المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسمالمرأة والأسرة
المجموعةالمرأة والأسرة - قم
التوضيح
تحدّث آية الله السيّد محمّد محسن الحسيني الطهراني رضوان الله عليه في هذه المحاضرة التي ألقاها في مدينة قم في جمع من المؤمنات حول موضع الزواج الثاني وسيرة العرفاء في التعاطي معه إضافة إلى أمور أخرى ذات مناسبة، وذلك تتمّة لما شرع به في المحاضرة السابقة، وقد تناول فيها ما يلي:
1- المواقف المختلفة ممّا طرح في المحاضرة السابقة حول الزواج الثاني .
2- الهدف من طرح الموضوع.
3- دأب المرحوم العلاّمة عدم التدخّل في مشاريع الزواج الثاني.
4- اشتراط عدم الزواج الثاني في العقد غير ملزم شرعًا .
5- انحصار وظيفتي ببيان القواعد العامّة في أمثال الزواج الثاني ولبس العمامة.
6- ضرورة لبس العمامة في هذا الزمان رغم مشقّاته.
7- الموقف المعتدل ممّا طرح في الجلسة السابقة.
8- عدم إمكان القياس على ظروف السيّد القاضي الداعية إلى تعدّد الزوجات.
9- ضرورة دراسة كافّة جوانب الزواج الثاني وإمكان أن يختلف حكمه حسب الظروف.
10- التحذير من تحريف كلام الأولياء لما يناسب المصالح الشخصيّة.
11- الموقف من إقامة حفل الزفاف في صالات الأعراس
12- كيف ينبغي أن يكون حفل الزواج؟
13- عدم تمييز المرحوم العلامة بين الأقارب وغيرهم في بيان الأحكام (طاعة الزوجة لزوجها نموذجًا)
14- موقع كلّ من العبادة والمراقبة في السير والسلوك (عدم تدخّل الأهل في شؤون الزوجين نموذجاً)
15- قصّتا امرأتين تبيّنان معنى السلوك الواقعي امرأة قليلة العبادة صابرة على التباين الثقافي بينها وبين زوجها وأخرى مكثرة من العبادة مسيئة لزوجها .
16- طريقة مطابقة الأعمال للفطرة هي التزام الإنسان بما يعلم وعدم المداراة في المحرّم
أسئلة وأجوبة.
17- حكم الذهاب إلى الأماكن التي تثير الكدورة
هو العليم
الزواج الثاني والمؤقت ـ المحاضرة الثانية
المرأة والأسرة - قم - الجلسة العاشرة
محاضرة ألقاها
آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد
اللهم صل على محمد وآل محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
واللعنة على أعدائهم أجمعين
المواقف المختلفة ممّا طرح في المحاضرة السابقة
لقد ظهرت، ونتيجة لما طرحته في المجلس السابق، مسائل مختلفة، وأفهام متباينة؛ فأخذ البعض جانب التفريط، وأخذ البعض جانب الإفراط، وتعامل البعض الآخر مع الموضوع باعتدال ومنطقيّة؛ أمّا من أخذ جانب التفريط، فلعلّه ظنَّ أنَّي بحثت الموضوع بشكل سطحيّ ولم ألتفت إلى عمق المسألة وواقعيّتها، ولم أعط الموضوع حقّه كما ينبغي؛ ولكنّ المسألة ليست كذلك، فالمسألة ليست مسألة مزاح، والهدف من إقامة هذه المجالس ليس مجرّد الاجتماع، فأنا ليس لديّ المجال لمثل هذه الأمور؛ فليس الهدف من إقامة هذه المجالس هو مجرّد المجيء والجلوس ولقاء بعضنا ببعض؛ وبعبارة أخرى: ليس الهدف من هذه الاجتماعات أن يأنس بعضنا ببعض، بل المسألة مسألة جادّة؛ فمن كان يريد أن يستهزئ ويسخر، ويتعامل مع هذه المجالس بالمزاح، فعليه أن يبحث عن ذلك في أماكن أخرى.
إنَّ من يحضر مجالسنا هم أولئك الذين يبحثون عن الحقيقة ويريدون معرفة واقع الأمر؛ وهناك من تعجبه الحقيقة، وهناك من لا تعجبه؛ فمن لا يجد في نفسه القدرة على تقبّل الحقائق ومن الصعب عليه إدراكها، فعليه أن يختار هو ما يريد؛ ولكنّ واجب الحقير يتمثّل في بيان الحقيقة والمسألة، ولا يمكنني العدول عن الفهم الذي توصّلت إليه؛ نعم، هذا ما استفدته من التجارب التي مرّت عليّ في سنوات متمادية، تلك التجارب التي مرّت عليَّ في السنوات التي تلت ارتحال المرحوم العلاّمة، وقد بيّنتها للناس؛ والكلّ يعلم وجهات نظري التي طرحتها، ومواقفي التي اتخذتها بشأن ما حصل في تلك الأحداث؛ ولقد بدر كلّ ذلك منِّي لكوني أرى نفسي مكلّفًا وملتزمًا أمام الفهم الذي أفهمه فيما يتعلّق بالمسائل الإسلاميّة، ولا يمكنني أن أتخطّى هذا الفهم أبدًا؛ هذا فيما يتعلّق بتلك النظرة التفريطيّة التي بدرت عن البعض بشأن حديثي في المجلس السابق.
أمّا البعض الآخر فقد أخذوا جانب الإفراط في تفسير ما حصل؛ حيث تصوّروا بأنَّ هدفي من طرح الموضوع هو تحريك العواطف وإيجاد جوّ من الاندفاع باتّجاه موضوع تعدد الزوجات؛ فلا بدّ من القول هنا بأنَّ ذلك لم يكن هدفي من طرح الموضوع بالطبع؛ بل طرحت ذلك الموضوع لأنَّه يعتبر حقيقة واقعة يعاني منها المجتمع بالفعل، ولا بدَّ لنا من الالتفات إليها، فلا يمكننا تجاوزها، ولا يمكننا العبور بسهولة وبلامبالاة عمّا وصل إلينا من أولياء الدين والعظماء من علماء الدين بشأن هذا الموضوع، بل لا بدّ من دراسته بدقّة والتأمّل والتدبّر بشأنه ورعاية كافة الجوانب المحيطة به، والأخذ بعين الاعتبار أحسن وأصلح الطرق الكفيلة بمعالجته؛ أمّا أن يقدم أحد على القيام بعمل ما بدون دراسته والتأمل في كافّة جوانبه وبدون رعاية ما يترتّب عليه من عواقب وتبعات، فسيكون مثل هذا التصرّف بعيدًا عن التعقّل ورعاية المصالح شأنه شأن غيره من التصرّفات التي يقوم بها البعض.
لقد جرى الحديث في المجلس السابق عن هذا الموضوع وهو أنّه يجب أن نتعامل مع الأمر بواقعيّة، ويجب أن نتجنّب الانقياد للعواطف؛ فلكلّ واحدٍ منَّا حاله ومكانته ومزاجه وتعامله الخاصّ مع هذا الموضوع؛ ويجب على كلّ إنسان أن يتعامل معه بالشكل الصحيح؛ فإن كان البعض لا يمتلك القابليّة لتحمّل هذا الأمر أو إدراكه، فسيكون تقدير هذا الأمر متروكًا لصاحبه والحال هذه؛ فلا يمكنني أن أطرح المواضيع وفقًا لسعة كلّ فرد وكيفيّة فهمه لها، وإلاّ فسيتوجّب على المتكلّم أن يعيد طرح الموضوع بأشكال متعدّدة وبعدد أولئك الذين يرتبط معهم، بل وحتّى من لا تربطه بهم أيّة علاقة، فيجب التعامل مع هذا بشكل، ومع ذاك بشكل آخر.
الهدف من طرح الموضوع
كان الهدف من طرح الموضوع كون هذه القضيّة مشكلة ومعضلة اجتماعيّة تواجه المجتمع الإسلاميّ بالفعل؛ ولما كان طيّ الطريق إلى الله لا يمكن أن يتمّ بغير الالتزام بالشريعة الإسلاميّة، لذا فقد بُحثَ الموضوع من هذا الجانب؛ حيث بيّنت لكم رأي الشريعة الإسلاميّة وأولياء الدين بشأن هذا الموضوع، كما بيّنت لكم الطريق المنطقيّ والطريقة العقلائيّة للتعامل معه.
كنت قد أوضحت لكم وصرّحت في المجلس السابق بأنَّ مكانتي وظروفي الشخصيّة ووجود المهام التي أنا مكلّف بإنجازها لا تسمح لي بالزواج الثاني؛ غير أنَّني لا أستطيع أن أفرض هذا الأمر على غيري من الناس فأقول لهم: ما دامت تلك هي ظروفي، فعليكم الاقتداء بي وعدم الإقدام على الزواج من امرأة أخرى؛ أو أن يحصل العكس، فيقوم أولئك الذين يمتلكون المؤهّلات اللازمة لإعالة عائلتين في وقت واحد بتحميل وجهة نظرهم عليّ فيقولون لي: لماذا لا تعمل أنت بما تطرحه من كلام؛ لأنّه وقبل الإقدام على هذه المسألة ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار جميع الجوانب التي ترتبط بها.
وقد قدّمت في المجلس السابق بأنَّ ما دعاني إلى فتح هذا الموضوع هو كثرة ما سئلت حوله سواء تحريرًا أو شفاهًا، ولأنَّ الموضوع موضوع صعب وشائك ومهمّ؛ ولربّما أبدى البعض وجهات نظرٍ تخالف ما أتبنّاه من اعتقاد، وأنا أراها آراءً غير صحيحة؛ لذا فقد قرّرت طرح ما جاء في الشريعة الإسلاميّة وما يتبنّاه العظماء وأولياء الطريق لكي ترتفع الشُبهات التي أحاطت بهذا الموضوع؛ فقد كان هذا هو السبب الوحيد الذي دعاني لفتح موضوع تعدّد الزوجات، ولم يكن الهدف أن أقترح على الآخرين أن يقدموا على الزواج الثاني؛ فلا ينبغي أن يخطر على بال أحد مثل هذا التصوّر، وذلك لأنَّني لا أتدخّل في المسائل الشخصيّة للآخرين.
