهيّ: كيف أعرف أنّه مطّلع على الأمور؟ فبم أجابه المرحوم العلّامة هنا، هل قال له مثلًا: اعتمد على ما ستراه في المنام؟! هل ذكر في كتابه أنّه طلب منه أن ينتظر منامًا أو مكاشفة؟! [فلو قال له ذلك] فقد يُجيبه الرجل: أنا لست مِن أهل المكاشفات، فعلَيّ أن أنتظر حتّى تحصل لي مكاشفة، إذ المنام والمكاشفة ليسا بيدي، فسأصبر وأنتظر، فمتى ما حصل لي منام أو مكاشفة سأذهب إليه! ولكن ما الّذي قاله [العلّامة] له؟ إنّه قال: عليك أن تستثمر عقلك وفطرتك، فاختبره بنفسك، اذهب واجلس وتحدّث معه. لا أنّه رفع العصا بوجهه قائلًا: إمّا أن تقبل به، وإلّا سأفعل بك كذا وكذا. بل قال له: ها هو السيّد الحدّاد أمامك فاختبره.۱ وبهذا يكون المرحوم العلّامة قد وضع حلقة [الوصل] هذه في الوسط قائلًا: عليك أن ترِد الميدان مِن هذا الباب، وهو نفس الباب الّذي ورد منه الأنبياء والأئمّة. نعم، قد قال للسيّد الكرمانشاهيّ هذا الكلام: عليك أن تعتمد هذا الطريق، فاذهب واختبره. ألا تعتمدون أنتم نفس هذا الطريق في اختيار الأستاذ الّذي تدرسون عنده دروسكم الحوزويّة، ألا تختبرونه بأنفسكم؟
يقول المرحوم العلّامة: عندما أردتُ أن أبدأ بدراسة (المكاسب)، ذهبت مع عدد مِنَ الأفراد الّذين بلغوا عشرة أو اثني عشر شخصًا، إلى أحد السادة – الّذي انتقل إلى رحمة الله الآن – الّذي أصبح مِنَ المراجع فيما بعد، وقرّر الرجل أن يبدأ الدرس مِن أجلي أنا بالذات. وعندما حضرتُ الدرس الأوّل، لم أستسغ طريقة تدريسه، فقد كان بطيئًا في طرح المواضيع، ولم يكن بيانه وافيًا وشافيًا، هذا على الرغم مِن تسلّطه مِنَ الناحية العلميّة، غير أنّ طريقة تدريسه لم تكن مقنعة، ولم أشعر بأنَها ستكون مفيدة لي، لذا لم أحضر الدرس الثاني. فجاء الرجل إلى غرفة الدرس في مدرسة (الحجّتية)۱ مع تلامذته العشرة أو الاثني عشر، وبحث عنِّي، فكان يتفحّص الوجوه عسى أن يراني، غير أنّني لم أذهب لأنّني وجدتُ الدرس غير مناسبٍ لي. فمَن يريد أن يدرس لدى أستاذ، عليه أن يختبره، فلا ينبغي له أن يتلف وقته، فكيف بالنسبة إلى الطريق الّذي تتوقّف عليه سعادة الإنسان وفلاحه! فالمسألة هنا لا تشبه درسًا يدرسه الطالب على يد أحدهم لساعة أو ساعتين، أو لسنة إن وقع في محذور المجاملة، صابرًا حتّى يجد طريقًا للخلاص منه بعد ذلك. بل هذا الموضوع يتعلّق بالسعادة، فلذا ترى المرحوم العلّامة يقول للسيّد الكرمنشاهيّ: تعال واختبره. ولقد قام السيّد إبراهيم الكرمانشاهيّ باختبار السيّد الحدّاد وتحدّث معه، فهو لم يكتفِ بالتمتّع بالنظر إلى جماله قائلًا: يا له مِن رجل نورانيّ ذي محاسن بيضاء جميلة، ويا لها مِن عمامة يعتمرها على رأسه. بل تكلّم معه، وبحث معه في العويصات مِن مسائل أسفار صدر المتألّهين، ومسائل الفتوحات المكيّة وفصوص الحكم لمحيّ الدين بن عربي، حتّى أُفحم واقتنع، ثمّ سلّم، لأنّه رأى بنفسه كيف أجاب هذا الرجل عن أسئلته، وهو الّذي لم يدرس سوى عدّة فصول مِن كتاب (جامع المقدمات). إذ عندما كان السيّد الحدّاد في النجف، لم يدرس في مدرسة (الهنديّ)٢ سوى عدّة أبواب مِن كتاب (جامع المقدمات)، ثمّ انتقل بعدها إلى كربلاء. فكيف لمَن درس عدّة أبواب مِن هذا الكتاب، أن يُجيب عن إشكالات على كتاب (فصوص الحكم) لمحيّ الدين؟ إنّ هذا يُعتبر أمرًا ممتنعًا ومستحيلًا، غير أنّنا نراه يُجيب عليها. فبُهت الرجل، ولم يجد ما يمكنه قوله. لقد قرأتم في كتاب (الروح المجرّد)، ورأيتم كيف أنّه لم يستطع أن يردّ على المرحوم العلّامة بشيء.
