6

«وَأنَّ الرَّاحِلَ إِلَيكَ قَرِيبُ المَسَافَةِ»

لماذا نرى الله بعيدًا؟

24
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1423

التاريخ 1423/09/12

جلسات المجموعة(6 جلسة)

التوضيح

ماذا يعني قرب المسافة إلى الله في السلوك العرفانيّ؟ هل تصوراتنا عن بُعد الله حقيقيّة؟ ولماذا لا يدرك الكثيرون هذه الحقيقة؟ تجيبك هذه المحاضرة عن هذه الأسئلة وغيرها، مُبيّنةً كيف أنّ الله أقرب إلينا مما نتصوّر، وكيف أنّ حياتنا تسير بتقدير إلهيّ دقيق، لا يمكن للظاهر أن يخدع عنه. كما تتطرق المحاضرة إلى الفرق بين التوكل على الله والاعتماد على الوسائل المادية، وخطورة الاعتماد على غير الله في الشدائد.

/۱۸
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

«وَأنَّ الرَّاحِلَ إِلَيكَ قَرِيبُ المَسَافَةِ» - لماذا نرى الله بعيدًا؟

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • وَأنَّ الرَّاحِلَ إِلَيكَ قَرِيبُ المَسَافَةِ 

  • لماذا نرى الله بعيدًا؟ 

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢٣ هـ - الجلسة السادسة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

«وَأنَّ الرَّاحِلَ إِلَيكَ قَرِيبُ المَسَافَةِ» - لماذا نرى الله بعيدًا؟

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ

  • بِسمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

  • الحمد لله ربّ العالمين

  • وصلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَ نَبِيِّنَا أَبِي‌الْقَاسِمِ مُحَمَّدٍ

  • وآله الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ

  • واللعنة عَلَى أَعْدَائِهِمْ أَجْمَعِينَ‌ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ

  •  

  •  

  • «وَ أَنَّ الرَّاحِلَ إِلَيكَ قَرِيبُ الْمَسَافَةِ»

  • هل الله بعيد عنا؟ 

  • إنَّ الذي يتّجه إليك ويهاجر إليك، سفرهُ هذا قصيرٌ جدًّا، وليس سفرًا طويلاً. إنّ تصوّرنا هو أنّنا بما أنّنا اعتدنا على التعامل مع المسائل الماديّة والطبيعيّة، وتعاطِينا هو مع التفاصيل والعالم الماديّ، فإنّنا بطبيعة الحال نشعر بمسافة وفاصل بيننا وبين الله الذي هو غائب عن أعيننا. فعندما يُذكر اسم الله، ففي هذه اللحظة التي ذكرتُه فيها، ألم تتصوّروا في الذهن أنّ إلهًا بعيدًا جدًّا سيأتي. فمثلاً، تتصوّرون أنّ إلهنا هذا يجب أن يعبر النظام الشمسيّ، وأن يعبر النجوم الثابتة، وأن يجتاز المجرّات واحدة تلو الأخرى، وأن يتخطى تلك النجوم التي لا يمكن رؤيتها بالعين المجرّدة، والتي يُقال عنها نجوم تلسكوبيّة. يجب أن يتخطّى التلسكوبات الظاهريّة، وتلسكوبات الذرّات، وهذه هي آخر مرتبة من الدنيا، آخر مرتبة فيزيائيّة وماديّة كما تقولون أيّها السادة، آخر مرتبة ماديّة. من هناك فصاعدًا، يكون الله، هذا هو التصوّر، أليس كذلك؟ حتى الآن كنا نظنّ هكذا. 

  • يقال لنا: ادعُوا لنا! فنرفع رؤوسنا إلى الأعلى. تأتي في الذهن مسافة طويلة جدًّا. وإذا أردنا أن نُمنّ على الله ونُظهر له المحبّة والمعرفة، نقول: في النهاية، سيصل صوتنا إلى سمعه، صوتنا سيصل إليه في النهاية. لا يمكننا أن نكون بهذا القدر من قلّة اللطف مع الله لنقول إنّه لا يسمع. 

  • قصّة الحاجّ عبد الجليل وابن السيّد الحدّاد 

  • يقال إنّ الحاج عبد الجليل كان يقول، فقد كان المرحوم العلامة يحكي أنّي كنت ذات مرّة في كربلاء، وكان الحاج عبد الجليل هناك، حفظه الله، وهو الآن في الكويت. قال: كان ابن السيّد الحدّاد الأكبر رجلاً بسيطًا جدًّا، بسيطًا للغاية، بسيطًا أكثر من اللازم. فأراد أن يذهب إلى النجف فقال له الحاج عبد الجليل: إذا ذهبت إلى هناك، فبلّغ سلامي إلى أمير المؤمنين، ولي عنده حاجة، فاطلبها لي وتعال. عندي حاجة، أخبر أمير المؤمنين بها، وقل له: فلان لديه حاجة. قال الحاج عبد الجليل: كنّا هناك ليلاً، وعندما عاد، سألناه أن ماذا حدث؟! فقال: والله ذهبت لأخبر عليًّا، فكان رأسه مشغولاً جدًّا، لا أعلم إن كان قد سمع أم لا؟ يا له من إنسان بسيط! ربّما كان هناك صخب أيضًا. أليس كذلك؟ 

«وَأنَّ الرَّاحِلَ إِلَيكَ قَرِيبُ المَسَافَةِ» - لماذا نرى الله بعيدًا؟

3
  • إذا أردنا أن نعبّر عن محبّتنا للّه كثيرًا، نقول إنّه يسمع صوتنا. فهل تخيّلنا يومًا، عندما نقول «يا الله»، أنّ إلهًا يقف بجانبنا؟ هل تخيّلنا ذلك يومًا؟ لم نفعل. فلنفعل الآن. من الآن فصاعدًا، كلّما أردنا أن نقول «يا إلهي»، قبل أن يخرج الكلام من أفواهنا، يكون قد سمع. لماذا يجب أن يكون الأمر هكذا؟ لماذا يجب أن نقع في مثل هذا الخطأ في تصوّرنا عن الله، فنرى المسافة بيننا وبينه بعيدة جدًّا، وكأنّنا لا نتوقّع السماع والإجابة؟ 

  • نقول: يا رجل، متّى سيأتي الله ليسمع كلامنا؟ لدى الله كلّ هذا العدد من العباد، فمتى سيهتمّ بنا؟ كلّ هذه الأعمال والمسؤوليّات لدى الله، فمتى سيأتي الله ليستمع إلى كلامنا ويجيب؟يا رجل، أين نصيبنا في عالم الوجود؟ أيّ جزء من أجزاء عالم الوجود خصّصناه لأنفسنا في هذا البحر الواسع، أين يمكننا أن نكون؟ 

  • كلّ إنسان له سجلّ عند الله

  • لا، فكلّ من يولد في هذا العالم ويوجد فيه يأتي بسجلّ معه، وليس الأمر هكذا عبثًا، ليس هكذا عبثًا، مثل هؤلاء الذين يلعبون القمار ويلقون شيئًا مهما كان يكون، بل أُعدّ له سجلّ حتّى ولد. 

  • إنّ الأمر يختلف، في المحاكم، كانوا يقولون سابقًا لا أعلم إن كان هذا صحيحًا أم كذبًا، كان هذا في العهد السابق ولا علم لي بالحال الآن، كانوا يقولون:عادة يذهب الإنسان إلى المحكمة أوّلاً، ثمّ يتحدّث ويستمعون إلى كلامه، ويأتي المحامي ويدافع عنه، ثمّ شيئًا فشيئًا يُعدّ له سجلّ. ولكنّ بعض المحاكم لديها سجلّ مُعدّ من البداية، ولا يتعبون هذا المسكين كثيرًا، فبمجرّد أن يذهب إلى المحكمة، يضعون الحكم أمامه قبل أن يتكلّم. وهذا أفضل، لا مشقّة في الأمر!! 