حتّى أنَّني كنت قد تلقّيت الليلة الماضية مكالمة هاتفيّة من أحدهم حول نفس الموضوع، وكان يصرّ على أن أعطي وجهة نظري في [إقدامه على] الأمر سواء كانت بالموافقة أو الرفض، فقلت له: لا أستطيع أن أبدي وجهة نظري حوله، فهو أمر شخصيّ، وأنت عليك أن تدرس كافّة جوانبه وأن تتّخذ قرارك بنفسك، فأنا لا أستطيع أن أبدي وجهة نظري بشأنه؛ وقد بيّنت كلّ ما يتعلّق به، وعلى كلّ واحد منكم أن يدرس حالاته ومعطياته وأن يرى ما الذي يستطيع أن يفعله بعد ذلك؛ فالأمر متروك للمعنيّ به. وهكذا كان المرحوم العلاّمة يفعل، فكيف لي أن أتدخّل أنا في أمر كهذا؟!
عدم تدخّل المرحوم العلاّمة في مشاريع الزواج الثاني
فالعلاّمة لم يأمر أحدًا طول حياته بذلك ولم يقترح على أحد الإقدام على مثل ذلك، باستثناء حالة واحدة ـ على ما أتذكّر ـ حيث قال لأحدهم: أنت عليك أن تتزوّج من امرأة أخرى. وأمّا إن ادّعى أحد من أولئك الذين تزوّجوا من زوجة ثانية زمان المرحوم العلاّمة بأنَّه هو الذي أمرهم بذلك الزواج، فلا صحّة لدعواهم؛ وذلك لأنَّه كان قد قال لي بنفسه بأنَّه لم يأمر أحدًا منهم بمثل ذلك؛ نعم كان هناك من يأتي إلى لمرحوم العلاّمة ويقول له: أريد الزواج من امرأة أخرى، فكان يقول للبعض منهم: لا مانع من ذلك وتستطيع الإقدام عليه، فلم نشترط عليك عدم فعله، بينما كان ينهى البعض الآخر ويقول له: لا، ليس من مصلحتك الإقدام عليه؛ ولقد تكرّر هذا الأمر كثيرًا، وكان يقول للبعض نعم لا إشكال؛ ولكنَّ البعض منهم ـ وللأسف الشديد ـ كانوا يشيعون بين الناس بأنَّ زواجهم قد تمّ بأمرٍ من المرحوم العلاّمة، وهو خلاف الواقع وممّا لا صحّة له على الإطلاق، وذلك لأنَّ المرحوم العلاّمة كان قد قال لي بنفسه: لم أطلب وحتّى اللحظة من أحد الزواج من امرأة أخرى.
اشتراط عدم الزواج الثاني في العقد غير ملزم شرعًا
هذا على الرغم من أنَّ الفتوى الشرعيّة للمرحوم العلاّمة بخصوص هذا الموضوع كانت على النحو التالي: يستطيع الرجل الزواج من امرأة أخرى حتّى وإن كان قد اشترط لها حين العقد بأنَّه لن يتزوج من غيرها، وذلك لأنَّه يرى بأنَّ هذا الشرط شرط غير مُلزم شرعًا؛ إذ إنَّ لبعض المسائل الفقهيّة جانبًا حكميًّا لا حقيًّا؛ فعلى سبيل المثال، ولاية الأب على الابن هي حكم لا حقّ؛ فليس للأب أن يخوّل هذه الولاية لإنسانٍ آخر غيره؛ ولكنّ هناك بعض الموارد تكون حقًّا للإنسان لا حكمًا عليه، فعلى سبيل المثال التصرّف في مالٍ معيّن هو حقّ، كأن يمتلك أحدهم سيّارة، فمن حقّه استخدامها، وفي نفس الوقت فهو يستطيع تخويل غيره حقّ استخدامها لمدّة سنة، وإلى غير ذلك من الحقوق.
فكان رأيه بشأن الزواج الثاني يتمثّل في أنّه إذا اشترط الرجل للمرأة عدم زواجه من امرأة أخرى وقام بتضمين عقد الزواج هذا الشرط وثبّته سواءً في نفس العقد أو كتبه على ظهر العقد، أو تعهد لها بذلك شفهيًّا أو تحريريًا، فإن مثل هذا الشرط غير مُلزمٍ، وذلك لأنَّ الشارع جعل هذا الأمر على نحو الحكم لا على نحو الحق؛ ومع كلّ هذا فلم يقترح المرحوم العلاّمة على أحدٍ الزواج من امرأة أخرى، بل ترك للرجل أن يختار بنفسه؛ وهكذا ينبغي أن يكون الأمر، فلا بدّ وأن يجري الأمر على هذا المنوال؛ وذلك لأنَّ الموضوع غاية في الحساسية ومن الممكن أن يتشعّب عنه الكثير من الفروع، وقد يؤدِّي إلى إثارة الكثير من المشكلات؛ فلماذا يتدخّل المرء في أمرٍ قد يؤدِّي إلى ابتلائه بما هو في غنىً عنه، فحينما لا يكون قد تدخّل قد تُلصق به ألف تهمة، فكيف إن كان قد تدخّل بالفعل؟!
أذكر كيف أنَّ رجلًا وامرأة كانت بينهما مودّة، وازداد ودّهما حتّى وصل بهما الأمر إلى مراجعة المرحوم العلاّمة يعرضان عليه رغبتهما في الزواج من بعضهما، فقال لهما: إنَّ الأمر متروك إليكما، ثمّ عاودا الكرّة وطلبا منه السماح لهما بالزواج، فقال لهما: لقد كنت قد أخبرتكما بأنَّ الأمر متروك إليكما؛ ثمّ جاءه الرجل للمرّة الثالثة يستشيره، فقال له: لقد قلت لكم مرّتين بأنَّ هذا الأمر متروك إليكما؛ فقرّرا الزواج من بعضهما، وجاءا إلى المرحوم العلاّمة من أجل أن يعقد زواجهما بنفسه، فلم يوافق على ذلك، فقام أخي بإجراء صيغة العقد لهما؛ فما الذي آل إليه الأمر؟ لقد أدَّى إلى حصول كارثة عظيمة عمّت جميع أرجاء البلاد! وحصل كلّ ما هو دون الاقتتال؛ وظهر الجميع على حقيقتهم في هذه القضية، فانكشفت صفاتهم الحقيقيّة وظهر باطنهم إلى العلن؛ كما ظهرت حقيقة أولئك الذين كانوا يقيمون المجالس ويدّعون أنَّهم يقومون بنشر رسالة النبيّ، وظهرت حقيقة أولئك الذين كانوا يدّعون هنا وهناك بأنَّهم على نهج العظماء ومسيرهم؛ كما جرى تبادل التهم والسباب والتهديد والحجر على البعض في البيوت، مما أدّى إلى غضب المرحوم العلاّمة وانفعاله وتأثّره؛ [هذا في الوقت الذي لم يكن فيه قد تدخّل في الأمر] فما الذي كان سيحصل لو أنَّه كان قد تدخّل بالفعل؟ فما كان قد فعله هو أنّه كان قد قال لهم: إنَّ هذا الأمر خاصّ بكما، ولكما أن تتصرّفا فيه وفقًا لما تريان فيه صالحكما؛ وكنت مطلعًا على تفاصيل الموضوع، وحصل ما حصل حتّى قطع المرحوم العلاّمة علاقته بأولئك الناس بصورة كاملة، حتّى أنَّني كنت قد سمعت منه عبارة عجيبة جدًّا بهذا الخصوص إذ سمعته يقول: بعد هذا الذي حصل، ففي كلّ مرّة سأذهب فيها لأداء مراسم الزيارة وأصل فيها إلى قبر فلان من الناس، فلن أقرأ له الفاتحة أبدًا؛ فإلى أيّ حدٍّ وصلت الأمور بحيث يتفوّه سماحته بمثل هذا الكلام!!
لقد قلت لكم آنفًا بأنَّ الأمر لا يمكن للشخص أن يسيطر عليه، فمادامت الكلمة قد خرجت من الفم فقد خرجت، وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: سرّك أسيرك فإذا تكلّمت به صرت أسيره ، فسيأخذ بك ذات اليمين وذات الشمال.
أفهل يوجد في الزواج الثاني أيّ إشكال؟! وهل من يقوم به يكون قد خالف الشريعة؟! وهل ارتكب ذانك الزوجان محرّمًا؟! كلاّ، لم يرتكبا محرّمًا، غير أنَّ الأمر قد يُطرح بصورة ما، قد يطرح بصورة مثيرة للمشاعر والأحاسيس فلا يعود للعقلاء سيطرة، ويخرج الأمر عن سيطرتهم؛ فقد كنت أرى ما كان يُطرح بشأن تلك القضية في ذلك الوقت، وكنت ألمس بأنَّ الأمور قد خرجت عن سيطرة العقل بالشكل الذي لا يستطيع فيه العقلاء من الأخذ بزمامها بعد ذلك.
فبناء على هذا، فكلّ واحد من الناس حرٌّ في اختيار الطريقة التي يريد أن يديم حياته فيها؛ فلم يحصل أن أمر المرحوم العلاّمة أو نهى أحدًا في هذه المسألة، فهل أقوم أنا بذلك؟! كيف يمكنني أن أفعل مثل هذا الشيء وأنا لا أساوي حتّى ظفر أصبعه؟ ما دخلي أنا بذلك؟!
