المسافة بيننا وبين الله

هوالعليم

المسافة بيننا وبين الله 

دور الفلسفة وقراءة القرآن في معرفة الله

شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢٢ هـ - الجلسة العاشرة

محاضرة القاها

آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

قدّس الله سره

أعوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ

بِسمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وصلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا أَبِي‌ الْقَاسِمِ مُحَمَّدٍ

وعلى آله الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ

واللعنة عَلَى أَعْدَائِهِمْ أَجْمَعِينَ‌ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ

«وَ أنّ فِي اللَهفِ إِلَي جُودِكَ وَ الرِّضَا بِقَضَائِكَ عِوَضًا مِنْ مَنْعِ البَاخِلِينْ وَ مَنْدُوحَةً عَمَّا فِي أَيدِي المستأثرين وَ أَنَّ الرَّاحِلَ إِلَيْكَ قَرِيبُ الْمَسَافَةِ وَ أَنَّكَ لَا تَحْتَجِبُ عَنْ خَلْقِكَ إِلَّا أَنْ تَحْجُبَهُمُ الْأَعْمَالُ دُونَكَ.»

هل بين الله وبين خلقه حجاب من جانب الله؟

تقدّم أنّ في علاقة الإنسان بالله، وعلاقة الله بالإنسان حالتان:

 فمِن جهة علاقة الله بالإنسان وإشرافه وولايته، فالله تعالى مشرف ومحيط من خلال جانب ربوبيّته، ومن خلال جانب عنايته، ومن خلال سيطرته العلّيّة، ومن خلال إشراف الذات على آثار الذات، فكما أنّ الذات تشرف على صفاتها وملكاتها وعلى إرادتها، كذلك هي تشرف أيضًا على آثار الذات التي هي وجودٌ متنزّلٌ من مقام الأسماء والصفات. فإنّ تلك الذات عينها، عند تحديد مقام الأسماء والصفات الكلية إلى صور جزئيّةٍ وإلى أسماءَ جزئيّةٍ، تستلزمُ إحاطةً علميّةً بالعلم الحضوريّ، الذي هو أقرب علمٍ للنّفس. ولا يوجد علم ولا معرفة ولا بصيرة في الإنسان أقرب إلى الإنسان من علمه وادراكه بنفسه.

إنّ الشعور الذي تشعرون به من أنّ لديّ يدًا، والشعور الذي تشعرون به من أنّ لديّ عينًا، والشعور الذي تشعرون به من أنّي خزّنتُ هذه العلوم في ذاكرتي، والشعور الذي تشعرون به تجاه المسائل الخارجيّة، كلّ هذه المشاعر متأخّرة عن المشاعر المتعلّقة بالذات، أي إنّ النفس لديها معرفةٌ بالنسبة لذاتها ووجودها، وهي المعرفةُ الموجودة عند الأطفال، وعند الكبار، وعند الشيوخ، وعند الشباب، وإنّ كلَّ إنسان يعلم بوجوده ويعي به، وهذا الوعي يُسمّى بالعلم الحضوريّ. وهذا العلم الحضوريّ هو أقرب وعي وبصيرة يمتلكها الفرد بذاته ووجوده وصفاته وملكاته. والمعرفة التي لدى الله تعالى تجاه خلقه هي معرفة وعلم حضوريّ لا حصوليّان، أي أنّه لا يكتسب العلم من مكانٍ آخر، لأنّ ذلك يستلزم جانبًا من الفراغ والنقصان، وبالتالي عودته إلى الإمكان والسقوط من الوجوب^۱. لا! إنّ الله تعالى لديه علم حضوريّ بعباده وبجميع مخلوقاته، وعلمه الحضوريّ لا ينساه ولا يغفل عنه أبدًا. هل حدث يومًا أن نسيتَ نفسك؟! الإنسان لا ينسى نفسه أبدًا! قد ينسى المحفوظات، وقد ينسى الإنسان الأشياء التي خزّنها في ذهنه، ولكنّه لا ينسى نفسه. إنّ هذا الوعي وهذه البصيرة وهذا العلم، هي من لوازم الذات الربوبيّة، ومن لوازم غناه الذاتيّ وصمديّته من كلّ وجه، ومن لوازم عدم ثبوت الصفات السلبية لذات الله تعالى. وهذا يستلزم أنّ الله تعالى يعلم بجميع مخلوقاته، ويعلم بأعمالهم، وخواطرهم، وأفكارهم، وملكاتهم، وصفاتهم، وكلّ ما يحدث ويتطور في المخلوقات، يعلم الله تعالى به كما يعلم بذاته، دون زيادة أو نقصان. ليس هذا مقدّمًا على ذاك، وذاك في مرتبةٍ متأخرة، بل علم الله تعالى بذاته هو نفسه علمه تعالى بآثار ذاته. فإذًا، من جهة الله تعالى، لا توجد مسافة بين إرادته وشعوره وإدراكه وعلمه وبين مخلوقاته، لا توجد أي مسافة.

هل هناك حجاب من جانب الخلق نحو الله؟ 

أمّا من جهتنا، فنحن بالنسبة للّه تعالى من حيث التجرّد النفسيّ والتجرّد الروحيّ والقرب من ذلك المقام والموقع، وإدراك تلك العوالم، وإدراك أسمائه الكليّة، وإدراك صفاته الكليّة، وفي النهاية إدراك الذات والوصول إلى تلك المرتبة التي هي مرتبة اللامرتبة، و مرحلة اللامرحلة، التي يقال لها "اللا بشرط المَقسَمِي" باصطلاح العلماء، فهل نحن بالنسبة لهذه المرتبة في بُعدٍ عنها أم لا مسافة بيننا وبينها؟ إذا كنّا بلا بُعدٍ عنها، فهذا يعني أنّ الجميع يمكنهم إدراك هذه المسألة، وأنّ هذا العلم موجودٌ لدى الجميع. بينما الجميع في جهلٍ، الجميع في جهلٍ بالنسبة لهذا المقام، الجميع في جهلٍ بالنسبة لصفات الله تعالى، الجميع في جهلٍ بالنسبة لأسماء الله الحسنى، الجميع في جهلٍ بالنسبة لخصوصيّات عالم الوجود. ولا يبالون! لا يبالون! يقولون: فليكن ما يكون، لا بأس.

انتقاد لرافضي الفلسفة

يُنقل عن المرحوم الشيخ محمد علي الكاظميّ، صاحب "تقريرات النائينيّ"، هذه العبارةُ الحكيمةُ التي هي حقًا... ماذا أقول عنها؟! يجب كتابة هذه العبارات بماء الذهب! (مزاح): إنَّ سببَ عدمِ سعينا نحن أهلُ العلم وراء الفلسفة والعرفان وما إلى ذلك هو أنه: ما شأننا بمعرفة الله؟ ما شأننا بأنّ الله له أسماءٌ كليّةٌ وصفاتٌ كليّة؟ وأنّ علمَ الله غيرُ محدود؟ هل هو حصوليٌّ أم حضوريّ؟ من أيّ مقولةٍ^۱ هي قدرة الله؟ هل هي من مقولة المادّة أم غير المادّة؟ ما شأننا بذلك؟ لا ينبغي للعبد أنْ يتطفّل على عمل سيّده، وعلى العبد أنْ يلتزم بالطاعة فقط، فليستمع إلى ما يقوله المولى، أمّا من هو المولى وماذا ليس من شأنه، فما شأن العبد بذلك؟! ومن أيّ مقولة المولى؟ وهل له قرنان؟ أم هل له ثلاثة أرجل؟ فهذا لا يهمّ العبد. يقول لك: اذهب يا عزيزي واشتر خبزًا، فيجب أن يذهب ويشتريه. حسنًا! ويقول لك: اذهب واشتر لبنًا، فلتذهب وتشتريه، الآن كيف هو هذا المولى؟ وهل طوله متران؟ وكم وزنه؟ وهل هو عالم؟ هل هو جاهل؟ ما شأن العبد بذلك؟ على الخادم أن يؤدّي واجبه. ونحن أيضًا واجبنا أن نصلّي. يقول المولى: يا عزيزي، صلِّ، فعليك أن تصلّيِ!

