14

وعد الله الحقّ و وعد الشيطان الكاذب

هل الله أسد مفترس؟

20
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1423

التاريخ 1423/09/25


التوضيح

اقرأ في هذه المحاضرة: لماذا يجب أن يكون توجّهنا إلى الله وحده؟ ما هي النظرة الصحيحة للابتلاءات والمصائب في الدنيا؟ كيف يخدعنا الشيطان بزخرف الدنيا، وكيف سيتبرأ منّا يوم القيامة؟ وما هي قصة كبار الفقهاء الذين أقسموا ألّا يبكوا في المجلس، فأبكاهم الخطيب بأوّل كلمة؟...

/۱۳
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

وعد الله الحقّ و وعد الشيطان الكاذب - هل الله أسد مفترس؟

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • وعد الله الحقّ و وعد الشيطان الكاذب

  • هل الله أسد مفترس؟ 

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢٣ هـ - الجلسة الرابعة عشرة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

وعد الله الحقّ و وعد الشيطان الكاذب - هل الله أسد مفترس؟

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّیطانِ الرَّجیم‌

  • بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحیم‌

  • وصلَّى اللهُ عَلَى سیدنا ونبینا أبی‌القاسمِ محمدٍ

  • وعلى آلهِ الطّیبینَ الطّاهرینَ

  • واللعنةُ عَلَى أعدائِهِم أجمَعینَ‌

  •  

  •  

  • «بَلْ لِثِقَتِي بِکرَمِک، وَ سُکونِي إِلَی صِدْقِ وَعْدِک، وَ لَجَئِي إِلَی الْإِیمَانِ بِتَوْحِيدِک، وَ يقيني بِمَعْرِفَتِک مِنِّي أن لا رَبَّ لِی غَيرُک.»

  • سببان لانحصار التوسّل والطلب بالله

  • لقد حصر الإمام عليه السلام هنا طلباته وأمانيه وحاجاته واستغاثته وتوسّلاته كلّها في جانب الله تعالى، ثمّ يذكر السبب في ذلك« وقد ورد في هذه العبارات سببان:

  • السبب الأول: هو أنّ التوجّه لغير الله لا يجلب للإنسان سوى الخسران والشقاء والبطلان والانكسار والخجل. فأيّ بابٍ يطرقه الإنسان غير باب الله، وأيّ بابٍ يقرعه غير باب رحمته، لن يحصّل منه سوى الخسارة والندامة والعار والبطلان. وقد تحدّثنا عن هذه القضيّة سابقًا، وهي واضحة لدرجة لا تحتاج إلى مزيد من التوضيح. فالإنسان حين يتوجّه إلى أيّ فرد أو أيّ جهة أخرى، بما أنّ غايته ومراده مختلطٌ بعالم الكثرات والاعتبارات، فلن يكون له نصيبٌ من ذلك. فهذا هو السبب الأول الذي يوجب حصر جميع الطلبات في التوجّه إلى الله وحده، في أيّ قضية وفي أيّ مسألة، سواء كان الإنسان يطلب التوفيق، أو سعادة الدارين، أو تحصيل العبوديّة، أو نيل السكينة والطمأنينة والاطمئنان، فعليه أن يوجّه كلّ ذلك إليه تعالى، لا إلى شيء آخر. 

  • السبب الثاني: والذي يذكره الإمام هنا هو أنّنا بعد أن طُردنا من كلّ مكان، ويئسنا من كلّ أحد، وأدركنا أن لا أحد يستطيع أن يفعل لنا شيئًا، وأنّ الجميع مثلنا صفر الأيدي، وأنّ هناك مكانًا واحدًا فقط يمكنه أن يغيثنا ويسمع كلامنا، وهو ذاتك المقدّسة؛ فالآن وقد أدركنا هذه الحقيقة، فإنّ سبب إقبالنا عليك هو الثقة التي لدينا بكلامك، والاطمئنان الذي نشعر به تجاه قولك، واليقين الذي حصل لنا بصدق وعدك، والثقة التي تحقّقت فينا بإجابتك. وإلاّ، فلو علمنا أنّك أنت أيضًا، ورغم أنّك إلهنا وربّنا ولا خيار لنا سوى اللجوء إليك [ضعيف ولن تحقّق لنا ما نريد لما أتينا إليك]. 

  • هل الله أسد مفترس؟ تصحيح نظرة العوام إلى البلاء

وعد الله الحقّ و وعد الشيطان الكاذب - هل الله أسد مفترس؟

3
  • ألم تروا ما يقوله الناس عندما تحلّ بهم مصيبة أو يقعون في بلاء؟ الكلّ قد سمع ذلك، يقولون:

  • در کف شیر نر خونخواره‌ای***غیر تسلیم و رضا کو چاره‌ای‌۱
  • يقول:

  • في قبضة أسد مفترس متعطش للدماء *** أيّ خيار هناك سوى التسليم والرضا 

  • هذا هو منتهى معرفة الناس بالله. يتصوّرون الله كأسد مفترس يقف متعطّشًا لدماء البشر، وليس له من عمل سوى القتل والنهب والسلب والضرب والأسر والإماتة والتدمير! دع عنك الآن تلك المراتب التي ادّخرها الله لخواصّه. فنحن لا نتحدّث هنا عن الروايات وأقوال العظماء التي تقول بأنّ «البلاء للولاء»٢، وأنّ الابتلاءات تنشأ دائمًا من المحبّة والولاية، وأنّ الله إذا أراد أن يلطف بأحد، فإنّه يخرجه من التعلّقات. لا نتحدّث في هذا المقام الآن، بل نتحدّث عن كلام الناس وما يقولونه. 