  • الآن، كلّ من يأتي إلى هذا العالم، يأتي بسجلّ، أي أنّ أمره محسوب، والملائكة جاءت وخطّطت، وإرادة الله تعلّقت بوجود هذا الإنسان، وأنّه كيف يعيش، وكيف يولد، وكيف ينمو، وكيف يأتي، كلّ هذه الأمور منظّمة، وكلّ هذه الأمور وُضعت في ملفّه الخاص، فتأتي ورقة منها تلو الأخرى، هذه الصفحة تذهب وتأتي الصفحة التالية، هذه الصفحة تذهب ويأتي سجلّ جديد، لا تتحرّك ورقة واحدة هنا أو هناك، لا تتحرّك ورقة واحدة هنا أو هناك أبدًا. 

«وَأنَّ الرَّاحِلَ إِلَيكَ قَرِيبُ المَسَافَةِ» - لماذا نرى الله بعيدًا؟

4
  • قصّة في محاولة الفرار من القدر 

  • ذات مرّة، قرأت قصّة أدهشتني كثيرًا، تذكّرتُها الآن فقد قال أحد أنبياء بني إسرائيل لرجل إنّك ستغرق في البحر، ووفاتك ستكون في البحر، ومكتوبٌ عليك أن تغرق في البحر. وكان تاجرًا يسافر من البصرة إلى الهند بالسفن. ومنذ ذلك الحين، طلب من شركائه وغلمانه أن يذهبوا هم بالتجارة ويأتوا بها، ولم يعد يسافر بنفسه. مرّت سنوات على هذه القضيّة، سنوات. ومثل هذه الحكايات كثيرة. مليارات القصص! أي بعدد كلّ فرد وبحجم ساعات حياته توجد قصّة. فلنرو واحدة منها: مرّت بضع سنوات، فشعر بالملل. فكان يذهب إلى البحر ويعود، يأنس به ويعود. يقول لنفسه: يا رجل، هيّا نذهب، فلنذهب إلى البحر ونتجوّل قليلاً... لقد مللت هنا. حسنًا، ماذا نفعل بهذه المسألة؟ ومن ناحية أخرى، يعلم أن النبيّ صادق في قوله، وأنّ كلامه لا يخالف الواقع. فقال: سأحتال على الله. سأركب سفينة فيها أناس آخرون غيري. في النهاية، لن يُغرقهم الله. هو يريد أن يغرقني أنا. حتّى الآن كنت أذهب بمفردي وأضع بضائعي في هذه السفن، أما الآن فسأذهب بسفينة للركّاب أساسًا. فلماذا أذهب بسفينة شحن؟! فجاء ورأى سفينة، ورأى مائتي راكب أو ثلاثمائة واقفين يريدون السفر. فقال: خذوني معكم. فركبوا وانطلقوا في وسط البحر، في المحيط الهندي، فبدأ الجوّ يتقلّب، صعودًا وهبوطًا. فقال: يا إلهي، إن أردت أن تغرقني، فافعل، ولكن ما ذنب هؤلاء المائتين أو الثلاثمائة حتّى يغرقوا بسببي؟ 

  • فقال الله: تقديرهم كان أن يموتوا مثلك. جمعناهم جميعًا معًا، والآن سنلقي بهم جميعًا في الماء. فغرقوا جميعًا وأُلقوا في الماء.

  • وهذه ليست أقاويل! لا يتغير سجلّ شخص واحد بمقدار ذرّة، والملائكة لا تخطئ ولا تتجاوز ما أمرت في أداء واجبها، وسجلاّتنا لا تضيع في محاكم الملائكة، ولا يتغيّر مكانها، لا يُكتب الذنب مكان العمل الصالح، ولا العمل الصالح مكان الذنب، لا يُكتب. 

  • خاطرة واحدة تُسجّل في السجلّ، ظنّ سيء واحد بالأخ المؤمن يسجّل في السجلّ. ظنّ حسن يسجّل في السجلّ. ظنّ واحد يسجّل في السجلّ. 

«وَأنَّ الرَّاحِلَ إِلَيكَ قَرِيبُ المَسَافَةِ» - لماذا نرى الله بعيدًا؟

5
  • قصّة المرحوم فيض علي شاه الدكني ودرسه الإلهيّ 

  • يروى في أحوال المرحوم فيض علي شاه الدكني، وهي قصّة طويلة جدًّا، أظنّ أنّي رويتها للأصدقاء بشكل أو بآخر. سأذكرها بإيجاز شديد: كان مع أستاذه في الهند، ثمّ جاء من الهند إلى إيران، وذهب إلى مدن إيران، وفي تبريز بدأ بالوعظ والحديث وما إلى ذلك. وتجمّعت حوله جماهير غفيرة جدًّا. كان رجلاً مستنير الضمير، وعالمًا جدًّا، وفاضلاً. وكان منهجه منهج العرفان والسلوك. وكانت أحاديثه جذّابة جدًّا وعذبة، وكلامه حارًّا ومثيرًا للاهتمام. وقد انجذب الناس إليه كثيرًا، حتّى أنّ الجامع في تبريز امتلأ من كثرة الناس. وفي ذلك الوقت، كان هناك الكثير من المعارضين للعرفان، مثل الآن، لكن الآن هم أقلّ عددًا، في ذلك الوقت كانوا أكثر. ذات ليلة، كان يتحدّث، وفي أثناء حديثه، كانت هذه الجماهير في خلسة وروحانيّة وحالة من النشوة الروحيّة، وقد وضعتهم الأفكار العرفانيّة والتوحيدية في حالة من النشوة والوجد، وقد شملتهم بعض الجذبات وبعض اللمعات والنفحات. وفجأة، خطر له في ذهنه: يا له من أمر! انظر مع كلّ هؤلاء المعارضين المنتشرين هنا وهناك، والذين يعارضوننا ويؤذوننا، انظر الآن كم من الناس اجتمعوا، كم كثروا. خلاصة القول، لقد ازدهر عمل الله، وبدأ سوق الله بالرواج. فليتعذبوا وليروا ذلك. 

  • وبمجرّد أن جاءت هذه الفكرة والتصوّر إلى ذهنه، نظر فجأة فرأى درويشًا قد ظهر في هذا المسجد. هكذا، دخل الدرويش مباشرة من الباب بين الجماهير، وصعد المنبر دون أيّة كلمة. وقال شيئًا في أذنه هكذا. فظلّ جميع الناس مندهشين: ما هذه القصّة؟ دخل شخص من الباب، وجاء وصعد المنبر وأعطى ورقة لفيض علي شاه الدكني. فرأى أن حبر الورقة لم يجف بعد، وأن الورقة مكتوب عليها: اقبل ما يقوله هذا الدرويش. هذا كلّ ما في الأمر. وكان توقيع أستاذه تحتها. فقال: حسنًا، ماذا تقول الآن؟ فقال: تفضّل. قال: ولكن انتظر. التفت إلى الجماهير وقال: أيّها الناس، هل لي عليكم حقّ أم لا؟ فقالوا: نعم. 

  • فقال: بحقّي عليكم، لا تعترضوا على أيّ شيء يفعله هذا الدرويش بي. 

«وَأنَّ الرَّاحِلَ إِلَيكَ قَرِيبُ المَسَافَةِ» - لماذا نرى الله بعيدًا؟

6
  • فقالوا: بسم الله. 

