5

الرضا بقضاء الله وجوده

لماذا لا يستجاب الدعاء؟

26
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1423

التاريخ 1423/09/07

جلسات المجموعة(6 جلسة)

التوضيح

تدور هذه المحاضرة حول مفهومين أساسيين في السلوك العرفانيّ: اللجوء إلى جود الله وكرمه، والرضا بقضائه وقدره. يتناول الأستاذ السيد محمد محسن الحسيني الطهراني أهمية هذين المفهومين في تحقيق العبودية الخالصة لله تعالى، مستشهدًا بآية من دعاء الإمام السجاد عليه السلام. وتجيب المحاضرة عن أسئلة مهمة مثل: ما هي الضوابط الأساسية في طلب الحاجات؟ لماذا لا تستجاب دعواتنا أحيانًا؟ وكيف يكون حال العبد المخلص لله في الفقر والغنى والمرض والصحة؟

/۱۸
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

الرضا بقضاء الله وجوده - لماذا لا يستجاب الدعاء؟

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • الرضا بقضاء الله وجوده 

  • لماذا لا يستجاب الدعاء؟ 

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢٣ هـ - الجلسة الخامسة 

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

الرضا بقضاء الله وجوده - لماذا لا يستجاب الدعاء؟

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِ اللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ

  • بِسمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

  • وصلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَ نَبِيِّنَا أَبِي‌الْقَاسِمِ مُحَمَّدٍ

  • وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ

  • وَ اللَّعْنَةُ عَلَى أَعْدَائِهِمْ أَجْمَعِينَ

  •  

  •  

  • «وَ أَنْ فِي اللَّهْفِ إِلَى جُودِكَ وَ الرِّضَا بِقَضَائِكَ عِوَضًا مِنْ مَنْعِ الْبَاخِلِينَ وَ مَنْدُوحَةً عَمَّا فِي أَيْدِي الْمُسْتَأْثِرِينَ»

  • لقد عرفتُ بِالتحقيق وعلمتُ أنَّ في الابتهال والتذلل والإنابة إلى جودك وكرمك، وكذلك الرضا بقضائك، عوَضًا؛ وما أحسنه من عوض عن منع البخلاء وإمساكهم، ومنع الخير عنّي. «وَ مَنْدُوحَةً عَمَّا فِي أَيْدِي الْمُسْتَأْثِرِينَ». فأنا في هاتين الحالتين: 

  • أولاً: التوجّه إلى جودك بتذلّل وخشوع وإنابة. 

  • ثانيًا: الرضا والتسليم لقضائك. 

  • وبالتأمّل في هاتين المسألتين، أبقى في غنى عمّا في أيدي طلاّب الدنيا وأصحاب الكثرات.

  • مفهوم الاعتماد على الله والرضا بقضائه 

  • لقد قرن الإمام السجّاد عليه السلام هذين الأمرين ببعضهما: 

  • الأمر الأول هو: إذا أراد الإنسان أن يرجع إلى صاحب كرم، فإلى من يرجع؟ هل ينبغي للإنسان أن يرجع إلى أيّ شخص ويطلب من أيّ مكان؟ وهل يجب على الإنسان أن يطأطئ رأسه أمام أيّ إنسان كان، ويسلّم أمره إليه؟ أم أن القضيّة ليست كذلك؟ بل على الإنسان أن يعرف الجهة التي يتوجّه إليها، ويعلم أيّ جوهر وأيّ رأس مال يقدّم ثمنًا لأيّ نوع من الناس؟ كيف وبأيّ ثمن وبأيّ كيفيّة يضع الإنسان ذلك الاستثمار الوجوديّ، وذلك الجوهر من العزّة والشرف، وذلك الجوهر الكريم الذي وهبه الله إياه، في سوق البيع والشراء والمعاملة مع الآخرين؟ على الإنسان أن يعرف هذه المسألة، وعليه أن لا يضع قدمه في أيّ مكان، وإن كان فيه منافع دنيويّة. 

  • روى لنا أحدهم فقال: «ذهبتُ إلى مكانٍ للقاء أحد الشخصيّات، وقد طلبني لإنجاز عمل ما. وعندما دخلت، رأيتُ شخصًا من كبار الشخصيّات جالسًا هناك. كان يجلس في تلك الغرفة، في غرفة الانتظار مثلاً. وكان من الشخصيّات المهمّة جدًّا، حتّى أنّني عندما رأيته تعجّبت. فجلستُ هناك وتحدّثنا. وظلّ هذا الرجل جالسًا في غرفة الانتظار ساعة تقريبًا، وكان الشخص الذي طلبني يعلم أنه جاء وجالسٌ وينتظر. وكم كان قد جلس قبل ذلك؟ عندما خرجت، أصبحت هذه القضية، هذا الأمر الذي حدث، بمثابة جرس إنذار لي، لأدرك أين أنا ومع من أتعامل. إنّ هؤلاء الذين يظهرون في الخارج بألف زيفٍ وكبرٍ وعُجبٍ بالنفس، يُعاملون بهذه الطريقة المهينة والذليلة عندما يصلون إلى مواضع الحاجة، وإلى مواضع الاحتياج إلى أمثالهم. لماذا هذا الوضع؟ لأنّهم لم يعرفوا جهة الجود والعطاء والكرم الحقيقيّة، لم يعرفوها. لو عرفوا وتوجّهوا إلى تلك الجهة الحقيقيّة، وإلى تلك القِبلة الصادقة، ودفعوا كلّ شوائب الكثرة من أذهانهم وتخيّلاتهم واعتباراتهم، لما وصلوا إلى هذا الحال!

الرضا بقضاء الله وجوده - لماذا لا يستجاب الدعاء؟

3
  • العلاقة مع الناس ودوافعها 

  • على الإنسان أن يعلم في علاقته مع الناس، ما هو الأمر وما هو المقصد الذي يدور في ذهنه، وما هو الأمر الذي يسعى لتحقيقه؟ عليه أن يبحث في داخله ويرى: هل هذه العلاقة مع هذا قائمة على أساس المال؟ هل يذهب إلى منزله لأنّه غنيّ وعليه أن يقيم علاقات الصداقة فقط مع الأغنياء، وأن يقلّل الاهتمام بالآخرين؟ أم لا، يجب أن يكون هدفه ومقصده شيئًا آخر في جميع الأحوال؟ 

  • كان يُسمع أن بعض الناس يقولون إنّ الكثيرين يتعاملون مع الأثرياء وأصحاب النفوذ اليوم، ويقلّلون الاهتمام بالآخرين. المرحوم الوالد رضوان الله عليه كان يتعرّض أحيانًا لمثل هذه الاتّهامات.

  • أذكر في إحدى المرّات أنه صادق شخصًا وبذل معه جهدًا كبيرًا، وبالطبع كان ذلك الشخص نقيًا. كان طيّب القلب، طاهر النفس، وكان هناك أفراد، لكنه وجّه اهتمامه إلى هذا الشخص دون سائر الأفراد، وقد تحسّنت حالته بعض الشيء وتقدّم، وتقدّم، وكان واضحًا أن هذه العلاقة قد أحدثت تغييرًا في حاله، وكان إعراضه عن التعلّقات مشهودًا تمامًا.

  • مرّ وقت على هذه القضية، ورأينا أنه ببطء بدأ اهتمامه بهذا الشخص يقل. قلّ ميله ولم يعد لديه الحماس السابق. ذات يوم، جاء أحد شركائه ومقربيه إلى المرحوم العلامة واحتج قائلاً: سيّدنا! هؤلاء الذين يأتون إلى هنا ويسمعون كلامك، فأين يذهب هذا الكلام إذن؟ فقال: ماذا حدث؟ قال: لقد جاء فلان واقترض مبلغًا كبيرًا من البنك، مالاً ربويًّا، ويريد أن يفعل كذا وكذا، وإذا فعل ذلك فدينه، ووقته، وعمره، وكلّ وجوده، كلّه بناءً على هذه القضية، مع العلم أنّ ذلك الرجل كان ثريًّا جدًّا، ثريًّا جدًّا. كلّه يبنيه على هذا الأساس. فقال المرحوم العلامة الطهراني: وهل نحن فارغون لنأتي ونشارك هذه المسائل مع هؤلاء الناس؟ اذهب وقل له نيابةً عني: إذا أردت أن تخرج خطوة واحدة عن الطريق الذي حدّدناه لك، فالسلام عليكم ورحمه الله وبركاته. روى ذلك الشخص: عندما ذهبت إلى المنزل وأوصلت إليه رسالة المرحوم العلامة، كان مريضًا ومصابًا بالحمّى، وكان طريح الفراش، وعندما أخبرته، صرخ صرخة كدت أقول معها إنه سيفارق الحياة، وبدأ يبكي، والتفت إليّ وقال: يا فلان، نحن لا نصلح لهذا السيّد، نحن لا نصلح لهذا السيّد. وبالطبع، لم يفعل ذلك العمل. لكنّه قال: هذا السيد يصلح لأشخاص آخرين، هذا هو الذي كانوا يقولون عنه إنّه يتواصل مع الأثرياء وما إلى ذلك. فهل تلتفتون؟!