  • فلو سألت هؤلاء الناس، لوجدت أنّهم يصوّرون الله كإنسان متجبّر. فعندما يصيبهم خير، لا يقولون: «شكرًا يا إلهي»، بل قد يشيرون إشارة خفيفة. أمّا إذا حلّت بهم مصيبة، فإنّهم يصبّون جام غضبهم على الأرض والسماء، وعلى الله والملائكة وكلّ شيء أن «يا إلهي، ألم تجد غيرنا؟! ألم يكن هناك أحد سوانا؟! هل يجب أن تحلّ المصائب علينا فقط؟! ألا يوجد في قلبك رحمة؟! كم دعوناك، وكم أقمنا الموائد، وكم نذرنا، فأين ذهب قلبك القاسي هذا؟!

  • أنا أقول لكم هذا لأنّني سمعته بأذني، ولا أخترعه من عندي. يلقون باللوم على الله، ويتّهمونه بكلّ ما يخطر ببالهم، متى يلين قلب الله الحجريّ هذا؟ متى تُستجاب دعواتنا؟ إلى متى سندعو ليزول الظالم الفلاني؟ إلى متى؟ كم هو صبور هذا الإله، لا ينظر إلى عباده! يقولون مثل هذا الكلام، ثمّ في النهاية يقولون: إن لم نصبر فماذا نفعل؟! إن لم نتحمّل فما عسانا أن نفعل؟! علينا أن نصبر، فلا خيار لنا، فهو قد أمسك بخناقنا ويضغط علينا، وكلّ يوم يأتي ابتلاء ومصيبة جديدة، وعلى الإنسان أن يصبر. فهذه نظرة إلى الموضوع. 

  • ملف الحياة: لكل إنسان نصيبه من الحلو والمرّ

  • وهناك نظرة أخرى مختلفة بعض الشيء، وهي أنّ الله تعالى حين خلق كلّ موجود، أرسل معه ملفًا خاصًّا به. تمامًا كما يخرج أيّ منتج من المصنع ومعه كتيّب إرشادات لكيفيّة التعامل معه، فكذلك الله عندما يخلق أيّ إنسان، يرسل معه ملفًا، وهذا الملفّ يتضمّن مراتب تكامله في هذه الدنيا، وكيفية حركته حتّى يصل إلى منتهاه، ثمّ يهاجر من هذه الدنيا إلى الدار الآخرة. في هذا الملف، يوجد كلّ شيء: فيه الحلوى، وفيه أيضًا النقول، والحامض، والمرّ، والمالح. فيه الصحّة والسلامة، وفيه المرض. كلّ شيء مخلوط في هذا الملف. لا تجدون أبدًا أيّ إنسان حتّى من العظماء يكون دائمًا في صحّة، ودائمًا في يسر، ودائمًا يضحكون، وليس لديهم أيّ حزن، ودائمًا في سعة ونشاط. لا، ليس الأمر كذلك، فالحياة فيها كلّ شيء. يقول حافظ الشيرازي:

    1. مثنوی معنوی، دفتر ششم، بخش ۱٦:
      در کف شیر نری خون خواره‌ای***جز که تسلیم و رضا کو چاره‌ای
    2.  شرح مصباح الشریعة، ترجمه عبد الرزاق گیلانی، ص ٣٥٦: «البلاء للولاء کاللهب فی الذّهب».

وعد الله الحقّ و وعد الشيطان الكاذب - هل الله أسد مفترس؟

4
  • بنوش باده که قَسّام صُنع قسمت کرد***در آفرینش از انواع نوش دارو، نیش‌۱
  • يقول: 

  • اشرب الخمر فإنّ قسّام الصنع قد قسّم *** في الخلق أنواعًا من الترياق والسمّ 

  • لقد جلب في الخلق للإنسان الترياق والدواء، وجلب السمّ أيضًا، فكلاهما موجود. اليوم حال، وغدًا حال آخر. كلّ شيء موجود هنا، صعود وهبوط، وكلّ ذلك بحساب دقيق، حساب دقيق للغاية. 

  • ذلك الذي يقول: في قبضة أسد مفترس متعطش للدماء...، لماذا لا يقول هذا الكلام عندما يموت جار جاره في الشارع المجاور؟ لماذا يقوله فقط عندما تحلّ المصيبة به هو؟ إن كنت صادقًا، فقله في كلّ مكان. في كلّ زقاق في قم يموت فيه أحد، فاذهب وقل: في قبضة أسد مفترس! ضع لافتة بذلك. في الزقاق المجاور، والشارع الذي يليه، وفي آخر شارع في المدينة، وفي طهران، وفي همدان، وفي مشهد، وفي كلّ مكان، وفي العراق، والهند، وفي الطرف الآخر من العالم، في كلّ البلدان! فما الفرق؟ دماؤكم ليست خيرًا من دماء غيركم، أنتم بشر والباقون بشر. ولكنّك تنسب هذا الحكم إلى الله فقط عندما تحلّ المصيبة بك أنت. فلو مات جارك، لن تشعر بشيء، بل قد تفرح إن كان بينكما حسابات لم تصفَّ بعد. 

  • عندما توفّي المرحوم العلامة، كان واضحًا تمامًا أنّ بعض الذين جاؤوا إلى مجلس العزاء، كانت قلوبهم تذوب من الفرح، وكنّا نعرف ذلك. يجلسون ويقرؤون الفاتحة، ولكن كان واضحًا أنّ قلوبهم تذوب من الفرح لرحيل السيّد الطهراني المدافع عن العرفان والمدرسة الإلهيّة والمعارض لمسلكهم، والذي كان القطب الوحيد الذي يجتمع حوله الناس من كلّ حدب وصوب. الحمد للّه أنّه رُفع عن وجه الأرض. وما أقوله لكم هذا، قد سُمع باللفظ أيضًا، كانوا يقولونه في مجالسهم! في أحد المجالس، ولن أذكر أيّ مجلس، قال أحدهم: الحمد للّه، كان هناك رجلان، أحدهما أهمّ من الآخر، والآخر لا يزال موجودًا، حفظه الله... ولكنّ المهمّ قد رحل والحمد للّه من مشهد! مع أنّهم هم أنفسهم جاؤوا إلى مجلس العزاء! هؤلاء هم أبناء الدنيا يا سيدي! 