يجب أن يُقال لأمثال هؤلاء: إنّ كلامكم هذا حقًا يجب أن يُكتب بذهب ويُجعل له إطار! وبالطبع لا يوضع في الواجهة، بل في مكان آخر (مزاح)! ألا ينبغي لهذا العبد الذي يريد أنْ يصلّي أن يعلم لمن يصلّي؟ هذا العبد الذي يريد أن يطيع، لا ينبغي أنْ يعلم من يَعبُد؟ هل أمامه غنم أم أمامه الله تعالى؟! هل يسجد للعمود ويطأطئ رأسه له، أم لوجود لا حدّ له ولا رسم، ولا نهاية له، يمتلك جميع الكمالات وجميع الأسماء والصفات الكليّة؟ أفهل هذان سواء؟! 

يقولون: قالوا لنا: صلِّ، فنحن نصلِّي، أمّا من هو الذي نصلّي له، فليس لنا شأن به! هل هو حائط؟ 

ـ ما شأننا؟ 

ـ هل هو إنسان؟ 

ـ ما شأننا؟ 

ـ هل هذا هو معنى العبوديّة؟ وهل كلّفنا في الروايات والشرع بهذا الشكل؟! وكلام أمير المؤمنين عليه السلام الذي قال: «لَمْ أَعْبُدْ رَبًّا لَمْ أَرَهُ»^۱ فالربّ الذي لم أره، لم أعبده قطّ. فهل هذا هو مراده؟! وهل نقول لأمير المؤمنين: لقد أتعبتَ نفسك عبثًا، أتعبتَ نفسك عبثًا. كان عليك أن تصلّي دون هذا العناء؟ لماذا؟ لأنّنا نحن لم نرَ، وأنت أيضًا رأيتَ، ولا فرق بيننا، ولا اختلاف بيننا. إنّما واجب العبد هو الطاعة، ونحن نصلّي. أمّا السعي وراء هذه المعارف، فكلّ هذه الروايات عن الإمام الصادق عليه السلام حول اكتساب المعرفة، كلّ هذه الكلمات من أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة حول أنّ هؤلاء يمتلكون مقامات، وحول أنّهم يمتلكون خصائص معيّنة، وفي أوصاف المتّقين، حيث يصف الإمام خصائص المتقين.

القرآن لا يُقرأ إلا في المناسبات!

حقًا أتعجب أحيانًا! ذات مرّة روى المرحوم العلامة الطهراني لنا حادثة: ذات مرّة ذهبنا إلى النجف، وهناك في مجلس ما، في ذلك الوقت الذي كنّا فيه في النجف، أو في تلك الرحلة التي ذهبوا إليها لاحقًا للزيارة، وفي مجلسٍ حضره العديد من الناس والعديد من العلماء، كان أحدهم لم يذكر اسمه، وهو من أهم العلماء، كان يستدلّ على أنّه لماذا يقرأ طالب العلم القرآن أصلاً؟ لماذا يقرأ القرآن؟ فأوّلاً: القرآن عبارة عن آيات أحكام، وبعض المسائل الاجتماعيّة، والمسائل الأخلاقيّة والتاريخيّة. والتاريخيّة من الزمن الماضي، فلا علاقة لنا بها. وكان يستدلّ بجدّية! وهذا أيضًا من الكلمات الحكيمة التي يجب كتابتها بالكيمياء وبالإكسير (مزاح)! فلماذا يقرأ القرآن؟! تلك المسائل التاريخيّة التي مضت، لا علاقة لنا بها. قوم موسى من كانوا؟ قوم عيسى من كانوا؟ نحن الآن في هذا الزمان وفي هذا الوضع. هذا أوّلاً. 

أمّا المسائل الاجتماعية، فعقولنا تصل إلى حدّ أنْ نرى ماذا نفعل في علاقاتنا وتصرّفاتنا. والمسائل الأخلاقيّة كذلك. وآيات الأحكام أيضًا لا فائدة منها، إذ كلّها كليّات، فيجب أن نرجع إلى الروايات. إذًا، لا شيء! اتركوه إذن! كان يقول بجدّ إنّ القرآن لا ينفع للطالب! حقًّا، نعوذ بالله من كلّ هذا الحمق وعدم الفهم! حقًا عجيب! عجيب جدًا! يمكن للإنسان أن يقسم أنّ الكثيرين منّا لم يفتحوا حتّى نهج البلاغة ليروا ماذا قال أمير المؤمنين؟ طيلة هذه المدّة التي حكم فيها لأربع سنوات، فهل ألقيت هذه الأمور التي في نهج البلاغة لأجل الأبواب والجدران؟! يعني إنّ مستوى إدراكنا للإمام في أيّ مرتبة هو؟ 

فلو قال الميرزا غضنفر القندوزي كلمة في مسألة فقهيّة منذ ثمانمائة عام، فإننا نحضّرها ونشرحها ونسهب فيها، ونكتب ثمانين صفحة شرحًا لها. لكنّ نهج البلاغة، كتاب أمير المؤمنين عليه السلام، لم نفتح حتى صفحة واحدة منه، لم نفتح أيّ صفحة منه، فهل تدركون ما أقول؟ هذا هو فهم عدد من الذين يدّعون النيابة، ويدّعون الإتّباع، ويدّعون القيادة لشريعة رسول الله ودينه. فما فائدة القرآن لنا؟ نعم، نقرأه في مجالس الفاتحة. والأعمال التي نفعلها بالقرآن: أوّلاً، عندما نريد تغيير المنزل، نأخذ المرآة والقرآن أولاً. فهذا واحد. وكلّ من يريد السفر، نضع القرآن فوق رأسه حتى لا ينقص منه شعرة واحدة. وإذا افترضنا أنّ شخصًا على وشك الموت، يضعون قرآنًا على صدره حتى يلفظ روحه بسهولة. ويقرأونه في مجالس الفاتحة، وعند العقد، تأتي العروس، ويقول الخطيب الخطبة، وهذا يقرأ القرآن، لكي إن شاء الله تكون الحياة مليئة بالفرح والسعادة، والاستمتاع بالمواهب الإلهية الظاهرية والباطنية، الدنيوية والأخروية. هذا ما نفعله لهم، ليستفيدوا منه. هذا فقط. أما في الأوقات الأخرى، فلا.

في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: يأتي القرآن يوم القيامة ، وهذا القرآن الذي يوجد في كلّ منزل، خاصةً، يأتي ويقول: لقد استخدموني فقط في مناسبات خاصة، ووضعوني على الرفّ، ولم يؤدوا حقّي.^۱ يأتي ويشهد. فالقرآن حيٌّ، يفهم، ويدرك.