فقلتُ لقريبي ذاك: لو أنّ السيّد الكرمانشاهيّ تباحث مع السيّد الحدّاد وغلبه، فماذا سيقول المرحوم العلّامة حينئذ؟ إنّه لن يجد ما سيواجهه به.
ما هي الحلقة الّتي تربط الرجل العاميّ – إنّ عبارة (الرجل العاميّ) هنا تعني عاميّ بلحاظ السلوك ولو كان عالمًا، فالعاميّ هنا تعني مَن لم يسلك هذا الطريق – الّذي لم يسلك الطريق بالرجل الكامل؟ إنّ الحلقة الرابطة هي العقل والفطرة؛ فالآن، لو لم يتمكّن السيّد الحدّاد مِن إجابة السيّد إبراهيم الكرمانشاهيّ في مباحثة الأخير معه، فالتفت إلى المرحوم العلّامة وقال له: انظر إلى هذا الرجل الّذي عرّفتني عليه، انظر كيف عجز عن إجابتي! فماذا سيقول المرحوم العلّامة عندها؟! هل سيقول له: انتظر حتّى يُجيبك المنام؟! كلّا، لا يمكن للمرحوم العلّامة أن يقول مثل هذا الشيء، [فلو قال له ذلك فهو يدل على أنّ العلّامة] مغلوب حينئذٍ.
لقد حصل نظير هذه القصّة مع الشيخ مطهّري، حيث جاء الشيخ إلى المرحوم العلّامة وطلب منه أن يجلس مع السيّد الحدّاد. أتى الشيخ عدّة مرّات إلى بيتنا في الأحمديّة، وحضر عددًا مِنَ مجالسه فأُعجب به. لم يكن المرحوم مطهّري رجلًا عاديًّا، بل كان عالمًا وخبيرًا في معرفة الرجال، فهو يعرف الناس جيّدًا. وقد طلب مِنَ المرحوم العلّامة لقاءً مباشرًا بالسيّد الحدّاد، فقال العلّامة له: تعال واصعد إلى الغرفة الموجودة على سطح الدار وتكلّم معه بما شئت. لماذا قال العلّامة ذلك؟ لأنّه مطمئن مِن أمره، فهو يعلم إلى مَن يُرسل الشيخ مطهّري الآن، نعم كان مطمئنًا، ولم يكن قلقًا ولو بمقدار رأس إبرة. فعندما كان الشيخ مطهّري يصعد إلى السيّد الحدّاد، هل راود ذهن المرحوم العلّامة شيءٌ مِنَ القلق قائلًا: أرجو أن لا يعجز السيّد الحدّاد عن الإجابة، فإن حصل هذا فما الّذي سأفعله حينها؟! [كلّا لم يحصل ذلك أبدًا].