وظيفتي هي بيان القواعد العامّة في أمثال الزواج الثاني ولبس العمامة
نعم ما يمكنني القيام به هو طرح رأي الشارع وما تقوم عليه الحُجّة الشرعيّة وبيان نهج العظماء بهذا الشأن؛ ولا أخاف في ذلك أحدًا، ولا أحابي أحدًا، كما أني لا أراعي مشاعر هذا وذاك في بيان ما أريد بيانه؛ [ومن جهة أخرى] فها أنا أطرح نفس هذا الكلام في وسطنا العائلي أيضًا؛ وقد طرحت سابقًا وجهة نظري الخاصة بتلك القضية بين الأقارب، فأنا لست ممن يلتزم جانب الصمت عندما يتعلّق الأمر بي، بينما أتكلّم حول الموضوع عندما يتعلّق الأمر بالآخرين، فذلك ليس من شأني، والكلّ يعرف ذلك، فهم على علم بطبيعتي المتمثّلة بالصراحة في طرح المواضيع.
فيجب الالتفات إلى هذا الأمر المهم وهو: أني لا أبدي وجهة نظري بشأن هذه المواضيع [في الموارد الشخصيّة]، وكل واحد من الناس يعلم ظروفه المحيطة به، فعليه هو أن يقرّر ما الذي عليه أن يفعله؛ علمًا بأنَّ هذا المبدأ لا يخصّ هذا الموضوع بالذات، بل يعُمّ ويشمل كلّ قضيّة قد يواجهها المرء في حياته من هذا القبيل.
فــ [على سبيل المثال] بعد عدّة أيام سيتعمّم عدد من الأصدقاء من الطلبة إن شاء الله، حيث سوف يتزيّون بزّي رسول الله؛ ومن الطبيعي فإنّ هذا الأمر ليس بالأمر اليسير ـ وهذا ما حصل لي أنا في الماضي فقد كان الأمر مشكلًا عليّ بعض الشيء ـ إذ إنّ الإنسان سيدخل في حالة ووضعيّة جديدة لم يكن قد أنس بها بعدُ؛ فتارة يكون المتعمّم في ضمن عائلة كلّهم معمّمون، فهكذا فرد سيكون الأمر طبيعيًا بالنسبة له؛ ولكن قد لا يكون الأمر كذلك فحينها سيختلف الأمر مع إنسان كهذا.
وسأتحدّث إن شاء الله في مناسبة عيد الغدير القادمة عن هذا الموضوع؛ وليكن معلومًا لديكم بأنَّني لم آمر أحدًا من الأصدقاء بهذا الشأن أبدًا، غير أنَّني أرى من واجبي أن أطرح الأساس الذي يبتني عليه الموضوع، والذي أنصحهم به؛ فقد كان المرحوم العلاّمة يقول: على طالب العلوم الدينية أن يتعمّم عندما يصل إلى مرحلة دراسة "اللمعة"، وها أنا قد أبلغت الرفقاء بذلك، فمن شاء فليعمل به، ومن لم يشأ فلا يعمل، فما دخلي أنا؟! ليس للمسألة علاقة بي أصلًا، فهل أنا وكيل صحيفة أعمال الأصدقاء، أو متكفّل بها؟! فأنا مبتلى بألف مشكلة ومصيبة وعلّة، فهل يمكنني تكفّل أعمال الآخرين وتولّيها والحال هذه؟ كلاّ، لا يمكنني أن أفعل ذلك؛ فهذا المرحوم الوالد في آخر سنة من سنوات عمره قال وبكلّ صراحة: يا أيّها الإخوة، ويا أيها الأصدقاء، عندي من الأحمال ما يكفيني، فلا يمكنني أن أحمل أمتعتكم على ظهري أيضًا. إنَّ هذا لكلام عجيب حقًا، وهو يعني أن لا تتصوّروا بصيرورتكم من تلامذتي اسمًا ـ بالطبع فهناك من هو من تلامذته رسمًا، وهذا يعتمد على تفاوت سعة الأفراد والاهتمام الذي يولونه بهذا الطريق ـ بأنَّ أحمالكم ستُحمل عنكم، ويمكنكم حينئذٍ أن تفعلوا ما يحلو لكم بأيّ نحوٍ وبأية ّكيفية، كلاّ، وإنمّا أنا مكلّف بالإجابة عن أعمالي وما أقضي به عمري، وكانت تلك هي عين عبارته؛ أتلاحظون كم يكون الأمر مهمًّا؛ [فعبارته كانت] "لا يمكنني أن أحمل أمتعة الآخرين على أكتافي، فأمتعتكم بعهدتكم أنتم وأنتم المسؤولون عنها".
فإن كان المرحوم العلاّمة نفسه يقول مثل هذا الكلام، فماذا أستطيع أن أقول أنا؛ فهو مع كونه أستاذًا ووليًّا وله من الشأن ما له يقول هذا الكلام، فكيف بي وأنا لست بأستاذٍ ولا وليٍّ وليست لي أيّة ميزة أخرى أصلًا، ولست سوى طالب للعلوم الدينيّة، وواحد كبقية الناس، ولا دور لي آخر سوى بيان المسائل.
ضرورة التعمّم في هذا الزمان رغم مشقّاته
جاءني أحد الأصدقاء، وقال: أرى بأن هذه المسألة [وهي التلبس بلباس أهل العلم] صعبة عليّ ولا أرى أنّ لدي القابليّة لذلك. فقلت له: وأنا أيضًا ليس عندي القابليّة [لهذا اللباس]؛ فقال بتعجّب: وكيف يمكن أن يحصل ذلك؟! فقلت له: ليس في الأمر عجب، فأنا ليس عندي القابلية لذلك أيضًا؛ فهل أنا مؤهل لأكون تلميذًا لإمام الزمان؟! كلاّ، ليس عندي مثل هذه القابليّة والاستعداد مطلقًا، وأنا لا أمزح بقولي لمثل هذا الكلام، بل أقول الواقع، فمن شاء فليصدّق، ومن لم يشأ فلا يصدّق، فأنا ليست عندي الأهليّة. فقال: يا سيّد في هذا الزمان... فقلت له: وهل تعتقد بأنَّك وحدك من يشعر بذلك؟! ألا أشعر أنا بتلك المضايقات أيضًا؟! بلى فإني أشعر، وذكرت له على سبيل المثال: إنَّني عندما أتشرّف بالذهاب إلى مكّة والمدينة أو بزيارة العتبات المقدّسة، أرتدي الملابس العربيّة [بدون العمامة].
أمّا بالنسبة لمكّة ـ فإن الكثير من العلماء لا يرتدي الزّي الخاص بعلماء الدين في مكّة ـ وذلك تعظيمًا لحرمة بيت الله؛ حتى نفس المرحوم العلامة كان يخلع عمامته في مكّة، لا في المدينة، وكان يتنقّل فيها بملابس عربيّة مثل هذه الملابس التي أرتديها الآن؛ أمّا أنا فقد كنت أخلع العمامة حتّى في المدينة؛ وذلك [لأجل تفادي المضايقات التي يمكن أن أتعرض لها هناك] في هذه الأيام القلائل التي أريد أن أقضيها في هذه الأماكن.
ففي سفري السابق الذي حصل قبل سنتين، كنت أنوي ارتداء العمامة في المدينة، فوضعتها على رأسي ليومين أو ثلاثة أيّام بالفعل، وفي اليوم الثالث وبينما كنت جالسًا قرب مقبرة البقيع، وإذا بأحدهم قد جاء وسلّم عليَّ، فقلت في نفسي: يا للمصيبة ها قد حصل ما كنت أحذر، فانقضى نصف ذلك اليوم مع هذا الرجل، أي ما يقارب الخمس أو الستّ ساعات؛ وفي اليوم التالي، وإذا برجل آخر قد لاح من بعيد، فقال وهو على مسافة خمسين متر منِّي: السلام عليكم، أين تُقيم، فقلت له: أقيم في مكان قريب، فقال: أنا لا أقصد هذا، بل أنا أريد عنوان محلّ الإقامة من أجل أن أزوركم، فمضى من وقتي عدّة ساعات في اليوم التالي وعلى نفس ذلك المنوال؛ فقلت في نفسي: ما دامت هذه العمامة على رأسي، [فسيستمرّ هذا المسلسل] فقرّرت خلع العمامة وارتداء الملابس العربية لكي لا يعرفني أحد، فتمتّعت ونتيجة لذلك بحريّتي في الذهاب والإياب.
وفي سفري ما قبل الأخير الذي ذهبت فيه لزيارة العتبات المقدّسة، كنت أضع العمامة على رأسي ليوم أو يومين، فلاحظت بأنَّ الأمر لا ينبغي أن يستمرّ على هذه الكيفيّة، فعندما كنت أجلس في الحرم، كنت أرى البعض يأتي ليجلس إلى جانبي ـ باعتباري قادمًا من إيران ـ بالشكل الذي كانوا يسبِّبون لي المضايقة إلى الدرجة التي حصل فيها نزاع مع أحدهم عندما كنت جالسًا في حرم أمير المؤمنين يومًا، فقلت له: ألا تستحون وأنتم تضايقوني بجلوسكم الدائم حولي وإحاطتكم بي، وأنا أريد استغلال هذه الأيام القلائل التي أتواجد فيها هنا، حتى أقوم بأعمالي وأنشغل بحالي. ولكن لا فائدة. فقرّرت بعدها عدم لبس العمامة.
فصحيح بأنَّني عندما أكون في منطقة لا يعرفني فيها أحد ولا يلتفت إليّ أحد، أشعر بمزيد من الحرية والراحة؛ غير أنّ هذا لا يبرّر عدم العمل بموجب التكليف المترتب عليَّ؛ فلمّا كان ينبغي على أحدهم أن يضع العمامة على رأسه ولمّا كانت العمامة سنّة رسول الله وكان الإنسان مأمورًا بها، ومكلّفًا بها في هذا الوقت، فلا مبرر للتخلي عن المسؤولية؛ نعم مما لا شك فيه بأن التجوال في الشوارع والوقوف مع أيٍّ كان، والحديث مع كلّ إنسان عند لبس السروال والمعطف، أسهل على الإنسان وأكثر راحة له، ويعطيه مجالًا أوسع للاستمتاع؛ ولكن على الإنسان أن يترك ذلك للآخرين، وعليه أن يلتفت بأنه لابد أن يكون هناك فرق بين الشخصين، ولابدّ أن يكون هناك فرق بين الحالتين.