هل طريق المعرفة الوجدانيّة طويل؟

هذه المراتب الموجودة بين الإنسان والله تعالى، أيّ مراتب هي؟ نحن لسنا في مرتبة معرفة ذات الله تعالى. إنّ بعض الناس يأتون ويسيرون ويتّبعون ويصلّون. ولكنّ بعضهم يقول: لا! اتركوا هذا الكلام، ما هذا يا عزيزي؟ فمن رأى ومن سمع؟! إذا أرادوا أنْ يعطوا الأمر حقّه إلى حدٍّ ما، يقولون: نحن لا نفهم هذا الأمر. هاتان الركعتان اللتان نصليهما كافية. ليس لدينا واجبات أو مسؤوليّات أكثر من ذلك. ثمّ عندما يؤلمه مكان ما، لا يتركه حتّى يفهم الأمر، ويذهب إلى مائة طبيب، ويجري مائة تحليل. أمّا عندما يتعلّق الأمر بالمسائل الدينيّة، فلا! نصلّي هذه الصلاة الواحدة وهي كافية. انتهى الأمر. هذا هو أقصى إدراك الناس للمسائل الضروريّة وللأمور التي يجب أن نوليها أهميّةً.

إذًا، معرفة الله تعالى بنا هي معرفة الذات بآثارها ولوازمها. ونحن قريبون إلى هذا الحدّ. وأمّا معرفتنا بالله تعالى فما هي؟ هذه المعرفة تعني المعرفة الباطنية، وليست مجرّد المعرفة العقليّة والفكريّة. المعرفة الباطنيّة، هي إشراق حقائق عالم الوجود في النفس، والوصول إلى مراتب ومراحل التجرّد والإخلاص في النفس، والعبور من عقبات الجهل والضلال والظلم في النفس، وإزالة حجب الجهل والظلمة من أمام أعين النفس. هذه الحركة، هذا الوعي، الوعي الوجداني والشهود، الذي يُعبّر عنه بالوصل ويُعبّر عن غيره بالهجر، فإلى أيّ حدّ تحقّق هذا الشهود للأفراد؟ نرى أنّ الطريق طويل، نرى أنّ المسألة كبيرة. وعندما نرجع إلى أنفسنا، نرى أنّه لا! لم تُحلّ عقدةٌ ما، ولم تنكشف معرفةٌ في النفس، ولم يتحقّق كمالٌ معيّن، ولم يحدث أيُّ فرقٍ عن السنة الماضية، ولم يحدث فرق عن عشر سنوات مضت. عندما نصل إلى الثمانين، نرى أنّه من حيث العلاقة ومن حيث الإدراك بالنسبة لمقام التجرّد، لم يختلف عن عمر العشرين. لم يحدث أيّ فرق لنا، أليس كذلك؟ إذًا، من الواضح أنّ هناك مسافة. هذه المسافة هي إزالة الحجب والستائر التي تأتي باستمرار وتغطّي النفس، بسبب الغوص في الكثرات والميل إلى الكثرات والماديّات والميل إلى الدنيا. 

قصّة رجل الدين الذي كان في خدمة الدولة

كان المرحوم العلامة الطهراني يقول: هؤلاء الذين يذهبون إلى الأمور الحكوميّة، لا يكونون في البداية كما هم في النهاية، ففي البداية يكون لديهم صفاء، وفي البداية لديهم إخلاص. حتّى في اليوم الأول الذي يذهب فيه، يكون مستاءً قليلاً: آه! اليوم حدث لي بعض الغفلة. وغدًا مستاء. يمرّ أسبوع فيرى أنّ حاله قد تغيّر، فيصبح مستاء...

جاء شخص إلى المرحوم العلّامة الطهراني، وكنتُ في خدمته، فقال: يا سيّدي، نرى أنّ حالتنا تتّجه نحو الانحطاط. فماذا تقولون؟ ماذا تأمرون؟ أيّ ذكر تعطون؟ لنقول هذا الذكر. امرونا، حالتنا في انحطاط. فلم يجبه المرحوم العلامة الطهراني بأيّ شيء، أي لو أجابه، لما قَبِل. ماذا تقول؟ ما هذا؟ ذكرك هو أن تخرج! لا تحتاج إلى ذكر! لا، أنتم متمسّك بقوّة، ثمّ تقولون: أعطونا ذكرًا! لا يا عزيزي، انهض واخرج، هل تستطيع؟ فبسم الله. وإن كنت لا تستطيع؟ تقول: سأصاب بالانحطاط، تفضّل اذهب واخرج، يا عزيزي، أمّا، "أعطني برنامجًا" و"أعطني ذكرًا" حتّى كذا وكذا.... فلا، ليس لدينا هنا أيّ ذكرٍ في جعبتنا يؤدّي إلى تحوّل الإنسان من هذه الناحية. انهض واخرج.

قصة علي بن يقطين: الطاعة والتقوى

أحيانًا، يقوم الإنسان بعملٍ بأمرٍ من الإمام عليه السلام، أو من ينوب عنه، ويكون وليًّا كاملاً. في هذه الحالة، بعد ذلك، تكون المسؤوليّة على عاتق الإمام، وليس على عاتق هذا الرجل. فهذا مثل أي قضيّة؟ مثل قضيّة عليّ بن يقطين. في ذلك الوقت كان الإمام يراقب الأمر. فيقوم ويأتي إلى الإمام الكاظم عليه السلام، ويطرق الباب، فيأتي الخادم ويقول له إنّ الإمام لم يجبه. فيأتي غدًا ويقول الخادم: الإمام موسى بن جعفر مشغول. لقد كان من قبل هارون في النهاية. والإمام لا يدخله حتّى اليوم الثالث. وفي روايةٍ أخرى، ستّة أيام، حسب ما أذكر، فليراجع الأصدقاء. فيقول للخادم: اذهب وقل للإمام: ماذا فعلتُ؟ أيّ ذنبٍ ارتكبتُ حتّى أكون عرضةً لغضبك؟ قل لي ماذا فعلتُ؟ الإمام لم يكن يدخله، ثمّ يقول للخادم: اذهب وقل له: ذلك الذي جاء إليك، وكان من أهل الكوفة، وأنت طردّته من دار إمارتك بغضب، هل تعلم من كان؟ كان من شيعتنا. لماذا فعلتَ معه هكذا؟ لماذا أهنته؟ ثمّ يلتفت إلى الخادم ويقول: اذهب وقل للإمام: ماذا أفعل الآن؟ يقول الإمام: هذا الجمل الموجود هنا، اركبه واذهب إلى منزله، واطلب منه السماح، ثمّ تعال إلى هنا.

فيركب الجمل ويصل من المدينة إلى الكوفة في دقيقتين أو ثلاث. هذا الجمل، كان يعمل بالتحكّم عن بُعد. وقد ذهب أسرع من الصاروخ (ضحك من سماحته). في دقيقتين يصل إلى الكوفة. الجمل نفسه يعرف الطريق، فيذهب عليّ بن يقطين مباشرة إلى منزل هذا الرجل الفقير الشيعي، ويطرق الباب... 

حسنًا، هذا علي بن يقطين، تلميذ الإمام الكاظم. هؤلاء يربّونهم هكذا. فبما أنّه تابعٌ للإمام، فالإمام يهتمّ به، وبما أنّه وزيرٌ لهارون، لا يقول شيئًا يزعج الوزير.