دعا المأمون يومًا جميع علماء النصارى واليهود مِن كافّة أكناف وأطراف الأرض، ثمّ دعا الإمام الرضا عندما كان في بلخ۱ للحضور مِن أجل أن يُناظرهم. كان المأمون يتظاهر بأنّه دعاهم ليستفيدوا مِن علوم الإمام الرضا عليه السلام، والحال أنّه كان له هدف آخر مِن وراء ذلك! ولكنّه لم يكن يعلم كيف سيتصرّف الإمام، فالمأمون كان يأمل أن يعجز الإمام عن الإجابة عن إحدى الأسئلة ليُفتضح أمام الجميع، إذ سيُقال حينئذ: انظروا كيف عجز، هذا الّذي تقولون بإمامته، عن إجابة فلان مِنَ العلماء! وانظروا كيف عجز عن الإجابة عن السؤال الرياضيّ لفلان مِنَ العلماء، أو السؤال المتعلّق بالكيمياء أو الفقه أو التأريخ! فتعالوا وانظروا إلى عالِمكم الّذي تقولون أنّه أخذ علومه عن رسول الله، الّذي أخذ بدوره عن جبرائيل! فأنتم الّذين تقولون مثل هذا الكلام تعالوا وانظروا بأنفسكم! قام المأمون بدعوة كافّة العلماء، ثمّ أرسل رجلًا ليبلّغ الإمام بحضور العلماء ويدعوه للحضور. جاء الرجل إلى الإمام وكان مضطربًا؛ كان الرجل مِن شيعة الإمام، غير أنّ إيمانه لم يكن قد وصل إلى ذلك الحدّ، فلم تكن قد حصلت له المعرفة الكافية بالإمامة. فنظر إليه الإمام وقال: ما بالك، ما الّذي يختلج صدرك، هل هناك ما يُخيفك؟! قال: يا بن رسول الله، إنّك لا تدري كم مِنَ العلماء قد أحضر الرجل! فقال له الإمام: لا عليك، لنتوكّل على الله ونذهب – أنا الّذي أصوغ الكلام بهذه العبارات – مستعينين بفضل الله، وما أملنا إلّا به. فذهبوا، وبدأ النصارى بطرح أسئلة مِنَ الإنجيل، فألقى عليهم الإمام الإنجيل بأكمله، وسأل اليهود مِنَ التوراة، فألقى عليهم التوراة، وألقى عليهم زبور داود، فبُهتوا ورأوا أنّه يُجيد التوراة والإنجيل أحسن منهم. فتسبّب هذا الأمر بفضيحة المأمون وحاشيته، وندم مئة مرّة على فعلته هذه، فقد كان يهدف إلى شيءٍ، وإذا به يقوم بنفسه بزيادة شهرة الإمام أمام الجميع. إنّ هذا النور هو نور الله، غير أنّ ذاك المسكين لا يعرف أنّ عليه أن لا يبارز نور الله، فلا يمكن للظلام أن ينازع النور.
فعندما كان الشيخ مطهّري يهمّ بالصعود إلى الغرفة الواقعة على السطح، ليلتقي بالسيّد الحدّاد، هل اختلج صدر المرحوم العلّامة خوفٌ مِن أن يسأل الشيخ سؤالًا يعجز عنه السيّد الحدّاد، فيُفتضح نتيجة لذلك، أم أنّه كان هادئًا هدوء الماء الزلال في الإناء؟ لم يختلج صدره شيء مِن ذلك، لماذا؟ لأنّه كان مطمئنًا مِن قدرة السيّد الحدّاد، فهو يعلم أنّ كلّ شيء موجود هناك، فلو كان ابن سينا هو مَن جاء إلى هذا المكان، لقال [المرحوم العلّامة] له: اصعد [للقاء السيّد الحدّاد]. ولو جاء الفارابيّ أو صدر المتألّهين لقال لهما: اصعدَا أنتما أيضًا، اصعدوا وتكلّموا بما شئتم. نعم، كان مطمئنًا، لا يعتريه تشويشٌ أو تذبذبٌ ولا اضطراب. فصعد الشيخ مطهّري وتكلّم معه ساعة مِنَ الزمن ثمّ نزل، وعند نزوله لم يقل للمرحوم العلّامة: أهذا الّذي وصفته لي بكذا وكذا، فها قد اختبرته ولم أجد عنده شيئًا؟! كلّا، إنّه لم يقل مثل هذا الكلام، بل قال هذه العبارة: إنّ هذا السيّد يبعث الحياة. أي إنّه يهب الإنسان الحياة. هل لاحظتم! فلو كان الشيخ مطهّري قد سأله سؤالًا مُحرجًا لم يستطع الإجابة عليه، فهل كان سيُسلّم له أمره؟ كلاّ، لن يُسلّم له.۱ وقد ذكرتُ هذا الكلام لذلك الرجل، ولكن ما هو واقع الأمر؟ إنّ واقع الأمر هو بالشكل الّذي ذكرته لكم.