وفي نهاية المطاف قلت لذلك الرجل: "إن المائدة ممدودة يا عزيزي، فإن أكلت منها، فقد استفدت، وإن لم تفعل، فسيأكل منها غيرك ثمّ ستطوى هذه السفرة، في أمان الله" فلا يوجد أمر ونهي هنا، بل كلّ ما أقوم به هو بيان حقيقة المسائل، وأنا لا أمزح في ذلك؛ أنا لا أنهى ولا آمر وإنما أبيّن المسألة فقط، وهكذا هو الأمر بالنسبة إلى موضوع بحثنا [وهو موضوع الزواج المتعدد والمؤقّت].
الموقف المعتدل ممّا طرح في الجلسة السابقة
كما وتعامل البعض مع الموضوع بشكل منطقي وصحيح وبتعقّل، ومن الواضح أنَّهم قد استوعبوا الموضوع وقبلوه والتفتوا إلى مدى أهمّيته، ويستكشف من طريقة بيانهم للمسألة وحديثهم عنها أنهم استوعبوها بشكل صحيح ومنطقي جدًّا، وأدركوا واقعيّتها، ويستبين من ذلك أنّ أذهانهم قد فهمتها، ونفوسهم قد قبلتها؛ فهنيئًا لأولئك الذين يتعاملون مع الأمور بواقعيّة وبشكل صحيح، ولا يتجاوزون تلك الحدود التي رسمها الله، ويعملون وفقًا لمرضاته.
فعلى كلّ واحد منّا أن يلاحظ وضعه الشخصي وحالته، وأن يعرف كيف يتعامل مع هذه المسألة، ويدرس جوانبها المختلفة، وما هي المصالح والمفاسد المترتّبة على هذا العمل؛ وقد قلت في ذلك الوقت الذي حصلت فيه تلك القضية في حياة المرحوم العلاّمة: لو كنت مكان ذلك الرجل، وكنت أعلم بملابسات الموضوع، لما أقدمت على ما أقدم عليه؛ ولقد انتهت تلك القضية بالطلاق بالطبع؛ فالإنسان إنما يريد العيش في هذه الدنيا لكي تكون حياته مقدّمة لبلوغ الكمال، لا لتكون كلها مشاكل ومتاعب وخصام، فهكذا حياة ليست حياة؛ وخلاصة الأمر، على الإنسان العاقل أن يدرس كل الجوانب المحيطة بالموضوع ويقيّم نتائجه لكي يستطيع اختيار المسار الصحيح.
لقد قال لي المرحوم العلاّمة ـ وقد ذكرت هذا سابقًا ـ : "يا فلان، مهما استطعت التقليل من مشاغلك الأخرى، فإن ذلك أصلح لك" حتّى أنَّه كان قد قال لي ـ لقد ذكرت هذا الأمر في أماكن أخرى، ولا بأس من أن أقوم بتكراره هنا ـ: "زوجة واحدة كثيرة عليك، نصف زوجة تكفيك" هل التفتم؟! فهذا الكلام يعني أنّ طبيعة مشاغلي وأعمالي وما عليّ أن أوليه لنفسي من الاهتمام هو إلى هذا الحدّ؛ وهذا الكلام يخصّني أنا بالذات، ولعل ظروف الآخرين تختلف عن ظروفي؛ ولكن هكذا كانت وصيّة المرحوم العلاّمة لي ـ فها أنا أذكر كلا جانبي الموضوع؛ فلا بدّ من بيان كلّ ما يتعلّق بالموضوع من مسائل ـ وأنا ألمس هذا الأمر بنفسي، فطبيعة أعمالي، وخصائصي النفسيّة لا تسمح لي بإشغال فكري بأكثر مما هو مشغول به؛ هذا هو واقع الأمر، فهل أنا مقصّر في ذلك؟ كلاّ، لست مقصّرًا، لأنّ الله جعل وضعي بهذه الكيفيّة، ولعلّ هناك إنسانًا آخر يختلف حاله عن حالي.
ظروف تعدّد الزوجات لدى السيّد القاضي لا يقاس عليها
لقد قال المرحوم العلاّمة لأحدهم يومًا، وكانت عنده المؤهلات اللازمة ليقول له هذا الكلام، وقد كان رجلًا موفّقًا في خصوص هذه المسألة : "إنّ المرحوم القاضي هو من كان يمتلك مثل هذه السعة التي كانت تؤهّله للزواج من امرأتين أو الثلاث" طبعًا لا بدّ لنا أن نعرف بأنَّ هناك أسبابًا لها دخل بحالات السيّد القاضي دفعته إلى تعدّد الزوجات، فلا يُتصوّر بأنَّ إحداهنَّ كانت ملكة جمال والأخرى حسناء من المكان الفلاني، كلاّ، لم يكن الأمر كذلك، ولا أستطيع بيان الأمر هنا بأكثر مما بيّنته، غير أنَّه يتوجّب على أولئك الذين يتمسّكون بموضوع تعدّد زوجات المرحوم القاضي ويستشهدون به على مرامهم أن يعلموا بأنَّهم لو كانوا مكانه، ما كانوا سيتزوّجون من تلك النسوة؛ فعلينا ألاّ نتّخذ من تصرّفات العظماء مبرّرًا لما نقوم به من ألاعيب؛ وعلينا ألاّ نخلط بين ما كان يقوم به العرفاء وأولياء الله ـ الذين يعيشون في عوالم الإخلاص والصفاء البعيدة عن الرغبات والأهواء النفسيّة، والذين كانوا يقومون بأعمالهم وفقًا لما يتمتّعون به من نورانيّة وصفاء باطن ـ وبين ما نقوم به نحن من عمل مشوب بالأهواء والنزوات النفسانيّة، ونقوم من الحطّ من مكانة أولئك العظماء فنجعلهم مثلنا وفي مستوانا؛ فليس من الصواب فعل ذلك، بل إنّ ذلك يعتبر خيانة لمدرسة العظماء ونهجهم، كما أنه وسيلة لتبرير أعمالنا الناشئة من رغباتنا وأهوائنا النفسيّة؛ نعم، هكذا كان المرحوم القاضي [أعماله ناشئة من النورانيّة وصفاء الباطن، لا من الرغبات النفسيّة والأهواء]؛ ومع ذلك فإنّنا نرى المرحوم العلاّمة يقول لذلك الرجل: "لقد كان المرحوم القاضي عنده مثل تلك السعة التي مكّنته من الزواج من نساء متعدّدات" [إن كنتم تريدون الاحتجاج بفعل الأولياء] فإنّ المرحوم الوالد لم يقم بهذا العمل، فلماذا لم يقدم عليه؟ إنَّه لم يكن يريد ذلك، إنّ الوضع الذي كان عليه الوالد ومكانته يختلف عن وضع ومكانة المرحوم القاضي.
ضرورة دراسة كافّة جوانب الزواج الثاني وإمكان أن يختلف حكمه حسب الظروف
لا يمكن الإقدام على مثل هذا العمل هكذا ومن دون الالتفات إلى الجهات الأخرى، ولا يمكن الإقدام على الزواج من دون توجّه إلى تبعات المسألة ونقول: ليكن ما يكن بحجّة أنّ الشارع قد أحلّه؛ بل يجب على الإنسان أن يدرس ويتفحّص كافّة جوانب الموضوع؛ فقد يصبح هذا الزواج واجبًا في بعض الظروف لهذه الدرجة! وقد يصبح مستحبًّا في ظروف أخرى، وفي ظروف أخرى قد يصبح مكروهًا، أو حتّى قد يصبح محرّمًا في غيرها من الظروف؛ ففي تلك الحالة التي قد يتسبّب فيها مثل هذا الزواج بخطرٍ جدّي، فسيكون هذا الزواج محرّمًا؛ فلا يمكن النظر إلى جميع المسائل المحيطة بالموضوع بمنظار واحدٍ؛ فلماذا لم يُقدم والدي على مثل هذا الأمر؟ إنَّه لم يُقدِم عليه لأنَّ ظروفه وما له من خصوصيّات لم تكن لتسمح له به، خصوصًا علاقاته ومشاغله، فلم تكن تلك الأمور مجتمعة لتسمح له بمثل هذا الزواج؛ فيجب رعاية هذه الأمور مجتمعة ويجب دراستها بدقّة لكي يتمكّن المرء من الوصول إلى تقييم صحيح للموضوع.
التحذير من تحريف كلام الأولياء لما يناسب المصالح الشخصيّة
لقد كان يحدث في عهد المرحوم العلامة بالنسبة إلى هذا الموضوع، نظير ما يحدث الآن، فقد كان البعض يقوم بتحريف كلامه حتّى بالنسبة إلى هذا الموضوع، فقد كانوا ينقلون كلامه إلى الآخرين بشكل مغاير، ويبيّنون كلامه بنحو خاص، وكانوا يجرون تحويرات في كلامه بما يتلاءم مع مصالحهم؛ كما كان البعض ينقل فهمه الخاص لكلام المرحوم العلاّمة على أنَّه نفس ما قاله العلامة، ومن الطبيعي فإنَّ هذا النوع من التصرّف ليس بصحيح. على الإنسان ألاّ يخدع نفسه في علاقته مع ربّه فمتى ما علم شيئًا، فعليه ألاّ يحاول أن يتهرّب منه ليجد طريقًا آخر ذات اليمين وذات الشمال؛ فمادام الإنسان يريد أن يحاول الهرب فلماذا يجهد نفسه [في البحث عن الحق]؟! علينا أن نمتنع عن هذا.. فلماذا ترانا من جهة نسعى لفهم ما يُطرح هنا من قضايا، ومن جهة أخرى، ترانا نحاول أن نأخذ طريقًا يوافق أهواءنا ونسير في طريق يختلف عن الطريق المرسوم لنا! لماذا نفعل ذلك؟! يجب علينا بيان الأمور على حقيقتها وواقعيّتها، فلماذا نريد أن نخدع أنفسنا؟ ومن أجل مَنْ، ولأيّ غرض نفعل ذلك؟!