    1. دیوان حافظ، طبع پژمان، غزل ٥۸٦.

وعد الله الحقّ و وعد الشيطان الكاذب - هل الله أسد مفترس؟

5
  • إن كنتم تريدون أن تقولوا: في قبضة أسد مفترس... فقولوها للجميع، ولكنّكم لا تقولونها للجميع. إذًا، من الواضح أنّ الأمر يعود إلى الذات، والأنانيّة، ومحوريّة الذات، ورؤية النفس وعدم رؤية الآخرين، واعتبار النفس قطب الرحى لجميع أحداث العالم. هذا ليس صحيحًا، على الإنسان أن يكون منصفًا بعض الشيء. 

  • لا يا عزيزي! ليس الله أسدًا مفترسًا، ولسنا نحن شيئًا يُذكر في هذه الدنيا حتّى نريد أن نُخضع حسابات الله لمدار فكرنا. لا يكون الله صالحًا فقط عندما يأتي ويتصالح معنا! لا يا سيّدي، وأقولها بجدّية، إذا استطعنا أن نخضع أنفسنا لشروط عالم الوجود ونظامه وعالم التشريع والتكليف، فيا لها من سعادة وفلاح ونجاح! وإلّا، فإنّ عالم التكوين سيمضي في طريقه، ولن يلتفت إليّ أو إليك، سيفعل ما عليه فعله ويمضي. ونحن الخاسرون هنا، والصراخ والعويل لا فائدة منهما. لقد بيّنوا لنا وقالوا: يا عزيزي، إذا جلست في بيتك تدعو الله أن يرزقك، فلن يأتيك الرزق. فانهض واعمل . وإذا جلست تحت جدار متصدّع وآيل للسقوط ودعوت ألّا يسقط عليك، فسيسقط الجدار على رأسك.۱ فليست الأمور متروكة هكذا. 

  • نعم، بعض الأمور ليست في يد الإنسان، هذا صحيح. ليس الإنسان مخيّرًا في كلّ شيء. ولكن ماذا عن الأمور التي هو مخيّر فيها؟ ما يقول لك الله أن تفعله، تجلس وتلقي باللوم على الله وتقول: «الله أراد لنا هذا. 

  • ـ لا، لم يرد الله ذلك أبدًا، بل أنت أردته وفعلته، والله سيحاسبك عليه حسابًا عسيرًا. لماذا؟ لأنّ الله أراك الطريق ولم تسلكه، قال لك افعل هذا فلم تفعل. وهذه المسألة للجميع، الحزن للجميع والفرح للجميع. 

  • نصيحة حافظ الشيرازي لاغتنام اللحظة

  • ماذا يريد حافظ أن يقول هنا؟ يريد أن يركّز على الكلمة الأولى: «اشرب الخمر»، أي انشغل بالخمر (المعرفة الإلهيّة)، ولا تفكّر في أنّك اليوم في ضيق وغدًا في يسر، أو اليوم مريض وغدًا صحيح. لأنّك إذا أردت أن تفكّر بهذه الطريقة، فالأمر لن ينتهي. تخرج فتصاب بالزكام، تسقط مريضًا، تتناول قرصين فتتحسّن بعد أيام، تخرج مرّة أخرى، تحدث لك قضيّة أخرى، تمشي فيلتوي كاحلك، فتتألّم من قدمك لشهر كامل وأنت تعرج. لا توجد ظاهرة أو حادثة تخبرك بقدومها، أبدًا. إذا أردت أن تجلس على أمل أن تكون دائمًا بصحّة جيّدة، فيا له من خيال باطل!

    1.  الخصال، ج۱، ص۲۹۹: عن أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: خَمْسَةٌ لاَ يُسْتَجَابُ لَهُمْ: رَجُلٌ جَعَلَ اَللَّهُ بِيَدِهِ طَلاَقَ اِمْرَأَتِهِ فَهِيَ تُؤْذِيهِ وَعِنْدَهُ مَا يُعْطِيهَا وَلَمْ يُخَلِّ سَبِيلَهَاوَرَجُلٌ أَبَقَ مَمْلُوكُهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ وَ لَمْ يَبِعْهُ. وَرَجُلٌ مَرَّ بِحَائِطٍ مَائِلٍ وَهُوَ يُقْبِلُ إِلَيْهِ وَ لَمْ يُسْرِعِ اَلْمَشْيَ حَتَّى سَقَطَ عَلَيْهِ. وَرَجُلٌ أَقْرَضَ رَجُلاً مَالاً فَلَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ. وَرَجُلٌ جَلَسَ فِي بَيْتِهِ وَ قَالَ: اَللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي وَ لَمْ يَطْلُب.»

وعد الله الحقّ و وعد الشيطان الكاذب - هل الله أسد مفترس؟

6
  • أخبرني، هل لديك خبر عن تلك الخليّة السرطانيّة التي بدأت تنمو الآن وتكبر؟ لا! متى تكتشف الأمر؟ عندما يفوت الأوان وتكون قد وقعت الفأس على الرأس، حينها ترى التحاليل وتقول: يا إلهي!. يا سلام! سرطان! وبعد شهرين: في أمان الله وحفظِه، نسألك الدعاء. 

  • لا ينبغي للمرء أن يعيش على أمل ما سيحدث غدًا أو بعد غد، بل يجب أن يغتنم الآن. يقول حافظ: «اشرب الخمر الآن»، اغتنم الآن، «الآن غنيمة» كما يقول الدراويش. المُسوِّف هو الذي يؤجّل كلّ شيء إلى الغد، لا تفعل اليوم، فالغد أمامنا. وأين هو الغد؟ في منتصف هذه الليلة، قد يهبط عليك جناب عزرائيل كالصاعقة ولا يدعك تبلغ الفجر! يقول مولانا جلال الدين الرومي:

  • صوفی ابن الوقت باشد ای رفیق***نیست فردا گفتن از شرط طریق‌۱
  • یقول:

  • لِیکنِ الصوفيُّ ابن الوقت يا رفيق *** فليس التسويف من شرط الطريق 

  • لا تؤجّل عمل اليوم إلى الغد، افعله الآن. فمعنى «اشرب الخمر» هو اغتنم الآن، كن سعيدًا الآن، اعتبر الآن غنيمة، اجذب الآن الجذبات الإلهيّة، اسعَ الآن لتلقّي بوارق الجمال والجلال الإلهي، الآن، الآن، في هذه الليلة، ليلة الخامس والعشرين من شهر رمضان المبارك. ولا تقل بقي خمسة أيام على انتهاء رمضان. 

