الروح المجرّد

في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

الروح المجرّد 56579
مشاهدة المتن

المؤلّف العلامة آیة الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني

القسم السير الذاتية والتراجم


التوضيح

في تأبين الموحّد العظيم والعارف الكبير الحاج السيّد هاشم الموسوي الحدّاد أفاض الله علينا من بركات تربته، من أقدم وأفضل تلامذة الأخلاقي الكبير العارف بالله وبأمر الله آية الله العظمى الحاج السيد علي القاضي الطباطبائي التبريزي نفعنا الله والمسلمين من بركات علومه.
وقد ذكر في هذا الكتاب كيفيّة تشرف سماحة العلاّمة آية الله مُدّ ظلّه بالحضور في محضر سماحة الحدّاد، وعن كيفيّة حياته وسيرته العملية وحالاته ومقاماته التوحيديّة وأحوال تلامذته. وتطرّق ضمن بيان أسفار سماحته إلى ذكر المباحث التوحيديّة الدقيقة، والسلوك إلى الله، ولزوم متابعة الاُستاذ، وإلى الدفاع عن العرفان والعرفاء بالله، وإلى ردّ التهم غير اللائقة التي وُجهت إلى محيي الدين ابن عربي، وإلى معنى وحدة الوجود و...

/٦۸۳
الروح المجرد: الديباجة و المقدّمة القِسم الأوّل: مُقدّمَة التشرّف والتوفيق لمحضر سماحة الحدَّاد وملازمته القِسم الثَّاني: السفر الأوَّلُ للحَقِير إلى العتبات المُقَدَّسَةِ، سَنَةَ 1381 هـ القِسمُ الثالث: السفر الثاني للحقير إلى العتبات المقدّسة سنة 1383 هـ القسم الرابع: السفر الثالث للحقير إلى العتبات المقدّسة سنة 1385 هـ القسم الخامس: سفر سماحة الحاجّ السيّد هاشم (قد) إلى ايران - المقطع 1 القسم الخامس: سفر السيد الحداد إلى إيران - المقطع 2 القسم الخامس: سفر السيد الحداد إلى إيران - المقطع 3 القسم الخامس: سفر السيد الحداد إلى إيران - المقطع 4 القسم الخامس: سفر السيد الحداد إلى إيران - المقطع 5 القسم الخامس: سفر السيد الحداد إلى إيران - المقطع 6 القسم السادس: السفر الرابع للحقير إلى العتبات المقدّسة ، سنة 1387 هـ ق - المقطع 1 القسم السادس: السفر الرابع - المقطع 2 القسم السادس: السفر الرابع - المقطع 3 القسم السادس: السفر الرابع - المقطع 4 القسم السادس: السفر الرابع - المقطع 5 القسم السابع: السفر الخامس للحقير إلى العتبات المقدّسة ، سنة 1389 هـ . ق القسم الثامن: السفر السادس للحقير إلى العتبات المقدسة ، أواخر سنة 1390 هـ . ق القسم التاسع: السفر السابع للحقير إلى العتبات المقدّسة ، سنة 1392 هـ . ق القسم العاشر: السفر الثامن للحقير إلى العتبات المقدّسة ، سنة 1394 هـ . ق القسم 11: السفران التاسع والعاشر للحقير إلى العتبات المقدّسة سنة 1395 و 1396 هـ . ق القسم 12: سفر الحقير إلى الشام ، سنة 1400 هـ . ق - المقطع 1 القسم 12: سفر الحقير إلى الشام ، سنة 1400 هـ . ق - المقطع 2 القسم 12: سفر الحقير إلى الشام ، سنة 1400 هـ . ق - المقطع 3 بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

1

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

2
  •  

  •  

  • دِيبَاجَة

  •  

  •  

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

3
  • هو العليم الحكيم‌

  • أيّها النور المطلق! و أيّها الروح المجرَّد! أيّها الحدّاد!

  • لقد كنتَ دوماً بحراً طافحاً فيّاضاً متدفّقاً على طلّاب الحقيقة و نُشّاد سبل السلام بحراً خضمّاً زاخراً لا تُدرك ضفافه. أمواجه التوحيد و المعرفة، و نتاج مياهه الوفيرة الحجّة و البرهان و السطوع و الإيقان و الكشف و الشهود، و البصيرة و الإتقان. فلقد كُنت كالبحر هادراً بأمواج العلم، ساطعاً بنور البصيرة، متجليّاً بشعاع العرفان، و هكذا كنت كاشف الحقيقة لطلّاب الصراط الحقّ و سالكي سبيل الفَناء و الاندكاك في الذات الأحديّة المقدّسة.

  • و لقد كان الحلم و الصبر، و الاستقامة و التحمّل، و الجَلَد و التمكّن في الشدائد و المصائب، بمثابة ضفاف هذا الشطّ الواسع و البحر العريض و سواحله التي تحفظ مياه هذا البحر الموّاج المتلاطم الطافح بالعلم، و تحرسه من فيضان كثرة العلم و طغيانه و انفلات زمامه، لئلّا يُحمَّل أهل العالم كلاماً أو قولًا فوق طاقتهم فتثقل كواهلهم.

  • أمّا كنوز هذا البحر العميق و نفائسه، و لؤلؤه و مرجانه، و جواهره الثمينة الغائرة في أعماقه؛ فهي التقوى و الطهارة و النور و العرفان، التي تقدّم كأرقى و أغلى هديّة ملكوتيّة إلى عالم الإنسانيّة.

  • فالسلامُ عليكَ يوم وُلدتَ و يوم مُتَّ و يوم تُبعثُ حيّاً.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

4
  • ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌ ، اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِي‌ءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى‌ نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْ‌ءٍ عَلِيمٌ ، فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ ، رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَ إِقامِ الصَّلاةِ وَ إِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَ الْأَبْصارُ ، لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَ يَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ‌﴾. (الآيات ٣٥ إلى ٣۸، من السورة ٢٤: النور)

  • هَجَمَ بِهِمُ العِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ البَصِيرَةِ، وَ بَاشَرُوا رُوحَ اليَقِينِ، وَ اسْتَلَانُوا مَا اسْتَعْوَرَهُ المُتْرَفُونَ، وَ أنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الجَاهِلُونَ، وَ صَحِبُوا الدُّنْيَا بِأبْدَانٍ أرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالمَحَلِّ الأعْلَى؛ اولَئِكَ خُلَفَاءُ اللهِ في أرْضِهِ، وَ الدُّعَاةُ إلى دِينِهِ. آهِ آهِ! شَوقاً إلى رُؤْيَتِهِمْ. (أمير المؤمنين عليه السلام، الحكمة ۱٤۷ من «نهج البلاغة»)

  • ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى‌ نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾. (الآية ٢٣، من السورة ٣٣: الأحزاب)

  • ذكرى ارتحال إنسان العين و عين الإنسان، الذي لم يأت الزمان بمثله، العارف الكامل المتحقّق بحقيقة العبوديّة، نقطة الوحدة بين قوسَي‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

5
  • الأحديّة و الواحديّة: الحاجّ السيّد هاشم الموسويّ الحدّاد، في الثاني عشر من شهر رمضان المبارك لسنة ۱٤۰٤ هجريّة قمريّة.

  • تأريخ الكتابة: الأوّل من محرّم الحرام‌

  • لسنة ۱٤۰٥ هجريّة قمريّة۱

    1. كُتبت المطالب أعلاه علي صفحة كبيرة بطول ۸۰ و عرض ٦۰ سانتيمتراً بخطّ «النستعليق» الجميل للخطّاط المعاصر المعروف السيّد عبّاس أخويْن، حيث قام الصديق العزيز المهندس الحاجّ عبّاس هادي زاده الأصفهانيّ زِيد توفيقه، الصهر الكبير للمرحوم آية الله الشيخ مرتضي المطهّريّ قدّس الله روحه باختيار عباراتها، ثمّ زيّنها بإطار زجاجيّ شفّاف بحيث تبدو عباراتها من كلا الجانبَينِ، و أرسلها للحقير في مشهد المقدّسة من محلّ إقامته بطهران في ذكري رحيل الاستاذ الجليل.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

6
  • بسم الله الرحمن الرحيم‌

  • و لم يزلْ سيّدي بالحمدِ مَعروفا***و لم يزلْ سيّدي بالجودِ مَوصوفا
  • و كانَ إذْ ليس نورٌ يُستضاءُ به‌***و لا ظلامٌ على الآفاقِ مَعكوفا
  • فربُّنا بخلافِ الخلقِ كلّهم‌***و كلّ ما كانَ في الأوهامِ مَوصوفا
  • و مَن يرِدْهُ على التشبيهِ ممتثلًا***يَرجع أخا حَصَرٍ بالعجزِ مَكتوفا
  • و في المعارجِ يلقي مَوْجُ قدرته‌***موجاً يعارضُ طرفَ الروحِ مَكفوفا
  • فاتركْ أخا جَدَلٍ في الدين مُنْعَمِقاً***قد باشرَ الشكَّ فيه الرأيُ مَأووفا
  • و اصحبْ أخا ثقةٍ حُبَّاً لسيِّدهِ‌***و بالكرامات من مولاه مَحفوفا
  • أمسى دليلُ الهدى في الأرض مُبتسماً***و في السماءِ جميلُ الحال مَعروفا۱
    1. هذه الأبيات لأمير المؤمنين عليه السلام أوردها في نهاية خطبته الغرّاء في توحيد الذات المقدّسة للحقّ تعالى و صفاته و أسمائه، جواباً لذِعْلِب حين سأل: يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ! هَلْ رَأيْتَ رَبَّكَ؟! فَقَالَ: وَيْلَك يَا ذِعْلِبْ؛ مَا كُنْتُ أعْبُدُ رَبّاً لَمْ أرَهُ.
      الخطبة مفصّلة، أوردها المجلسيّ في «بحار الأنوار» الطبعة الحروفيّة الحيدريّة، ج ٤، ص ٣۰٤ إلى ٣۰٦، الحديث ٣٤، الباب الرابع: جوامع التوحيد من أبواب أسمائه تعالى و حقائقها و صفاتها و معانيها، عن «التوحيد» للصدوق بسنده المتّصل. و ورد في خاتمتها: فخرّ ذعلب مغشياً عليه من صولة كلامه، ثمّ أفاق فقال: تالله ما سمعتُ بمثل هذا الجواب، و الله لاعدت إلى مثلها. و قد كتب سماحة الاستاذ العلّامة الطباطبائيّ قدّس الله سرّه في هامشه على «بحار الأنوار»: و هذه الأشعار هي أفضل دليل على أنّ خلقة العالم لم تكن منقطعة في أوّلها، بل كانت موجودة دوماً؛ كما أنّها دليل على أنّ الخلقة ليست منقطعة في آخرها، بل هي مستمرّة دوماً.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

7
  •  

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

9
  •  

  •  

  • المُقَدِّمَةُ

  •  

  •  

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

11
  •  

  •  

  • بسم الله الرحمن الرحيم‌

  • و صلّى الله على محمّد و آله الطاهرين‌

  • و لعنة الله على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين‌

  • و لا حول و لا قوّة إلا بالله العليّ العظيم‌

  • حسبنا الله و نعم الوكيل، نعم المولى و نعم النصير

  •  

  •  

  • أحد تلامذة المدرسة الأخلاقيّة و العرفانيّة لفريد العصر و حسنة الدهر، العارف الذي لا بديل له و الموحِّد الذي لا نظير له، سيّد العلماء العاملين، و أفضل الفقهاء و المجتهدين: المرحوم آية الله العظمى الحاجّ السيّد الميرزا علي القاضي قدّس الله تربته المنيفة، هو المرحوم السيّد الجليل و العارف النبيل، و الموحِّد بحقيقة معنى الكلمة: الحاجّ السيّد هاشم الموسويّ الحدّاد أنار الله شآبيب قبره الشريف من أنواره الباهرة القدسيّة حيث يُعدّ من أقدم تلامذة تلك الآية الإلهيّة، و أكثرهم قدرة و تمكّناً في سلوك درب التجرّد، و في طَيّ عالم الملك و الملكوت و تخطّي نشآت التعيّن، و الورود في عالم الجبروت و اللاهوت، و الاندكاك المحض و الفَناء الصِّرف في الذات الأحديّة للحقّ جلَّ و علا.

  • الحدّاد و ما أدراك ما الحدّاد؟!

  • و كان الحقير قبل التشرّف بالذهاب إلى النجف الأشرف و لثم العتبة المقدّسة لمولى الموحّدين أمير المؤمنين عليه صلوات الله و ملائكته‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

12
  • أجمعين، و في الأوقات التي كنت أستفيد فيها من المحضر الفيّاض للُاستاذ العلّامة آية الله الطباطبائيّ قدّس الله نفسه في بلدة قم الطيّبة، كنت أسمعه أحياناً يذكر اسم السيّد هاشم بأنّه من تلامذة المرحوم القاضي القدماء؛ و الذين يملؤُهم العشق و الهيجان، و يلفّهم التحرّر و التمرّد على القيود، و كان ساكناً في كربلاء؛ و كان المرحوم القاضي قد اعتاد الحلول عليه في بيته كلّما تشرّف بالذهاب إلى كربلاء.

  • و دام ذلك حتّى مَنّ الباري بتوفيق الحقير للتشرّف بالذهاب إلى تلك العتبة، حيث كان خلال تواجده في النجف الأشرف يرجع في الامور العرفانيّة و الإلهيّة -حسب توصية الاستاذ العلّامة- لآية الله الشيخ عبّاس القوجانيّ أفاض الله على تربته من أنواره، و كان لي معه خاصّةً علاقات حميمة. و كان الشيخ يذكر أحياناً اسم السيّد الحدّاد، كما كان بعض الرفقاء الذين كانوا من تلامذة المرحوم القاضي، و خاصّة بعض المسافرين و الزائرين يذكرونه أحياناً في محضر آية الله القوجانيّ و يستفسرون عن أحواله، فكان يجيبهم: هو في كربلاء، و حاله بحمد الله جيّدة.

  • و باعتبار وجودي في النجف و انشغالي بالدرس و المباحثة، فلم يكن لي مجال لزيارة سيّد الشهداء عليه السلام إلّا في بعض ليالي الجمعة أو في أوقات الزيارة؛ حيث كنت أذهب إلى كربلاء ثمّ أعود في نفس الليلة أو في اليوم التالي، فلم تسنح لي الفرصة للبحث عن السيّد الحدّاد و الالتقاء به.

  • و دام ذلك ما يقرب من سبع سنين، حتّى التقى يوماً وسط الصحن المطهّر أحدُ تلامذة المرحوم القاضي و اسمه العلّامة اللاهيجي الأنصاريّ بآية الله الشيخ عبّاس، فقبّلا نواظر بعضهما، فتطرّق الأخير خلال حديثهما و استفسارهما عن أحوال بعضهما إلى ذكر اسم السيّد هاشم و استَفسر عن أحواله، ثمّ قال في كلامه:

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

13
  • «لقد كان للمرحوم القاضي اهتمام خاصّ به، و كان لا يعرّفه لأصحابه في السلوك و يضنّ به لئلّا يضايقه أحد منهم، و كان هو التلميذ الوحيد الذي كان يحصل له الموت الاختياريّ زمن حياة المرحوم القاضي، و كانت ساعات موته تطول أحياناً إلى خمس ساعات أو ستّ. و كان المرحوم القاضي يقول: إنّ السيّد هاشم في التوحيد أشبه بالسنّة المتعصِّبين لمذهبهم؛ فقد كان متعصِّباً في توحيد ذات الحقّ تعالى، و لقد ذاق طعم التوحيد و لمسه بشكل استحال معه لأيّ شي‌ء أن يوجد خللًا فيه».

  • و لم ينقضِ على هذه المحادثة وقت طويل حتّى حان وقت زيارة أبي عبد الله عليه السلام، و كانت زيارة النصف من شعبان لسنة ۱٣۷٦ هجريّة قمريّة، فوُفِّق الحقير للتشرّف بالذهاب إلى كربلاء للزيارة. و حصل في ذلك السفر أن وُفِّقْتُ لزيارة السيّد هاشم و تقبيل يديه، و انعقدت بيننا الأواصر الحميمة على أكمل صورها، و دامت ثمان و عشرين سنة كاملة لحين رحيله عن دار الفَناء، أي في سنة ألف و أربعمائة و أربعة هجريّة قمريّة، و بقي ذكره منذ ذلك الحين -حيث ينقضي على رحيله ثمان سنين- لا يبرح عنّي، مجسّماً في افق خاطري يزيد بمرّات على ذكري لوالدي، رحمة الله عليه رحمة واسعة.

  • عجز المصنّف عن شرح أحوال الحدّاد و بيان مدارجه و معارجه‌

  • و لقد كان هذا الرجل ذا مغزى عظيمٍ، جمّ الفضل و العلم يقصر عنه لفظ العظمة، و كان واسع الافق رحبه إلى درجة لا سبيل للتعبير عن سعة إدراكه. و كان متوغّلًا في التوحيد، مندكّاً فانياً في ذات الحقّ تعالى إلى الحدّ الذي يبقى ما نقوله و نكتبه عنه اسماً و رسماً؛ فهو خارج عن التعيّن، متخطٍّ للاسم و الرسم.

  • نعم، كان السيّد هاشم الحدّاد روحي فداه حقّاً و واقعاً رجلًا تقصر أيدينا عن نيل أذيال أثوابه المتطاولة. و غالباً ما كنتُ ألتقي به أثناء هذه‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

14
  • المدة المديدة في أسفاري التي كانت تحصل مرّة أو مرّتين في السنة و تدوم شهرين أو ثلاثة، فأرد منزله في كربلاء و اعَدُّ من عياله و أولاده؛ لكنّه مع ذلك رحل، و بعد رحيله فقد بَقِيتُ حتّى يومي هذا تلفّني الحيرة و يكتنفني الحياء، خاضعاً مطأطئاً أمام ذلك الشموخ و الرفعة و ذلك المقام و تلك الجلالة.

  • لقد عَجَزَتِ الألفاظ عن وصفه؛ فما ذا أقول في رجلٍ وقفتْ أمامه الكلمات حيرى و أ كلَّ الواصفين عن وصفه ناهيك عن إدراكه؟!

  • لذا، لم يُذكَر اسمه في كُتُب الحقير و لم يجرِ فيها التطرّق إلى شرح حاله، حتّى في كتاب «الشمس الساطعة» الذي الِّفَ في ذكرى الاستاذ الكبير سماحة آية الله العلّامة الطباطبائيّ قدّس الله سرّه، و قد تطرّق الحديث فيه مفصّلًا عن حالات سماحة القاضي و أحوال بعض تلامذته، بل ذُكِرَ فيه أسماء تلامذته بالترتيب دون اسم السيّد هاشم!

  • فلِمَ يا ترى؟! و لأيّ سبب؟!

  • ذلك لأنّه كان يستعصي على القلم فلا يحيط به؛ فقد كان صقراً محلِّقاً بعيد المدى لا ترقى إليه الأفكار و العقول في أوج تحليقها. و مهما جَهَدَتْ في اللحاق به رأته أسمى و أعلى و أفضل و أرقى؛ فيرجع الفكر خاسئاً و البصر ذليلًا و البصيرة كليلة، و تبقى حيرى لا تعرف يمنة عن يسرة و لا فوقاً من تحت و لا أماماً من خلف.

  • فكيف -يا ترى- يمكن للمحدود بالجهات و التعيّنات وصفَ روحٍ مجرّد يحاول إخضاعه لقالب معيّن، فيدور حوله ليصفه و يبيِّن حاله؟!

  • و نلحظ هنا روعة و وضوح كلام الملّا الروميّ الذي يتربّع على منصّة الحقيقة و يجد مصداقه في الخارج:

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

15
  • من به هر جمعيّتى نالان شدم‌***جُفت بدحالان و خوش حالان شدم‌
  • هر كسى از ظنّ خود شد يار من‌***وز درون من نجست أسرار من‌
  • سِرِّ من از ناله من دور نيست‌***ليك چشم و گوش را آن نور نيست‌
  • تن ز جان و جان ز تن مستور نيست‌***ليك كس را ديد جان دستور نيست‌۱
  • أو حين يقول:

  • گرچه تفسير زبان روشنگر است‌***ليك عشقِ بى زبان روشن‌تر است‌
  • چون قلم اندر نوشتن مى‌شتافت‌***چون به عشق آمد قلم بر خود شكافت‌٢
    1. «مثنوي» ص ۱، السطر ٣ و ٤، طبعة آقا ميرزا محمود.
      يقول: «علا صوت أنيني في كلّ نادٍ و جمعٍ، و رافقت ذوي الأحوال السيّئة و الحسنة.
      فخيّل لكلّ منهم أنّه صار رفيقي و صاحبي، بَيدَ أنّ أحداً لم يطّلع علي سرّي و مكنون ضميري.
      إنّ سرّي مودع في أنيني و شجوني لا ينفكّ عنهما، لكنّ أعين الآخرين و آذانهم ينقصها ذلك النور فقصرت عن أن ترى أو تسمع.
      لقد اقترن البدن بالروح فلم يغب أحدهما عن الآخر أو يستتر عنه يوماً، إلّا أنّه لم يُعهد من أحد أن يري الروح عياناً».
    2. «مثنوي» ص ٤، السطر ۱٤ إلي ۱٩.
      يقول: «مع أنّ اللسان هو المظهر للأحاسيس ببيانه و بلاغته، لكن العشق أبلغ في خرسه من أيّ بيان.
      و قد كان القلم مسرعاً في الكتابة، لكنّه تصدّع لمّا بلغ كلمة العشق».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

16
  • چون سخن در وصف اين حالت رسيد***هم قلم بشكست و هم كاغذ دريد
  • عقل در شرحش چو خَر در گل بخفت‌***شرح عشق و عاشقى هم عشق گفت‌
  • آفتاب آمد دليل آفتاب‌***گر دليلت بايد از وى رو متاب‌
  • از وى ار سايه نشانى مى‌دهد***شمس هر دم نور جانى مى‌دهد
  • سايه خواب آرد ترا همچون سَمَر***چون برآيد شمس، انْشَقَّ القَمَر
  • خود غريبى در جهان چون شمس نيست‌***شمس جانِ باقئى كش أمْسْ نيست‌
  • شمس در خارج اگر چه هست فرد***مثل او هم مى‌توان تصوير كرد۱
    1. يقول: «و ما أن بلغ الكلام إلي وصف هذه الحال، حتّى تكسَّر القلم و تمزَّق الورق.
      لقد استحال العقل في بيان العشق كالحمار المتخبّط في الوحل، فشرح العشق و بيان حال العاشق لا يمكن أن يقوله إلّا من ذاق العشق بدوره.
      و لقد جاءت الشمس دليلًا علي الشمس، فإن أردتَ دليلًا فلا تشح بوجهك عنها.
      و صحيح أنّ الظلّ أيضاً يدلّ علي الشمس، لكن الشمس نفسها هي التي ترسل دائماً أنوارها علي الأرواح.
      فالظلّ كالسَّمَر في الليل يجعلك تشعر بالنعاس، فإذا طلعت الشمس انشقّ لها القمر و أظْلَم.
      و مع ذلك ليس في العالم غريب كالشمس، و ليس لشمس الروح المحيطة بالزمان من أمس أو غد. فهذه الشمس الموجودة في الخارج و إن كانت فريدة، و لكنّك تستطيع تصوير مثيل لها».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

17
  • ليك شمسى كه از او شد هست أثير***نبودش در ذهن و در خارج نظير
  • در تصوّر ذات او را كُنج كو***تا درآيد در تصوّر مثل او۱
  • و كم هو رائع و بليغ قول مولى الموالي أمير المؤمنين عليه السلام في تبيانه لمحلّه و مقامه، حيث يقول:

  • صَحِبُوا الدُّنْيَا بِأبْدَانٍ أرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالمَحَلِّ الأعْلَى؛ اولَئِكَ خُلَفَاءُ اللهِ في أرْضِهِ، وَ الدُّعَاةُ إلى دِينِهِ. آهِ آهِ! شَوْقاً إلى رُؤْيَتِهِمْ.

  • سبب تأليف الكتاب‌

  • لكنّ الابن الأرشد و الأفضل و الأعلم لآية الله المعظّم و حجّة الله المكرّم الحاجّ السيّد الميرزا علي القاضي أعلى الله مقامه المنيف، سماحة السيّد المحترم فخر الفضلاء العظام و عماد العشيرة الفخام و سيّد البررة الكرام، الابن الجسميّ و الروحيّ لذلك الفقيد: السيّد محمّد حسن القاضيّ الطباطبائيّ التبريزيّ أدام الله أيّام ظلاله و بركاته قد شرع بتأليف كتاب على قدر من التفصيل و الشرح لأحوال والده المعظّم المرحوم القاضي، ربّما يجد طريقه سريعاً إلى الطبع و النشر بحمد الله و منّه؛ جاء في جزئه الثاني شرح أحوال تلامذة هذا الرجل الإلهيّ الكبير و ترجمة أحوالهم، و قد أوصاني هذا السيّد العزيز المكرّم عبر رسائل شفويّة و خطّيّة بالكتابة عن سماحة السيّد هاشم الحدّاد رضوان الله تعالى عليه بما علمتُ عنه كي اقدِّمها

    1. يقول: «أمّا تلك الشمس التي وجد الأثير و الكائنات منها، فنظيرها يعزّ في الذهن و في الخارج.
      و أنّي يكون هناك متّسع لتصوّر ذاتها، من أجل أن يتحقّق مثيلها في التصوّر!».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

18
  • لمحضره.

  • لذا، فقد عقدتُ العزم امتثالًا لأمره الذي هو في الحقيقة امتثال أمر والده المرحوم، على كتابة رسالة -و لو مختصرة- في مدى فهم الحقير و إدراكه؛ و ها أنا اقدِّمها لسماحته و لأرباب السلوك و المعرفة مع الاعتراف بالعجز و الإقرار بالقصور. ﴿و ما توفيقي إلّا بالله عليه توكّلت و إليه انيب﴾‌ و هو خير هادٍ إلى سواء السبيل.

  • و كان الشروع في هذه الرسالة ضحى يوم الثلاثاء الخامس عشر من شهر رجب المرجَّب لسنة ألف و أربعمائة و اثني عشر هجريّة قمريّة، في البلدة الطيِّبة للمشهد الرضويّ المقدَّس على شاهده آلاف التحيّة و الإكرام و السلام و الإنعام؛ و سمّيتها «الروح المجرَّد: في ذكرى الحاجّ السيّد هاشم الحدّاد قُدّس سرّه».

  • و أنا العبد الحقير الفقير المسكين المستكين‌

  • السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ‌

  • عفى الله عن جرائمه‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

19
  •  

  •  

  • القِسْمُ الأوّلُ: مُقَدِّمَةُ التَّشَرُّفِ وَ التَّوْفِيقِ لِمَحْضَرِ سَمَاحَةِ الحدَّادِ وَ مَلازَمَتِهِ‌

  •  

  •  

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

21
  •  

  •  

  • بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‌

  • وَ صَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا و نَبِيِّنَا محمّد وَ آلِهِ الطَّيِّبِينَ‌

  • وَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى أعْدَائِهِمْ أجْمَعِينَ، وَ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاللهِ العَلِيّ العَظِيمِ‌

  • وَ هُوَ حَسْبُنَا وَ نِعْمَ الوَكِيلُ، نِعْمَ المَولَى وَ نِعْمَ النَّصِيرُ

  •  

  •  

  • تَحَصَّنْتُ بِالمَلِكِ الحَيّ الذي لَا يَمُوتُ، وَ اعْتَصَمْتُ بِذِي العِزَّةِ وَ العَدْلِ وَ الجَبَرُوتِ، وَ اسْتَعَنْتُ بِذِي العَظَمَةِ وَ القُدْرَةِ وَ المَلَكُوتِ؛ عَنْ كُلِّ مَا أخَافُهُ وَ أحْذَرُهُ.۱

  • اللهمّ صلِّ و سلّم و زد و بارك على صاحب الدعوة النبويّة، و الصولة الحيدريّة، و العصمة الفاطميّة، و الحلم الحسنيّة، و الشجاعة الحسينيّة، و العبادة السجّاديّة، و المآثر الباقريّة، و الآثار الجعفريّة، و العلوم الكاظميّة، و الحجج الرضويّة، و الجود التقَوية، و النقاوة النقويّة، و الهيبة العسكريّة، و الغيبة الإلهيّة. اللهمَّ عجِّل فرجه، و سهِّل مخرجه، و اجعلنا من شيعته و أعوانه و أنصاره.٢

  • صلِّ اللهمَّ على التجلِّي الأعظم، و كمال بهائك الأقدم، شجرة

    1. من أدعية «الصحيفة العلويّة الثانية» ص ۷٥، الطبعة الحجريّة: و كان من دعائه عليه السلام عند كلّ نازلة أو شدّة.
    2. الصلوات المعروفة للخواجة نصير الدين الطوسيّ رحمة الله عليه.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

22
  • الطور، و الكتاب المسطور، و النور على النور في طخياء۱ الدَّيْجور، علم الهدى، و مجلي العمى، و نور أقطار الورى، و بابك الذي منه تُؤتَى، الذي يملأ الأرض قسطاً و عدلًا كما ملئت ظلماً و جوراً.

  • مقدِّمة التشرّف لمحضر سماحة الحدّاد

  • كان متعارفاً بين طلبة النجف الأشرف و فضلائها و علمائها في أيّام الزيارات المخصوصة لمولى الكونَينِ أبي عبد الله الحسين سيّد الشهداء عليه و على أبيه و امّه و جدّه و أخيه و التسعة الطاهرة من أبنائه صلوات الله و سلام ملائكته المقرّبين و الأنبياء و المرسلين، كزيارة عرفة و زيارة الأربعين و زيارة النصف من شعبان، أن يذهبوا من النجف الأشرف إلى كربلاء المقدّسة سيراً على الأقدام، إمّا عن الطريق الصحراويّ المُعَبَّد المستقيم، و طوله ثلاثة عشر فرسخاً، أو عن الطريق المحاذي لشطّ الفرات، و طوله ثمانية عشر فرسخاً. و كان الطريق الصحراويّ قاحلًا يخلو من الماء و الخضرة، لكنّه قصير يمكن للمسافرين أن يطوونه بسرعة خلال يوم أو يومين، على العكس من الطريق المحاذي لشطّ الفرات الذي كان يتعذّر السفر فيه بالسيّارة، فكان ينبغي السير خلاله على الأقدام أو بامتطاء الحيوانات. و كان هذا الطريق منحرفاً غير مستقيم، لكنّه -في المقابل- يتميّز بالخُضرة و تتخلّله بساتين الأشجار و النخيل اليانعة و بين كلّ عدّة فراسخ ثمّة أماكن لاستضافة المسافرين (و هي مضائف مصنوعة من الحصير تعود لشيوخ العرب يستقبلون فيها القادمين فيضيّفونهم مجّاناً مهما شاءوا الإقامة عندهم). و كان الطلبة يسيرون نهاراً ثمّ يأوون إلى هذه‌

    1. الطَّخْواءُ و الطَّخْياءُ من الليالي: المظلمة.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

23
  • المضايف ليلًا فيبيتون فيها، و كان سفرهم في هذا الطريق المحاذي للنهر يستغرق في الغالب يومين أو ثلاثة.

  • الذهاب إلى كربلاء مشياً على الاقدام في النصف من شعبان ۱٣۷٦ هجريّة

  • و لم يوفَّق الحقير خلال مدّة إقامتي في النجف الأشرف، التي دامت سبع سنين، للسفر إلى كربلاء مشياً على الأقدام إلّا مرّتين فقط؛ ذلك لأنّ الوالدة المرحومة كانت على قيد الحياة و بالرغم من عدم ممانعتها للسفر، إلّا أنّ الحقير كان يري آثار الاضطراب عليها، لذا لم أتقدّم للانضمام إلى مواكب المشاة لغاية السنة أو السنتين الأخيرتين من إقامتنا في النجف، حيث رأيت تناقص ذلك الاضطراب عندها من خلال إقامة العلاقات مع العوائل النجفيّة، لذا فقد أرسلتها إلى كربلاء مع بعض المسافرين و الزوّار الإيرانيّين الذين كانوا قد و فدوا علينا، و صحبتُ الرفقاء في المسير إلى كربلاء.

  • و كان الحقير في هذين السفرين في معيّة سماحة آية الله الشيخ عبّاس القوجانيّ أفاض الله علينا من رحماته و بركاته، و كان هناك أيضاً سماحة آية الله المرحوم الشيخ حسن علي نجابت الشيرازيّ، و سماحة حجّة الإسلام و المسلمين السيّد محمّد مهدي دستغيب الشيرازيّ الأخ الأصغر للمرحوم الشهيد دستغيب، و قد صحبنا في السفر الثاني أحد الطلبة ممّن له معرفة بآية الله القوجانيّ و اسمه السيّد عبّاس ينگجي، و شخص آخر من مريديه و كان من رجالات طهران المعروفين.

  • و كان هذا الأخير يمتلك بحقّ صفاءً و نزاهة و عشقاً لأهل بيت الولاية، و لا يزال بحمد الله على قيد الحياة. و كان قد قَدِم إلى النجف الأشرف للتشرّف بالزيارة، فقال للفقيد السعيد آية الله الحاجّ الشيخ عبّاس: أرغب أن أرتدي يوماً ملابس العمل و أندسُّ بين العمّال الذين يعملون في إصلاح و تبييض جدران أروقة الصحن و تزيينها بالمرايا فأعمل‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

24
  • معهم من الصبح إلى غروب الشمس.

  • فردعه آية الله الحاجّ الشيخ عبّاس -و كان الوصيّ الرسميّ للمرحوم القاضي في أمر الطريقة و الأخلاق و السلوك إلى اللهـ عن هذا العمل و قال له: أنت رجل معروف و مشهور، و مهما أخفيت هذا العمل الجميل الحسن فسينكشف أمره في النهاية و يصبح حديث الألسن، و لربّما كان الغرور و العجب الذي سيتداخلك من هذا العمل أكثر ضرراً عليك ممّا يعود عليك منه. و أرى أنّه من الأنسب، بدلًا من نيّتك الخيرة الحسنة هذه، أن تأتي معنا إلى كربلاء ماشياً في أيّام الزيارة المخصوصة للنصف من شعبان! فلن يعرف أحد بهذا الأمر، و إذا ما عرف به فلن يكون مدعاة لإثارة الضجّة كذاك، و لن تصحبه العواقب الروحيّة الوخيمة لكم.

  • فاقتنع ذلك الرجل المحترم بهذا الكلام و استعدّ للسفر ماشياً، حيث بدأ هذا السفر صباح اليوم الثاني عشر من شهر شعبان المعظّم لسنة ألف و ثلاثمائة و ستّ و سبعين هجريّة قمريّة، و استغرق أيّاماً ثلاثةً و ليلتين؛ و ردنا بعدها كربلاء المقدّسة عصر يوم الرابع عشر.

  • و مع أنّ هذا السفر مشياً على الأقدام كان أمراً كثير الصعوبة لشخص متنعِّم مُرَفَّه لا عهد له بحياة الطلبة الشاقّة، لكنّ هذا الرجل كان من المحبّين و الموالين لأهل البيت حقيقةً؛ فلم يواكب سائر الرفقاء في هذا الطريق الشاقّ فقط، بل تميّز أيضاً بعشق و ولهٍ خاصّ، و كان خلال السفر يبكي بدموع غزيرة و يتمتم مع نفسه بهذا الشعر الغزليّ لحافظ عليه الرحمة:

  • صَبا به لطف بگو آن غزال رعنا را***كه عشق كوه و بيابان تو داده‌اى ما را
  • شكر فروش كه عمرش دراز باد چرا***تفقّدى نكند طوطى شكر خارا

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

25
  • غرور حسن اجازت مگر نداد اى گل‌***كه پرسشى نكنى عندليب شيدا را
  • به خُلق و لطف توان كرد صيد أهل نظر***ببند و دام نگيرند مرغ دانا را
  • ندانم از چه سبب رنگ آشنائى نيست‌***سهى قدان سيه چشم ماه سيما را
  • چو با حبيب نشينى و باده‌پيمائى‌***بياد دار محبّان بادپيما را
  • جز اين قدر نتوان گفت در جمال تو عيب‌***كه وضع مهر و وفا نيست روى زيبا را
  • در آسمان چه عجب گر بگفتة حافظ***سماع زُهره به رقص آورد مسيحا را۱
    1. «ديوان الخواجة حافظ» ص ٥، الغزل رقم ٩، طبعة پژمان، انتشارات بروخيم، سنة ۱٣۱۸ هـ. ق.
      يقول: «قولي بلطف -يا ريح الصَّبا- لذاك الغزال الفاتن المختال، هيّمتنا بين صحاري و قفارٍ و جبال.
      و لِمَ لا يتفقّد بائعُ السكّر -طال عمرهـ الببغاءَ المشغوف بحَبَّات السكّر المنثال!
      ربّما لم يُجْزِكِ غرورك -أيّتها الوردة- أن تسألي العندليب المتيَّم أيّ سؤال.
      و بالخلق و اللطف يمكن صيد أهل النظر، أمّا الطائر الحذر فلا يُصاد قطّ بشباكٍ و حبال.
      و لستُ أدري لِمَ لا يكون للصداقة لون، عند طوال القدّ، سوداوات العيون، ذوات الوجوه كالأقمار.
      فإذا جالستَ الحبيب و بدأت معه الشراب، فتذكّر العشّاق الذين سلكوا طريق الوصال.
      و لست أستطيع أن أعيب في جمالك شي‌ء، إلّا أنّ الحبّ و الوفاء لا يكون في أصحاب الوجوه الجميلة.
      و لا عجبَ لو غنّت بحديث حافظ «الزُّهرة» في السماء، فتمايل المسيح طرباً لذاك المقال!».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

26
  • و كان يبتعد أحياناً عن الرفقاء لينشغل بنفسه أكثر و ليعرض -على انفراد- مناجاته و لوعته و لهفته. و صادف أن هطل المطر من منتصف الطريق فما بعد، فاستحال الطريق الترابيّ و حلًا، لكنّ هذا الرجل لم يكن ليأبه حين تنغرز قدماه في الوحل، و هكذا فقد سار حتّى لاحت طلائع مدينة كربلاء من على بُعد فرسخ تقريباً، فخلع نعليه من قدميه و شدّهما ببعضهما ثمّ علّقهما حول عنقه.