الموقف من إقامة حفل الزفاف في صالات الأعراس
لم يكن المرحوم العلاّمة يشارك في المناسبات التي كانت تعقد في قاعات الاحتفالات، بل وكان ينهى الآخرين عن المشاركة فيها؛ ومن الجدير بالذكر فإنَّني كنت قد تكلّمت معه حول هذا الموضوع، وعرفت السبب الذي يدعوه لاتّخاذ مثل هذا الموقف المتشدّد والحازم بشأنه؛ فإنّ هذه الأماكن يُحضرون فيها كلّ شيء، وهي محلّ تردّد أصناف مختلفة من الناس، وهل تعتبر أماكن مأمونة أم لا؟ لهذا السبب نراه قد سدّ هذا الباب بشكل كامل؛ وبعد ارتحال المرحوم العلاّمة، فأنا لا أمتلك ذلك المقام الذي يمكنني من تعيين التكليف والمسير للآخرين؛ فعندما كنت أُسأل عن هذا الموضوع، كنت أقول: إن قاعة الاجتماعات بحدّ ذاتها لا تتعدّى كونها مكانًا، ولا إشكال فيها؛ غير أنَّ ما يرافق هذه المجالس من أمور هو الذي يُثير التساؤلات حولها؛ وإلاّ فهي لا تتعدّى كونها مكانًا يُعقد فيه حفل الزفاف، شأنها في ذلك شأن الحسينيّة على سبيل المثال، فهي مبنى تم تشييده بالطابوق والإسمنت والحديد؛ فالأمر الذي يثير التساؤل حولها هو الأمور الجانبيّة التي تحصل فيها: فهل هي مكان مأمون أم لا؟ وماهي موقعيّتها وخصوصيّاتها فهذا هو الذي يبعث على التساؤل.
فأنا شخصيًّا عندما أدعى إلى المشاركة في حفل يُقام في مثل هذه القاعات، فإني أذهب وأشارك فيه؛ ولكن غاية الأمر وبما أنّي لا أستسيغ الجلوس في مثل هذه الأماكن، فإنّي لا أطيل الجلوس فيها، بل أمكث فيها للحظات ثمّ أغادرها؛ أمّا فيما يتعلّق بذهاب النساء إلى هذه القاعات، فأنا لا أثق ولا أطمئن بتلك الأماكن، وهذه هي وجهة نظري الشخصيّة؛ ولعل البعض يأتي هنا ليقول: إنَّ عدم وثوقك بهذه الأماكن ليس صحيحًا، فيوجد من هذه الصالات ما هو آمن وموثوق به مائة بالمائة، بل ونطمئن إليها أكثر مما نطمئن إلى بيوتنا؛ فأقول هنا: حسنًا، فما أطرحه هنا هو طرح عمومي للموضوع، أمّا ما يتعلّق بتشخيص الوثوق بها أو عدم الوثوق، فهو متروك للآخرين أنفسهم؛ فما أقوله هو: لا يجوز للمرأة الذهاب إلى تلك الأماكن غير الموثوق بها، وإلاّ فإن كانت موثوقة، فلا مانع من الذهاب إليها؛ ولما كنت لا أثق بتلك الأماكن شخصيًّا، لذا فأنا لا أصطحب عائلتي معي عند الذهاب إلى المناسبات التي تُقام في صالات الاحتفالات تلك.
سيعقد هذه الليلة حفل زفاف لأحد أقارب زوجتي القريبين منها في إحدى صالات الاحتفالات، ولن تشترك زوجتي في هذا الحفل، بل سأذهب إلى هناك لمدّة خمسة دقائق بمفردي ثمّ أعود، وهي تعلم ذلك، وكانت قد أخبرت عائلتها بذلك؛ على أنَّ هناك أمرًا آخرًا عليَّ أن أخبر الآخرين به وهو ما يتعلّق بتلك الكدورة الروحيّة المهيمنة على تلك الأجواء، فتلك الصالات كدرة وظلمانيّة؛ فهذه هي خاصّية أخرى من خصائص تلك الصالات، وهي غير تلك المتعلّقة بالثقة والاطمئنان؛ فالذين يتردّدون على تلك الأماكن ليسوا كلّهم صالحين، فلا شكّ بأنَّ نفوسهم ستترك لها أثرًا سيّئًا على المكان؛ كما أنَّ الحديث الذي يجري هناك، وكيفيّة التعامل مع القضايا ستترك آثارًا سيئة [على من يشارك في تلك الاحتفالات].
شاركت الصيف الماضي في إحدى تلك الاحتفالات، فما إن دخلت ذلك المكان، حتّى استولت الظلمة على وجودي، وشملتني الكدورة بالشكل الذي شعرت فيه بالميل إلى التقيّؤ، فقلت لمن كان هناك: عجّلوا بجلب العشاء، فأنا لا أستطيع المكث في هذا المكان كثيرًا؛ لماذا حصل ذلك؟ يعلم الله ما الذي يجري في ذلك المكان، فأنا لا أدري ما الذي يجري فيه.
كيف ينبغي أن يكون حفل الزواج؟
حفل الزواج الذي ينبغي أن يكون لله، وتُجرى من خلاله سنّة رسول الله، وترافقه الصلاة والتسليم على النبي، تراه يتبدّل في مثل هذه الأماكن، فتصبح الغاية منه مجرّد جلب رضا عائلة الزوج والزوجة ومجاملة هذا وذاك، وتفاخر وتباهي هذه على تلك، فتسأل إحداهنّ الأخرى أين خِطتي ثوبك [ومن أمثال هذه الأمور]. فيتبدّل هذا الحفل إلى مجرد أعمال ظاهريّة خالية من الروح ومجازية، وهذه الأعمال تجعل روح سنّة النبي وتلك النورانيّة المصاحبة لسنّة النبيّ تغادر المكان بالكليّة، وتجعل ذلك الزواج يبدأ طريقه مصحوبًا بالظلمة لا بالنور، وبالكدورة لا بالروحانيّة؛ لماذا يحصل كلّ ذلك؟ يحصل ذلك لأنَّ العائلة الفلانيّة تكره [أن يتمّ الزواج في غير هذه الأماكن]، فليكرهوا إن كرهوا ذلك، أو لأنَّ العائلة الكذائية تستسيغ أن يجري الحفل بهذا الشكل! أيّ استساغة أو كراهة تلك؟! ستؤدِّي بكم تلك الاستساغة أو الكراهة في يوم القيامة إلى دخول جهنّم! فتفضّلوا وادخلوا جهنّم نتيجة لمجاملتكم لهذا وذاك؛ فكما تفضّلت وقمت بهذا العمل في الدنيا، فعليك أن تتفضّل [وتقوم بالدخول إلى جهنّم في ذلك اليوم!]
قد دعيتُ لحضور أحد المجالس، وعندما ذهبت، وجدت نفسي غير قادر على الدخول إلى ذلك المكان، فما الذي أفعله إن كنت لا أستطيع الدخول! لذا جلست على جانب الطريق وقلت لهم: اجلبوا لي برتقالة أو ما شابه ذلك لكي آكلها وانصرف؛ فأكلت ما جلبوا لي وأنا في الشارع؛ ولقد كانوا يلحّون عليّ بالدخول، فكنت أقول لهم: لا أستطيع الدخول؛ فما الذي يفعله المرء إن كان لا يستطيع الدخول!! ولعلّ هذا هو الذي كان يدفع المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه إلى الامتناع عن الذهاب إلى صالات الاحتفالات؛ بينما ترى البعض يقول: ها قد ذهبت إلى نفس المكان ولم أشعر بحصول مثل هذه الكدورة التي يتم التحدّث عنها؛ [ويجب أن يقال لهذا الرجل:] فلعلّك لا تشعر بالكثير من الأمور، فلا يقتصر عدم شعورك بالكدورة على هذا الأمر فقط.
لقد رأيت بنفسي في إحدى المناسبات كيف كان باب دخول القاعة التي تجلس فيها النساء مفتوحًا، بحيث كان المارّة من الرجال يستطيعون رؤية جميع النساء المتواجدات في تلك القاعة حتى آخرهم، فبادر أحد الأصدقاء إلى إغلاق ذلك الباب على الفور، وقام بتنبيه المشرفين على إدارة المكان ليغيّروا مكان دخول النساء بحيث يكون من باب آخر؛ فهكذا هو وضع صالات الاحتفالات، وكانوا قد قالوا بأنَّه مكان مناسب وموثوق به وكانوا يكيلون له المديح، في الوقت الذي رأيت منه ما رأيت بنفسي. فيجب علينا ألاّ نتجاوز ما أُمرنا به.
نعم، قد يقول البعض بأنَّه لا يستطيع إقامة المراسم في بيته، وأنا أقول: إنَّ هذا الأمر لا يعنيني بشيء؛ وقد يقول البعض: إنَّ منزلنا صغير ولا يسع عدد المدعوّين، وأنا أقول: نعم صحيح ما تقول، وما تقوله هو أمر واقعي، فلا يمتلك جميع الناس تلك المنازل التي تبلغ مساحتها الألف متر مربع، ولا يمتلك الجميع كافة الإمكانيّات اللازمة لاستقبال الضيوف، وصحيح أنَّ لكل واحد من الناس عدد من الأقارب والأصدقاء، فجميع هذا الكلام صحيح؛ ولكن عليك أن تنظر إلى الجانب الآخر للموضوع أيضًا، فعلى كلّ واحد أن يبحث عن المكان المناسب، وعليه أن يختار الطريق الأنسب والأحسن.