  • ثمّ أمسك هذا الدرويش بتلابيبه من أعلى المنبر، وسحبه إلى الأسفل، سحبه هكذا، ولم يدعه يمشي. سحبه بين الجماهير وقال له: اخرج. فخرج ودفعه، وذهب ولم يعد. الآن انظروا ماذا كانت هذه القضيّة؟ بالطبع، لا ننسى أن هناك الكثير من الأمور هنا. لا نريد أن ندرس هذه المسألة من جميع الجوانب. لا يمكننا القول إنّ أستاذه كان كاملاً حقًّا من حيث مراتب البقاء أم لا. لأنّ هذا النوع من الأشخاص الكاملين لا يفعلون ذلك. تأديبهم وتنبيههم يكون بشكل آخر، لا بهذا الشكل. وعلى كلّ حال، لقد حدث هذا بالفعل، وقد تمّ هذا، وأمسك بيده وأخذه إلى الأستاذ. وفي الليلة نفسها، ذهبوا من تبريز إلى الهند في بضع ثوانٍ، ووصلوا إلى مدينة دكن، وهناك، بمجرّد أن رآه الأستاذ، قال له: ها! هل أصبحت إنسانًا الآن؟! 

  • تجلس على المنبر وتُروّج لأمر الله وسوقه؟ تجمع الناس حولك؟ تُروّج سوق الله؟ فبمجرّد أن خطرت له هذه الفكرة وأنّه جمع هذه الجماهير، وأنّ حديثه جعل الناس يتحرّكون وينطلقون ويأتون إلى الله ويتركون الأمور الدنيويّة، قام أستاذه على الفور وكتب في رسالة: اقبل كلّ ما يقوله هذا الدرويش. وقال: اذهب وأنقذه الآن، فإنّه يغرق، وفي ثانية واحدة، في ثانية واحدة، جاء إلى باب الجامع، وصعد المنبر مباشرة. فكلّ فكرة تمرّ في ذهننا تدوّن في السجلّ. فلنر الآن كم أثقلنا سجلّنا وكم أضفنا لأنفسنا من أعباء إضافيّة. يجلس الإنسان ويبدأ بالتجوّل، التجول: سأفعل هذا، سأفعل ذاك، لقد فعل هذا، لقد أخطأ ذلك، أنا الآن كذا، وهكذا يبدأ بالتجول، ويزداد ثقله. وفجأة، مثل الفأر الذي يُحمل عليه ثلاثة أكياس كبيرة، كيف يكون حاله؟ لا يستطيع الخروج من تحت هذه الأكياس. ولكن لو لم يكن الإنسان هكذا بل بمجرّد أن تريد خاطرة أن تخطر، يوقفها هناك، ويمنعها هناك، فلن يصل الأمر إلى ما بعد ذلك. 

  • فهذه الخاطرة التي تظهر فينا، وهذه المسائل التي تحدث لنا، كلّها تنبع من أيّ مسألة؟ تنبع من عالم محسوب بدقّة، وببرامج منظّمة ومترابطة وسريعة لدرجة أنّ مليارات أجهزة الكمبيوتر لا يمكنها أن تضاهيها في السرعة، وفي استخلاص النتائج، وفي الاستجابة. خاطرة واحدة، نتيجة واحدة. بمجرّد أن تأتي وتذهب، تأتي النتيجة. بمجرّد أن يخطر لك أمر ما، تشعر بضيق في صدرك، أي في ثانية واحدة، ماذا نقول؟ هل نقول ميكرون؟ هل نقول إبسيلون؟ حتّى ذرّة واحدة لا تختلف في هذه المسألة. بمجرّد أن تأتي هذه الفكرة، تأتي نتيجتها معها. هذا ما هو عليه الأمر؟ والآن يجب أن نرى ما هو السبب؟

«وَأنَّ الرَّاحِلَ إِلَيكَ قَرِيبُ المَسَافَةِ» - لماذا نرى الله بعيدًا؟

7
  • لماذا نرى الله بعيدًا؟ 

  • حسنًا، فما نراه ونتصوّره هو أنّ الله تعالى موجود خارج وجودنا، ويقع في نقطة بعيدة، خارج نطاق الأرض والسماء. ولكنّه وبفضل قدرته يرانا. هذا هو تصوّرنا عن الله، بفضل إشرافه، يرانا الله. هذا هو الحدّ الأقصى لتصوّرنا، لا يمكننا أن نتصوّر أكثر من ذلك. بالطبع، في علاقتنا مع هذا الإله، نضع عملنا وبرنامج حياتنا. نفعل ما نشاء. نرتكب الأخطاء التي نعلم أنها أخطاء. نعمل خلاف الواجبات. نعمل خلاف الأوامر. نفعل ما نشاء. نصرف وقتنا في أيّ شيء. نرتكب أعمالاً مخالفة، كالسرقة، والرشوة، والقمار، والمخالفات، والمعاصي، وترك الصلاة، وترك الحج، وترك الصوم، وترك الأوامر الإلهيّة. لا نصلي، فما هي الصلاة يا عزيزي وما فائدتها؟! لا نصوم، فالصوم للفقراء، أو للأشخاص الذين لا يجدون ما يأكلون. لا يؤدّي الحج، فلماذا أعطي أموالي لحفنة من العرب ليأكلوها؟ لماذا أفعل كذا وكذا، هذا يعود إلى زمن مضى، وأمثال هذا الكلام. فكلّ عمل يجد له حجّة ليتركه. والله يصبر، ويصبر، ثمّ فجأة نرى: آه، هناك جزء من جسدي يؤلمني. في اليوم الأول أقول: لا بأس، لا مشكلة، وهكذا.... في اليوم الثاني أكثر قليلاً، في اليوم الثالث أكثر قليلاً، في اليوم الرابع، أرى أنّ الأمر خطير ويبدو أنّ هناك ألم، والألم لا يمكننا التخلّص منه. الكلام الذي كانوا يقولونه لنا حتى الآن كنّا نتركه: اترك هذا يا رجل! يا عزيزي افعل كذا. 

  • ـ لا يا رجل، ما هذا الكلام؟! من رأى؟! من ذهب؟! من جاء؟! من رأى؟! ما هي الجنّة؟! وما هي جهنم؟! ما هذا الكلام؟! لكنّ الألم لا يمكن أن تقول فيه: من ذهب ومن جاء؟ الألم يزداد والأنين يعلو. لا يمكن فعل شيء. نذهب إلى الطبيب، فيقوم ببعض الفحوصات هنا وهناك، والله لا أعلم، المسألة مشبوهة، هنا وهناك، صعودًا وهبوطًا، تحليل كذا. يا عزيزي، مع كامل الأسف عليّ أن أقول لك إنّ مرضك ليس جيّدًا. 

  • ـ آه، يا للهول! يتغيّر لون الوجه الكريم. مرضك ليس جيدًا، فيقع في خوف وهلع، ويذهب إلى هنا وهناك، ويسافر إلى أمريكا، ويسافر إلى إنجلترا، ويذهب إلى الخارج ويأتي، يذهب إلى كلّ مكان، يا له من تقدّم في التقنية! كنتُ ذات مرّة في مكان ما، قبل فترة وجيزة، ورأيت مثل هذه المسألة، فكان أحدهم يواسي الآخر، يقول ذلك الرجل: يا أخي، هذا ما يقولونه، وحتّى ذلك الوقت، كم مرّة تتغيّر التكنولوجيا والتقنيّة؟ تتغيّر كلّ بضع سنوات. فبالتأكيد، بحلول ذلك الوقت، ستكون المشكلة قد حُلّت. وماذا عن هذا الكلام؟ بحلول ذلك الوقت، خلال الفترة التي سيقضيها الأطبّاء الأجلاء، وخلال الفترة التي يخصّصونها، كم مرّة تتغيّر التكنولوجيا. وخلاصة القول، لقد حدث ما يجب أن يحدث! نعم، هناك التقنية هكذا، هناك كذا، ليس هنا. نذهب ونفعل كذا، ونفعل، ونفعل. 