ـ لا، لا مجال لمثل هذا الكلام هنا. بل اذهب في سبيلك! إن شئت فلا تأت، هكذا هو الأمر، ليس لدينا مثل هذا الكلام هنا.

يقوم ويطرق الباب، فيجيب ذلك الرجل ويقول: مَن وراء الباب؟ فيقول: أنا عليّ بن يقطين. فيقول: عليّ بن يقطين! ماذا تريد منّي؟ 

ـ عليّ بن يقطين، وزير هارون؟! ماذا تريد منّي؟ 

فيقول: افتح الباب، فيفتح الباب، ويصاب بالارباك. 

فيقول له: لا، لديّ أمر. 

يقول: لقد جئتَ إلى دار خلافتي، دار إمارتي، وأنا أهنتك. 

يقول: لا، لا، ما هذا الكلام؟! وخلاصة القول، كلّ ما يقوله لا فائدة منه. يستلقي على الأرض ويقول: يجب أن تضع قدمك على وجهي، وتضغط، وتسامحني. 

يقول: أبدًا! الموت أفضل. 

يقول: لن أغادر هذا البيت إلا أن تفعل هذا. كانوا أذكياء، كانوا يدركون الأمر. فيستلقي على الأرض. يقول هذا الرجل الفقير: لا بقدمك، بل اذهب والبس حذاءك، وتعال بحذائك. فيأتي ويضغط. 

فيقول عليّ: لا، يجب أن تضغط أكثر. 

فيقول الرجل: يبدو أنّه لا فائدة من الاعتذار. 

يقول عليّ: قل سامحتُ. 

فيقول: أنا راضٍ. 

يقول: قل أنا راضٍ عن الله وكذا. 

ثمّ يقوم ويعطيه كيسًا من الذهب والهدايا، ويصلح حياته من ذلك الوضع، ويركب الجمل مرّةً أخرى، والجمل يأتي في دقيقتين إلى المدينة، إلى منزل الإمام الصادق. فيقول: تعالوا تفضّلوا. فيفتح الباب دون أنْ يطرق، نفس الخادم. فيأتي والإمام يقول: أهلاً وسهلاً، كيف حالك؟! مسّاكم الله بالخير، أهلاً وسهلاً، تفضلوا، لنجلس ونتبادل الحديث، ماذا نفعل؟! فيجلس ويبدأ في الحديث مع الإمام^۱، هؤلاء كانوا هكذا.

المرحوم العلامة الطهراني وموقفه من المتملّقين

هل تظنّون أنّ الأمر هكذا فقط! كان المرحوم العلامة الطهراني يقول: القائممقام الرفيع، نديم رضا شاه ونديم محمد رضا شاه كليهما ـ وبالطبع ـ كان رجلاً يصلّي، لكنه كان مقرّبًا جدًّا منهما، مقرّبًا جدًّا. وعندما توفّي، على الرغم من أنّ ابنه كان من أقرب الناس إلى المرحوم العلّامة، إلا أنّ المرحوم العلّامة لم يشارك في تشييعه. شارك العديد من الأشخاص، من تلامذة المرحوم الشيخ الأنصاري، في تشييعه. ومهما قالوا للسيّد شارك كان يقول: لن آتي إلى تشييعه. هذا كان نديم محمّد رضا شاه ورضا شاه. فهل آتي إلى تشييعه؟ لن آتي أبدًا.

هذا الشخص نفسه يذهب إلى النّجف عند المرحوم السيّد جمال الگلبايگاني. يذهب إلى السيد جمال الگلبايگاني ويريد أن يتحدّث معه ويناقش. يأخذ معه حقوقًا شرعيّة وكذا، فيرفض السيّد، ثمّ يوبّخه بأنّ هذه الأموال نجسة، وهي مال الدولة، وهي مال كذا. 

فيقول: سيّدنا، أنا لست هناك عبثًا. أنا لست كذا. أنا أهتمّ بأمور النّاس. ألم يكن عليّ بن يقطين وزيرًا لهارون؟ 

فقال السيّد جمال: اخسأ! اخسأ! كلّ من يتصرّف بهذه الطريقة يقول: عليّ بن يقطين! عليّ بن يقطين! ما علاقتك أنت به؟! عليّ بن يقطين كان الإمام الكاظم وراءه. فمن وراءك أنت؟! لقد كان المرحوم السيّد جمال الدين حرًّا للغاية، ولم يكن يساوم أحدًا. قال: كلّ من يلوّث نفسه ينهض ويقول: عليّ بن يقطين! عليّ بن يقطين! فعليّ بن يقطين كان له شأن، هذا له حسابه الخاصّ، فتفضّل بالخروج! ألن تخرج؟

بالطبع، في أواخر عمره، ساعده الله قليلاً وابتعد. هذا نفسه ابتعد، وفي تلك الفترة، يبدو أنّه كانت هناك بعض الأحداث والإصلاحات التي أراد الشاه أنْ يقوم بها، وهذا عارضها. فتباعدا واختلفا، وقطع علاقته به حتى توفّي. حسنًا، أراد الله أن يساعده قليلاً. وعلى كلّ حال، لكلّ إنسان شأنه الخاصّ.

المسافة إلى الله تتأثّر بقلّة الإخلاص

الآن هؤلاء عندما يأتون ويقعون في موقف ما، أسبوعًا بعد أسبوع، وشيئًا فشيئًا، ماذا يحدث لذلك الصفاء وذلك الإخلاص الذي لديهم؟ يضعف شيئًا فشيئًا، يضعف شيئًا فشيئًا. هذا الذي يضعف شيئًا فشيئًا، ثمّ يضعف شيئًا فشيئًا، ماذا يعني؟ يعني أنّ المسافة مع الله تزداد وتزداد وتزداد. كلّما قلّ الإخلاص، زادت المسافة مع الله. كلّما قلّ الصفاء، زادت هذه المسافة. وكلّما قلّت حالة الانتباه، ماذا يحدث لتلك المسافة؟ تزداد. لماذا يشعر الإنسان بقرب أكبر من الله في شهر رمضان؟ لماذا؟ بسبب الصيام، بسبب الإمساك، بسبب المراقبة، يحصل تدريجيًّا على تلك الحالة من الصفاء في نفسه. تزداد رقّته، وتزداد رحمته، ويزداد عطفه، وشيئًا فشيئًا يحصل على هذه الحالة، ويشعر بقرب أكبر. لذا يقول النبي الأكرم: «فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ رِضْوَانَ اللَّهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ»^۱ الشقيّ هو من مرّ عليه شهر رمضان ولم تشمله رحمة الله.

شهر رمضان فرصة لإزالة الحجب

لذا في شهر رمضان يجب أن نكون دقيقين جدًّا. أي أنّ الله قد أعدّ الوسائل في هذا الشهر، ولم يعد هناك مجال للأعذار. لقد أزال الله الأعذار من الإنسان. ما هو العذر؟ البطن الممتلئ، الدخول في الشهوات، الدخول في الغفلات، الدخول في... يقول الله: لقد أحضرتُ لك شهر رمضان، وقلتُ لك لا تأكل. هذه الظروف قد أتيحت لك للتقرّب منّي، لماذا لم تستفد منها؟ لماذا كنتَ مشغولاً بهذا وذاك؟ إذًا، الحجاب هو البعد الذي يشعر به الإنسان تجاه الله. هذا هو الحجاب. السفر هو مقدار المسافة التي لدى الإنسان مع الله. مقدار المسافة الموجودة. حسنًا، هل يجب قطع هذه المسافة أم لا في النهاية؟ هذه المسافة يجب أن تُقطع. الآن، إذا قطعناها بأيدينا، فلقد قطعناها. وإن لم نقطعها، فسيحاسبوننا بالعصا والهراوات. وما أجمل أنْ يقطع الإنسان هذه المسافة بنفسه في هذه الدنيا. أنْ يزيل هذه الحجب.