فأنا هنا ـ كما في المسألة السابقة ـ لا أريد أن آمر وأنهى، ولكن ما أريد أن أقوله ـ إذ أنّي سئلت عن هذه المسألة ـ هو: إن كان أحدهم يمتلك بيتًا واسعًا، فلماذا لا يُقيم تلك المراسم في بيته؟ أو لماذا لا يستخدم بيت أحد أصدقائه لهذا الغرض؟ نعم، ستكون هناك بعض العقبات، من جمع الأثاث وما شابه ذلك، بخلاف ما إذا كان في القاعات حيث يأتي المدعو ويجلس قليلًا ثمّ يغادر، فكلّ هذا صحيح؛ ولكن علينا أن نعلم بأنَّ السير في طريق الله يحتاج إلى شيء من الاهتمام؛ فإن كان الإنسان يريد أن تسير جميع أموره في الدنيا بيسر، فسيواجه العقبات في تلك الدار [الآخرة]بنفس المقدار الذي تساهل به في الدنيا. فإن لم يستطع أحدهم إقامة تلك المراسم في بيته، فعلى أقلّ تقدير عليه أن يبحث عن المكان الأنسب لهذا الغرض.
هذا ما يمكن لي طرحه حول هذا الموضوع، ولا يمكنني أن أقوم بإجراء تبديل أو تغيير في ما وصل إلى يديّ عن العظماء، ولا يمكنني أن أزيد أو أنقص منه؛ أمَّا أيّ طريق يريد الآخرون سلوكه، فهذا عائد إليهم؛ فقد طرح العظماء المواضيع وبيّنوها، فلا يفترض بي التدخّل في مثل هذه القضايا.
طريقة المرحوم العلامة عدم التمييز بين الأقارب وغيرهم في بيان الأحكام (طاعة الزوجة لزوجها نموذجًا)
لقد كان المرحوم العلاّمة يتعامل مع جميع الناس بنحو واحد، ولم يكن يراعي مصلحته الشخصية في تعاملاته؛ فعندما كان يقول: على المرأة أن تتبع زوجها، فإنَّ كلامه هذا كان موجّهًا إلى الجميع وبدون استثناء، فحتى أفراد عائلته كانوا مشمولين بهذا الكلام. لقد كان هناك من يعمل على [تحوير] كلامه حتّى في حياته، فلقد سمعت بأنَّ إحدى النساء في طهران كانت تقول: "ليس من الضرورة إطاعة الزوجة للزوج في جميع ما يقول" [يا أيّتها السيّدة] إن كنت على خلاف مع زوجك، فلماذا تأتين هنا لتقومي بتزوير كلام السيِّد العلاّمة؟ وهذا الكلام لا يختص بالمرحوم العلامة، بل وصلنا عن الأئمة وأولياء الدين عليهم السلام فلماذا تعملين على تبديل الحقائق التي أتتنا عنهم، بل لا بدّ من بيان الأمور على حقيقتها، فهل تتصوّرين بأنَّ أمر الدين يقتصر على أداء الصلاة والإتيان بصلاة الليل والأذكار فقط؟! كلاّ، ليس الأمر كذلك؛ بل الدين والسلوك هو سلوك الطريق الذي رسمه الله لعباده، وإلاّ فلا فائدة من سلوك أيّ طريقٍ غيره.
ذهبت بمعية المرحوم العلاّمة إلى منزل إحدى النساء من أقاربه والتي كانت من محارمه في مدينة مشهد يومًا، وكان زوجها قد قدِم إلى مدينة مشهد من أجل دراسة العلوم الدينية، واستأجر شقّة للسكن فيها، وكانت الشقّة جيدة وواسعة نسبيًا ـ وهو لا يزال في مدينة مشهد إلى الآن ـ فبعد أن جلسنا قالت تلك السيِّدة: زارنا بعض أقاربنا، وعندما رأى منزلنا قال لزوجي: "سوف لن أضع قدمي في هذا المكان ما لم تشترِ لك منزلا" وكانت تلك السيِّدة تقول هذا الكلام للعلامة بحضور زوجها؛ فامتعض المرحوم العلاّمة من هذا الكلام كثيرًا وقال لها: لو كنت مكانك لقلت لهم: "لم يأتِ زوجي إلى مشهد من أجل الطابوق والحديد، بل جاء هنا من أجل طلب العلوم الإلهية، ومن أجل متابعة مسير رسول الله وتعلّم علوم الأئمة، لا من أجل الحديد والطابوق" نعم لقد كان تعامل المرحوم العلاّمة واحدًا مع الجميع، فلم يكن تعامله بالشكل الذي يبيّن فيه أمرًا بشكل معين عندما يكون ذلك الأمر يخصّ أقربائه، ويبيّنه بشكل آخر عندما يختصّ الأمر بالآخرين.
موقع كلّ من العبادة والمراقبة في السير والسلوك (عدم تدخّل الأهل في شؤون الزوجين نموذجاً)
لا أدري هل ذكرتُ لكم هذا الأمر، أم أنَّني ذكرته في مكانٍ آخر؛ فالكثير من الناس يعتقدون بأنَّ الأمر ينتهي عند حدّ إقامة المجالس وقراءة الأدعية؛ كلاّ، فالمسألة ليست كذلك، إذ إنَّ جميع تلك الأعمال التي يؤدِّيها المرء بما فيها من صلاة ودعاء وأذكار وما شابه ذلك لا تشكّل سوى نسبة بسيطة من مستلزمات السير في هذا الطريق، بينما تشكّل المراقبة أكثر من تسعين في المائة من ذلك؛ وإنما سيكون تشكيل مجالس العزاء والذهاب إلى زيارة الإمام الحسين مفيدًا في تلك الحالة التي تتوافق فيها أعمالنا مع نهج الإمام الحسين ولا غير؛ أمّا أن نمضي عمرنا في الذهاب المتكرّر للزيارة وإقامة المجالس وبدون مراعاة أمر المراقبة، فلن نصل إلى شيء؛ فإن كنَّا نسرّ أنفسنا بحضورنا واستماعنا إلى عدد من محاضرات السيِّد، وبكوننا من السالكين، إلا أننا لا نعمل بما يُقال لنا، فلن نحصل على شيء...
لقد جرى في هذا المكان قبل مدّة عقد زواج، فقيل لي: إن كان عندكم أمر ترون من المناسب أن تطرحوه علينا في هذه المناسبة... فقلت لهم حينها: لا ينبغي أن يكون الهدف من الحديث هو مجرد تسجيله على شريط والاحتفاظ به لغرض التبرّك بكلام السيِّد، بل المهم هنا هو: هل ستعملون بهذا الكلام المسجّل أم لا؟ ثم قلت لهم بعد ذلك: كنت عائدًا من سفرٍ مرّة، وكنت متعبًا، وكانت هناك مناسبة عقدٍ، فطلبوا منِّي التحدّث قليلًا وتقديم نصيحة تكون نصب العين دائمًا، وذلك بحضور الزوج والزوجة وعائلتيهما، فقلت لهم: حسنًا، فسأستجيب لهذا اللطف الذي تظهرونه لي؛ فمع ما بي من تعب، إلا أنني تكلّمت لمدّة ثلاثة أرباع الساعة؛ ولكنّهم ـ ويشهد الله على ما أقول ـ لم يعملوا بموجب كلمة واحدة من ذلك الحديث الذي استمرّ لثلاثة أرباع الساعة، بل عملوا بعكسه تمامًا؛ فما هي الفائدة من هذا الحديث؟! هل الفائدة هي مجرّد قولكم: لقد تكلّم السيِّد في المجلس وتحدّث عن عدّة روايات، وتكّلم في مواضيع مختلفة، وكان المجلس مجلسًا جيدًا وحيويًّا ولله الحمد؟! أفهذا هو كلّ ما في الأمر؟! ألم تستمعوا إلى ما قلته في ذلك التسجيل: لا تتدخّلوا بشؤون الزوج والزوجة؟ هل سمعتم ذلك أم لم تكونوا قد سمعتموه؟! ألم تستمعوا إلى ما قلته: عليكم أن تقوموا بفعل كلّ ما من شأنه بثّ روح المحبة بين الزوجين، لا طرح تلك الأمور التي توجب التفرقة بينهما؟! هل قلت ذلك، أم لم أقله؟! ألم تسمعوني عندما قلت في ذلك التسجيل: "يجب أن تكون نصائحكم بنحو يجعل حبّ الزوجة لأهل زوجها أشد، وأنسها بهم أكثر، واحترامها لهم أكبر، وتعاملها معهم بأدب أكثر، وتجعلها تقترب منهم وتتّحد معهم أكثر، وكذلك التعامل بنحو يجعل الزوج يشعر بأنَّه ليس بغريب عن عائلة الزوجة، بل يشعر بالوحدة معهم" فهل كنت قد تكلّمت مع الأبواب والجدران حينما تكلّمت بذلك، أم أنَّني كنت أتكلّم معكم أنتم؟! فهل عملتم بموجب ما قلته لكم، أم أنَّكم اكتفيتم بمجرّد أن يأتي السيِّد ليتحدّث قليلًا في مجلس العقد؟ كلاّ، لا ينبغي أن يكون الأمر بهذا الشكل؛ فإن عملتم بموجب ما يُقال لكم، فستكونون قد وضعتم أقدامكم حيث وضع العظماء أقدامهم، وإلاّ، فلن يكون هناك فرق بينكم وبين غيركم؛ فلقد قلت لكم سابقًا بأنَّ المرحوم العلاّمة كان يقول مرارًا وتكرارًا: ليس بين الله وبين أحدكم قرابة.