مِن عادتي أن أفتح كتاب (الروح المجرّد) قبل أن آوي إلى الفراش، فأفتح صفحة لا على نحو التعيين وأقرأ شيئًا منه، وفي إحدى الليالي، فتحتُ الكتاب فاتّفقت لي صفحةٌ يذكر فيها المرحوم العلّامة كيف أرسل الشيخ مطهّري إلى السيّد الحدّاد وقال له: اسأله ما أردت. [ففكرتُ بذلك، ووجدتُ أنّ] هذا هو مسير الأنبياء، إذ تلك الحلقة الرابطة موجودة دائمًا في هذا المسير. وعلى هذا، فما الّذي يعنيه ذاك الكلام القائل: إنّ الفلسفة والحكمة تصدّان عن الطريق؟! فما لمسته حتّى الآن هو أنّ الفلسفة شجّعتنا على طيّ الطريق، والحكمة ساقتنا إليه ورغّبتنا به ومنعتنا عن الانحراف. فمتى كانت الفلسفة والحكمة تصدّان عن الطريق؟!
الثبات والاستقامة مبنيان على الحجّة الرابطة بين الله وعبده
بعد أن عرفنا أنّه يجب على الإنسان أن يستقيم على الطريق، فعلينا أن نعرف أنّ هذه الاستقامة وهذا الثبات يجب أن يكون مبنيًّا على ذلك الرابط وتلك المواهب وعلى الأدلّة والحجج؛ فالحجج تعمل على إتمام الموضوع للإنسان، وبعد أن يتمّ الموضوع، علينا أن نعمل على تقييم أنفسنا، وذلك بأن نقارن وضعنا الحاليّ مع ما كنَّا عليه قبل سنة، فنرى مدى استقامتنا على الطريق ومدى ثباتنا عليه، ومقدار تضحيتنا بآثار وجودنا وشوائبه في سبيل هذا الطريق. هذا هو ملاك التشخيص.
إنّ السؤال الّذي كان كثيرًا ما يطرحه الأصدقاء ورفقاء الطريق في عهد المرحوم العلّامة، وما زال يُطرح حتّى اليوم، هو أنّنا نرى شوق الأفراد لطيّ الطريق في بداية الأمر، ورغبتهم ونشاطهم في ذلك، ولكن بعد مضيّ فترة مِنَ الزمن، يَقلّ لديهم هذا النشاط والاشتياق، وتَقلّ رغبتهم وشدّة [تمسّكهم] به عمّا كانت عليه في بداية الأمر، فما هو السبب وراء ذلك؟ يعتقد البعض أنّ ما يحصل هو مجرّد تبدّل في الحال، ثمّ قد يتبدّل الحال أيضًا فيسلكون واديًا آخر، يقول هؤلاء البعض: إنّ الأمر لم يكن منذ البداية على ما ينبغي، إذ لم يكن تسليمهم هو حقّ التسليم المطلوب، ولم تحصل لهم المعرفة الكافية، فيسير الشخص على هذه الحال فترة مِنَ الزمن فيطوي مسافة ما، ثمّ يصل إلى مرحلة تتبدّل فيها حاله، بل قد يصل إلى حدّ الإنكار، فيضرب بكلّ شيء عرض الحائط. [أقول:] مِنَ الممكن أن يكون هذا الأمر هو أحد الأسباب المؤديّة إلى ذلك، غير أنّه لا يمثّل تمام العلّة.