الرضا بقضاء الله وجوده - لماذا لا يستجاب الدعاء؟

4
  • علينا أن نتأمل قليلاً في طريقنا ومسيرتنا، وأن نفكّر بشكل أفضل بعض الشيء، وأن ندرس المسائل بتوسّع ودقّة أكبر. 

  • الوصول إلى الدنيا يا سادة ليست بالأمر الصعب! فالدنيا والمال والأشياء الأخرى وهذه الأمور ليست صعبة. المهمّ هو الجواب في العالم الآخر، هذا هو الذي يقيّد الإنسان بعض الشيء. 

  • هؤلاء الذين هدفهم ومعاييرهم هي معايير الكثرة، قد ضلوا الطريق وابتعدوا عن المسار. 

  • بالنسبة لمن يسير في طريق الله، لا ينبغي أن تسبّب له القلّة الضيق، ولا ينبغي أن تسبّب له الكثرة الغفلة، فكلاهما واحد، يجب ألا يكون هناك فرق بين الحالين، فإن كانت القلّة تسبّب له الملل فهو مقصّر، وإن كانت الكثرة تسبّب له الغفلة، فهو مفوّت للفرصة أيضًا. 

  • قصّة سفر المرحوم العلامة الطهراني إلى العتبات المقدسة 

  • أذكر أنّ المرحوم العلامة الطهراني في إحدى السنوات، في رحلاته التي كان يقوم بها إلى العتبات المقدسة، كنتُ في الرابعة عشرة أو الثالثة عشرة من عمري. كانت آخر رحلة قام بها إلى العتبات. كان منزلنا في الأحمدية، ثمّ انتقلنا إلى المنزل الجديد. في ذلك الوقت، كان أحد أقاربه على وشك الزواج، ولم يكن لديه شيء. في الأيام الثلاثة الأخيرة، جاءت والدته إلى المرحوم العلامة وقالت: سيّدنا، ماذا نفعل؟ ليس لدينا شيء، وخلال يوم أو يومين، إما عقد أو زفاف، لا أعرف ما إن كان زفافًا أو عقدًا. القضيّة هكذا، وليس لدينا شيء. فقال المرحوم العلامة الطهراني: كنت قد خصصت ألفي تومان لأصطحبها معي في هذه الرحلة إلى العتبات. في ذلك الوقت، كان يسافر عادةً مع شركة (ميهن تور). وغالبًا ما كان يذهب أولاً إلى همدان ويمكث هناك ليلتين أو ثلاث، ثمّ تأتي الحافلة في ذلك الوقت للسفر إلى كربلاء، فيركب من همدان ويذهب. كانت رحلاته بهذه الكيفيّة عادةً.

  • كما سافر السيّد الحدّاد بنفس الكيفيّة، أذكر أنّه ذهب إلى همدان مرّتين. في المرّة الأولى، استغرقت الرحلة حوالي سبعة أو ثمانية أو عشرة أيام، وفي المرة الثانية، جاءت الحافلة من طهران ووصلت إلى هناك قبيل الظهر، وبعد أن قضى عدّة أيام في همدان، انطلق من هناك في الحافلة متوجهًا إلى العتبات المقدّسة في العراق. 

الرضا بقضاء الله وجوده - لماذا لا يستجاب الدعاء؟

5
  • قال: رأيت أن لديّ هذه الألفي تومان فقط. حسنًا، في ذلك الوقت كانت الألفا تومان مبلغًا كبيرًا، في ذلك الوقت، مقارنةً بالآن، كان كبيرًا جدًّا. أجل، ربما لا أعلم، مائتا أو ثلاثمائة ألف تومان الآن على الأقل. كم كان عمري في ذلك الوقت؟ حوالي ثلاثة عشر عامًا، قبل أربعة وثلاثين عامًا، فأنا الآن في السابعة والأربعين.فقد كبرت يا سادة! قبل أربعة وثلاثين عامًا كان مبلغًا كبيرًا جدًّا. قال: أخرجتُها وأعطيتها لأمّه. لم يكن في جيبي شيء آخر. أُقيم الحفل، وكنا حاضرين وهكذا. قال: عندما ركبتُ الحافلة متوجّهًا إلى همدان، كان في جيبي خمسة عشر قرانًا فقط. انطلقت إلى كربلاء بخمسة عشر قرانًا فقط. قال: ذهبت إلى كربلاء، وهناك، رحم الله المرحوم الشيخ بيات، كان هناك مع الأصدقاء وهكذا. قال: فأعطاني ثلاثة آلاف تومان من الوجوه الشرعيّة. فقلت: بارك الله بكم! فوضعتها في جيبي وذهبت إلى الكاظميّة، حفظ الله أحد أصدقائه الموجودين حاليًا، الحاج عبدالجليل الموجود حاليًا في الكويت. قال: أعطانا تسعة آلاف تومان أيضًا من الوجوه. فأصبح المجموع اثني عشر ألف تومان.فقلت: لقد أصبحت غنيًّا جدًّا الآن. ثمّ قال: حسنًا، لقد أصبحت غنيًّا جدًّا وتحسّنت أحوالي. وذهبت هناك إلى السيّد الحداد وهكذا. ذهبت إلى النجف، ووجدت رجلاً في النجف مديونًا والآن هو في طهران. فسألته: كم عليك من الدين؟ فقال: سبعة آلاف تومان. فقلت: خذ هذه السبعة آلاف تومان. فبقيت خمسة آلاف تومان. فأعطيتها للسيّد الحدّاد و عدت إلى طهران وليس لديّ أيّ مال. حتّى أنّني أذكر أنّه عندما نزل من السيّارة، أخذ أجرة الركوب من الوالدة. لأنّه لم يكن في جيبه مال.

  • أثر التجرّد على الروح 

  • حسنًا، فهذا هو الوضع وهكذا كان سير الأحداث، فكيف يشعر الإنسان وهو يرى هذه الكيفيّة وهذا الوضع؟ ومن يقوم بهذا العمل، ثمّ بذاك، ويذهب بتلك الحالة ويعود بها، ما هي حقيقة أمره؟ وما الذي يحدث في وجوده وما هي المسألة التي تتحقق في داخله؟ كيف يكون ذلك؟ جانبه التوحيديّ يصبح قويًّا. تعلّقه بالكثرات، تعلّقه بالكثرات هنا يتغيّر. 

الرضا بقضاء الله وجوده - لماذا لا يستجاب الدعاء؟

6
  • يقولون: لماذا أعطى فلان لفلان هذا المبلغ؟ لماذا فعل فلان كذا هناك؟ لماذا هذا؟ لماذا ذاك؟ لماذا لماذا؟ ﴿قُلِ ٱللَهُمَّ مَٰلِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ﴾۱ قل: اللهم يا مالك الملك، أنت مالك الملك، أنت صاحب التصرّف في الملك، تعطي الملك لمن تشاء، وتنزعه ممن تشاء. 

  • حال الأولياء: لا فرق بين القليل والكثير 

  • هذه هي طريقة العظماء وأولياء الله؛ لا فرق عندهم بين القليل والكثير، لا يختلف الأمر إطلاقًا. إذا كان القليل خيرًا لهم، فهذا ليس جيّدًا. بالنسبة للأفراد العاديين، هذا جيّد جدًّا. أعرف شخصًا من الأصدقاء والرفاق، إذا حصل على مال، فإنّه يحزن. هذا أمر مثير للاهتمام حقًّا. أي إن كان لديه، على سبيل المثال، ۱۰۰ تومان، يكون أسعد مما لو كان لديه ۱۰۰۰ تومان. إنّه يحزن أصلاً عندما يحصل على مال، ويقول: لماذا جاء هذا المال إلى هنا؟! بالطبع، هذه الحالة نادرًا ما تحدث للناس. فهو حزين، إنّه حزين حقًّا، سعادته تكون عندما لا يملك شيئًا، يكون سعيدًا، فيكون مبتهجًا حقًّا، لا أنّه يتظاهر بالسعادة وما إلى ذلك، ولكن هناك ما هو أسمى من ذلك، فالأعلى من ذلك هو ألا يختلف الأمر، وألاّ يكون هناك أيّ فرق بين أن يضعوا مليونًا هنا أو يضعوا بضعة من الحجارة.ف ما الفرق؟ كيف تنظر إلى بضعة أحجار؟! يجب ألا يختلف الأمر، يجب الوصول إلى حيث لا يختلف الأمر. وبالطبع، ليس من السهل الوصول إلى ذلك، إنّه سهل على اللسان. بالنسبة لهؤلاء لا يختلف الأمر، أجل، هم يؤدّون تكليفهم، فالتكليف له شأن آخر. 