«وَأنَّ الرَّاحِلَ إِلَيكَ قَرِيبُ المَسَافَةِ» - لماذا نرى الله بعيدًا؟

8
  • العودة إلى الله عند اليأس من الأسباب المادية 

  • هل ترون أين ذهب العقل كلّه؟ كلّه يتّجه نحو المادّة. لا يوجد إله في البين، لا توجد ملائكة في البين، لا يوجد عالم غيب. كلّ ما نهتمّ به هو المادّة، كلّه التقنية، كلّه التكنولوجيا، كلّه التقدّم، كلّه أمثال هذه الأمور. يذهب إلى هناك ويعود. يقولون: لا يا عزيزي، لا يمكننا فعل شيء. عندما يصبح في مأزق هناك، ويسلمونه سجلّه في المستشفى: تفضل بالخروج، لا تشغل السرير هنا. هناك يتذكّر أبا الفضل ويتذكّر ضرورة الموائد، فيتّصل: اذبحوا خروفًا، ابسطوا مائدة، اقرأوا عزاء». نعم، اقرأوا عزاء. ماذا حدث للتكنولوجيا؟ ماذا حدث للتقنيّة؟ اذهب الآن، أنت نفسك، هذا الذي يعود من أمريكا ويأتي إلى إيران بوضعه آنذاك، لو التقطنا له صورة أو اثنتين، لكان الأمر رائعًا جدًّا. تلك الصورة التي يذهب بها وصدره فسيح، وبقوام رشيد تمامًا؛ فالأمر هناك منته، وقد قطعوا لي هذا الوعد، ففحص الأشعّة المقطعيّة لديهم كذا، والتصوير المغناطيسي لديهم كذا، وتحاليلهم كذا، وأطبّاؤهم كذا، وممرّضاتهم كذا. ووضع المستشفى كذا. ولو أرادوا أن يصوّروا خلية واحدة خاطئة يصوّرونها مليون مرّة. فهل الوضع هنا هكذا؟ لا بل هناك فقط هو هكذا. كلّ هذه الأمور هناك، ولكن عندما يأتي، لو التقطنا له صورة في تلك اللحظة ووضعنا الصورتين بجانب بعضهما، لكان هناك ما يُضحك في هذا السيّد العظيم، هذا السيّد الجاهل المغرور، هذا السيّد الذي لا يرى إلا المادّة ولا يلتفت أبدًا إلى ما وراء المادة. 

  • أيّها المسكين البائس! في كلّ خطوة تخطوها، يمدّونك بالدعم من هناك. أيّها المسكين التعيس! هل تستطيع أن تخطو خطوة واحدة بإرادتك؟! في كلّ نَفَس تتنفّسه، يمدّونك من هناك، وفي كلّ رمشة عين ترمشها، وحتّى هذه الفكرة التي تفكر بها: سأذهب إلى هناك، يضعونها لك من هناك. ليس أنهم يضعون لك ما يخالف مرادك. هذه قدرته، وأنت تأتي وتلويها. من هناك يأتيك هذا المدد. 

  • والآن تصل فتقول: آه يا للهول! أين تلك القوة؟! أين تلك الشجاعة؟! أين تلك التكنولوجيا؟! أين تلك التقنية؟! أين أولئك الخبراء؟! أين هم؟! 

«وَأنَّ الرَّاحِلَ إِلَيكَ قَرِيبُ المَسَافَةِ» - لماذا نرى الله بعيدًا؟

9
  • مرض العلامة الطهراني ورفضه السفر للعلاج 

  • كنتُ مع المرحوم العلامة الطهراني طوال الفترة التي ابتلي فيها بالأمراض والشدائد. ربّما كان هناك القليل من الأمراض التي أصابته ولم أكن على علم بها. فعندما أصابه ذلك المرض الكبديّ، وانسداد القناة الصفراويّة، كنتُ في المستشفى. كلّ من كان يتصل به، من الناس ومن رجال الدين والعلماء، كان أول ما يقولونه له: سيدنا اذهب إلى أمريكا، سيدنا اذهب إلى الخارج، سيدنا اذهب إلى كذا. ولم يقل له أحد: كيف حالك سيّدنا في مشهد ؟ كيف حالك مع الإمام الرضا؟ ماذا تفعل هنا؟ كان في مستشفى القائم، مستشفى القائم في مشهد. كيف حالك؟ ماذا تفعل؟ وكذا، كيف حالك وأحوالك؟ كنتُ في الغرفة، وكان يأتي الناس لزيارته، وبمجرّد أن يعلموا، يقولون: سيّدنا لماذا أنت هنا؟! اذهب إلى الخارج»، رجال الدين، رجال الدين يا عزيزي، لديك إمكانيّات، أنت كذا وكذا، لديك أصدقاء، فلماذا؟ أنا لم أرَ أحدًا لم يتعرّض لذلك إلا بعضهم، نعم لا أقول إنّ الجميع قالوا هذا. 

  • كلام العلامة الطهراني عن اللجوء إلى الكفر 

  • اتّصل به أحد أقاربه، من المقربين جدًا، وقال: سيّدنا، هل تريد أن أرتّب لك الأمر الآن لتذهب إلى هناك، لتذهب إلى أمريكا وتفعل كذا وكذا، إنجلترا أم أمريكا لا أعلم أيهما؟ كان السيد يضحك ويقول: نعم. ثمّ مزح معه، فأجابه هو الآخر. خلاصة القول، عندما التقت به، قال لي: يا سيّد محسن، هل يترك الإنسان الإمام الرضا هنا ويذهب وإلى أين؟! يذهب إلى حفنة من شاربي الخمر؟! هل يذهب إلى حفنة من الكفّار والنصارى؟! هل يذهب إلى الكفر؟ وهل يذهب عالِم دين وعالم إسلامي، انتبهوا جيّدًا! المسألة حساسّة جدًّا هل يذهب عالِم دين وعالم شيعي، الآن وقد وصل به الأمر إلى هنا... كان يشتم باستمرار، هذا ما أقوله أنا، هو لم يقله، أنا أقوله. كان يشتم باستمرار: الموت لكذا، الموت لذاك، الموت لكلّ الدول، الموت لكلّ كذا. ولكن الآن وقد وصل به الأمر إلى هنا يقول: أقسم عليكم بالله تعالوا وأجروا لي العمليّة، أقسم عليكم بالله تعالوا واشفوني. ألا يضحكون منّا؟ إن كنت صادقًا، فالتزم بموقفك، التزم به. وهنا الكثير من الكلام، لقد ذكرنا ذلك عابرًا. سواء ذهبنا بأنفسنا أو أحضرنا طبيبًا من هناك، لا فرق. وكانت عبارته لي هكذا: يا سيّد محسن، ألا يخجل عالِم شيعي أن يذهب بحاجته، وبفقره، فيمدّ يده نحو الكفر ونحو هؤلاء الظالمين، هؤلاء الحكام الجائرين، حكومة إنجلترا مثلاً؟ 

«وَأنَّ الرَّاحِلَ إِلَيكَ قَرِيبُ المَسَافَةِ» - لماذا نرى الله بعيدًا؟

10
  • لعن الله إنجلترا هذه التي كان المرحوم العلامة الطهراني يقول عنها: كلّ ما يقوله أيّ شخص عن أمريكا، أنا أقوله عن إنجلترا. كلّ فتنة في العالم سببها إنجلترا. وأمريكا هي مجرّد لعبة في يد إنجلترا، فاعلموا ذلك. إنّهم سيّئون جدًا، سيّئون جدًّا. الأمريكيّون ليسوا كذلك، هم أناس بسطاء وسذّج ومستكبرون. نعم، أما الإنجليز فهم سيّئون جدًّا، هم من النوع الذي يختبئ وراء الكواليس. لأنّنا في النهاية نتعامل مع الجميع، نعم، وقد تعاملنا معهم وهكذا، إنهم غريبو الأطوار جدًّا. كلّ هذه الفتن في العالم سببها إنجلترا. المرحوم السيد الحدّاد أيضًا كان يؤكّد على هذه المسألة، وكان يقول إن جميع الفتن في العالم تنبع من إنجلترا. أليس كذلك؟ والآن أيضًا كذلك. 