  • و لقد توجّهنا و سائر الرفقاء و مَن كان معنا، و آثار التراب و الطين تلوح علينا، بلا غسل الزيارة، إلى الحرم الأنور فتشرّفنا بزيارته، و قد استغرقت هذه الزيارة أقلّ من ساعة، و توجّهنا بعدها نحو قبر أبي الفضل العبّاس عليه السلام فزرناه على تلك الحال و الهيئة.

  • و كان أحد الرفقاء من أهل الكاظميّة، و اسمه الحاجّ عبد الزهراء الگرعاويّ، قد دعانا للعشاء تلك الليلة في الفندق و المسجد اللذين حلّ فيهما، لذا فقد توجّه جميع الرفقاء حين حلّ الليل إلى حمّام المخيّم للقيام بغسل زيارة النصف من شعبان، ثمّ توجّهنا جميعاً لزيارة الحرمين المطهّرين الشريفين، و اجتمعنا بعدها عند الحاجّ عبد الزهراء، و انشغلنا بإحياء تلك الليلة بقراءة القرآن و الدعاء حتّى طلوع الفجر، ثمّ صلّينا صلاة الفجر في الحرم المطهّر وعدنا بعد طلوع الشمس للاستراحة و استرخاء الأعصاب، و تهيّأنا بعدها جميعاً للقيام بغسل زيارة يوم النصف من شعبان و التشرّف بزيارة الحرمين الشريفين.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

27
  • عودة آية الله الشيخ عبّاس إلى النجف و تشرّف الحقير بلقاء الحدّاد

  • و كان من المقرّر بعد أداء الزيارة الكاملة أن يعود آية الله القوجانيّ إلى النجف و أنا في معيّته فقط؛ أمّا الحاجّ الشيخ حسن علي نجابت و الحاجّ السيّد محمّد مهدي دستغيب -اللذان كانا قد قَدِما من إيران للزيارة- فكان من المقرّر أن يعودا برفقة ذلك الشخص المحترم إلى شيراز و طهران قبل حلول شهر رمضان؛ كما عزم السيّد عبّاس على العودة إلى النجف عصر ذلك اليوم أو غده. و هكذا فقد ذهبتُ مع سماحة الحاجّ الشيخ عبّاس إلى موقف سيّارات النجف للعودة إليها.

  • ثمّ إنّ الحقير سأله في الطريق: أ ترغبون أن نذهب لرؤية السيّد هاشم النعلجيّ؟! (و ذلك لأنّه لم يكن قد تشرّف بعدُ بحجّ بيت الله الحرام؛ و كان عمله صناعة حدوات الخيول و تثبيتها في أرجلها، فاشتهر بين الرفقاء بالسيّد هاشم النعلجيّ. ثمّ سمعنا أنّ أحد مريديه من سكنة كربلاء -و هو الحاجّ محمّد علي خلف زاده، و كان حذّاءً يصنع الأحذية، و له علاقة حميمة بالسيّد- قد غيّر هذا اللقب بنفسه إلى الحدّاد احتراماً؛ فصار الرفقاء بعد ذلك يدعونه بالحدّاد.

  • أجاب سماحته: لقد كان دكّانه لصنع الحدوات يقع سابقاً في‌ العَلْوَة (ميدان الخضار) جنب البلديّة، و في وسط المدينة و هو مكان قريب جدّاً، و كنت أعرف عنوانه و أذهب إليه، ثمّ إنّه غيّره فصار بعيداً جداً، و صرت أجهل عنوانه؛ مضافاً إلى ضرورة عودتي سريعاً إلى النجف، لذا فلا مجال لديّ الآن لذلك؛ فلنَدَعْ ذلك إلى فرصة اخرى!

  • قلت: لست في عجلة للعودة الآن، أ فتسمحون لي بالبقاء لزيارته؟! أجاب: نعم، لا بأس بذلك. فقام الحقير بتوديع سماحته،

  • المرّة الاولى لتشرّف المصنِّف في محضر سماحة الحدّاد

  • ثمّ عدتُ فاستفسرت ممّن في العَلْوَة و ميدان الخضار المعروف في كربلاء عن عنوان السيّد الجديد. فقيل لي: إنّه يقع خارج المدينة خلف مركز الشرطة، و هو

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

28
  • يعمل في دكّان له في إصطبل مديريّة الشرطة.

  • و هكذا فقد قطع الحقير شارع العبّاسيّ المنتهي بمديريّة الشرطة و سألت في آخره عن الإصطبل فدلّوني عليه، فدخلت ساحة كبيرة مُسَيَّجة تقرب مساحتها من ألف متر مربّع انتظمت محيطها حظائر الخيول المنهمكة في تناول العلف. فسألت هناك: أين يقع محلّ السيّد هاشم؟ قيل: في تلك الزاوية!

  • توجّهتُ إلى تلك الزاوية، فشاهدت: دكّة صغيرة تقرب أبعادها من ٣ × ٣متراً، يقف فيها سيّد شريف خلف سندان حديديّ و قد غطس نصف جسده في الأرض، بشكل يجعل في متناول يديه الفرن الواقع إلى اليمين و السندان الذي يقابله، و كان منهمكاً بطرق الحديد لصناعة الحدوات، و إلى جانبه مساعده.

  • كان وجهه متوهّجاً كوردة حمراء تلتمع فيه عيناه أشبه بياقوتتَينِ حمراوين، و قد اكتنف الغبار و ذرّات الفحم و دخان الفرن رأسه و وجهه، كان حقّاً و حقيقةً عالَماً عجيباً، يمدّ يده بالمقبض إلى الفرن فيُخرج الحديد المبيضّ و يضعه على السندان فينهال عليه طرقاً بالمطرقة بِيَدِه الاخرى. عجباً! أيّ أمر هذا؟! و أيّ حساب و كتاب؟! و ما الذي ينطوي عليه؟!

  • دخلت فسلّمتُ، ثمّ قلت: جئت لتسمِّروا في قدمي نعلًا!

  • فرفع سبّابته تجاه أنفه فوراً و قال: صه! ثمّ صبّ قدحاً من الشاي المعطّر ذي المذاق اللطيف من إناء الشاي الموضوع على جانب الفرن و وضعه أمامي و قال: باسم الله، تفضّل!

  • و لم تدم لحظات حتّى بعث بالمساعد بحجّة إنجاز عمل و شراء شي‌ء ما، فلمّا غادر المساعد المحلّ، التفت السيّد إلى فقال: أيّها السيّد العزيز! هذا الكلام محترم جدّاً؛ فَلِم تلفظون كلاماً كهذا أمام معاوني الذي يجهل‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

29
  • مثل هذه الامور؟!

  • ثمّ صبّ لي قدحاً آخر من الشاي و صبّ لنفسه آخر، و بينما كان يستمرّ في عمله فلا يغفل عن الفرن و المطرقة و المقبض لحظة واحدة، أنشد لي هذه الأشعار بلحن بديع و صوت رخيم يتفجّر عشقاً و هيجاناً و ينثال جاذبيّة و روحانيّة.

  • روستائى گاو در آخُر ببست‌***شير گاوش خورد و بر جايش نشست‌
  • روستائى شد در آخُر سوى گاو***گاو را مى‌جست شب آن كنجكاو
  • دست ماليد بر أعضاى شير***پشت و پهلو گاه بالا گاه زير
  • گفت شير ار روشنى افزون بدى‌***زهره‌اش بدريدى و دلخون شدى‌
  • اين چنين گستاخ زان مى خاردم‌***كو در اين شب گاو مى‌پنداردم‌
  • حق همى گويد كه اى مغرور كور***نى ز نامم پاره پاره گشت طور۱
    1. «مثنوي»؛ ج ٢، ص ۱۱٦، السطر ۸ إلي ۱٢، طبعة آقا ميرزا محمود الحجريّة.
      يقول: «شدّ قرويّ ثوره في الحظيرة، فجاء أسد و افترسه و جلس مكانه.
      و في الليل جاء القرويّ إلي الحظيرة ليتفحّص الثور و يتفقّده.
      فكان يمسح علي أعضاء الأسد بيده، يمسح علي ظهره و جنبه، أعلاه و أسفله.
      فقال الأسدُ: لو ازداد الضوء لمات الرجل فزعاً و تفطّر كبده هلعاً.
      فهو يحكّ جلدي و يلمس جسدي بهذه الوقاحة و يحسبني في ظلام الليل ثوراً. يقول الحقّ دوماً: أيّها الأعمي المغرور! أ لم يخرّ جبل الطور من اسمي مندكّاً؟!».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

30
  • كه لو أنزلنا۱ كتاباً للجبل‌***لا نصدع ثم انقطع ثم ارتحل‌
  • از من ار كوه احد واقف بدى‌***پاره گشتىّ و دلش پر خون شدى‌
  • از پدر و از مادر اين بشنيده‌اى‌***لاجرم غافل در اين پيچيده‌اى‌
  • گر تو بى‌تقليد زان واقف شوى‌***بى‌نشان بى‌جاى چون هاتف شوي‌٢
  • ثمّ عاد المساعد، فقال السيّد: موعدنا معكم في المنزل لأداء الصلاة. ثمّ أعطاني عنوان المنزل.

  • إقامة صلاة الظهر ليوم النصف من شعبان في منزل الحدّاد و بإمامته‌

  • و هكذا فقد ذهبتُ قُبيل أذان الظهر إلى منزله في شارع العبّاسيّة، شارع البريد، جنب منزل الحاجّ صمد الدلّال. و كان منزلًا بسيطاً، يضمّ عدّة غرف بسيطة مبنيّة على الطراز العربيّ، و في زاويته نخلة. و كان بيته ذا طابق واحد، لذا فقد قادونا إلى السطح حيث كان السيّد هناك و قد فرش‌

    1. يقول في هامش «المثنويّ»: لو أنزلنا إشارة إلي الآية في سورة المجادلة: ﴿لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى‌ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾.
      أقول: بل إنّ هذه الآية هي الآية ٢۱، من سورة ٥٩: الحشر.
    2. يقول: «فلو أنزلنا كتاباً علي الجبل، لتصدّع ثمّ لتقطّع ثمّ تناثر هباءً منثوراً.
      و لو وقف علي أمري جبل احُد، لانتسف و تخضّب قلبه دماً.
      لكنّك لُقِّنتَ هذا و سمعته سماعاً من أبيك و امّك، فكنتَ -لا جَرَم- غافلًا عنه.
      و لو وقفت علي هذا الأمر يقيناً بلا تقليد، لصرتَ كالهاتف لا يُلمَس لك أثر و لا يحتويك مكان».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

31
  • سجّادته و استعدّ للصلاة؛ و كان هناك شخص واحد من مريديه و هو الحاجّ محمّد علي خلف زاده يريد الاقتداء به في الصلاة؛ و اتّضح بعد ذلك أن الحاجّ محمّد علي كان غالباً ما يصلّي الظهر في معيّته. فاقتديت به كذلك، و اقيمتْ صلاة الجماعة بمأمومَينِ فقط. و قد أبدى السيّد منتهى اللطف و المحبّة، ثمّ قال: فلتذهبوا إلى النجف، و لقاؤنا في السفر القادم إن شاء الله تعالى.۱

    1. و ما أشبه حالي أنا الهائم التعب بعد أن هدّتني السنين المتمادية، في وصولي إلى نبع الحياة و مركز عشق الذات السرمديّة هذا بغزل الخواجة رضوان الله عليه حيث يقول:
      هر چند پير و خسته دل و ناتوان شدم‌***هرگه كه ياد روى تو كردم جوان شدم‌
      شكر خدا كه هر چه طلب كردم از خدا***بر منتهاى مطلب خود كامران شدم‌
      در شاهراهِ دولت سرمَد به تخت بخت‌***با جام مى به كام دل دوستان شدم‌
      اى گلبن جوان برِ دولت بخور كه من‌***در ساية تو بلبل باغ جهان شدم‌
      از آن زمان كه فتنة چشمت به من رسيد***ايمن ز شرّ فتنة آخر زمان شدم‌
      أوّل ز حرف لوح وجودم خبر نبود***در مكتب غم تو چنين نكته دان شدم‌
      آن روز بر دلم در معنى گشوده شد***كز ساكنان درگه پير مغان شدم‌
      قسمت حوالتم به خرابات مى‌كند***هر چند كاينچنين شدم و آن‌چنان شدم‌
      من پير سال و ماه نيم يار بى وفاست‌***بر من چو عمر مى‌گذرد پير از آن شدم‌
      دوشم نويد داد عنايت كه حافظا***باز آ كه من به عفو گناهت ضمان شدم
       *** «ديوان حافظ الشيرازيّ» ص ۱٥۰ و ۱٥۱، الغزل ٣٣٥، طبعة پژمان، انتشارات بروخيم، سنة ۱٣۱۸ هـ. ق.يقول: «إنّي و إن أصبحت عجوزاً عاجزاً جريح القلب و لكنّني كلّما تذكّرت وجهك عدت شابّاً.فشكراً للّه على ما سألته من دعوات، فوفقاً لمنتهى همّتي أصبحت نافذ الرغبات.و غدوت إلى عرش الحظّ السعيد في طريق السعادة السرمديّة و أنا هانئ القلب أحمل كأس الشراب مزوّداً بدعوات الأحبّة و الأصحاب.و يا شجيرة الورد الرطيبة اهنئي و اسعدي بثمار دولتك السعيدة فقد أضحيتُ فيظلالك البلبل الفريد في روضة العالم.و منذ فتنني سحر طرفك الفتّان، فقد أصبحت آمناً من شرّ فتنة آخر الزمان.و لم يكن لي علم في البداية بالعالم الأسفل و الأعلى و ما بهما من حقائق، و لكنّني تعلّمت في مدرسة الحزن عليك كثيراً من النكات و أصبحت خبيراً بالدقائق.و تفتّحت أبواب المعاني أمام قلبي، حين أصبحت من المقيمين على أعتاب شيخ العرفاء.و ها هي «القسمة» الأزليّة تحيلني إلى الخرابات، و إن كنتُ مصداقاً للأنوار الجلاليّة أو مظهراً للأنوار الجماليّة.و لستُ عجوزاً طاعناً في السنّ و لكنّ الحبيب ليس له وفاء، فأخذ يمرّ بي كما يمرّ العمر في غير تريّث، و لذلك أضحيت متقدّم السنّ قريب الفَناء.و ليلة أمس زَفَّتْ إليّ العناية البشرى بقولها: يا حافظ إرجع إليّ فإنّي ضامنة لك عفو ذنوبك كلّها».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

32
  • فقبَّلتُ يديه و ودّعته ذلك اليوم: النصف من شعبان، و عدتُ قافلًا إلى النجف.

  • التشرّف بزيارة كربلاء المقدّسة في شهر رمضان المبارك‌

  • و لمّا كانت حوزة النجف تعطِّل دروسها في شهر رمضان المبارك، فقد استثمر الطلبة ليالي هذا الشهر في دراسة الدروس الاستثنائيّة المختصرة و التي لا تعدّ من الدروس الرسميّة، كاصول العقائد و الرسائل الصغيرة؛ مثل «قاعدة لاضرر» و «مسألة إرث الزوجة» و «قاعدة الفراغ» و «قاعدة لا تعاد الصلاة» أو بحث «فروع العلم الإجماليّ»، و كان الحقير، مضافاً إلى عدم مشاركتي في أشهر رمضان السابقة في هذه الدروس، و قضائي الليالي -تبعاً لأمر آية الله الشيخ عبّاس- ببعض الأدعية و الأوراد و قراءة سورة القدر أو سورة الدخان؛ قد وجدتُ لديّ رغبةً هذه السنة للتشرّف بزيارة كربلاء المقدّسة لزيارة الحرمين المباركين و للقيام بتلك الأعمال في كربلاء، و للاستفادة من محضر الحاجّ السيّد هاشم.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

33
  • و هكذا اصطحبت الوالدة و الأهل مع طفلَيّ الصغيرين: السيّد محمّد صادق و كان له آنذاك أربع سنين، و السيّد محمّد محسن و كان له سنتان و خمسة أشهر، و تشرّفنا بالذهاب إلى كربلاء لقضاء الشهر المبارك. فاستأجرنا غرفة في الحسينيّة البحرانيّة في الزقاق المجاور للمخيّم الحسينيّ (خيمه گاه) بمبلغ بسيط، فبسطنا فيها أمتعتنا المتواضعة.

  • و صادف ذلك الوقت في صيف قائظ، حيث الليالي قصيرة جدّاً، لذا فقد جرت العادة طوال الشهر على أن أسهر في الليل و أنام في النهار إلى ما قبل الظهر بساعتين، أستعدّ بعدها للتشرّف بزيارة الحرم المطهّر و الصلاة فيه، ثمّ التشرّف بالذهاب إلى الحرم المطهّر لأبي الفضل العبّاس عليه السلام ثمّ أقوم بعد أداء الزيارة بتهيئة ما يحتاج إليه المنزل و أبقى في البيت إلى الغروب. ثم أتشرّف بعد أداء صلاتَي المغرب و العشاء و تناول الإفطار و بعد انقضاء ساعتين من الليل بالذهاب إلى منزل السيّد فأعود إلى البيت قرب أذان الصبح لتناول السحور. و كان السيّد قد عيّن بنفسه أوقات اللقاء في الليل، إذ كان يذهب للعمل نهاراً.

  • المبيت خلال شهر رمضان في محضر الحاجّ السيّد هاشم في دكّة

  • و كان محلّ الاجتماع دكّة جنب المسجد الذي كان السيّد يتعاهد أمر تنظيفه، و هي دكّة بطول و عرض ٢، ٢ متراً تقريباً و ينخفض سقفها إلى الحدّ الذي يتعذّر الصلاة فيه من قيام، إذ كان الرأس يرتطم به آنذاك. و في الحقيقة فإنّها لم تكن غرفة، بل محلًّا زائداً كان البنّاء قد أوجده هناك كمخزن أسفل الدرج المؤدّي إلى سطح المسجد۱، لكنّ السيّد الحدّاد كان قد اختار ذلك المكان في المسجد لخلوته بنفسه و ذلك لظلمته و عزلته، و كان‌

    1. و بعد توسيع شارع العبّاسيّة الذي شمل قسماً من ذلك المسجد، من بينه الدرج و تلك الغرفة، فقد ازيلت الدكّة و لم يبق منها أيّ أثر حاليّاً.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

34
  • مناسباً جدّاً للدعاء و قراءة القرآن و الأوراد و الأذكار التي يعطيها المرحوم القاضي، و خاصة للسجدات الطوال؛ أمّا الصلاة فكان السيّد يقيمها داخل المسجد، و كان يقتدي في الصلوات الواجبة بإمام جماعة ذلك المسجد و اسمه الشيخ يوسف.

  • و كان في تلك الدكّة «سماور»۱ و أدوات إعداد الشاي، و في جانب الدكّة قدر من أثاث المسجد ملقى. فيا للّه من هذه الدكّة بهذا الوضع و الكيفيّة التي لم يكن يعلم بها غير المرحوم القاضي نفسه، حيث كان يأتيها أثناء تشرّفه للقدوم إلى كربلاء المقدّسة! و لم يكن أحد ليعلم بعظمتها و روحانيّتها إلّا أمثال بعض أصدقاء الحدّاد، مثل الحاجّ حبيب السماويّ، و الحاجّ عبد الزهراء الگرعاويّ، و الحاجّ أبي موسى محيي، و الحاجّ أبي أحمد عبد الجليل محيي، و البعض الآخر ممّن شاهدها أو بات فيها.

  • و هكذا، فقد أضاف الحاجّ السيّد هاشم، في تلك الدكّة الحقير، جميع ليالي الشهر المبارك، و يا لها من ضيافة!

  • و لم يكن الحاجّ أبو موسى محيي و الحاجّ حبيب السماويّ و رشيد الصفّار قد تعرّفوا عليه في ذلك الوقت، فقد تعرّفوا عليه بعد ذلك. فكان رفقاؤه و ملازموه هم الحاجّ محمّد علي خلف زاده من كربلاء و الحاجّ عبد الزهراء من الكاظميّة، ثمّ انضمّ أخيراً في الليالي الأخيرة الحاجّ أبو أحمد عبد الجليل محيي، و كان أعزباً آنذاك، و عُرف بعد ذلك بأبي نبيل ثمّ بأبي أحمد.

  • بيان عشق المرحوم السيّد الحدّاد و شوقه‌

  • كان الليل ينقضي إلى قرب الأذان في الحديث و قراءة القرآن‌

    1. وعاء معدنيّ في وسطه مكان لإشعال النار، يستعمل لغلي الماء و صنع الشاي. (م)

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

35
  • و البكاء و قراءة أشعار ابن الفارض و تفسير النكات العرفانيّة العميقة و دقائق أسرار عالم التوحيد و العشق و الهيام الذي لا يوصف لأبي عبد الله الحسين عليه السلام. و كان باب المكاشفات مفتوحاً للرفقاء الحاضرين في تلك الجلسات، و خاصّة للحاجّ عبد الزهراء، و كان الحاجّ عبد الزهراء يبيِّن مطالب شيِّقة، ممّا جعل شهر رمضان ذاك مشحوناً بالهيجان و الطلاقة و البساطة بشكل يبعث على العَجب. و كان الحاجّ عبد الزهراء يبكي فى تلك المجالس حتّى تتورّم عيناه، و يدوم ذلك منه ساعات، ثمّ يقوم إلى داخل المسجد فيديم البكاء و يهوي للسجود على حصير مفروش هناك.

  • كان طافحاً بالوَلَه و اللوعة و الشوق اللاهب، ذلك اللهب المحرق الذي كان يمتدّ إلى الآخرين فيؤثِّر فيهم.

  • قال لي سماحة السيّد الحدّاد ذات ليلة بعد ذهاب الحاجّ عبد الزهراء إلى المسجد بعد البكاء الطويل المقرح للعيون: يا سيّد محمد الحسين! أ ترى هذا البكاء و هذه اللوعة؟ إنّ لديّ ما يزيد عليها مائة «قاط» (مائة ضعف) لكنّ ظهورها و بروزها بشكل آخر.

  • هذا و قد اعتاد الحقير على العودة إلى المنزل قبل الأذان بثلاثة أرباع الساعة، و كان الطريق يستغرق عشر دقائق تقريباً؛ فقال لي السيّد ذات ليلة: لما ذا تنهض كلّ ليلة و تذهب إلى البيت لتناول السحور؟ إنّني أجلب معي بعض الطعام فأتسحّر به، فابق معي نتسحّر سويّاً!

  • و هكذا بقيت معه في الليلة التالية للسحور، فذهب قرب الأذان إلى منزله -و لم يكن يبعد عن المسجد كثيراً- و عاد بخوان، و كان عبارة عن قميص عربيّ (دشداشة) لأحد أبنائه، و قد وُضع فيه قَدَرٌ من الفجل و التمر و رغيفان من الخبز؛ فوضعه على الأرض و قال: باسم الله!

  • و لقد أمضينا تلك الليلة بقدر من الخبز و الفجل و بضع تميرات، ثمّ‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

36
  • حلّ اليوم التالي فأحسست عصراً أنّ قدرتي قد تلاشت من شدّة الضعف و الجوع، و كان النهار طويلًا جدّاً و الهواء لافحاً من شدّة الحرارة، فقلت في نفسي: إنّ هذا الغذاء لا يلائمني، و إن دام الأمر على هذا الوضع فسأسقط مريضاً و أعجز عن الصيام. و من ثمّ فقد كنت بعد ذلك أتناول السحور معه ثمّ أعود إلى البيت فوراً فأتناول قدراً من ماء اللحم المطبوخ أو الطبيخ الذي يعدّونه في البيت، أو آخذ السحور معي من المنزل فنتسحّر سويّاً به.

  • أما نومه: فلم أره ينام خلال هذا الشهر الكامل، فقد كان يسهر الليل إلى طلوع الفجر بالتهجّد و الدعاء و الذِّكر و السجود و التأمّل و التفكّر، و كان يذهب صباحاً إلى عمله في محلّ مديريّة الشرطة بعد شراء الخبز و احتياجات المنزل، و كان يصلّي الظهر في البيت ثمّ يتشرّف بزيارة حضرة الإمام؛ و يقال إنّه لم يكن ينام العصر مطلقاً. و كان أحياناً يحسّ بالتعب في بدنه صباحاً فيذهب إلى الحمام الواقع في نهاية الشارع فيعيد النشاط إلى جسمه بالاستحمام بالماء الحارّ، أو إنّه كان أحياناً يستلقي صباحاً للاسترخاء ثمّ ينهض فيذهب للعمل، ذلك العمل الشاقّ المرهق. و لم يكن ليصنع الحدوات فقط، بل كان عليه أيضاً أن يقوم بتسميرها في أقدام الخيول، لكنّ ذلك الوُجْد و تلك الحال و تلك الشعلة المتأجِّجة في أعماقه لم تكن لتدعه يستريح لحظة واحدة.

  • و انقضى شهر رمضان على هذه الحال. و لم يُشاهَد الهلال في الليلة التي احتُمل أنّها ليلة العيد، فاقترح بعض رفقاء الطريق -كشُكر لإتمام صيام شهر رمضان- السفرَ إلى النجف للتشرّف بالسلام و الزيارة؛ و لكي يفطروا هناك في اليوم التالي إن ظهر أنّه من شهر رمضان.

  • و هكذا فقد تشرّفنا بالذهاب إلى النجف عصر يوم التاسع و العشرين‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

37
  • بسيّارة الحاجّ عبد الزهراء التي يدعونها بـ «الحسينيّة السيّارة»۱ بصحبة السيّد و الحاجّ محمّد علي و الحاجّ عبد الجليل، و ذهبنا فوراً إلى الصحن المطهّر، ثمّ ذهبنا بعد أداء السلام و الزيارة إلى مسجد السَّهْلة للإفطار هناك، فحللنا ضيوفاً على المرحوم الشيخ جواد السَّهْلاويّ، و بتنا هناك إلى الصبح بالدعاء و الذِّكر و التأمّل و التوجّه، ثمّ تحرّكنا صباحاً للتشرّف بزيارة الحمزة و القاسم٢ (جاسم)، فبقينا من الظهر إلى العصر في مرقد الحمزة،

    1. كانوا يدعونها بالحسينيّة السيّارة، لأنّه كان يجلس خلف المقود فيشرع بقراءة الأشعار المرتبطة بشهادة سيّد الشهداء و التي تقرأ في مراسم العزاء، و ذلك باللهجة العامّيّة الدارجة (الحسچة)؛ فيبكي بحرقة و لوعة و يُبكي جميع الجالسين في السيّارة.
    2. الحمزة عليه السلام، يصل نسبه بخمس وسائط إلى أبي الفضل العبّاس عليه السلام، فهو أبو يعلي حمزة بن القاسم بن عليّ بن حمزة الأكبر بن الحسن بن عبيد الله ابن العبّاس بن عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام. ذكر المعظّم القمّيّ أحواله في «منتهى الآمال» ج ۱، ص ٣٥۷ إلى ٣٥٩، الطبعة الحروفيّة، مؤسّسة انتشارات هجرت، في ترجمة أولاد أبي الفضل العبّاس عليه السلام؛ و يقول في جملتها (ما ترجمته):
      كان ثقةً جليل القدر، ذكره الشيخ النجاشيّ و الآخرون، و قبره قرب الحِلّة، و قال الشيخ النجاشيّ في رجاله: حمزة بن القاسم بن عليّ بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العبّاس بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، أبو يعلي؛ ثقة جليل القدر من أصحابنا، يروي كثيراً من الأحاديث، و له كتاب في ذِكر مَن روي عن جعفر بن محمّد عليه السلام من الرجال. و يتّضح من كلمات العلماء و الأساتذة أنّه من علماء الغَيبة الصغرى المعاصرين لوالد الصدوق عليّ ابن بابويه رضوان الله عليهم أجمعين. و جدّه حمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العبّاس المكنّى بأبي القاسم، و كان شبيهاً بأمير المؤمنين عليه السلام، و هو الذي كتب المأمون بخطّ يده أن يعطي لحمزة بن الحسن الشبيه بأمير المؤمنين عليه السلام مائة ألف درهم.
      و لكن يبدو من مكاشفة نقلها آية الله السيّد مهدي القزوينيّ طاب ثراه عن والده، و رواها الحاجّ النوريّ في «النجم الثاقب» أنّ السيّد المزبور يعتقد بأنّ الحمزة الواقع في الحِلّة هو حمزة بن موسى بن جعفر عليهما السلام، و أنّ الحمزة المدفون جنب مقدم قبر عبد العظيم الحسنيّ عليه السلام هو حمزة بن القاسم بن عليّ بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العبّاس؛ و الله العالم.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

38
  • و تحرّكنا لقضاء الليل عند القاسم‌۱ فبتنا تلك الليلة في ذلك المكان المقدّس.

  • و قد بيّن السيّد تلك الليلة مطالب عن عظمة القاسم، و كيفيّة حركته و اختفائه عن خصومه أعداء الدين؛ و قال: لقد تجلّت كثيراً جلالة و عظمة ولاية الإمام موسى بن جعفر عليه السلام في ولده العزيز هذا، لذا فإنّ صحنه و قبره و حرمه و قبّته المنوّرة، و حتّى أراضي الأطراف المجاورة له تمتاز بمعنوية و جاذبيّة خاصّة.

  • ثمّ تحرّكنا بعد ساعة أو ساعتين من طلوع الشمس في نفس الحسينيّة

    1. و القاسم و يدعى بالعربيّة الدارجة: جاسم، هو الابن بلا فصل للإمام موسى بن جعفر عليهما السلام. أورد المحدِّث القمّيّ في ترجمة أحواله في «منتهى الآمال» ج ٢، ص ٤۱٤ و ٤۱٥، من طبعة نشر هجرت في ترجمة أولاد الإمام موسى بن جعفر عليه السلام: و أمّا القاسم بن موسى بن جعفر عليه السلام فقد كان سيّداً جليل القدر، يكفي في جلالة شأنه ما نقله ثقة الإسلام الكلينيّ في «الكافي» في باب الإشارة و النصّ على الإمام الرضا عليه السلام عن يزيد بن سليط، عن الإمام الكاظم عليه السلام في طريق مكّة؛ و جاء في ذلك الخبر أنّ الإمام قال له: اخْبِرُكَ يَا أبَا عُمَارَةَ! إنِّي خَرَجْتُ مِن مَنْزِلِي فَأوْصَيْتُ إلى ابْنِي فُلانٍ -يعني: الرِّضَا عَلَيهِ السَّلامُ- وَ أشْرَكْتُ مَعَهُ بَنِيّ في الظَّاهِرِ وَ أوْصَيْتُهُ في البَاطِنِ، فَأفْرَدْتُهُ وَحْدَهُ؛ وَ لَوْ كَانَ الأمْرُ لِي لَجَعَلْتُهُ في القَاسِمِ ابْنِي، لِحُبِّي إيَّاهُ وَ رَأفَتِي عَلَيْهِ؛ وَ لَكِنْ ذَلِكَ إلى اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ، يَجْعَلُهُ حَيْثُ يَشَاءُ -إلى آخره.
      و روي الكلينيّ أيضاً أنّ أحد أبناء الإمام موسى عليه السلام كان يحتضر، فقال الإمام للقاسم: قُمْ فَاقْرَأ عِنْدَ رَأسِ أخِيكَ «وَ الصَّافَّاتِ صَفًّا» حتّى تَسْتَتِمَّهَا. فَقَرَأهُ، فَلَمَّا بَلَغَ «أ هُمْ أشَدُّ خَلْقاً أم مَنْ خَلَقْنَا» قَضَى الفَتَى. و من ملاحظة هذين الخبرين يتّضح كثرة اهتمام الإمام موسى عليه السلام بالقاسم.
      و قبر القاسم على بُعد ثمانية فراسخ من الحِلّة، و تزور مقامه الشريف عامّة الناس؛ و للعلماء و الأخيار اهتمام خاصّ بزيارته. و قد رغّب السيّد ابن طاووس بزيارته. و قال عنه صاحب «عمدة الطالب»: لم يعقب القاسم.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

39
  • السيّارة نحو كربلاء راجعين فوصلناها قرب الظهر.

  • التشرّف الاوّل للحقير في محضر آية الله الانصاريّ قدّس سرّه في النجف‌

  • و لقد حدث عصر يوم التاسع و العشرين حين كنّا مشغولين بالزيارة في الحضرة المقدّسة لأمير المؤمنين عليه السلام أن قال السيّد: يبدو أنّ الإمام جعل ثواب زيارتك هذه في العودة إلى إيران و الاستفادة من محضر آية الله الشيخ محمّد جواد الأنصاريّ الهمدانيّ؛ لذا فحين تذهب إلى إيران اذهب أوّلًا عنده و كن تحت تعليمه و تربيته!

  • قلت: لو أمرني بالبقاء في إيران، فإنّ فراقكم و البُعد عنكم سيكون أمراً عسيراً! قال: أينما حللت في العالم فنحن معك؛ إنّ رفقتنا و ميثاقنا قد احكما فلا انفصام لهما. فلا تخف! و لا تخش! فلو كنت في غرب الدنيا أو شرقها فستكون قربنا. ثمّ قال:

  • گر در يَمَنى چو با منى پيش مَنى‌***ور پيش مَنى چو بى مَنى در يَمَنى‌۱
  • و هكذا فحين حلّ صيف ذلك العام، عزمتُ على السفر إلى إيران لزيارة الإمام الرضا عليه السلام و تجديد العهد بالأرحام و الأحبّة و الأعزّة من الأصدقاء، و لم أكن قد قَدِمتُ إلى إيران منذ سبع سنوات، أي منذ ذهابي إلى النجف الأشرف حتّى ذلك الوقت، و كان ذلك يتضمّن في الجملة تغييراً للجوّ بالنسبة للوالدة المرحومة المبتلاة بضغط الدم و ضعف القلب و الربو الرئويّ و كانت العواصف الرمليّة و هبوب الرياح الشديدة في النجف‌

    1. يقول: «لو كنتَ في اليمن فأنت قربي ما دمت معي، و لو كنتَ قربي لكنّك لست معي فأنت في اليمن».و هو نفس مراد و مفهوم بيت العارف الشهير المصريّ ابن الفارض:
      مَا لِلنَّوَي ذَنْبٌ وَ مَنْ أهْوَي مَعِي‌***إنْ غَابَ عَنْ إنْسَانِ عَيْنِي فَهوَ فِي‌
      «ديوان ابن الفارض» ص ۱٥٥، طبعة بيروت، سنة ۱٣۸٤ هـ.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

40
  • تؤلم صدرها كثيراً؛ مضافاً إلى أمر مراجعة الطبيب حول انحراف صحّة الأهل، على نيّة قضاء أيّام الصيف هناك و الرجوع بعد ذلك إلى النجف الأشرف.

  • لذا، فقد تحرّكتُ يوم الثامن من شوّال من النجف للقيام بدورة كاملة لزيارة الأئمّة عليهم السلام، فقصدت كربلاء و الكاظميّة و سامرّاء، ثمّ سافرتُ بسيّارات النقل الكبيرة، فقضيت ليلة في قم أيضاً في زيارة أعتاب السيّدة المعصومة سلام الله عليها، و وصلنا يوم الثامن عشر إلى طهران.

  • التشرّف بالذهاب إلى همدان و إدراك محضر آية الله الانصاريّ و ملازمته‌

  • و قد تأخّر السفر إلى همدان إلى ما بعد العاشر من المحرّم بسبب الزيارات المتبادلة، و لحلول العشر الاوَل من محرّم الحرام لسنة ۱٣۷۷ هـ و الانشغال بمراسم العزاء في المسجد، و هكذا فقد تشرّفت بعد العاشر من المحرّم بالحضور في محضر آية الله الأنصاريّ.

  • و لا يخفى أنّ علاقتي بسماحته كانت قد بدأت قبل أربع سنين، و صحبتها لقاءات طويلة الأمد؛ فقد تشرّف قبل أربع سنوات بالقدوم لزيارة العتبات المقدّسة و بقي هناك مدّة شهرين، قضى منهما شهراً كاملًا في النجف على الخصوص؛ حلّ خلاله في منزل الحاجّ محمّد رضا الشيرازيّ و منزل السيّد محمّد مهدي دستغيب. و كان الحقير يذهب بعد أداء صلاة فريضة المغرب و حضور درس الاصول عند آية الله الحاجّ السيّد أبي القاسم الخوئيّ أدام الله ظلّه‌۱ و ذلك في معيّة الاستاذ آية الله الشيخ عبّاس القوجانيّ، فأتشرّف بالحضور عنده. و كان يحضر أيضاً حجّة الإسلام السيّد محمّد رضا الخلخاليّ و شخص آخر من المسافرين الإيرانيّين‌

    1. الكتاب مؤلّف زمن حياة آية الله العظمي السيّد أبي القاسم الخوئيّ قدّس سرّه، و قد حافظنا علي تعبير المصنّف. (م)

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

41
  • اسمه الحاجّ حسن شركت الإصفهانيّ. و صادف ذلك أيّام شهر رجب، و كان الهواء آنذاك بارداً و الليل طويلًا، لذا فقد كان المجلس يدوم إلى ساعتين تقريباً. و حقّاً لقد كانت مدّة الشهرين تلك حافلة بالاستفادات المهمّة، حتّى أنّ الحاجّ الشيخ عبّاس استاذ الحقير كان يقول لي: بَيِّنْ له حالاتك و اطلب منه طريقة للعمل!

  • و قد استجزت سماحة الشيخ القوجانيّ رضوان الله عليه بعد ذلك بسنتين في السفر إلى همدان مباشرة فأذِنَ لي بذلك، فوردت عليه و حللت ضيفاً في منزله في شارع «سنگ شير» أربع عشرة ليلة؛ و كان من بين الضيوف الذين حلّوا عليه من داخل إيران آية الله الحاجّ السيّد عبد الحسين دستغيب و آية الله الشيخ حسن علي نجابت و حجّة الإسلام الشيخ حسن نمكي البهلوانيّ الطهرانيّ.

  • و قد استغرق ذلك السفر بأجمعه ستّة و عشرين يوماً. فقد كنت مقيّداً بعدم مغادرة العراق بدون زيارة العتبات المقدّسة، لذا فقد قضيت ليلة في كربلاء و ليلتين في الكاظميّة و أربعاً في سامرّاء في منزل ابن خالي العزيز: المرحوم آية الله الميرزا نجم الدين الشريف العسكريّ رضوان الله عليه، ثمّ بقيت عند العودة ليلة في باختران (كرمانشاهان) في انتظار الحصول على تأشيرة السفر من العراق، و من ثمّ فقد استغرق السفر ما استغرق و لم أذهب إلى طهران؛ فقد كان ذلك سيؤثِّر سلباً على الدروس. و لقد انتخبتُ أوقات السفر هذه بحيث تبدأ من منتصف شهر صفر إلى أوائل شهر ربيع لتنسجم مع فترة تعطيل الدروس.