  • وقد تنشأ مشاكل للناس في الظهورات، أن لماذا أعطى هذا السيّد قليلاً لهذا؟ ولماذا أعطى الكثير لذاك؟ لماذا؟! الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أعطى شخصًا منًّا كبيرًا من التمر، وكان هناك رجل آخر قد اعترض، فقال الإمام: أنا أعطي، وأنت تبخل؟!٢ 

  • وقد رأينا هذا الأمر، وهذا الاختلاف في المراتب، في طريقة المرحوم الوالد. كنّا نرى هذا الأمر هناك، فبحسب السعة، وبحسب الحاجة، وبحسب الضرورة، وبحسب المصالح، كانت هذه القضيّة تُراعى في كيفيّة مسائله. 

    1. سورة آل عمران (٣)الآية ٢٦.
    2.  وسائل الشّیعة، ج ٢، کتاب الزّکوة، باب ٣٩ از أبواب صدقه، ص ٥٦:
      عن الإمام الصادق علیه  السّلام: إنَّ أمیرالمؤمنینَ علیه السّلام بَعَثَ إلَی رَجُلٍ بِخَمْسَةِ أَوْسَاقٍ مِنْ تَمْرِ الْبُغَیْبِغَة ـ وَ فِی نُسْخَةٍ أُخْرَی:
      الْبَقِیعَةِ ـ وَ کان الرَّجُلُ مِمَّنْ یَرْجُو نَوَافِلَهُ وَ یُؤَمِّلُ نَآئِلَهُ وَ رَفْدَهُ؛ وَ کان لا یَسْأَلُ عَلِیاًّ علیه السّلام وَ لا غَیْرَهُ شَیْئاً.
      فَقَالَ رَجُلٌ لِامِیرِالْمُؤْمِنِینَ علیه السّلام: وَ اللهِ مَا سَأَلَکَ فُلانٌ؛ وَ كان یُجْزِیهِ مِنَ الْخَمْسَةِ أَوْسَاقٍ وَسْقٌ وَاحِدٌ!
      فَقَالَ لَهُ أمیرالمؤمنینَ علیه السّلام:
      لا کَثَّرَ اللهُ فِی الْمُؤْمِنِینَ ضَرْبك! أُعْطِي أَنَا وَتَبْخَلُ أَنْتَ؟!
      لَّهِ أَنْتَ! إذَا أَنَا لَمْ أُعْطِ الَّذِی یَرْجُونِی إلاّ مِنْ بَعْدِ الْمَسْأَلَةِ، ثُمَّ أَعْطَیْتُهُ بَعْدَ الْمَسْأَلَةِ، فَلَمْ أُعْطِهِ إلاّ ثَمَنَ مَا أَخَذْتُ مِنْهُ؛ وَ ذَلِك لِانِّي عَرَّضْتُهُ أَنْ یَبْذُلَ لِي وَجْهَهُ الَّذِی یَعْفِرُهُ فِی التُّرَابِ لِرَبِّي وَ رَبِّهِ عندَ تَعَبُّدِهِ لَهُ.

الرضا بقضاء الله وجوده - لماذا لا يستجاب الدعاء؟

7
  • سر التوحيد: الرضا بالقضاء في السرّاء والضرّاء 

  • إذًا، ما هي النقطة التي يجب أن نضعها في اعتبارنا في طريقة تفكيرنا وفي اتجاهنا الفكري؟ وما هو الأمر الذي يجب ألا ننساه في هذا السياق، وألاّ يغيب عن ذاكرتنا في السرّاء والضرّاء؟ الأمر هو أن نعتبر السرّاء والضرّاء أمرًا واحدًا. 

  • از خدا دان خلاف دشمن و دوست***که دل هر دو در تصرف اوست 
  • تیر گرچه از کمان همی گذرد***از کمان‌دار بیند اهل خرد
  • يقول: 

  • عدّ خلاف العدوّ والصديق من الله *** فقلباهما تحت سلطان الله 

  • فالسهم وإن كان ينطلق من الكمان *** ولكنّ أهل العقل يرونه من الرامي

  • فالمسألة ترتفع في مكان، وتنخفض في مكان آخر. وقد ذكرتُ ليلة أمس أنّه يجب التمييز بين هذا الأمر وبين التقصير الذي يرتكبه الإنسان في أداء واجباته. فهذا ليس صحيحًا، ولكن إن لم يكن الإنسان مقصّرًا في واجباته، يقول: سيّدنا، لقد التزمت بهذا الذكر، فلماذا لا تحدث لي حالة جيّدة؟ 

  • ـ هل تلتزم بالذكر من أجل الحالة الجيّدة؟ 

  • ـ لماذا فعلنا هذا العمل ولم يحدث لنا شيء؟ لماذا ذهبنا إلى الزيارة ولم يحدث لنا تغيير؟! لماذا ذهبنا إلى كربلاء لمدّة شهر ولكن أمورنا لم تتحسّن؟!

  • ـ هل تظنّ أنّ أمورك ستتحسّن بزيارة كربلاء لمرّة واحدة؟! فلو ذهبت مائة ألف مرّة لن تتحسّن الأمور. فعن أيّ كربلاء تتحدّث؟ 

  • ما هما الحجّ والزيارة المؤثّران؟

  • كربلاء التي يذهب إليها الناس بالطائرة، ثمّ يُستقبلون في فنادق كذا وكذا، وتقدّم لهم الخدمات، هل يريد الإنسان أن تتحسن أموره بمجرّد هذه الزيارة لكربلاء أو لمكّة ؟ لقد أنعم الله علينا بفضل وعناية، وعلى الإنسان أن يشكره. آلاف الناس ألقوا بأنفسهم في ألف بلاء ومصيبة، ولم يتّضح لهم هل قبلوا أم لا، ثمّ بعد ذلك يقول هؤلاء: سيدنا لقد زرنا كربلاء، فلماذا لم تتحسّن أمورنا؟! 

  • ـ ماذا فعلت عندما زرت كربلاء؟! ماذا فعلت عندما زرت مكّة؟ لو كان الأمر يتحقق بمجرد الزيارة لزار كلّ الناس وأصبحوا عرفاء. تُأمرون ببضع أوامر فلا تلتزمون بها. قولوا الحق، استمعوا، لماذا تزورون كربلاء؟! تُأمرون بكلمتين تخالفان النفس فلا تصغون... . 

الرضا بقضاء الله وجوده - لماذا لا يستجاب الدعاء؟

8
  • زيارة كربلاء لا تخالف النفس، بل فيها متعة كبيرة، فالإنسان يذهب ويتنزّه، ويذهب إلى هنا وهناك ويشاهد ويفرّج عن همّه،و يرى ما يحدث هنا، وماذا يباع في هذا الدكان، وماذا يباع في ذلك المتجر. إنه أمر جيّد جدًّا. ومكّة أفضل، والحمد للّه كلّ شيء متوفر الآن. في المدينة، يذهب إلى السوق ليشتري الأقمشة، والهدايا التذكاريّة، وأمثال ذلك، يشتري الأحذية والقبّعات وغيرها ويرى السيّارات. الزينة والدنيا وما يحدث فيها. إنّها رحلة سياحيّة ممتعة جدًّا، وممتعة جدًّا، وفيها نعمة عظيمة. من قال إن زيارة مكّة فيها مشقة؟! إنّها رائعة جدًّا. ينزلون في أفضل الفنادق، يذهبون بالناس إلى غرف لا يجدون مثلها في منازلهم. أليس الأمر هكذا؟! 

  • أين هؤلاء الذين كانوا يسافرون أربعة أشهر على ظهور الإبل، وتُقطع رؤوسهم عند قطّاع الطرق؟ وأين هؤلاء الذين يُنقلون ساعتين بأفضل الطائرات الأمريكيّة إلى هناك؟ يقولون: نعم يا سيدنا! سافرنا إلى مكّة يا سيّدنا ولم تتغير أحوالنا. أحوال الإنسان لا تتغير بزيارة مكّة يا عزيزي. أجل، إن زرت مكّة بوعي، فربّما يكون هذا أحد الأسباب والمهيّئات. أحوال الإنسان لا تتغيّر بمكة، وخاصّة مع هذه الزينة الحاليّة. 