  • لماذا السفر للعلاج خارج البلاد؟ 

  • قال: ألا يخجل عالِم شيعي أن يمدّ يد الحاجة، بينما في إيران لدينا أطبّاء مسلمون ملتزمون يصلّون، وذوو خبرة جيّدون؟ فلماذا نذهب إلى هناك؟ لماذا؟ لو لم يكن هناك أحد هنا في وقت ما، فهذا بحث آخر. هذا ما يقتضيه التكليف الشرعي، وهو أمر آخر، وله حساب آخر. ولكن لا، هذا الأمر لا يخطر ببال هؤلاء من البداية أصلاً. من البداية، يتّجه الفكر نحو الانحراف، من البداية، يتّجه الفكر نحو اللجوء إلى الكفر، اللجوء إلى الظلم، من البداية. بمجرد أن تؤلمه عينه يقول: سأذهب إلى الخارج. لقد زرت الكثير من الأماكن ورأيت، فلدينا أطبّاء عيون هنا، لدينا أطبّاء عيون، لدينا أخصائيّون، لدينا كذا وكذا. فالمسألة ليست هكذا، ولكن فجأة من البداية يذهب العقل. 

  • لماذا يذهب؟ لماذا؟ بسبب أنّنا اعتدنا طوال حياتنا على الانحراف عن الله. والله لم يكن في حياتنا. والله لم يكن له دور في حياتنا. كلّ حياتنا كانت اهتمامًا بالدنيا، واهتمامًا بالكثرات، وبالاتفاقات، وبالعلاقات، وبأمثال ذلك. انظر إلى هذا، انظر إلى ذاك. هذه العلاقات، وهذه المحسوبيّات، وهذه الأمور، والله لم يكن في البين. لذا، في مثل هذه المواقف أيضًا، لا يوجد الله في البين. وبمجرّد أن تنشأ مشكلة، يذهب العقل فجأة نحو ماذا؟ يذهب نحو التوجّهات والأهداف والغايات التي ترسّبت في النفس وحُفرت فيها، وملأت جميع زوايا وجودنا وقلوبنا. تذهب النفس نحو ماذا؟ تذهب النفس نحو ذلك الاتجاه. 

«وَأنَّ الرَّاحِلَ إِلَيكَ قَرِيبُ المَسَافَةِ» - لماذا نرى الله بعيدًا؟

11
  • لماذا يذهب الطفل سريعًا ويتمسّك بثياب أمه عندما تحدث له مشكلة؟ لماذا؟ لأنّه لا يوجد لديه أحد غير أمّه. بمجرّد أن يبكي، تأتي الأم وتجلب له الطعام. إذا سقط على الأرض، تأتي وتهدّئه. إذا جاع، ماذا تفعل؟ إذا عطش أو أراد شيئًا، هو يتخيل أمّه فقط. لو كان هناك مائة امرأة هنا، بمجرّد أن تؤلمه يده أو يسقط، ينظر من بين المائة امرأة ويذهب فورًا إلى أمه. هل رأيتموه يذهب إلى أيّ شخص آخر؟ ويذهب إلى امرأة أخرى؟ لأن في كلّ وجوده لا يوجد سوى الأم أو الأب. لا يوجد أحد آخر. 

  • هل الله موجود فينا؟ 

  • هل الله موجود فينا بنسبة مائة بالمائة كوجود الأمّ في الطفل؟ هذه النسبة، مائة بالمائة، كثير جدًّا ما أقوله، مائة بالمائة، لأنّ الطفل كلّ وجوده هو أمّه. إذا أخرجته الأم من البيت، فهل يذهب؟! يأتي ويقف عند باب البيت ويبكي، ويبكي. ليس لديه مكان يذهب إليه. أين يذهب؟! لا أحد يسمح له بالدخول. لا يستطيع الذهاب إلى الجبل، لا يستطيع الذهاب إلى الشارع. يرى بيته هنا، يرى مأواه هنا، يرى ملجأه هنا. كلّ زوايا وجوده ملأتها الأم أو الأب. فإن كان طفلاً فالأم تملأ وجوده ـ وطبعًا إن كان أكبر سنًا فالأب ـ فقد ملأت كلّ شيء، وهو لا يرى شيئًا آخر هنا. 

  • ونحن ماذا؟ لسنا هكذا، بل نرى كلّ شيء عدا الله. بمجرّد أن تنشأ مشكلة، نذهب لنرى فلانًا. بمجرّد أن تحدث قضيّة، نذهب لنرى فلانًا. بمجرّد أن يحدث شيء... فمتى نذهب إلى الله؟ لا خبر عن الله، ولا ينبغي أن يكون، ولم يكن حتّى الآن. عندما لم يكن حتى الآن، فإنّ النفس غير المأنوسة لا تتعلّم. تذهب النفس نحو ما كان مألوفًا عندها حتّى الآن. 

  • حين تخذل الأسباب 

  • إلا إذا وصل الأمر إلى نقطة تعطّل فيها جميع هذه الظواهر وجميع هذه الأسباب وجميع هذه المسببات. كلّها تعطلت. يقولون إنهم كانوا يختبرون محبّة الحيوانات لأولادها، وبعد تجارب كثيرة ـ وهذا المثال يشبه ما أقوله من ناحية معيّنة ـ بعد التجارب، أدركوا أنّ القردة هي أكثر الحيوانات تعلقًا بأولادها. فوضعوا قردة أمًّا مع طفلها في قفص، وبدأوا في تسخين هذا القفص. كانت هذه القردة تحتضن طفلها، وتلجأ إلى هنا، فتجده ساخنًا، تلجأ إلى هناك فتجده ساخنًا، وتتأثر بذلك. خلاصة القول، كانت تتحرّك باستمرار وهكذا، حتى حُرمت من جميع هذه الأسباب والمسبّبات. ثمّ رأوا أنّها تركت طفلها ووقفت فوقه. حُرمت منها كلّها، فوصلت إلى تلك النقطة الأخيرة. لكنّ الأم من الإنسان ليست هكذا، فكم من أمهات ضحّين بأنفسهن من أجل أولادهنّ! يضحّين بأنفسهنّ! أليس كذلك؟ 

«وَأنَّ الرَّاحِلَ إِلَيكَ قَرِيبُ المَسَافَةِ» - لماذا نرى الله بعيدًا؟

12
  • عودة الفطرة إلى الله عند اليأس 

  • إذا وصل هذا الإنسان إلى نقطة تُسلب منه جميع هذه الأسباب والعوامل ، عندما تُسلب منه كلّها، فجأة يبدأ بماذا؟ يرجع ذلك الضمير وتلك الفطرة إليه. تلك التي كانت مخفيّة لسنوات، تلك التي وضعها في صندوق وأغلق عليها سبعة أقفال. يرجع إلى ذلك الصندوق وفجأة يتذكّر: آه لدينا أيضًا أبو الفضل. لدينا أيضًا حضرة عليّ الأصغر (عبد الله الرضيع). لدينا أيضًا نذر وطلب الحاجة، فيبدأ بالنذر والحاجة وهكذا. 

  • لماذا هذا هكذا؟ بسبب أنّه سلك الطريق الخطأ من البداية. والذي يسلك الطريق الخطأ، عندما يصل إلى نقطة معيّنة، يرجع. والذي يسلك الطريق الخطأ، عندما يقع في الإفلاس، يتذكّر الله. الذي يسلك الطريق الخطأ، عندما يصيبه مرض لا يُرجى شفاؤه، حينئذٍ يتذكّر الله وعوالم الغيب وهكذا. يتذكّر رحمة الله. الذي يسلك الطريق الخطأ، عندما يصيبه ضيق وشدّة، حينئذٍ يتوجّه إلى الله. 