  • عزم الحقير على التوقّف في طهران و الارتباط العميق مع آية الله الانصاريّ‌

  • لقد كان آية الله الأنصاريّ رجلًا كاملًا و لائقاً و منوّراً بنور التوحيد بما يفوق المعتاد، و كان مع الحقير في منتهى اللطف و المحبّة و الإكرام. و لقد أبلغه الحقير رسالة السيّد الحدّاد، و سألته: أيّهما أصلح لي بلحاظ المعنويّة

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

42
  • و السلوك العرفانيّ، إيران أم النجف الأشرف؟! قال: ساجيب فيما بعد.

  • ثمّ سأله الحقير بعد يوم بحضور جمع من الأحبّة و الأعزّة: ما ذا كان الجواب؟!

  • قال: النجف جيّدة، و طهران جيّدة أيضاً؛ لكنّكم لو بقيتم في النجف فسيكون كلّ ما تكسبونه لكم وحدكم، أمّا لو بقيتم في طهران فسنشارككم فيما تحصلون عليه!

  • و باعتبار دلالة الجواب على أرجحيّة طهران، فقد صمّم الحقير على العودة إليها فوراً مع أنّني لم أكن راغباً في ذلك قيد شعرة؛ فقد كنت اتّخذت النجف وطناً أصليّاً و دائميّاً، فاشتريت في الأيّام الأخيرة بيتاً، و رتّبت اموري للإقامة هناك ما دمت على قيد الحياة، و لقد عانيت الكثير حتّى استقرت الامور بعض الشي‌ء، و صمّمت على البقاء بقلب مطمئنٍّ؛ لذا فقد كان رجحان طهران صعباً و ثقيلًا عَلَيّ، بل كان أشدّ من انهيار الجبال على رأسي! و من جانب آخر فقد كانت طهران وطني و مسقط رأسي، و المكان الذي هربتُ منه و بعت جميع ما أملكه فيه، فلم يعد لي فيه من أثاث البيت حتّى حبل الغسيل، فقد جمعتُ ذلك كلّه و اتّجهت نحو أعتاب مولى الموالي؛ و كنت إذا شاهدت طهران في المنام أضطرب، ثمّ أقول و أنا أفتح عيني فزعاً: الحمد للّه فقد كان حلماً!

  • و لقد اتّخذ الحقير قراره على الفور بالعودة إلى طهران، و عدت بعد شهر صفر إلى تلك الأعتاب المحروسة بالملائكة: النجف الأشرف، و مرّت ثلاثة شهور تقريباً حتّى بيع البيت، ثمّ عدت إلى طهران و انتظمت المكاتبة و الملاقاة و التزاور بشكل متناوب مع آية الله الأنصاريّ مرّة كلّ شهرين أو ثلاثة تقريباً، مع الطاعة التامّة و الامتثال الكامل لأوامره و تعليماته. و لقد كان حقّاً آية جليلة من الآيات الإلهيّة، لم يتأبّ عن تقديم‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

43
  • كلّ مساعدة و معونة، بل كان يستقبل الواردين بكمال الخلوص فيضيفهم عنده.

  • ثمّ قمتُ في نهاية تلك السنة مع بعض الأصدقاء في السلوك بالتشرّف بأداء فريضة الحجّ عن طريق العراق ذهاباً و إياباً، و استغرق كلّ ذلك شهرين؛ زرت خلالها السيّد الحدّاد في كربلاء المقدّسة تكراراً و مراراً و استفدت من حالاته و معنويّاته. ثمّ تشرّف السيّد بالمجي‌ء إلى الكاظميّة للتوديع و ذهبنا سويّاً إلى سامرّاء لزيارة الإمامين العسكريّينِ عليهما السلام، ثمّ عدت في معيّته إلى الكاظميّة و تحرّكت راجعاً إلى إيران بعد مراسم التوديع؛ حيث توقّفت عدّة أيّام في همدان في منزل سماحة الشيخ الأنصاريّ، و عدت بعد ذلك إلى طهران.

  • كانت روابط الطاعة و الولاء لهذا الرجل الإلهيّ الجليل و ثيقة و قويّة و مؤثِّرة، حتّى التحق بدار الخلود يوم الجمعة الثاني من شهر ذي القعدة الحرام لسنة ۱٣۷٩ هـ، بعد الظهر بساعتين على أثر جُلطة في الدماغ و ذلك في سنّ التاسعة و الخمسين، و كنت حاضراً عنده حين احتضاره، إذ كنت قد ذهبتُ إلى همدان قبل ذلك بيومين. ثمّ حُمِلَتْ جنازته إلى قم فطيف بها حول قبر السيّدة المعصومة سلام الله عليها، ثمّ دفن منتصف الليل في مقبرة عليّ بن جعفر. و قد نزل الحقير معه إلى قبره و فتحتُ الكفن عن وجهه فوضعته على التراب، ثمّ قبّلت وجهه المنوّر القُبلة الأخيرة و خرجت من القبر.

  • الادلّة الخمسة لبعض مَنِ ادّعى عدم ضرورة الاستاذ في السير إلى الله‌

  • هذا و قد نشب بين الرفقاء في طهران من مريدي سماحة الشيخ الأنصاريّ اختلاف شديد بعد رحلته؛ فكان الحقير يصرّ على أن لا مفرّ من وجود استاذ لطيّ هذا الطريق و سيره و سلوكه، و أنّ الوديان و المهاوي العميقة المهلكة و العقبات و المرتفعات الشاقّة الصعبة لا يمكن تخطّيها

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

44
  • و عبورها إلّا بواسطة الاستاذ، و أنّ طيّ الطريق بتهوّر لن يكون من عاقبته إلّا الشقاء و الهلاك و السقوط أسيراً في وادي إبليس و منعطفات النفس الأمّارة تسحقه و تتوطّأه فيها أقدام الشيطان الرجيم.

  • و كان هناك شخص من مريدي المرحوم الأنصاريّ قدّس الله سرّه و المتردّدين على محضره، و كان قبل ذلك يتردّد على المرحوم القاضي قدّس سرّه، لكنّه كان -أساساً- تلميذاً و ملازماً للمرحوم السيّد عبد الغفّار المازندرانيّ في النجف، و اسمه...، و لا يزال بحمد الله على قيد الحياة حتّى الآن. و قد قام هذا الشخص بمخالفة اقتراح الحقير و بدأ معارضته فكان يتحدّث في مجالس و محافل انس الأصدقاء ببيان جذّاب ملفت للأنظار، يمكنه بسهولة أن يستلفت إليه أفكار السالكين و خاصّة غير المتعلّمين و الدارسين منهم، طارحاً بإلحاح مسألة عدم الحاجة إلى استاذ؛ و كان كلامه و حديثه يتضمّن عدّة مطالب:

  • الأوّل: إنّ الاستاذ الحقيقيّ هو إمام العصر و الزمان عجّل الله فرجه الشريف، و هو حاضر و ناظر و حيّ و محيط بعالمنا، فهو مطَّلِع على امور كلّ سالك و حالاته، فهو يوصله على أكمل نحو و أتمّه إلى نتائج السلوك. و نحن الشيعة مكلّفون أن نذكره في الأدعية و الزيارات، فنسلّم عليه و نعرض حاجاتنا عليه لهذا السبب. أ وَ ليس من الخطأ -مع الاعتقاد بالإمام الحيّ و الدعاء بتعجيل فرجهـ أن تُطلب الحاجات من غيره و يُستمدّ العون من استاذ سواه؟! أ وَ ليس من المخجل -مع وجود الإمام الحقيقيّ الممتلك للولاية الكلّيّة الإلهيّة- أن يمدّ الإنسان يد الاستعانة إلى الاستاذ الذي هو مثله يخطئ و يسهو؟!

  • الثاني: إنّ ما يعلّمه الاستاذ للإنسان ليس إلّا ظهورات نفسه هو؛ و حقّاً! أ يمكن لأحد أن يتخطّى حدود نفسه و يتجاوزها؟!

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

45
  • لذا، فإنّ التبعيّة للُاستاذ تمثّل متابعة أفكاره و آرائه، و الجري على نهجه و طريقه النفسانيّ، و هو أمر خاطئ بلا ريب. لأنّ الله سبحانه خلق الإنسان فوهبه قوّة الاستقلال و التعقّل بنفسه؛ أ فليس من الحيف و الظلم أن يحطّم الإنسان هذه القدرة، و يقضي على العزّة و الاستقلال الموهوبَينِ من الله، فيصبح تابعاً لشخص هو مثله لا غير؟!

  • الثالث: لقد وهب الله تعالى للإنسان القوّة التي يمكنه بها الاتّصال بعالَم الغيب و اكتساب حاجاته منه، و على الإنسان أن يصل إلى الحقائق عن طريق المكاشفات؛ لذا فإنّ التبعيّة للعلماء أمر خاطئ أيضاً، لأنّهم يحصلون على الأحكام من عمليّات الإضافة و الطرح و الضرب و القسمة، و يجعلون الأحكام عن طريق صياغة القواعد، فالتبعيّة لهم لن توصل الإنسان للحقيقة. و كيف -يا ترى- يرجع الناس إلى ذلك العالِم الذي يفتقد نفسه العلم فلا يعرف طريق صرف الوجوه الشرعيّة في مظانّها فيستأمنونه على أموالهم و حقوقهم؟! لذا فإنّ على الجميع أن يسيروا بالتزكية و الأخلاق الإنسانيّة و الإسلاميّة فيوصلوا أنفسهم إلى الملكوت و يأخذوا أحكامهم الضروريّة منه.

  • الرابع: إنّ روح المرحوم الأنصاريّ حيّة، و إنّها تدرك معاناة الرفقاء و عشّاق الدرب و طريق الله فتعينهم. على أنّ قدرة روح سماحة الأنصاريّ أقوى بعد موته، لأنّها قد خلعت لباس عالم الكثرة و لَوَث الطبيعة و وصلت إلى التجرّد المحض الأبديّ؛ و سيكون -لذلك- في صدد تكميل رفقائه السلوكيّين على نحو أفضل و أشمل و أسمى.

  • أ وَ لم يكن زمن حياته بسعته و امتداده مراقباً و مواظباً لحال رفقائه في اليقظة و النوم، و في السرّ و العلن، و في الغياب و العيان، و في السفر و الحضر؛ مع أنّه كان أسير عالم الطبع و البدن و الطبيعة؟ أ فيمكن أن‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

46
  • لا يدير امور رفقائه بشكل أفضل؟ مع أنّه من المسلّم أنّ تجرّده بعد موته أقوى، و إحاطته أكثر، و علمه أوفر؟! و من ثمّ فإنّ الرجوع إلى غير الأنصاريّ هتك لحرمة الأنصاريّ و كسر لحريمه، و هو ذنب لا يغتفر.

  • الخامس: إنّ المرحوم الأنصاريّ نفسه لم يكن له استاذ، فقد سمع الجميع قوله: «لم أتتلمذ على يد استاذ؛ و لقد طويتُ هذا الطريق بلا دليل و لا معلم». و حين يقرّر هذا الأمر ذلك المرحوم الذي تعترفون باستاذيّته و بقدرته على فهم أسرار البشر، فكيف تريدون استاذاً؟! أ صرتم تفوقونه في الإخلاص و المعرفة مع أنّكم تلاميذه و مريدوه؟!

  • و لقد كان هذا الشخص المحترم يسكن كربلاء، و قد جاء أخيراً إلى طهران للزيارة، و كان له مع الرفقاء من أهل طهران روابط عميقة، ثمّ عاد بعد ذلك إلى كربلاء. و قد ذكرتُ أنّه كان من ملازمي المرحوم السيّد عبد الغفّار المازندرانيّ، أحد العُبّاد المعروفين في النجف من أهل الزهد و التقوى، و كانت تحصل له أحياناً مكاشفات مثاليّة و صوريّة؛ لكنّه كان مخالفاً بشدّة لأهل التوحيد، و كان يُدين في مجالسه و محافله العرفاء الأجلّاء الإلهيّين الأعزّاء و أهل التوحيد ببيانه و سيرته.

  • و كان سماحة السيّد الحدّاد يقول: قال لي سماحة السيّد يوماً (و يعني السيّد القاضي): لقد كان لي مع السيّد عبد الغفّار علاقات صداقة نوعاً ما، لكنّه شرع الآن بالمعارضة بكلّ قواه. و كنتُ دوماً اسَلِّمُ عليه حيثما التَقَيْتُه في الطريق، فصرتُ أخيراً اسلِّم عليه فلا يردّ عَلَيّ؛ و لذا فقد عقدت العزم أن لا اسلِّم عليه بعد الآن. و قد نقل نفس هذا الأمر سماحة الشيخ القوجانيّ و أضاف: لم يكن السيّد عبد الغفّار من أهل التوحيد، بل كان يكتفي بالأدعية و الأذكار و التوسّلات و الزهد.

  • ادّعاء البعض أنّ المراقبة و الذِّكر و التأمّل و المحاسبة أمر خاطي‌

  • نعم، لقد أثار ذلك الشخص المحترم تلك الضجّة في طهران، و التي‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

47
  • أيّده فيها بعض الرفقاء في طهران ممّن كان يمتلك مقاماً في السلوك (و قد ارتبط معه مؤخّراً بعلاقات النسب)، فصار هو الآخر يتحدَّث في الجلسات و الاجتماعات عن عدم الحاجة إلى استاذ.

  • و كان لهما -مضافاً إلى ذلك- مخالفة شديدة في أمرين آخرين:

  • الأوّل: عدم الحاجة، بل عدم صواب الالتزام بالذِّكر و الورد و الفكر و المحاسبة و التأمّل و المراقبة، بل خطأ ذلك.

  • والثاني: خطأ الرياضات المشروعة، و أيّ التزام في نوعيّة و كمّيّة الغذاء و الصيام و صلاة الليل و أمثال ذلك؛ و كانا يسعيان لإثبات رأيهما ببيانات شيّقة و جذّابة و مفصّلة تدوم أحياناً ساعات متتالية.

  • و كان الحقير زمن ارتحال آية الله الأنصاريّ في سنّ الخامسة و الثلاثين، و كان ذانك الشخصان بمثابة الأب لي من ناحية العمر؛ فقد كانا أكبر منّي سنّاً و أميل إلى سنّ الشيخوخة، فكنت غالباً ما ألتزم جانب السكوت و الإصغاء في المجالس، و لم يكن لي أساساً مجالٌ و استعداد لإثارة الجلبة و الضجّة، و لربّما كنت أحسّ بقدر من الاحترام لهما باعتبار سابقتهما، ممّا سبّب في أن تصبح تلك المجالس خاضعة بأجمعها لنفوذهما و تأثيرهما، حتّى أنّ بعض المعمّمين من الذين تربطهم بالحقير نسبة سببيّة و بعضاً من الرفقاء التجّار شغفوا بأجمعهم بذلك الاسلوب و تلك الطريقة.

  • و بالطبع فقد كنتُ أذكّر تكراراً و مراراً، بالنسبة لذينك الشخصين المحترمين و بالنسبة إلى البعض الآخر منهم، أنّ هذا الاسلوب ليس صحيحاً و أنّ الحاجة إلى استاذ و الالتزام بالذِّكر و المراقبة و التأمّل هي من أركان السلوك، فلا يمكن بدونها أن تُخطى خطوة واحدة للأمام. و أنّ التجمّع و السهر حتّى الصباح بقراءة أشعار حافظ و ذكر الصالحين و سيرة الطالبين‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

48
  • و إثارة المجالس بهذا النحو، ثمّ تناول طعام العشاء و الانشغال بهذه الامور إلى وقت متأخّر من الليل، ثمّ النوم بلا تهجّد، و القناعة و الاكتفاء بفريضة صلاة الصبح وحدها؛ كلّ هذا لن يصحّ دواءً لداء، و لن يُزيح عقبة من أمام أقدام السالك. و بالطبع فإنّ هذه المجالس ستكون جيّدة لو اقترنت بالتعاليم السلوكيّة العميقة من المشارطة و المراقبة و المحاسبة، بالشكل الذي يجعل السالك في السوق و إلى جانب الميزان و في المعاملات التجاريّة و سائر الامور الاخرى في نشاطٍ و مراقبة كما هي حاله في هذه المجالس! لا أن يذهب صباحاً إلى عمله بلا التزام و رقابة باطنيّة، فيقوم ببعض المعاملات الربويّة و المصرفيّة و المعاملة بالصكوك و الكمبيالات، أو أن يرتكب لا سمح الله عملًا غير صحيح و صائب أثناء عمله و في زحام السوق و المعاملة، فيتحلّل من كلّ قيد و يفعل ما يحلو له، ثمّ يُبهج نفسه بحضور الجلسة الليليّة! فهذا الاسلوب خاطئ لا ميزة له و لا فضيلة، بل يؤدّي إلى إتلاف العمر و الانشغال ببعض الامور التي تستهوي القلوب، شأنه في ذلك شأن سائر الطبقات الاخرى.

  • و لقد أوضح الحقير هذا الأمر و بيّنه لمشرفي تلك الجلسات و مديريها واحداً واحداً (لا لجميع الأفراد فرداً فرداً) بالرغم من قيامي في بعض المجالس بتفسير القرآن حسب طلب الرفيق و الصديق الشفيق و العاشق الحقيقيّ للإمام الحسين عليه السلام المرحوم الحاجّ المشهديّ هادي خان صنمي الأبهريّ، ذلك الشيخ الواله المتحمّس المحزون صاحب القلب المضني الأسير، الذي كان يحبّ قراءة القرآن و تفسيره في الجلسات، فكان يطلب منّي القيام بذلك؛ فكنت اشير ضمن بيان التفسير باستمرار إلى جميع نقاط ضعف اسلوب و أفكار اولئك السادة بشكل إجماليّ و عامّ، و كانت هذه التفاسير تصل بالطبع إلى آذان الجميع فتتمّ الحجّة بذلك عليهم.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

49
  • الردّ على الادلّة في عدم الحاجة للُاستاذ مع وجود إمام العصر عجّل الله فرجه‌

  • هذا و قمت مرّات عديدة برفض تلك الأدلّة الخمسة، و صار ثابتاً للجميع أنّ ما يقوله الحقير صحيح و صائب.

  • أمّا الجواب الأوّل فهو: من الصحيح أنّ إمام العصر و الزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف حيّ و حاضر و ناظر لجميع الأعمال، و أنّ له الولاية الكلّيّة الإلهيّة حسب عقيدة و إيمان الشيعة، فهو تكويناً و تشريعاً في مصدر الولاية و منهل الأحكام و جريان الامور؛ و لكن هل يُغلِق هذا الاعتقاد و العقيدة طريقنا إلى الاستاذ؟! أ وَ يوصلنا -بلا تعليم منه و بلا إطاعة لإرشاداتهـ في طريقنا في السير و السلوك إلى مقصدنا؟! أ وَ يجعلنا نطلب العون من إمام العصر و الزمان فقط دون سواه و هو الغائب عن أنظارنا فلا مجال لنا في الظاهر للاتّصال به؟!

  • لما ذا -يا ترى- لا نفعل هذا الأمر في سائر المسائل الاخرى؟! لما ذا نذهب فنبحث عن استاذ في دراسة الحديث و التفسير و الفقه و الاصول و جميع العلوم الشرعيّة في الحكمة و الأخلاق، فنختار أفضل الأساتذة و أعلمهم في فنّهم، و نقضي السنين المتمادية بل العمر كلّه تحت تعليمه و تدريسه؟! إن كان وجود إمام العصر و الزمان يغنينا عن الاستاذ، فَلِمَ لا يغنينا في هذه العلوم؟ في حين تعتقدون و تدّعون أنّ إمام العصر له الإحاطة العلميّة، بل الإحاطة الوجوديّة بجميع العالم و مخلوقاته و جميع علومه و أسراره و بغيب الملك و الملكوت، فلما ذا إذاً تعدّونه فاقداً للإحاطة في مثل هذه العلوم؟! ثمّ تتحمّلون آلاف المحن و المصاعب و الأسفار الطويلة إلى النجف الأشرف، و العيش في حياة بسيطة قاسية، و قضاء سنين متمادية في جوّ النجف و حرارته اللاهبة و تنفّس العواصف الرمليّة السامّة التي تقتلع الرمل و الحصى من الأرض فيغبرّ لها الجوّ و يظلمّ و يستحيل النهار ليلًا بهيماً، ثمّ تعيشون في السراديب العميقة ذات السلالم التي يصل‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

50
  • عدد درجاتها إلى اثنتي عشرة درجة أو خمساً و عشرين أو خمسين؛ كلّ ذلك لتحصيل العلم، و من أجل أن تصبحوا أخصّائيّين مجتهدين، و فلاسفة و مفسّرين، و محدِّثين و ادباء بارعين.

  • فلو جلستم في بيوتكم و اكتسبتم هذه العلوم عن طريق التوسّل بإمام العصر و الزمان لكان أيسر لكم و أسهل كثيراً!

  • فهل تكون العلوم الباطنيّة و العقائد و المعارف و الأخلاق، و المرتفعات العسيرة الصعبة العبور إلى عالم التوحيد، و بيان منجيات الدرب و مهلكاته، و إراءة طرق التسويلات الشيطانيّة و كيفيّة التخلّص منها، و معرفة حقيقة الولاية و درجات التوحيد في الذات و الاسم و الصفة و الفعل و أمثالها أهمّ؛ أم دراسة الصَّرف و النحو و الأدب و الفقه و التفسير و الحكمة؟ ستقولون جميعاً: إنّ الأمر الأوّل أهمّ، لأنّ كمال سعادة الإنسان و شقائه مرتبط به.

  • و نسأل: كيف يعسر على إمام العصر العمل في مثل هذه الامور غير المهمّة و في هذه العلوم الظاهريّة السطحيّة، فتشيدون لأجلها المدارس و المساجد و المكتبات و تتحمّلون مشقّة الأسفار الخطيرة؛ بينما يتمكّن من ذلك في تلك الامور الأهمّ و الأدقّ و الأعظم، فتفوزون بها بلا سبب و لا وسيلة؟! لا مفرّ من أن تجيبوا أن ذلك متعذّر على إمام العصر في الأمرين و الحالين، أو أنّه لا يتعذّر عليه في كليهما معاً!

  • أمّا حلّ المسألة: فهو إنّ جميع الامور و الشؤون في يده المباركة، لكن هذا الأمر لا يستلزم تعطيل سنّة الأسباب؛ كما أن جميع الامور بِيَدِ الله و لم يستلزم ذلك تعطيل سلسلة الأسباب و المسبّبات، و ذلك لأنّ الأسباب و المسبّبات هي تحت الإحاطة الشاملة لعالم التوحيد و الولاية. فالسعي للتعلّم سواء في الامور الظاهريّة الفقهيّة أو في الامور الباطنيّة الوجدانيّة

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

51
  • خاضع للإحاطة التكوينيّة و التشريعيّة في كلا الحالين.

  • و من ثمّ فإنّ البحث عن استاذ و الانضواء تحت سيطرته و تربيته، ليس فقط غير منافٍ لولايته عليه السلام، بل هو مؤيّد و مُمْضٍ و ممدّ لذلك النهج و تلك الطريقة في نزول النور من عالم التوحيد إلى هذا العالم.

  • و لو صحّ أمر عدم الحاجة للُاستاذ في العلوم العرفانيّة -حسب منطقكم- للزم منه استغناء الناس عن الاستاذ في جميع الصنائع و الحرف من النجارة و البناء و الطبّ و الصيدلة و التعدين و سائر العلوم الطبيعيّة، و حلّهم مشاكلهم بتوجّههم للإحاطة العظيمة الولائيّة لإمام العصر عليه السلام. أ وَ يُقنع هذا الكلام أيّ إنسان -حتّى المتوحّش في الغابات- فيلتزم به؟! أ وَ يمكنه أن يجعله برنامج حياته و معيشته؟!

  • أمّا جواب الإشكال الثاني: فصحيح إنّ من يتابع الاستاذ، فإنّه سيتبع طريقته و اسلوبه النفسيّ، لكنّه في المقابل لو عمل وفق رأيه هو، لكان قد عمل بطريقته و وفق هوى نفسه. فالكلام ينحصر في الأمر التالي: أيّهما أفضل في إيصال الإنسان إلى المقصود، ولاية الاستاذ و نفسه الروحانيّة و الملكوتيّة، أو نفس السالك في بداية الطريق: تلك النفس الملوّثة و الفاسدة؟!

  • فلو تبع ولايةَ الاستاذ لصارت نفس الاستاذ هادية لوجود السالك؛ و لو عمل بإرادته و اختياره هو -مع تلوّثهـ لصار قائداً و هادياً لنفسه. هذا مع الافتراض أنّه سالك و ليس رجلًا كاملًا، و أنّه يسير في الطريق و لم يطوه بعد؛ لذا فإنّ رغباته ستنبع من النفس الأمّارة و التسويلات الشيطانيّة، و سيكون غروره و استقلاله أشبه بغرور النفس البهيميّة و استقلالها، يضرب و يكتسح و يكسر و يدمّر، كالحيوان الهائج و كالفرس بلا عنان، لكنّ الاستاذ يأتي فيلجمه و يضع عليه العنان و الركاب فيصبح مروّضاً

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

52
  • جاهزاً للقيادة.

  • لقد عمل أمثال نيرون و شابور ذي الأكتاف و هتلر و بلعم باعوراء و جميع المستكبرين في كلّ عصر و زمان بقوّة استقلالهم النفسيّ، و كانوا لا يخضعون لُاستاذ و مربٍّ أخلاقيّ؛ فجرّوا العالَم بنفسهم الأمّارة إلى الدمار و سفك الدماء و الويلات، و ارتكبوا فيه المجازر و أحالوه جحيماً لا يُطاق.

  • لكنّ اولئك أنفسهم لو خضعوا لولاية الاستاذ و تبعوا سيره النفسيّ لتحطّم غرورهم و انهار كبرياؤهم و استبدادهم، و لصاروا أمثال سلمان الفارسيّ و رُشَيد الهَجَريّ و إبراهيم الأدهم و نظراءهم.

  • لم يكن لمعاوية فرق مع حِجْر بن عُدَي سوى أنّ الأوّل كان يعمل بإرادته المستقلّة، و كان الثاني يخضع لتربية الاستاذ؛ فصار ذلك جهنّماً و آل هذا رضواناً.

  • أ فتمثّل مسألة الشيطان و الغرور و جهنّم في الآيات القرآنيّة غير مسألة النزوع إلى الاستقلال و رفض الخضوع إلى التعليم و التربية؟!

  • الردّ على الإشكالات الثلاثة الأولى في عدم ضرورة الاستاذ في السير إلى الله‌

  • أمّا الإجابة على الإشكال الثالث: فصحيح أنّ هناك قوّة أودعها الباري في غريزة الإنسان و فطرته يمكنه بها الاتّصال بعالَم الغيب، و لكن هل هذه القوّة موجودة بالفعل في جميع سكّان العالم؛ أم أنّ هذه القابليّة تكتسب فعليّتها إثر تربية الاستاذ و تعليمه، فتتجلّى إذ ذاك هذه القابليّة و تتفتّح هذه البراعم الكامنة في أكمامها؟!

  • أ يمتلك -يا ترى- جميع البشر، العالِم فيهم و العامّيّ، و الشريف فيهم و الوضيع، هذه القدرة التي يمكنهم بها اكتساب الحقائق من عالم الغيب؛ أم أنّ هؤلاء قلّة لا يمكن العثور على أحدهم و لو بين عدّة ملايين؟! و من ثمّ فهل ستثمر الإحالة إلى عالَم الغيب إلّا الإحالة إلى الشيطان و الخواطر الإبليسيّة في طيّ الطريق، و إلى أوهام و أفكار الجنّ‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

53
  • المتمرّدين، و إلى التسويلات الضالّة و المضلّة للنفس الأمّارة؟!

  • إنّ طريق كسب الأحكام في زمن الغَيبة هو الطريق المعهود للفقهاء، و على عامّة الناس أن يأخذوا الأحكام عن طريق التعلّم و التعليم و الدرس و التدريس و بيان روايات الأئمّة المعصومين، و أن يسيروا على نهج الفقهاء و يقتفوا آثارهم. و هو أمر تقرّه الأدلّة القطعيّة و الشواهد اليقينيّة، و طريق أوحد لا يوجد سواه تبعاً لضرورة الإجماع المسلّم للمسلمين و لجميع الشيعة. فلا مناص لعامّة الناس إلّا في الرجوع إلى العلماء و الفقهاء، و إلّا لهَوَوا في فم الشيطان الفاغر، فصاروا لقمةً سائغة يزدردها دفعة واحدة.

  • الردّ على الإشكال الرابع في عدم ضرورة الاستاذ في السير إلى الله‌

  • أمّا الإجابة على الإشكال الرابع: فإنّ هذا الاستدلال هو عينه استدلال عمر حين قال أن لا حاجة لنا بعد رسول الله بالإمام الحيّ؛ فسنّة رسول الله في أيدينا و كتاب الله يكفينا: حَسْبُنَا كِتَابُ اللهِ، كَفَانَا كِتَابُ اللهِ.

  • فإن كانت روح آية الله الأنصاريّ كافية بعد موته للقيام بتدبير امور العالَم الظاهريّ، فلا حاجة لُاستاذ حيّ حرّ مهذّب منزّه عن هوى النفس، فلِمَ أورد رسول الله صلى الله عليه و آله كلّ هذه التعليمات و التأكيدات و البيانات و الخطب في الرجوع إلى أمير المؤمنين عليه السلام؟ و لِمَ أخّر تلك الجموع الحاشدة عند الرجوع من حجّة الوداع في رمضاء الصيف في الجُحفة في بقعة غدير خم، ليخطب فيهم تلك الخطبة الغرّاء البليغة؟ أ كانت روح آية الله الأنصاريّ أقوى أم روح رسول الله؟!

  • و لِمَ أوصى أمير المؤمنين عليه السلام للإمام الحسن المجتبى؟ و لِمَ أوصى كلّ إمام من الأئمّة عليهم السلام للإمام الحيّ الذي يليه؟ و ها نحن في زمننا هذا نقول بوجود الإمام الحيّ؟ و نعتقد أن قضاء الحاجات و قبول التوسّلات و تدبير امور العالَم بِيَدِ وليّ الله المطلق الأعظم الحجّة بن

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

54
  • الحسن العسكريّ أرواحنا فداه؛ بالشكل الذي يرجع فيه التوسّل بكلّ إمام و وليّ متوفّى إليه عليه السلام، فيجتمع رتق الامور و فتقها بِيَدِه المباركة.

  • و لِمَ عمد كلّ نبيّ إلى تعيين وصيّ له و خليفة من بعده؟ فلقد كان يكفي -حسب قولكم- أن يقول لجميع الامّة: إنّ روحي ستصبح أقوى بعد موتي و إنّها ستصبح أكثر تجرّداً، و سأعينكم و أهديكم إلى معارج الكمال و مدارجه أفضل ممّا كنت أفعل أيّام حياتي؛ فلا حقّ لكم أن ترجعوا إلى أحد من عظماء امّتي المعنويّين و الروحيّين، بل ادعوا أن يُعجَّل لي بموتي ليزداد تجرّدي و يمكنني إذ ذاك أن اربّيكم تربيةً أفضل و أكثر خلوصاً و نزاهة!

  • أستحلفكم بالله! أ ليس هذا هو مفاد ذلك القول و لا شي‌ء آخر سواه؟! أ وَ يمثّل مجمل كلام عمر و عصارته شيئاً غير هذا؟!

  • فيا أيّها العزيز! إنّ من الثابت الذي لا شكّ فيه حسب الأدلّة الفلسفيّة و البراهين الحكميّة و المشاهدات العينيّة و الروايات و الأحاديث الواردة، أنّ جميع الموتى بلا استثناء يصبح تجرّدهم بعد موتهم أكثر، أي إنّهم يتوغّلون أكثر في فناء التوحيد في الذات؛ و هذا ما يستلزم انصرافهم عن عالم الطبيعة، بل و انصرافهم عن عالم المثال و الصورة، و لهذا فإنّ البرهان القطعيّ قائم على ضرورة و وجوب وجود الإمام و المربّي الحيّ إلى يوم القيامة؛ فلو لم تتّصلوا بالمربّي الحيّ و لم تعملوا بتعاليمه و تقتفوا آثاره، و جلستم إلى يوم القيامة في انتظار أن تربّيكم روح الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام، لرحلتم عن هذه الدنيا بأيدٍ خالية تجترّون حسرة الندامة! و لبقيتم كالثمرة الفجّة التي لم تنضج بعد! و لربّما انحدرتم من حيث لا تشعرون في مهاوي النفس الأمّارة و الشيطان، تحسبون أنّكم قد نلتم الرقيّ و الرفعة؛ بينما تُبتلون بعقاب الله الدنيويّ: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

55
  • لا يَعْلَمُونَ﴾‌!۱

  • فلِمَ تنتظرون إفادات و إفاضات المرحوم الأنصاريّ قدّس الله نفسه بعد وفاته؟! أ وَ لم تكن منذ هبوط آدم على نبيّنا و آله و عليه الصلاة و السلام إلى الآن روح أفضل و أقوى منه و أكثر تجرّداً؟ و لِمَ لا تنحازون إلى روح نوح عليه السلام فتقولون: إنّ تجرّده بعد الموت أفضل، لذا فإنّ بإمكانه أن يدير امورنا أفضل، فلا حاجة لنا معه إلى مربٍّ حيّ؟! و لِمَ لا تتوسّلون بموسى و عيسى عليهما السلام؟ أ وَ لم يكونا من الأنبياء اولي العزم؟

  • إنّ دليلِي الواضح القاطع هو: هل قمتم بتربية شخصٍ موحِّد واحد كنموذج لما تدّعونه منذ زمن ارتحال آية الله الأنصاريّ في الثاني من ذي القعدة ۱٣۷٩ هـ. ق و حتّى يومنا هذا: الرابع و العشرين من شهر رجب المرجب لسنة ۱٤۱٢ هـ. ق، حيث تنقضي مدّة ثلاث و ثلاثين سنة؟! و هل ربّيتم شخصاً اجتاز عالم المثال و العقل و وصل إلى التجلّيات الذاتيّة؟! أرونا إيّاه لطفاً، فها هم عشّاق وادي الحقيقة يبحثون عن شخص كهذا شارعاً فشارعاً و بيتاً فبيتاً! فاعلموا إذاً أنّ هذا الدرب خاطئ، و أنّه ليس إلّا درباً للظُّلمة! و أنّ تحمّل مسؤوليّة تربية جماعة ثمّ تركهم أحراراً و إيكالهم إلى إرادتهم و اختيارهم بلا مربٍّ و لا معلِّم ليس إلّا تضييعاً للنفوس القابلة، و إبطالًا للموادّ المستعدّة.

  • الردّ على الإشكال الخامس في عدم ضرورة الاستاذ في السير إلى الله‌

  • أمّا الإجابة على الإشكال الخامس: فإنّ ما يستفاد من بيانات سماحة الشيخ الأنصاريّ أنّه قد حضر عند الأعاظم، و من جملتهم رجلٌ مجذوب‌

    1. وردت هذه الفقرة من الآية المباركة في موضعَين من القرآن الكريم: الأوّل في الآية ٤٤، من السورة ٦۸: القلم: ﴿فَذَرْنِي وَ مَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ﴾. و الثاني في الآية ۱۸٢، من السورة ۷: الأعراف: ﴿وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ﴾.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

56
  • كان يأتي إلى همدان فيجني من جبال «ألبُرْز» عشباً خاصّاً فيجمعه؛ كما كان يتردّد كذلك على بعض تلامذة المرحوم آية الله الميرزا جواد الملكيّ التبريزيّ قدّس الله تربته، كالسيّد الحاجّ حسين الفاطميّ و السيّد الحاجّ محمود، و كان له معهم مذاكرات و مباحثات.

  • و مضافاً إلى ذلك فإنّ طريق ذلك المرحوم لم يكن صحيحاً في بداية أمره؛ فقد قال للحقير مرّة: «حين ذهبتُ إلى قم للدراسة كنتُ في محاربة أهل العرفان، و كان لي خصومة شديدة مع أحد المعروفين منهم في همدان، الذي كان يدّعي هذه المطالب. و كنتُ بعد ذهابي إلى قم امارس بعض الرياضات لتسخير الأرواح و الجانّ، لكنّ الله رحمني فأنقذني من وسط هذا الطريق الضالّ، و هداني نحو الحقّ و الحقيقة و العرفان الإلهيّ؛ و كانت مشيئة الباري أن يمنَّ على هذا العبد الضعيف بهدايته». ثمّ أضاف: «من كان له اتّصال بالجانّ -و لو بمسلميهم- فسيرحل عن الدنيا كافراً في النهاية».

  • مشكلات المرحوم الانصاريّ هي التي جعلت رحيله في سنّ التاسعة و الخمسين‌

  • و كان رحمه الله يقول: «و بعد أن بصَّرني الله تعالى بخطأ ذلك الاسلوب و أنّ طريق الحقّ في عشق الله و العبوديّة له، بقيت وحيداً لا أعلم ما العمل، و كيف الخلاص! فكنت أهيم على وجهي في الجبال و البراري وحيداً إلى غروب الشمس، و دام تحيّري و ضياعي على هذا المنوال أربعين أو خمسين يوماً، حتّى بلغت أقصى درجات الاضطرار، فحُرِمت الطعام و النوم؛ ثمّ برقت في قلبي في تلك الحال بارقة الرحمة، و داعبني النسيم العليل من عالم الربوبيّة، فاستطعت أن ابصر طريقي».

  • و كان هذا الاكتشاف للدرب هو الذي فتح له باب المكاشفات، ثمّ وصل أخيراً إلى المقصد و صار يمتلك التوحيد الذاتيّ الإلهيّ. و لكنّ رفقاءه من همدان يعلمون وحدهم أيّ محن و مشاكل قد تحمّل في سبيل ذلك، ثمّ‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

57
  • رحل و هو في عنفوان الرشد و الكمال الروحيّ و قد أينعت ثمار شجرة التجرّد التامّ و التوحيد الكامل لديه؛ أي في سنّ التاسعة و الخمسين‌۱. و بالتأكيد فإنّه لو كان قد اهتدى في سلوكه إلى استاذ كامل لأزاح جميع هذه المشاكل و العقبات من طريقه، و لعمّر إلى سنّ السبعين أو الثمانين كأغلب العظماء، مثل المرحوم الآخوند الملّا حسين قلي الهمدانيّ و الشيخ محمّد البهاريّ الهمدانيّ و الحاجّ الميرزا علي القاضي.

