9

قُربٌ لا يُرى

لماذا تُقصِّرُ أعمالُنا المسافةَ إلى الله أو تُطيلها؟

24
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1423

التاريخ 1423/09/14

جلسات المجموعة(9 جلسة)

التوضيح

ما هو الحجابُ الحقيقيّ الذي يفصلنا عن الله تعالى؟ وكيف يؤثّرُ فِكرُنا وتصوّراتُنا عن الله في قُربنا منه أو بُعدنا عنه؟ تُجيبك هذه المحاضرةُ عن هذه الأسئلةِ وغيرها. وتَكشفُ عن التصوّراتِ الخاطئةِ التي تُعيقُ رؤيتَنا لقربِ اللهِ المطلقِ.

/۱٤
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

قُربٌ لا يُرى - لماذا تُقصِّرُ أعمالُنا المسافةَ إلى الله أو تُطيلها؟

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • قُربٌ لا يُرى 

  • لماذا تُقصِّرُ أعمالُنا المسافةَ إلى الله أو تُطيلها؟ 

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢٣ هـ - الجلسة التاسعة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

قُربٌ لا يُرى - لماذا تُقصِّرُ أعمالُنا المسافةَ إلى الله أو تُطيلها؟

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ

  • بِسمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

  • وصلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَ نَبِيِّنَا أَبِي‌الْقَاسِمِ مُحَمَّدٍ

  • وعلى آله الطَّاهِرِينَ

  • واللعنة عَلَى أَعْدَائِهِمْ أَجْمَعِينَ‌ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ

  •  

  •  

  • «وَ أَنَّ الرَّاحِلَ إِلَيْكَ قَرِيبُ الْمَسَافَةِ وَ أَنَّكَ لَا تَحْتَجِبُ عَنْ خَلْقِكَ إِلَّا أَنْ تَحْجُبَهُمُ الْأَعْمَالُ دُونَكَ».

  • كان الحديث في الليالي الماضية مع الأصدقاء حول ما إذا كانت هناك مسافة بيننا وبين الله، مسافة زمانيّة، مسافة مكانيّة، مسافة ملكوتيّة، يعني مسافة معنويّة لا مسافة ظاهريّة؟ وكيف يقيم الإنسان علاقة بينه وبين الله؟ 

  • وذُكِرَ أنّ الناس يتصوّرون أنّ الله عند ذكره يتّجه ذهنهم نحو جهة بعيدة، وكأنّهم يطلبون الله من مسافة بعيدة. ولو لم يرفعوا رؤوسهم إلى الأعلى، ففي الدعاء عادةً نرفع أيدينا إلى الأعلى وننظر إلى السماء، وكأنّ الله في الأعلى، فهل حدث يومًا في الدعاء أن خفضنا رؤوسنا ودعونا؟ 

  • ولهذا طبعًا جانب طبيعيّ وفطريّ، فمن باب التشبيه ومن باب تمثيل المعقول بالمحسوس، فإنّ علوّ الرتبة والإشراف على عالم الملك بواسطة الملكوت ومبادئ الخلق يقتضي أن يهتمّ الإنسان بالعلوّ لا بالسفل. ولكنّ الحديث يدور حول الفهم والمعرفة الصحيحة للمسألة، فأين الله حقًا؟ 

  • الله أقرب من حبل الوريد: حقيقة القرب الإلهيّ 

  • تقول الآية الكريمة: ﴿وَ إِذا سَأَلَك عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيسْتَجِيبُوا لِي وَ لْيؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يرْشُدُونَ﴾۱ عندما يسألني عبادي، فإني قريب، أنا قريب، أنا قريب. قال موسى عليه السلام لربّه: يا ربّ، أبعيد أنت فأناديك أم قريب فأناجيك؟! يا إلهي، هل أنت بعيد حتّى أناديك وأرفع صوتي، أم قريب حتّى أتحدث إليك همسًا... المناجاة تأتي من النجوى، والنجوى تعني الحديث همسًا. فأيّ من هذين أنت؟ فجاء الخطاب: بل أنا عند قلب عبدي المؤمن بي. فأنا في قلب ذلك العبد الذي يدعوني.٢

  • وفي هذا أسرار كثيرة، يعني من أين ينبع هذا الدعاء؟ ومن أيّ زاوية من زوايا وجودنا ينبع هذا الدعاء؟ من القلب، من القلب والضمير وصدر الإنسان، ويستقرّ هذا الدعاء وهذا المطلب في النفس، ثمّ يجري على اللسان. يقول الله: أنا حيث تدعو، أنا جالس هناك، فمكاني هناك، مكاني هناك. وقد ورد في الحديث القدسيّ: لا يَسَعُني أرضي ولا سمائي، بل يَسَعُني قلب عبديَ المؤمنِ بي.٣ السماء والأرض لا تستطيعان أن تتحمّلاني، ليس لديهما سعة تجلّيات جمالي وجلالي.