الكلام هنا هو في علاقة الإنسان بربّه في كلّ لحظة مِن لحظات حياته، على أنّ لكلّ لحظة حكمها الخاصّ، ولا يمكن تقييد لحظة بغيرها مِنَ اللحظات تقييدًا تامًّا، وإن كان هناك ارتباط بينهما، غير أنّ هذا لا يعني أنّ الارتباط بينهما هو ارتباط كامل. فإن قام المرء بعمل صالح يرضاه الله في وقت ما، فلا يصحّ أن يركن إلى هذا العمل [مكتفيًا به]، فيعيش في راحة بال طوال عمره معتمدًا عليه. كلّا، لا يمكن أن يكون الأمر بهذا الشكل! فإن أتى المرء بعبادة مِنَ العبادات، أو قام بعمل صالح، سواء كان على شكل عبادة أو غيرها، فيحصل أحيانًا أن تدفع الأعمال الّتي ليست على هيئة العبادات المتعارفة، تدفع بالإنسان وتُسرّع في سيره أكثر بكثير ممّا تفعله العبادات المتعارفة. إنّ القيام بعمل يخالف هوى النفس، يساعد الإنسان على التقدّم أكثر ممّا تساعده صلاة الليل لشهر على ذلك. نعم، إن قام أحد بعمل يرضاه الله، وكان مِنَ الأعمال الّتي لا ترغب النفس بالقيام بها عادةً، فهذا يدفع به إلى الأمام أكثر مِن أدائه لصلاته وصيامه سنة كاملة.
محوريّة النفس آفّة يجب التخلّص منها
الكلام يدور هنا حول ما إن كانت النفس لا تزال في مرتبة النفس ومرتبة التعلّق بذاتها؛ فهذا التعلّق يعني أنّها ترى نفسها هي الأصل والمحور، وأنّ الآخرين تابعين لها. كثيرًا ما يجري على ألسنتنا كلامًا مِثل: إنّنا نراعي الآخرين كثيرًا، ونحسب لهم حسابهم، ونُعطي كلّ ذي حقّ حقّه. نعم، هذا الكلام يصدر منّا، بل لعلّنا نعتقد في حاقّ ضميرنا أننّا محقّين بما نحكم به، غير أنّه إن كان لدينا مزيد مِنَ الإنصاف، وكنّا لا نحيد عن جادّة الصواب كثيرًا، سنرى أنّ ما نفعله لا يخرج عن محور النفس، فجميع أو أغلب ما نقوم به متمركز حول محوريّة النفس؛ فترانا إن مالت النفس نحو جهة مِنَ الجهات، نوجّه كلّ ما نقوم به ليتناسب مع تلك الجهة، وإن مالت نحو جهة أخرى تنحرف كافّة أحكامنا مئة وثمانين درجة [لتتناسب مع الجهة الأخرى]؛ وذلك لأنّ النفس تضع كلّ ما تملكه مِن قِوى ومواهب إلهيّة تحت تصرّفها وتسخّر كلّ ذلك لذاتها ومِن أجل مصالحها وكيانها.
كان يكرّر المرحوم العلّامة نقل هذه المسألة: إنّ أغلب الّذين ألّفوا كُتبًا في القضاء والحُكم – يُلاحظ هنا أنّه قال أغلبهم ولم يقل جميعهم فلعلّ مِنهم [مَن لم يكن كذلك] – هم مِنَ المتصدّين لهذه الأمور، وأغلب الّذين كتبوا في القضاء ووقفوا بوجه تصدّي الروحانيّين۱ للقضاء تمّ إقصاؤهم مِنَ القضاء. ويَنقل قضيّةً طريفةً جدًّا، لعلّي نقلتها لكم سابقًا، يقول فيها: يوجد في قزوين، في منطقة شاه زاده حسين، قبرٌ لشخص يُسمّى بالشهيد الثالث، وهو الآخوند الملّا محمّد تقي برقاني، الّذي قتلته الفرقة البابيّة والبهائيّة في فتنة البابيّة الّتي حصلت في عهد ناصر الدين شاه، ويبدو أنّ هذا الأخير قد قُتل على يد عمّه، وقُرّة العين [امرأةٌ] معروفة في زمن البابيّة والبهائيّة ذاك. فبينما كان [الملّا محمّد تقي] في طريقه إلى المسجد لأداء صلاة الصبح هجموا عليه وقتلوه في الحال.