  • إن أفضل دليل على الحاجة للُاستاذ هو قول ذلك المرحوم نفسه: «لقد بحثتُ طويلًا في قم بلا جدوى، عن استاذ كامل خبير ينفعني و يُشير لي إلى طريق العلاج و الخلاص، لذا فقد أصبت بمحنة و قادتني المحنة و الاضطرار».

  • و لو وجد المرحوم استاذاً في بلدة قم الطيّبة آنذاك، لرجع إليه‌

    1. و ذلك على أثر شدّة العشق و الشوق الوافر للقاء الربّ المتعال و طلب الفناء في الذات الأحديّة، و لانعدام استاذ و دليل له؛ فقد كان يعمل وفق نظريّته هو، لذا فقد اصيب بضعف القلب، و كان يستعمل الأعشاب و العقاقير المفيدة لتهدئة القلب، لأنّه كان أخصّائيّاً في الطبّ القديم. ثمّ جاء إلى طهران قبل وفاته بسنة و بقي فيها شهراً، و طلب من الحقير أن آخذ له موعداً عند الدكتور أردشير نهاوندي الأخصّائيّ بأمراض القلب؛ فلمّا عاينه بدقّة قال له في جملة كلامه: لقد خضع هذا القلب طيلة عشرين سنة لضغط العشق الشديد؛ أ فكنتم عاشقين؟ أجاب: نعم. ثمّ قال للحقير حين غادرنا الطبيب: يا له من طبيب خبير و حاذق! لقد أصاب في تشخيصه، لكنّ علمه يقصر عن فهم و تشخيص مورد ذلك العشق.
      هذا و كنتُ قد صحبته مراراً أيّام الجمع حين كنتُ في همدان إلى الحمّام العموميّ للقيام بغُسل الجمعة و التنظيف، فكان بدنه هزيلًا و نحيفاً جدّاً بحيث لم يبق منه إلّا هيكل عظميّ. و كانت قامته طويلة، فكان صدره و كتفاه ينوآن برأسه حقّاً، أمّا قدماه فكانتا أشبه بخشبتينِ نحيفتينِ رُبطتا ببعضهما، و كانت أضلاع صدره بارزة يمكن عدّها. رحمة الله عليه رحمة واسعة.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

58
  • بلا تأخير؛ و كان بنفسه يقول: «كان المرحوم آية الله الميرزا جواد قد رحل عن الدنيا آنذاك».

  • و لو انتفت الحاجة للُاستاذ، فكيف كان المرحوم الأنصاريّ يعتبر نفسه استاذاً للطريقة و يعطي طريقةً للعمل؟! و لقد أعطى للحقير تعليمات في النجف الأشرف حين قدم إليها للتشرّف بالزيارة، و كان يبعث لي بتعليماته خلال إقامتي في النجف الأشرف بعد زيارته لها -و دامت أربع سنوات- و بعد عودتي إلى طهران طيلة السنوات الثلاث التي سبقت رحلته، حتّى أنّه أعطى للحقير الأوراد الواردة التي لم يعطها لأحد سوى المرحوم آية الله الشيخ حسن علي نجابت و حجّة الإسلام السيّد عبد الله فاطمي الشيرازيّ.

  • الردّ على القائلين بأنّ الذِّكر و الوِرد و التأمّل و الرياضات المشروعة أمر خاطي‌ء

  • و أمّا الردّ على ذلك الشخص الآخر الذي ينتمي إلى ذاك المحترم بعلاقة سببيّة، و الذي يصرّ على عدم ضرورة الرياضات الشرعيّة، و على إنكار الذِّكر و المراقبة و المحاسبة و التأمّل، بل يعتبر هذه المسائل أمراً خاطئاً مغلوطاً، مضافاً إلى نفيه لضرورة وجود الاستاذ؛ فقد كان الحقير يلفت نظره إلى ذلك تلميحاً لا تصريحاً، فلم يكن ذلك ليجدي نفعاً، فقد كان حاله في وضع يجعله عاجزاً عن القبول بهذه الامور. و لقد جاء يوماً قبل سنتين إلى البيت المتواضع للحقير في مشهد المقدّسة يصحبه اثنان من رفقائه و أصدقائه، فشرع بدون مقدِّمة بانتقاد أمر اتّخاذ الاستاذ و انتقاد الذِّكر و الوِرد و انتقاد الرياضات المشروعة المتداولة، فرأيتُ أنّ السكوت هنا ربّما أدّى إلى إضلال رفيقَيهِ الآخرينِ، فقلت:

  • «سماحة الحاجّ ... سلّمه الله و أيّده! الجميع يعلم أنّ عملكم السابق هو الزراعة و الفلاحة، أ وَ ليس ذلك حقاً؟» أجاب: «بلى!».

  • فقلت: «إنّ الفلّاح يحرث الأرض أوّلًا، ثمّ ينثر البذور، ثمّ يسقي‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

59
  • الأرض بالماء، ثمّ ينقّي الحاصل بعد نموّه و اخضراره (باستئصال الأعشاب الضارّة التي تنبت قربه كي لا تقضي عليه) و يقوم عند إصابة الحاصل بالآفات برشّه بالسموم، و غير ذلك من الأعمال التي يقوم بها بالنسبة للأرض و البذر و النبات؛ كلّ ذلك ليجني محصولًا جيّداً و سالماً. أ وَ ليس الأمر كذلك؟» قال: «بلى».

  • قلت: «أ يمكن أن ينتج محصول بلا فلّاح؟ أ وَ يمكن عند وجود الفلّاح أن لا يقوم بهذه العمليّات، كأن لا يسقي الأرض، أو أن يسقيها فوق حاجتها، أو أن ينثر البذور ثمّ لا يغطّيها بالتراب، أو أن لا يقوم باستئصال الأعشاب الضارّة، أو أن لا يرشّ السموم و أدوية المكافحة؟! و ما الذي سيكون عليه وضع المحصول آنذاك؟ أ فلا تذهب أتعاب الفلّاح أدراج الرياح؟».

  • أجاب: «بلى!».

  • فقلت: «فكّروا جيّداً! هل الأمر هكذا أم لا؟».

  • ردّ قائلًا: «لا حاجة للتفكير، فما تقولونه واضح جليّ؛ فالنبات يحتاج للزارع الذي يجب أن يعمل ذلك!».

  • فقلت: «إنّ استاذ السير و السلوك -يا عزيزي!- هو ذلك الزارع؛ كما أنّ الوِرد و الذِّكر و المراقبة و المحاسبة و التأمّل هي الماء و الشمس و الأرض المناسبة، و الرياضة هي تحديد مقدار الماء و اقتلاع الحشائش الضارّة و إبعادها عن سيقان النباتات المفيدة كي لا تسلبها ثمرة حياتها و غذاءها».

  • ثمّ أردفتُ: «هل سبق لكم أن قمتم بتشذيب أغصان شجرة الكرم؟».

  • أجاب: «كلّا، فلقد كنت مزارعاً، و لم يسبق لي أن عملت في زراعة الأشجار و رعايتها». فقلت: «لا بدّ أنّ هناك قرب أرضكم الزراعيّة، بساتين للأشجار المثمرة -قلّت أو كثرت- و لا بدّ أنّكم شاهدتم أو سمعتم و علمتم‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

60
  • بشكل مُسَلَّم أنّ الشجرة تحتاج للرعاية و للبستانيّ، و تحتاج إلى تعاهد أرضها و تسميدها في أوقات معيّنة و بمقادير معيّنة، كما تحتاج لسقيها بالماء و تشذيب أغصانها؛ فإن اهملت و لم يقم بهذه الأعمال أحد، فإنّ هذه الأشجار ستصبح بلا تعاهد و رعاية كأشجار الغابات طويلة مرعبة لكنّها بلا ثمر، و لن تعطي آنذاك أشجار العنب و المشمش و التفّاح ثمراً، فإن أثمرت كان ثمرها فجّاً مُرّاً و صغيراً لا فائدة فيه. أستحلفكم بالله! أ ليس ذلك حقاً؟».

  • قال: «بلى!».

  • السلوك بدون الاستاذ و المراقبة و الذِّكر و الرياضات المشروعة ليس إلّا وهماً

  • قلت: «إنّ الاستاذ ليس موجوداً هيولائيّاً و غريباً موحشاً ذا قرون ليفرّ منه الناس، بل هو ذلك الفلّاح و البستانيّ الذي يلقّب في الزراعة و تعاهد النباتات بذلك الاسم، و يدعى في التربية الإنسانيّة بالاستاذ؛ كما أنّ الوِرد و الذِّكر و المحاسبة و المشارطة و المراقبة كالماء و الشمس بالنسبة للشجرة و النبات، و استئصال الحشائش الضارّة و تشذيب الأغصان كالرياضة، فهي للنبات بذلك الشكل و للإنسان بهذا الشكل.

  • إنّكم تتصوّرون أنّ الرياضة تعني مواجهة الجوع الشديد غير المحتمل و قضاء يوم كامل بتناول لوزة واحدة و أمثال ذلك! لكنّ الأمر ليس كذلك، بل هي بمعنى التربية، و لها مفهوم الترويض و التطويع. و في اللغة: رَاضَ يَرُوضُ رِيَاضَةً؛ أي التسخير و التذليل.۱

  • يقول مولانا أمير المؤمنين عليه السلام:

    1. أورد في «أقرب الموارد»: رَاضَ المُهر -ن- يَرُوضُهُ رَوْضاً و رِيَاضَةً و رِيَاضاً: ذلّله و جعله مُسخّراً مُطيعاً و علّمه السير فهو رائض، ج راضة و رُوّاض و رائضون. و المُهر مَرُوض. و منه: رَاضَ الشاعرُ القوافي الصَّعبةَ أي ذلّلها، و الدُّرَّ رياضةً: ثقبَهُ.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

61
  • وَ أيْمُ اللهِ يَمِيناً أسْتَثْنِي فِيهَا بِمَشِيئَةِ اللهِ لأرُوضَنَّ نَفْسِي رِيَاضَةً تَهِشُّ مَعَهَا إلى القُرْصِ إذَا قَدَرَتْ عَلَيْهِ مَطْعُوماً، وَ تَقْنَعُ بِالمِلْحِ مَأدُوماً، وَ لأدَعَنَّ مُقْلَتِي كَعَيْنِ مَاءٍ نَضَبَ مَعِينُهَا مُسْتَفْرِغَةً دُمُوعُهَا.۱

  • فالإمام يقول هنا: إنّني ارَوضُ نفسي و اذلّلها و اربّيها بهذه الطريقة، فيا له من معنى كبير للرياضة أن تكون بمعنى التأديب!

  • إنّ النفس الإنسانيّة هيولائيّة، أي أنّها قابليّة محضة و استعداد صرف؛ فإن اهملت تربيتها سقطت في أحطّ الدركات و أسوئها، و فاقت في الوحشيّة كلّ شيطان و وحش مفترس، أمّا لو ادِّبت لارتقت إلى أعلى علّيّين و لفاقت الملائكة».

  • ثمّ قلتُ: «أ ليس الأمر كذلك؟» قال: «بلى!».

  • و لقد بُهِتَ من كلامي بهذا النحو، أمّا رفيقاه فاستبدّ بهما الوجد و الشغف، لكأنّ أمراً معضلًا لديهما قد انحلّت عُراه المستعصية. و لقد تصوّر الحقير آنذاك أنّ هذا البيان قد غيّر طريق هذا الشخص و نهجه، و أنّه ليس لديه ثمّة انتقاد لمسألة ضرورة الاستاذ و إعطاء الوِرد و الذِّكر و للمحاسبة و التأمّل، و لكن مع الأسف، فحين جاءوا إلى المنزل مرّة اخرى -بعد سنة تقريباً- و تطرّق الكلام إلى هذه المقولة، رأيتُ أنّه يكرّر نفس المطالب السابقة، فعلمتُ أنّ كلامي و بياني لم يستطع اقتلاع أساس أفكاره المسجّلة و استئصالها، و أنّ ذلك الاسلوب و النهج صار كالعادة التي لها حكم الطبع الثانويّ المقترن بروحه، و المتحوّل جزءاً من غرائزه.

  • نعم، لقد كان السرّ الحقيقيّ لإعلانات ذلك الرجل و تأييد الرجل‌

    1. «نهج البلاغة» الرسالة ٤٥، و في طبعة مصر، مطبعة عيسي البابي و هامش الشيخ محمّد عبده: ج ٢، ص ۷٤.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

62
  • الثاني له لهذا الأمر هو عدم رغبتهما بالخضوع لولاية و هيمنة الاستاذ السيّد هاشم الحدّاد، مع أنّهما كانا يعرفانه حقّ المعرفة و يعترفان بمقاماته الروحيّة و كمالاته المعنويّة؛ ذلك الرجل الأوحد في سماء التوحيد و الولاية. و لم يكن بين تلامذة المرحوم الأنصاريّ شخص يتّفق الجميع على اتّباعه، لذا فقد ظهر هذا التشتّت و الاختلاف. لكنّ هؤلاء بقوا بلا استاذ فلم يلجأوا إلى ركن وثيق، كما أنّهم لم يستفيدوا من الاستاذ الحدّاد، و الناس حيارى لا مسلمون و لا نصارى، نعوذ بالله.

  • و لم تكن تلك الجماعة و ذلك الرجل المحرّك خاصّة ليجرؤوا في حضور الحقير على نقد سماحة السيّد الحدّاد، و لكن كان يطرق سمعي أحياناً أنّهم ينتقدونه باحترام و أدب فائقينِ. و حصل أن قال الحقير مرّة في أحد المجالس:

  • الحدّاد و ما أدراك ما الحدّاد؟! فوجم بعضهم و امتقع وجهه، و سمعتُ بعد ذلك أنّه قال للبعض: كيف يصف رجلًا بسيطاً عاديّاً بهذا الوصف؟!

  • ثمّ تطرّق الحديث ليلة إلى ذكر سماحة الحدّاد، فالتفت ذلك الشخص المحرّك نحوي قائلًا: إنّ الحدّاد يصف الله بالعُري؛ و الله لا يعرى!

  • فلم ينبس الحقير ببنت شفة، ثمّ رأيتُ ليلتها في عالم الرؤيا أنّه كان يواجهني فاتحاً فاهه بحيث تبدو أسنانه للعيان، و أنّي ضممتُ قبضة يدي اليمني و قلت له: إن عدت ثانية إلى الانتقاد في مسألة توحيد الحقّ تعالى فسأنهال بيدي على فمك و احطّم أسنانك فيه!

  • نعم! لقد كان ذنب الحدّاد أن يصف الله تعالى منزّهاً بلا رتوش و بلا تجميل، و يشخّص حقيقة معنى «لا إله إلّا الله» و «الله لا إله إلا هو»؛ و لكن ما جدوى ذلك مع الآذان الصمّاء و الأعين العمياء!

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

63
  • ﴿وَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَ إِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾‌.۱

  • ﴿وَ جَعَلْنا عَلى‌ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً وَ إِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى‌ أَدْبارِهِمْ نُفُوراً﴾.٢

  • ﴿ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَ إِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ﴾.٣

  • و لقد بقي الحقير عند ذلك وحيداً، فلم ينضمّ معي من تلك الجماعة التي كان جميع أفرادها يُظهرون المحبّة و الصداقة و يرتبطون معي بسابق المعرفة و لو شخص واحد. بقيتُ وحيداً بكلّ معنى الكلمة. لذا فقد رأيت أن لا مفرّ من اعتزال تلك الجماعة، و من أن يكون لي مجالس خاصّة مع بعض الشباب النزهاء البسيطين الفقراء من أهل المسجد على أساس استاذيّة سماحة السيّد الحدّاد و دوره في التربية.

  • و لقد حصل للحقير حتّى الآن مرّات عديدة لم يقبل فيها كلامي المحقّ و لو شخص واحد، فكنتُ أختار العزلة عن الجمع الكثير الذي ارتبط بكلّ فرد منهم بالعلاقات العائليّة المديدة أو بعلاقات الصحبة و الرفقة، و كان هذا المورد أهمّها.

  • و كنت في هذه الخلافات أحسّ و ألمس جيّداً مظلوميّة مولانا و جدّنا أمير المؤمنين عليه السلام، و كيف تُرِك وحيداً مع تلك السوابق و المعرفة الطويلة. و ذلك إثر صدعه بالحقّ و جهره بالصدق، بحيث توجّب على‌

    1. الآية ٤٥، من السورة ٣٩: الزمر.
    2. الآية ٤٦، من السورة ۱۷: الإسراء.
    3. الآية ۱٢، من السورة ٤۰: غافر.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

64
  • حليلته فاطمة -إتماماً للحجّة على هذه الامّة التعيسة- أن تمتطي الدابّة ليلًا فتطرق بيوت المهاجرين و الأنصار تسألهم النصرة على أن يشهدوا بالحقّ. فكانوا يقولون: كلامك صحيح يا بنت رسول الله، و كلامك يا عليّ حقّ، و لكن قد مضت بيعتنا لهذا الرجل فلا مجال بعد لفسخها، و لو أنّ زوجك و ابن عمّك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به. فيقول عليّ كرّم الله وجهه [عليه السلام‌]: أ فكنتُ أدَعْ رسول الله صلّى الله عليه [و آله‌] و سلّم في بيته لم أدفنه، و أخرج انازع الناس سلطانه؟ فقالت فاطمة: ما صنع أبو الحسن إلّا ما كان ينبغي له؛ و لقد صنعوا ما الله حسيبهم و طالبهم.۱

  • نعم! لقد تنحّى أمير المؤمنين عليه السلام جانباً عن الجماعة المشركة العاصية لربّها، و أخلد في منزله للعزلة خمسة و عشرين عاماً لا يتجاوز أصحابه عدد أصحاب الكهف، قضاها محزوناً مَغيظاً:

  • صَبَرْتُ وَ في العَيْنِ قَذَى وَ في الحَلْقِ شَجَى.٢

  • و لقد اعتزل الحقير أيضاً جميع هؤلاء و قاطعت محافلهم و نهجهم و سيرتهم، و توكّلت على الباري ظاهراً و باطناً؛ و حقّاً فكم كان للمرحوم الحاجّ السيّد هاشم روحي فداه من كرامة و من موقفٍ نبيل! و كم أنجى من السقوط في المواقع الخطيرة و في مزالق المحيط و الامور الاجتماعيّة! و كم كان شبيهاً بالامّ الحنون حين كان يأتي من كربلاء البعيدة إلى طهران، يستوي لديه الليل و النهار! و كم كانت مساعداته صحيحة و في محلّها؛

    1. «الإمامة و السياسة» لابن قُتَيبة الدينوريّ، ج ۱، ص ۱٢، الطبعة الثالثة، مصر سنة ۱٣۸٢ هـ.
    2. الخطبة الثالثة في «نهج البلاغة»؛ و في طبعة مصر، مطبعة عيسي البابي مع هامش الشيخ محمّد عبده: ج ۱، ص ٣۱.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

65
  • استبان سرّ بعضها في آنه، و تبيّن بعضها فيما بعد تدريجيّاً، و اتّضح أمر بعضها الآن بعد ثمان سنين من رحيله، و الله يعلم ما سيظهر بعد!

  • خطاب الله سبحانه لاصحاب الكهف الذين آووا إلى الكهف‌

  • نعم، يقول الباري في شأن ذلك النفر القليل المؤمن الموحِّد من أصحاب الكهف الذين اعتزلوا الجمع و المجتمع المشرك و قدرته و هيمنته:

  • ﴿وَ إِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَ ما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ يُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً﴾.۱

  • و هذه الآية تلت الآية التي يصف الله سبحانه فيها حال اولئك القوم المشركين فيقول:

  • ﴿هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى‌ عَلَى اللَّهِ كَذِباً﴾.٢

  • هذا، و لم يصحب الحقير في نهجه في متابعة السيّد الحدّاد إلّا الرفقاء الهمدانيّون الذين كانوا تلامذة المرحوم آية الله الأنصاريّ و من ملازميه ذوي السابقة و الخبرة، كالسيّد الحاجّ أحمد الحسينيّ الهمدانيّ رحمة الله عليه، والد الصديق العزيز الدكتور السيّد أبي القاسم الحسينيّ الهمدانيّ الطبيب في الأمراض النفسيّة و المقيم في مشهد المقدّسة منذ خمس و عشرين سنة، و المرحوم غلام حسين الهمايونيّ (الخطّاط المعروف) و المرحوم الحاجّ غلام حسين السبزواريّ، و الحاجّ محمّد حسن البياتيّ، و حجّة الإسلام و المسلمين السيّد أحمد حسينيّان، و الحاجّ إسماعيل تخته‌سنگي (مهدوي نيا)، و المرحوم الحاجّ آقا اللهياريّ من أبهر، و الحاجّ محسن شركت من إصفهان.

    1. الآية ۱٦، من السورة ۱۸: الكهف.
    2. الآية ۱٥، من السورة ۱۸: الكهف.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

66
  • أمّا مريدوه في العراق فهم: حجّة الإسلام الشيخ صالح الكميليّ، و آية الله السيّد هادي التبريزيّ (و هو أحد تلامذة المرحوم الشيخ مرتضى الطالقانيّ القدماء الذين استفادوا من ذلك المرحوم كثيراً، و كان يحضر أحياناً عند المرحوم القاضي)، و حجّة الإسلام الحاجّ الشيخ محمّد جواد المظفّر من البصرة، و حجّة الإسلام السيّد حسن معين الشيرازيّ من طهران (أخو زوجة الحقير) و حجّة الإسلام السيّد شهاب الدين الصفويّ من أصفهان، و كذلك الحاجّ الشيخ أسد الله طيّارة من أصفهان، و الحاجّ محمّد علي خلف زاده، و الحاجّ أبو موسى محيي، و الحاجّ أبو أحمد عبد الجليل محيي، و الحاجّ موسى محيي، و الحاجّ عبد الزهراء، و الحاجّ قدر السماويّ (أبو أحمد)، و الحاجّ حبيب السماويّ، و الحاجّ محمّد حسن ابن الشيخ عبد المجيد السماويّ (أبو عزيز)، و الحاجّ حسن أبو الهوى، و كان يحضر عنده أحياناً من النجف الأشرف آية الله السيّد عبد الكريم الكشميريّ و المرحوم السيّد مصطفى الخمينيّ رحمة الله عليه، كما كان المرحوم السيّد كمال الشيرازيّ يحضر عنده أحياناً؛ فكان المرحوم الحدّاد يستقبل جميع هؤلاء و يُشير عليهم و يوردهم كلًّا حسب استعداده و استيعابه. و كذلك فقد كان آية الله الشيخ حسن الصافيّ الأصفهانيّ، و حجّة الإسلام الشيخ ناصر دولت‌آبادي، و حجّة الإسلام الشيخ محمّد تقي جعفريّ الأراكيّ دام عزّهم يتشرّفون بالحضور لديه و الاستفادة من محضره، لكنّ استاذهم في النجف كان المرحوم آية الله الشيخ عبّاس القوجانيّ، كما كان السيّد حسين دانشمايه النجفيّ و الميرزا محمّد حسن النمازيّ بهذه الكيفيّة.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

67
  •  

  •  

  • القِسْمُ الثَّانِي: السَّفَرُ الأوَّلُ لِلْحَقِيرِ إلى العَتَبَاتِ المُقَدَّسَةِ، سَنَةَ ۱٣۸۱ هِجْرِيّة قَمَرِيَّة عَدَا السَّفَرِ إلى بَيْتِ اللهِ الحرام‌

  •  

  •  

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

68
  •  

  • السفر الأوّل للحقير إلى العتبات المقدّسة

  • سنة ۱٣۸۱ هجريّة قمريّة

  • عدا السفر إلى بيت الله الحرام‌

  •  

  • لقد كانت لي إقامة رسميّة في العراق، فكان ميسوراً لي بعد عودتي إلى إيران أن أعود إلى هناك متى شئت، بمراجعة بسيطة لأخذ سمة الخروج، دون المرور بسلسلة الإجراءات الطويلة في مديريّة السفر و الجوازات. و على الرغم من عزمي على السفر بعد مرور سنة من رحيل آية الله الأنصاريّ، إلّا أنّ عوائق أعاقتني عن ذلك إلى ما بعد رحيله بسنتَينِ، حيث انقضى إذ ذاك على سفري إلى بيت الله الحرام أربع سنوات مررت فيه ذهاباً و إياباً بالعراق فاستفدت كثيراً من لقائي بالمرحوم الحدّاد هناك، كما كان قد انقضى على عودة الحقير من النجف الأشرف خمس سنوات.

  • و هكذا تحرّكت للسفر أواخر شهر ذي القعدة الحرام لسنة ۱٣۸۱ هـ لزيارة العتبات المقدّسة و للقيام بالزيارة الخاصّة بيوم عرفة، و في نيّتي البقاء في الكاظميّة المقدّسة لعشرة أيّام، ثمّ التشرّف بزيارة كربلاء و النجف و سامرّاء.

  • و في الكاظميّة حللتُ ضيفاً على الحاجّ عبد الزهراء، و كان قد اتّخذ منزلًا في منطقة الگريعات قرب الكاظميّة، و قد انقضى أغلب الوقت في زيارة المرقدين المطهّرين، ثمّ ذهبتُ بناءً على دعوة ابن الخال المحترم‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

69
  • العلّامة السيّد مرتضى العسكريّ أدام الله أيّام بركاته‌۱ فحللت ضيفاً عليه في منزله في محلّة الكرّادة الشرقيّة٢. و لم يحالفني التوفيق خلال تلك الأيّام للتشرّف بزيارة الحرم المطهّر إلّا لمرّة واحدة فقط، و كان الحديث يدور غالباً في المسائل العلميّة و الاجتماعيّة و طبيعة الانحراف لدى المسلمين و سبل معالجته.

  • و لقد أوصل الحاجّ عبد الزهراء نبأ قدومي إلى كربلاء، فقام الحاجّ محمّد علي بمصاحبة سماحة الحاجّ السيّد هاشم للزيارة إلى الكاظميّة، فبقيا هناك عدّة أيّام استفدنا فيها كثيراً من محضره.

  • بيان حالات التجرّد الممتدّة و المستمرّة للسيّد الحدّاد

  • و كان حال السيّد الحدّاد آنذاك بشكل انصرف معه من عالم الطبيعة بشكل كامل، فلم يكن ليحسّ بالجوع، و لم يكن ليميّز للطعام مذاقاً، و لم يكن ليسمع صوتاً إلّا بصوت عال يكرّر عليه المرّة تلو المرّة؛ و لو أمكننا أن نصوّر خلع البدن خلال الأيّام المتمادية و الشهور المتوالية بشكل متناوب، لكان وجود السيّد الحدّاد انموذجه العينيّ و الخارجيّ.

  • و كنّا نبيت في تلك الليالي في بيت الحاجّ عبد الزهراء الواقع في منطقة سكنيّة حديثة الإنشاء في الكاظميّة، تحوطه بساتين النخيل و البرتقال من كلّ جانب كما زرعت الخضروات و البقول في أرضه. و كان الهواء عليلًا و لطيفاً جدّاً، و مع أنّ الوقت كان يصادف الأشهر الأولى‌

    1. باعتبار أنّ السيّد مرتضي العسكريّ دامت بركاته هو حفيد بنت المرحوم آية الله الميرزا محمّد الطهرانيّ الذي كان مقيماً بسامرّاء، و كانت المرحومة جدّتي لوالدي أي والدة أبي المسمّاة بـ «بي‌بي شهربانو» اخت الميرزا محمّد، لذا فقد صار العلّامة العسكريّ حفيد خال أبي.
    2. تقع الكرّادة الشرقيّة في الجانب الشرقيّ من بغداد علي نهر دجلة، كما تقع كرّادة مريم في الجانب الغربيّ منه.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

70
  • للربيع، فلا بدّ من استعمال الأغطية (اللحاف) ليلًا. و كانوا قد وضعوا فراش السيّد الحدّاد في الغرفة بجوار النافذة المفتوحة المشرفة على البساتين، و كان فراشي إلى جانبه. فلمّا أصبحنا قال السيّد: اصبتُ بالبرد ليلة البارحة، و لقد كان الهواء لطيفاً أوّل الليل فلم ألقِ على جسدي غطاءً، ثمّ برد الجوّ عند منتصف الليل فأحسست بلذع البرد بحيث عجزت فيه عن النوم؛ فحاولت القيام لإغلاق النافذة، فأحسست أن لا قدرة لي على الحركة! ثمّ حاولت أن ألقي عَلَيّ الغطاء الموضوع عند قدمي، فعجزت عن الحركة! فأردت أن أقول: أيّها السيّد محمّد الحسين، ألقِ عَلَيّ الغطاء؛ فرأيت أن لا قدرة لي على الكلام. و هكذا فقد بقيت على حالي تلك إلى الصباح و اصبت بالبرد الشديد.

  • و كان الرفقاء من الكاظميّة يقولون: لقد جئنا يوماً مع السيّد الحدّاد من كربلاء إلى الكاظميّة في سيّارة نقل عامّة صغيرة (سيّارة عراقيّة في هيئة علبة الكبريت تتّسع لعشرين راكباً) فجاء مساعد السائق في الطريق ليجمع الاجرة من المسافرين، فسأل: كم عددكم؟ أجاب السيّد الحدّاد: خمسة أشخاص.

  • فقال: كلّا، أنتم ستّة أشخاص! فكرّر السيّد العدّ و قال: بل نحن خمسة! و لقد كنّا نعلم أنّنا ستّة أشخاص، لكنّنا تعمّدنا عدم قول شي‌ء ليتّضح أمر السيّد الحدّاد. قال مساعد السائق من جديد: أنتم ستّة!

  • فقال السيّد: خُوُيَ مَا اتْشُوُفْ؟! هَذَا وَاحِدْ، او هَذَا اثْنَيْنْ، او هَذَا اثْلَاثَهْ، او هَذَا أرْبَعَهْ، او هَذَا خَمْسَهْ! بَعَدْ شِتْگُوُلْ إنْتَ؟!

  • قال: يَا سَيِّدْ! إنْتَ مَا تِحْسِبْ نَفْسَكْ؟!۱

    1. ما ورد في المتن هو نصّ كلام السيّد باللهجة العراقيّة العامّيّة، و يعني: أ لَا ترى يا أخي؟! هذا واحد، و هذا اثنان، و هذا ثلاثة، و هذا أربعة، و هذا خمسة. فما ذا تقول بعد؟!
      قال: أيّها السيّد! أ لَا تعدَّ نفسك؟! (م)

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

71
  • و كان الرفقاء يقولون، و لقد كان عجيباً أنّ السيّد الحدّاد بقي مع ذلك لا يلتفت إلى نفسه، و مع أن معاون السائق يقول له: إنّك لا تعدّ نفسك، إلّا أنّه كان غارقاً في عالم التوحيد و الانصراف من عالم الكثرة، للحدّ الذي عجز معه -مع هذا- أن يلتفت إلى لباس البدن فيعدّه ضمن الركّاب و يضيفه إلى مجموعهم.

  • و لقد قال السيّد الحدّاد بنفسه للحقير: لم أستطع في تلك الحال بأيّ شكل أن أعدّ نفسي، فقال الرفقاء لي أخيراً: أيّها السيّد! عدّ نفسك أنت أيضاً، فهذا الرجل صادق فيما يقول حين يريد منّا اجرة ستّة أشخاص. و هكذا فقد أعطيته اجرة ستّة أشخاص بغير يقين منّي بكلامه و لكن تعبّداً بقول الرفقاء. ثمّ ترجّلنا من السيّارة للصلاة في مسجد بَراثا، و هناك رأيت إمام المسجدالشيخ علي الصغير مشغولًا -هو الآخر- بالحديث عن التوحيد و المناداة بنداء: لا هو إلّا هو!

  • و حين قَدِمنا إلى الكاظميّة و ذهبنا إلى المغاسل العموميّة للتوضّؤ، رأيت أنّني أجهل التوضّؤ. فيا إلهي! لما ذا أجهل كيفيّة الوضوء؟! بل إنّي لا اميِّز وجهاً و لا يميناً و لا شمالًا. فما العمل و الصلاة لا تجوز بغير وضوء؟! قلت في نفسي: فلأسأل عن كيفيّة الوضوء من هذا الرجل المنهمك بالتوضّؤ، ثمّ قلت في نفسي: ما الذي سيجيبني به يا ترى؟!

  • ألن يقول لي: أيّها السيّد العجوز! أ لَا تعرف الوضوء و قد انقضى من عمرك ستّون سنة؟!

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

72
  • ثمّ أحسست و أنا أتّجه نحوه أنّ الوضوء جاء تلقائيّاً، فقد مددت يدي إلى الماء بلا اختيار و لا علم، فغسلت وجهي ثمّ يدي، ثمّ مسحت المسحين، فرأيت ذلك الرجل المنهمك في وضوئه يقول لي حالما لمحني: أيّها السيّد! الماء هو الله، الوضوء هو الله؛ لا يخلو من الله مكان!

  • كيفيّة فناء السيّد الحدّاد في الله و تحيّره في ذات الله‌

  • و كان السيّد يقول: كنتُ أحسّ أحياناً بخفّة الوزن و فقدان الأثر، تماماً مثل قشّة من التبن دائرة مع الهواء. و كنت أحسّ أحياناً بالتجرّد من بدني، تماماً كما تفعل الحيّة حين تبدّل جلدها، و كنتُ أصبح شيئاً آخر، و لقد كان بدني و أعماله أشبه بجلد حيّة، يظهر بشكل كامل كأنّه حيّة واقعيّة يخيّل لمن يراه من بعيد أنّه كذلك، لكنّه في الحقيقة ليس إلّا جلداً للحيّة.

  • و كان يقول: و لقد تكرّر كثيراً أن أذهب للحمّام، فأخرج منه و قد ارتديت الدشداشة (اللباس العربيّ الطويل) مقلوبة.

  • و يضيف: و كان صاحب الحمّام يقف دوماً خلف الصندوق فيستلم من الواردين نقودهم و ودائعهم، فيسلّمها إليهم عند خروجهم. فذهبت يوماً للحمّام و دفعت نقودي عند دخولي لصاحب الحمّام الواقف خلف صندوقه، فلمّا خرجت و أردت استرجاع ما استودعته، كان مساعده يجلس خلف الصندوق فسأل: أيّها السيّد، كم تبلغ وديعتك؟

  • قلت: دينارين! فقال: لا، يوجد هنا ثلاثة دنانير فقط!

  • قلت: لِمَ تؤخّرني؟ خذ واحداً منها لك و أعطني دينارين لأذهب. فلمّا سمع صاحب الحمّام كلامنا سأل مساعده: ما الأمر؟! قال: هذا السيّد يقول إنّ لديه دينارين، و هنا ثلاثة دنانير.

  • فقال له: لقد استلمت منه ثلاثة دنانير بنفسي، هذه الدنانير الثلاثة له؛ و لا تصغِ أبداً إلى كلام هذا السيّد لأنّه غالباً مضطرب و حاله ليست على ما يُرام!

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

73
  • و كان السيّد الحدّاد يقول: لقد كنتُ آنذاك في حال لا يمكنني معه أن أتأخّر هناك لحظة واحدة لأتكلّم معهم، و لو عطّلوني قليلًا لتركتهم و ذهبت.

  • و كان يقول: إنّ علوماً في منتهى العمق و البساطة و الكلّيّة تمرّ عَلَيّ في كلّ آن، و حين احاول الالتفات إلى أحدها في اللحظة التالية اشاهد أنّها ابتعدت -و يا للعجب- عنّي فراسخ عدّة.

  • و هكذا فقد توقّفت في الكاظميّة لعدّة أيّام كنت فيها معه، شددنا بعدها الرحال إلى كربلاء فحللنا في منزله. و كانت تلك الدكّة في زاوية المسجد قد خُرِّبت خلال توسعة شارع العبّاسيّة، فصارت ضمن رصيف الشارع، فلم يبقَ للسيّد محلّ آخر للعبادة و الخلوة، حتّى في منزله المتواضع لكثرة عياله؛ فاضطرّ إلى الاستفادة من منزل يقع في آخر الزقاق المغلق الذي يقع فيه منزله. و هو منزل أشبه بالخربة يعود إلى والد الحاجّ محمّد حسن شركت من سهم الثلث و الخيرات العائد له، وضعه تحت تصرّف ولده، فوضعه بدوره تحت تصرّف سماحة الحاجّ السيّد هاشم ليستفيد منه. و كان يضمّ غرفتين -إحداهما تعلو باب المنزل لا تتجاوز أبعادها عن ٢ × ٢ متراً، و الاخرى في الداخل لا تتجاوز هي الاخرى عن ٢ × ٣ متراً- و فيه سرداب صغير، فخمّنتُ أنّ مساحة ذلك المنزل لا تتجاوز الأربعين إلى الخمسين متراً.

  • لكنّ هذا المنزل كان يمتاز -مع قدمه و تصدّعه و رطوبته و الاحتمال الكبير في انهيارهـ بوقوعه في نهاية الزقاق المغلق، فكان لهذا محلًّا أميناً خالياً من الصخب و الضوضاء، و مناسباً جدّاً ليكون محلّا لعبادة السيّد و لاستقبال ضيوفه.

  • و على الرغم من الصخب الشديد الذي كان يثيره أطفال المنطقة، إلّا

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

74
  • أنّه كان يقول: إنّني لا أسمع صخباً!

  • و صادف أن وفد عليه ذلك الوقت بعد أيّام الحجّ أحد أقاربه في النسب ترافقه زوجته، فأعطاه تلك الغرفة التي تعلو باب البيت ليستريح فيها، فما انقضت ساعة إلّا و هبط منها إلى الأسفل و ذهب إلى السرداب قائلًا: إنّ صراخ أطفال الزقاق و صخبهم لا يمنع من النوم فقط، بل إنّه أمر غير محتمل حال اليقظة.

  • فقال السيّد: إنّني لا أسمع صخباً، و كنت مرتاحاً في الأوقات التي أقضيها في تلك الغرفة.

  • عسرة معيشة سماحة السيّد الحدّاد خلال فترة الفناء الذي لا يوصف‌

  • و لقد أدى به التوارد المتوالي لتلك الحالات، إلى أن صار تحمّل العمل و الكسب متعذّراً عليه، أي أنّ بدنه كان ينهار و روحه كانت تنصرف عن عالم الطبع، بالشكل الذي جعل إدارة امور عالَم الطبع من أعسر المشاكل، بل من الامور المتعذّرة و المستحيلة. لذا فقد أناط إدارة الدكّان إلى مساعده السابق كي يأخذ لنفسه من حاصل العمل ما يكفيه و يجلب الباقي للسيّد.