  • هذا الملف للجميع، للجميع. عندما نقضي اليوم بسعادة، فهل لدينا خبر عن غدٍ وأنّه قد يحمل لنا مكروهًا؟ لا، نقول: الحمد للّه، الأمور جيّدة جدًّا، وفجأة نجد المصيبة في صحّتنا! وحين يصيبنا اليأس، نجد فجأة أنّ الكربة قد انجلت، هبّ نسيم نفحات الجمال وأزالها. وحين نفرح قليلًا، تحدث قضيّة أخرى. إلى متى سنبقى على أمل هذا وذاك، واليوم والغد؟ 

  • لقد سلك العظماء وأولياء الله طريق الله في ظلّ هذه الأوضاع نفسها، لم يُكتب لهم ملف منفصل، ولم يوضعوا في عربة تجرّها الخيول، ولم يجلسوا على ضفاف الأنهار والخدم يروّحون عليهم بالمراوح... لا يا عزيزي، الوضع كان هكذا تمامًا. فاذهبوا واقرأوا تراجم العظماء وكتب تذكرة الأولياء، اقرأوها كلّها، وسترون أنّ القضيّة كانت هكذا. الأمر واحد للجميع، بل إنّ البعض كان نصيبهم أكبر، يضيف الله له نكهة إضافيّة من باب المحبّة واللطف، يضيف قليلًا من الزيت الحار، وقليلًا من البصل المقلي، ضيافة أفضل وخاصّة، فالله لديه ضيافة خاصّة أيضًا، نعم. 

    1. مثنوی معنوی، دفتر اول، بخش ٦.

وعد الله الحقّ و وعد الشيطان الكاذب - هل الله أسد مفترس؟

7
  • مولى يملك القوة والصدق: لماذا نثق بوعد الله؟

  • يقول الإمام السجاد عليه السلام إنّني جئت إليك بسبب صدق وعدك، ولكن من ناحية أخرى، يمكنك ألّا تفي بوعدك، لماذا؟ لأنّك أنت صاحب الأمر، والمولى مختار في ملكه. يأمر عبده: «اذهب واشترِ كيلوغرامًا من العنب»، وقبل أن يذهب يقول له: «لا تشترِ، اذهب واشترِ كيلوغرامًا من التفّاح بدلًا منه». فيقول العبد: «يا مولاي، لقد أمرتني بشراء العنب». فيجيبه: «قلت ما قلت، والآن أقول لك اذهب واشترِ تفّاحًا. فهل وظيفتك أن تطيع أم أن تحدّد لي تكليفي؟». إذن، المولى حرّ ومختار في ملكه. 

  • ولكنّ هذا المولى الذي هو مولانا يختلف عن سائر الموالي، اختلافه يكمن في أنّه يملك القوّة ويقول الصدق، يملك القدرة ويقول الصدق، فعّال لما يشاء ويملك المعرفة، كلّ شيء في متناول يده، ويملك اللطف، وهذا هو المهمّ. 

  • قصّة أخت عمرو بن عبد ودّ: "قتلك رجل كريم"

  • عندما سقط عمرو بن عبد ودّ بضربة أمير المؤمنين عليه السلام، وانتهت المعركة، جاءت أخته ووقفت فوق جثّته، ونظرت فرأت أنّ الخاتم الثمين الباهظ الذي كان في إصبعه لا يزال مكانه، وأنّ الإمام لم ينزعه، فقالت: «لن أبكي عليك، فقد قتلك رجل كريم» لم يكن مقصده من قتلك الوصول إلى هذا الخاتم أو المال والمقام. لو أراد ذلك، لنزع الخاتم، فهذا الخاتم ليس رخيصًا، بل كان ثمينًا جدًّا، يُقال إنّه كان تحفة لا مثيل لها في جزيرة العرب. 

  • أمير المؤمنين كان رجلاً بحقّ. كلّما زادت قوة أمير المؤمنين وقدرته، زادت معرفته وتواضعه. كان الأمران ينموان معًا. كلّما زادت قدرته، زاد تواضعه تجاه خصومه في المعارك. 

  • أمير المؤمنين جامع الأضداد

  • هل نحن كذلك؟ كلّما زادت قوّتنا وقدرتنا القتالية نزداد تواضعًا؟! كان أمير المؤمنين عليه السلام أقوى من ناحية مهارات القتال حتى من بين جميع الأئمة، بمن فيهم الإمامان الحسن والحسين؛ فمن حيث كيفيّة الهجوم، ومراعاة القواعد كان ماهرًا جدًّا.... وفي معركة أحد، عندما نادت هند عبدها وقالت له: «أريدك أن تقتل رجلين في هذه المعركة، وسأفعل لك كلّ ما تريد وأعطيك كلّ ما تطلب: علي بن أبي طالب وحمزة. قال: أمّا علي، فلا يمكن الاقتراب منه أصلًا، لأنّه عندما يضرب بسيفه، يراقب كلّ ما حوله. أمّا حمزة، فيمكن تدبير أمره، فهو يندفع برأسه إلى الأمام.