قصة المرحوم السيد الحداد وقدرته على التواصل مع الغائب

كان المرحوم السيّد الحداد رضوان الله عليه قد قال لشخص: أنا لا أغفل عنك أبدًا. كلّما دعوتني، كنتُ حاضرًا هناك. كلّما دعوتني. قال ذلك الرجل: جئتُ إلى إيران، وأردتُ العودة إلى العراق، فواجه جواز سفري مشكلة. وعلى الرغم من أنّني رجعت إلى من لديه باع في هذه الأمور، إلّا أنّ المشكلة لم تحلّ، وكانت الأمور معقّدة ولم تحلّ، وتضيّق الأمر لدرجة أنّني فقدت الأمل تماماً. فقدت الأمل في حلّ هذه المشكلة التي حدثت، ومتى ستحلّ الآن؟ وكانت هناك بعض الظنون حولي، بسبب تشابه في الأسماء، ممّا زاد من صعوبة أمري. قال: وفي هذه الحالة من اليأس، وبعد الظهر، كنتُ مستلقيًا، وفجأة تذكرتُ كلامه، حيث قال: أينما كنتَ... فقلت: حسنًا، بسم الله. قلنا: يا سيّدي، لقد تعطّل عملي! قال: فبمجرّد أن فكّرتُ في هذا، بعد خمس دقائق رنّ الهاتف. فقال الذي ذهب نيابةً عني: لقد تمّ الأمر الآن. الآن! اتّصل من إدارة الجوازات وقال: لقد تمّ الأمر الآن! هؤلاء لا يمزحون. لا يمزحون. عندما يقول: أنا لا أغفل، كلّما دعوتني، فمن الواضح أنّه يقول الحقّ. القضيّة المتعلّقة بالله تعالى وبنا هي أدقّ من هذا أيضًا. هذا السيّد الحدّاد كان هكذا. 

الفرق بين الخالق والمخلوق

الآن انظروا من هو الله؟ لكنّنا لا نقبل. نقول: آه! هكذا الأمر؟! إذًا فلنذهب إلى السيّد الحدّاد، أو لنذهب إلى جهة أخرى، حسنًا، في النهاية هذا هو. الآن عشرة بالمائة أقل، خمسين بالمائة أقل. في النهاية يفعل شيئًا. يا رجل، الأمر الأساسي بيدك. الله يقف بجانبك. لقد تركنا هذا ونسعى وراء هذه الظواهر.

هؤلاء العظماء وهؤلاء العرفاء يجذبوننا إلى هذا الاتجاه، يجذبوننا إلى هذا النحو، يجذبوننا إلى هذه الكيفيّة. يجذبوننا إلى تصحيح الفكر وتصحيح الطريق، إلى هذا الجانب يجذبوننا. أي أنّهم يخرجون الفكر من الاهتمام بالمظاهر ويجعلونه يهتمّ بأصل الظهور ومبدأ الظهور. وحتّى في التوسّلات إلى الأئمّة عليهم السلام، في جميع هذه التوسّلات، يراعون جانب الآليّة. يتوسّل بالإمام الحسين، ولكنّه في الوقت نفسه يعلم أنّ الإمام الحسين، هذا العمل الذي يقوم به، هو الذي يقوم به (أي الله). الإمام الحسين مجرّد مرآة، ولكنّه مرآةٌ صافية. نحن أيضًا مرايا، ولكنّ الله وحده يعلم كيف هي الصورة؟ فهناك صورة تعكس في المرآة هكذا، أي تعكس في المرآة بحيث لا تختلف عن الأصل بشعرةٍ واحدةٍ. وصورةٌ أخرى عندما تعكس في المرآة، تكون بعيدة عن الأصل إلى خمسين درجة، هكذا درجة درجة. ثمّ تتشكّل هذه الموجات. إنّ هذه الموجات يجب إزالتها واحدة تلو الأخرى. وهكذا تصبح تلك المسافة.

الإمام الحسين عليه السلام مرآة الله التامّة

الفرق بين الإمام الحسين عليه السلام وبيننا ليس أنّ الإمام الحسين يمتلك القدرة بنفسه، يمتلك الاستقلاليّة بنفسه، هو قويّ بنفسه، هو يقوم بهذا العمل بنفسه، هو يشفع بنفسه... لا! فالإمام الحسين لا يستطيع أن يفعل حتّى شيئًا واحدًا. الإمام الحسين لا يستطيع أن يفعل حتّى شيئًا واحدًا. الإمام الحسين أصبح مرآة صافيّة وتامّة للّه تعالى. وكلّ عمل يقوم به، فالله هو الذي يتجلى في هذه المرآة. أمّا نحن فلسنا كذلك. لسنا كذلك. لا تقل أبدًا إنّ الإمام الحسين يفعل هذا. هذا يكون شركًا. الله وحده هو الذي يفعل. والله هو الذي يفعل في هذه المرآة، ولا يفعل في هذه المرآة الأخرى، أو يفعل قليلاً. في هذه المرآة، الله يفعل. والإمام الحسين جعل نفسه مرآةً، جعل نفسه صافيًا. وقصّة رسّامي الصين والروم التي ذكرها مولانا، أحدهما كان يجلو والآخر يرسم. ثم اكتملت جميع الرسوم. وذاك يجلو. لقد جلى نفسه، وأزال المسافة من خلال هذا الجلاء.

الطرق المختلفة في تهذيب النفس

لذا، اقترح الكبار طرقًا مختلفةً لتنقية الباطن. فبعضهم قالوا بالمراقبة والعمل بالضدّ. حسنًا، هنا الحديث طويل والبحث متشعّب. فلا ندخل فيه الآن وله مكانه. فبعضهم في مواجهة الصفات الرذيلة طرحوا طريقة القيام بضدّها، حيث يجب على الإنسان أن يفعل ضدّ كلّ صفة رذيلة حتّى يصل إلى النتيجة. وقد طرح على هذه الطريقة إشكال بأنّ الصفات الرذيلة كثيرة جدًّا لدرجة أنّ عمر الإنسان لا يكفي. وفوق ذلك، المسألة ليست محصورة في هذا. فللنفس الكثير من الصفات الخفيّة التي لا يعلمها الإنسان أصلاً. فهل يعلم الإنسان ويحيط بجميع زوايا النفس حتى يستطيع أن يفعل ضدّ ما فيها؟ أم لا، بل يحيط قليلاً. نعم، يعرف قليلاً، فلنفترض أنه لا يمتلك رؤية صحيحة للمسائل، ربما. لنفترض أنّ لديه بعض الحسد، ويريد أن يقاومه، ولديه بعض البخل، ولديه بعض الإقتار، ولديه بعض الأنانية، لديه بعض الذاتيّة في حدود معيّنة، يمكنه أن يعارض نفسه ويفعل بعض الأشياء... ولكن المسألة ليست محصورة بهذا القدر المحدود الذي يدركه العقل، وليس بهذا القدر فقط. فهناك مائة ضعف من أمثال ذلك موجود في الداخل ولا يعلمه الإنسان. الكثير من المسائل في هذا النطاق وفي حدود الصفات الرذيلة، جذورها في النفس بحيث لا يمكن أبدًا معرفتها. النفس تقوم ببعض الأعمال، ولكن تلك الجذور لا تزال موجودة.