  • و كانت تلك هي طريقته حتّى عند ما كان يذهب بنفسه إلى الدكّان؛ إذ لم يكن قد عيّن مرتَّباً معيَّناً لمساعده، و لم يكن يتناصف معه ما يكسب من العمل من الصباح حتّى وقت تعطيل الدكّان، بل كان يقول لمساعده: كم تحتاج اليوم؟ فكان يقول مثلًا: نصف دينار! أو سبعمائة فلس، أو أيّ مبلغ آخر؛ فكان يعطيه ذلك و يجعل ما تبقّى لنفسه. و ربّما كان يبقى له أحياناً خمسون فلساً فقط، أو لا يبقى له شي‌ء؛ و كم كان يرجع بتلك الخمسين فلساً إلى البيت أو يعود بأيدٍ خالية.

  • فما الذي سيفعله -ترى- بهذه العائلة الكبيرة؟! إنّ الله سبحانه يبيّن هنا واجب رفقاء الطريق بأن يراقبوا بدقّة كاملة و يهتمّوا بحال بعضهم‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

75
  • البعض، فإذا صادف أن واجهت أحدهم جذبة روحيّة شديدة جعلته يعجز عن تدبير امور عائلته بحيث يتعرّضون للفاقة و الحاجة، فإنّ على رفقائه أن لا يَدَعوه يتردّى في وادي الفقر و الهلاك، بل عليهم أن يتعاهدوه و عائلته من أموالهم حتّى يخرج السالك من تلك الحالة فيمكنه تدبير اموره بنفسه.

  • نعم، عليهم ألّا يؤجّلوا أمر مساعدته و تدبير اموره إلى حين دفع الحقوق الشرعيّة الواجبة كالخمس أو من صدقاتهم و زكاتهم و كفّاراتهم، بل عليهم أن يتكفّلوا امور عائلته بجميع ما يملكون، بلا حساب و لا تردّد أو تأخير، كما لو كانوا يتعاهدون امور عوائلهم، بل أولى و أفضل و أتمّ و أكمل من عوائلهم.

  • ذلك لأنّه رفيقهم في الطريق، الرفيق الذي أنهكته المجاهدات النفسيّة في سبيل الله تلك المجاهدة الكبرى و الجهاد الأكبر، الرفيق الذي جعلته شدّة الواردات المعنويّة و الحالات الروحيّة و التجرّدات النفسيّة و شدّة الاتّصال بعالم الغيب و ظهور التجلّيات الإلهيّة ينسلخ عن الالتفات إلى عالم الكثرة. فهل هناك جهاد أعظم من هذا؟ و هل هناك إنفاق أولى من هذا؟

  • صعوبة وصف صبر الحدّاد و تحمّله في الشدائد و الامتحانات الإلهيّة

  • و لكن و يا للأسف الشديد! فها هو السيّد هاشم الذي لا يعلم جيرانه بحالاته، و الذي ليس لعياله اطّلاع على حاله، و الذي لا يعلم حتّى ولده ما أمره! فلم يكن ينبس ببنت شفة في البوح بالأسرار الإلهيّة، و لم يكن طبعه المنيع و روحه المتعالية لتسمح له أن يبيّن هذه الشدّة و العسرة، أو يذكر هذا الامتحان العظيم و الابتلاء الإلهيّ الكبير حتّى لأقرب الأصدقاء الحميمين و الرفقاء المخلصين في هذه المسيرة؛ اللهمّ إلّا اولئك الرفقاء الذين يقومون بأنفسهم بالتنقيب و التفتيش و الاستطلاع، و الذين يسعون و يجهدون في مراقبة و متابعة حال رفيقهم و أمره.

  • و من الواضح أنّ المتمكّنين من الرفقاء مشغولون بالعمل و الكسب،

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

76
  • فيستبعد أن يصدر من أحدهم مثل هذا التفحّص و التفقّد؛ أمّا العاجزون و الفقراء فما أكثر منهم من تابع الاستاذ -إن قليلًا أو كثيراً- في العسرة و في الواردات القلبيّة، و كان تفقّدهم للأمر أحرى أن يزيدهم غمّاً إلى غمّهم! كما أنّ بيان الأمر للآخرين من قبل أحدهم يعدّ خطأ و إفشاءً للسرّ؛ لو اطّلع الاستاذ عليه و علم به لأسقط ذلك الشخص من الثقة و الاعتبار.

  • و صادف في هذا السفر أن كانت العسرة قد وصلت لديه إلى حدّها الأعلى، كما أنّ الواردات القلبيّة كانت في أوجها، فكان وجهه يحمرّ و عيناه تتلألآن ممّا يجعل سيماء وجهه في منتهى الروعة. كما كان أحياناً يتهالك و يعتريه التحوّل و الاصفرار، و ينتاب عظامه الألم خلال سرده لواردةٍ جلاليّة.

  • ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ ، وَ يَبْقى‌ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ‌﴾.۱

  • و نلحظ في هذه الآية الكريمة أن ﴿ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ﴾ جاءت صفة إلى ﴿وَجْهُ رَبِّكَ﴾ و ليس إلى ﴿رَبِّكَ﴾، فوجه الربّ هو الخالد الذي تنزّه عن الحدوث و هو المرتدي لخلعتَي: رحمة الجمال و الإكرام، و عزّة الجلال و العظمة.

  • و كان سماحة الحاجّ السيّد هاشم يكثر في هذا السفر من تلاوة القرآن بصوت حزين و جميل، و كانت تلاوته جذّابة جدّاً و ملهبة و مفنية؛ كما كان يقرأ أبيات ابن الفارض و يترنّم بها، خاصّة تائيّته الكبرى.

  • و كنتُ أقتدي به في صلاة الصبح و الظهر و العصر حين لا يكون في البيت من أحد، اللهمّ إلّا أحد الرفقاء الحميمين، أمّا في صلاتَي المغرب و العشاء فكان يقتدي بالحقير. و كانت صلاتنا تجري غالباً على السطح،

    1. الآيتان ٢٦ و ٢۷، من السورة ٥٥: الرحمن.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

77
  • و كان يأمر الحقير بقراءة السور الطوال في الصلاة مثل يس و الواقعة و المسبّحات۱ و تبارك و المنافقون و ﴿هَلْ أَتى﴾‌ و ما أشبهها و ذلك ليثبّتني في القراءة و في نفي الخواطر حين يقتدي بي؛ و كان يقول: هكذا أفضل من أن تقتدي أنت بي!

  • و كان الحقير يختار إحدى هذه السور لقراءتها في الصلوات، و بالطبع بلحن و صوت حزين حسب أمره؛ أمّا الحاجّ محمّد علي فكان يقتدي في هذه الصلوات بالسيّد، بحيث كنت أنا إماماً و السيّد مأموماً، فكان الحاجّ محمّد علي يقتدي في هذه الجماعة بالسيّد و يقول: لستُ قادراً على الاقتداء بغير السيّد!

  • و لقد وبّخه السيّد مرّات في حضوري، و قال له: أنت تخالف الشرع بعملك، فالاقتداء بالمأموم غير جائز! فكان يجيب: إنّ السيّد أينما كان هو الإمام في عالم الواقع، سواء كان مأموماً أم إماماً؛ و لست أقدر و أنا الذي أدركت هذا الأمر، أن أقتدي بسواه.

  • فكان السيّد يقول: لو صحّ كلامك لوجب عليك أن تقتدي بالسيّد محمّد الحسين لا بي؛ لأنّك تعدّني إماماً في كلّ حال، إماماً أو مأموماً. لكنّ الحاجّ محمّد علي لم يكن ليقتنع بهذا الكلام، حتّى أنّه لم يقتدِ بي -مع وجود السيّد مرّة- واحدة طوال الأعوام المتمادية.

  • كيفيّة صلاة الليل و سجدات الحاجّ السيّد هاشم الحدّاد

  • و كان السيّد يتناول أوّل الغروب بعد صلاة المغرب طعاماً بسيطاً، بعنوان طعام العشاء كان يُجلب له من منزله المجاور، الذي تعيش فيه عائلته و الواقع في بداية الزقاق، ثمّ يرقد بعد أداء صلاة العشاء و ينهض بعد ساعة، فيهبط من السطح و يتوضّأ، ثمّ يصعد فيصلّي ركعات يقرأ فيها من السور

    1. المسبّحات عبارة عن خمس سور: الحديد، الحشر، الصفّ، الجمعة و التغابن.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

78
  • الطوال في القرآن بصوت جميل و لحن رائع، ثمّ يجلس تجاه القبلة فيبقى متأمّلًا، ثمّ يرقد، ثمّ يستيقظ مرّة أخرى فيصلّي ركعات بتلك الكيفيّة؛ و كانت الليالي قصاراً فلم يكن ليتبقّى وقت طويل لحلول أذان الصبح. و كان كثيراً ما يقول في تلك الحال أو في المرّة الأولى حين يستيقظ: أيّها السيّد محمّد الحسين! هات شاياً أو ماءً مغليّاً! فكان الحقير يهبط إلى الأسفل فيعدّ الشاي على سراج نفطيّ و يجلبه على الفور.

  • و كان السيّد يقول: لقد كان السيّد المرحوم نفسه هكذا (يقصد المرحوم القاضيّ) فقد كان يأمرنا و يقول: تناولوا شيئاً بسيطاً حين تنهضون لصلاة الليل، كالشاي أو اللبن الرائب الممزوج بالماء أو عنقوداً من العنب أو شيئاً بسيطاً آخر يخرج بدنكم من حال الفتور و الكسل، و ليكن لكم نشاط للعبادة.

  • و هكذا فقد كنتُ أجلب له إلى السطح ما يرغب في تناوله، الماء المغلي أو الشاي أو اللبن الرائب الممزوج بالماء أو الخيار (و لم يكن العنب قد حان أوانه آنذاك) ثمّ اصلّي معه صلاة الصبح بعد الأذان فكان يسجد بعدها فتطول سجدته إلى نصف ساعة أو ثلاثة أرباع الساعة و لربّما إلى ساعة كاملة. و كان يذهب أحياناً إلى الحمّام ليغتسل بالماء و يخرج لزيارة القبر المطهّر لسيّد الشهداء عليه السلام و القبر المطهّر لأبي الفضل العبّاس سلام الله عليه، ثمّ يعود إلى البيت بعد تهيئة بعض احتياجات المنزل.

  • و حلّت ليلة عرفة، فوفد سيل من الرفقاء من النجف و الكاظميّة و السماوة و إيران، فغصّت بهم ساحة المنزل و غرفه و شُرفته، ثمّ قُرئت بعض أدعية ليلة عرفة؛ و كان حقّاً مجلساً جذّاباً و شيّقاً. ثمّ تناول الجميع طعاماً بسيطاً و غادروا المنزل للزيارة و للقيام بأعمال تلك الليلة، ثمّ عاد منهم إلى المنزل عدّة قليلة يعدّون من أخصّ أصدقائه و رفقائه.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

79
  • ثمّ تشرفتُ بالذهاب إلى النجف الأشرف برفقته للقيام بالزيارة المخصوصة لعيد الغدير، و كنتُ و جميع الرفقاء مدعوّين ظهر يوم العيد في منزل السيّد حسين النجفيّ. و كان هناك سماحة آية الله الشيخ عبّاس مع أتباعه جميعاً؛ فكان هو الآخر محفلًا شيّقاً مثيراً للوجد و الحبور.

  • ثمّ عاد السيّد إلى كربلاء في اليوم التالي للعيد، و بقي الحقير أيّاماً قلائل للتشرّف بالزيارة و الاستزادة منها و لتجديد العهد مع الأصدقاء السابقين. و كنت قد حللت في منزل الاستاذ الحاجّ الشيخ عبّاس، حيث بقيت في النجف الأشرف حتّى اليوم الرابع و العشرين و هو يوم‌ مباهلة رسول الله و أهل بيته لنصارى نَجْران، و اليوم الخامس و العشرين و هو يوم التصدّق بالخاتم و نزول سورة «هل أتى» في شأن أهل البيت عليهم السلام. و كانت أيّام محرّم الحرام قد قربت و نحن على مشارف طلوع هلاله المثير للحزن و الأسى حين عدنا إلى كربلاء لنحظى ببركات العزاء تحت قبّة الحسين عليه السلام.

  • و من الواضح أنّ منزلي الحقيقيّ في ورودي إلى كربلاء و خروجي منها كان منزل سماحة السيّد الحدّاد؛ ذلك لأنّ العلاقات بيننا كانت حميمة و خالصة إلى درجة كبيرة، بحيث كان يعدّني ولده، و كان أولاده يعاملونني معاملة الأخ لهم. لكنّ الحقير لم يكن يرفض فقط اعتبار نفسه ولداً للسيّد، (إذ لم أكن ولده جسماً و لا روحاً)، بل لو شئنا اختيار اسم يعبّر حقّ التعبير عن وضعي لما وجدنا غير تعبير الغلام المولود بين الاسرة. نعم! لقد كنت ذلك الغلام الذي وُلِدَ في هذا المنزل و وجد في كرامة السيّد و مدده و معونته، حياته الجديدة.

  • و قد صادف أنّ هذا الاسم قد طابق المسمّى من جهة معيّنة؛ ذلك لأنّ والدة الحقير كانت قد ثقبت اذني اليمنى زمن طفولتي و وضعت فيها حلقة

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

80
  • باسم «الحلقة الحيدريّة» و كانوا ينادونني: الغلام الحيدريّ، أي أنّ هذا الغلام كان العبد الطيّع لحيدر.

  • و لقد بَقِيَتْ اذني اليمنى مثقوبة لم تلتئم حتّى اليوم و غير قابلة للالتئام بعد، فكيف يمكن لمن انعقدت نطفته بولاية حيدر، و رشف مع اللبن ولاية حيدر و ثُقِبَتْ اذنه باسم حيدر و ختمه، فوضع فيها حلقة العبوديّة أن يكفّ عن تبعيّته و عبوديّته ظاهراً و باطناً، سرّاً و علناً؟!

  • لقد كان سماحة السيّد الحدّاد أبي الواقعي حقّاً، و كان دخولي منزله و خروجي منه في جميع الأسفار هو دخول و خروج أهل البيت؛ لذا فإنّ من الواضح بعد العودة من النجف أن يعود المسافر إلى بيته و أهله.

  • تفصيل وقائع عاشوراء التي كانت عشقاً محضاً

  • لقد كان وضع سماحة الحدّاد متغيّراً و متقلّباً طوال الأيّام العشرة للعزاء، و كان وجهه يحمرّ و عيناه تتلألآن و تنيران؛ لكنّ حال الحزن و الغمّ لم تكن لتبدو عليه، بل كان الابتهاج و السرور يملأ كيانه. و كان يقول: كم أنّ هؤلاء الناس غافلون حين يحزنون و يقيمون المأتم و العزاء لهذا الشهيد القتيل! إنّ مسرح عاشوراء من أبدع مناظر العشق، و من أروع مواطن الجمال و الجلال الإلهيّ، و أحسن مظاهر أسماء الرحمة و الغضب؛ و لم يكن ليمثّل لأهل البيت عليهم السلام إلّا العبور من الدرجات و المراتب، و الوصول إلى أعلى ذروة الحياة الخالدة و الانسلاخ عن المظاهر و التحقّق بأصل الظاهر، و الفناء المطلق في الذات الأحديّة.

  • و لقد كان في الحقيقة يوم سرور أهل البيت و بهجتهم، لأنّه يوم الظفر و نيل المنى و الفوز بورود حريم الله و حرم أمنه و أمانه، يوم تخطّي الجزئيّة و الدخول إلى عالم الكلّيّة، يوم النصر و النجاح و بلوغ المنشود الغائيّ و الهدف الأصليّ، يومٌ لو كشف عن جزء منه للسالكين و العاشقين و الولهين في طريق الله، لجعلهم إلى آخر العمر مدهوشين من فرط

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

81
  • السرور، و لخرّوا ساجدين إلى يوم القيامة شكراً للّه.

  • كان سماحة السيّد الحدّاد يقول: إنّ الناس غافلون، أصمّت محبّة الدنيا آذانهم و أعمت أعينهم، بحيث صاروا يتأسّفون لذلك اليوم و يئنّون‌أنين الثكلى! فهم لا يعلمون أنّها بأجمعها فوز و نجاح و معاملة رابحة لابتياع الأشياء النفيسة و الجواهر الثمينة مقابل إعطاء الخزف و القشور؛ و أنّ ذلك القتل لم يكن موتاً بل كان عين الحياة، و لم يكن انقطاعاً و انصراماً للعمر بل حياة الخلود السرمديّ.

  • قراءة سماحة الحدّاد أشعار «المثنويّ» في غفلة عامّة الناس عن عاشوراء

  • و كان يقول: لقد قَدِم شاعر على أهل حلب، فقال:

  • گفت آرى ليك كو دور يزيد***كِى بُد است آن غم چه دير اينجا رسيد
  • چشم كوران آن خسارت را بديد***گوش كرّان اين حكايت را شنيد۱
  • و لقد كان سماحة السيّد الحدّاد يبكي كثيراً و يذرف الدموع غزاراً في الأيّام العشر الأوائل من المحرّم، و كلّ ذلك البكاء من فرط الشوق؛ و كانت دموعه تنصبّ أحياناً من شدّة الوجد و السرور أشبه بميزاب يصبّ ماء الرحمة و مطر العشق على محاسنه الشريفة.

  • و كان يقرأ في كتاب مولانا محمّد البلخيّ الروميّ هذه الأشعار و يردّدها بصوت لا أروع و لا أبدع منه! لا تزال نبراته و تلك النغمات و فيض الدموع ذلك مجسّماً في خاطري؛ لكأنّ الحدّاد قد جلس الآن أمامي‌

    1. يقول: «قال الشاعر: نعم، و لكن أين عصر يزيد، و متى كان هذا الحزن؟ و كم وصل إلي هنا متأخّراً؟!
      فلقد رأي حتّى العميان هذه الخسارة، و سمع حتّى الصمّ بهذه الحكاية».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

82
  • أشعار المولويّ في مرثيّة سيّد الشهداء عليه السلام‌

  • و كتاب «المثنويّ» بيده يقرأ:

  • زادة ثانى است أحمد در جهان‌***صد قيامت بود او اندر عيان‌
  • زو قيامت را همى پرسيده‌اند***كاى قيامت! تا قيامت راه چند
  • با زبان حال مى‌گفتى بسى***كه ز محشر حشر را پرسد كسى؟
  • بهر اين گفت آن رسول خوش پيام‌***‌رَمْزِ موتوا قبل موتوا۱ يا كرام‌
  • همچنان كه مُرده‌ام من قبل موت‌***زانطرف آورده‌ام من صيت و صوت‌
  • پس قيامت شو قيامت را ببين‌***ديدن هر چيز را شرطست اين‌٢
    1. «رمز موتوا»: إشارة إلي الحديث النبويّ الشريف: مُوتُوا قَبْلَ أنْ تَموُتُوا؛ أي: اختاروا الموت الاختياريّ كي لا تروا حال الموتى!
    2. «مثنوي معنوي» للملّا الروميّ، المجلّد السادس، ص ٥۷۰ و ٥۷۱، طبعة آقا ميرزا محمود؛ و في طبعة ميرخاني: ص ٥٥۰ إلي ٥٥٢:
      يقول: «إنّ المولود الثاني في العالم هو أحمد، و كان يمثّل عياناً مائة قيامة.
      لذا فقد كانوا ينشدونه عن القيامة فيقولون: أيّها القيامة! متى تأتي القيامة؟
      فيجيب بلسان الحال: أهناك ثَمّ من يسأل المحشر عن الحشر؟!
      و لهذا قال ذلك الرسول المبشّر رمزاً: موتوا قبل أن تموتوا يا كرام!
      و هكذا فعلتُ حين متُ قبل موتي، و جئتُ بهذا الصدي و النداء و من ذلك الجانب.
      فكن قيامة لتري القيامة، فإنّ رؤية كلّ شي‌ء تستلزم هذا الشرط».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

83
  • تا نگردى اين ندانيّش تمام‌***خواه كان أنوار باشد يا ظلام‌
  • عقل گردى عقل را دانى كمال‌***عشق گردى عشق را بينى جمال‌
  • نار گردى نار را دانى يقين‌***نور گردى هم بدانى آن و اين‌
  • گفتمى برهان بر اين دعوت مُبين‌***گر بدى إدراك اندر خورد اين‌
  • هست أنجير اين‌طرف بسيار خوار***گر رسد مرغى قُنُق أنجيرخوار
  • در همه عالم اگر مرد و زنند***دم به دم در نزع و اندر مردنند
  • اين سخنها را وصيّتها شمر***كه پدر گويد در آن دم با پسر۱
    1. يقول: «و ما لم تتحوّل إليه و تصبح في مقامه لم تره، سواء كان نوراً أم ظلاماً.
      و لو تحوّلت عقلًا لرأيت العقل هو الكمال، و لو تحوّلت عشقاً لرأيت العشق هو الجمال.
      و لو صرتَ ناراً لعلمت النار يقيناً، و لو استحلتَ نوراً لعلمت هذا و ذاك.
      إنّ قولي هذا برهان مبين لمدّعاي، لو كان هناك من يدركه.
      و لو حطّ طائر يأكل التين فحلّ هنا ضيفاً، فإنّ هناك تيناً كثيراً مطروحاً في هذا الجانب. (يقصد: لو جاء من يدرك حقائق و أسرار الغيب فإنّ هنا الكثير منها).
      و كلّ مَن في العالم من الرجال و النساء، هم في حال النزع و الاحتضار في كلّ حين.
      فعُدّ هذه الأقوال وصايا أب يفضي بها عند نزعه إلي ولده».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

84
  • تا برويد رحمت و غيرت بدين‌***تا ببرّد بيخ بُغض و رَشك و كين‌
  • تو بدان نيت نِگر در أقربا***تا ز نزع او بسوزد دل ترا
  • كل آت آت آن را نقد دان‌***دوست را در نزع و اندر فقد دان‌
  • ور غرضها زين نظر گردد حجيب‌***اين نظرها را برون افكن ز جيب‌
  • در نياز خشك و بر عجزى مايست‌***زانكه با عاجز گزيده معجزيست‌
  • عجز زنجيريست زنجيرت نهاد***چشم در زنجير نه بايد گشاد
  • پس تضرّع كن كه اى هادى زيست‌***باز بودم پشّه گشتم اين ز چيست؟۱
    1. يقول: «من أجل أن تنمو بها الرحمة و الغيرة، و لكي تُستأصل بها جذور الحقد و البغض و الحسد.
      فانظر بهذه النيّة إلي معارفك، ليحزن قلبك عند احتضار أحدهم.
      و اعلم فعلًا أنّ كلّ آت هو آت، و اعلم أنّ أعزّاءك في احتضار و فقدان.
      و إن حجبتك النوايا عن هذا النظر، فانبذها خارجاً من جيبك.
      لا تقف عند الاحتياج و العجز، لأنّ وقوفك علي العجز يعجزك أكثر و أكثر، و عجزك دليل وجود مَن لا يعجز.
      العجز قيد قيّدك به، فلا ينبغي لك أن تحدّق في القيد.
      و تضرّع لمن أعجزك، يا دليل الحياة و الوجود، لقد كنتُ صقراً فَلِم صِرتَ بعوضة؟».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

85
  • سخت‌تر افشرده‌ام در سر قدم‌***كه لَفِى خُسْرَم ز قَهْرَت دم به دم‌
  • از نصيحتهاى تو كر بوده‌ام‌***بت‌شكن دعويّ و بُتگر بوده‌ام‌
  • ياد صنعت فرض تر، يا ياد مرگ‌***مرگ مانند خَزان، تو أصل برگ‌
  • سالها اين مرگ طبلك مى‌زند***گوش تو بيگاه جنبش مى‌كند۱
  • تشبيه مغفّلى كه عُمر ضايع كند و در نزع بيدار شود به ماتم أهل حَلب‌٢

  • گويد أندر نزع جان از آه مرگ‌***اين زمان كردت ز خود آگاه مرگ‌
  • اين گلوى مرگ از نعره گرفت‌***طَبْلِ او بشكافت از ضربِ شگفت‌٣
    1. يقول: «اطأطئ رأسي بين ركبتَيّ، فأنا كلّ لحظة في خُسر من غضبك و قهرك.
      لقد كنتُ أصمّاً عن سماع نصائحك، أدّعي تحطيم الأصنام بينما أصنعها بيدي.
      لا أعلم أيّهما أوجب: ذكر صنعك أم ذكر الموت، فالموت يشبه الخريف بينما أنت أصل الأوراق.
      لقد قرع هذا الموت طبله سنين متمادية، لكنّ اذنك لم تُصغ إلّا بعد فوات الأوان».
    2. تشبيه مغفّل أضاع عمره ثمّ تنبّه عند احتضاره بتعزيه اهل حلب
    3. يقول: «ثمّ صار يتأوّه عند احتضاره، أ وَ ذكّرك الموت نفسه في هذا الأوان. الموت الذي بُحّ من الصراخ، و انشقّ طبله من الفرع الهائل».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

86
  • در دقائق خويش را در تافتى‌***رمزِ مردن اين زمان دريافتى‌۱
  • ما أحسن تحقيق الملّا الروميّ لقضايا عاشوراء!

  • رسيدن شاعر به حلب روز عاشورا و حال معلوم نمودن‌ و نكته گفتن و بيان حال كردن‌٢

  • روز عاشورا همه أهل حَلَب‌***باب أنطاكيّه اندر تا بشب‌
  • گرد آيد مرد و زن جمعى عظيم‌***ماتم آن خاندان دارد مقيم‌
  • تا بشب نوحه كنند اندر بُكا***شيعه عاشورا براى كربلا
  • بشمرند آن ظلمها و امتهان‌***كز يزيد و شمر ديد آن خاندان‌٣
    1. يقول: «لقد كنتَ متمرّداً و مشغولًا عن سماع صرخات الموت و إنذاره فها أنت قد استوعبت الآن سرّ الموت».
    2. وصول الشاعر إلي حلب يوم عاشوراء
      و استفساره عن حالهم و الطعن بهم
    3. يقول: «يوم عاشوراء يجتمع أهل حلب من الصباح إلي الليل عند باب أنطاكية.
      يجتمعون رجالًا و نساءً في مجلس عظيم، ليقيموا مأتم أهل البيت.
      يجتمع الشيعة يوم عاشوراء، لينوحوا و يبكوا علي مصاب كربلاء.
      و ليعدّدوا تلك المظالم و الامتهانات التي بدرت من يزيد و الشمر لأهل البيت».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

87
  • از غريو و ناله‌ها در سرگذشت‌***پر همى گردد همه صحرا و دشت‌
  • يك غريبى شاعرى از ره رسيد***روز عاشورا و آن افغان شنيد
  • شهر را بگذاشت و آن سو راى كرد***قصد جستجوى آن هيهاى كرد
  • پرس پرسان مى‌شد اندر افتقاد***چيست اين غم بر كه اين ماتم فتاد؟
  • اين رئيسى زَفْت باشد كه بمرد***اين چنين مجمع نباشد كار خرد
  • نام او ألقاب او شرحم دهيد***كه غريبم من، شما أهل دِهيد
  • چيست نام و پيشه و أوصاف او***تا بگويم مرثيه ألطاف او۱
    1. يقول: «فكانوا يئنّون و يبكون يوم عاشوراء، حتّى تمتلئ الصحراء و السهول بنياحهم و هم يسردون وقائع ما قد حدث.
      وصل آنذاك شاعر غريب مسافر إلي مدينة حلب، فسمع الأنين و الآهات.
      فترك المدينة و اتّجه نحو باب أنطاكيه، للاستفسار عن أمر ذلك النوح و الضجّة.
      و هكذا فقد جاء يسأل الناس متفقّداً: ما هذا الحزن الذي يغمر هذا المأتم؟
      فاجتماعكم لم يحصل إلّا لأجل زعيم أو شخص كبير، لا لأمر تافه بسيط.
      فاذكروا لي اسمه و ألقابه، فأنا غريب لا أعلم عنه شيئاً؛ و أنتم أهل البلدة.
      و قولوا ما اسمه و ما مهنته و أوصافه، لُانشي مرثيّة في مناقبه».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

88
  • مرثيه سازم كه مرد شاعرم‌***تا از اينجا برگ و لا لَنگى برم‌
  • آن يكى گفتش كه: تو ديوانه‌اى‌***تو نه‌اى شيعه عدوّ خانه‌اى‌
  • روز عاشورا نمي‌دانى كه هست‌***ماتم جانى كه از قرنى به است؟
  • پيش مؤمن كى بود اين قصّه خوار***قدر عشق گوش، عشق گوشوار
  • پيش مؤمن ماتم آن پاك روح‌***شُهره‌تر باشد ز صد طوفان نوح‌۱
  • أبيات عاشوراء في أشعار «المثنويّ»

  • نكته گفتن شاعر جهت طَعن شيعة حَلَب٢

  • گفت آرى ليك كو دور يزيد***كى بُد است آن غم چه دير اينجا رسيد٣
    1. يقول: «و سأنظم مرثيّة -أنا الشاعر- لينالني عطاؤكم و فتات موائدكم.
      فردّ عليه أحدهم: أنت مجنون و غير شيعيّ، و عدوّ لأهل البيت.
      أ لا تعلم ما يوم عاشوراء؟ هذا اليوم المقام لتأبين تلك الروح، اليوم الذي هو خير من قرن كامل من الزمن.
      و كيف يمكن للمؤمن أن يتجاهل هذه القصّة! لأنّ عشق القُرط المعلّق بالاذن ينبغي أن يُماثل عشق الاذن.
      إنّ مأتم تلك الروح الطاهرة، أشهر لدي المؤمن من مائة طوفان نوح».
    2. قول الشاعر في الطعن علي شيعة حلب:
    3. يقول: «قال: نعم، و لكن أين عصر يزيد، و لكن لِمَ وصل هذا الخبر المحزن إلي هنا متأخّراً؟».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

89
  • چشم كوران آن خسارت را بديد***گوش كرّان اين حكايت را شنيد
  • خفته بودستيد تا اكنون شما***تا كنون جامه دريديد از عزا
  • پس عزا بر خود كنيد اى خفتگان‌***زانكه بد مرگيست اين خواب گران‌
  • روح سلطانى ز زندانى بِجَست‌***جامه چون درّيم و چون خائيم دست؟
  • چونكه ايشان خسرو دين بوده‌اند***وقت شادى شد چو بگسستند بند
  • سوى شادروان دولت تاختند***كُنده و زنجير را انداختند
  • روز مُلكست و گَه شاهنشهى‌***گر تو يك ذرّه از ايشان آگهى‌۱
    1. يقول: «فلقد رأي حتّى العميان هذه الخسارة، و سمع حتّى الصمّ بهذه الحكاية.
      أ فكنتم حتّى الآن نائمين، فصرتم الآن تشقّون جيوبكم في العزاء؟
      فاندبوا أنفسكم أيّها النائمون، لأنّ هذا النوم و الغفلة أسوأ موت و أدهاه.
      لقد حلّق روح هذا الملك العظيم متحرّراً من السجن، فلِمَ نشقّ الجيوب و ننفض الأيدي حُزناً؟!
      و حين يحطّم هؤلاء العظماء و ملوك الدين قيودهم، فذاك وقت السرور و الحبور، لا البكاء و العزاء.
      و لقد ألقوا بالقيود و الأغلال التي تكبّلهم، و أسرعوا إلي سرادق الملك و الملكوت.
      و لو كان لك بهم من العلم ذرّة، لعلمتَ أنّ هذا وقت ملكهم و سلطانهم».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

90
  • ورنه اى آگه برو بر خود گرى‌***زانكه در إنكار نقل و محشرى‌
  • بر دل و دين خرابت نوحه كن‌***چون نمي‌بيند جز اين خاك كُهُن‌
  • ور همى بيند چرا نبود دلير***پشت دار و جان سپار و چشم سير؟
  • در رخت كو از پى دين فرّخى‌***گر بديدى بَحر كو كفّ سخيّ؟
  • آنكه جو ديد آب را نكند دريغ‌***خاصه آن‌كو ديد دريا را و ميغ‌۱
  • تمثيل حريص بر دنيا به مورى كه به دانه‌اى از خرمنى قانع نشود٢

  • مور بر دانه از آن لرزان شود***كو ز خرمنگاه خود عُمْيان بود٣
    1. يقول: «أمّا لو جهلتَ ذلك فاذهب لنفسك فاندبها، لأنّك أنكرت الحشر و العالم الآخر.
      و نُحْ علي قلبك و دينك الفاسدَينِ، لأنّ قلبك لا يري إلّا الحمأ المسنون.
      و لو كان مُبصراً فلِمَ يفتقد الشجاعة؟ و لِمَ لا يمتلك الاستقامة و التضحية و القناعة؟
      أين البشاشة و طلاقة الوجه من أثر التديّن؛ و إن كنت رأيت البحر فأين منك يد السخاء و العطاء؟
      إنّ من رأي ساقية صغيرة لا يبخل بالماء و لا يمنعه، فكيف بمن شاهد البحر و السحاب!».
    2. تشبيه الحريص علي الدنيا بالنملة التي لا تقنع من البيدر بحبّة واحدة
    3. يقول: «تتشبّث النملة بالحَبّة بكلتا يديها، لأنّها عمياء عن إبصار البيدر الكبير».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

91
  • مى‌كشد يكدانه را از حرص و بيم‌***چون نمي‌بيند چنان چاش عظيم‌
  • صاحب خرمن همى گويد كه هي‌***اى ز كورى پيش تو معدوم شي‌ء
  • تو ز خرمن‌هاى ما آن ديده‌اى‌***كاندر آن دانه بجان پيچيده‌اى‌
  • اي به صورت ذرّه كيوان را ببين‌***مور لنگى رو سليمان را ببين‌
  • تو نِه‌اى آن جسم، بل آن ديده‌اى‌***وارهى از جسم گر جان ديده‌اى‌
  • آدمى ديده است، و باقى لَحم و پوست‌***هرچه چشمش ديده است آن خير اوست‌
  • كوه را غرقه كند يك خُم زِ نَم‌***مَنفذى گر باز باشد سوى يَمْ‌۱
    1. يقول: «فتسحب تلك الحبّة في طمع و خوف، لأنّها لا تبصر تلّ حبوب الحنطة.
      يناديها صاحب البيدر: أيّتها العمياء التي من شدّة عماها تحسب الشي‌ء الكبير معدوماً!
      أنتِ لم تبصري من بيادرنا إلّا هذه الحبّة الصغيرة التي لَصَقْتِ بها روحاً و قلباً.
      فيا مَن هو في صورة ذرّة في الوجود، انظر إلي الكوكب زُحل! أنت نملة عرجاء فاذهب و انظر إلي سليمان.
      أنتَ لست هذا الجسم، بل ذلك البصر و البصيرة؛ فإذا رأيت الروح تحرّرت من الجسد.
      و ليس البشر إلّا البصر و البصيرة، أمّا الباقي فلحم و جِلد، فما وقع عليه بصيرته فهو خير له.
      إذا وجدت روح الجرّة منفذاً إلي البحر، فإنّها ستغرق الجبل بمائها».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

92
  • چون به دريا راه شد از جان خُم‌***خُم با جِيحون بر آرد اشتلُم‌
  • زين سبب قُلْ گفته دريا بُوَد***گرچه نطق أحمدى گويا بُوَد
  • گفته او جمله دُرِّ بَحْر بُوْد***كه دلش را بُوْد در دريا نفوذ
  • داد دريا چون ز خُمّ ما بُوَد***چه عجب گر ماهى از دريا بُوَد
  • چشم حِسّ افسرده بر نقش قمر***تو قمر مى‌بينى و او مستقرّ
  • اين دوئى أوصاف ديده أحول است‌***ورنه أوّل آخر، آخر أوّل است‌
  • هين گذر از نقش خُم در خُم نگر***كاندر او بحرى است بى پايان و سَر۱
    1. يقول: «إذا وجدت روح الجرّة منفذاً إلي البحر، لفاقت في كبريائها نهر جيحون.
      و لهذا فإنّ كلمة «قُلْ» كانت كلام بحر الالوهيّة، و لو نُطقت بلسان النبيّ محمّد صلّي الله عليه و آله.
      كانت كلمات ذلك العظيم درر ذلك البحر، لأنّ قلبه كان قد وجد سبيله إلي البحر.
      و حين يفيض البحر من جرّتنا؛ فما العجب أن تكون السمكة جزءاً من البحر؟
      إنّ حقيقة القمر ليست غير شي‌ء واحد، لكنّ عين الحسّ المادّيّة الضعيفة تراه في الماء و المرآة شيئاً ثابتاً و مستقرّاً، لكنّك و أنت ذو العقل و الإدراك تشاهد حقيقة القمر المتحرِّك في المنازل و الأشكال المختلفة.
      فهذه الثنائيّة في الأوصاف رؤية الأحول، و إلّا فإنّ الأوّل هو الآخر و الآخر هو الأوّل.
      فتجاوز الآن رسم الجرّة و تأمّل في الجرّة، ففي داخلها بحر لا أوّل له و لا آخر».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

93
  • پاك از آغاز و آخر آن عِذاب‌***مانده محرومان ز قهرش در عَذاب‌
  • اين چنين خُم را تو دريا دان يقين‌***زنده از وى آسمان و هم زمين‌
  • گشته دريائى دوئى در عين وصل‌***شد ز سو در بى سوئى در عين وصل‌
  • بلكه وحدت گشته او را در وصال‌***شد خطاب او خطاب ذوالجلال‌۱
  • نعم، لقد كان الموت بالنسبة لسيّد الشهداء و سيّد المظلومين عليه السلام عين الدرجة و الارتقاء و الفوز و النجاح، لذا جاء في الرواية التي أوردناها في بحث «معرفة المعاد» أنّ المصائب كلما ازدادت و ادلهمّت يوم عاشوراء و كلّما استعر اوار الحرب زاد إشراق وجهه المنير...