وعد الله الحقّ و وعد الشيطان الكاذب - هل الله أسد مفترس؟

8
  • لقد كان أمير المؤمنين عليه السلام فريدًا في فنون القتال، ليس فقط من حيث القوّة، بل من حيث التقنيات القتاليّة. لذلك، لم يكن أحد يستطيع مبارزته. ولا تظنّوا أنّ أمير المؤمنين في حروبه كان يستخدم قوّة الإمامة فقط... كانت هناك حالات خاصة مثل معركة خيبر التي قال عنها: ما قلعتُ باب خيبر بالقوة البشريّة، بل بالقوة الإلهيّة۱. لكن في معظم الحالات، كان يقاتل بجسده الظاهريّ وقوته الظاهريّة وفنونه الظاهريّة. ولكنّ حاله كان أنّه كلّما ارتقى، زاد تواضعه وخشوعه وترحّمه. يقول ابن أبي الحديد شعرًا مشهورًا:

  • جُمِعَتْ في صِفاتِک الْأَضْدادُ***فَلِهذا عَزَّتْ لَک الْأنْدادُ 
  • لقد اجتمعت فيك الصفات المتضادّة؛ فمن جهة هناك القوّة، ومن جهة أخرى هناك التواضع. ومن جهة هناك العلم الذي هو بحر محيط، ومن جهة أخرى الحلم. وهذا مجرّب، فكلّما زاد علم الإنسان، أصبح أسرع غضبًا، لا يطيق الحديث مع أحد. أمّا أمير المؤمنين، فكان على العكس، كلّما زاد علمه، زاد حلمه. ولهذا عزّ نظيرك ومثيلك. 

  • يقول الإمام السجاد إنّنا جئنا واعتمدنا على إلهنا، ورغم أنّه قادر وعظيم وعليم، و ﴿بِيَدِهِۦ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيء﴾٢، فإنّه إذا قال كلمة، التزم بها. هذا هو الإله الذي أقبلنا عليه. 

  • لماذا وعد الله حق ووعد الشيطان باطل؟

  • لقد وثقنا واطمأننّا إلى وعد الله. فبماذا يعد الله في القرآن؟ ﴿وَمَن أَصدَقُ مِنَ ٱللَهِ حَدِيثًا﴾.٣ هل تعرفون من هو أصدق قولًا من الله؟ أو في آية أخرى: ﴿إنّ وَعدَ ٱللَهِ حَقّ﴾ ٤ وعد الله حقّ لا يتخلّف. لماذا؟ لأنّ جذور الكذب والمخالفة تعود إلى نقاط الضعف في وجود الإنسان. لماذا يقول الإنسان شيئًا ثمّ يتراجع عنه؟ بسبب ضعفه الوجودي. يرى أنّ ما سيحدث لاحقًا يتعارض مع مصالحه. لو كان الصدق دائمًا في مصلحة الإنسان... لنفترض أنّ زبونًا جاءك، وأنت تعلم أنّه يعرف كلّ تفاصيل بضاعتك، كم اشتريتها ومن أين. ثمّ يسألك: بكم اشتريت هذه البضاعة؟ إذا كذبت، ألا تحتمل أنّه سيكتشف كذبك ويصفك بالكاذب ويغادر المحل؟ هنا، ترى المصلحة في قول الصدق. فتقول الصدق، فيقول: يا له من رجل صالح! ويشتري منك. لو كان الصدق دائمًا في مصلحتنا، فهل كنّا سنكذب؟ لا، أليس كذلك؟ 

    1. راجع: معرفة الإمام، ج٤، ص ٢٦؛ مشارق أنوار اليقين ١١٠، بحار الأنوار ٢١ / ٤٠/ ٣٧، وغيرها الكثير. 
    2. سورة يس (٣٦) الآية ۸٣.
    3. سورة النساء (٤) الآية ٩٢.
    4. سورة لقمان (٣۱) الآية ٩.

وعد الله الحقّ و وعد الشيطان الكاذب - هل الله أسد مفترس؟

9
  • إذًا، كلّ هذه الأمور، سواء كذبنا أم صدقنا، تعود إلى الضعف الوجودي. لأنّ وجودنا ضعيف وفيه خلل ونقص، فإنّنا نبحث عمّا هو مفيد لنا بحسب الاعتبار، وقد يكون ذلك أحيانًا في الكذب وأحيانًا في الصدق. هذا الصدق لا قيمة له. لماذا؟ لأنّه لو كان العكس هو المفيد، لفعلناه. هذا الصدق لا فائدة منه، ولن تكتبه الملائكة. لو قلنا مائة ألف كذبة من هذا النوع، فسيكون سجلّنا يوم القيامة صفرًا. يا ربّ، لقد صدقنا كثيرًا في الدنيا مع الزبائن. سيقول الله: كلّ ذلك كان لأنفسكم، لم يكن من أجلي. متى صدقت من أجلي؟ متى كان الصدق يضرّك ولكنّك قلته؟ متى أقررت بالحقّ رغم مرارته عليك؟ متى فعلت الصواب رغم صعوبته عليك؟ ائتني بذلك. 

  • إنّ دافع الكذب لدى الإنسان يعتمد على ضعفه الوجوديّ الذي يريد أن يرمّمه بالكذب. أمّا الله تعالى، فلا ضعف وجوديّ لديه، وجوده غنيّ غنىً ذاتيًّا، ولا يحتاج إلى تجدّد الحوادث ليستكمل نفسه. إذًا، لماذا يخالف كلامه بعد أن يقوله؟ ماذا سيجني من هذه المخالفة؟ هل سيُضاف إليه شيء؟ هل سيعود عليه بنفع؟ إذًا، إذا كان هناك من يقول الصدق دائمًا، فمن هو؟ إنّه الله. ﴿وَمَن أَصدَقُ مِنَ ٱللَهِ قِيلاً﴾۱ أو ﴿وَمَن أَصدَقُ مِنَ ٱللَهِ حَدِيثًا﴾٢

  • أمّا الشيطان، فليس كذلك. كلّ وجوده قائم على المكر والخديعة والنفاق والنقص الوجودي. بقدر ما في الله من كمال، في الشيطان نقصان. لذلك، فإنّ أساس كلام الشيطان هو الكذب. ﴿لَأُزَيِّنَنَّ لَهُم﴾. انظروا ماذا يقول؟ يقول: أنا أزيّن. هذا الشيء ليس جميلًا في الواقع، هذا العمل قبيح، وأنا آتي وأزيّنه وأجمّله ليلفت انتباه الإنسان. هذا هو الغشّ في المعاملة. 