    1. سورة البقرة (٢) الآية ۱۸٦
    2. «أُصول الكافي» ج ٢، ص ٤٩٦؛ كما أورد هذه الرواية في «عدّة الداعي» الطبعة الحجريّة، ص ۱۸٤. وفي التوحید (للصدوق)، ص ۱۸٢: عَنْ دَاوُدَ بْنِ سُلَیْمَانَ الْفَرَّاءِ عن عَلِیِّ بْنِ مُوسَی الرِّضَا عن أَبِیهِ عن آبَائِهِ عن عَلِيّ عليه السلام قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إِنَّ مُوسَی بْنَ عِمْرَانَ لَمَّا نَاجَی رَبَّهُ قال یَا رَبِّ أَبَعِیدٌ أَنْتَ مِنِّی فَأُنَادِيك أَمْ قَرِیبٌ فَأُنَاجِیك فَأَوْحَی اللهُ جَلَّ جَلالُهُ إِلَیْهِ أَنَا جَلِیسُ مَنْ ذَکَرَنِي فَقَالَ مُوسَی یَا رَبِّ إِنِّي أَکُونُ فِی حَالٍ أُجِلُّك أَنْ أَذْکُرَك فِیهَا فَقَالَ یَا مُوسَی اذْکُرْنِي عَلَی کُلِّ حَالٍ.»
    3. عوالی اللّئالی، ج ٤، ص ۷؛ ولکن نقله العلاّمة المجلسی فی البحار، ج ٢۰، ص ٢۰٩ طبع رحلی: «لَمْ یَسَعْنِی سَمائِی ولا أرْضِی و وَسِعَنِی قَلْبُ عَبْدِی الْمُؤْمِنِ.» وفي رسالة «مِرصاد العباد» طبع بنگاه ترجمه و نشر کتاب (سنه ۱٣٥٢ شمسی) ص ٢۰۸ و ٢۷٤ و ٦۱٣: «لا یَسَعُنی أرضی وَلا سَمآئی، وَإنَّما یَسَعُنی قَلْبُ عَبْدی الْمُؤْمِنِ.»
      قال في كتاب «أحاديث المثنويّ» ص ٢٦، الطبعة الثانية، دار أمير كبير للنشر:
      أورد السهرورديّ في «عوارف المعارف» المطبوع في حاشية «إحياء العلوم» ج ٢، ص ٢٥۰، حديث «لَا يَسَعُنِي أرْضِي وَ لَا سَمَائِي، وَ يَسَعُنِي قَلْبُ عَبْدي المُؤْمِنِ».
      معرفة المعاد، ج ٢، ص ٢۰۸؛ وجاء الحديث في عوالي اللئالئ، ج ٤، ص ۷ بهذا اللفظ: «لا يسعُني أَرضي ولا سمائي ولكنْ يسعُني قلبُ عبدي المؤمن» . (م)

قُربٌ لا يُرى - لماذا تُقصِّرُ أعمالُنا المسافةَ إلى الله أو تُطيلها؟

3
  • سعة قلب المؤمن وقدرته على تحمّل التجليّات الإلهيّة 

  • فهذه لها جانب خلقيّ، والجانب الخلقيّ مقيّد بحدود وقيود وسعة محدودة. أما عبدي الذي تحقق وتخلّق بوجودي وذاتي دون واسطة في مراتب الغيب، فإنّه يستطيع أن يتحمّل تجليّاتي. أي يستطيع أن يتحمّلني. فهل تعلمون ماذا يعني هذا الكلام؟ معناه أن تتصوّروا حملًا تريدون وضعه على دجاجة مثلًا. حسنًا، كم تستطيع الدجاجة أن تحمل على ظهرها؟ لا تستطيع أن تضع أكثر من نصف كيلو، وربما كيلو على الأكثر إذا بذلت جهدًا كبيرًا. فلا تستطيع أكثر من ذلك. أما نفس هذا الحمل، فتستطيع الماعز أو الغنم أن تتحمّله. حتّى تستطيع أن تتحمّل خمسة كيلوّات وعشرة كيلوّات وخمسة عشر كيلوًّا. ثمّ الحمل نفسه الذي تضعه على حصان، بطبيعة الحال لا يستطيع الغنم أن يتحمّله، أو الحمل الذي تضعه على جمل، لا يستطيع الحصان أن يتحمّله وهكذا.

  • ومثل الفيلة في الهند فعندما يقطعون الأشجار، يضعون هذه الأشجار الضخمة على الفيل، وينقلونها بالفيل من مكان إلى آخر. حسنًا، بطبيعة الحال، حيوان مثل الحصان والبغل لا يستطيع أن يتحمّل جذع شجرة بهذا الحجم. بل يحتاج إلى فيل، الفيلة أحيانًا يصل وزنها إلى عشرة أطنان، اثني عشر طنًا، أربعة عشر طنًا. فهو يحتاج إلى هذا لكي يستطيع أن يتحمّل هذه الأحمال.

  • يقول الله: عندما تأتي جذبات الجلال والجمال، وتلك الجوانب من التجرّد التي تدخل على ذات أو شيء وتسلبه الوجود... ﴿فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا﴾۱. فعندما تجلّى الله تعالى للجبل، عندما تجلّى، انفجر هذا الجبل وتفتّت، وسقط موسى مغشيًّا عليه.

  • بعض الناس يفعلون بعض الأمور بإرادتهم، ينظرون إلى شيء فيستطيعون نقله من مكان إلى آخر دون أن يلمسوه ظاهريًّا. حسنًا، مثل هذه الأمور تحدث هنا وهناك، حتّى ببعض الرياضات غير الشرعيّة، حتّى المرتاضون يستطيعون القيام ببعض الأمور. ولكنّ هؤلاء المرتاضون أنفسهم لا يستطيعون القيام بعمل أكبر. إذا كان أثقل، فلا يستطيعون، وإذا كان حجمه أكبر، لا يستطيعون. أما إذا كان الآخر أقوى، فإنّه يستطيع.فالإرادة وتلك القوّة التي يبذلهها، سواء سمّيناها طاقة، أو سمّيناها قوّة الغيب، أو أيّ شيء آخر من التسميات التي يمكن إعطاؤها في هذا الصدد، تسمى تلك القوة تجليًّا. ما ينبعث من النفس ويتصادم مع تلك العين ومع ذلك الشيء ويخضعه لسيطرته، يسمى هذا تجليًّا، والتجلّيات إما جماليّة أو جلاليّة.

    1. سورة الأعراف (۷) الآية ۱٤٣

قُربٌ لا يُرى - لماذا تُقصِّرُ أعمالُنا المسافةَ إلى الله أو تُطيلها؟

4
  • تجليات الجمال الإلهيّ 

  • فالتجليّات الجماليّة توجد حالة انبساط، وحالة فرح وسرور. وهذه التجليّات تتطلّب سعة وقدرة أيضًا، فإن زادت عن حدّ معين، لا تتّسع لها النفس. فأحيانًا عندما يفرح الإنسان، ولا يستطيع تحمّل الفرح يصاب بالضيق، يفرح فرحًا زائدًا فيصاب بأزمة من شدّة الفرح.

  • سمعتُ قصّةً عن رجلٍ، قالوا: كان هنا رجلٌ مسكينٌ يعملُ، كان عاملاً، يحملُ الأثقالَ من هنا وهناك. في عهد الشاه، وكانت هناك أوراقُ يانصيبٍ في ذلك الوقتِ. إن شاء الله لا توجد الآن مثل هذه الأشياء. يقولون في ذلك الوقتِ، كانت هناك أوراقُ يانصيبٍ، كانت قمارًا، قمارًا. قالوا له إنّ التذكرةَ التي اشتريتها قد فازت، وكانت قيمة الهديّة كبيرةً أيضًا.فبمجرّدِ أن أخبروه أصابته سكتةٌ وماتَ في الحالِ. أي لم يتحمّل هذا الفرحَ الزائدَ عن الوصفِ.