خطورة السير والسلوك دون إشراف أستاذ كامل

لذا، يقولون: من يسير في طريق السير والسلوك، كلّما تقدّم أكثر، إن لم يكن تحت إشراف، فخطره أكبر. لأنّ الجذور لا يستطيع تقييمها بنفسه. عندما لا يستطيع تقييمها، ففي المسار الذي يسلكه، مع الحفاظ على الجذور، تقوى تلك الجذور باستمرار. وبالموازاة مع هذا، تقوى. تمامًا مثل ميكروب لا تعطيه المضادّ الحيويّ اللازم، فيبدأ يتقوّى.

كان أحد الأصدقاء يقول: لقد أصبتُ بمرض في الرئة، فأعطاني الطبيب مضادًّا حيويًّا، وقال: ولكن يجب أن تكمله حتى النهاية، وتتناوله في وقته تمامًا.

قال: فلم أصغ، فكنتُ أتناول حبّة متأخرًا ساعة، وحبّتين متأخرًا ساعتين... وقال: لقد تحسنّت. لقد تحسنّت رئتاي. قال: وبعد شهر، عاد المرض مرّةً أخرى. وهذه المرّة ضاعف لي الطبيب المضادّ الحيويّ وقال: يجب أن تتناول الدواء ضعفين وفي وقته وحتّى النهاية! 

فقلتُ: حسنًا. ثمّ قال: ومرّة أخرى، هذه المرّة أيضًا لم أطع، فكنت أتناوله بشكل متقطّع وهكذا حتّى تحسّنت. وقال: في المرّة الثالثة، قال: هذه المرّة يجب أن تُجرى لك عمليّة. لم يعد المضادّ الحيويّ ينفع. لم يحدث شيء يا عزيزي! فقط استأصلوا إحدى رئتيه. فهل تحسّن؟! ها! يقولون: يا عزيزي، تناوله في وقته، فيجب أن تتناوله في وقته. لا تقلّل ولا تزد. يقول: لم يعد المضادّ الحيويّ ينفع، يجب أن نستأصل رئتك. فاستأصلوا إحدى رئتيه بالكامل.

فهذه الأعمال التي يقوم بها الإنسان، جذورها موجودة هناك. وتلك الجذور تقوى باستمرار. ويجب أن يكون هناك أستاذ كامل حتّى يستطيع تقييم تلك الجذور. يضرب في نفس المكان. بالطبع، أحيانًا يكون الأمر صعبًا جدًّا. أي يضرب في أماكن يجب على الله أن يحفظنا منها أحيانًا.... فقال: آخر الدواء الكيّ.^۱ أحيانًا يصل الأمر إلى الكيّ، عندما لا تحلّ المشكلة بالدواء، يقولون: يكوون، يكوون. حسنًا، الكيّ هو كيّ يا سيدي! فهل رأيتم الكباب؟ هكذا! القضيّة أحيانًا تكون هكذا. نحن الآن نتحدّث ونضحك فليحفظنا الله بنفسه. أي لا يوجد طريق غير التوكّل على الله والاعتماد عليه، حقًّا! لا يوجد طريق آخر. 

النظريّات المختلفة في السير والسلوك ومنازله

وبعضهم جاءوا وعبّروا عن هذا الأمر بالأذكار والأوراد. وهذا أيضًا مفيد لبعض الحالات، ولكنّه ناقص لبعض الحالات الأخرى. وبعضهم عبّر عن هذا الأمر بالمراقبة وهكذا. فكلّ واحد منهم عبّر عن أمور في هذا المجال، وبعضهم وجد الحلّ في الفكر. وبعضهم وجد الحلّ في العشق. وخلاصة القول أنّه طُرحت طُرُقٌ كثيرةٌ لقطع هذه المسافة.

فبعضهم تصوّر منازل السير ستّين منزلاً، وبعضهم مائة منزل، وبعضهم أربعين منزلاً؛ مثل المرحوم الخواجة عبد الله، وبعضهم سبعة منازل، وبعضهم غير ذلك. وكان المرحوم العلامة الطهراني يقول: ضع قدمًا واحدةً فوق العالمَين، فهي ليست أكثر من خطوةٍ واحدةٍ؛ خطوة تخرج بها من نفسك، وتضعها في التجرّد. أمّا ما الذي تصنعه هذه الخطوة بالإنسان فلم يقله! خطوة واحدة، يا عزيزي! ولكن إذا أعان الله الإنسان فهو يستطيع أن يخطوها، والأمر كذلك. وهذه الخطوة هي التسليم.

التسليم: جوهر القرب الإلهيّ

ولكنّ الإمام السجّاد عليه السلام يقول: «وَأَنَّ الرَّاحِلَ إِلَيْكَ قَرِيبُ الْمَسَافَةِ» يعني التسليم، المقام هو مقام التسليم. من يريد أن يأتي إليك، إذا جاء بسلاح التسليم، فهذا يعني أنّه يضع نفسه جانبًا، يضع نفسه جانبًا، يتركها، لا يرى نفسه شيئًا إلا أداةً فقط، لا يرى نفسه إلا وسيلةً فقط. لا يمنح لنفسه أيّ شأن. فإذا فعلت هذا فهو جيّد.

ـ وكيف أفعله؟ 

يقولون: افعل هذا، فيخفض رأسه ويذهب ويفعله. الآن هل هو سيّء؟ هل هو جيّد؟ ما هي آثاره؟ لا يبالي، لا يبالي! 

يا عزيزي، افعل هذا. ولا تفعل ذاك. هذا الأمر صحيح، وذاك غير صحيح. فلا يضع نفسه في الاعتبار.

هل رأيتم الموظف عندما يجلس في الإدارة؟ عندما يأتي المراجعون، لا ينظر من هو هذا المراجع فلا يتسائل مثلاً كم عمره؟ كيف حاله؟ هل يصلّي أم لا؟ هو يجلس هناك ليحلّ المشكلة. يقول له: لديّ مشكلة كذا. لديّ مشكلة كذا... سند المنزل عالقٌ هنا. مهمّته فقط أنْ يذهب ويحضر الملفّ، ويبحث فيه، ويفعل ما يلزم، فإن كان هناك غرامة، فيغرّمه. إن لم تكن هناك غرامة، فيصدر الترخيص ليذهب مثلاً ويبيع منزله ويبنيه. هذا هو عمله، ولا يهتمّ بما إذا كان هذا المراجع من أهل المسجد أم لا؟ هل يصلّي أم لا؟ هل هو من الأقارب أم لا؟ ثمّ يقولون: المأمور معذور. عليه أن يؤدّي واجبه ويذهب. في نطاق عمله المحدّد، عليه أن يؤدّي عمله ويذهب، فلا يهتمّ بتلك الأمور أبدًا. حتّى لو قيل له: إنّ عملي معقّد، لا أستطيع. 

يقول: ما علاقتي؟! اذهب وحلّه في إدارة أخرى. ما يتعلّق بي هو هذا الذي قمتُ به. لا ينهض هو بنفسه ليتابع هذا العمل! يأتي في وقته ويجلس، وعند نهاية الدوام ينهض إن كان ملتزمًا جدًّا بواجبه.