كان أحد العلماء يقيم صلاة الجمعة في المسجد الجامع لمدينة قزوين في أيّام الجُمع، وكان الآخوند الملّا محمّد تقي البرقاني يعارضه بشدّة ويتهجّم عليه في خطاباته ويقول: إنّ صلاة الجمعة مختصّة بزمن رسول الله، ولا يجوز إقامتها في هذا العصر. وكان يُكثر الحديث في هذا الشأن، ويخالف ذلك العالِم بشدّة. وفي إحدى المّرات الّتي ذهب فيها إمام الجمعة هذا إلى طهران لمدّة أسبوع، استغلّ الرجل هذه الفرصة، وأقام صلاة الجمعة بدلًا عنه، وعندما عاد الرجل مِن طهران وجد أنّ الملّا محمّد تقي قد أقام صلاة الجمعة، واستمرّ على ذلك. فقال ذلك العالِم: أنا متعجّب كيف تبدّل حكم شرعيّ مئة وثمانين درجة بمجرد ذهابي إلى طهران وعودتي منها. هل لاحظتم! إنّ هذا مجرد مثال واحد.
لو دقّقنا في هذا الأمر لوجدنا أن هذه القضيّة لا دور فيها لا للعلم ولا للصلاة ولا للعبادة، ولا للكهولة أو اليفاعة، ولا للسيادة أو عدمها، بل إنّ كلّ ما حصل عائد إلى النفس لا غير، فالنفس تأتي وتحاول أن تهيمن على كافّة المناصب، فلا تتحمّل أن ترى اجتماع الناس في مسجد للصلاة خلف ذلك العالِم، في الوقت الّذي يكون فيه هو عالِم أيضًا. فما الّذي سيفعله هنا؟! هل سيمسك سيفًا أو سكّينًا ويهجم بها على هذه الجماعة ويبدأ بالضرب؟! كلّا، لن يفعل ذلك، بل إنّ السيف والسكّين سيكونان لسانه في مثل هذه الحالة. إنّ الله قد وهبه هذا اللسان ليستعمله في الحقّ، ولكن تراه يستعمله كسيف أو سكّين ضدّ الحدث الّذي يتعارض مع مصلحته الشخصيّة، ومتى ما تحقّق له ذلك، نراه يُدخل لسانه وسيفه في غمده ويُغلق فمه وينتهي كلّ شيء.
مفارقة ملفتة بين زمن النبيّ وزمن أبي بكر
عندما كان النبيّ الأكرم يُقدِم على أيّ عملٍ، كان المنافقون يجتمعون [لإبطاله]، وإن حكم النبيّ بشيء، يبدأ المنافقون بالتآمر وبثّ الشائعات، وإن أراد أن ينفّذ أمرًا، تشتعل الشكوك في قلوب الناس فترى مَن يقول: لنذهب. وآخر يقول: لا، لن نذهب. ويتحجّج آخر: إنّ مزرعتي بحاجة إلى السقي. ويقول آخر: إنّ زوجتي حامل. [وآخر] يقول: إنّ جملي يعاني مِن كذا.. وغيرهم على مثل هذه الأقوال! إنّ مِنَ الطبيعيّ أن تجد في كلّ وقت، امرأةً حاملًا، وإبلًا تحتاج إلى مَن يقدّم لها التبن والعلف، ومزارع تحتاج إلى السقي والرعاية، وغيرها وغيرها؛ فلماذا عندما يقول النبيّ شيئًا، تصبح النساء حوامل والمزارع كذا وكذا، أمّا عندما صارت الحكومة بيد أبي بكرٍ [انتفتْ تلك الحجج] – فهل أسقطت الحوامل حملها – وانتهت المؤامرات، ولم تعد تنعقد تلك المجالس [المُغرضة]؟! فما السبب وراء ذلك؟!