  • أمّا إذا سلك أحدهم الطريق الصحيح من البداية، وإذا كان تفكيره صحيحًا من البداية، ولم يرَ الله بعيدًا من البداية. وإن شاء الله، سنشرح في الجلسة القادمة كيف يمكن للإنسان ألا يراه بعيدًا، ولماذا هو قريب، فإذا صحح الإنسان طريقه وتفكيره من البداية، فلن يحتاج إلى رفض ونفي هذه الأسباب والأدوات والوسائل، وكلّ ما يأتيه من الله يكون مقبولاً بالنسبة إليه. فإن أصابته مرض وظلّ هنا، فذلك مقبول. وإن سافر إلى طهران، فهو مقبول، ولو خرج من المحافظة فجيّد. ولو خرج من البلاد، فجيّد. إن لم يخرج إلى أيّ مكان، بل مات بهذا المرض، فلا يختلف الأمر بالنسبة إليه. فالموت بالنسبة إليه لم يعد هلاكًا، بل هو تحوّل وتبديل، وليس هلاكًا. والضغوط والمشاكل لم تعد بالنسبة إليه ابتلاءً سيّئًا، بل ابتلاءً حسنًا، وهو يطهّره ويزكّيه. 

  • الصبر عند البلاء 

  • عندما يحدث ابتلاء، هل رأيتم ماذا يقول الناس؟! ماذا نفعل؟! نصبر! لا يوجد حلّ غير الصبر. عندما يتوفى أحدهم، وحتى عندما يريدون المواساة كثيرًا، كيف يقولون؟ يقولون: لا يوجد حلّ سوى الصبر، يجب أن نصبر. أو إذا أرادوا أن يقولوا أكثر من ذلك بقليل، وكان لديهم جرأة أكبر، فإنّهم يقولون وقد سمعتُهم بنفسي: 

«وَأنَّ الرَّاحِلَ إِلَيكَ قَرِيبُ المَسَافَةِ» - لماذا نرى الله بعيدًا؟

13
  • در کف شیر نر خونخواره‌ای***غیر تسلیم و رضا کو چاره‌ای۱ 
  • يقول: 

  • في كفّ أسد مفترسٍ لا حلّ سوى التسليم والرضا

  • إذًا، يجب أن يضع يدًا فوق أخرى، ويستمع إلى كلّ ما نقوله حتّى يتحوّل إلى موجود طاهر جدًّا ومنزّه جدًّا. يجب أن لا يفعل أيّ شيء. يجب أن يبقى نظام العالم كما هو. الأعمار كلّها مهما طالت ستنتهي ولو كانت مائة ألف سنة ومائتي ألف سنة، ومليون سنة، ففي النهاية، ستأتي نهاية عمر كلّ إنسان. إلا إذا أراد أحدهم أن يذهب باختياره ويقول: لا، لن أذهب، سأبقى هكذا. فإذا ذهب تنطبق عليه مقولة:

  • في كفّ أسد مفترسٍ، لا حلّ سوى التسليم والرضا. 

  • يجب الصبر، ولا حلّ آخر. ولكن من يرى كلّ هذه الأمور من جانب المحبوب، ويراها امتحانًا له من جانب الله، فإنّه يستقبل هذا الامتحان بذراعين مفتوحتين، لا بعبوس. بذراعين مفتوحتين. إنّه صعب ولكنّه يستقبَل بذراعين مفتوحتين. 

  • آنکه مردن به نزدش تهلکه است***نهی لا تلقوا بگیرد او به دست. 
  • يقول: 

  • من كان الموت عنده هلاكًا *** يتمسك بقوله لا تلقوا بأنفسكم. ‌٢

  • اشتياق أهل الإيمان إلى الموت 

  • ولكن إن لم يكن الموت هلاكًا، لم يكن الموت دمارًا، وعلى حدّ قول أمير المؤمنين عليه السلام، الذي يقول: «وَ لَوْلا الاجَلُ الَّذِی کَتَبَ اللهُ عَلَیْهِمْ...»، فهم يشتكون إلى الله يا إلهي، هل تريد أن تفعل بنا كذا بعد سنتين؟! هل تريد أن تأخذنا بعد سنتين؟! فليكن الآن يا ربّ، «وَ لَوْلا الاجَلُ الَّذِی کَتَبَ اللهُ عَلَیْهِمْ، لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِی أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَیْنٍ؛ شَوْقاً إلَی الثَّوَابِ وَ خَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ» ٣ لو لم يكن ذلك الأجل والوقت الذي هو تقدير إلهيّ حتميّ، ويجب أن يصل كلّ إنسان إليه حتّى يموت وفقًا لذلك النظام الكليّ والعلاقات الموجودة بين الإنسان وبين ذلك النظام الأحسن والنظام الكليّ للعالم، لما بقي هؤلاء في هذا العالم دقيقة واحدة أو ثانية واحدة. لماذا هؤلاء هكذا؟ لأنّهم ساروا على طريقهم الصحيح من البداية. إله اليسر بالنسبة لهم هو نفس إله العسر. إله السعة بالنسبة لهم هو نفس إله الضيق. إله الصحّة بالنسبة لهم هو إله المرض. إله الحياة بالنسبة لهم هو إله الموت. وإله الانبساط بالنسبة لهم هو إله القبض. لا يوجد أيّ فرق بالنسبة لهم من هذه الناحية. وعندما يكون الإنسان في هذه الحالة، عندئذٍ لا يختلف الأمر بالنسبة إليه، لا يختلف حاله، وتكون حالته متساوية بالنسبة للمشيئة الإلهيّة. 

    1. مثنوی معنوی، دفتر ششم:
      در کف شیر نری خون‌خواره‌ای***که تسلیم و رضا کو چاره‌ای
    2. مثنوی معنوی، دفتر سوم: آنکه این مردن...
    3. نهج البلاغة الخطبة ۱٩۱.

«وَأنَّ الرَّاحِلَ إِلَيكَ قَرِيبُ المَسَافَةِ» - لماذا نرى الله بعيدًا؟

14
  • يقول الإمام السجّاد عليه السلام هنا: «وَ أَنَّ الرَّاحِلَ إِلَيكَ قَرِيبُ الْمَسَافَةِ». فالذي ينطلق نحوك قريب المسافة، وقد افترض الإمام نفسه في هيئة بشريّة، وفي عالم مادّي، ومبتلى بالكثرات، ويريد أن يبدأ طريقه إلى الله، وهذه الرحلة نحوه. فبعد أن بين الإمام السجّاد المقدّمات وقال أولاً: «وأنّ فِي اللَّهْفِ إِلَى جُودِكَ وَ الرِّضَا بِقَضَائِكَ عِوَضًا مِنْ مَنْعِ الْبَاخِلِينَ». في هذا الأمر، أين أضع همّي، وعند من ألقي بهذا الهمّ؟ حسنًا، أين يجب أن أفعل ذلك؟ يجب أن يأتي إلى الله. وقد ذكرنا ما هو الدليل على ذلك. لماذا يقول الإمام عليه السلام: يجب أن أتوجه إليك بالتضرع، وأتوجّه إليك بالشكوى، وآتي إليك بالذلة والخشوع والخضوع، لا إلى غيرك؟

  • بر دَرِ اربابِ بی‌مروّتِ دنیا***چند نشینی که خواجه کِی زِ در آید؟۱ 
  • يقول: 

  • إلى متى تجلس على أبواب أصحاب الدنيا *** الذين لا مروءة فيهم، تنتظر متى يأتي السيد؟!