قصّتا امرأتين تبيّنان معنى السلوك الواقعي
نقل لي أحدهم قبل فترة قضية، فرأيت أن أنقلها إلى الأصدقاء والرفقاء؛ لكي يتّضح لنا معنى السلوك، ومن هو السالك الواقعي: كانت إحدى السيدات ـ والتي أعرفها شخصيًّا ـ تعيش مدة مع زوجها قبل أن يتوفّى؛ [وكان هناك عدد من نقاط التباين بينها وبين زوجها] فأول هذه الاختلافات كان عبارة عن الاختلاف العقائدي بينهما، فلقد كانت المرأة مؤمنة بمبادئ الدين الإسلامي وملتزمة بها، ولم يكن زوجها المرحوم كذلك، وإن كان رجلًا جيدًا، إلا أنّ إيمانه لم يكن بمستوى إيمانها، فهذا هو الاختلاف الأساسي الأول. أمّا الاختلاف الثاني، فهو الاختلاف في ثقافة عائلتي الزوجين، فعائلة المرأة تقول بقيادة المرأة للأسرة، بينما تقول عائلة الرجل بقيادة الرجل للأسرة بذلك النحو الخاطئ لقيادة الرجل؛ فمن الطبيعي لنا أن نتصوّر ما هي الصدمات التي قد تواجهها هكذا امرأة عندما تنتقل إلى العيش مع عائلة الزوج وهي قد نشأت في مثل هكذا عائلة، وهذا هو الاختلاف الأساسيّ الثاني الموجود بينهما؛ على الرغم من ذلك، كيف عاشت تلك الزوجة خلال هذه المدّة مع هذا الرجل؟
يقول [ناقل الحكاية] إنَّ المرأة وطوال حياتها مع زوجها لم يحصل أن مدّت رجليها أمام زوجها في يوم من الأيام أبدًا. ولم تقل له عندما تتكلّم معه: أنت۱، ولو لمرّة واحدة، علمًا أنها من الناحية الاجتماعية كانت تعيش حياة مرفّهة جدًّا. كما أنَّها لم تطلب من زوجها طيلة حياتها الزوجيّة شيئًا مما لا يرغب بالإتيان به، فلم تتفوّه بشيء من هذا القبيل أبدًا؛ هل يمكن تصديق مثل هذا الشيء؟! ويقول بأنَّها تقوم بصبغ حذائه في كلّ مرّة يخرج فيها من البيت، فإن اتفق وخرج من البيت مرّتين يوميًّا، فهي تصبغ الحذاء في كلتا المرّتين. وكلّما دخل زوجها البيت، فهي تقوم بخلع لباسه عنه والترحيب به، وتقوم بتقديم العصير أو ما شابه ذلك له بما يتناسب مع حاله عند عودته من العمل أو الدائرة متعبًا. ولم تقل له طيلة حياتهما الزوجيّة ولو لمرّة واحدة: اشترِ لي هذا. ولم تعاتبه على عدم قيامه بأمرٍ ما. والأغرب من كلّ هذا أنَّها كانت تقول: يحصل أن تتمّ دعوتنا من قبل بعض أقرب أقاربي لحضور حفلٍ، كحفل زفافٍ أو عقد أو دعوة إلى وليمة، فكنَّا نتهيّأ لذلك، وعند خروجنا من البيت، كان زوجي يبدّل رأيه وينصرف عن الذهاب، فلم يحصل أن قلت له مرّة: لماذا؟! بل كنت أقول في نفسي: ما دام زوجي غير راغب في الذهاب، فلن نذهب؛ هذا إضافة إلى أمور أخرى.
فالتفتُّ إلى ناقل الحكاية وقلت له: إن كان هناك من سالك، فهو هذه المرأة، مع أنَّها كانت لا تؤدِّي غير الصلاة [الواجبة]، لماذا؟ لأنّها هي من تقوم بما أمر الله به؛ فلنصلّ نحن الليل كلّه وإلى الصباح...!! هل يمكن تصديق وجود مثل هذا الشيء؟ عندما سمعت هذه الحكاية قلت لناقلها: إنَّني لأتعجبّ كثيرًا ممّا أسمع! فهل يمكن أن يحصل مثل هذا الشيء؟!.
إن قالت زوجة لزوجها: لماذا لم تقم بذلك العمل؟ وأدّى ذلك إلى إحراج زوجها، ولم يكن يرغب بالقيام بما طلبته منه، فلتعلم تلك المرأة بأنَّ جميع أعمالها قد حبطت ، فهو إن شاء أن يقوم بها فليقم بها وإلا فلا يقوم بها.. بالطبع فلا بدّ من تبادل النصائح والتذكير ببعض الأمور بين الزوجين ولكن ينبغي أن يكون ذلك برفق.. لا أن الزوجة ـ عندما تحسّ بأن الزوج لن يقوم بما طلبته ـ تقوم بالضغط المستمرّ عليه حتّى تجعله يشعر بالضيق والأذى، يشعر بالأذى بحيث يشعر بشيء من الثقل تجاه زوجته؛ فهكذا تصرّف هو تصرّف خاطئ.
[فهذه الحكاية هي مصداق] لما كان يقوله السيِّد الحداد: "إنَّ بعض الناس سلاك [حقيقة] وإن لم يكونوا سلاكًا [اصطلاحًا]" فلقد كان يقصد بذلك الكلام مثل هذه الحالة؛ فمثل هذا الإنسان ليس بسالك بحسب ظاهر الأمر، فهو لا يعرف معنى السلوك، غير أنَّه يعتبر سالكًا في واقع الأمر، فها هي نفسه في حال تبدّل، وها هي في حالة اقتراب من مبدئها؛ ما هو معنى السلوك؟! فهل السلوك هو أداء الصلاة، وقراءة الأدعية فقط؟! إن مجرّد حضور مجالس عزاء الإمام الحسين، والبكاء على مصيبة قتل سيِّد الشهداء، أقلّ ما يجب على المرء أن يستفيده من حضوره لتلك المجالس، وهناك فرق شاسع بين الحضور لمجرّد البكاء على سيّد الشهداء، والحضور لأجل معرفة من هو الإمام الحسين، ولأجل أن يقترب الإنسان من الإمام الحسين من الناحية المعنويّة، ولأجل السير على نفس الطريق الذي سار عليه الإمام، ولأجل أن يحقّق في نفسه تلك المباني التي كان الإمام يهدف إليها؛ لا مجرّد الاكتفاء بقراءة العزاء والبكاء عليه فقط؛ فكم من أولئك الذين كانوا يقيمون مثل تلك المجالس، ومجالس أعمال أم داود وتهيئة موائد الطعام وموائد النذور وما شابه ذلك، والذين كانوا في نفس الوقت يتعاملون مع من هم مكلّفون به بشكل آخر، فمثل هذه المجالس لم تنفعهم ولن تنفعهم بشيء.
يحكي المرحوم العلاّمة أنَّه رأى إحدى قريباته القريبين منه في المنام بوضع مزرٍ للغاية ويدعو للشفقة، وقد رآها تمدّ إليه يدها مستجدية، وتتمنّى أن يعطيها شيئًا؛ لكنّه لم يكن لديه شيء ليعطيها ـ وهذا بالطبع ما اختارته هي لنفسها، هذا ما اختارته عندما كانت في الدنيا ـ فمدّ المرحوم العلاّمة يده في جيبه عسى أن يجد ما يعطيها، فلم يجد سوى حبّة حمّص؛ يقول المرحوم العلاّمة: فأعطيتها تلك الحمّصة، فنظرتْ إليها وقالت: أهذا كلّ ما تعطيني؟ فقلت لها: ليس لديّ شيء آخر؛ [علينا أن نعرف هنا] من كانت تلك المرأة؟ إنَّها تلك المرأة التي كانت تُقيم مجالس العزاء وكانت لها لقاءات مع هذا وذاك، وكانت تقيم مجالس قراءة دعاء أم داود، وتقيم المآدب الغذائيّة وموائد النذور؛ ولكن كيف كانت سيرتها؟ لقد كانت تعمل على هدم الأسر، وإيجاد الفرقة بين الناس؛ ولقد كان المرحوم العلاّمة قد نهرها لعدّة مرات ووبّخها وهدّدها قائلًا: ستكون أعمالك تلك وبالًا عليك، غير أنَّها لم تكن لتسمع الكلام؛ لقد كانت تقرأ دعاء أمّ داود! فهل نفعها دعاء أم داود بشيء؛ فبدلًا من إقامة المجالس وقراءة الأدعية، كان عليك أن تعرفي ما الذي يريده الله منك.
وذهبت يومًا إلى منزلهم، فطلب منها زوجها إطفاء أحد المصابيح، فردّت عليه وبحضوري ـ فيا ليت ذلك كان قد حصل في غيابي ـ قم أنت وأطفئه بنفسك! فشعرت وكأنَّ السماء قد وقعت على رأسي، فنظر زوجها إليّ ـ ولقد كان زوجها رجلًا بدينًا وضعيف القوى ـ فنهضتُ من مكاني وقمتُ بإطفاء مصباح فناء البيت. بعملك هذا وكلامك الذي قلتِه لزوجِك قد أحبطتِ جميع عباداتك التي أتيتِ بها طوال عمرك! نعم، جميعها قد حبط. هذا هو الطريق، ولا يمكن التخطّي عنه بأيّ شكل من الأشكال؛ إذ هذا هو واقع الأمر، وعلينا أن نسير على ذلك مستعينين بحول الله وقوّته.