  • فجأةً، يقالُ لشخصٍ يكسبُ ثمّانيةَ توماناتٍ في اليومِ أو خمسةَ توماناتٍ، أتذكّرُ أنّ البنّاءَ في ذلك الوقتِ كان يتقاضى عشرةَ توماناتٍ، عشرةَ توماناتٍ أو اثني عشرَ تومانًا، لا أكثرَ، وهو بنّاءٌ ماهرٌ جدًّا، فجأةً يقالُ له: لقد ربحتَ مائةَ ألفِ تومانٍ يا عزيزي، فينفجرُ أصلًا. (يضحك سماحته) لا يستطيعُ أن يتحمّل، أصابته سكتةٌ وماتَ في الحالِ. أخذوا جثتهُ ودفنوها. حُشرَ بتذكرةِ اليانصيبِ نفسها.

  • هذه هي التجليّات الجماليّة. فعندما تأتي، وبسبب شدّة الفرح وشدّة الانبساط، فجأةً تُحدثُ "كُنْ فَيَكُونُ" للشخصِ. وعكسُ ذلكَ هي التجليّاتُ الجلاليّةُ، كالغضبِ، والأخبارِ المحزنةِ، والأخبارِ المؤثّرةِ.

  • قصة صديق المرحوم العلامة الطهراني وحريق المتجر 

  • كان أحدُ أصدقاءِ المرحومِ العلامةِ الطهرانيّ، الذي لم يعدْ لديهِ اتصالٌ بهِ بعدَ ذلكَ، كانَ في فترةٍ معينةٍ. كان لديهِ عملٌ في السوقِ، عملٌ خاصٌّ جدًّا. عملٌ كانَ عرضةً للحريقِ، بحيثُ يمكنُ أن يختفيَ كلُّ شيءٍ في غضونِ نصفِ ساعةٍ. فجاءوا إلى منزلهِ وقالوا لهُ: اشتعلتْ النارُ في متجرُكَ في السوقِ. في ذلك الوقتِ، كانَ منزلُهم قريبًا من منزلهِ، وكانَ متجرُهُ في السوقِ أيضًا. وبمجرّدِ أن قالوا لهُ ذلكَ، فجأةً بدأَ ينزفُ دمًا من أنفهِ بشدةٍ وأغميَ عليهِ.

  • يا لهُ من تلميذ! بالطبعِ لم يكنْ من تلامذةِ العلاّمة، بل كانَ من تلامذةِ شخصٍ آخرَ، وكانَ صديقًا للعلاّمة. في ذلك الوقتِ، كانَ الوضعُ مختلفًا عن ما بعدَ ذلكَ، كانَ هناكَ فرقٌ. نعم، ثمّ أعادوهُ إلى وعيهِ، وأحضروا لهُ شرابًا، وفعلوا ما فعلوا، وقوّوا الرجلَ، وأوقفوا نزيفَ أنفهِ. ثمّ ركب السيّارةَ وذهب إلى السوقِ، وبمجرّدِ أن رأى أنّ متجرَهُ لم يبقَ منهُ شيءٌ، بدأ النزيفِ من أنفهِ من جديد.(يضحك سماحته)

قُربٌ لا يُرى - لماذا تُقصِّرُ أعمالُنا المسافةَ إلى الله أو تُطيلها؟

5
  • فهذه تسمّى تجليّات جلاليّة، هذه جلاليّة. وهذا الأمر نفسه يكون جماليًا لبعض الناس. يقولون: كان طفله واقفًا يضحك بصوت عالٍ. فكلّما ارتفعت النار، ازداد فرحه. ازداد فرحه: يا له من حريق جميل! (يضحك سماحته) والنار تستمرّ في الارتفاع. الأب يموت، وهذا يضحك باستمرار. يضحك من جمالها، كم هو جميل ذوبان هذه المواد! ذابت وانتشرت في السوق، وأحدثت سيلًا. كانت من البلاستيك وما شابه، فانتشرت، وسالت مياهها هكذا، وهذا كان يضحك بصوت عالٍ. والأب جثته ملقاة هكذا في السوق. بالنسبة له هي جمال، وبالنسبة لذاك يصبح جلالاً (يضحك سماحته) وكلّ الأمور هي هكذا. فلو فكّر الإنسان، سيرى أنّ الدنيا هكذا. فهذه تسمّى تجليّات من أيّ نوع؟ تجليّات جلاليّة، تجليّات تأتي لتقطع الروابط، لتقطع التعلّقات.

  • نصيحة المرحوم العلامة الطهراني لصاحب المتجر 

  • حسنًا يا مسكين، قالوا له: لقد حدث ما حدث.فلماذا ينزف أنفك؟! لقد حدث ما حدث. حسنًا، قل هذا أفضل، والحمد للّه، لقد ارتحنا في النهاية.

  • كان المرحوم العلاّمة الطهراني قد قال له: لا تمارس هذه المهنة. لأنّ العمل الذي كان يقوم به في ذلك الوقت كان يتعلّق بأحد الناس، حسب ما أتذكر، كان صاحب كلّ هذه الأشياء البلاستيكيّة وما شابه إما يهوديًّا أو بهائيًّا، أشكّ بين هذين الاثنين. وقد قال له العلاّمة إنّ التعامل والتواصل مع هؤلاء فيه إشكال شرعي. وعلى كلّ حال، يبدو أنّه غيّرها بعد ذلك، ولا أعلم ماذا حدث.