  • وَ كَانَ الحُسَيْنُ عَلَيهِ السَّلَامُ وَ بَعْضُ مَنْ مَعَهُ مِنْ خَصَائِصِهِ تُشْرِقُ ألْوَانُهُمْ وَ تَهْدَا جَوَارِحُهُمْ وَ تَسْكُنُ نُفُوسُهُمْ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا لَا يُبَالِي بِالمَوْتِ! فَقَالَ لهم الحُسَيْنُ عَلَيهِ السَّلَامُ: صَبْراً بَنِي الكِرَامِ! فَمَا المَوْتُ إلَّا قَنْطَرَةً تَعْبُرُ بِكُمْ عَنِ البُؤْسِ وَ الضَّرَّاءِ إلى الجِنَانِ الوَاسِعَةِ وَ النَّعِيمِ الدَّائِمَةِ؛ فَأيُّكُمْ يَكْرَهُ أنْ يَنْتَقِلَ مِنْ سِجْنٍ إلى قَصْرٍ؟!

    1. يقول: «و لقد كان ماؤه طاهراً عذباً منذ البدء، أمّا من حُرموا منه فقد بقوا في عذاب من قهره و غضبه.
      فأيقنْ أنّ مَثَل هذه الجرّة، بحر تحيي به السماء و الأرض كلاهما.
      صار في الثنائيّة بحراً حين الوصال، و كان ذا جهة فآل إلي حيث لا جهة و لا حدّ في عين الوصل.
      بل إنّه صار في الوصال عين الوحدة، و صار خطابه خطاب ذي الجلال».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

94
  • ... إنَّ أبي حَدَّثَنِي عَنْ رَسُولِ اللهِ صلّى اللهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ: إنَّ الدُّنْيَا سِجْنُ المُؤْمِنِ وَ جَنَّةُ الكَافِرِ، وَ المَوْتَ جِسْرُ هَؤُلَاءِ إلى جِنَانِهِمْ وَ جِسْرُ هَؤُلَاءِ إلى جَحِيمِهِمْ؛ مَا كَذِبْتُ وَ لَا كُذِبْتُ!۱

  • و ينبغي العلم أنّ ما تفضّل به المرحوم الحدّاد، كان عن حاله الشخصيّ في ذلك الوقت؛ حيث عبر من عوالم الكثرات و وصل إلى الفَناء المطلق في الله. و بعبارة أخرى: فإنّ السفر إلى الله كان قد بلغ غايته، و كان مشتغلًا في السفر الثاني: السفر في الله؛ كما في أحوال الملّا الروميّ عند إنشاده هذه الأشعار، و أحوال ذلك الشاعر الشيعيّ الذي ورد مدينة حلب، حيث تبدّل جانب «وجه الخلق» فيهم إلى جانب «وجه الحقّ» و الوجه الربّيّ و عبروا من درجات النفس و تمكّنوا و استقرّوا في حرم عزّ التوحيد و حريم وصال الحقّ.

  • أمّا بالنسبة لسائر أفراد الناس الذين لم يتخلّصوا من عالم الكثرات و بَقَوا أسرى فيه، و الذين عجزوا عن تخطّى عالم النفس؛ فإنّ عليهم حتماً البكاء و إقامة العزاء و لطم الصدور و قراءة المراثي، ليتمكّنوا بهذا النحو من طيّ الطريق و نيل ذلك المقصد السامي، فهذا المجاز قنطرة للوصول لتلك الحقيقة. كما أنّهم عليهم السلام أمرونا -كما في الروايات الكثيرة المستفيضة- بإقامة العزاء لنطهّر أنفسنا بهذه الوسيلة، و لتتناغم خطانا في هذا الدرب مع اولئك القادة العظام.

  • على أن الأسفار الأربعة حين تُطوى فإنّ من لوازم البقاء بالله بعد مقام‌

    1. «معاني الأخبار» ص ٢۸۸ و ٢۸٩، باب معني الموت، الحديث ٣، الطبعة الحيدريّة، سنة ۱٣۷٩؛ و «معرفة المعاد» من دورة العلوم و المعارف الإسلامية، ج ۱، ص ۸٩، نهاية المجلس الثالث.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

95
  • الفناء في الله هو التشكّل بعوالم الكثرة، و رعاية حقّ كلّ عالم كما هو حقّه، و هو الكون مع الله في عالم الخلق و الاتّصاف بالصفات الخلقيّة في عين الوحدة الربوبيّة، حيث يوجد العشق و العزاء، و التوحيد و الكثرة معاً. و قد شوهدت هذه الحالات نفسها عند سماحة السيّد الحدّاد أواخر عمره، فقد صار له مقام البقاء بعد نيله مقام الفناء الصِّرف و التمكّن في التجرّد، لذا فقد كان مشهوداً منه بكاؤه بحرقة و لوعة في مجالس العزاء مقروناً بالعشق الشديد. كما أنّ سيّد الشهداء عليه السلام قال بنفسه لابنته الحبيبة سكينة:

  • لَا تُحْرِقِي قَلْبِي بِدَمْعِكِ حَسْرَةً***مَا دَامَ مِنِّي الرُّوحُ في جُثْمَانِي‌
  • و باختصار و إجمال: فإنّ قصّة كربلاء قصّة غامضة و معقّدة جدّاً، فهي كالعُملة المعدنيّة ذات وجهين، وجهها الأوّل عشق و حماس سيّد الشهداء عليه السلام و فوزه بتلك العوالم، و الوجه الآخر الغمّ و الهمّ و العذاب و الألم و البكاء. لكن الذين يمكنهم رؤية ذلك الوجه الآخر هم الذين شاهدوا هذا الوجه و تخطّوه و عبروه؛ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ العَامِلُونَ.

  • قراءة سماحة الحدّاد أبيات عاشوراء و كأنّها مختمرة مع روحه و نفسه‌

  • نعم، لقد كان اسلوب و كيفيّة قراءة أبيات مولانا هذه بشكل كأنّ السيّد الحدّاد كان متّحداً مع حقيقة تلك المعاني، فهو يتحدّث عن مَعين واقعيّاتها و حقائقها و معادنها. لكأنّ يوم عاشوراء ماثل أمامه، فهو يُخبرعن ضمير سيّد الشهداء عليه السلام و باطنه و يكشف الستار عن أصحابه و أنصاره.

  • و كان لفظ «الفَناء» أكثر الألفاظ تردّداً على لسان الحدّاد، فلم يكن ليرى مفرّاً و لا مناصاً أسمى من الفناء ليدعو رفقاءه إليه.

  • و لقد بقي الحقير في كربلاء إلى اليوم الثالث لشهادة الحسين عليه السلام، ثمّ ذهبتُ إلى الكاظمين عليهما السلام برفقة الاستاذ في اليوم الرابع عشر من المحرّم و توقّفنا فيها يومين، ثمّ تشرّفتُ بالذهاب معه إلى‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

96
  • سامرّاء مع بعض الرفقاء، و نهلنا من بركات تلك الأنوار القدسيّة أربع ليال عُدنا بعدها إلى الكاظميّة و منها مباشرة إلى طهران حيث وصلتها بعد العشرين من محرّم الحرام و استغرق سفري هذا خمسةً و خمسين يوماً.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

98
  •  

  •  

  • القِسْمُ الثَّالِثُ: السَّفَرُ الثُّانِي لِلْحَقِيرِ إلى العَتَبَاتِ الْمُقَدَّسَةِ، سَنَةَ ۱٣۸٣ هِجرِيَّة قَمَرِيَّة

  •  

  •  

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

100
  •  

  • السفر الثاني للحقير إلى العتبات المقدّسة

  • سنة ۱٣۸٣ هجريّة قمريّة

  •  

  • و في السنة التالية أحسستُ في نفس الفترة برغبة عارمة للتشرّف بزيارة تلك البقاع المقدّسة و عقدت العزم على ذلك، فراجعت مديريّة السفر لأخذ سمة الخروج، و قطعت تذكرة السفر بالسيّارة من شركة سفر «ميهن تور» على أن يبدأ السفر بعد غد ذلك اليوم. و عند ذهابي لتوديع الأرحام و الأقارب، قالت لي إحدى أخواتي التي مضى على وفاتها و التحاقها بالرحمة الإلهيّة اليوم تسع سنين: يا فلان! أنت تذهب للزيارة، و لكنّ نظم البيت سينفرط بدون إشرافكم و رعايتكم المباشرة، و لربّما نال الإجحاف و الظلم بعض أهليكم!

  • فقلت: إنني ذاهب إلى الزيارة، و لست أرضى أن ينال أحداً في هذا الأمر التقرّبيّ ظلم و حيف. و ما دام الأمر كذلك، فقد صرفت النظر عن السفر الآن.

  • و هكذا فقد ذهبت في نفس ذلك اليوم و أعدت تذكرة السفر. و أذكر هذه القضية هنا ليعلم الجيل الآتي مدى ما كان يعانيه رجال الدين و أهل العلم في العهد البهلويّ -الأب و الابن- و ضخامة الأوضاع التي عاصرها الرجال المتديّنون و النساء المحجّبات.

  • لقد ذهبت لإرجاع تذكرة السفر، فقلتُ لأهل بيتي و كانت بصحبتي:

  • إنّ محلّ شركة السفر مزدحم، فانتظروني خارجاً و سأذهب لإرجاع التذكرة و أعود. و حين خرجت وجدتها تسير خلف ضابط و هي تقول:

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

101
  • أيّها السيّد! أنا لست شحّاذة!

  • و لقد كان محلّ شركة السفر (ميهن تور) واقعاً بين شارِعَي «سوّم اسفند» (=الثالث من اسفند) و «ثبت أسناد» (=دائرة تسجيل الأسناد) و هي من المناطق الحسّاسة، إذ يقع هناك مصنع الأسلحة و نادى الضبّاط و دائرة الشرطة و الأمن و وزارة الحربيّة، فهي محلّ تردّد و عبور الكثير من الضبّاط. و لقد شاهد أحد الضبّاط عيالي محجّبة ترتدي العباءة و النقاب فظنّ أنّها شحّاذة و متسوّلة وقفت هناك للاستجداء، لذا فقد وضع في يدها قطعة صغيرة من النقود، فاضطربت و لحقته لإعادة ما أعطاها، فانتبه الضابط و استردّ نقوده و اعتذر قائلًا: سامحيني أيّتها السيّدة!

  • و لم يكن ذلك الأمر مقتصراً عَلَيّ فحسب، بل كان حماة الدين و حرّاسه يعيشون بأجمعهم ظروفاً كهذه حيث تُعدّ فيها العمامة لباساً للاستجداء، و عباءة عِصمة المرأة رداءً لستر الخجل من استلام نقود الاستجداء. أمّا حاليّاً فالفضلاء و الطلّاب يعرفون قدر عمامة رسول الله، كما تصون نساؤنا أنفسهنّ بحجابهنّ و عفّتهن من أعين الغرباء و يحفظنها من النظرات الشيطانيّة.

  • و لعدم تيسّر السفر لي في تلك السنة، فقد شددتُ الرحال إلى العتبات المقدّسة في السنة التي تليها، و في الفترة ذاتها، أي أواخر ذي القعدة الحرام.

  • استئجار سماحة الحدّاد طابقاً في منزل، بعد غصب نصف منزله‌

  • و هكذا، فقد قام الحقير بزيارة الكاظمين عليهما السلام عدّة أيّام، ثمّ تحرّكت مع بعض الرفقاء من الكاظميّة إلى كربلاء. و كان السيّد الحدّاد قد غيّر منزله في هذا السفر، و اضطرّ -كي يقوم بأعمال إصلاح البيت و تعميرهـ إلى استئجار طابق منزل يقع مقابل منزله يحوي ثلاث غرف، لكنّه كان يمتلك سطحاً واسعاً مسيّجاً و كان يستفيد منه في الليالي للصلاة

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

102
  • و لاجتماع الرفقاء في ليالي الجمعة و أيّام الزيارة.

  • و كان منزله ملكاً لعياله، و هبها إيّاه أبوها المدعو بـ «حسين أبو عَمْشة»۱، و كان يحترم السادة و يحبّهم كثيراً و خاصّة صهره السيّد هاشم هذا. و باعتبار كبر عائلة السيّد هاشم فقد قال: إنّ هذا البيت خاصّ بهؤلاء الأطفال السادة. و أوصى بذلك خطّيّاً؛ إلّا أنّ زوج اخت زوجته المدعو بالحاجّ صمد الدلّال أنكر هذه الوصيّة بعد وفاته و قام بمراجعة الدوائر الرسميّة، على الرغم من عدم حاجته و تمكّنه المادّيّ!

  • و من ثمّ فقد أرسلت الحكومة من قام ببناء جدار وسط البيت؛ فصار هذا البيت الصغير الحاوي على ثلاث غرف صغيرة ناقصاً غير قابل للسكنى، إذ لم يكن لهذا النصف باب إلى الخارج و لا مرافق صحّيّة، فكان أهله و أطفاله يُجبرون على صعود السلّم إلى السطح ثمّ النزول إلى الجانب الآخر عبر سلّم آخر، ممّا أدّى إلى إصابة أهل السيّد هاشم بالأمراض. فاجبروا أخيراً على إخلاء المنزل لنصب باب له و لبناء مرافق صحّيّة و لإصلاح الحائط المحاذي للشارع و الذي كان متداعياً من أساسه.

  • و كان المرحوم القاضي قد أخبره عن غصب نصف هذا المنزل و عن بنائه و تسليمه إيّاه، و هكذا حدث بالفعل؛ و للمسألة شرح يطول الأمر بذكره.

  • أمّا ذلك المنزل المستأجر المقابل فقد تسبّب -لفقدانه الإنارة و الامور الصحّيّة بشكل صحيح و كامل- في وفاة أحد أحفاد السيّد هاشم،

    1. أبو عَمْشة، كنية يطلقها العرب علي من يتزوّج فتولد له بنت و ليس له ولد، إذا كان اسمه حُسيناً، و كان صاحبنا أبو عمشة يشتغل بإصلاح الأسلحة الناريّة كالبنادق و غيرها، و كان غالباً ما يسافر إلي القري و القصبات فيتوقّف في كلّ قرية عدّة أيّام لتصليح أسلحة ساكنيها، ثمّ يُسافر إلي قرية اخرى.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

103
  • و اسمه السيّد محمّد بن السيّد حسن في تلك الأيّام التي حلّ فيها الحقير عندهم إثر إصابته بمرض الحصبة.

  • و كان هذا الطفل شبيهاً بالمرحوم القاضي للحدّ الذي كان السيّد الحدّاد يسمّيه بالقاضي الثاني، و كان يحبّه كثيراً. و قد تأثّر السيّد الحدّاد لموت هذا الطفل كثيراً؛ و حين نقل الحقير الجنازة معه إلى محلّ غسل الأموات في منطقة المُخَيَّم الحسينيّ، لم يتمكَّن من السيطرة على دموعه التي انهمرت بغزارة. فقلت له عصر ذلك اليوم: أ وَ لم يكن لكم رغبة في بقاء هذا الطفل حيّاً ليردّ الله عنه الموت و يكتب له الحياة؟!

  • قال: بلى، و لكنّ الأمر من ذلك الجانب يغلب أحياناً، فيسلب الرغبة و الإرادة من هذا الجانب.

  • و كان السيّد حسن هو ولده الثالث. فقد كان أوّلهم السيّد مهدي، يليه بالترتيب السيّد قاسم و السيّد حسن و السيّد صالح و السيّد بُرهان و السيّد عبد الأمير، و بنت أكبر منهم يدعونها بالعلويّة و اسمها زهراء، و يقال لها فاطمة و أيضاً بَيگم، حيث إنّ تسميتها فاطمة و بيگم يعود إلى أن السيّد الحدّاد كان له ابنتان قبل ابنته هذه توفّيتا في طفولتهما، فكان إسماهما يُطلقان عليها أحياناً.

  • و كان المرحوم الحدّاد يقول: كان لبگيم سنتان حين رحلت عن الدنيا، و كنتُ آنذاك في حال لا اميِّز فيه بين الموت و الحياة أبداً؛ فقد كانا بالنسبة لي على حدّ سواء. و حين حملنا جنازتها مع والد زوجتي (أبو عَمْشة) و ذهبنا للقيام بالغسل و الكفن و الدفن لم أذرف الدموع أبداً، لكنّه -في المقابل- كان محزوناً و متأثّراً جدّاً، و كان يبكي بحيث تغيّرت حالته النفسيّة. و كان يقول: عجباً لهذا السيّد الذي يمتلك قلباً قاسياً لا يعرف للرحمة طعماً؛ فهو لا يبكي و لا يندب، حتّى أنّ دموعه لم تنحدر! و لأنّا

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

104
  • كنّا نعيش معه في منزل واحد فقد خاصمني مدّة لم يكلمني فيها.

  • و بعد بيگم توفّيت بنت السيّد الثانية و اسمها فاطمة. فكان يقول عنها: كانت وفاتها ليلًا، فوضعناها في زاوية الغرفة لندفنها في اليوم التالي؛ و كنت قد نظرت إليها مدّة على أنّها طفلة رحلت عن الدنيا، فلم تكن لها تلك الأهمّيّة الكبيرة.

  • مشاهدة الحدّاد عظمة روحيّة أطفال الشيعة بعد الموت‌

  • ثمّ رأيت تلك الليلة أنّ روحها تكبر في زاوية الغرفة حتّى ملأت البيت، ثمّ كبرت فملأت كربلاء كلّها، ثمّ شملت الدنيا بأسرها. و لقد كانت تلك الطفلة تظهر حقيقتها أن: كم أنا كبيرة مع أنّي ما زلت طفلة!

  • و كان يقول: هذه هي عظمتها الحقيقيّة. لذا فإنّ علينا أن ننظر إلى أطفالنا بعين الاحترام و نلحظهم على أنّهم كبار، لأنّهم كبار فعلًا لكنّنا نتصوّرهم صغاراً. و لقد كان إبراهيم ابن رسول الله ذو السنتين كبيراً و عظيماً بحيث إنّه لو بقي لكان بمثابة نفس النبيّ. لكأنّ النبيّ كان نفس ولده إبراهيم و قد كبر؛ و لكأنّ إبراهيم هو النبيّ نفسه، كلّ ما في الأمر أنّه في زمن طفولته و صباه؛ ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ‌﴾.۱

  • و كان يقول: لذا فإنّ من الأجدر على الإنسان احتراماً للطفل المولود حديثاً أن يجتنب الجماع أربعين يوماً، و أن يؤخذ الطفل الصغير الذي لم يتعدّ عدّة أشهر و هو في قماطه إلى مجالس العلم و محافل الذِّكر، و إلى الحسينيّة و أماكن إقامة العزاء التي يذكر فيها اسم سيّد الشهداء؛ لأنّ نفس الطفل أشبه بالمغناطيس تجذب العلوم و الأوراد و الأذكار و قدسيّة روح الإمام الحسين عليه السلام. و مع أنّ الطفل لا يستطيع الكلام لكنّه يتمتّع بالإدراك، و لو وُضعت روحه في محلّ أو محالّ المعصية، لتلوّثت بذلك‌

    1. صدر الآية ٣٤، من السورة ٣: آل عمران.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

105
  • الجرم و تلك المعصية، أمّا لو اخذ إلى محلّ أو محالّ الذِّكر و العبادة و العلم لاكتسب تلك الطهارة و الصفاء.

  • و كان يقول: ضعوا أطفالكم في زاوية الغرفة التي يُقام فيها قراءة التعزية أو الذِّكر الذي تقومون به! فلقد كان العلماء السابقون يفعلون ذلك، لأنّ الآثار التي يكتسبها الطفل في هذه المرحلة تبقى ثابتة فيه إلى آخر عمره و تصبح ضمن غرائزه و صفاته الفطريّة، ذلك لأنّ نفس الطفل في هذه الفترة لها قابلية محضة، مع أنّ عامّة الناس لا يدركون هذا المعنى المهمّ و السرّ الخطير.

  • و أنا أقول: نعم، الأمر كذلك؛ و لدينا في هذا الموضوع كثير من الشواهد البرهانيّة و الأدلّة العلميّة و التجربيّة و المشاهدات القويّة غير القابلة للتأويل في هذا الموضوع، لا مجال لذكرها الآن.

  • وفاة ولد الحقير: السيّد محمّد جواد

  • و من بين الأدلّة التجربيّة و المشاهدة غير القابلة للتأويل، وفاة ولد الحقير ذي الأحد عشر شهراً و اسمه السيّد محمّد جواد. فقد ولد في التاسع من صفر لسنة ۱٣۸۰ هجريّة قمريّة، و قد أطلقنا عليه هذا الاسم للتوسّل بجواد الأئمّة عليه السلام، و لولادته بعد ارتحال استاذ العرفان سماحة آية الله الشيخ محمّد جواد الأنصاريّ الهمدانيّ رضوان الله عليه بثلاثة أشهر و سبعة أيّام (فقد توفّي الفقيد في الثاني من ذي القعدة لسنة ۱٣۷٩ هـ. ق).

  • و كان طفلًا طلق المحيّا يسطع النور و الصفاء منه، لكأنّه كان نوراً خالصاً، و قد كان ذلك مشهوداً فيه منذ طفولته تلك، و كنتُ قد لقّبته بـ «مسيح الزمان» و «النور الخالص». و كان لم ينطق بعدُ و لم يمشي على قدميه، بل كانوا يلفّونه بقماط فينهض صباحاً بدون أن يبكي أو يطالب بالرضاعة أو يبحث عن والدته، فيحبو في قماطه و لفّافته تلك صوبي فيجلس في حجري.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

106
  • نعم، كنّا قد انتقلنا إلى منزل جديد في منطقة «أحمديه دولاب»، و كنتُ قد مرضت بشكل جعلني عدّة أيّام لا أقوى إلّا على تناول عدّة ملاعق من حساء الحليب المعدّ للأطفال، بسبب دُمل داخل اللوزتين و تورّمهما. و انتابتني حمّى شديدة مضافاً إلى المرض المرهق الذي أنهك قواي؛ و خلاصة الأمر فقد كانت حالتي غير جيّدة. و كنت قد رأيت و أنا في الغرفة الخارجيّة (البرّاني) في يوم وفاة ذلك الطفل و قبل ساعة من وفاته رؤيا: كأنّ قطعة نور كانت تأتي من جهة مرقد عبد العظيم الحسنيّ عليه السلام إلى جهة طهران، و كأنّ حرباً قد نشبت في طهران بين المسلمين و الكفّار؛ فجاءت قطعة النور هذه و انضمّت إلى المسلمين و أعانتهم فقهروا الكفّار. و كان ذلك النور السيّد محمّد جواد. ثمّ استيقظتُ و جاء بعد ساعة ولدي الأكبر السيّد محمّد صادق يسأل الحقير عن دروس المدرسة و مسائل الحساب، و كنت مشغولًا معه حين رأيت السيّد محمّد جواد جنب الحوض الصخريّ في ساحة المنزل يلعب بماء الحوض، فهرعت إليه و أدخلته إلى الداخل عند امّه و كانت مشغولة بأعمال الخياطة، و أوصيتها و أكّدتُ عليها بالمحافظة عليه! فهذا الطفل مولع باللعب بالماء و سيعود إلى هناك. ثمّ عدت إلى القسم الخارجيّ من البيت (البرّاني) و انشغلت بملاحظة دروس ولدي الأكبر.

  • و بالتأكيد فلم تنقضِ دقائق خمس حتّى علا صراخ امّه من ساحة المنزل: الويل لي! لقد مات ولدي! فأسرعتُ من الغرفة إلى ساحة المنزل و شاهدت أن الأمر قد انتهي. و لقد نقلناه على الفور إلى المستشفي حيث اجري له التنفّس بالاوكسيجين و لكن بلا جدوي، فأعدته بنفسي إلى المنزل و وضعته في زاوية الغرفة الخارجيّة و قلت لُامّه و لباقي العائلة: إنّ حال الطفل جيّدة.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

107
  • و كنتُ أنوي القيام بغسل الطفل ليلًا إلّا أنّ الحاجّ هادي الأبهريّ لم يدعني أفعل ذلك و قال: بأنّ الحاجّ محمّد إسماعيل سيغسله و أنّ آية الله الشيخ صدر الدين الحائريّ سيصبّ عليه الماء. ثمّ إنّه غُسِّل و كُفِّن و دُفِن بعد مراسم مفصّلة في مقبرة «چهل تن دولاب».

  • و الغرض من هذه القصّة: أنّ عيالي قد تألّمت بشدّة إثر هذه الواقعة، و كانت تتأسّف و تتلهّف. حتّى أتت يوماً إلى مسجد القائم و نقلت الأمر إلى إحدي المخدّرات من مأمومات المسجد و اسمها «فاطمة خانم» فقالت لها: لا تتأسّفي عليه! فقد رأيتُ في المنام أنّ جبلًا كان يوشك أن ينهار على رأس السيّد أبيه، و كان السيّد نائماً تحت ذلك الجبل، فجاء هذا الولد و وقف أمام الجبل و مدّ يديه فأسند بها الجبل فمنعه من السقوط.

  • و يُستفاد من ذلك أنّ موته كان في الحقيقة اختياريّاً. و كان المرحوم الحاجّ هادي الأبهريّ يقول: كان البلاء يوشك أن يحلّ بهذا المنزل، فضحّى هذا الطفل بنفسه و صدّ بلاءً أكبر من الوقوع. كما هو شأن عليّ الأصغر عليه السلام الذي اختار الاستشهاد بنفسه، و كإبراهيم ابن رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم الذي فدي بنفسه الإمام الحسين عليه السلام و رضي بأن يموت مكانه. و هذه نكتة تستحقّ التأمّل، و هي أنّ الأطفال يمتلكون أرواحاً كبيرة و اختياراً و انتخاباً وجدانيّاً.

  • عبادات الاطفال حقيقيّة و ليست تمرينيّة

  • و من بين هذه الشواهد، الأدلّة الشرعيّة لحجّ الأطفال و استحبابه الشرعيّ. بأن يُلبس الأطفال -و لو اولئك الذين لا تتجاوز أعمارهم اليوم الواحد- ملابسَ الإحرام، و أن ينوي وليّ الطفل نيابة عنه و يطوف به و يصلّي عنه و يأخذه معه إلى عرفات و المشعر و مني، و أن يضحّي و يقوم بجميع المناسك مكانه؛ و يقيناً أنّ هذه الأعمال ليست من باب العمل التعبّديّ الصرف و التشبّه بالحجّاج، بل لأنّ روح الطفل و نفسه تمتلك‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

108
  • القابليّة لأن تحجّ حقيقة و تلبّي و تنال الفوز و درجات الشخص المُحْرِم و الحاجّ، أي أنّ آثار حجّ الشخص الحاجّ ستوجد بالاستعداد و القوّة في نفسه؛ مع أنّ مسألة حِجّة الإسلام و وظيفة الحجّ الواجب مسألة اخرى منفصلة. كما يستحبّ أخذ الطفل للعمرة و القيام بالعمرة المفردة بهذا النحو فيكون معتمِراً.

  • و كذلك لو أتي الطفل بجميع الواجبات و المستحبّات الاخري، فإنّ الآثار الوجوديّة لتلك الأعمال ستؤثّر في روحه؛ و مع أنّ الإلزام و التكليف قد ازيل عنه، إلّا أنّ أصل الأثر باقٍ. و لذا، فقد قال فقهاؤنا رضوان الله عليهم: إنّ أيّ عمل واجب على المكلّفين، له عنوان العمل المستحبّ للصغار غير المكلّفين؛ و إنّ كلّ عمل حرام على المكلّفين، له عنوان العمل المكروه لهم؛ كما أنّ عباداتهم حقيقيّة و ليست تمرينيّة.

  • أجداد سماحة الحاجّ السيّد هاشم الحدّاد و نسبه‌

  • و كان والد السيّد هاشم السيّد قاسم قد تزوّج بامّه و اسمها زينب. و تزوّج السيّد الحدّاد بامرأة اسمها هديّة و تكنّي بامّ مهدي، و تنتمي إلى عشيرة الجنابات و هي من العشائر العربيّة الأصيلة و العريقة و المشهورة بعراقتها و أصالتها، و تتواجد حاليّاً في الحلّة و كربلاء و النجف الأشرف و بعض المناطق الاخري، و من عادة أفرادها أن لا يزوِّجوا بناتهم لغيرهم و لا يتزوَّجوا من غيرهم. و يشغل أفرادها غالباً المناصب الحكوميّة من الرؤساء و الضبّاط؛ لذا فحين ذهبت امّ مهدي مع السيّد الحدّاد مرّة إلى المحكمة لإصدار شهادة الجنسيّة لأولادها، قال لها الحاكم: أ ليس من الحيف أن تتزوّجي من هذا السيّد الغريب الهنديّ المجهول الذي لا أصل له و لا نسب؟!

  • فما كان من هذه المرأة الثابتة الجنان إلّا أن زمجرت في وجهه كاللبوة: أنت الذي لا أصل لك و لا نسب! فهذا السيّد ابن رسول الله و ابن‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

109
  • أمير المؤمنين و فاطمة الزهراء. هذا هو نسبه، فقل لي نسبك إلى ما قبل مائة سنة، فضلًا عن ألف و أربعمائة سنة!

  • و هكذا فقد أذعن الحاكم أمام منطقها و اعتذر منها.

  • و كان أبو زوجته كما أسلفنا هو حسين أبو عَمْشة، و كان اسم امّ زوجته نجيبة.

  • و كانت كربلاء مسقط رأس السيّد هاشم، كما كان أبوه من مواليد تلك المدينة أيضاً؛ أمّا جدّه السيّد حسن فكان من شيعة الهند، و كان قد وقع في الأسر خلال النزاع و الحرب الدائرة بين طائفتَينِ من أهل الهند بِيَدِ الطائفة المنتصرة، فباع هؤلاء المرحوم السيّد حسن -جدّ الحدّاد- إلى عائلة شيعيّة ملقّبة بـ «أفضل خان»، ثمّ هاجرت هذه العائلة إلى كربلاء و أخذوا السيّد حسن معهم إليها. ثمّ إنّهم أطلقوه من الأسر لمّا شاهدوا منه الكرامات العديدة و لم يعودوا يكلّفوه بعمل. لكنّ السيّد حسن كان يأبى منهم تركه بلا عمل؛ فخيّروه بين عدّة أعمال، فاختار منها السقاية، و قال: هي شغل عمّي العبّاس سلام الله عليه.

  • و هكذا فقد حطّ السيّد حسن رحاله في كربلاء المقدّسة، ثمّ تزوّج بجدّة السيّد الحدّاد. و من أبنائه السيّد قاسم الذي انجب ثلاثة أولاد: السيّد هاشم الذي وُلِد في «قلعة هندي»، و كان ذلك بسبب الهجوم الذي وقع على كربلاء و قَطْع الماء عنها، ممّا اضطرّ السيّد قاسم و عائلته إلى النزوح عنها و الذهاب إلى المنطقة المذكورة؛ و السيّد محمود و السيّد حسين. و قد التقى الحقير بالسيّد محمود و السيّد حسين كليهما. و كان السيّد محمود يعيش في كربلاء، و قد توفّي قبل السيّد حسين. أمّا السيّد حسين فكان يعيش في بغداد، و يعمل في صناعة الأحذية. و مع أنّهما كانا أصغر من السيّد هاشم، إلّا أنّهما التحقا بالرحمة الأبديّة قبله.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

110
  • هذا، و قد عمل السيّد حسن في كربلاء بالسقاية، حيث قصّ السيّد الحدّاد قصصاً عن شدّة نجابته و حيائه.

  • منها: أنّ العرب ذوي الغيرة كانوا أحياناً يرسلون معه نساءهم لوحدهنّ من القري الواقعة في أطراف كربلاء ليشترين ما يحتجْن إليه من كربلاء، فكانت إحداهن تركب الحمار فيسيرون فراسخ عديدة حتّى يصلون المدينة، لكنّ نظره لم يكن ليقع عليهنّ و لو لمرّة واحدة، أي أنّه كان متحفّظاً بحيث لا ينظر إليهنّ و لو سهواً.

  • و كان متعارفاً عند العرب أن يأتوا مع ابنتهم إلى المدينة عدّة أيّام لشراء لوازم زواج بناتهم فيهيّئون ما يحتاجونه بمساعدة أقاربهم و معارفهم، لكنّهم كانوا يعهدون في السيّد حسن الحياء و العصمة بحيث كانوا يُركبون ابنتهم على الحمار و يرسلونها معه إلى المدينة ليبقوا فيها عدّة أيّام و يشترون ما يحتاجونه و يعودون.

  • و كان سماحة السيّد الحدّاد يقول: و في‌ كربلاء نفسها حيث كان يسقي بعض البيوت، كان ملتزماً بشكل ينحني معه إلى الجدار عند دخوله المنزل إلى حين خروجه لئلّا يري امرأة ما؛ سواء كان في البيت أحد أم لم يكن. و لهذا فقد كان أصحاب البيوت -و قد عرفوا هذه الروح فيهـ يوصون أهاليهم بأنّ السيّد حسن لا يحتاج لإذن في دخوله البيوت و لا لقرع الأبواب، بل يأتي فيفرغ الماء في المحلّ المعيّن له و ينصرف.

  • لقد رحل سماحة الحاجّ السيّد هاشم الحدّاد روحي فداه في سنّ السادسة و الثمانين في شهر رمضان المبارك لسنة ألف و أربعمائة و أربع هجريّة قمريّة في مدينة كربلاء (مسقط رأسه و موطنه)، لذا فإنّ ميلاده السعيد سيوافق سنة ۱٣۱۸ هـ. ق.

  • و كان أوّل لقاء الحقير به في سنة ۱٣۷٦ هـ. ق، ولى من العمر آنذاك‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

111
  • اثنتان و ثلاثون سنة و هو ابن ثمان و خمسين سنة؛ و من ثمّ فقد دامت مدّة استفادة الحقير و نهله من محضر أنواره ثمان و عشرين سنة.

  • و باعتبار أنّ رحلة سماحة الميرزا السيّد على القاضي قدّس الله تربته كانت في السادس من ربيع الأوّل لسنة ۱٣٦٦ هـ. ق، فإنّ العمر الشريف للسيّد الحدّاد كان آنذاك ثمان و أربعين سنة. و إذا ما علمنا أنّ السيّد الحدّاد قد تشرّف و تتلمذ في محضر سماحة السيّد القاضي و هو في العشرين من عمره، فإنّه سيكون -هو الآخر- قد استفاد من محضر السيّد القاضي ثمان و عشرين سنة. و كان الحاجّ الشيخ عبّاس يقول: لقد أدركتُ محضر السيّد القاضي ثلاث عشرة سنة.

  • و بما أنّ المرحوم السيّد حسن الإصفهانيّ المَسقطيّ -و كان من أعاظم تلامذة المرحوم القاضي و له علاقات ممتدّة و حسنة جدّاً مع السيّد الحدّاد قد رحل عن الدنيا سنة ۱٣٥۰ هـ. ق، فإنّ المرحوم السيّد هاشم قد اكتسب من فيض المرحوم القاضي أكثر منه بستّ عشرة سنة.

  • فكم- يا ترى -استفاد المرحوم المسقطيّ من محضر المرحوم القاضي؟ لو كانت الإجابة اثنتا عشرة سنة لاتّضح أنّ رفيقَي الطريق هذين قد تشرّفا في الحضور في محضر المرحوم القاضي في زمن واحد، أمّا إذا كان ذلك أقلّ من اثنتي عشرة سنة، فسيكون السيّد الحدّاد قد سبقه في الاستفادة من محضره.

  • السيّد حسن المسقطيّ كما يصفه سماحة السيّد هاشم الحدّاد قدّس سرّه‌

  • و كان السيّد هاشم يذكر السيّد حسن المسقطيّ كثيراً في كلامه و يقول: كان له حماسٌ شديد و توحيدٌ رفيع، و كان استاذاً في البحث و تدريس الحكمة، و كان متفوّقاً و مميّزاً في المجادلة، فلم يكن أحد ليجرؤ أن يجادله أو ينازعه أو يبحث معه أمراً؛ لأنّه لا يخرج من ذلك إلّا بنصيب الإدانة.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

112
  • و كان يجلس في الصحن المطهّر لأمير المؤمنين عليه السلام فيدرّس الطلّاب درس الحكمة و العرفان، و كان يثير الحماس و الهيجان بحيث كان يبعث في طلّابه روح التوحيد و الخلوص و الطهارة بدروسه المتينة المحكمة، و يسوقهم إلى الإعراض عن الدنيا و الاتّجاه صوب العقبي و عالم التوحيد الحقّ.

  • و لقد نقل أتباع المرحوم آية الله السيّد أبي الحسن الإصفهانيّ قدّس سرّه له: بأنّ السيّد حسن لو استمرّ في دروسه لقلب الحوزة العلميّة إلى حوزة توحيديّة، و لأوصل جميع الطلّاب إلى عالم الربوبيّة الحقّ و إلى حقيقة عبوديّتهم.

  • لذا فقد مُنِع تدريس علم الحكمة الإلهيّة و العرفان في النجف؛ كما امِر السيّد حسن بالذهاب إلى «مسقط» للتبليغ و ترويج الدين.

  • و لم يكن للسيّد حسن أدنى رغبة في الخروج من النجف الأشرف، و كان فراق المرحوم القاضي بالنسبة له من أصعب الامور و المشكلات؛ لذا فقد ذهب إلى استاذه السيّد القاضي و قال له: أ تسمحون أن أستمرّ في الدرس و أتجاهل منع السيّد و أستمرّ في الجهاد في طريق التوحيد؟!

  • فردّ المرحوم آية الله القاضي عليه: اذهب من النجف إلى مسقط حسب أمر السيّد! إنّ الله معك، و سيهديك و يأخذ بيدك حيثما كنت فيوصلك إلى المطلوب الغائيّ و نهاية درب السلوك و أعلى ذروة التوحيد و المعرفة.

  • و هكذا فقد سافر السيّد حسن إلى مسقط، و كان إصفهانيّ الأصل و معروفاً بالإصفهانيّ، ثمّ عُرف بعد ذلك بالمَسْقَطيّ. و كان لا يرد- في طريقه إلى مسقط فندقاً أو دار ضيافة، بل كان يأوي إلى المساجد. و حين وصل مسقط كان له حظّ في التبليغ و الترويج، فقد جعل أهل مسقط

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

113
  • بأجمعهم من المؤمنين الموحّدين، و دعاهم إلى الصدق و الإخلاص و إهمال الزخارف المادّيّة و التعيّنات الصوريّة و الاعتباريّة؛ فعرفه الجميع على أنّه مرشد الكلّ و هادي السبل، و أذعن أمام عظمته العالم و الجاهل و العوامّ و الخواصّ. و كان آخر عمره يعيش دوماً مرتدياً لباسَي الإحرام.