طريقة مطابقة الأعمال للفطرة هي التزام الإنسان بما يعلم وعدم المداراة في المحرّم
لقد كان حديثنا يدور حول موضوع الفطرة، وقد خرجنا عن الموضوع في المجلسين الأخيرين وتحدّثنا عن قضية الزواج، وسنواصل حديثنا إن شاء الله عن هذا الموضوع وهو: كيف يستطيع الإنسان أن يجعل جميع أعماله تتطابق مع الفطرة والتي هي عبارة عن المسير الواقعي؛ ونسأل الله أن يوفقنا جميعًا للعمل بموجب ما يرتضيه هو، لا ما نريده نحن. في بعض الأحيان يجري حديث بيني وبين زوجتي حول بعض المواضيع التي أطرحها والتي تبعث على إيجاد تساؤلات لديها، فكنت أقول لها: وما الذي أستطيع أن أفعله ما دمتُ لا أدرك أمرًا سوى هذا الذي أدركه الآن، فإن كان لديك ما تنصحين به، فاعرضيه عليَّ لكي أعمل بموجبه؛ فما الذي أفعله وها أنا أرى بأنَّ النبي والأئمة كانوا قد أمروا بهذا، فإن كنت تريدين مصلحتي، فادعي لي لكي يتّضح لي الأمر، إذ إنَّ ذلك الذي تقولين أسهل عليّ؛ ولكن ما الذي أفعله إن كنت أفهم الأمور بهذا الشكل، وسيقول لي الله يوم القيامة: كان بإمكانك الامتناع عن القيام بما قمت به، فما دمت قد علمت الأمور بهذا الشكل، فلماذا عملت بخلاف ما علمت؟ فكان عليك ألاّ تفعله، هذا من جانب، ومن الجانب الآخر، فأنتِ لا تستطيعين أن تشفعي لي يوم القيامة؛ فإن كنت تقولين الآن: أنا أتحمّل مسئوليّة كافة الأعمال التي تقوم بها أنت في هذه الدنيا، وتكون لديّ الحجّة المقنعة على ذلك، فسوف أعمل بموجب ما تقولين به وأنا مرتاح البال؛ غير أنَّكِ ستحملين متاعكِ على أكتافك يوم القيامة، ولن تنظري إليَّ أصلًا مهما ناديتك؛ إنَّ ما أقوله لكم الآن هو واقع الأمر؛ فكلّما صرخت المرأة بوجه زوجها يوم القيامة قائلة له: أنت الذي ورّطتني بهذا، وأنت الذي أمرتني أن أخرج إلى الشارع سافرة فلن يجدي صراخها نفعًا؛ إذ إنَّ طاعة المرأة للرجل واجبة متى ما لم يأمرها بالقيام بعمل محرّم، وأمّا إن أمرها بعمل محرّم فيجب عليها أن لا تطيعه.
ويحرم على الابن إطاعة والده، وكذا يحرم على الزوجة إطاعة زوجها إن أمرا بفعلٍ محرّم؛ ولقد سألني أحدهم عن موضوع الجلوس على المائدة مع ربّ الأسرة الذي يبدو أنَّه لا يراعي بعض الموازين الإسلاميّة الخاصّة بالمائدة، فقلت له: يحرم عليك الجلوس على تلك المائدة، فقال: ولكنَّ ذلك سيتسبّب في انزعاج والدي، قلت له: وإن؛ فلا يجب الالتفات إلى انزعاجه في هكذا موارد؛ فطاعة الوالد تكون واجبة متى ما لم يأمر بالقيام بالعمل المحرّم؛ فيحرم الجلوس على المائدة التي تحتوي على طعام محرّم، وهذا ينطبق على جميع أفراد الأسرة، سواء منهم الزوجة أو الولد أو البنت؛ فقلت له: عليك تقبيل يد والدك، ولكن لا يجوز لك الجلوس معه على تلك المائدة.
وكلّما نادت المرأة زوجها يوم القيامة قائلة: أنت الذي أمرتني بالقيام بذلك العمل، فسوف يقول لها: لي ما يشغلني الآن، وكنت تستطيعين الامتناع عن القيام بما كنت قد أمرتك به؛ وفي المقابل كلّما نادى الزوج زوجته قائلاً: لقد ارتكبت كلّ تلك الذنوب من أجلكِ، ومن أجل استمالة قلبكِ، ولكي لا تفعلي بحياتنا كذا وكذا، فستجيبه الزوجة: لم أكن قد أجبرتك على فعل ذلك، وسوف تدير وجهها عنه وتنصرف؛ فيبقى كلّ واحد مع عمله الذي قام به في الدنيا.
على كلّ حال، ينبغي علينا أن نسأل الله تعالى أن يوفقنا للعمل في هذه الدنيا بما يرتضيه، وأن يمنَّ علينا أن نستفيد الاستفادة القصوى من حياتنا في هذه الدنيا والتي هي عبارة عن رأسمالنا فيها؛ فهذا العمر الذي وهبنا الله وهذه اللحظات هي رأس مالنا، فكيف يتوجّب علينا أن نصرف رأس المال هذا؟ علينا العمل في الدنيا وفقًا لما يرتضيه الله، وعلينا أن نضع كلّ شيء آخر جانبًا، فنسأل الله أن يوفقنا بمشيئته للالتزام بهذا النهج.
أسئلة وأجوبة
حك الذهاب إلى الأماكن التي تثير الكدورة
سؤال: عندما نذهب إلى بعض المنازل أو الأماكن نشعر بحالة من الكدورة والانقباض، علمًا أنّ هذه المنازل قد تكون من منازل أحد أقربائنا وقد تكون من غيرها، فكيف ينبغي علينا أن نتعامل في هكذا حالة؟
الجواب: بالطبع؛ إن كان ذهابكم إلى هذه المنازل بعنوان صلة الرحم فلا مناص عندكم والحال هذه من الذهاب إليها؛ لذا على الإنسان أن يشتغل بالأذكار، وعليه أن لا يعطي قلبه وتوجهه للمكان؛ فإنّ فِعْل هذه الأمور يقلّل من أثر هذه الأماكن.
الاختلاف بين الأولياء
سؤال: بالنسبة للمسألتين اللتين طرحتموهما [وهما مسألة تعدّد الزوجات والزواج المؤقت] فقد كانت طريقة بيان المرحوم العلامة لهما في زمان حياته تختلف عن طريقة بيانكم لهما، فما هو منشأ هذا الاختلاف؟ وهل حكم كل واحد منكما يختلف عن الآخر؟ وما هو سبب هذا الاختلاف في الحكم؟
الجواب: لا يسعني المجال لطرح أصل المسألة وحقيقتها فهكذا مسألة تحتاج لمحاضرة مستقلّة وبحث مستقل حتى نبحثها بشكل عام وكلّي. ولكن أولًا سُئل هنا: هل يمكن أن يكون هناك اختلاف بين الأولياء؟ فباصطلاح الطلبة أنا خارج عن هذه المسألة "تخصّصًا" وخارج عنها "موضوعًا" فمسألة الاختلاف بيني وبين المرحوم العلامة لا علاقة لها بمسألة الاختلاف بين الأولياء، فهو شخص منزّه، ومتصل بالحق، والولاية ثابته له، ولكن أنا فرد عادي، وأصل للمسائل بالنظرة العادية والطرق العادية، وأحكم وفقًا لما توصلت إليه من خلال مدركاتي التي اكتسبتها من مطالعاتي وتجربتي الشخصية في محضر العظماء، فهكذا أصل أنا إلى المطالب، فمقايسة العلامة مع الحقير قياس مع الفارق، ولا علاقة لهذه المسألة بنا.
وبالنسبة للسؤال من أنه هل يمكن أن يكون هناك اختلاف بين الأولياء أم لا؟ نعم يمكن أن يكون هناك اختلاف، وهذه المسألة تحتاج إلى بحث مستوفى.
وأما أنّ ما عرضته يتنافى مع كلام المرحوم العلامة أم لا؟ لا لا يتنافى معه، فقد بيّنت للرفقاء أنّ هذا هو رأي العلامة أيضًا؛ غاية الأمر، أنّ نظر المرحوم العلامة وطريقته وحالته السلوكيّة ونحو ارتباطه مع التلاميذ كانت هكذا: عندما كان يريد أن يبيّن ما في قلبه [ويبيّن رأيه بشكل صريح وواضح] كان يرى أنّه قد يساء الاستفادة من ذلك، وتطرح بشكل مختلف، وذلك كما ذكرتُ لكم، من أنه جاء أحدهم إلى المرحوم العلامة وبيّن له أنه يرغب بالزواج الثاني فقال له العلامة: لا يوجد مانع من ذلك. ثمّ يأتي هذا الرجل ويقول بين عائلته: العلامة أمرني بذلك. هل التفتّم كم تختلف المسألة عمّا قاله العلامة؟! وكيف أنها تطرح بشكل مختلف؟! وقد جرّب الحقير هذه المسألة أيضًا، فبسبب قلة مروءة البعض أوجدوا لي بعض المشاكل، ليس بالنسبة لمسألة الزواج بل في مسألة أخرى؛ لهذا فإنّ طريقة كلام المرحوم العلامة ونحو بيانه للمسألة يختلفان عن طريقتي، فهو ورعاية لكثير من المصالح التي كانت تقتضيها موقعيّته لم يكن ليصرّح برأيه وما في ضميره؛ كما أنّه لم يكن يصرّح بخلاف رأيه طبعًا، والذين كانوا على ارتباط به وكانوا فطنين وأذكياء، كانوا يحسّون برأي العلامة ويشعرون به.
وقد كان رأيه في هاتين المسألتين هو ما بينته لكم؛ لكن بما أنّي دائمًا أبسط المسألة، وأتحدّث عن الجوانب المحيطة بالمسألة؛ وذلك لكي أخرجها عن حالة الإبهام والإجمال التي كثيرًا ما تكون محيطة بها، وهو بطبيعة الحال ليس بيننا حتى يجيبنا [عن الإبهامات المحيطة بالمسألة]؛ لذا فإنني أحاول أن أخرج قليلًا عن تلك القيود التي كانت في زمان المرحوم العلامة، وأشرح المطالب بنحو موسع ومبسوط؛ وذلك لكي تكون حركة الناس الذين لهم علاقة بهذه المسألة نابعة عن فهم وإدراك، ويستطيع كلّ واحد منهم في مختلف الحالات والخصوصيات والموارد أن يصل إلى رأي العظماء بكلّ سهولة وصراحة، وتلك المحاذير التي كانت عند المرحوم العلامة في زمان حياته [والتي كانت تمنعه من بيان رأيه بصراحه] ليست عندي الآن.
سلّمكم الله إن شاء الله.