  • يقول الله تعالى: لا تستطيع أن تتحمّل تجليّاتي، الأرض والسماء وجميع هذه الكواكب. ولكنّ قلب إنسان ذي قدمين، طوله متر وستون سنتيمترًا، ووزنه ستّون كيلوجرامًا، أو أقل، هذا يستطيع أن يتحمّلها. أي أن تلك الإرادة وتلك الطريقة في إنفاذ المشيئة وتقدير المشيئة التي تأتي وتسلب وجود الشيء من ذاته، وتقطع العلاقة بين الماهية والوجود. وبالطبع، الماهيّة ليست أمرًا موجودًا. إنّها تزيل جانب الاستقلاليّة و تُبقي مجرّد الارتباط.فهذه الموجودات لا تثبت أبدًا أمام ذلك. ولكن العبد المؤمن يستطيع أن يأخذ هذه، ويتحمّلها. ينقطع تعلّقه بها، ثمّ يقف في مكانه، ولا يصيبه شيء. وتظهر فيه تلك الآثار دون أن يصيبه مكروه. ويستطيع أن يفعل هذا.

قُربٌ لا يُرى - لماذا تُقصِّرُ أعمالُنا المسافةَ إلى الله أو تُطيلها؟

6
  • الله حاضر في القلب: لا مسافة حسيّة 

  • إذًا، الله تعالى موجود في قلب الإنسان. أي من حيث يريد الإنسان أن يدعو، يجب أن يجد الله في نفس المكان. لا أن يتوجّه إلى جهة معينة أو شكل معيّن. في نفس المكان الذي يقول فيه: يا إلهي، لا ينبغي أن يتوجّه إلى السماء السابعة أو الثامنة في الأعلى. أو في تخوم الأرض وأعماقها. يجب أن يركّز نظره ويوجّهه نحو تلك الجهة. عندما يقول: «يا إلهي»، لا ينبغي أن تخطر في ذهنه جهة، وعندما يريد أن يركّز ذهنه، لا ينبغي للإنسان أن يتصور أيّ جهة أو أيّ اتجاه. بل من حيث يقول: «إلهي»، من نفس المكان يقول له الله: لبيك، ومن نفس النقطة التي يقول فيها: «يا إلهي»، يسمع جوابه ويشعر به، من نفس المكان.

  • إذًا، المسافة بيننا وبين الله هي صفر. ولا معنى لأيّ شيء. ولكن الإمام السجّاد عليه السلام يقول: ليس كذلك بل هناك مسافة، والمسافة بيننا وبين الله هي ذلك البعد الذي بيننا وبين ذاته؛ بسبب الحجب وستائر الظلمة والغرور التي سقطت على أنفسنا وعلى أبصارنا في هذه الدنيا.

  • ما الفرق بين أن تقف عند باب حديقة، وما الفرق بين أن يُظهروا لك حديقة، وأنت تنظر إلى تلك الحديقة من مسافة بعيدة. يقولون: يا عزيزي، يجب أن تسير عشرة فراسخ، ترى هناك في المرتفع؟ ترى الخضرة؟ تلك حديقة فيها كذا وكذا، وأشجارها كذا وكذا، وأنهارها كذا، وأعشابها كذا، وأفرادها كذا. يقول: هل يجب أن أقطع كلّ هذه المسافة؟ هل يجب أن أذهب كلّ هذه المسافة؟ يقولون: نعم، لا مفرّ. 

  • أو أنّهم يوقفونك عند باب الحديقة، ويضعون ستارة أمامك من تلك الستائر السميكة التي لا يتخللها الشمس ولا المطر، ولا السكّين، ولا الشفرة، ولا الرصاص، ولا شيء يؤثر عليها، ومضادّة للرصاص ومضادة للشمس ولكلّ شيء، ويضعون ستارة بينك وبين الحديقة. وإذا ثقبتَ الستارة، ستصل يدك إلى الحديقة، ولكن الستارة لا تُثقب.

  • لا فرق في عدم الوصول 

  • ما الفرق بين هاتين الحالتين؟ لا فرق على الإطلاق. لا يختلف الأمر. في كلتا الحالتين، أنت لا تصل إلى الحديقة. مَثَلُ الله معنا كَمَثَلِ الإنسان الواقف بجانب هذه الحديقة، أمامه ستارة. لا توجد مسافة على الإطلاق، ولكن هذه الستارة نفسها لا تسمح بالوصول. مهما حاولت، لا تسمح، لا فائدة. من ناحية، يمكننا القول إنّ المسافة بين هذا وبين هذه الحديقة صفر، صفر، لا توجد مسافة. مثل المسافة بينك وبين الذي يجلس بجانبك، صفر. ومن ناحية أخرى، يمكننا القول إنّ المسافة بعيدة. وكلما كانت هذه الستارة أرقّ، فالمسافة ماذا؟ أقرب. إنّها ستارة واحدة، ولكنها ستارة بهذا السمك. لا شيء يتخلّلها، حتّى لو أصابها صاروخ أو دبّابة، لا تتأثّر وتقف صامدة، لا يصيبها شيء. لا قدّر الله أن يضعوا مثل هذه الستائر.

قُربٌ لا يُرى - لماذا تُقصِّرُ أعمالُنا المسافةَ إلى الله أو تُطيلها؟

7
  • أنانيتنا هي الحجاب الحقيقيّ 

  • هذه الستارة هي ستارة الأنانية، ستارة حبّ النفس، ستارة التمحور حول الذات، ستارة الوقوف في وجه الحقّ، ستارة إسقاط الحقّ وإعلاء الظلم، ستارة الفرعونيّة، ستارة الجهالة، ستارة الغرور، ستارة الغوص في الكثرات. هذه الستارة هي ستارة سيّئة جدًا. ولدينا الكثير من الستائر. وكلّ ذنب يرتكبه الإنسان يلقي عليه ستارة، وكلّ عمل قبيح يرتكبه الإنسان يجعل ستارة تفصل بينه وبين هذه الحديقة.

  • أولًا، تكون ستارة واحدة. فالطفل عندما يولد لا توجد لديه ستائر، لا توجد لديه أيّ ستارة. فهوصافٍ، نقيّ، معصوم، بريء، ففي نفسه لا يوجد أيّ غلّ أو غشّ أو نفاق وهكذا. يقولون: تعلّموا صفات الله من الأطفال، ينفق، يعطي، ويتألّم مع الآخرين وهكذا... .