  • كيف يخدعنا الشيطان؟ من التزيين إلى البراءة

  • يريد الشيطان أن يبرم صفقة، فيغشّ فيها. الغشّ في المعاملة حرام، لكنّه يأتي ويزيّن الأمر: ستجني مالاً أكثر، ستتفوّق عليهم، ومن سيدري؟ ثمّ يقول: سنتصدّق بجزء منه، ونعطي جزءًا في سبيل الله... هكذا يبدأ بتزيين المعصية والتسويل. نريد أن نقبل هذا المنصب، فنقول: هذا منصب دنيوي، فيه مشاكل، ويبعّد عن الله، وقد نضطر إلى أكل حقوق الناس... فيقول: وما المانع؟ ستخدم الخلق من خلاله، وستحمل عنهم عبئًا. إن لم نأتِ نحن، فمن سيأتي؟! سيأتي من هو أسوأ منّا.... فيقبل، وشيئًا فشيئًا تأتي الدنيا والرئاسات والزينة، وتستحوذ عليه، وفجأة يجد نفسه غير قادر على تركها. لقد تمكّنت النفس وتصلّبت والتصقت بهذا الموقع بحيث لم يعد يستطيع التخلّي عنه ﴿لَأُزَيِّنَنَّ لَهُم﴾.

    1. سورة النساء (٣) الآية ۱٢٢.
    2. سورة النساء (٣) الآية ۸۷.

وعد الله الحقّ و وعد الشيطان الكاذب - هل الله أسد مفترس؟

10
  • أمّا المؤمنون وأولياء الله، فهم كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام: «نظروا إلى باطن الدنيا إذا نظر الناس إلى ظاهرها»۱. عندما ينظر الناس إلى ظاهر الدنيا واعتباراتها، يكون أولئك منتبهين، ينظرون إلى باطن القضيّة. فما هو الباطن؟ هل كلام الناس صحيح؟ أم أنّ كلّه سراب وشقاء وبلاء وابتعاد عن الله، ووقوع في أموال الناس وأعراضهم، واختلاط بالجهلة والسفلة؟ إنّهم ينظرون إلى باطن القضيّة، بينما يندفع الناس نحو ظاهر الدنيا، ويجلس هو جانبًا يضحك منهم ساخرًا. يقول المرحوم السيّد أحمد الكربلائي رضوان الله عليه: إن كان دخول جهنّم واجبًا كفائيًّا، فإنّ من به الكفاية موجود! يا له من رجل حرّ! كان صريحًا لا يجامل، يقول: كلّ هؤلاء من أهل النار، لا يجامل أحدًا. إن كان الله قد خلق جهنّم، فقد خلق أهلها أيضًا، فلا نقلق بشأن جهنّم، أهلها موجودون بكثرة. 

  • لكنّ الشيطان... ﴿وَقَالَ ٱلشَّيطٰنُ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمرُ إِنَّ ٱللَهَ وَعَدَكُم وَعدَ ٱلحَقِّ وَوَعَدتُّكُم فَأَخلَفتُكُم﴾٢ الله وعدكم وعد الحقّ، وأنا وعدتكم فكذبت عليكم، خدعتكم جميعًا ﴿وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيكُم مِّن سُلطٰنٍ﴾٣ 

  • يقال له: يا أيها الشيطان اللعين، أنت الذي فعلت بنا هذا! 

  • ـ كلّا، لم أقيّد أيديكم وأرجلكم، كان بإمكانكم ألّا تفعلوا!

  • وهذه نقطة دقيقة يجب أن نفهمها جميعًا. يوم القيامة، سيقول الشيطان إنّه لم يجبرنا. وهذه الحقيقة يجب أن يراعيها الإنسان في كلّ شؤون حياته. اعلموا، وليعلم الجميع، أنّنا إذا خالفنا حكم الله من أجل إنسان ما، فإنّه سيقول لنا يوم القيامة كلام الشيطان هذا بعينه، أيًا كان: أختًا، أخًا، أبًا، أمًّا، زوجة، زوجًا، ابنًا، صديقًا... 

  • ـ لقد فعلت هذا من أجلك! 

  • ـ كان بإمكانك ألّا تفعل، لم أربط يديك وقدميك. 

  • بكلّ بساطة وبلا مجاملة. هناك، يلطم الإنسان رأسه، عندما يرى أنّه قضى عمرًا يعصي الله من أجل هذا وذاك، ولا يأتي أحد منهم ليدافع عنه، أبدًا. سيقولون: وداعًا، نحن مشغولون بأنفسنا، فكيف نساعدك؟ هذا هو كلام الشيطان. 

  • عندما يقضى الأمر، يقول الشيطان: ﴿إِنَّ ٱللَهَ وَعَدَكُم وَعدَ ٱلحَقِّ﴾، ولكن يا أيّها البائسون، وعد الله كان حقًّا، وأنا أيضًا وعدتكم ﴿فَأَخلَفتُكُم﴾. قلت لكم افعلوا هذا، فلا جنّة ولا نار، والله سيغفر. يقول الشيطان: «افعل هذا، وغدًا تتوب». ثمّ في الغد يأتي بخدعة أخرى، ويؤجّل التوبة، وهكذا يخدعكم مرارًا وتكرارًا، ولا يدعكم تنتبهون أو تعودون، حتّى يأتي عزرائيل، فيبدأ بالضحك عليكم: «الآن، تعالوا وشاهدوا كذب كلّ ما قلته لكم. قلت لا آخرة، تعالوا وانظروا، إنّها موجودة. قلت لا إله، تعالوا وانظروا، إنّه موجود. قلت لا حساب، تعالوا وانظروا، إنّه موجود. وداعًا، لقد أخذت ملفّي وذهبت، أما أنتم فشأنكم مع ربّكم. أقسم أنّكم ستسمعون هذا الكلام نفسه من الشيطان يوم القيامة. 