  • ذهبت سيدة إلى هناك، وبعد ثلاثة أيام ـ وذلك في هذه الرحلة الأخيرة لي ـ وقد رأيتها بنفسي تقول: إلهي الويل لي، إلهي كذا وكذا. قلت: ماذا حدث؟ 

  • قالت: لقد مضت ثلاثة أيام على مجيئي ولم أزر النبيّ بعد! 

  • فقلت: حقًّا الويل لك! قلت هذا ومضيت. ماذا أقول لها؟! يا عديمة الإدراك، جئتِ إلى هنا منذ ثلاثة أيام، وتقولين: الويل لي لم أزر النبي! نعم، يجب أن يكون لك الويل. الآن تنهضين وتذهبين الأسواق... للأسف، هذا العام واجهنا مشاهد قبيحة جدًّا من هؤلاء الإيرانيّين. نساء كنّ يأتين إلى هناك، إلى المدينة المنوّرة وإلى المسجد النبويّ، رأيت شعرهن مكشوفًا. بمانطو وبأغطية رأس كانت غير ساترة... وسمعتُ بنفسي أن رجال الأمن في المسجد النبويّ والمسجد الحرام كانوا يقولون: انظروا إلى هؤلاء الإيرانيّين بأيّة حال جاؤوا! إمام جماعة المسجد الحرام قرأ ذات ليلة آية الحجاب، حسب ما أتذكّر. لقد تسبّبوا في فضيحة كبيرة. فقد كان الأمر مخزيًا حقًّا هذا العام؛ أقدس مكان في العالم! وهؤلاء شيعة! ومن بلد إسلامي! ثم تخرج النساء بهذه الحالة، رأيتُ بعينيّ في المسجد الحرام، شعرهنّ كان مكشوفًا تمامًا، وبأيّ حال. حسنًا يا عزيزتي، اذهبي إلى أمريكا، اذهبي إلى إسرائيل، اذهبي إلى أيّ مكان آخر، لماذا تأتين وتنجّسين حرم المسلمين؟ وتتسبّبين في فضيحة؟ وتصلين إلى هذا الوضع؟ حسنًا، لم يجبركِ أحد على المجيء إلى هنا.

الرضا بقضاء الله وجوده - لماذا لا يستجاب الدعاء؟

9
  • ما هو هدفنا من سلوك الطريق؟ 

  • حسنًا، هذه السيدة التي جاءت بهذا الوضع، وبهذه الكيفيّة، هل جاءت من أجل الله حقًّا؟! هل جاءت من أجل الله حقًّا؟! يجب أن نعلم ما هو هدفنا في طريقنا هذا، وفي مسيرتنا هذه، وإلى أيّ اتجاه يجب أن نسير، وما هي النقطة التي يجب أن نضعها دائمًا أمام أعيننا، ولا ندع تلك النقطة تتلاشى، أو تتحوّل إلى هنا وهناك. ما هي المسألة التي يجب أن نضعها أمام أعيننا؟ كلّما رأينا أن عملنا يتطابق مع تلك النقطة، نتقدّم، وكلّما رأينا أنّه لا يتطابق، نتقهقر خطوة إلى الوراء ولا نتحرّك. 

  • يقول الإمام عليه السلام: في الإنابة إلى جودك. حسنًا، يجب أن نتوجه إليه، يجب أن يكون تذلّلنا لجوده. يجب أن يكون ابتهالنا له. فهذا الأمر تامّ من جهة، والواقع هو كذلك.

  • ذُكِرَ سابقًا، أنّه أينما توجّهت، فهناك شيء ما في الأمر. هناك مسألة. قلّت أو كثرت، فالدنيا مختلطة على كلّ حال. الدنيا مختلطة على كلّ حال. 

  • يجب أن يأتي هذا يومًا، ويجب أن يذهب يومًا آخر. يجب أن يجيب هذا يومًا، ويجب أن يجيب ذاك يومًا آخر. هذا هو شأن الدنيا. 

  • فإذن، تبيّن من هو الطرف الذي يجب أن نتعامل معه، وما هي النقطة التي يجب متابعتها في جميع هذه الأمور. 

  • حسنًا، الآن وقد توجّهنا إليه، فهل يجب أن نطلب منه كلّ شيء؟ وماذا نفعل إن لم يعطِ؟ في كونه هو الطرف، لا شك في ذلك. في كونه أفضل طرف، لا شك في ذلك. ولا شك في في كونه أصل جميع الجود وأنّ جميع الخيرات من جانبه. لكن هل يجب أن يقبل بكلّ ما نقول ويعطي كلّ ما نطلب؟ إذًا، لا قيمة لعطائه، وبماذا يختلف عن عطاء غيره؟! 

  • فما الفرق بين أن يذهب الإنسان إلى هذا البنك، أو إلى ذاك؟ إن ذهب الإنسان إلى أصحاب الدنيا وطلب منهم، فبالطبع سيعطونه.

  • لقد جاء رجل قبل بضع ليالٍ من مكان ما، وكان في ضائقة شديدة، شديدة جدًّا، فرّج الله عنه، إن شاء الله ادعوا له. ثمّ في سياق حديثه قال: «ذهبت إلى مكان ما، فقالوا: يلا فلان أنت تابع لأيّة جماعة؟ لليمين أم اليسار؟ للشمال أم الجنوب؟! وقالوا: يا عزيزنا لو كنت تابعًا لواحدة من هذه الجماعات، لحُلّت مشكلتك بمكالمة هاتفيّة مدتها عشر دقائق. أما الآن فعليك الركض لمدّة أربع سنوات. 

الرضا بقضاء الله وجوده - لماذا لا يستجاب الدعاء؟

10
  • حسنًا، إن كان يأتي إلى إنسان فيحقّق له ما يريد أو يأتي إلى الله ويحقّق له ما يريد، فما الفرق إذن بين الحالين؟ سيكونان كلاهما على حال واحدة في النهاية. سواء كان المال هنا وأخذته، أو كان هنا وأخذته، فكلاهما ألف تومان في النهاية. 

  • لكنّ الإمام السجّاد هنا يعلّمنا ويقول: التفت! صحيح أنّك تتوجّه إليه. لكنّ الأمر ليس هكذا أن يستمع إليك في كلّ ما تريد. يجب أن تتوجّه إليه، ولكن يجب أن تقبل ما يريده هو.

  • لماذا لا تتحقّق رغباتنا؟ 

  • هنا تكمن مشكلتنا جميعًا. ربما يمكننا جميعًا أن نقبل هذا الأمر، وهو أنه لا أحد غير الله يمكن أن يكون لنا أساسًا وهدفًا وغاية للوصول إلى الكمال والتقدّم والتكامل. ولكنّنا نعلق في هذه النقطة: لماذا لا يتحقّق ما نريده؟ هذه هي المسألة. لو كان يتحقّق، لما كان مهمًّا، سواء ذهبت إلى جهة أخرى لتلبية طلبك، أو جئت إلى هذا ليقضي حاجتك. مثل أن يكون لدى الإنسان عدّة أطبّاء ولديه مرض. بطنه تؤلمه، فيذهب إلى هذا فيعطيه دواء، أو يأتي إلى ذاك فيعطيه الدواء نفسه. في النهاية، الدواء واحد. أما لو كان الأمر أن يذهب الإنسان إلى أحدهم فيقول له: دواؤك هو هذا، ثمّ يأتي إلى آخر فيقول له: كلا، عليك أن لا تتناول الدواء، بل تتحمّل الألم فقط. فأيّ منهما سيقبل؟ يجب أن تتحمّل الألم، تحمّل الألم قليلاً وسيتحسّن حالك.

  • علاقة الله بعباده هي هكذا أيضًا. فهل يجلس الله ليستمع إلى كلامنا؟ حسنًا، هذا يجعلنا نحن الآلهة وهو العبد. أم لا، بل يجب أن نستمع نحن إلى كلامه. يجب أن نرضى بما قدّر لنا. يجب أن نرضى بالملف الذي كتبه لنا. يجب أن نرضى بما يقدّره لنا.