  • و كان أن دعوه للذهاب إلى الهند، فأجاب دعوتهم و شدّ الرحال إلى تلك الديار في سبيله إلى المقصود. و لم يكن كذلك ليحلّ في طريقه بالفنادق بل كان يذهب إلى المساجد فيبيت فيها؛ حتّى وجدوه -و هو في طريقه متنقّلًا من مدينة إلى أخرى- في مسجد من المساجد مرتدياً نفس ثوبَي الإحرام و قد فارق الحياة حال سجوده.۱

  • خطبة همّام في «نهج البلاغة»

  • وَ لَوْ لا الأجَلُ الذي كُتِبَ عَلَيهِمْ لَمْ تَسْتَقِرَّ أرْوَاحُهُمْ في أجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ شَوْقاً إلى الثَّوَابِ وَ خَوْفاً مِنَ العِقَابِ. عَظُمَ الخَالِقُ في أنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ في أعْيُنِهِمْ. فَهُمْ وَ الجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ، وَ هُمْ وَ النَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ. قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ، وَ شُرُورُهُمْ مَأمُونَةٌ، وَ أجْسَادُهُمْ نَحِيفَةٌ، وَ حَاجَاتُهُمْ خَفِيفَةٌ، وَ أنْفُسُهُمْ عَفِيَفَةٌ.

  • صَبَرُوا أيَّاماً قَصِيرَةً أعْقَبَتْهُمْ رَاحَةً طَوِيلَةً؛ تِجَارَةٌ مُرْبِحَةٌ يَسَّرَهَا لَهُمْ‌

    1. قال سماحة السيّد محمّد حسن القاضي أدام الله أيّام بركاته ابن المرحوم القاضي أعلى الله درجته:
      لقد ابرق بنبإ رحلة المرحوم المسقطيّ إلى سماحة السيّد أبي الحسن الإصفهانيّ، فأرسل البرقيّة التي تتضمّن نبأ الوفاة بِيَدِ أحدهم إلى المرحوم القاضي، و كان قد اتّخذ غرفة في مدرسة الهنديّ. و كنت في صحن المدرسة مع العلّامة السيّد محمّد حسين الطباطبائيّ و الشيخ محمّد تقي الآملي و غيرهما من تلامذة المرحوم القاضي، فلم يجرؤ أحد منهم أن ينقل خبر رحيل المسقطيّ إلى الغرفة العليا و يوصله إلى المرحوم القاضي، فقد كانوا يعلمون أنّ هذا النبأ غير محتمل بالنسبة للمرحوم القاضي لفرط علاقته بالمسقطيّ، لذا فقد اختاروا السيّد الحدّاد لهذه المهمّة؛ فلمّا نقل إليه النبأ التفت إليه المرحوم القاضي قائلًا: أعلمُ بذلك!

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

114
  • رَبُّهُمْ. أرَادَتْهُمُ الدُّنْيَا فَلَمْ يُرِيدُوهَا، وَ أسَرَتْهُمْ فَفَدَوْا أنْفُسَهُمْ مِنْهَا. أمَّا اللَّيْلُ فَصَافُّونَ أقْدَامَهُمْ تَالِينَ لأجْزَاءِ القُرْآنِ يُرَتِّلُونَهُ تَرْتِيلًا، يُحَزِّنُونَ بِهِ أنْفُسَهُمْ وَ يَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ‌.

  • حتّي يصل إلى قوله عليه السلام:

  • يَنْظُرُ إلَيْهِمُ النَّاظِرُ فَيَحْسَبُهُمْ مَرْضَي وَ مَا بِالقَوْمِ مِنْ مَرَضٍ؛ وَ يَقُولُ: قَدْ خُولِطُوا؛ وَ لَقَدْ خَالَطَهُمْ أمْرٌ عَظِيمٌ.۱

  • نعم! لقد أبعدت حوزة النجف السيّد حسن المسقطيّ؛ و لم تعلم هذه الحوزة الضائعة المتحيّرة أيّ جوهر ثمين فقدت! و أيّ رجل توحيد، و أيّ شخصيّة إلهيّة، و أيّ اسطوانة عِلم و سَنَد فضيلة أضاعت! و لو عَلَمَتْ لكان جهلًا بسيطاً، و لكنّه -و يا للأسف الشديد- الجهل المركب! فالسيّد حسن أينما ذهب؛ إلى مسقط أو الهند أو البحر أو الصحراء، فهو مع الله و الله معه، و هو الساجد الراكع و المرتدي لرداء الإحرام ظاهراً و باطناً، و هو المستغرق في عالم الولاية و مع الوليّ المطلق٢.

  • تدريس الأبحاث القرآنيّة و العلوم العقليّة و العرفان من ضرورات علوم الحوزات

    1. «نهج البلاغة» الخطبة ۱٩۱ (خطبة همّام) طبعة مصر، مطبعة عيسي البابي، مع هامش الشيخ محمّد عبده، ج ۱، ص ٣٩٦ و ٣٩۷.
    2. لقد كان بحث الحكمة و الفلسفة شائعاً و رائجاً في الحوزات العلميّة للشيعة و المعتزلة، خلافاً للأشاعرة الذين لم يكونوا يبحثون في المطالب العقليّة. لذا فقد حاز متكلّمو الشيعة قصب السبق و الظفر و التفوّق طوال الألف سنة الماضية، و قد تخرّج من هذه الحوزات علماء و فقهاء أمثال هشام بن الحكم و السيّد المرتضى و الشيخ المفيد و الخواجة نصير الدين الطوسيّ و العلّامة الحلّيّ و الميرداماد و الملّا صدرا الشيرازيّ و القاضي نور الله التستريّ، و أخيراً السيّد مهدي بحر العلوم و الآخوند الملّا محمّد كاظم الخراسانيّ و الحاجّ الميرزا محمّد حسن الآشتيانيّ و ابنه الحاجّ الميرزا أحمد الآشتيانيّ و الحاجّ الميرزا مهدي الآشتيانيّ و الآخوند الملّا حسين قُلي الهمدانيّ و السيّد أحمد الكربلائيّ الطهرانيّ و الحاجّ الميرزا محمّد حسن النائينيّ و الحاجّ الشيخ محمّد الحسين كاشف الغطاء و الحاجّ الشيخ [تابع في الصفحة التالية...]

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

115
  • ...۱

    1. [... تتمة التعليقة السابقة] محمّد حسين الإصفهانيّ الكمبانيّ و الحاجّ الملّا مهدي النراقيّ و الحاجّ الميرزا محمّد حسن الشيرازيّ و الشيخ محمّد باقر الإصطهباناتيّ و الشيخ أحمد الشيرازيّ و الحاجّ الميرزا فتح الله المشهور بشيخ الشريعة الإصفهانيّ و الحاجّ السيّد أحمد الخونساريّ و الحاجّ الشيخ محمّد علي الشاه‌آباديّ و تلميذه البارز القائد الكبير الفقيد للثورة الإسلامية آية الله الحاجّ روح الله الخمينيّ و الحاجّ الميرزا أبي الحسن الرفيعيّ القزوينيّ و السيّد حسين بادكوبه‌اي و تلميذيه: استاذنا الاكرم العلّامة الطباطبائيّ و أخيه الحاجّ السيّد محمّد حسن إلهيّ التبريزيّ، و غيرهم ممّن يضيق حصرهم و عدّهم؛ اولئك الذين كانوا حماةً للدين و القرآن و لشريعة سيّد المرسلين و الأئمّة الطاهرين.
      و بناءً على هذا الأساس، فإنّ البحث التفسيريّ للقرآن الكريم و تدريس الحكمة و الفلسفة و العلوم العقليّة و حوزات العرفان و الأخلاق من الضرورات اللازمة لهذه الحوزات الفقهيّة، لا تنفك عنها. و كان المرحوم آية الله السيّد عبد الهادي الشيرازيّ يتأسّف ليلةً في مجلس خلوة و يقول: كان هناك في النجف الأشرف حين قدمتُ للدراسة اثنتا عشرة حوزة رسميّة لتدريس الأخلاق و العرفان، أمّا الآن فليس هناك حتّى حوزة واحدة.
      نعم، لقد استمرّت هذه الحوزات فعّالة بتدريس الأبحاث القرآنيّة و التفسيريّة و الأخلاقيّة و العرفانيّة و الحكميّة و الفلسفيّة إلى زمن النهضة الدستوريّة (في إيران)، ثمّ سعى الاستعمار الكافر أوّلًا: إلى إنهاء وجود النجف كمركز علميّ و فقهيّ، و إلى نقل الحوزات و تفريقها إلى أماكن أخرى.
      و ثانياً: لإنهاء تدريس القرآن و التفسير و العلوم العقليّة و الفلسفيّة من الحوزات الشيعيّة، ليصبح علماؤهم كالأشاعرة من العامّة و الأخباريّين و الحشويّين يهتمّون بالظواهر في حين يبقي المحتوي و اللبّ خالياً فارغاً؛ و ذلك لئلّا يثور عليهم أحد أو يقف بوجههم، و لتهبط قدرة و إمكانيّة البحث و التفكير و المسائل العقليّة و العلميّة في الحوزات، فتتغلّب عليها خططهم و دسائسهم المموّهة. و إلى هذا اليوم فقد استؤصل بحث التفسير و البحوث القرآنيّة و بحوث الحكمة و الفلسفة و العرفان استئصالًا تامّاً، فصار العلماء الأعلام و الفضلاء العظام يعدّون تدريسها من الامور الوضيعة.
      و قد نقل المرحوم آية الله الشيخ مرتضي المطهريّ للحقير عن سماحة آية الله الحاجّ السيّد رضى الشيرازيّ دامت بركاته أنّه قال: قلتُ لأحد المراجع العظام المشهورين و المعروفين في إحدى سفراتي الأخيرة إلى العتبات المقدّسة: لما ذا لا تشرعون بدرس التفسير في الحوزة؟ قال: ليس ذلك ممكناً مع وضعنا و موقعنا الحاليّ! قلتُ: لما ذا كان ذلك ممكنا للعلّامة الطباطبائيّ حين جعله درساً رسميّاً في حوزة قم العلميّة؟!
      قال: لقد قام بتضحية حين فعل ذلك (أي أنّه ضحّى بنفسه)! اوردُ هذا المطلب هنا ليعلم الجميع أنّ أساس مدرسة التشيّع قائم على التضحية، و على العلماء العظام و الفضلاء الفخام أن يكونوا السبّاقين في هذا المضمار؛ و إلّا فما الفرق بين حوزاتنا مع حوزات العامّة من الحنابلة و الشافعيّة و المالكيّة و الحنفيّة الذين يُشغِلون أنفسهم بالأبحاث و المسائل بدون الاستناد إلى مسألة الولاية؟

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

116
  • نعم، لقد قال السيّد هاشم: كنت مشغولًا في كربلاء بالدروس العلميّة و غيرها من دروس الطلبة، فقرأتُ للسيوطيّ، و حين تشرّفت بالذهاب إلى النجف للدراسة و التحصيل لأنهل من محضر السيّد المرحوم القاضي و لأقوم بخدمة المدرسة (المدرسة الهنديّة: محلّ إقامة المرحوم القاضيّ)؛ و ما إن دخلتُ هناك حتّى رأيت أمامي سيّداً جالساً فأحسست بانجذاب نحوه بلا إرادة، فذهبتُ و سلّمت عليه و قبّلت يده، فقال المرحوم القاضي: لقد وصلتَ!

  • ثمّ اتّخذتُ غرفة هناك لنفسي، و منذ ذلك الوقت و من هناك فتح باب المراودة مع السيّد. و صادف أن كانت غرفة السيّد الحدّاد هي غرفة المرحوم السيّد بحر العلوم. و كان المرحوم القاضي يتردّد عليها كثيراً؛ و كان يقول له أحياناً: أخلِ الغرفة الليلة! اريد أن أبيت هنا لوحدي!

  • و كان السيّد يقول: و بعد عودتي إلى كربلاء كنت أتشرّف أحياناً بالذهاب إلى النجف في أوقات الزيارة و غيرها -غير الأوقات التي كان السيّد القاضي يتشرّف فيها بالمجي‌ء إلى كربلاء- فذهبتُ يوماً من كربلاء إلى النجف الأشرف و أخذتُ للسيّد خمسين فلساً (أي درهماً واحداً،

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

117
  • و الدينار العراقيّ عشرون درهماً) و كان منزل السيّد في محلّة الجُدَيْدَة (الشارع الثاني) و كان الجوّ حارّاً، فعلمتُ أنّ السيّد نائم، و قلتُ في نفسي: إن طرقتُ الباب استيقظ السيّد. فجلستُ على الأرض جنب باب البيت، و كنت تعباً لدرجة أنّ النعاس سرعان ما غلبني. ثمّ استيقظت بعد ساعة فرأيت السيّد و قد خرج إلى و لاطفني كثيراً و دعاني إلى الدخول، ثمّ قدّمت له الخمسين فلساً و عدتُ.

  • التعبّد الشديد للسيّد هاشم بالاحكام الشرعيّة

  • و لقد كان المرحوم الحدّاد متعبِّداً كثيراً بالنسبة لُامور الشرع و للأحكام الفقهيّة. و كان يستحيل أن يعلم بحكم فلا يعمل به، حتّى العمل بالمستحبّات و ترك المكروهات. و كان بنفسه مصباحاً نورانيّاً من العلم، إلّا أنّه كان -من باب حفظ الشرع و أحكامهـ يقلّد غيره في الامور العباديّة و الأحكام الجزئيّة.

  • و لقد كنّا في ذلك السفر مجتمعين فوق سطح البيت ليلة عرفة مع جمع من أهالي النجف و الكاظميّة و بغداد و السماوة و غيرها، و كان ذلك بعد صلاتَي المغرب و العشاء، و كانوا يريدون تقديم طعام بسيط لينصرف الحضور إلى الاشتغال بأعمال ليلة عرفة و الزيارة؛ فقال السيّد في بهجة لا تفوقها بهجة: إنّ السيّد فلاناً هو سيّد الطائفتَينِ! (أي: أنّه مجتهد في أمر الشريعة، و مجتهد في أمر الطريقة كذلك). ثمّ قال: لقد كنتُ حتّى الآن اقلِّدُ سماحة الشيخ هادي الشيخ زين العابدين۱ لكنّي ساقلِّده من الآن‌

    1. كان المرحوم الشيخ زين العابدين المرنديّ من أعاظم العلماء و المجتهدين و الزهّاد المعروفين في النجف الأشرف، و له ثلاثة أولاد، الشيخ مهدي، و الشيخ هادي، و الشيخ هداية الله. و جميعهم من أعاظم العلماء و المجتهدين و المشهورين بالقداسة و التقوى. و قد التقى الحقير حين كنتُ في النجف الأشرف بولدَيهِ الجليلين، لكنّي حُرِمت من فيض محضر الشيخ هداية الله لعودته إلى مرند و تبريز. و باعتبار أن الشيخ زين العابدين كان يبقى غالباً في المنزل و كان يتوجّب على أحد أبنائه البقاء في المنزل أيضاً للقيام باحتياجات المنزل، فقد هيّأ لنفسه و لأولاده الثلاثة عباءتين فقط؛ فالعباءة في المنزل غير ضروريّة، أمّا خارج المنزل فلم يكن بالإمكان أن يخرج أكثر من اثنين، و كان ذلك من شدّة زهد ذلك المرحوم و ورعه. لذا فحين توفّي و أرادوا حمل جنازته فقد كان هناك عباءتان لاثنين من أولاده و لم تكن هناك عباءة للثالث.
      و على كلّ حال فلقد أنجب هؤلاء الأفاضل الأجلّاء و الحمد و المنّة للّه أولاداً علماء فضلاء و مؤدّبين و هم: الحاجّ الشيخ محمّد المرنديّ ابن الشيخ مهدي، و الشيخ موسى و الشيخ عبّاس و الشيخ كاظم أبناء الشيخ هادي، و الشيخ أبو القاسم الغرويّ المرنديّ ابن الشيخ هداية الله؛ و كلّ هؤلاء من الآيات و الحجج الإلهيّة أدام الله بقاءهم.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

118
  • فصاعداً!

  • و كان السيّد ينتقد الحقير أحياناً في المسائل الشرعيّة، فقد قال مرّة: حين تمسح على الرجلين، ضعهما على مكان ثابت كي يكون مسحهما جيّداً؛ لأنّ المسح عليهما معلّقتين ربما غفل خلاله الإنسان، و عند ذلك فلن تكون اليدين هما اللتين تمسحان القدمين، بل ستكون القدمان هما اللتين تمسحان اليدين. و قال مرّة أخرى: إنّ البصاق في المرحاض أمر مكروه، لأنّه من أجزاء بدن المؤمن و ينبغي ألا يختلط بالقاذورات؛ أمّا النخامة التي تلقى من فم الإنسان في المرحاض فليست كذلك، لأنّها ليست من أجزاء البدن بل هي من الفضلات، فلا إشكال في خلطها بسائر القاذورات.

  • و قال مرّة أخرى: من الأفضل للمرء حين يعطي صدقاته المستحبّة و الخيريّة، أن تكون من أزكى أقسام أمواله؛ فتقسيم المال و إعطاء قسمه المشكوك للفقراء و للسادة خاصّة أمر غير مقبول.

  • و حصل ذلك في وقت كان الحقير قد أرسل حديثاً مالًا بعنوان الصدقة المستحبّة و الامور الخيريّة إلى أحد السادة، و كنتُ قد استبقيتُ‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

119
  • لنفسي وقت التعيين تلك القسمة الزاكية بلا شبهة، و اخترت القسم المشتبه و مجهول الحال لإرساله لذلك السيّد؛ و يعلم الله أنّه لم يطّلع على ذلك غيري سواه سبحانه. فقام السيّد بهذا الإخبار باطّلاعي و تنبيهي لهذا الأمر المستور، و أعطى كذلك الأمر بالعمل بفحوى الآية القرآنيّة الكريمة:

  • ﴿لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾‌.۱

  • و صادف مرّة أن وضعتُ قدراً من الثلج في قدح فيه لبن رائب ممزوج بالماء، و أردتُ تقديمه إليه فقمتُ بمزجه و خلطه بسبّابتي لتبريده قبل تقديمه؛ فلم يشربه و قال: استعمل الملعقة للمزج، فأحرى باليد أن تكون ملوّثة! ثمّ قال: لقد اتّفق لي نفس هذا الأمر مع المرحوم السيّد (القاضي) فقد تشرّف يوماً بالمجي‌ء إلى كربلاء و تفضّل بالمجي‌ء إلى دكّاني، فأعددتُ له قدحاً من اللبن الرائب الممزوج بالماء و وضعت فيه الثلج ثمّ مزجته بإصبعي لُاقدّمه له، فاستنكف عن شربه و قال: لا تمزج بإصبعك!

  • تفسير السيّد هاشم لفائدة حقيقة اللعن في دعاء علقمة

  • و في يوم تاسوعاء جرى قراءة زيارة عاشوراء في منزله، ثمّ اللعن مائة مرّة و السلام مائة مرّة، ثمّ قُرئ دعاء علقمة بعد صلاة الزيارة؛ فسأل أحد الحاضرين في نهاية الدعاء: كيف تنسجم هذه اللعنات الشديدة الأكيدة بهذه المضامين المختلفة مع روح الإمام الصادق عليه السلام التي كانت مركزاً و منبعاً للرحمة و المحبة؟! ففي هذا الدعاء الذي يبدأ بـ «يَا اللهُ يَا اللهُ يَا اللهُ يَا مُجِيبَ دَعْوَةِ المُضْطَرِّينَ» يصل إلى القول:

  • اللهُمَّ مَنْ أرَادَنِي بِسُوءٍ فَأرِدْهُ! وَ مَنْ كَادَنِي فَكِدْهُ! وَ اصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُ وَ مَكْرَهُ وَ بَأسَهُ وَ أمَانِيَّهُ! وَ امْنَعْهُ عَنِّي كَيْفَ شِئْتَ وَ أنَّى شِئْتَ‌!

    1. الآية ٩٢، من السورة ٣: آل عمران.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

120
  • اللهُمَّ اشْغَلْهُ عَنِّي بِفَقْرٍ لَا تَجْبُرُهُ، وَ بِبَلَاءٍ لَا تَسْتُرُهُ، وَ بِفَاقَةٍ لَا تَسُدُّهَا، وَ بِسُقْمٍ لَا تُعَافِيهِ، وَ ذُلٍّ لَا تُعِزُّهُ، وَ بِمَسْكَنَةٍ لَا تَجْبُرُهَا!

  • اللهُمَّ اضْرِبْ بِالذُّلِّ نَصْبَ عَيْنَيْهِ، وَ أدْخِلْ عَلَيهِ الفَقْرَ في مَنْزِلِهِ، وَ العِلَّةَ وَ السُّقْمَ في بَدَنِهِ؛ حتّى تَشْغَلَهُ عَنِّي بِشُغْلٍ شَاغِلٍ لَا فَرَاغَ لَهُ، وَ أنْسِهِ ذِكْرِي كَمَا أنْسَيْتَهُ ذِكْرَكَ، وَ خُذْ عَنِّي بِسَمْعِهِ وَ بَصَرِهِ وَ لِسَانِهِ وَ يَدِهِ وَ رِجْلِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَمِيعِ جَوَارِحِهِ، وَ أدْخِلْ عَلَيهِ في جَمِيعِ ذَلِكَ السُّقْمَ، وَ لَا تَشْفِهِ حتّى تَجْعَلَ ذَلِكَ لَهُ شُغْلًا شَاغِلًا بِهِ عَنِّي وَ عَنْ ذِكْرِي. وَ اكْفِنِي مَا لَا يَكْفِي سِوَاكَ؛ فَإنَّكَ الكَافِي لَا كَافِيَ سِوَاكَ، وَ مُفَرِّجٌ لَا مُفَرِّجَ سِوَاكَ، وَ مُغِيثٌ لَا مُغِيثَ سِوَاكَ، وَ جَارٌ لَا جَارَ سِوَاكَ.۱

  • كلامه: لا يرشح عن أولياء الله شرّ؛ و لعنهم للاعداء نفع يعود على الاعداء

  • فكان جوابه على ذلك: أنّ هذا الدعاء كلّه طلب للخير و الرحمة، بالرغم من ظهوره بعبارات و كلمات اللعن. و بشكل عامّ فإنّ جميع اللعنات التي ترد على لسان الله تعالى أو على لسان النبيّ و الأئمّة الطاهرين صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين هي كلّها خير محض؛ فلا ينضح عن الله و أوليائه غير الخير.

  • و تنصبّ جميع هذه اللعنات على الشخص المعتدي، لا المؤمن المتّقي المشغول بعمله؛ فمهما اعطي ذلك المعتدي الظالم عمراً و صحّة و قدرة، صرفها جميعاً في إضراره بالآخرين و اعتدائه على حرمة المظلومين. و من ثمّ فإنّ في تحديد سلامته و قدرته و حياته دفعاً للضرر، و دفع الضرر ليس في الحقيقة إلّا نفعاً. و قد يخيّل إلينا بهذه النظرة الطبيعيّة

    1. دعاء عَلْقَمة المعروف، في «زاد المعاد» للمجلسيّ، ص ٣۰٥، الباب ٦، في أعمال شهر المحرّم، طبعة الحاجّ الشيخ فضل الله نوري، بخطّ مصطفي نجم‌آبادى، سنة ۱٣٢۱.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

121
  • و الحسّيّة أنّ الخير هو على الدوام في السلامة و القدرة و الحياة، من دون ملاحظة لواقعيّة الحياة في النيّة الحسنة أو السيّئة و في الإرادة الحسنة أو السيّئة و في الاعتقاد الحسن أو السيّئ، لكن الأمر ليس كذلك إذ ينبغي أيضاً ملاحظة المعنى؛ فالحياة خير للإنسان حين تكون منشأ خير لنفسه و للآخرين، أمّا لو صارت منشأً للشرّ، فإنّ إطالة عمره و زيادة سلامته و صحّته و زيادة قدرته ستؤدّي إلى ظلمه لنفسه و تعدّيه و تجاوزه على حرمة البشريّة، و لا خير في تلك الحياة هنا، و لا يصدق عليها عنوان الخير.۱

    1. ينقل في هامش «مفاتيح الجنان» ص ٣٥۱ و ٣٥٢، كتاب الباقيات الصالحات، الفصل ٤، من الباب ٤، الطبعة الإسلاميّة، بخطّ طاهر خوش نويس، سنة ۱٣۷٩ هـ. ق دعاء عن الإمام محمّد التقيّ عليه السلام أنّ الرسول الأكرم صلّى الله عليه و آله كان يقول حين يفرغ من الصلاة:
      اللهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَ مَا أخَّرْتُ وَ مَا أسْرَرْتُ وَ مَا أعْلَنْتُ وَ إسْرَافِي على نَفْسِي وَ مَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي. اللهُمَّ أنْتَ المُقَدِّمُ وَ المُؤَخِّرُ لَا إلَهَ إلَّا أنْتَ بِعِلْمِكَ الغَيْبَ وَ بِقُدْرَتِكَ على الخَلْقِ أجْمَعينَ. مَا عَلِمْتَ الحَيَاةَ خَيْراً لِي فَأحْيِنِي، وَ تَوَفَّنِي إذَا عَلِمْتَ الوَفَاةَ خَيْراً لِي - إلى آخر الدعاء.
      و ورد في «الصحيفة الكاملة السجّاديّة» ضمن دعاء الاستخارة و هو الدعاء الثالث و الثلاثين: وَ ألْهِمْنَا الانْقِيَادَ لِمَا أوْرَدْتَ عَلَينَا مِن مَشيَّتِكَ حتّى لَا نُحِبَّ تَأخِيرَ مَا عَجَّلْتَ وَ لَا تَعْجِيلَ مَا أخَّرْتَ وَ لَا نُكْرِهَ مَا أحْبَبْتَ وَ لَا نَتَخَيَّرَ مَا كَرِهْتَ.
      و في نهاية دعاء أبي حمزة الثماليّ الذي يُقرأ في أسحار شهر رمضان (و الوارد في «مفاتيح الجنان»: ص ۱٩۸) يضرع الإمام زين العابدين عليه السلام في فناء ربّ العزّة: اللهُمَّ إنِّي أسْألُكَ إيمَاناً تُبَاشِرُ بِهِ قَلْبِي، وَ يَقيناً حتّى أعْلَمَ أنَّهُ لَنْ يُصيبَنِي إلَّا مَا كَتَبْتَ لِي، وَ رَضِّنِي مِنَ العَيْشِ بِمَا قَسَمْتَ لِي، يَا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
      و معنى «إيمَاناً تُبَاشِرُ بِهِ قَلْبِي»: يا ربّ لتكن لك أنت المباشرة في قلبي و في اختيار اموري، و اسلبْ بهذه المباشرة -بلا رادع أو مانع من إرادتي و اختياري أو إرادة و اختيار آخر- كلّ إرادة لي في محيط الأعمال و الأفعال و الصفات و العقائد و القصد و النيّة، و اجعل إرادتك بدل إرادتي، أي لتكن إرادتي عين إرادتك. و هو معنى عظيم في مقام التوحيد و درجة عالية عرفانيّة.
      و الجدير بالملاحظة هنا أنّ هذه الفقرات المشتركة تتكرّر في جميع أدعية العشر الثالثة من ليالي شهر رمضان المبارك، بالرغم من اختلاف الأدعية في مضامينها الاخرى: لَكَ الأسْمَاءُ الحُسْنَى وَ الأمْثَالُ العُلْيَا وَ الكِبْرِيَاءُ وَ الآلَاءُ، أسْألُكَ أنْ تُصَلِّيَ على مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ أنْ تَجْعَلَ اسْمِي في هَذِهِ اللَّيْلَةِ في السُّعَدَاءِ وَ رُوحِي مَعَ الشُّهَدَاءِ وَ إحْسَانِي في عِلِّيَّينَ وَ إسَاءَتِي مَغْفُورَةً، وَ أنْ تَهَبَ لِي يَقِيناً تُبَاشِرُ بِهِ قَلْبِي وَ إيمَاناً يُذْهِبُ الشَّكَّ عَنِّي وَ رَضِّنِي بِمَا قَسَمْتَ لِي.(«مفاتيح الجنان» ص ٢٢۸ إلى ٢٣٣) كما ورد في «الصحيفة العلويّة الثانية» ص ٥٢، الطبعة الحجريّة، عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: اللهُمَّ مُنَّ عَلَيّ بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْكَ وَ التَّفْوِيضِ إلَيْكَ وَ الرِّضَا بِقَدَرِكَ وَ التَّسْلِيمِ لأمْرِكَ، حتّى لَا احِبُّ تَعْجِيلَ مَا أخَّرْتَ وَ لَا تَأخِيرَ مَا عَجَّلْتَ؛ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

122
  • و في هذه الحال و في هذا الفرض، فإنّ ضدّه سيكون خيراً. أي أنّ الموت و المرض و المسكنة لهذا الرجل خير، و لو لم يكن هو أو الآخرون يعلمون بذلك. فحين يستأصل مبضع الجرّاح عضواً فاسداً، فإنّه يقوم بعمل خير و لو استلزم المرض و التخدير و إراقة دم المريض و تناول الأدوية المرّة؛ و على الرغم من أنّ ذلك العضو الفاسد يعتبر نفسه صالحاً، إلّا أنّ الحقيقة ليست كذلك.

  • و ليست الرحمة مقرونة دائماً بالسمنة و تناول الأغذية الدسمة و الحلويّات، بل هي أحياناً في الهزال و تحمل الجوع و القنوع بتناول الأطعمة البسيطة. و من شأن الطفل أن يطلب من أبيه الحلويّات، لكنّ أباه العطوف لا يعطيه ذلك دوماً بل يعطيه منها أحياناً و بقدر معيّن، فذلك خير للطفل و رحمة. كما أنّه يُعطيه أحياناً المسهل و المرّ، و يزرقه أحياناً اخرى بحقن الدواء، و يُرقده على سرير المستشفى لإجراء عمليّة جراحيّة، و يمنعه من اللعب؛ فلا يرضى الطفل بهذا الاسلوب، لأنّه يرغب دوماً في الركض و اللعب و تناول الحلوى، لذا فإنّه ينتقد أباه لحصره و لمنعه له‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

123
  • و لربّما خطر في باله أنّ أباه عدوّ له و شخص يتعمّد إيذاءه! لكنّ حقيقة الأمر و واقعه غير ذلك، فلقد كانت جميع تصرّفات الأب خيراً للطفل و رحمة لأنّها توجب حياته و لو جهل الطفل ذلك و لم يرضاه. لذا نرى الأب ينزعج كثيراً ممّا ينتاب طفله من سوء، فيستعصي عليه النوم و يقف في المستشفى ساهراً عند سرير طفله و هو ما يمثِّل عين الرحمة.

  • و قد تتجلّى الرحمة أحياناً في مجال الإعطاء و تقديم الحلوى، و أحياناً في المنع و زرق المغذّي في الوريد، و كلاهما رحمة بمظهرَينِ و كيفيتَينِ.

  • و لقد جاء الأنبياء و الأئمّة من أجل الحياة الحقيقيّة و السعادة الخالدة للبشر و تركّزت رسالاتهم و انصبّت في هذا المجال، لذا فأينما تعارضت الحياة الواقعيّة الحقيقيّة مع الحياة الطبيعيّة، و الصحّة الحقيقيّة مع الصحّة المجازيّة، و القدرة الأصيلة مع القدرة الاعتباريّة؛ غضّوا عن الثانية لحفظ الأولى. فهم يُصدرون الأمر بالجهاد فيقتلون المشركين و الكفّار و يؤدّبون المنافقين و يعاقبون المجرمين، و هي جميعاً خير لإيصال الشخص المعتدي و الظالم للهدف الإنسانيّ الرفيع.

  • كما أنّ عرك الاذن للتأديب، و الإصابة بالإقعاد، و الفقر و الفاقة، و المرض و انحراف الصحّة هي خير جميعاً، لأنّها تنبّه الإنسان و تعيده لنفسه، و تقلّل من التمادي و الغرور للنفس الأمّارة و تمنح الإنسان أصالة، فهي خير و رحمة إذاً - انتهى مفاد و محصّل جواب السيّد.

  • دعاء «الصحيفة السجّاديّة» يشابه دعاء علقمة في لعن الكفّار

  • و يشاهد نظير هذا الدعاء في الكثير من الأدعية المرويّة عن الأئمّة الطاهرين صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين، و من بينها دعاء الإمام زين العابدين و سيّد الساجدين عليّ بن الحسين عليهما السلام الوارد في «الصحيفة الكاملة» في شأن حرّاس و حَفَظَة ثغور الإسلام و المسلمين؛ فهو بعد أن يدعو لهم دعاء الخير و الرحمة مفصّلًا، يدعو في ساحة الربّ بشأن‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

124
  • أعدائهم الذين يواجهونهم:

  • اللهُمَّ افْلُلْ بِذَلِكَ عَدُوَّهُمْ، وَ اقْلِمْ عَنْهُمْ أظْفَارَهُمْ، وَ فَرِّقْ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ أسْلِحَتِهِمْ، وَ اخْلَعْ وَثَائِقَ أفْئِدَتِهِمْ، وَ بَاعِدْ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ أزْوِدَتِهِمْ، وَ حَيِّرْهُمْ في سُبُلِهِمْ، وَ ضَلِّلْهُمْ عَنْ وَجْهِهِمْ، وَ اقْطَعْ عَنْهُمُ المددَ، وَ انْقُصْ مِنْهُمُ العَدَدَ، وَ امْلأ أفْئِدَتَهُمْ الرُّعْبَ، وَ اقْبِضْ أيْدِيَهُمْ عَنِ البَسْطِ، وَ اخْزِمْ ألْسِنَتَهُمْ عَنِ النُّطْقِ، وَ شَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ، وَ نَكِّلْ بِهِمْ مَنْ وَرَاءَهُمْ، وَ اقْطَعْ بِخِزْيِهِمْ أطْمَاعَ مَنْ بَعْدَهُمْ.

  • اللهُمَّ عَقِّمْ أرْحَامَ نِسَائِهِمْ، وَ يَبِّسْ أصْلَابَ رِجَالِهِمْ، وَ اقْطَعْ نَسْلَ دَوَابِّهِمْ وَ أنْعَامِهِمْ، لَا تَأذَنْ لِسَمَائِهِمْ في قَطْرٍ، وَ لَا لأرْضِهِمْ في نَبَاتٍ!۱

  • و على كلّ حال، فلقد تشرّف الحقير في هذا السفر -كما فعل في السفر السابق- بالذهاب إلى النجف الأشرف أيّام عيد الغدير و أقمتُ هناك عشرة أيّام، لكنّ السيّد الحدّاد لم يتشرّف هذه المرّة بالمجي‌ء إلى النجف؛ ثمّ عدتُ إلى كربلاء فبقيتُ إلى ما بعد شهادة الإمام بثلاثة أيّام، و تشرّفت بعد ذلك بزيارة الكاظمين و سامرّاء بصحبة السيّد الحدّاد، ثمّ عدت إلى طهران في أوائل العشرة الثالثة من محرّم الحرام.

    1. الدعاء السابع و العشرون من دعائه عليه السلام لأهل الثغور: الفقرتان ٥ و ٦.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

126
  •  

  •  

  • القِسْمُ الرَّابِعُ: السَّفَرُ الثَّالِثُ لِلْحَقِيرِ إلى العَتَبَاتِ المُقَدَّسَةِ سَنَةَ ۱٣۸٥ هِجْرِيَّة قَمَرِيَّة

  •  

  •  

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

128
  •  

  • السفر الثالث للحقير إلى العتبات المقدّسة

  • سنة ۱٣۸٥ هجريّة قمريّة

  •  

  • لقد كان محلّ نوم و استراحة عائلة السيّد الحدّاد و زوجات أبنائه في المنزل المستأجر الأخير خلال فصل الصيف منحصراً في سطح المنزل، فمن المعهود عند عرب النجف الأشرف و كربلاء المقدّسة أن يصعدوا في الليالي إلى سطوح منازلهم المسيّجة في فصل الصيف، ذلك لأنّ شدّة الحرّ تجبرهم على النوم في الأماكن المرتفعة المكشوفة و تجعل الغرف غير صالحة كأماكن للنوم و الاستراحة. و كنت مجبراً في سفري و حلولي على سماحة السيّد الحدّاد في منزله المستأجر هذا خلال فصل الربيع و أشهره الأخيرة على النوم مع سماحته على السطح ليلًا، فكانت النساء يرقدن في الغرف، و كنّ بالطبع يتحمّلن الأذى في ذلك، و كان السطح مكشوفاً لا يمكن تجزئته؛ لذا فقد قرّر الحقير أنّه من الأفضل أن تكون سفراتي الآتية للتشرّف بزيارة العتبات المقدّسة في فصل غير فصل الحرّ، كي لا يسبّب ذلك الأذى لأهل بيت السيّد و عائلته، و قد فاتحته بهذا الأمر فأيّد ذلك و أقرّه.

  • هذا من جهة، و من جهة أخرى فقد سمعتُ بنيّة السيّد على الذهاب لحجّ بيت الله الحرام هذه السنة، حيث يستوعب سفره شهرَي ذي القعدة و ذي الحجّة. و من ثمّ فقد اخترت وقوع السفر التالي في فصل الشتاء و ذلك للقيام بالزيارة الرجبيّة و الشعبانيّة، و هكذا تحرّكت نحو الكاظميّة قبل حلول شهر جمادي الآخرة لسنة ۱٣۸٥ هجريّة قمريّة بأيّام، حيث توقّفت‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

129
  • فيها عدّة أيّام لزيارة ذينك الإمامين الهمامين. ثمّ توجّهت صوب كربلاء و حللتُ في منزل سماحة السيّد الحدّاد فقضيت ليالي و أيّاماً في محضره المبارك.

  • سفر آية الله السيّد إبراهيم خسروشاهي و لقاؤه بالحدّاد قدّس الله نفسه‌

  • و قد شرَّفنا بالمجئ صباح أحد أيّام الزيارة الرجبيّة تلك، صديق الحقير الحميم و رفيقه الشفيق، النزيه الفاضل من أهل الفضل: سماحة آية الله السيّد إبراهيم خسروشاهي الكرمانشاهيّ أدام الله أيّام بركاته حيث قَدِمَ للالتقاء بالحقير و كذلك لزيارة سماحة الحاجّ السيّد الحدّاد ضمناً. و كنتُ جالساً في زاوية الغرفة و السيّد الحدّاد نائماً في الجانب الآخر من الغرفة يتردّد صوت أنفاسه في النوم بشكل واضح.