    1. «نهج البلاغة» ج ٢، الحكمة ٤٣٢، طبعة محمّد عبده- مصر، ص ٣٣۷: يقول أمير المؤمنين عليه السلام: «إنّ أولياء الله هم الذين نظروا إلى باطن الدنيا إذا نظر الناس إلى ظاهرها؛ و اشتغلوا بآجلها إذا اشتغل الناس بعاجلها؛ فأماتوا منها ما خشوا أن يميتهم؛ و تركوا منها ما علموا أنه سيتركهم؛ و رأوا استكثار غيرهم منها استقلالًا؛ و دركهم لها فوقاً؛ أعداء ما سالم الناس؛ و سلم ما عادى الناس؛ بهم علم الكتاب و به علموا؛ و بهم قام الكتاب و به قاموا؛ لا يرون مرجوّاً فوق ما يرجون؛ و لا مخوفاً فوق ما يخافون» 
    2. سورة إبراهيم (۱٤) الآية ٢٢.
    3. سورة إبراهيم (۱٤) الآية ٢٢.

وعد الله الحقّ و وعد الشيطان الكاذب - هل الله أسد مفترس؟

11
  • قصة بكاء الفقهاء: كيف أبكاهم الشيخ الشوشتري بآية واحدة؟

  • ﴿وَنَادَىٰٓ أَصحٰبُ ٱلجَنَّةِ أَصحٰبَ ٱلنَّارِ أَن قَد وَجَدنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّا فَهَل وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُم حَقّا قَالُواْ نَعَم فَأَذَّنَ مُؤَذِّنُ بَينَهُم أَن لَّعنَةُ ٱللَهِ عَلَى ٱلظّٰلِمِينَ﴾ ۱ 

  • كان المرحوم الشيخ جعفر الشوشتري من كبار علماء النجف، وكان يرتقي المنبر في كربلاء، وكان صوته مؤثرًا ومنبره مبكيًا للغاية، يُقال إنّ كلّ من كان يحضر مجلسه كان يبكي بلا استثناء ويتأثّر. في أحد الأيام، اتفق المرحوم الشيخ عبد الكريم الحائري، والآغا ضياء الدين العراقي، والمرحوم النائيني، والفشاركي، هؤلاء الأربعة، على أن يذهبوا ويجلسوا في مجلس الشيخ جعفر وألّا يبكوا حتّى نهاية المجلس، قالوا: «سنتمالك أنفسنا مهما كلّف الأمر، لنرَ هل نستطيع. فذهبوا وجلسوا. كانت أول كلمة نطق بها الشيخ جعفر هي هذه الآية بصوت عالٍ: ﴿وَنَادَىٰٓ أَصحٰبُ ٱلجَنَّةِ أَصحٰبَ ٱلنَّارِ. . . ﴾. يقولون إنّه ما إن قالها، حتّى بدأ هؤلاء الأربعة بالبكاء حتّى النهاية، لدرجة أنّهم هم من قلبوا أجواء المجلس رأسًا على عقب. 

  • هذا هو تأثير كلمات الله! آيات القرآن تهبط على عقل الإنسان كالمطرقة، وتقتلع كلّ ذرة من وجودنا، وتذيبها في ذاته، وتوجّه الإنسان نحو الحقائق. 

  • إنّ عد الشيطان وعدٌ كاذب، أمّا وعد الله فوعد حقّ. 

  • قصة نصيحة الشيطان لإبراهيم الخليل: هل في النصح خدعة؟

  • نقل المرحوم العلامة عن الشيخ الأنصاري رحمهما الله، أنّ الشيطان تمثّل في أحد الأيام لأحد الأنبياء، ويبدو أنّه كان إبراهيم عليه السلام. فسأله إبراهيم: «ماذا لديك لتخبرني به من عجائب الزمان وتجاربك في عمرك الطويل هذا؟». فقال: سأروي لك قصّة واحدة: عندما كنت مقرّبًا، في ذلك المقام من العزّ والعبادة والعظمة، كنت كلّما أعبد الله وأذكره وأسبّح بمسبحتي، إذا سقطت المسبحة من يدي، كان أربعة آلاف، أو أربعون ألفًا، أو أربعمائة ألف ـ رقم كبير جدًا، فذلك عالم لا تزاحم فيه ـ من الملائكة يأتون ويلتقطون المسبحة ويعيدونها إلى يدي لأكمل الذكر. انظر كم كان لديّ من الخدم والحشم! ثمّ قال: «انظر كيف أنّ معصية واحدة وعصيانًا واحدًا أسقطني من تلك المرتبة وجعلني مطرودًا مخذولاً. فاحذر أن تفعل ذلك يومًا ما!. 

    1. سورة الأعراف (۷) الآية ٤٤.

وعد الله الحقّ و وعد الشيطان الكاذب - هل الله أسد مفترس؟

12
  • ثمّ كان المرحوم الوالد العلامة يضيف تعليق المرحوم الأنصاري على هذه القصّة، فيقول: إنّ الشيطان في هذا الموقف أيضًا جاء ليخدع إبراهيم، أراد أن يزرع اليأس والقنوط في قلبه، أراد أن يقول له: لا تغترّ بعبادتك هذه، ولا بموقعك هذا عند الله، فغدًا قد يضربك الله ضربة تسقطك إلى الحضيض! أي أنّه حتّى في هذا الموقف، جاء ليخدع. لا يصدر النصح من هذا الكائن أبدًا.۱ 

  • "أنا عند ظنّ عبدي بي": لماذا لا نحسن الظن بالله؟

  • أمّا الله، فلا! وعده صدق، وقد أمرنا أن نكون كذلك: «أنا عند ظنّ عبدي المؤمن بي»٢. فيا عبدي المؤمن، أيّ ظنّ تظنّه بي، فأنا عند ظنّك. إن ظننت بي خيرًا، فأنا خير لك، وإن ظننت بي شرًّا، فأنا شرّ لك. والآن، وقد فتح الله الباب على مصراعيه، فلماذا لا نثق به؟ لماذا نُسقط نقاط ضعفنا الوجوديّة على الله ونقول إنّه لا يهتمّ بنا؟ من قال إنّ الله لا يهتمّ؟ هذا كمثل مريض يذهب إلى الطبيب، وقد غلبه المرض، فيظلّ الطبيب يقول له: «اذهب واعمل بهذه الوصفة». 