الإنسان كالموظّف عند الله

الإنسان في علاقته مع الله يجب أن يكون كالموظّف. افعل، يفعل. لا تفعل، لا يفعل. هذا سيّئ، هذا سيّئ. هذا جيّد، هذا جيّد. هذه هي حالة التسليم. لا يفكّر هذا الأمر الذي يفعله ما هي عواقبه؟ ما هي ردود الفعل التي ستترتّب عليه لاحقًا؟ ماذا ستصبح علاقته؟ سيحدث له كذا؟ إذا قام بهذه الأعمال، ستفسد القضيّة. المسألة ككلّ تفقد معناها تمامًا. الأمر برمّته يتغيّر تمامًا.

قصة المرحوم العلامة الطهراني والهديّة

ذات مرّةٍ أعطاني المرحوم العلامة الطهراني مبلغًا من المال وقال: أعطِ هذا المبلغ لفلان، ليعطيه لأمّه. وكان من الأقارب، من الأقارب المقرّبين أيضًا. فذهبتُ إليه وقلتُ له: هذا أعطاه السيّد وقال: أعطه لأمّك. فجلس يفكّر ويفكّر ويفكّر، ثمّ قال: اذهب أنت وأعطها. كان هناك خلاف بينه وبين أمّه. وأراد المرحوم العلّامة أن يزيل هذا الخلاف. أنت أحمق أيّها المسكين! حسنًا، فلو أنّ السيّد نفسه قال لي: اذهب أنت وأعطها، وفي نفس الوقت، ستكون صلة رحم. لفعلتُ، لكنّه لم يقل لي ذلك. قال: اذهب أنت وأعطها. الآن أنت تفكّر: أنا أذهب وأعطيها، ماذا أفعل؟ لا أريد أن أواجهها. ولم يذهب ليعطيها. وقد حصد عواقب ذلك. بالطبع ليس بسبب هذه القضيّة. هذه القضيّة وقضايا أخرى. يقولون: اذهب وأعطها. انتهى الأمر. لا تعقّد القضيّة. لا تفكّر فيها باستمرار. لا تقلّل ولا تزد. كلّما فكّرتَ وقلّلتَ وزدتَ، غصتَ أكثر في الوحل، وغصتَ أكثر في هذا المستنقع. مستنقع التخيّلات، مستنقع الاعتبارات، وتصبح في وضعٍ، فجأةً ترى رأسك يدور، ولا تستطيع الخروج. وإذا أردت أن تخرج، فكأنّ جبلاً قد وضع عليك، وتريد أن تزيل جبلاً. حسنًا، كان من الأفضل ألّا تفكّر في الأمر من البداية ولو لم تفكّر لكنتَ مرتاحًا. لو لم تفكّر في الأمر من البداية، لكنتَ مرتاحًا وتجاوزت المشكلة. ولكن هذا الفكر يأتي ويجلب معه أفكارًا، يجلب أفكارًا. لقد فعلتْ معي كذا وكذا في ذلك اليوم. وفي ذلك اليوم أنا فعلتُ كذا. وهي ستقول: لقد جاء إليّ. جاء ليخدعني، جاء ليفعل كذا وكذا، فهذه كلّها أحمال، أكياس من الرمل تتكدّس هكذا على رأسه. يا عزيزي، هذه تجعله يقع على الأرض، تجعله يستلقي ولا يستطيع النهوض.

"قل الله ثم ذرهم" (التسليم لله)

أمّا لو قال من البداية: يا عزيزي، اذهب بهذا... حسنًا! فليضع تفكيره في مسائل أخرى حتّى يصل إلى المنزل. يا عزيزي، تفضّل. مع السلامة. ثمّ ليجلس بعد ذلك. 

«یک قدم بر هر دو عالم نِه» 

يقول: قدمٌ واحدةٌ فوق العالمَين. 

هذا يعني ﴿قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ﴾^۱. قل الله، واترك كلّ شيء جانبًا. ﴿ذَرْهُمْ﴾ اتركهم جميعًا. اترك جميع الأعداء. اترك جميع المعاندين. اترك جميع الاعتبارات. اترك جميع الأصنام. اترك جميع الأوثان. اترك جميع الذوات. اترك جميع الأمور المعيقة. اترك جميع تلك القيود والرباطات والسلاسل التي تأتي وتقيّد يدي الإنسان وقدميه وعنقه بالجدار! ها! ﴿قُلِ اللَّهُ﴾. إذا قلتَ الله، فإنهم يتساقطون. فـ "ثمّ" هذه، هي النتيجة. أي أن تقول: الله، وفجأة ﴿ذَرْهُمْ﴾، ثم يظهر كلّ شيء... لكنّنا لا نقول الله. نقول الله، لا! الله حقًّا. قولوا: «لا إله إلا الله تفلحوا»^٢ الفلاح يجب أن يكون نتيجة... قل هذا الله ﴿ثُمَّ ذَرْهُمْ﴾. كلّ شيء يزول. ثمّ يدخل الإنسان عالمًا من البهجة، عالمًا من الانبساط، عالمًا من الصفاء حقًّا، يخرج من هذه المشاكل، يخرج من هذه الأمور، ينفتح قلبه، هذا الانفتاح هو نفسه التجرّد، اقترب من ذلك التجرّد. الدرجة الثانية، الدرجة الثالثة حتى يحدث ماذا؟ حتّى يصبح ذلك التجرّد ملكة لديه. يتحوّل من مقام الحال إلى مقام الفعليّة المطلقة. يصبح هذا ملكة. حسنًا، لقد حدث هذا أيضًا! لقد حدث. لا تظنّوا أنه لم يحدث. لا! لماذا؟ 

قصة توبة عليّ الكندابي ولقائه مع المرحوم الأنصاريّ

كان المرحوم العلامة الطهراني يقول: كان هناك رجل في همدان في زمن المرحوم الشيخ الأنصاري. لقد كان المرحوم الشيخ الأنصاري يقول هذه القصّة وقد رآه هو أيضًا في همدان. كان من أصحاب الشهرة والعصابات، وقطّاع الطرق، والمفسدين، ولديه جماعة حوله، وكان معروفًا في المنطقة، وهكذا. كانوا يسمّونه عليّ الكندابي. كان هذا مشهورًا في همدان. عندما يُذكر اسم عليّ الكندابي، كانت جميع الأجساد ترتعش. كلّ ما كان يقوله كان لديه جماعة تنفّذه. كان يقول: سأدعو ذلك الشخص... وقد فارتكب كلّ شيء، كلّ المسائل. لقد قالوا: مرّت سنوات على هذه القضيّة حتّى أوجد الله له التنبّه، فتنبَّهَ: وكيف ذلك؟ بهذا الوضع وبهذه الكيفيّة وهكذا، ولماذا كنتُ هكذا؟ لماذا فعلتُ هذا حتّى الآن؟ لماذا فعلتُ كذا؟ عندما يصبح هكذا، يلتقي بالمرحوم الشيخ الأنصاريّ ويقول: ماذا أفعل؟ فيقول: يجب أن تذهب وتؤدّي حقوق الناس. أمّا حقوق الله، فيجب أن تتوب وتفعل كذا.