  • تصوروا طفلين، أحدهما أبوه أغنى رجل على وجه الأرض، والآخر أبوه أفقر رجل على وجه الأرض. كلاهما يلعبان معًا، لا يفهمان أصلًا ما هي الثروة، وذاك لا يفهم أصلًا ما هو الفقر، لماذا؟ لأنّه لا يوجد تعلّق، ولا ستائر، فهذه الثروة وهذا التعلّق ملكنا نحن، ملكنا نحن الذين وضعنا الستائر، ملكنا نحن الذين أتى هذا الأمر وحجب الرؤية أمامنا، ملكنا نحن الذين سلبنا النقاء وأدخلنا في عالم الغرور، وأوجدنا مسافة بيننا وبين الحقائق، وجعلنا أساس أمورنا ومدارها على هذا الأساس، فكلّ هذه لأجل هذا الأمر.

  • قصّة النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله مع الغنيّ والفقير 

  • كان النبي الأكرم ذات يوم جالسًا في المسجد، والأصحاب يتحدّثون، جالسين على شكل دائرة. في هذا الوقت، جاء رجل فقير وجلس بجانب رجل غني. فجأة شعر الغنيّ بشيء من الانزعاج، وقام بجمع نفسه قليلاً. فانزعج رسول الله كثيرًا. فقال: أخشيتَ أن يصيبك شيء من فقر هذا، أو أن يصيبه شيء من ثروتك؟! ألا تعلم أنّكما عندما وُلدتما، لم يكن أيّ منكما يرتدي ثوبًا واحدًا من هذه الدنيا؟! وعندما تغادران هذه الدنيا، لن يكون لأيّ منكما أكثر من قطعة قماش واحدة؟! لا في ذلك الوقت ولا في وقت الرحيل. في ذلك الوقت، كنتما مرتاحين، كلّنا كنا مرتاحين، مرتاحين. وفي وقت الرحيل أيضًا، يأخذون قطعة من القماش من الرأس إلى القدم، وواحدة من الخصر إلى الأسفل، وواحدة من هنا إلى الركبة، وواحدة كاملة، لا إله إلا الله، ثمّ يضعونه في القبر ويقولون: الفاتحة! اقرأوا الفاتحة وفي أمان الله. رحمه الله، كان رجلًا صالحًا، رحمه الله. ويأتون لبضعة أيام للتعزية به ثمّ يُنسى الأمر تمامًا، يذهبون. لماذا فعلتَ هذا؟! ولماذا فعلتَ هذا؟! ثمّ تاب ذلك الرجل الغنيّ وفعل ما فعل وقال سأفعل كذا.۱

    1. تفسیر القمی، ج ٢، ص ٤۰٤.

قُربٌ لا يُرى - لماذا تُقصِّرُ أعمالُنا المسافةَ إلى الله أو تُطيلها؟

8
  • الإنسان يضع الحجب بنفسه 

  • لماذا هذا الأمر؟! هذا لأنّنا أبعدنا أنفسنا عن عالم التجرّد وانعدام الحجب، وألقينا على أنفسنا الحجب والستائر باستمرار. الله يقول: يا عزيزي، أنا لا حجاب لديّ، أنا لا ألبس ثيابًا. أنا لم ألقِ حجابًا وستارة بيني وبين عبدي. أنا رفيق، أنا أضحك، أنا سعيد، أنا مع الجميع، أنا كذا. أنا لستُ وحشًا حتّى تهربوا مني؟ أنارحيم وأنا وحدي بلا إضافات.

  • لماذا تأتون وتلقون الستائر باستمرار؟! لماذا تحبسون أنفسكم في أفكاركم باستمرار؟! مثل العنكبوت الذي ينسج خيوطه حول نفسه، لماذا توقعون أنفسكم في سجن التخيلات والاعتبارات؟! لماذا؟! 

  • لماذا لا تطيرون كالعقاب وكالصقر فوق السماوات، ولا تجلسون على كلّ قمة، ولا تذهبون إلى كلّ أرض، وكلّ بستان، وكلّ وادٍ، وكلّ صحراء كما تشاؤون؟! لماذا تأتون وكأنّكم عنكبوت تنسجون الخيوط حول أنفسكم باستمرار؟! لماذا تفصلون أنفسكم بهذه الخيوط عن عالم الحقائق والأعيان؟! أيّها المساكين وأيها البائسون! بهذا الفعل أوقعتم أنفسكم في الضيق، ولم توقعوا غيركم، فالآخرون يعملون. وذلك الصقر يحلّق في الأعلى. وأنت استمرّ في نسج الخيوط حول نفسك، استمرّ في نسج الخيوط حول نفسك، واستمرّ في النسج. وكلّما نسجت أكثر، ازددت انحصارًا، ويصبح الخروج صعبًا. وكلّما زدت في إدخال هذه الاعتبارات في حياتك وفي عملك، أصبح الخروج منها أصعب. إنّه صعب جدًّا.

  • يقضي الإنسان عمره في هذه المعاملات، والصراعات وهذا يجب أن يكون وذاك يجب أن لا يكون، ولماذا قال لي هذا، ومكانتي هكذا، ويجب أن يراعوا احترامي هكذا. وأن ينظروا إلى جوانب العمل والملاحظات هكذا، وأن يُراعى موقعي هكذا وهكذا. في النهاية ماذا يحدث؟ في النهاية تزيد التعلّقات والحجب.

  • قصّة المرحوم الميرزا هاشم الآملي 

  • هل رويتُ لكم هذه القضيّة أم لا؟ عندما كانت بداية الثورة، أي قبل أن تحدث الثورة، في تلك الأوضاع المضطربة في إيران. في أحد أيّام النوروز، كان المرحوم العلامة الطهراني قد تشرف بزيارة قم. ذات يوم ذهبنا لزيارة أحدٍ ما، في الواقع لزيارة المرحوم آية الله ميرزا هاشم الآملي، كان منزله في نفس الزقاق الذي يقع فيه منزلنا. وكان الميرزا هاشم الآملي اللاريجاني رجلاً طيّبًا جدًّا، ويمكن القول إنّه كان تقريبًا "بلا هوى" . وكان المرحوم العلامة الطهراني يثني على روحيته، ويقول إنّه رجل صادق ونقيّ "بلا هوى".