إنّ الله وهبك هذا اللسان لتستعمله في طريق الحقّ. غير أنّهم يشكّلون المجالس ويتكلّمون ويستشكلون على كلام النبيّ ويضخّمون الأمور، وينشرون الكلام هنا وهناك، فيقولون: هل سمعتم ما فعله علِيّ؟! إنّهم كانوا يتذمّرون ويُكثرون الكلام ويؤذون النبيّ، ويُعكّرون مزاجه، ويُصعّبون عليه الأمور، ولكن ما إن صار الحُكم بيد أبي بكرٍ حتّى اختفت تلك المجالس، وانتهى التذمّر، ووقف الجميع في الصفّ الأوّل [للصلاة]! فالشخص الّذي كان يأتي إلى الرسول قائلًا: يا رسول الله، إنّ المعز خارج المدينة، فأريد أن أذهب لأعتني بها، وأعتني بأغنامي. ها هو يأتي اليوم ليصلّي في الصفّ الأوّل مقتديًا بأبي بكرٍ! ماذا فعلت بمَعزك يا هذا، هل جئت بها إلى المسجد أم أنّها لا تزال في مكانها!
إنّ مثل هذه الأمور تحصل دائمًا، وهي لم تحصل في عهد النبيّ فقط، بل كانت تحصل حتّى قبل زمانه وحصلت بعده، وهي تحصل في زماننا هذا. نعم، فهناك مؤامرة تُحاك الآن أيضًا [كما كانت في الأزمنة السابقة]. فعندما نريد في زماننا هذا أن نُقدم على عمل ما، نرى كيف تتحرّك الأمور مِن هذا الجانب وذاك، فنقول حينها: ها قد بدؤوا بتحرّكاتهم. فإن تبدّل الوضع وأخذت الأحداث شكلًا آخر، ينتهي كلامهم ذاك، ويصبح الجميع مِنَ الأوفياء والمسَلِّمين والراضين، وينتهي كلّ شيء! على الإنسان أن يُصلح هذا الجانب في حياته ويهتمّ به.
إنّ ما ذكرته هذا اليوم، سيكون بمشيئة الله بمثابة المقدّمة لموضوع آخر وأساسيّ، وهو: لماذا يحصل للإنسان ما يحصل، ولماذا يتغيّر حاله؟
اللهمّ صلّ على محمّد وآلِ محمّد
يتوقّف التكامل على الخلوص والامتثال
سؤال: قلتم في المجلس السابق ما معناه: إنّ الرجل والمرأة يطيران معًا، وهما بمثابة روح واحدة في جسمين، فلماذا نجد الرجل أحيانًا يصل إلى مقام الولاية، والحال أنّ زوجته تراوح مكانها، أو العكس، فما هو السبب الكامن وراء ذلك؟
جواب سماحة السيّد: إنّ أصل القضيّة – كما قلتُ لكم سابقًا – هو أنّ لكلّ شخص حكمه الخاصّ به، فعلى الرغم مِن اشتراك الرجل والمرأة في حياتهما اليوميّة، غير أنّه يمكن أن يكون ارتباط كلّ منهما مع الله متفاوتًا مِن حيث خلوص النيّة وأداء التكاليف. إنّ آسيا كانت امرأة فرعون، وقد وصلت إلى درجة الكمال وهي في قصر فرعون نفسه۱، في الوقت الّذي هلك فيه ابن نوح رغم أنّه نشأ في تلك العائلة٢. فهذا الأمر لا يختصّ بالأناس العاديّين فقط، بل هو موجود في عائلات الأئمّة أيضًا؛ فها نحن نرى كيف أنّ استشهاد الإمام الحسن عليه السلام قد حصل على يد زوجته٣، في الوقت الّذي نرى الرّباب زوجة سيّد الشهداء قد بقيت في كربلاء بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، وقد قالت: لن أبرح كربلاء، ولن أذهب إلى المدينة. فبقيت سنة هناك حتّى توفّيت٤.