حتى أنّه يبذل قصارى جهده إن كان قد أخذ حقًّا من أحدهم وهكذا، حتّى أنّه يبيع منزله، لأنّه يريد أن يتقدّم الآن. بجدّ! ليس أنْ نأتي قليلاً ونراعي بعض الأمور. فيبيع منزله ويذهب وكذا، ولكن حقوق الله وهكذا، وهذا يسلبه الهدوء. لا ينام، لا يستيقظ، يقضي وقته كلّه في البكاء وعلى هذه الحال. وخلاصة القول، كان مضّطربًا جدًّا. وكان ذلك الوقت وقت حرب وهكذا.

زيارة عليّ الكندابي للنجف ووفاته في الحرم

فخطرت له فكرة أن ينهض ويذهب إلى كربلاء والنجف، وإلى العتبات ليشتكي، وليبتهل. ظاهرًا يبدو أنّه كان صديقًا لرضا شاه في وقت ما. فجاء إلى طهران وذهب إلى رضا شاه وقال له: أريد الذهاب إلى كربلاء والنجف. فقال له: كيف تذهب في هذا الوقت؟ هل جننت؟ وقت حرب وكذا؟ فقال: أريد أن أذهب. حسنًا جدًّا، يصنعون له جواز سفر وهكذا. وفي النهاية، يذهب. يذهب إلى هناك، ولفترة طويلة لم يكن في المدينة أبدًا. لم يكن في المدينة لفترة طويلة. وكان المرحوم العلامة الطهراني يقول: عندما كان الناس يذهبون إلى الصحراء، كانوا يسمعون صوت بكائه. مثلاً، كان يذهب إلى خارج مدينة همدان وهكذا. ليلاً ونهارًا. يعني حقًّا حدث له انقلاب عجيب. خلاصة القول، تتيّسر له الأمور وهكذا حتى يصل إلى العتبات، ويذهب إلى النجف. يذهب إلى النجف، ولم يدخل الحرم بعد، في نفس الإيوان، في نفس الإيوان، يتوجّه إلى الله، ويقول: يا إلهي، اغفر لعليّ هذا بحقّ عليّ هذا! كان قد قطع شوطًا بعيدًا، وفي نفس المكان يسقط ويموت. يعني ينتقل إلى رحمة الله، وتُقبل توبته.

حسنًا، لماذا كان هذا هكذا؟ لأنّه حقًّا قد تخلّى ومشى. أي أنّه وضع نفسه جانبًا. إذا وضع الإنسان نفسه جانبًا حقًّا هكذا، يعني هكذا، ولم يراعِ أيَّ اعتبارٍ، أيَّ جانبٍ من الجوانب، إذا فعل هكذا، فماذا يحدث للمسافة؟ تصبح قريبة. إذًا، الإمام السجّاد عليه السلام يقول: «وَ أَنَّ الرَّاحِلَ إِلَيْكَ قَرِيبُ الْمَسَافَةِ» لهذا السبب. لأنّ ما يفصلنا عن الله هو هذه الحجب. هذه الحجب تأتي وتمنع أعيننا من أن تتنوّر بجمال المعبود والمحبوب.

المسؤوليّة الزوجية: نموذج للتسليم

أمّا إذا جاء أحد وتجاوز هذا الأمر، فليضع كلّ واحد حسابه جانبًا في أيّ موقف كان، فليضع الرجل حسابه جانبًا حقًّا، في التعامل مع المسائل، ولا ينظر من جانب العلوّ والاستعلاء والتسلط والتحكّم تجاه الزوجة والأولاد. بل يضع نفسه جانبًا، وفي التعامل معهم، لا ينظر إلا إلى الله. ليس لأنّه رجل فعليه أن يأبى، بل يجب أن تفعل هذا. والمرأة تقول: لأنّني امرأة، سأفعل هذا. ليس لأنّه رجل، يجب أن تستمع إلى كلامي. لا! فهذا الحساب ليس صحيحًا. يجب أنْ يفترض أنّ الله قد أمره بإدارة هذه الحياة. فقط هذا! أكثر من هذا، يجب أن يجيب. إذا أراد أن يتجاوز هنا، فيجب أن يجيب غدًا، يوم القيامة! نعم، يجب على المرأة أن تطيع الرجل، وكلّ ما يقوله الرجل يجب أن تستمع إليه، بالطبع بشرط ألا يكون مخالفًا للشرع. ولكن الأمر ليس هكذا أيضًا أن يفعل الرجل ما يشاء. الآن بما أنّكِ ستستمعين، فلنمارس عليك الضغط. لا! فهذا ليس صحيحًا. غدًا، يوم القيامة، سيُحاسب الرجل على تسلّطه هذا.

قصة سعد بن معاذ وعذاب القبر

إنّ سعد بن معاذ كان من أعظم صحابة رسول الله صلّى الله عليه وآله. وعندما توفّي، حتّى رسول الله نفسه ذهب وصنع له اللّحد في القبر. فقالت أمّه: هنيئًا لك يا سعد، رسول الله جاء وصنع لك اللحد، فقال النبيّ: لا يا عزيزتي! ليس الأمر هكذا. 

ـ لماذا يا رسول الله؟! الآن ضمّه قبرُه بقوّةٍ لدرجةِ أنّ عظامه تكسرت! الرجل صالح، ولكنّ الحساب حساب يا أخي. الحساب حساب. لماذا يا رسول الله؟ لأنّه كان يظلم زوجته وأولاده، وكان يعاملهم بعبوس وشجار وتسلط وسوء أخلاق. فهذا عذاب القبر الذي أصابه الآن.

إذًا، كيف يجب أن يكون الرجل في علاقته مع عائلته؟ يجب أن يسلّم نفسه للّه، ثمّ يتعامل معهم. وكيف يجب أن تكون المرأة؟ يجب أن تسلم نفسها في طاعة الرجل. كلّ ما تقوله، سأستمع إليه. المسؤولية عليك أنت. وإذا فعلت هي هذا، وفعل هو هذا، فانظروا ماذا سيحدث! وهكذا بالنسبة للجميع، بالنسبة للشريك، بالنسبة للجار، بالنسبة للناس الآخرين في الخارج. هذا الجانب من التسليم، والخروج من الذات، ومراعاة الواجب فقط. هذا فقط، مراعاة الواجب فقط يمكن أن يفعل الكثير للإنسان، يجعله يتحمّل الكثير. كلّ من يكون في أيّ موقع، فليأتِ ويفعل هذا، عندئذٍ ماذا ترى؟ عندئذٍ يرى أنّ المسافة قد قلّت جدًّا. المسافة إلى الله قد قلّت جدًّا.

حسنًا، إن شاء الله نأمل أن يوفّقنا الله تعالى للتحقّق بهذه الحقائق. إذا أردنا أن نواصل الحديث عن هذه القضيّة فلن ننتهي، لقد قال أحد الأصدقاء: سيّدنا، متى ينتهي شرحكم لدعاء أبي حمزة هذا؟ أخبرنا بموعد. فقلت: سنسرّع قليلاً، لا بأس. إن شاء الله إذا وفّق الله، نبدأ من الدرس القادم بالفقرات التالية وهكذا. نأمل أن يشملنا الله بلطفه وعنايته الخاصّة، وأن يقرّب مسافتنا إليه، وأن يزيل تلك الحجب الظلمانيّة وتلك الحجب المانعة، وأن يفتح أعيننا على طريقنا، إن شاء الله.

اللهمّ صلّ على محمد وآل محمد