  • شروط الرضا بالقضاء الإلهيّ 

  • بالطبع، ذكرتُ ليلة أمس، بشرط ألا نقصّر نحن. ليس أن نُلقي بأنفسنا في أيّ طريق، ثمّ نقول: هذا قضاء وقدر، حسنًا، لقد حدث لنا. لا، ليس هكذا. بل يجب على الإنسان أن يؤدّي عمله بشكل صحيح، وأن يسلك طريقه بشكل دقيق، ووفقًا للتكاليف التي فرضها، وعلى أساس الموضوعات والطرق الحقيقيّة، والطرق التي يصفها العقل والشرع لحركة الإنسان، ويوافق عليها، ثمّ ليحدث بعد ذلك ما يحدث.

الرضا بقضاء الله وجوده - لماذا لا يستجاب الدعاء؟

11
  • «وَالرِّضَا بِقَضَائِكَ» فالنقطة تكمن هنا، أنّ على الإنسان أن يرضى بذلك القضاء الإلهيّ، وأن يرضى بما قدّره الله له. لا ينبغي أن يقول: «آه» و «آخ». لا ينبغي أن يقول: لماذا هكذا ولماذا ذاك؟ هل قمنا بأعمالنا بشكل صحيح حتّى نقول الآن «آه»؟ هل عمِلنا بما أُمرنا حتّى نقول الآن «آه»؟! نحن نعمل عمليًّا خلاف تعليمات المرحوم العلامة ثمّ نقول: لماذا لا يعمل الله حسب رغبتنا؟! نحن نفعل عمليًّا ما قال إنّه غير جائز، ثم نريد أن يعمل الله حسب أوامرنا؟ لقد اخترنا عمليًا طريقًا آخر. ونحن نلعب بالكلمات فقط. ثمّ نريد أن يأتي الله ويستمع إلى كلّ ما نقوله؟ 

  • لماذا يشدّد الله على بعض العباد؟ 

  • قال لي المرحوم العلامة مرّة، وقد جاء إليه بعض الناس، وكانوا يعترضون على توجيه معين. وعندما ذهبوا، قال لي: يا فلان، هل تعلم لماذا لا يكشف الله كرب هذا الرجل؟ لأنّه لو كشف كربه، لظلم زوجته وأولاده. فالله لا يكشف كربه، أي أن هذا الرجل لا يتحمّل الراحة، لا يتحمّل الانبساط، لا يتحمل سعة قليلة. إنّه ظالم. والله، بسبب رحمته لزوجته وأولاده، يعقّد أموره دائمًا ويدخل المشاكل في أموره. كانت هذه عبارته بالضبط. 

  • بعض الناس لديهم قدرة على التحمل، يمكنهم تقبّل أمر ما، إذا أحسن الإنسان إليهم، لا يضيعون طريقهم. إذا أحسن الإنسان إلى بعضهم، أو لطف بهم، فلا يختلفون. يبقى طريقهم هو نفسهو مسارهم هو نفسه وطريقتهم هي نفسها. لا تختلف طريقة سلوكهم، لكنّ البعض الآخر ليسوا هكذا! بل إن تعطه الحلوى يضيع نفسه، يضيع نفسه. تعطيه قطعة شوكولا، فيضيع نفسه. 

  • وهنا تكمن النقطة! المسألة هي أنّ الله لا يعطي أحدهم ويحرم الآخر عبثًا. ليس عبثًا. لا ينبغي للإنسان أن يقول: يا إلهي، لماذا تعطيه وتحرمني؟ لماذا أعطيته قليلاً؟ أعطيته كثيرًا؟ لماذا أعطيته هكذا، ولماذا أعطيته هكذا؟ 

  • قصّة اعتراض أحدهم على علاقة المرحوم العلامة الطهراني بـالمرحوم المطهري 

  • جاء إليّ أحدهم ذات يوم معترضًا أن لماذا يهتمّ المرحوم العلامة بالمرحوم المطهري بهذا الشكل؟ بينما لا يعير اهتمامًا لأحد السادة من علماء طهران ـ والذي لا يزال حيًّا على ما يبدو ـ على الرغم من أنّ هذا الثاني يأتي إلى منزله، إلا أنّه لا يكترث به كثيرًا، في حين أنّه كذا وكذا وله مقام كذا، وهو هكذا مع ذاك رغم أنّه لا يتمتّع بما يتمتّع به هذا؟! فلماذا يجب أن يكون الأمر هكذا؟!

الرضا بقضاء الله وجوده - لماذا لا يستجاب الدعاء؟

12
  • بالطبع، أجبته جوابًا على البداهة هكذا فقلت: إن كنت أستاذًا، فلتجلس مكان المرحوم العلاّمة. كان هذا جوابًا له، ولكن بالنسبة لي، بقيت المسألة موضع سؤال في النهاية، فهو سؤال في النهاية. حتى جاء يوم من الأيام، فرأيت أنّ ذلك السيّد جاء إلى المنزل، وقضينا نصف ساعة، نتحدّث هكذا، وفي ذلك المجلس، اتّضح لي أنّه لو أراد أن ينضمّ إلى تلامذة المرحوم العلاّمة، فلن تكون منه سوى المتاعب والتعقيدات والإيذاء والتمحور حول الذات. أي في نصف ساعة فقط، أدركت أنّه لن يسلّم أبدًا، ولن يتخلّى عن أموره وشؤونه.

  • الفرق بين الشيخ مطهري والآخرين في التسليم للأستاذ 

  • في حين أنّ المرحوم المطهري لم يكن هكذا. بالطبع، لا نقول إنه كان مسلّمًا مائة بالمائة لا، ولكن أنا نفسي سمعتُه عند الباب عندما أراد أن يودّع المرحوم العلاّمة، التفت إليه وقال: هل أواصل محاضراتي في مسجد الجواد أم لا؟ فأجابه: واصل. 

  • والآن هذا الرجل يقول: لماذا السيّد محمد حسين يتواصل معه ولا يتواصل مع هذا؟ فما دخلك أنت في ذلك؟! وهل أنت تعلم؟! وهل أنت في قلبه؟! وهل أنت في نفسه؟! وهل أنت في عقله؟! أنت ذرّة ومثقال، فكيف تريد أن تجعل نفسك ندًّا ومساويًا لجبل أبي قبيس؟! ماذا تعرف أنت؟! أنت تنظر فقط إلى نظرة ذاك الرجل وابتسامته ولحيته البيضاء المسرّحة والبراقة ووجهه النوراني الذي لا يعلم إن كان هو كذلك بسبب خروجه للتوّ من الحمام أو بسبب شيء آخر مثلاً، فأنت تنظر إلى هذا فقط، لكن هل رأيت أيضًا ما هو مخفيّ في القلوب؟ لو رأيته ثمّ اعترضت، لكان كلامك مقبولاً. إن كان ما أخفاه كلّ منهم في نفسه، وأخفاه كسرّ لا يُظهروه لأحد، فلو كان لديك جوهر، جوهر، ذهب أو أيّ شيء ثمين جدًّا، ماذا تفعل به عندما تريد أن تحتفظ به؟! هل تتركه هكذا على الرفّ؟ لو كان لديك ماسة ثمينة جدًّا، فأين تضعها هل تضعها على الرفّ؟ أم لا تضعها بل في صندوق، والصندوق أيضًا داخل صندوق من هذه الخزنات الحديديّة التي يصنعونها، وماذا يسمّونها؟! نعم، من هذه التي تكون قويّة جدًا. فتضعه هناك وتغلق بابه، ثمّ تخفيه. لماذا؟ لأنّه سرّ. فهؤلاء يعتبرون الشيطان الكامن في دواخلهم سرًّا لهم. فهل يأتون ليظهروه لي ولك؟! يظهر لك لحيته المخضّبة بالحناء. يظهر لك حالة التواضع، لا شيطانه الكامن. لا أحد يستطيع أن يفهم شيطانه الكامن. 

الرضا بقضاء الله وجوده - لماذا لا يستجاب الدعاء؟

13
  • يقولون: فلان طيّب، لكنّنا لا نعلم لماذا فلان لا يعيره اهتمامًا، هذا الرجل المتواضع الطيّب جدًّا. فهل تعلم من أين يأتي هذا التواضع؟! هل تعلم ما هو أصل هذا التواضع؟! هل تعلم؟! هل لديك علم بأنّ أصل هذا التواضع هو إلهيّ أم أنّ كلّه لعب يا أخي؟ كلّ هذا لعب. كلّ هذا مكر شيطانيّ. لكن ماذا؟! المسألة مخفيّة في ألف غطاء، وألف حجاب. 