إنّ للأئمّة عليهم السلام حالات متفاوتة، ولأولادهم حالات متفاوتة، فالكثير مِنَ المشاكل الّتي حصلت للأئمّة في حياتهم، كانت مِن قِبَل أقربائهم المقرّبين؛ الله أعلم ما كان يعانيه الإمام الصادق عليه السلام مِن بني أعمامه مِن أبناء الحسن [عليه السلام]، كإبراهيم ومحمّد ابنَا عبد الله المحض، كما أنّ شهادة الإمام الباقر عليه السلام كانت بسبب بني أعمامه.٥ إنّ إخوة الإمام الرضا عليه السلام وأعمامه جرّوا الإمام إلى محكمة المدينة، واشتكوا عليه عند حاكمها الّذي عيّنه الخليفة العباسيّ.٦ كما أنّ [عمّ] الإمام [المهدي] أنكر إمامة إمام الزمان وادّعى خلافة الإمام العسكريّ۷.. فتلك الأمور كانت تحصل في أواسط عائلات الأئمّة أيضًا، فالقرابة والاشتراك في النسب لا يدلّان على ضرورة وحدة المسير، وتلك سُنّة إلهيّة تُرينا أنّ الله تعالى لا يفرّق في تحقيق عدالته بين أقرباء الأئمّة وبين غيرهم مِنَ الناس؛ فكلّ مَن سار على الطريق لَحِق، ومَن لم يسر على الطريق أُبعِد.
وهكذا الأمر في الحياة الزوجيّة، فإن كانت حياة كلّ مِنَ الزوجين قائمةً على أساس الظاهر، فسيكون الأمر كما ذكرتِ؛ سيطوي الزوج طريقه وفقًا لمدركاته وحاله ومبانيه، ويسير في هذا الطريق ويصل إلى المقصد، أمّا الزوجة فستُحرم مِن كافّة المواهب الإلهيّة ولن تبرح مكانها. والعكس يحصل أيضًا، فلو وفّق الله الزوجة لطيّ الطريق، فستطويه وتصل إلى درجات عُليا وتحصل على مراتب مِنَ الكمال.
عندما نطّلع على أوضاع بعض النساء اللواتي مَنّ الله عليهنّ بالتوفيق، وجعل في قلوبهنّ نورًا، نجد أنّ أزواجهنّ كانوا يمنعونهنّ مِنَ السير في الطريق، ويضعون في طريقهنّ العوائق، ويضيّقون عليهنّ، حتّى أنّ إحداهنّ كانت تقول إنّ زوجها يمنعها حتّى مِن قراءة القرآن، ويقول لها: لا فائدة مِن هذا القرآن. فكنتُ أقول لها: لا تقرئي القرآن في وجوده، فإن غاب عن البيت فقومي بواجبك حينها. وإن منعكِ مِن صلاة الليل فلا تؤدّيها، ثمّ اقضيها على وضوء وطهارة حتّى حين اشتغالك في المطبخ بإعداد الطعام، وإن لم يكن لديك الوقت الكافي فأدّيها وأنتِ مشغولة بالخياطة، فلا مانع مِن ذلك. أمّا صلاة النافلة فأدّها وأنت تتحرّكين، فلا إشكال في أداء صلاة النافلة أثناء الحركة. فالله قد وسّع الطريق، فإن أوجد الله ضيقًا، فهو في مصلحتك. إنّ الله قد فتح الطريق أمام الإنسان ليصل إلى الكمال، فيمكن للمرأة أن تسلك هذا الطريق، وتصل إلى المقصد في الوقت الّذي لا يتمكّن ذلك المسكين مِنَ الوصول إلى تلك المراتب.
لكلّ شخص طريقه الخاصّ إلى الله، وعلى كلّ واحد أن يختار طريقه، وعليه أن لا ينتظر مَن يأخذ بيده. كنتُ قد كرّرت هذه الجملة مرارًا: لو جلسنا ننتظر مَن يأتينا ويأخذ بأيدينا، لمضت أعمارنا دون أن نجني أيّة نتيجة. والطريق بين العبد وبين ربّه مفتوحٌ لكلّ شخص، ولكلّ إنسان طريقه الخاصّ به. نعم، إن كان كلا الطرفين [أي الزوج والزوجة] مهتمّين بالأمر، لسهل الأمر عليهما ولكانت الآثار المترتّبة أكثر.