  • لا تخضع إلا للّه 

  • يقول الإمام: لا أريد أن أذهب إلى أبواب أصحاب الدنيا الذين لا رحمة فيهم، لا أريد أن أجلس على أبوابهم أنتظر المدير حتّى ينهض صباحًا، ويتناول فطوره، ويستحمّ، ويسرّح شعره ووجهه، ثم يدخّن النارجيلة أيضًا، والنارجيلة دخان، والسجائر والدخان حرام. الآن، على كلّ حال، إذا أراد أن يشرب شرابًا، أو يشرب الشاي، ثم شيئًا فشيئًا يرتدي ملابسه، وتنظيف، وكذا، والساعة الثامنة أو التاسعة ينهض، ونحن نذهب ونقف أبكر، نقف أبكر حتى ينهض ويخرج؟ يقول الإمام: لن أفعل شيئًا كهذا أبدًا. أقف على باب من؟ أتملّق لمن؟ أمدّ يدي إلى أيّ إنسان؟! إن كان عليّ أن أشتكي، إن كان عليّ أن أخضع، فإنّني أخضع فقط لعتبة واحدة تستحقّ. أيّها الأحمق، إنّ الذي تشتكي إليه هو مثلك، أقسم بالله إن كريات دمه البيضاء والحمراء هي مثل كرياتك تمامًا، طوله مثل طولك، شعره مثل شعرك، وزنه مثل وزنك، دماغه مثل دماغك أو أقل، بالتأكيد أقل. لو لم يكن أقل، لما كان بهذا الوضع والحال. ويبدو أنّه لا يوجد دماغ أصلاً! فإذا أردت أن تشتكي، فاشتك في مكان يستحقّ وله قيمة. وأين هو هذا المكان؟ هذا المكان هو عتبة الله تعالى فقط. 

    1. «دیوان حافظ» طبع پژمان، مطبعه بروخیم (سنه ۱٣۱۸) ص ۸٤ غزل ۱۸۷:
      بر در ارباب بی مروّت دنیا***چند نشینی که خواجه کی بدر آید

«وَأنَّ الرَّاحِلَ إِلَيكَ قَرِيبُ المَسَافَةِ» - لماذا نرى الله بعيدًا؟

15
  • إنابة الأنبياء والملائكة إلى الله 

  • يقول الإمام عليه السلام: لا تشتكِ إلى أحد، ولا تهدر هذه العزّة والشرف الإنسانيّين عبثًا، حتّى أمام الملائكة لا تفعل ذلك. فمن هم الملائكة؟! هؤلاء كلّهم أسباب وأدوات لتدبير مشيئة الله. من هم الملائكة؟! حتّى جبرائيل لا ينبغي أن تُناجيه؛ فمن هو جبرائيل؟! ومن هو عزرائيل؟! ومن هو إسرافيل؟! كانوا يلقون إبراهيم عليه السلام من المنجنيق من الأعلى إلى تلك النار. ولمّا صار في منتصف الهواء، أصابته حرارة النار ولهيبها. ووفقًا لما ذكرته التواريخ، هناك مدينة في العراق تسمى بابل. وقد زرتها، وهذه المدينة هي مدينة نمرود. لقد ألقوا بإبراهيم عليه السلام هناك. عندما عاد أمير المؤمنين عليه السلام من معركة صفين ووصل إلى بابل، لم يكن قد صلّى صلاة العصر. فقال الإمام للجيش: صلّوا هنا، أما أنا فيجب أن أعبر هذه المدينة وأذهب إلى الجانب الآخر من النهر، لأنّه يحرم على النبيّ ووصيّ النبيّ أن يصلّي هنا.فسار الإمام مع ثمانية أو اثني عشر رجلاً حسب بعض الروايات، وعبروا نهر الفرات، هل هو الفرات أم دجلة؟ يبدو أنّه الفرات. عبروا الفرات ووصلوا إلى الجانب الآخر، وكانت الشمس على وشك الغروب، وقد تأخر الوقت. فأشار الإمام، فارتفعت الشمس. تمامًا كإنسان مؤدّب، انحنت برأسها ونزلت، ثمّ وقفت عاليًا. فقال الإمام: الآن توضأوا وصلّوا. فتوضّأوا وصلّوا. ثمّ قال: الآن اذهبي إلى مكانكِ بهدوء، اذهبي من جديد. كانت هذه هي المرّة الثانية التي تُردّ فيها الشمس للإمام، في المرّة الأولى كانت في المدينة وقد هدموا مسجد ردّ الشمس. عندما تشرفنا، رأينا أن مسجد ردّ الشمس قد هُدم، ومنذ سنة ونصف وهو مهدوم هكذا. بالطبع قالوا إنّهم سيعيدون بناءه، لكن يبدو أنهم لا ينوون بناءه وإصلاحه. وهذا أيضًا بسبب أنّ المسجد مرتبط بأمير المؤمنين وهذه المعجزة قد حدثت، وهكذا تظلّ الأتربة فوق بعضها، والحجارة مكدّسة فوق بعضها. هذا هو المكان الثاني.۱ 

  • فمدينة بابل هذه، هي المكان الذي ألقوا فيه إبراهيم عليه السلام بالمنجنيق، لأنهم لم يتمكّنوا من الاقتراب. فقد كانت النار تشتعل، ولم تسمح لهم بالاقتراب. فألقوه بالمنجنيق، أي أنّهم وضعوا إبراهيم عليه السلام، مثل هذه القذائف التي كانوا يقذفونها بالمنجنيق في الماضي، وضعوه في المنجنيق. وقذفوه بالمنجنيق ليلقوه في وسط النار. وهناك في الأعلى، جاءه جبرائيل. فقال له: «يا إبراهيم، ما حاجتك؟ ماذا تريد؟» فقال: «رَبِّي أَعْلَمُ بِحَالِي»٢ ربي يعلم بحالي خيرًا منك، فلا داعي للكلام. انظروا، لم يكن نبيًّا بعد، بل كان شابًّا ،على الرغم من أن كلمة «فتى» تُقال للإنسان المسنّ أيضًا، لكن حسب الظروف، كان إبراهيم عليه السلام في ذلك الوقت شابًا. ﴿سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾٣. شاب. قال: رَبِّي أَعْلَمُ بِحَالِي. الله أعلم بحالي منّي. لقد أرسل الله جبرائيل، أو جاء هو بنفسه، لا أعلم. في النهاية، الله يريد أن يقول لجبرائيل: تعال، انظر، من هم الذين لديّ؟ وكان الأمر كذلك حقًّا، لم يكن مزاحًا، ليس هذا مكان مزاح. هناك، أيّ حبل كان، يمسك به الإنسان، سواء كان جبرائيل أم عزرائيل، لا فرق. 

    1. راجع حول ردّ الشمس في الموضعين معرفة الإمام ج٤ ص ٣٣ ـ ٣٤.
    2.  بحار الأنوار، ج ٦۸، ص ۱٥٦، وردت هكذا: "فقال: حسبي من سؤالي علمه بحالي".
    3. سورة الأنبياء (٢۱) الآية ٦۰

«وَأنَّ الرَّاحِلَ إِلَيكَ قَرِيبُ المَسَافَةِ» - لماذا نرى الله بعيدًا؟

16
  • يضربون مثلاً: إذا سقط أحدهم في بئر، فلا أحد ينظر إلى لون الحبل الذي يلقى لإنقاذه أبيض هو أم أسود. إنه فقط يريد أن يمسك به ويصعد. ومع ذلك فإنّ إبراهيم عليه السلام لم ينظر إلى غير الله، رغم هذه النار عجيبة جدًّا. 