  • أمّا الوليّ، بل ولا يلزم أن يكون وليًّا يا عزيزي، فلو خطا خطوتين فقط، فإنّه يدرك هذه الأمور. هذه ليست شيئًا مهمًّا. ينظر قليلاً فيقول: آه! هذا من كانوا يقولون عنه كذا؟! هذا ما كانوا يقولون عنه؟! 

  • قصّة المرحوم جدّنا الحاج معين مع مدّعي الإمامة 

  • رحم الله جدّنا المرحوم الحاج معين. كان رجلاً طيّبًا جدًّا. لكنّه كان بسيطًا وعفويًّا وهكذا. لا أعلم إن كنت قد ذكرتُ هذه القصة أم لا؟ على كلّ حال، لقد حان وقتها. هذه القصّة رواها لنا المرحوم السيد الحدّاد بنفسه. كنّا في جلسة في كربلاء، وتحدّثنا في تلك الليلة عن هذا الأمر. كان هناك شخص جاء ليلتقي المرحوم الحاج معين، وذهب إلى السيّد الحدّاد قائلاً: سيدنا، لقد وجدتُ الإمام المهدي! لقد وجدتُ الإمام المهدي! وخلاصة الأمر، هيا بنا نذهب لنراه! 

  • فقال: أين هو؟ 

  • قال: في إحدى حجرات مسجد الكوفة. هيا لنذهب ونراه. 

  • فقال السيّد الحدّاد: لنذهب. 

  • فقال: حسنًا، ما دمنا ذاهبين، فلنأخذ علبة حلوى للإمام المهدي، ولنشترِ علبة حلوى أيضًا. ليحلّي الإمام المهدي فمه. فمن السيء أن نذهب إليه خالي الوفاض. يقولون إنّه من السيّئ أن يذهب الإنسان إلى مكان ما خالي الوفاض، فليأخذ كيلو من الفاكهة أو علبة حلوى، بقلاوة أو ما شابه. قال: فاشترينا وذهبنا. كان يحكي هذا للمرحوم العلاّمة، وكنت حاضرًا في ذلك المجلس. فقد ذهب برفقة شخص آخر هو الحاج محمد علي خلف زاده، وواحد أو اثنين آخرين أيضًا. 

  • قال: فذهبنا برفقته إلى النجف، وزرنا هناك، ثمّ جئنا إلى مسجد الكوفة. وعندما دخلنا مسجد الكوفة، أشار رحمه الله إلى إحدى تلك الحجرات، وقال إنّه هناك. وخلاصة القول، تراجع هو قليلاً مراعاةً للاحترام والأدب والتواضع أمام ساحة ذلك الرجل غير المقدّس الموجود هناك. قال: تقدّمنا، وتقدّمنا حتّى وصلنا. وقال: وعندما تقدمنا، لم يكن هناك باب، كانت هناك حجرة مفتوحة، وكان هناك رجل جالس هناك. قال: نظرتُ إليه، ثم التفتُّ إليه وقلت: هل هذا هو الإمام المهدي؟! هل هذا هو الإمام المهدي؟! أهذا هو؟! قلت: أهذا هو الإمام المهدي؟! فعدنا ولم نعطه الحلوى، وأرجعناها معنا. قال: عدنا، ومرّ وقت على هذه القضيّة، مرّ وقت عليها، وبعد سنتين أو ثلاث، اتّضح أنّ هذا الرجل كان يقيم علاقات مع نساء متزوّجات. فهل تدركون كم المسألة خطيرة؟! من يدرك هذا الآن؟ وقد انكشفت فضيحته في بغداد، وهرب، وطاردوه فهرب وجاء إلى إيران واختفى.

الرضا بقضاء الله وجوده - لماذا لا يستجاب الدعاء؟

14
  • فمن يدرك هذا؟ لحية متناسقة جدًّا، ملامح غير ملكوتيّة متناسقة جدًّا، وجه، عبادة. في النهاية، هذه أمور... والشيطان لديه الكثير من هذه الفخاخ وهذه الحيل والكلام المعسول. لديه الكثير جدًّا. 

  • تدبير الله في تغيير الأحوال 

  • يجب على الإنسان أن يحاسب نفسه بشأن ما يريده من الله؛ فالله الذي لديه القدرة في لحظة واحدة على تغيير هذه الحالة إلى حالة أخرى، لماذا لا يغيّرها؟! لماذا؟! لا خلاف لدينا في هذا. لو سألوا كلّ واحد منا، نستطيع أن نقول إنّنا لا نشك في هذا الأمر، فعلى الأقل لا نشكّ. لماذا لا يفعل هذا؟ في لحظة واحدة، ينقلنا من هذه الحالة إلى حالة أخرى. 

  • روى أحد الأصدقاء قائلاً: كانت لديّ مشكلة، ولن أوضح أكثر، كانت لديّ مشكلة، ومررت بالكثير من التقلّبات، حتّى جاءتني هذه الحالة فجأة، تركت الأمر تمامًا، أخرجت المسألة من نفسي تمامًا، مهما حدث فليحدث، يا إلهي، مهما تريد فليكن، ما إن جاءت هذه الحالة حتى رأيت الأمر قد تغيّر فجأة، انقلب رأسًا على عقب، وكأن شيئًا لم يكن، وكأن لم تكن هناك أيّة مشكلة. أبدًا أبدًا، لا شيء على الإطلاق.

  • معنى الرضا بالقضاء الإلهيّ 

  • ما معنى مسألة الرضا بالقضاء الإلهي؟ معناها الرضا بأنّك يا إلهي أبونا، أنت مولانا. أنت صاحب اختيارنا، أنت المدبّر لأمورنا جميعًا، ونحن لسنا شيئًا، هذا هو معنى الرضا، هذا المعنى هو معنى الرضا بالقضاء الإلهي. يا إلهي، نحن عبادك، أعطيتنا وقتًا قليلاً في هذه الدنيا، والوقت بيدك لا بيدنا. كلّفتنا بواجبات، وكان توفيقك هو سبب أدائنا لها، وتقصيرنا كان بسبب أنفسنا، ولا يجب أن نطلب من الله شيئًا في مقابل هذا الأمر، بل نطلب عبوديّته فقط. العبوديّة تعني التسليم، العبوديّة تعني عدم رؤية أيّ شيء آخر، العبوديّة تعني عدم الطلب. هذا المعنى هو معنى الرضا بالقضاء الإلهي. 

  • قصّة الإمام الصادق عليه السلام مع أبي بصير 

  • الآن، وفقًا لقول الإمام الصادق عليه السلام لأبي بصير، عندما سأله الإمام... كان الإمام قد ذهب لزيارته وهو مريض. فقال: يا أبا بصير، كيف حالك؟ فقال: الحمد للّه، حالي أني أحب المرض أكثر من الصحة. وأحب الفقر أكثر من الغنى والضيق. فقال الإمام: لا، نحن أهل البيت لسنا هكذا. نحن إذا أراد الله لنا الفقر، أحببنا الفقر. وإذا أراد لنا الغنى، أحببنا الغنى. وإذا أراد لنا المرض، أحببنا المرض. وإذا أراد لنا الصحّة، أحببنا الصحّة.۱ فالإمام يريد أن يربّيه، فيقول: يجب أن تكون حالتك هكذا. لماذا؟ 

    1. ورد مضمون هذا الخبر في جامع السعادات ج ٣ص ٢۸٦عن الإمام محمد بن علی الباقر علیهما السلام قال لجابر ابن عبد اللّه الأنصاری و قد اکتنفته علل و اسقام، و غلبه ضعف الهرم: «کیف تجد حالک؟» قال: أنا فی حال الفقر أحب إلیّ من الغنی، و المرض أحب الیّ من الصحة، و الموت أحب إلی من الحیاة. فقال الامام (ع) : «أما نحن أهل البیت، فما یرد علینا من اللّه من الفقر و الغنی و المرض و الصحة و الموت و الحیاة، فهو أحب إلینا». فقام جابر، و قبل بین عینیه، وقال: صدق رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) حیث قال لی: «یا جابر! ستدرك واحدا من أولادی اسمه اسمی، یبقر العلوم بقرًا.»
      وعن إحقاق الحقّ ج۱۱ ص ٥٩۱: قيل للحسين عليه السلام: ان اباذر يقول: الفقر أحب إلى من الغنى، والسقم أحب إلى من الصحة، فقال عليه السلام: «رحم الله تعالى أبا ذر، أما انا فأقول: من اتكل على حسن اختيار الله تعالى له لم يتمن غير ما اختاره الله عزوجل».
      وفي بحار الأنوار : ج ۹۹ ص٣۹ ح ٣٦: عن يونس بن يعقوب عن العقرقوفي قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام: شيء يروى عن أبي ذر (رحمه الله) أنه كان يقول: ثلاثة يبغضها الناس وأنا أحبها: أحب الموت وأحب الفقر وأحب البلاء، فقال: «إن هذا ليس على ما تروون، إنما عنى: الموت في طاعة الله أحب إليّ من الحياة في معصية الله، والفقر في طاعة الله أحبّ إلي من الغنى في معصية الله، والبلاء في طاعة الله أحبّ إليّ من الصحّة في معصية الله.»