قُربٌ لا يُرى - لماذا تُقصِّرُ أعمالُنا المسافةَ إلى الله أو تُطيلها؟

9
  • كان كلّما رآني يقول ولعدّة مرّات: يا عزيزي، أنا تلميذ والدك! أنا تلميذ والدك. وعندما كان والدك في النجف، في العراق على ما يبدو، في ذلك الوقت، درست كتاب المغني۱ إما الباب الأول أو الباب الرابع وهكذا قال: درست المغني عند والدكم. وبقي هكذا حتّى النهاية وكان يقول: أنا تلميذ والدك، كان يقول العلاّمة: من يقول مثل هذا الكلام؟! من يقول مثل هذا الكلام؟! فهؤلاء السادة لو درس أحدهم قبل خمسين سنة، لا يقول: "لقد درست عند فلان" في المقابل كان يقول: أنا تلميذ والدك.

  • قصة أخفوا فيها اسم أستاذهم الحقيقيّ 

  • ولا زلت أتذكّر هذه القضيّة أيضًا ولا أنساها، سأذكرها الآن. في ذلك الوقت، ذات يوم، جاء أحد هؤلاء السادة المعروفين جدًّا، والذي لا يزال على قيد الحياة حاليًا، لزيارة الوالد في ذاك المنزل الذي كان في الزقاق والذي أصبح الآن جزءًا من المكتبة. جاء إلى هناك وكنتُ أنا أيضًا موجودًا، كنتُ جالسًا. لا أعلم ما كان مقصود العلّامة من هذا الأمر؟ لأنّه بالتأكيد كان لديه أهداف في طرح الأمور. كان يريد أن أكون أنا من يستفيد مثلًا، فقال له العلّامة: من هم أساتذتك؟ وكان عمره تقريبًا مثل عمر المرحوم العلّامة الطهراني، أي في نفس العمر، بدأ يقول: نعم، أحد أساتذتي المرحوم الحاج محمّد علي الكاظمي، وأستاذي الآخر كان فلان وفلان. وبدأ يصف المرحوم الكاظمي بأنّه كان كذا وكذا، ويمتلك هذه الصفات، وكذا. في النهاية، قال جملة وانتهى الأمر: وبعض الشيء عند السيد الخوئي. هكذا، بعض الشيء عند السيد الخوئي. ومرّت القضية، وأنا لم ننتبه إلى هذا.

  • وعندما ذهبنا، قال والدي: هو درس معظم دروسه عند السيّد الخوئي، معظم دروسه درسها عند السيّد الخوئي. انظروا، انظروا، لندرك ما هي المسألة؟! لندرك ما هي القضيّة؟! ما هو واقع الأمر؟! فإنّه يختلف كثيرًا. ذلك السيّد الذي درس المغني، كان يقول حتّى النهاية: يا عزيزي، والدك أستاذي، وله حقّ عليّ وكذا. وهذا درس معظم دروسه ولا أقول جميعها بل أغلبها عند السيّد الخوئي، وفي النهاية يقول: وبعض الشيء عند السيّد الخوئي. هذا نصّ قوله تمامًا، والله يشهد، لا أزيد كلمة ولا أنقصها. يقول: وبعض الشيء عند السيّد الخوئي، بعض الشيء. حسنًا، فافهم أنت الحديث المفصّل من هذا الموجز.

    1. مغني اللبيب عن كتب الأعاريب هو مصنف (لغوي) في حقل النحو من أبرز إسهامات ابن هشام الأنصاري المصري عالم النحو الكبيـر المُتَوَفَّى (۷٦۱ هـ)، وهو مصنف فريد من نوعه ثري في مادته لا نظير له.

قُربٌ لا يُرى - لماذا تُقصِّرُ أعمالُنا المسافةَ إلى الله أو تُطيلها؟

10
  • مرجع التقليد والامتناع عن الزيارة 

  • لقد ذهبنا إلى هذا الشيخ الآملي في ذلك الوقت. وعندما ذهبنا، رأينا أنّه قد دعا المرحوم الشيخ مطهّري أيضًا، وقد جاء المرحوم الشيخ مطهري أيضًا، لأنّه كانت هناك مصاهرة بينه وبين الشيخ مطهري، وكان هناك أيضًا أحد السادة الآخرين. خلاصة القول، كان هناك عدّة أشخاص. أحد السادة المعروفين في طهران في ذلك الوقت، ومن مراجع التقليد. كان قد ذهب في رحلة إلى العتبات. هؤلاء السادة في تواصل دائم. عادةً في مثل هذه الحالات تكون التقارير كلّ خمس دقائق. السيّد نام، والسيّد استيقظ، السيّد عطس، السيّد توضأ، السيّد استحمّ. هذا هو العادي والمتداول، مكالمات هاتفية كلّ خمس دقائق واتصالات وهكذا، بهذه الكيفيّة، موجودة.

  • وصل الخبر أنّه في النجف لم يزر شخصًا من كبار مراجع النجف المعروفين. ماذا كانت القضية؟! القاعدة هي أنّه عندما يذهب أحد العلماء إلى مكان ما، من حقه أن يأتي سادة تلك المدينة، ورؤساء تلك البلاد، والأشخاص المعتبرون والمتعارف عليهم من العلماء لزيارته. من حقه، هذا بصفته مسافرًا وزائرًا، بطبيعة الحال لديه حقّ هنا. مثلًا، لنفترض أن شخصًا عاد من زيارة كربلاء، فليس هو من يجب أن يأتي لزيارة الناس، بل الناس يجب أن يذهبوا لزيارته. بالطبع، هذه المسألة تتعلق بالسفر إلى العتبات وهكذا، ففيها رعاية لجانب المزور الذي هو العتبات المقدسة، ولكن من وجهة نظر الشخص واحترامه، يجب أن يذهب الإنسان لزيارته، والقاعدة هي هكذا.

  • وفاة ابن أحد المراجع وتغير القاعدة 

  • كانت القاعدة أن يأتي علماء النجف لزيارة هذا المرجع. كلهم جاءوا إلا شخصًا واحدًا. وكانت القضية والسبب في ذلك أن ابن ذلك المرجع كان قد توفي في نفس الوقت. توفّي ابنه. هو لا يأتي لزيارة هذا المرجع. وفقًا للقاعدة، انقلب الأمر هنا. أي يجب على هذا المرجع الزائر أن يذهب لزيارة ذاك المرجع المصاب. أي لو لم تحدث هذه المصيبة، لكانت القاعدة أن يأتي هو لزيارة الزائر. ولكن الآن وقد حدثت هذه المصيبة، فوفقًا للقاعدة، يجب أن يذهب هذا الزائر لزيارة صاحب المصيبة. هنا، يتغيّر موقعه ومكانته، وبما أنّه كانت هناك بعض المشاكل بينه وبين ذلك الشخص، فإن هذا السيّد لم يذهب لزيارة صاحب المصيبة.