  • فيقول: «يا دكتور، أنت أيضًا لا تستطيع أن تفعل لي شيئًا، وحقنك لا تفيد». 

  • فيقول الطبيب: «يا هذا، لقد جئت إلى هنا، وأنا أقول لك اذهب وافعل هذا. 

  • فيقول: «لا يا عزيزي، لقد فات الأوان! 

  • حسنًا، قل «لا، لا» حتّى تموت! هو نفسه يقول لك اذهب وافعل، اذهب ونفّذ هذه الوصفة. 

  • عندما يقول الله تعالى: ﴿ٱدعُونِيٓ أَستَجِب لَكُم﴾٣، و «أنا عند ظنّ عبدي المؤمن بي»، و ﴿وَٱلَّذِينَ جٰهَدُواْ فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا﴾٤، فهل قال هذا عابثًا أم قاله جادًّا؟ هل كذب أم لا؟ نعم، نحن ضعفاء، ولدينا نقص، ولدينا ألف مشكلة، كلّ هذا مقبول، بل لدينا ما هو أسوأ من ذلك. ولكنّ الحديث هو أنّ الطرف الآخر لم يكذب، هو يقول الصدق، فلماذا نحكّم جانب الضعف فينا، ثمّ نلقي باللوم على الله؟! لماذا لا نجعل جانب العناية والصدق والثقة به هو الغالب والحاكم علينا؟ 

  • نعم، ما نقوله للّه هو أنّنا مساكين، تعساء، مذنبون، وأسوأ ممّا نتخيّل. كلّ هذا صحيح، ولكنّنا في النهاية عبيدك، والبضاعة الرديئة تبقى في عهدة صاحبها! والآن وقد أصبح الأمر كذلك، فعليك أنت أن تجد لنا حلاًّ، كان عليك ألاّ تخلقنا! فنحن في النهاية لم نخرج من عبوديّتك. ولكن يجب أن نكون حذرين هنا، كما قلت في الليالي الماضية، لا ينبغي للإنسان أن يتجاوز حدود الأدب. لا ينبغي أن يعتبر نفسه دائنًا وصاحب حقّ على الله. لا تجعل نفسك كدائن، وكلّ ما تقوله، يقبله الله. لا تضع نفسك في مقابل الله، لا تعتبر نفسك حصّة من عالم الوجود. ضع حساباتك جانبًا، وكلّ ما ستقوله بعد ذلك، سيقول لك: لا بأس ليكن. إنّه عظيم وعطوف ورحيم إلى هذا الحدّ. هكذا علّمونا. 

    1.  مطلع انوار، ج ٢، ص ٣۱٥. (فارسي) والقصة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله. 
    2. الكافي (ط- الإسلامیة)، ج ٢، ص: ۷٢: عَنْ محمد بْنِ إِسْمَاعِیلَ بْنِ بَزِیعٍ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ الرِّضَا ع قَالَ: «أَحْسِنِ الظَّنَّ بِاللهِ فَإِنَّ الله عَزَّ وَ جَلَّ یَقُولُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِیَ الْمُؤْمِنِ بِی إِنْ خَیْراً فَخَیْراً وَ إِنْ شَرّاً فَشَرّاً.»
    3. سورة غافر (٤۰) الآیة ٦۰.
    4. سورة العنكبوت (٢٩) الآیة ٦٩.

وعد الله الحقّ و وعد الشيطان الكاذب - هل الله أسد مفترس؟

13
  • عاملنا بفضلك لا بعدلك

  • يقول الإمام السجاد: إنّي عندما أتيت نحوك، لم آتِ عبثًا، بل وثقت بك، ولا شكّ لديّ في هذه الثقة، بل أنا على يقين. يقول: «وَیقِینِی بِمَعْرِفَتِک مِنِّی أَنْ لا رَبَّ لِی غَیرُک‌. أنا على يقين بأنّه لا ربّ لي غيرك وَسُکونِی إِلَی صِدْقِ وَعْدِک وَ لَجَئِی إِلَی الْإِیمَانِ بِتَوْحِیدِک...» 

  • نأمل إن شاء الله ألّا يحاسبنا الله تعالى على تقصيرنا ونقصنا وخللنا، وكما قال أمير المؤمنين عليه السلام: «اللَهُمَّ وعَامِلْنا بِفَضْلِک، وَ لا تُعَامِلْنا بِعَدْلِک».۱ يا إلهي، عاملني دائمًا بفضلك ورحمتك ومغفرتك، لا بعدلك ومداقّتك. فلو كان الحساب بالعدل، لانتهى أمرنا. لو أردنا أن نضع أعمالنا في مقابل نعم الله، فنصيحتي لكم يا رفاق أن نذهب وننشغل بأمر آخر من الآن، فلا أمل لنا، ولا نضيّع وقتنا عبثًا. ولكن إذا وضعنا العدل جانبًا وقلنا: يا إلهي، هذا هو حالنا، نحن مذنبون، مخطئون، نرتكب الأخطاء، أنانيّون، نعرف أنفسنا، متكبّرون، غارقون في الدنيا، لا نفهم، بعيدون عن الحقيقة، ولا نعرف أحدًا سواك. إن كان الأمر هكذا، فهناك أمل أن يشمل الله تعالى عباده بنعمته ورحمته. 

  •  

  • اللَهُمَّ صلِّ على محمدٍ وآلِ محمدٍ 

    1.  منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة، الخوئي، ج ١٤، ص ٣٥٦.