الرضا بقضاء الله وجوده - لماذا لا يستجاب الدعاء؟

15
  • از خدا دان خلاف دشمن و دوست***...
  • يقول: 

  • عدّ من الله خلاف العدوّ والصديق *** ...

  • الفقر والغنى كلاهما بيد الله. هذا الإله الذي أفقرك، غدًا في لحظة واحدة يغنيك. في لحظة واحدة يغنيك. 

  • قصص حقيقية عن انقلاب الحال 

  • منذ فترة وجيزة، كان أحد الأفراد، وكان من أقاربنا البعيدين تقريبًا. كان يعيش حياة متوسّطة، بل تحت المتوسّطة بقليل، متوسّطة جدًّا جدًّا.و فجأة، توفي شخص في مكان ما، خارج إيران، في نقطة نائية من العالم، ولم يكن لديه أيّ وريث، وكان هذا القريب هو وريثه الوحيد. وكان ذلك المتوفى ثريًّا جدًّا. مات هو، وهذا أصبح مليارديرًا، في لحظة واحدة، لحظة واحدة. هذه المرأة التي كانت تقف في البنك لتأخذ راتب زوجها الذي توفي، لا أعرف كم كان شهريًّا، ستين أو سبعين تومان، لم تعد تتذكّر البنك إطلاقًا. في لحظة واحدة؟ في لحظة واحدة يصبح الفقير غنيًّا، وفي لحظة واحدة يصبح الغنيّ ماذا؟ يقرّون قانونًا، وفجأة يصبح الإنسان فقيرًا. تتعلّق إرادة، فيصبح فقيرًا. تنشأ مشكلة في الأعمال، فتنهار جميع الأعمال، ويصبح الإنسان ماذا؟ فقيرًا فقيرًا. 

  • عندما كنّا في مسجد القائم، كان هناك رجل عجوز نورانيّ جدًّا. كنتُ معجبًا به كثيرًا. في ذلك الوقت القديم، في عهد الشاه، في ذلك الزمان القديم، كان نورانيًّا جدًا. ذات ليلة، عندما كنّا عائدين من المسجد، قلتُ للمرحوم العلامة الطهراني: سيدنا، أنا معجب بهذا الرجل العجوز كثيرًا. كان حديث العهد بالمجيء، وكان تركيًّا اللغة، ولهجته كانت تركيّة.ف قلت: أنا معجب به كثيرًا. فقال: نعم. وقال: هل تعلم من هذا؟ هذا كان أغنى رجل في تبريز، أغنى رجل. والآن هو بحاجة إلى قوت يومه! قوت يومه! لقد ذهب إلى مكان ما، استأجر غرفتين أو غرفة واحدة له ولزوجته، بمساعدة المرحوم العلامة الذي كان يهتمّ به، ولكن لو كنت مكانه، لما فقدت هذه الحالة. لأن النورانيّة التي رأيتها فيه في ذلك الوقت كانت عجيبة. في ليلة واحدة يا عزيزي، في ليلة واحدة، يتحوّل أغنى رجل إلى ماذا؟ إلى من يجب أن يستأجر غرفة واحدة في ناصر خسرو مع حمّام، ولا يستطيع أكثر من ذلك. هذا الرضا بالقضاء الإلهي... حسنًا، ربّما رأى الله صلاحًا له في آخر عمره، ثم ّيموت، ليتخلّص من التعلّقات الكثيرة، وتزول تلك الكثرات وهذه الأمور كلّها، وخلاصة القول، يكون في حال أفضل من السابق. 

الرضا بقضاء الله وجوده - لماذا لا يستجاب الدعاء؟

16
  • محاولات تغيير القضاء الإلهيّ 

  • هنا، كان هناك الكثير من الناس، وما زالوا، يغفلون عن هذه المسألة، ويحاولون تغيير القضاء الإلهيّ. تنشأ مشكلة، فيقولون: لنقرأ دعاءً، لنفعل شيئًا، يا فلان، ذكرًا أو ما شابه، لحلّ المشكلة. بينما القضاء الإلهيّ ليس رفع تلك المشكلة. تنشأ قضيّة، فيحاولون حلّها بالوسائط. وكان هذا موجودًا في الماضي أيضًا. كلّ هذا ماذا؟ كلّ هذه الأمور تتعارض مع المسار الإلهيّ ومسار التوحيد. فالله يريد في وقت ما لشخص، وفي وقت آخر لا يريد، ليس من الصلاح له. يجب أن يفعل هذا غير ذلك. 

  • لقد قرأتُ في أحوال أحد الأشخاص المتوفين، أنه كان يقوم بهذه الأعمال لطلابه. إذا كاد أن يفلس، كان يفعل شيئًا، ذكرًا، توسّلاً، أو شيئًا ما من هذا القبيل، فيمنع ذلك، أو إذا كان هناك مرض، فيدعو دعاءً، ويتوسّل توسلاً أو ما شابه فيغيّر الأمر بطريقة أخرى. وكان معروفًا بين طلابه بأنّه يرفع المشاكل والضيق والصعوبات التي تواجههم بواسطة التوسّلات وبهذه الأذكار والأوراد، وبهذا يمدحونه ويذكرونه بالعظمة. أي أنّه كان يتمتّع بمثل هذه الكرامات. كنتُ أقرأ في أحواله أنه بعد وفاته، بعد أن توفي، رآه أحد طلابه في المنام فقال له: كيف حالك؟ 

  • فقال: ليتني لم أفعل عملاً واحدًا. 

  • قال: أي عمل؟! 

  • قال: كانت تلك المشاكل كلّها أقدارًا إلهيّة لتكاملي، وكنت أبعدها عن نفسي بالتوسّلات، والآن أرى كم خسرت، ولن تعود. ثمّ بدأ ينصح: إياكم إذا واجهتكم مشكلة أن تبحثوا عن هذا. إيّاكم إذا واجهتكم مشاكل أن تذهبوا وراء الذكر والتوسّل وما إلى ذلك. دعوا القضاء الإلهيّ يأتي ويحدث بنفسه. يعطي مرضًا، ويعطي صحّة. يعطي فقرًا، ويعطي غنى. يعطي فقرًا ويعطي ضيقًا. يعطي فرجًا ويعطي فرحًاو يعطي قبضًا، ويعطي انبساطًا. دعوا ما يريده هو أن يأتي ويحدث. هذه المنهجيّة وهذه المدرسة رأيناها في مدرسة المرحوم العلاّمة

  • منهج السيد العلامة الطهراني في التسليم للقضاء 

  • كان هو هكذا، أي لم يكن يريد، لا بالنسبة لنفسه، ولا بالنسبة لطلابه، أن يغيّر ما هو مقدر. كانوا يأتون إليه، وأحيانًا يقولون: سيدنا الأمر بيدك، لو أردت لغيّرت. حسنًا، إن كان هذا هو ما يريده الله، فلماذا تضعونه على عاتق المرحوم العلاّمة؟ تقولون: لو أردتَ. ولو كان غير ما يريده الله، فلماذا جئتم إلى هنا؟ اذهبوا في سبيلكم. لو أراد الأستاذ شيئًا يخالف إرادة الله، فهو ليس أستاذًا، بل هو شيطان. وإن كان ما يريده هو عين إرادة الله، فلماذا تقولون إنّه بيدك؟ وإن كان من المفترض أن يحدث أمر ما، فإنه سيحدث في وقته. يحدث بنفسه في وقته ومكانه. وفي هذا المجال، الحكايات لا تعدّ ولا تحصى، كثيرة جدًّا! 

الرضا بقضاء الله وجوده - لماذا لا يستجاب الدعاء؟

17
  • إذًا، لم يقرن الإمام السجّاد عليه السلام هاتين الفقرتين عبثًا:

  • الأولى: إلى أين نذهب، وإلى من نتوجّه، وعند أيّ عتبة نضع حاجاتنا؟ 

  • والثانية: أن نرضى بما يعطيه هو. 