  • قصة حادث الحافلة في تركيا 

  • مرّت حادثة قبل بضع سنوات، في إحدى رحلاتنا إلى الخارج. ذات ليلة، وقع حادث، وقد تصوّرتُ حقًّا قصّة إبراهيم عليه السلام هناك.حقًّا لا أعلم كيف حدثت هذه القصّة فجأة. كانت حافلة في أحد طرق تركيا التي كنا نسير عليها ليلاً في الساعة العاشرة، كنّا نسير مع أصدقائنا، حفظهم الله. وفجأة، رأينا من بعيد أنّ الطريق لم يعد مرئيًا. اختفى تمامًا من كثرة الدخان. اقتربنا قليلاً ودخلنا في الدخان، ونظرنا، آه، ما هذا المشهد؟ ما هذا المشهد؟ حافلة انقلبت. من حافلات الركاب هذه، انقلبت بجميع ركّابها. والنار كانت تتصاعد من كلّ الحافلة، ولم نتمكن من الاقتراب مسافة سبعين أو ثمانين مترًا. أي أنّ لهيب النار وحرارتها، كان يصل إلى حوالي سبعين أو ثمانين مترًا، نعم أو أكثر، فلم نتمكن من الاقتراب أبدًا، كنّا سنحترق. وخلاصة القول، ما رأيناه لا يزال حاضرًا، رأينا أشخاصًا قد تحولوا إلى فحم هناك، أصبحوا فحمًا، أي كان مشهدًا عظيمًا حقًّا، أيّ وضع كان؟ بعد ساعة أخرى جاءوا وقاموا بما ينبغي، وكان الحادث قد حدث للتو. الآن تصوّروا أنفسكم، يريدون أن يلقوا بكم في هذه الحافلة، والنار تتصاعد منها كلّها. كانوا يلقون إبراهيم عليه السلام في مكان كهذا، في مكان كهذا! هناك في مثل هذا المكان يقول: «رَبِّي أَعْلَمُ بِحَالِي». الله أعلم بحالي خيرًا من علمي أنا. 

  • معجزة النار لإبراهيم عليه السلام 

  • حسنًا، الله يقول: الآن أنت هكذا، فانظر إلينا الآن، انظر إلى وضعنا الآن. ﴿يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾۱ الآن وقد فعلتَ هذا، تعال وانظر إلى فعلنا. أيّتها النار، كوني باردة. وفي الرواية، لو لم يقل الله: ﴿وَسَلَامًا﴾، أي كوني باردة وبسلام، لو لم يقل الله: «وسلامًا»، لتجمّد إبراهيم عليه السلام، وتصلّب. هذا الجزء اللاحق «وسلامًا» هو لكي لا تخفّض درجة الحرارة كثيرًا. لا، بل لتبقى عند ثمانية عشر درجة، ثمانية عشر درجة، عشرين درجة. هذا جيّد، والأمر يرتبط بإبراهيم نفسه أيّ درجة يحبّ. فبعضهم يحبّ البرد، وبعضهم يحبّ الدفء. والله ضبطها وفقًا لما يحبّه إبراهيم. ﴿بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾. ولو لم يقل ذلك، لتجمّد هناك، لأصبحت ثلاجة، كسيبيريا. هذا فعل من؟! هذا فعل الله، لأنّ حال إبراهيم عليه السلام في كلّ الأحوال لا يختلف. 

    1. سورة الأنبياء، الآية ٦٩

«وَأنَّ الرَّاحِلَ إِلَيكَ قَرِيبُ المَسَافَةِ» - لماذا نرى الله بعيدًا؟

17
  • التوسّل إلى غير الله (إلا المعصومين) 

  • الآن، عندما أراد إبراهيم عليه السلام أن يناجي، لم يتوجّه إلى غير الله، حتّى جبرائيل لم يتوجّه إليه. ومن أعلى من جبرائيل لدينا؟ بالطبع، ما عدا الأئمة والأولياء، فإن أمرهم مختلف. وجودهم مندمج في ذات الله تعالى، والتوسّل بالإمام عليه السلام هو عين التوسّل بالله، فتلك مسألة مختلفة، ولا يوجد فيها أيّ مشكلة. 

  • عَلَیک بِها صَرفًا وَ إنْ شِئْتَ مَزْجَهَا***فَعَدْلُکَ عَنْ ظَلْمِ الْحَبِيبِ هُوَ الظُّلْمُ. 
  • كما يقول ابن الفارض: عليك بها صرفًا وإن شئت مزجها، فعدلك عن ظلم الحبيب هو الظلم. فقط إذا أردنا أن نطلب من الله أن ننزل قليلاً، فلا يجب أن نتجاوز الأئمة. هؤلاء المعصومون... أمّا جبرائيل فلا، ولو طلب إبراهيم من جبرائيل، لفعل جبرائيل. ولجعل النار بردًا. ولكنّ إبراهيم سيكون قد خسر هنا. فقد جاء جبرائيل من عند الله. يقول: ماذا أفعل؟ هل لديك حاجة، لديك مطلب؟! فيقول: لا، أمّا إليك فلا. 

  • فيقول له: وماذا عن الله؟ 

  • ـ إنّه يرى أيضًا، لا حاجة بي إليك، فأنت مثلي، وأنت حالك كحالي، أنت أيضًا مثلي، لا حاجة لي إليك، فلديّ من يراني. 

  • فالأمر واضح إذن، فليكن واضحًا، فليكن واضحًا. 

  • قرب المسافة إلى الله 

  • يقول الإمام السجّاد: الإنابة إلى هنا فقط، إلى هذا العتبة فقط. الآن وقد أنبت، يجب أن ترضى بقضائه، تلك الأمور التي تقدّرها لك، وقد مرّت جميعها. وما هي نتيجة هذه المسألة؟ «أَنَّ الرَّاحِلَ إِلَيْكَ قَرِيبُ الْمَسَافَةِ». هذه نتيجة الفقرتين السابقتين. إن شاء الله، بقيّة الموضوع، لأنّهم يقولون لنا إنك عندما تبدأ بالحديث، يبدو أنّك تنسى الوقت والظروف والمواقف، وتنسى المنتظرين، فهناك منتظرون. تنسى كلّ هؤلاء. تجلس هنا، وعندما ينتهي كلامك هنا، تذهب إلى الطابق، إلى غرفتك. يا رجل، يجب أن تفكّر في الناس قليلاً، أن تفكّر في.... قلت: حسنًا، هذه المرّة لن أتأخّر، كم الساعة يا عزيزي، هل تأخّر الوقت؟ نعم، على كلّ حال، إن شاء الله بقية الأمور للغد. نأمل أن لا ينظر الله تعالى، ببركة الأطهار في حضرته، إلى نقصاننا وإلى مخالفتنا، وأن يجعلنا من التابعين لمسار أوليائه وطريقهم، الذين نعلم حقًّا أنّ الحقّ عندهم. نعلم هذا، نعلم أنّ الحقّ هنا، الحقّ في هذه الأمور، الحقّ في هذه الكلمات. والإمام السجّاد حقًّا يحكي حالنا، ولكن بلسان نفسه، يحكي وضعنا. في دعاء أبي حمزة، كما قلتُ للأصدقاء مرارًا، الإمام السجّاد يُخرج ملف كلّ واحد منّا ويقول: أنت هذا، أنت هذا، أنت هذا. وأقسم بشرفه الشريف وشرفكم أنّ الإمام يقول الحقّ، نحن هكذا. لو قلّت عناية الله ذرّة أو زادت، فإننا لا نختلف أبدًا عن أهل المعاصي وغيرهم. لا نختلف أبدًا، لا نختلف أبدًا. جعلنا الله، ببركة وجود هؤلاء الأطهار، من شيعتهم وسالكي الطريق إلى الله. 

«وَأنَّ الرَّاحِلَ إِلَيكَ قَرِيبُ المَسَافَةِ» - لماذا نرى الله بعيدًا؟

18
  •  

  • اللهمّ صلّ على محمد وآل محمد