قُربٌ لا يُرى - لماذا تُقصِّرُ أعمالُنا المسافةَ إلى الله أو تُطيلها؟

11
  • كانت المكالمات الهاتفية تأتي ساعة بساعة: إنّه لم يذهب، ومدّة إقامته في النجف على وشك الانتهاء. ماذا سيحدث إذا لم تتمّ هذه المقابلة؟! ما هي الآثار السلبيّة التي ستترتّب على ذلك؟! ما هي الاستفادة السيّئة التي قد تقوم بها حكومة الشاه من هذه القضيّة؟! كما حدثت قضيّة قبل ذلك. المرحوم الشيخ مطهري في ذلك المجلس كان يتحدّث بحرارة وشدّة وضيق، وكان يريد أن تتمّ المقابلة بأيّ طريقة. فكان يتحدّث بحرارة شديدة. هكذا، وأنا أيضًا كنتُ أضحك كالعادة. وهو أيضًا أحيانًا كان ينظر إليّ وتهدأ حرارته قليلًا، ثمّ يبدأ من جديد. وشيئًا فشيئًا عندما يصل إلى مائتي كيلومتر، أبدأ أنا بالضحك بصوت عالٍ. ثمّ ينزل قليلًا إلى خمسين أو أربعين كيلومترًا. هكذا كان يتذبذب. والعلّامة لم يكن يقول شيئًا. كان جالسًا هكذا، ورأسه منخفض، ولم يتحدّث. لا أنّه وافق، ولا رفض، فلم يتحدّث أصلًا.

  • الشيخ مطهريّ وعظمة أخلاقه 

  • وهذا الشيخ مطهري، رحمه الله، كان رجلًا صالحًا. الشيخ مطهري كان رجلًا طيّب النية، رجلًا طيب النية جدًا وخاليًا من الأغراض. ولو رأى الحقّ، لقبلَهُ. وكان رجلًا تقيًّا متعبّدًا. كان رجلًا مفكّرًا جيّدًا جدًّا، رحمه الله. وكان يلحّ كثيرًا على الشيخ الآملي قائلًا: اتّصل الآن بالنجف، وألزم ذلك الزائر الذي ذهب من طهران أن يذهب لزيارة صاحب المصيبة، ذلك الشخص، ذلك الفرد من العلماء والسادة وصاحب المصيبة، فليذهب إليه.

  • وهو المسكين كان يهزّ رأسه. نعم، هؤلاء يفهمون. يحسبون الأمور. حسنًا، عندما لا يستطيع أن يفعل شيئًا، فماذا يفعل؟! كان يهزّ رأسه، ويضع يده على يده. نعم، ماذا نفعل يا سيدي؟! لا إله إلا الله، وإن شاء الله يصلح الأمور. وهذا الشيخ مطهري كان ينظر، ثمّ يقول مرّة أخرى: افعلوا شيئًا، اتصلوا، الوقت يمرّ يا مولانا. فقبل فترة وجيزة كانت قد حدثت قضيّة مشابهة في عهد عبد السلام عارف، وأعلم أن سفارة بغداد اتصلت بسفارة إيران في بغداد، وبشّرت بأن فلانًا جاء ولم يزر فلانًا، فلا تدعوا هذه القضيّة تتكرّر.... خلاصة القول، كان يضغط كثيرًا، وهذا المسكين كان يهز رأسه هنا وهناك، وكان في ورطة شديدة.

قُربٌ لا يُرى - لماذا تُقصِّرُ أعمالُنا المسافةَ إلى الله أو تُطيلها؟

12
  • الاستخارة: حيلة للخلاص أم تسليم؟ 

  • فمن ناحية، رأى أنّه لا يستطيع فعل شيء. أي أنّ القضيّة أكبر من هذا الكلام. فلا هذا يسمع كلامه ولا ذاك. ولكن، في النهاية، من الطرف الآخر هناك إصرار. في النهاية، قال: سأترك الأمر للاستخارة. فذهبنا لتناول الغداء، وتناولنا الغداء وعدنا. ثمّ قال: اتصلتُ، فالاستخارة جاءت متوسطة. وفي الوقت نفسه، قال: اتصلتُ، وقالوا إن الرجل قد غادر النجف وتوجه إلى كربلاء والكاظمية، ولن يعود إلى النجف. أي أن الأمر قد فات.

  • كنتُ جالسًا بجانب المرحوم العلامة، ورأيتُه يقرّب رأسه بهدوء، دون أن يلاحظ أحد، من الشيخ مطهّري ويقول: لو كنتَ أنتَ مكانَ صاحبِ المصيبةِ، ماذا كنتَ ستفعلُ؟! فقال: كنتُ سأذهبُ لزيارتهِ. فقال: نعم، نعم، هكذا هو، هكذا هو، نعم، نعم، نعم. كان يريدُ أن يُنبّهَ الشيخ مطهريّ ليدركَ ماذا يفعلُ. انتبهْ في أيّ ميدانٍ تضعُ قدمكَ؟ وأيّ طريقٍ تسلكُ؟ ليس رجلًا غيرَ منصفٍ، كانَ رجلاً طيّبَ النفسِ، رجلاً بلا هوى. قال: لو كنتُ أنا، لذهبتُ، ولو أنني صاحبُ مصيبةٍ، لكنّني كنت سأذهبُ على كلّ حالٍ. رحمهُ اللهُ.