  • فإن كانت الأولى موجودة والثانية غير موجودة، فلا فائدة. نذهب إلى الله ونمسك بتلابيبه ونقول: الآن وقد جئنا، يجب أن تعطينا بأيّ طريقة كانت، يجب أن تدفع بأيّ شكل كان. بأيّ طريقة كانت! كلّ هذا ما هو؟ هو ضلال عن الطريق، وابتعاد عن الجادّة، وعدم وصول إلى الكمال.

  • ركود القدرات البشرية دون الرضا الإلهي 

  • وهكذا، تبقى هذه القدرات كامنة في داخل الإنسان وتبقى. حسنًا، يجب أن تتكامل هذه القدرات، يجب أن تنمو في ظلّ هذه التقلّبات، وإلاّ فإنّها تبقى هكذا، تبقى راكدة عند حدّ معين، وينشأ للإنسان شعور زائف ومجازيّ بالرضى. راضٍ ولكنه رضى زائف. لكن ما إن يمرّ وقت قليل، حتّى يصيبه الملل. آه، لماذا أنا هكذا؟ لماذا أنا كسول؟ لماذا أنا بهذا الشكل؟ حسنًا، هكذا حدث إذن.

  • أما إذا جاء العبد وقال: يا إلهي، أنا لا أعلم، فكيف كان النبيّ الأكرم يخاطب ربّه؟ كيف كان أمير المؤمنين يتكلّم؟ ماذا كان يقول أمير المؤمنين؟ ألا نقرأ في دعاء الافتتاح هذا: «فَارْحَمْ عَبْدَكَ الْجَاهِلَ»۱؟ أمير المؤمنين يقول في دعاء الافتتاح: يا إلهي ارحم عبدك الجاهل. هل كان أمير المؤمنين جاهلاً؟ من وجهة نظرنا، كان عالمًا بالأوّل والآخر والوسط، بالأعلى والأسفل، بالملكوت والجبروت، وغير ذلك، عالمًا بكلّ ما سيكون. هل أمير المؤمنين هذا جاهل؟! نعم، إنّه جاهل. لماذا هو جاهل؟ لأنّ أمير المؤمنين بشر، كأيّ واحد من أمثالنا. أمير المؤمنين المنتسب إلى الله عالم بكلّ شيء. أمير المؤمنين الذي يتّكل على الله هو الذي يقول: «سَلُونِي قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي»٢. أمير المؤمنين الذي يتّكل عليه هو الذي يقول: «أَنَا الْأَوَّلُ وَ أَنَا الْآخِرُ وَ أَنَا الظَّاهِرُ وَ أَنَا الْبَاطِنُ وَ أَنَا بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»٣. وقد شكّوا في هذا بالطبع، ولكن يمكن القول إنّ هناك احتمالاً قويًا بأن يكون منسوبًا إلى الإمام ونظائره. ألا يقولون: «نَزِّلُونَا عَنِ الرُّبُوبِيَّةِ وَ قُولُوا فِينَا مَا شِئْتُمْ»٤. هذا كلامهم، كلام الأئمة. فقط قولوا أنّا لسنا آلهة، ثمّ قولوا ما شئتم. قادر على ما يشاء؟ نعم. فاعل ما يشاء؟ نعم. عالم بما يشاء؟ نعم. كلّ شيء؟ نعم. فقط قولوا لسنا آلهة. ثمّ قولوا ما شئتم. الأئمة منتسبون إلى الله في كلّ شيء. إذًا، من الواضح أنّ ما يملكه الأئمة هو بسببه، وليس الأئمة هم الذين يملكون، بل هو الذي يتجلّى في هذا الظهور، و هو الذي يعلم هناو هو الذي يجيب على الأسئلة؛ فهو الأول، وهو الآخر﴿وهو بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾٥ وإذا ما تركنا الله جانبًا، فأمير المؤمنين جاهل، ناقص، فقير.

    1. مصباح المتهجّد و سلاح المتعبّد، ج ٢، ص ٥۷٩، دعای افتتاح.
    2. التوحید (للصدوق)، ص ٩٢.
    3. مناقب آل أبي ‌طالبعلیهم السّلام (لابن شهرآشوب)، ج ٢، ص ٣۸٥.
    4. ۸. انظر: المولی أحمد النراقي في کتاب رسائل ومسائل ج ٣ ص ۱۱٣، والملاهادي السبزواري في کتاب شرح نبراس الهدی ص ٢٢٦، والمیرزا هاشم الآملي في کتاب المعالم المأثورة ج٢، ص٢٤٩، ووردت روايات كثيرة بهذا المضمون ففي خصال الصدوق ص٦۱٤، وتحف العقول ص۱۰٤، ومشارق أنوار اليقين ص ٣: إياكم والغلوّ فينا، قولوا: إنّا عبيد مربوبون، وقولوا في فضلنا ما شئتم.» 
      وفي إرشاد القلوب، ص ٤٢۷: «انفُوا عنّا الرّبوبیّةَ و قولوا ما شِئتم.» 
      و في مختصر البصائر، ص ۱۸۸، حدیث ۱٦۷: «عن کامل التمّار قال: کنتُ عند أبی عبد الله علیه  السّلام ذاتَ یوم، فقال لی: یا کامل! اجعلوا لنا رباًّ نَؤوب إلیه و قولوا فینا ما شئتم.»؛ 
      و في بحر المعارف، ص ٣٣٩ عن امیرالمؤمنین علیه  السّلام: «لا تَجعلونا أرباباً و قولوا فی فضلنا ما شئتم، فإنّکم لا تَبلغون کُنهَ ما فینا.»؛ 
      وفي بحار الأنوار، ج ٢٥، ص ٢۷٩، و في الغدیر و بحر المعارف، الصفحات المتقدّمة«اجعَلونا مخلوقینَ و قولوا فینا ما شئتم، فلن تبلُغوا.»
      و كذلك في الغدیر و بحر المعارف، الصفحات المتقدّمة عن الخصال للصدوق: «قولوا إنّا عبیدٌ مَربوبون، و قولوا فی فضلنا ما شئتم.» 
      وانظر حول أسانيد هذه الروايات أيضًا أسرار الملكوت ج٢ ص ۱٣٤ هامش ۱. وراجع حول هذا الموضوع: سلسلة محاضرات الولاية التكوينيّة التي ألقيت باللغة العربية في جبل عامل، كتاب معرفة الإمام ج۱ ص ۱٥٥ و۱۷۷؛ ج٥ ص ٥٥ و٩۷ وما بعدها.
    5. سورة الحديد (٥۷) مقطع من الآية ٣. 

الرضا بقضاء الله وجوده - لماذا لا يستجاب الدعاء؟

18
  • فقر العبد وغنى الرب 

  • هذه الأمور التي تقرأونها في ليالي القدر: «إِلَهِي أَنَا الْفَقِيرُ وَ أَنْتَ الْغَنِيُّ وَ هَلْ يَرْحَمُ الْفَقِيرَ إِلَّا الْغَنِيُّ ؛ يا إلهي، أنا فقير وأنت غني. يا إلهي، أنا صغير وأنت كبير. يا إلهي، أنا لا أملك شيئًا وأنت تملك. إلهي، أنا الجَاهِلُ وأنْتَ العَالمُ، وَهَلْ يَرْحَمُ الْجَاهِلَ إِلَّا الْعَالِمُ»۱؟ نعم؟ لماذا؟ لأنّ هذا بشر، والبشر بدون الله جاهل، فقير، ضعيف، محتاج، ممكن ومفتقر. والبشر مع الله هو كلّ شيء، كلّ شيء. 

  • طريق أمير المؤمنين عليه السلام هو هذا. طريق يقول: ضع عملك وعبئك أولاً أين؟ في مكان لا توجد فيه كثرة، لا توجد فيه علاقات، لا يوجد فيه شيطان، لا توجد فيه أنانيّات، لا توجد فيه أحلام وخيالات. ضعه هناك أولاً، وعندما تضعه، ارضَ. 

  • وفا کنیم و ملامت کشیم و خوش باشیم***که در طریقت ما کافری است رنجیدن.
  • يقول: 

  • نفي ونلوم أنفسنا ونكون مسرورين *** ففي طريقتنا العذاب كفر 

  • إن شاء الله، رزقنا الله أن نتحقّق بهذه المعاني، ويطهّر أفكارنا ويخلّص نيّاتنا، ويجعلنا تابعين لمن قال وعمل وسار في طريق الإمام السجّاد عليه السلام والأئمة والأولياء.

  •  

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد

    1. انظر: المزار الکبیر (لابن المشهدی)، ص ۱۷٤، مناجات أمیر المؤمنین علیه  السّلام في مسجد الکوفة.