  • الحجب المنيعة: حاجزٌ لا يخرق 

  • توضعُ الحُجُبَ أمامَ الإنسانِ. حجابٌ، ما هو الرصاصُ أمامه؟ يا عزيزي، هناك صواريخُ، ماذا يسمّونها؟ تذهبُ من هذا الطرفِ من العالمِ وتسقطُ في الطرفِ الآخرِ. حتّى لو أصابتْها مباشرةً، لا تُثقبُ، ولا يظهرُ عليها أيُّ انزعاجٍ إطلاقًا. أصلًا لا يظهرُ على وجهِ هذه الستارةِ الكريمةِ أيُّ قناعٍ أو أيُّ مشكلةٍ. هكذا تقفُ ثابتةً. هذه هي المسألةُ التي يقولُ عنها الإمامُ السجّادُ عليهِ السلامُ: لقد أوجدتْ مسافةً بينكَ وبينَ ربّكَ. المسافةُ التي بيننا وبينَ اللهِ تختلفُ باختلافِ نوعِ عملنا ونيتِنا.

  • لقد طالَ الوقتُ، أليسَ كذلكَ؟ لم يكنْ مقررًا أن نطيل. حسنًا، نتركُ بقيّةَ الكلام، إن شاءَ اللهُ، لليلةِ الغدِ. لنَدعُ اللهَ ونطلبُ منهُ أن يقلّلَ هذه المسافاتِ، وأن يرفعَ هذه الحجبَ واحدًا تلوَ الآخرِ. وذلك الحِجابُ الأصليُّ الذي يقولُ فيهِ حافظٌ: 

  • ...***تو خود حجابِ خودی حافظ از میان برخیز ۱
  • يقول: 

  • ... *** أنتَ حجابُ نفسكَ يا حافظُ، فلتنهضْ من البين.

    1. دیوان حافظ، ص ۱۱۸، غزل ٢٦٥:
      میان عاشق و معشوق هیچ حائل نیست***‌تو خود حجاب خودی حافظ از میان برخیز

قُربٌ لا يُرى - لماذا تُقصِّرُ أعمالُنا المسافةَ إلى الله أو تُطيلها؟

13
  • ذلكَ الحجابُ الذي بوجودهِ، لا تُؤثرُ ألفُ توبةٍ، ولا يؤثّرُ ألفُ نداءٍ وتضرّعٍ، ولا يؤثرُ ألفُ حجّ، وألفُ عمرةٍ، وألفُ سعيٍ، وألفُ إنفاقٍ، وألفُ إعتاقِ للعبيد.فهذه ليستْ سلعًا تُعرضُ في محضرِ عظمةِ اللهِ وغَيرتِهِ وعزّتِهِ.

  • بر سر بازار عشق کس نخرد ای رفیق***از تو به یک جو هزار، کشف و کرامات را 
  • يقول: 

  • في سوق الحبّ لا يشتري أحدٌ، يا صديقي *** منك بأدنى قيمةٍ ألفَ كشفٍ وكرامةٍ.

  • ماذا يشتري سوق العشق الإلهيّ؟ 

  • كلّ المكاشفات والكراماتِ هناكَ هي باطلةٌ، وكلّها هواءٌ، وكلّها قطعٌ من القطنِ المتناثر في الهواءِ. هناكَ، يريدونَ ذرّةَ عبوديةٍ، وذرّةَ تجرّدٍ، وذرّةَ صفاءٍ وإخلاصٍ. يريدونَ هذا. لا يأتي الإنسانُ ويقيمُ مجالسَ ويقرأُ العزاء ويبني الحُسينيّات، وينفق، وكذا وكذا وكذا. فجأةً يدركُ: عجبًا! كلّ هذه الأعمالِ التي قامَ بها قد أضافتْ إلى ذلكَ الحجابِ الأصليِّ. لقد جعلتْ ذلكَ الحجابَ الأصليَّ أكثرَ سماكة. يقرأُ عزاء للإمامِ الحسينِ، ولكنّ هذا العزاء لم يقلّلْ من ذلكَ الحجابِ، بل أضاف إليهِ باستمرارٍ. هنا يجبُ على الإنسانِ أن يدقّقَ وينتبهَ ويحاسبَ نفسهُ ويعلمَ أن هذا العملَ الذي يقوم به على أيّ أساس يقوم به؟ أينَ جذرُهُ؟ هل جذرُهُ متصلٌ بالتوحيدِ، أم جذرُهُ متصلٌ بالكثرةِ؟ 

  • على الرغم من أن العملين سواء، وكلاهما ينبع من مكان واحد، والناس يظنّون أنّهما واحد. يا عزيزي، انظر كم هو رجل صالح! يا عزيزي، انظر كم هو رجل صالح! هذا يصلّي وذاك يصلّي. لماذا تقول له هذا السوء؟! هذا يصلّي بهذه الجودة، وهذا الدعاء يقرأه بهذه الجودة، ويفعل هذا العمل.فأين الخلل فيه؟! أين الإشكال فيه؟! أين النقص فيه؟! لا يعلمون أن هذه الصلوات وهذا الصيام وهذه الأمور، كلّ واحد منها يضيف حجابًا. ويا ليتهم لم يفعلوها، يا ليتهم لم يدخلوا في هذه الأمور ولم يثقلوا على أنفسهم.

  • الاعتماد على النفس ليس من الدين 

  • نسأل الله أن يوفقنا بعون الأئمّة الأطهار والأعاظم من أوليائه، لا بعوننا نحن. يأتون ويقولون: يا عزيزي، الاعتماد على النفس، الثقة بالنفس. أيّ نفس يا عزيزي، أيّ ثقة؟! وأيّ اعتماد؟! وهل يستطيع الإنسان أن يخطو خطوة بثقته بنفسه؟! هذه النفس هي التي أهلكته. ثمّ يأتي ليتقدّم بالثقة بالنفس؟! وهل يجتمع جميع الأضداد والنقيضان؟! بالثقة بأطهار حضرته، وبالثقة بعناية أوليائه، وبالثقة والتوسل، بمدّ يد التوسل والحاجة إلى عتبة الربوبيّة، وتقديم مقام العبوديّة. فقط وفقط، إذا إنّه من المفترض أن يكون هذا هو الطريق الوحيد. نسأل الله أن يحلّ مشاكلنا ويرفع حجبنا، ويزيل ستائر الجهل والغرور والغفلة من أمام أعيننا.

قُربٌ لا يُرى - لماذا تُقصِّرُ أعمالُنا المسافةَ إلى الله أو تُطيلها؟

14
  •  

  • اللهمّ صلّ على محمد و آل محمد