  • و كان الحقير قد بحث سابقاً بشكل مفصّل مع هذا الصديق الذي يفوق الأخ في عطفه، و الأكثر إخلاصاً من كلّ صاحب و صديق، و الأكثر خلوصاً و تنزّهاً عن أيّ نوع من الشوائب و الأوهام بشأن عظمة سماحة السيّد الحدّاد و قدرته العلميّة و التوحيديّة و سعة علومه الملكوتيّة و وارداته القلبيّة، و الإجلال و الإكرام اللذين كانا يبديهما له الاستاذ الأعظم آية الله الحاجّ الميرزا علي آقا القاضي قدّس الله تربته.

  • و من ثمّ فقد دعوتُه بشكل جادّ إلى التبعيّة و التسليم مقابل ولاية السيّد الحدّاد، و قلت له: لقد طفتم عمراً باحثين عن المعارف الإلهيّة، و لم تتورّعوا عن بذل كلّ مسعى لكشف الحجب و للشهود العيانيّ، بل إنّ السيّد الحدّاد يمثّل امنيتكم الكامنة في صدركم الشريف، فلقد بحثتم عن إنسان كامل تسلّمون أنفسكم إليه على يقين و بيّنة! فها هو ذا أمامكم نائماً في تلك الزاوية من الغرفة. و لقد تشرّفتم بالمجي‌ء إلى كربلاء عدّة أيّام، فتعالوا هنا و أنا معكم، و الأمل كبير إن شاء الله تعالى في أن تُقضى حوائجكم و تُحلّ مشاكلكم.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

130
  • فقال: أخاف ألّا يكون هو من أبغي، و حينذاك سأتورّط في الأمر و لن يكون لي من طريق للنجاة و الخلاص.

  • قلتُ: لستم طفلًا قاصراً أو سفيهاً لتُخدعوا أو تضلّلوا، فأنتم بحمد الله و منّه من العلماء الذين لهم سابقتهم و فضلهم و لهم معرفتهم بالقرآن و بأخبار المعصومين عليهم السلام، و لقد درستم دروس الحكمة عند استاذنا العلّامة آية الله السيّد محمّد حسين الطباطبائيّ قدّس الله نفسه الشريفة، و فهمتم جيّداً «شرح منازل السائرين» و «شرح القيصري» و «الفتوحات المكّيّة» لمحيي الدين بن عربي، فليس مقبولًا مع كلّ هذه الامور أن تقولوا: إنّني اخدع، أو إنّني أتورّط في ورطة لا أمل في النجاة منها! إنّ أحداً لا يُجبركم، كما أنّ أحداً لا يدعوكم للتسليم لمحضره؛ بل تعالوا بأنفسكم كشخص عادي و سلوا عن مشكلاتكم بكلّ حرّيّة، ثمّ انظروا هل سيمكنه حلّها أم لا؟! اختبروه في قدرة التوحيد و الوصول إلى أعلى درجة اليقين، و انظروا هل تجدون فيه -و هو الرجل العادي الحدّاد صانع النعل- ما قرأتموه و سمعتموه أم لا؟

  • فإن لم تجدوا ذلك، فإنّ شيئاً لن يضيركم و ستستمرّون على انتهاج طريقكم السابق، و إذا ما وجدتموه حائزاً للشرائط التي تتطلبونها بأنفسكم فالتزموا بتعاليمه. على أنّه ليس بالشخص الذي يفتح بابه لكلّ وارد، و أنتم ترون انزواءه و عزلته و أنّ أحداً لا يطرق باب بيته، و أنّه غير متفرِّغ لمثل هذه الامور؛ و لكن بناءً على العطف و المحبّة اللذان أبداهما للحقير بكرمه و لطفه، فسأ توسّط في الأمر و أطلب منه ذلك، و إذا ما وافق فلربّما ستجدون ضالّتكم المنشودة هنا!

  • إن هذا الرجل استاذ كامل خبير في العلوم العرفانيّة و المشاهدات الربّانيّة، فهو يرفض الكثير من كلمات محيي الدين بن عربي و ينقد

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

131
  • اصولها و يُبَيِّن جانب الخطأ لديه، فسلوه عن أعقد مطالب «منظومة» الحاجّ السبزواريّ و «أسفار» الآخوند و أقوال «شرح فصوص الحكم» و «مصباح الانس» و «شرح النصوص» الأشدّ إبهاماً و غموضاً، و انظروا من أيّ افق سيطلع، و كيف سيجيب و يعدّد مطالبها الصحيحة و السقيمة! هذا الرجل لا ينام، بل هو يقظ على الدوام، يقظ في النوم و الصحو؛ نومه و استيقاظه على حدّ سواء، فهو يغمض عينيه لكنّ قلبه صاحٍ متيقِّظ، فما الذي تريدونه أكثر من هذا؟!

  • قال: لو كان كما تقول، فها هو الآن نائم، فسله عن أمرٍ ما لنرى كيف يفهم في نومه و يجيب!

  • قلتُ: لا مانع عندي من السؤال، و لكن أ يليق برجل عظيم كهذا أن نُهبطه من ذلك العلو الملكوتيّ الروحيّ و المحو في جمال الحقّ، فنسأل منه مطلباً للامتحان فقط؟! إنّني لم يسبق لي أن قمت بمثل هذه الاختبارات؛ و ما هو مشهود لديّ قد تحقّق بنفسه تلقائيّاً.

  • و أخيراً استيقظ السيّد و ذهب لتجديد وضوئه، ثمّ عاد بعد أن توضّأ و جلسنا لتناول طعام الفطور. فقال لي السيّد إبراهيم: لا مجال لديّ الآن، فأنا في زيارة لكربلاء لعدّة أيّام -ربّما لأنّه كان يرافق جماعة في سفرهـ و سيبقى ذلك إلى وقتٍ آخر إن شاء الله، عسى الله أن يوفّقني له.

  • و هكذا فقد انقضى ما حصل اليوم. فلمّا كان اليوم التالي استيقظ السيّد من النوم، فكان يتكلّم مع نفسه في الفراش: «يقال عنه: إنّه لا ينام. يقول: لا أذكرُ في جميع عمري أنّني بقيتُ ليلةً لم أنم فيها؛ فما الذي سيعود علينا لطفه؟ فهو ليس لنا!».

  • دعوة الحقير لآية الله السيّد إبراهيم لضرورة درك محضر آية الله الانصاريّ‌

  • و كان الحقير قد دعا هذا الصديق المكرّم -قبل دعوتي له للسيّد هاشم- إلى المرحوم آية الله الشيخ محمّد جواد الأنصاريّ قدّس الله تربته‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

132
  • زمن حياته، و ألححتُ عليه بإصرار و قلت له: إنّ ضالّتك عند هذا الرجل، فهو رجل إلهيّ ذو صفات إلهيّة، رجلٌ تخطّى نفسه و تجاوزها و فاز بدرجة المخلَصين.

  • و كان قد قبل دعوة الحقير يوماً و شرّفني بتناول طعام الغداء و كنت آنذاك في النجف الأشرف للتحصيل و الدرس. فجلسنا في السرداب المتعارف للمنزل الذي ابتاعه الحقير في محلّة العمارة جنب السور نتحدّث حول مقامات و كمالات المرحوم الأنصاريّ من وقت الغداء، أي بعد الفريضة لساعتين تقريباً. و كنتُ أعلم أن الحاجّ السيّد إبراهيم -شأنه شأن الحقير والهٌ قد أضناه التمزّق، فهو يبحث عن ضالّته المنشودة من سالف الأيّام، لذا فقد أحببتُ كثيراً أن أدعوه هو الآخر إلى انتهاج السلوك العمليّ و العرفانيّ للمرحوم آية الله الأنصاريّ و مشيه و منهجه.

  • فقال: أجل، لقد كتبتُ قبل عدّة سنوات من مدينة قم (محلّ سكناه و تحصيله) رسالةً إلى آية الله الأنصاريّ سألته فيها عن امور أردت معرفتها، فأجاب المرحوم الأنصاريّ على رسالتي بمحبّته و لطفه الوافر، و أشار فيها إلى أنّ الطريق مفتوح؛ لكنّي تعلّلت بعد ذلك بعلل و لم اتابع الأمر لجهات عديدة.

  • منها: أنّه معروف في همدان بالتصوّف، و واضح أنّ نهجنا و طريقتنا غير طريقة الصوفيّة و نهجهم.

  • و منها: أنّ بعض علماء همدان و أئمّة الجماعة فيها ينتقده و لا يذكره بخير.

  • و منها: أنّ السيّد... نقل أنّ أحد أصحاب الأنصاريّ انتابته في جلسته حالة من التغيير و انقلاب الحال، فادّعى الوصل و مشاهدات العالم الربوبيّ، ثمّ عرضت له حالة تقيّؤ، فاستبان أنّ انقلاب حاله و ادّعاءه الوصل‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

133
  • و المشاهدة كانا من الإفراط في الأكل و امتلاء معدته و أمعائه.

  • فقال الحقير: لقد رافقتُ المرحوم الأنصاريّ في النجف الأشرف شهرين كاملين، و صحبتُه في سفره إلى همدان لُاسبوعين كاملين شهدت فيها عن قرب حالاته و مقاماته و كمالاته و شدّة عبوديّته و عاينت حرصه المفرط على احترام الشريعة، و الذي كان بدرجة شديدة ربّما بدت أحياناً في نظر الحقير إفراطاً. ثمّ قصصتُ عليه عدّة قضايا و وقائع بالتفصيل.

  • و من ثمّ فإنّ جميع هذه الامور المنقولة عنه كذب محض و افتراء، فأوّلًا: إنّ المرحوم الأنصاريّ يخالف بشدّة طريقة الصوفيّين، فقد كان يعدّ ذلك الطريق طريقاً لترقّي النفس و تقويتها لا طريقاً لفَناء النفس. و كان قد صرّح: أنّ طريق التكامل يكمن في الإتيان بأعمال التقرّب سواءً كان لها ظهور أم لم يكن.

  • الرمي بالتصوّف هو حربة الوعّاظ غير المتّعظين في تحطيم العرفاء و العرفان‌

  • نعم، إنّ في عرف العوامّ و المحصّلين الجهلة عندنا أنّهم يلقّبون بالصوفيّ كلّ من يصلّي صلوات النافلة الليليّة و النهاريّة و يقوم بالإتيان بالسجدات الطويلة و يسعى وراء الحلال، و يجتنب مجالس اللهو و الغِيبة و الكذب و أمثالها بشكل جادّ و حازم و يبتعد قدراً -لإصلاح نفسهـ عن عامّة الناس من عبدة الدنيا. و ليس هذا إلّا من تعاسة و شقاء الوعّاظ غير المتّعظين، فكيف بالعوامّ من الناس!

  • أ لم يدعوا المرحوم الآخوند الملّا حسين قُلي الهمدانيّ في النجف صوفيّاً؟! أ لم يدعوا المرحوم الحاجّ الميرزا علي آقا القاضي صوفيّاً؟! أ لم يسمّوا المرحوم الحاجّ الشيخ محمّد حسين الإصفهانيّ الكمبانيّ صوفيّاً، و قاموا بإحراق رسالته المطبوعة في المطبعة بهذه التهمة؟! أ لم يعدّوا المرحوم الحاجّ الميرزا جواد آقا التبريزيّ الملكيّ صوفيّاً؟!

  • فيا أيّها العزيز! ينبغي عدم الإصغاء لكلام المغرضين و المعاندين‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

134
  • و اللاهثين وراء الدنيا و عَبدتها و لو تلبّسوا بلباس أهل العلم، و إلّا فاتتك القافلة إلى يوم القيامة!

  • و ثانياً: إنّ الأعاظم من علماء همدان، كالحاجّ الشيخ هادي التألّهيّ، و الآقا الآخوند ملّا علي المعصوميّ الهمدانيّ و أمثالهما يمتدحونه بالقدسيّة و الورع المفرط. فلما ذا لا تسألون هؤلاء عن أحوال الأنصاريّ ليصفونه لكم بمرتبة تفوق مرتبة العدالة و لتتّضح لكم -بإقرارهم و عجزهم عن إدراك معلومات الأنصاريّ لقصور معلوماتهم- كمالاتُه بشكل مشهود؟!

  • و ثالثاً: إنّ تلامذة و مريدي المرحوم الأنصاريّ في همدان لا يتعدّون عدّة أشخاص و هذه هي أسماؤهم: الحاجّ محمّد البيك‌زاده، الحاجّ السيّد أحمد الحسينيّ، الحاجّ غلام حسين السبزواريّ، غلام حسين الهمايونيّ، محمّد حسن البياتيّ، إبراهيم إسلاميّة، و محسن بينا؛ أمّا بيان أحوالهم و ترجمتهم فهو أشهر من الشمس في سطوعها، فلأيّ شخص منهم حيكت هذه القصّة المختلقة فوصلت إلى قم؛ حتّى ينتقد السيّد... على المنبر المرحوم الأنصاريّ تلويحاً و كناية بما هو أبلغ من التصريح؟!

  • فلا تتصوّروا أنّ اتّهام أشخاص كهؤلاء أمر يسير! و سيكون لكلّ منهم موقف يوم القيامة يعترضون فيه سبيل من اتّهمهم و يستوقفونه فلا يدعونه يتقدّم خطوةً واحدة ما لم يُجِب على ما فعل، و ليست تلك المواقف إلّا مواقف جزئيّة قبل الوصول إلى المواقف الكلّيّة و العظيمة.

  • فقال الحاجّ السيّد إبراهيم: أخشى أن أذهب إلى بيته في همدان فيصبح نفس ذهابي -و لو كان للتحقيق و استجلاء الأمر و الحقيقة- في حال تبيّن خلاف الأمر، تأييداً للباطل؛ لأنّ ذهابي و أنا في لباس أهل العلم و زيّهم ليس كذهاب شخص عاديّ و لربّما صار لا سمح الله إمضاءً و تأييداً للباطل و نشراً له.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

135
  • فقلت: فاذهبوا ليلًا! اذهبوا سرّاً! ضعوا عباءتكم فوق رأسكم و اذهبوا! و لا تذهبوا إلى منزله بل إلى منزل رفقائه الذين يذهب إليهم! فلقد وضع الله سبحانه طرقاً متعدّدة. مَنْ طَلَبَ شَيْئاً وَ جَدَّ وَجَدَ، وَ مَنْ قَرَعَ باباً وَ لَجَّ وَلَجَ.۱

  • استخارة آية الله السيّد إبراهيم في الرجوع لمحضر آية الله الانصاريّ‌

  • و بعد اللتيّا و اللتي قال لي: استخيروا لي! فاستخرت الله فطالعتنا هذه الآية:

  • ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌ ، يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْ‌ءٌ عَظِيمٌ ، يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَ تَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَ تَرَى النَّاسَ سُكارى‌ وَ ما هُمْ بِسُكارى‌ وَ لكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾.٢

  • و لم يقل لي لأيّ شي‌ء كانت الاستخارة لكنّها كانت بعد تلك المذاكرة، فحدستُ أنّها كانت للذهاب إلى همدان و الحضور عند المرحوم الأنصاريّ قدّس الله نفسه. ثمّ قرأت عليه الآية فقال: من الواضح أنّها سيّئة. و انقطع الحديث بيننا بشأن آية الله الأنصاريّ إلى اليوم.

  • و قد ذكرتُ ذلك الأمر بعد مرور سنة إلى أحد السالكين‌٣ فقال: لقد

    1. أورد في «نهج الفصاحة» لأبي القاسم باينده، ص ٦٢٢، الحديث ٣۰٦٢، طبعة انتشارات جاويدان، سنة ۱٣٦۷ هـ؛ و في «وهج الفصاحة» لعلاء الدين الأعلميّ، ص ٥٩٤، الحديث ٢٩۷۷، الطبعة الأولى من منشورات مؤسّسة الأعلميّ، بيروت، ۱٤۰۸، من كلمات رسول الله صلّى الله عليه و آله، قال: مَنْ طَلَبَ شَيْئاً وَ جَدَّ وَجَدَ. و أورد في «نهج الفصاحة» ص ٦٢٢، الحديث ٣۰٦٥؛ و في «وهج الفصاحة» ص ٦۰٢، الحديث ٣۰۸۰، أنّه صلّى الله عليه و آله قال: مَنْ يُدِمْ قَرْعَ البَابِ يُوشِكُ أنْ يُفْتَحَ لَهُ.
    2. الآيتان ۱ و ٢، من السورة ٢٢: الحجّ.
    3. و هو سماحة ثقة الإسلام العالم المعروف و صديقنا العزيز المتوفّى: السيّد عبد الله الفاطميّ الشيرازيّ رضوان الله عليه.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

136
  • أخطأ في ذلك، فهذه الآية لهذا القصد جيّدة جدّاً؛ فهي تدلّ على أنّه لو ذهب إلى همدان و حضر عند آية الله الأنصاريّ لقامت قيامته و لزلزلت الزلزلة الملكوتيّة و الجذبات الجلاليّة أركان وجوده، و لأفنت كلّ أثر من شوائب الوجود و الوجود المجازيّ المُعار فيه، و لوصل إلى مقام الفناء المطلق، فهذا هو تعبير هذه الآية و تفسيرها لهذا الغرض و الهدف.

  • زهد و ورع آية الله الحاجّ الشيخ عبّاس الطهرانيّ محمّد زاده قدّس الله نفسه‌

  • و من الجدير بالذكر أنّ الصديق العزيز آية الله الحاجّ السيّد إبراهيم كان سابقاً في قم من التلامذة و المريدين المخلصين لآية الله المرحوم الحاجّ الشيخ عبّاس الطهرانيّ محمّد زادة قدّس الله نفسه، و المجدّين في دروسه الأخلاقيّة و نهجه و طريقته، و كان ذلك المرحوم عالماً جليلًا متخلّقاً و مؤدّباً بالآداب الشرعيّة. و كان قد اختار الابتعاد في قم عن أبناء الدنيا في فترة اشتداد الانحراف و العمى في عهد البهلويّ الكبير، فذهب إلى آخر المدينة و بنى بيتاً قرب مزارع الرمّان. و كانت له حكايات شيّقة في التوسّل بإمام الزمان عجّل الله تعالى فرجه، و دعوة طلّاب قم و معاشريه إلى تجنّب آداب الكفر، و الابتعاد عن الحضارة الغربيّة الضالّة و المضلّة. و كان رجلًا مجاهداً صريح اللهجة، و له علاقة صداقة حميمة و قرابة صميميّة و كمال المراودة و المعرفة مع الفقيد السعيد القائد الكبير للثورة الإسلاميّة آية الله الخمينيّ قدّس الله نفسه.۱

    1. كان عمر الحاجّ الشيخ عبّاس يزيد كثيراً على عمر آية الله الخمينيّ و آية الله الگلبايگاني، و كان يقول: في الوقت الذي كنت أنا و الحاجّ السيّد أحمد الخونساريّ و الحاجّ الشيخ محمّد علي الأراكيّ نذهب إلى درس الحاجّ الشيخ عبد الكريم الحائريّ، كان آية الله الگلبايگانيّ و آية الله الخمينيّ يدرسان «المطوّل». و كان يقول: رأيتُ في النوم ذات ليلة أنّي ذهبت إلى وليمة، فلمّا أمسكت بلقمة رأيت السيّد الگلبايگانيّ قد أسرع فأخذها و تناولها. ثمّ قال بعد ذلك: و تأويل ذلك أنّه سيصبح مرجعاً. و كان اسم والد آية الله الحاجّ الشيخ [تابع في الصفحه التاليه...]

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

137
  • ...۱

    1. [تابع التعليقه السابقه...] عبّاس الطهرانيّ: الحاجّ محمّد السيگاريّ.
      و يلزم هنا بيان تفسير رؤياه و توضيحه لئلّا يتصوّر بعض من غير ذوي المعرفة أنّ هدف مرجعيّة الشيعة التي تمثّل النيابة الحقّة عن مقام الإمامة، هو الوصول إلى زخارف الدنيا و التمتّع باللذائذ الحيوانيّة، بل إنّ الأمر على العكس من ذلك تماماً، و ليس للمراجع الحقّة الشيعيّة إلّا تحمّل ثقل المشكلات و الصعوبات و الأذى. كلّ ذلك إبقاءً للشريعة الحقّة منزّهة عن تلاعب أيدي الأجانب و المخالفين، و لتربية تلامذة حقيقيّين و واقعيّين للنهج الجعفريّ و لإحياء علوم التشيّع و آدابه عند الشيعة.
      و لقد كان المرحوم آية الله الحاجّ الشيخ عبّاس الطهرانيّ سالكاً و مراقباً لنفسه، فهذه النِّعَم الدنيويّة و اللذائذ المادّيّة و الشهويّة تتجسّم للسالكين في طريق الله في عالم النوم و الرؤيا بشكل آخر، و هكذا الأمر بالنسبة للنِّعَم المعنويّة و الروحيّة و نِعم الجنّة التي تتجلّى لهم بصورة أخرى غير تلك التي يراها الناس العاديّين في منامهم. و بعبارة أخرى فإنّ تعبير رؤيا السالكين يختلف عن تعبير نفس الرؤيا لغير السالكين. فالسالك يطوي الطريق إلى الله، و هذا الطريق عبارة عن العبور من النفس الأمّارة و ترك المشتهيات المادّيّة و اللذائذ الشهويّة للّه و في الله. و ترك هذه الامور -الذي عين أعمال التقرّب إلى اللهـ يتمثّل للسالك في النوم بصورة طعام لذيذ و فاكهة حلوة و بشكل روضة و بُستان و حشائش خضراء و ماء صاف زلال.
      أي إنّ السالك حين يمتنع اليوم -مثلًا- عن تناول تفّاحة فيعطيها ليتيم، يرى في رؤياه أنّه منهمك بتناول تفّاحة كبيرة ذات لون و مذاق لطيف، و إذا ما قدّم السالك أحياناً لذّة نفسه فإنّه يرى تلك الليلة كأنّ عقرباً تلسعه. لذا فإنّ رؤيا المريدين و السالكين إلى الله هي بأجمعها رؤيا جميلة مفرحة و مُبهجة، على الرغم من ابتلائهم في الدنيا بأشدّ أنواع الفقر و المسكنة و تحمّلهم لأقسى أذى الناس.
      و يستبين بهذا التوضيح المختصر الذي قُدّم هنا أنّ مائدة طعام الوليمة التي حضرها الحاجّ الشيخ عبّاس و السيّد الگلبايگانيّ كانت مائدة معنويّة و مائدة من الجنّة، أي أنّها جزاء و ثواب المرارات و تحمّل المشاكل في الدنيا في سبيل الله، حيث توفّي الحاجّ الشيخ عبّاس قبل ثلاثين سنة فلم يصبح مرجعاً، و يتفضّل الله على السيّد الگلبايگانيّ بطول العمر لينهض بهذا العب‌ء. و لقد كانت أتعاب آية الله الگلبايگانيّ لإبقاء الحوزة المقدّسة العلميّة في قم و الحفاظ عليها أتعاباً تستحقّ التقدير، و لقد بيّن بنفسه للحقير بعضها قبل عصر الثورة و بعده في مجلس لم يضمّ سوانا نحن الاثنين.
      و قد قام الحقير بتدوين بعضها في كتاباتي الشخصيّة. إنّ نفس آية الله الگلبايگانيّ تمتاز بالصفاء و التألّق إلى حد كبير، فهو حين يشخّص الحقّ يبقى عليه فلا يتجاوزه أو يتعدّاه. أبقاه الله و أيّده ذخراً للإسلام و المسلمين و عافاه الله من مرضه بمحمّد و آله الطيّبين.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

138
  • و قد استفاد الحقير من المحضر الشريف لآية الله الطهرانيّ، و كنتُ أذهب في بعض أيّام الجمعة حين تشرّفت بالتحصيل و الدرس في الحوزة المباركة في قم، بمعيّة السيّد إبراهيم فنستفيد من محضره المنوّر، و يفيض علينا من مواعظه و نصائحه. و كان له بعض الحالات الروحيّة التي تكشف عن نوع من الاتّصال، لكنّ الآلام الشديدة التي كان يعاني منها في بطنه و قرحة المعدة التي أقعدته لسنين متمادية من جهة، و المحافظة على الأسرار من جهة أخرى، لم تكونا لتسمحان له أن يكشف الستار عن الطلعة التي تختفي وراءه و يبيِّن الحقائق كما فعل العلّامة الطباطبائيّ و آية الله الأنصاريّ.

  • و كان يقول: لقد وجدتُ جوهرة في خَرِبَة، فلستُ أعلم طريق العثور عليها. و لقد سأله الحقير يوماً عن التوحيد الأفعاليّ فقال: صَهْ! هذا من الأسرار! و اعلمْ إجمالًا أنّ جميع الامور من الله تعالى!

  • و هكذا فلم تتوثّق بيننا علاقة الاستاذ و التلميذ، لكنّني كنت أتشرّف بالحضور عنده بوصفه عالماً جليلًا مخلصاً ذا فؤاد كليل، و له حُرقة و لوعة خاصّة عند قراءة دعاء الندبة. و حقّاً فلم يكن ليمنع شيئاً أو يبخل بشي‌ء، و لقد صار الكثير من مواعظه يتصدّر برنامج حياة الحقير حتّى اليوم. رحمة الله عليه رحمة واسعة.

  • لقد كان سماحة آية الله العلّامة فقط هو استاذ الحقير في السلوك‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

139
  • حين كنت مشغولًا بالتحصيل في الحوزة الطيّبة في قم، و كان يعطي تعليمات خاصّة و يشكّل جلسات تضمّ عدّة أفراد. لكنّ السيّد إبراهيم كان له علاقة قلبيّة و التفات أكثر إلى آية الله الحاجّ الشيخ عبّاس الطهرانيّ، فكان يطيعه في جميع الامور طاعة محضة، و كان منزله آنذاك مع المرحومة والدته المكرّمة فقط، و كان قرب منزل الحاجّ الشيخ عبّاس، و كان يتردّد على محضره في أوقات الصلاة و في لقاءات خاصّة.

  • و على هذا الأساس و على أثر شدّة علاقته به، فقد صار أخيراً صهراً له؛ بَيدَ أنّ الحقير لم يكن قد أوكل نفسه إلى ذلك المرحوم، فكنت أمتلك الحرّيّة أكثر في البحث عن الحقيقة، لذا فقد دعوتُه في النجف و كربلاء زمن حياة المرحوم الشيخ عبّاس لمتابعة المرحوم الأنصاريّ، لكنّ دعوتي له لمتابعة سماحة السيّد هاشم كانت بعد ارتحال ذلك المرحوم.

  • و لقد كان آية الله الحاجّ الشيخ عبّاس الطهرانيّ يحبّ الحقير كما يحبّ ولده، كما هو الظاهر من رسالته التي أرسلها إلى النجف الأشرف جواباً لرسالة الحقير. ۱

  • رسالة الشيخ عبّاس الطهرانيّ للحقير و استعانة بآية الله الگلبايگاني‌

    1. ترجمة الرسالة: باسمه تعالى
      يا إنسان العين و عين الإنسان، و يا قرّة عيني و ثمرة فؤادي! عزيزي، إنّ عدم استحقاق الحقير الغارق في التقصير لما أظهرتموه كتابةً و غياباً كان ملاك تأخير الرسالة، و لقد صار في الحقيقة حجاباً للحقير و مانعاً من إبداء الجواب و بيان المودّة و الإخلاص.
      فتأمّل في أطوار النفس و استعذ بالله تعالى من شرّها و اقرأ إحدى المناجاة المسمّاة بخمسة عشر المبدوّة بهذه الكلمات: اللهُمَّ إلَيْكَ أشْكُو نَفْساً بِالسُّوءِ أمَّارَةً - إلى آخرها، في خلواتك مع كمال الانكسار أعاذنا الله من مكائدها و أطوارها.
      و إجمالًا، بلِّغْ خالص سلامي إلى المحضر المقدّس لسماحة آية الله الگلبايگانيّ دامت بركاته و قل له على لسان الحقير: لمْ أنسَ كلمة تفضّلتم بها أثناء تحرّككم من النجف خارج المدينة وقت التوديع، قُلتم: أثملتَ من كأسٍ واحدة! فيا سيّدي! ليتني كنتُ [تابع في الصفحه التاليه...]

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

140
  • ...۱

    1. [تابع التعليقه السابقه...] رشفت كأساً واحدة!
      مجلس تمام گشت و به آخر رسيد عمر***-ما همچنان به اول وصلش هم نرسيده‌ايم‌
      حيران شدم حيران شدم مجنون و سرگردان شد***از هر رهى گويد بيا دنبال من، دنبال من‌
      چون مى‌روم دنبال او، نى زو خبر، نى زو اثر***از هر درى گويد بيا كاينجا منم، كاينجا منم‌
      چون سوى آن در مى‌روم***بينم كه گردد بسته در
      يقول: «لقد انتهى المجلس و بلغ العمر آخره، لكنّنا لم نحظَ بعدُ بأول وصاله.صرتُ حائراً، حائراً و مجنوناً والهاً، فهو يناديني من كلّ صوب: تعال و اتبعني و اتبعني.و حين أتبعه أجد أن لا أثر منه و لا خبر؛ يقول من كلّ باب: تعال ها أنا ذا، ها أنا ذا.و حين أخطو صوب ذلك الباب أراه قد أغلق».إنّ الله خِلوٌ عن خلقه -إلى آخره، بائن عن خلقه- إلى آخره.
      يا ربّ اين ترك پرى چهره عجب عيّارى است***كه كند تازه ز وصلش غم هجران مرا
      يقول: «فيا ربّ عجباً من هذا التركيّ ذي القسمات الملائكيّة، كم هو حاذق حين يجعل أوّلَ وصاله الخوفَ من هجرانه».تبدو و تخفى! إذن فالوصل محال، و هجرانه خيال.قولوا له: سيّدي! اقسم عليك بحقّ جدّتك الزهراء المرضيّة سلام الله عليها أن تعينني!لم يكن المنزل بعيداً في السفر الروحانيّ. بل إنّ العمر بلغ منتهاه، و ها هي شمسه تودّع شرفات السطوح؛ يَا حَسْرَتَا على مَا فَرَّطْتُ في جَنْبِ اللهِ.
      پهلوى آب و تشنه لب از روى اختيار***در جنب يار و منصرف از بوس و از كنار
      يا ربّ مباد كس چو من خسته‌كار***غرق وصال، سوخته جان از فراق يار
      يقول: «أجلسُ عند الماء بشفةٍ ظمأى اختياراً، و أكونُ قرب الحبيب فأعرض عن التقبيل و الخلوة.فعسى أن لا يكون هناك -يا ربّ- أحدٌ مثلي هدّه الفكر، غارقاً في الوصال محترقَ الروح من فراق الحبيب».و مع خوفي من أن لا يكون لذلك السيّد الجليل تلك العنايات السابقة لغلبة الأحكام الظاهريّة، و أن يكون قد انشغل بمقام الأحوط فالأحوط، و أن يكون أولاده المحترمون قد شغلوه؛ على أنّ مقام «جمع الجمع» يزيل التنافي. فجميع الوجود أمْرٌ بَيْنَ الأمْرَيْنِ.و على أيّة حال أرجو الدعاء و أطلب المعونة و المدد، و أنتظر آثارها الغيبيّة التلغرافيّة، و سأخبركم بالنتيجة إن شاء الله تعالى (... إلى آخر رسالته). الأحقر عبّاس الطهرانيّ.و كذلك فقد كتب صهره السيّد إبراهيم ضمن رسالته للحقير في النجف الأشرف:
      گر چراغى نور شمعى را كشيد***هر كه ديد آن نور را پس شمع ديد
      يقول: «لو رشف المصباحُ نورَ الشمعة، فإنّ من يرى ذلك النور فقد رأى الشمعة».و كتب كذلك:
      دردا كه در ديار دلم درد يار نيست‌***و آن دل كه درد يار ندارد ديار نيست‌
      يقول: «الغُصّة في أنّ ديار قلبي خالية من أ لم الحبيب، فذاك القلب الذي لا ألم للحبيب فيه ليس دياراً».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

141
  • و لقد كان باب المكاتبة و المراودة بيننا و بينه مفتوحاً بحمد الله و منّه حتّى آخر عمره الشريف، و كان الحقير، حتّى بعد العودة من النجف إلى طهران، يتشرّف أحياناً بالحضور و الاستفادة من محضره في قم أو في طهران في منزل المرحوم الحاجّ الميرزا أبي القاسم العطّار؛ لكن علاقة الاستاذ و التلميذ التي كانت تربط بين الحقير و بين سماحة العلّامة و سماحة الأنصاريّ و سماحة الحدّاد كانت شيئاً آخراً. و كان الحقير يحرص على دعوة الحاجّ السيّد إبراهيم إلى هذه المائدة، فقد كانت روابط الخلوص و الإخلاص عند الحقير تستوجب أن لا يجلس الحقير لوحده إلى هذه المائدة.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

142
  • نعم، لقد عاد الصديق آية الله الحاجّ السيّد إبراهيم أدام الله أيّام سعادته بعد رحيل المرحوم الحاجّ الشيخ عبّاس الطهرانيّ رضوان الله عليه، إلى موطنه «باختران» مدّة فاشتغل في مسجد «الصاحب» هناك بإقامة صلوات الجماعة و التدريس و ترويج الدين، ثمّ ذهب إلى طهران فانصرف إلى وظائف إرشاد الناس و هدايتهم في مسجد بمنطقة «قلهك» ثمّ في «دزاشيب نياوران» في مسجد «المهدي»، حيث يمرّ عليه حتّى الآن ما يقرب من خمسة عشر عاماً اشتغل فيها بإقامة صلوات الجماعة و الإرشاد و التبليغ و التدريس و الترويج للدين. و حقّاً فإنّه عالم حرّ و ذو فهم عال و دقّة نظر، كما أنّه حاضر البديهة، حميم في علاقته بالدين و الشريعة محزون لأجلها؛ لذا فقد ابتلي بأمراض مختلفة كضعف الأعصاب و قرحة المعدة و لا يزال يعاني منها السنين الطويلة. حفظه الله إن شاء الله و عافاه من جميع الآفات و العاهات و أبقاه الله ذخراً للإسلام و المسلمين بمحمّد و آله الطيّبين الطاهرين.

  • كان الحاجّ السيّد هاشم ما فوق الافق، و كان قد تخطّى الجزئيّة إلى الكلّيّة

  • لقد كان سماحة الحاجّ السيّد هاشم يعيش في افق آخر، و إذا ما أوفينا التعبير حقّه فقد كان يعيش في اللاافق، حيث تخطّى التعيّن، و اجتاز الاسم و الصفة، و صار جامعاً لجميع أسماء الحقّ المتعالي و صفاته بنحو أتمّ و أكمل، و صار مورداً للتجلّيات الذاتيّة الوحدانيّة القهّاريّة، و لقد طوى الأسفار الأربعة تماماً و وصل إلى مقام الإنسان الكامل.۱

    1. نقل في «تفسير روح البيان» في تفسير آية الكرسي، ج ۱، ص ٣٩٩، الطبعة العثمانيّة، عدّة أبيات في هذا المجال عن الملّا الجاميّ:
      گرچه لا داشت تيرگىّ عدم***دارد إلّا فروغ نور قدم‌
      گر چه لا داشت كان كفر و جحود***هست إلّا كليد گنج شهود
      چون كند لا بساط كثرت طى‌***دهد إلّا ز جام وحدت مِى‌
      آن رهاند ز نقش بيش و كمت‌***وين رساند به وحدت قدمت‌
      تا نسازى حجاب كثرت دور***ندهد آفتاب وحدت نور
      دائم آن آفتاب تابان است‌***از حجاب تو از تو پنهان است‌
      گر برون آئى از حجاب توئى‌***مرتفع گردد از ميانه دوئى‌
      در زمين و زمان و كون و مكان‌***همه او بينى آشكار و نهان‌
      يقول: «مع أنّ «لا» كان فيها ظلمة العدم، لكنّ «إلّا» لها سطوع نور القِدَم.و مع أنّ «لا» كانت معدن الكفر و الجحود، فإنّ «إلّا» مفتاح كنز الشهود.و بينما تطوي «لا» بساط الكثرة، تسقي «إلّا» كأس شراب الوحدة.تلك تُحرّرك من دور الزيادة و النقصان، و هذه تُوصلك إلى وحدة القِدَم.فإن لم تُزحْ عنك حجاب الكثرة، فلن تمنحك شمس الوحدة نورها.فتلك الشمس ساطعة على الدوام، و لكنّها مستورة عنك بحجابك.و لو خطوت خارج حجاب أنانيّتك، لارتفعت الثنويّة من البين.و ستراه حينئذٍ في الأرض و الزمان و الكون و المكان، ظاهراً و مستتراً».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

143
  • و لم يكن أيّاً من القوى و الاستعدادات في جميع المنازل و المراحل السلوكيّة من الملكوت الأسفل و الملكوت الأعلى و طيّ أدوار عالم اللاهوت و التجوال فيها، إلّا و كان قد تحقّق في وجوده القيّم و وصل إلى الفعليّة.

  • و لقد كان السيّد هاشم إنساناً له الفعليّة التامّة في جميع زوايا الحياة المعنويّة و نواحيها.

  • و لقد كان الموت و الحياة، الصحّة و السقم، الفقر و الغناء، مشاهدة الصور المعنويّة و عدمها، و الجنّة و الجحيم، بالنسبة له على حدّ سواء؛ فقد كان رجلًا إلهيّاً انقطعت عنه جميع العلائق و النسب في جميع العوالم إلّا نسبة الله تعالى.

  • و لقد كنّا معه طيلة ثمان و عشرين سنة من اللقاءات و وصل الليل بالنهار و الأسفار، حيث حسبتُ مجموع الأوقات المتفرّقة التي كنت فيها

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

144
  • معه ليلًا و نهاراً بشكل دقيق، فكانت لو ضممناها إلى بعضها سنتين كاملتين؛ لم اشاهده طيلتها يرجو أحداً أبداً، لم أره يسأل أحداً أن يدعو له، و لم يسأل غيره شيئاً أبداً، كأن يقول له: ادعُ لي أن تكون عاقبة أمري خيراً، أو أن تُغفر ذنوبي، أو أن يوصلني الله إلى هدفي، كلّا لم أرَ منه شيئاً من ذلك أبداً و مطلقاً، لا تلك الامور و لا أمثالها. إذ كيف يسأل هذه المعاني امرؤ هو نفسه في مُنتهى الدرجة من الفقر و العبوديّة، و ليس له مقابل الحقّ الجليل إلا العبوديّة و التخلّي عن الإرادة و الاختيار و فقدان الآمال و الأماني؟!

  • و من البيِّن أنّ التجلّيات الربوبيّة و المظهريّة التامّة للأسماء الجماليّة و الجلاليّة للحق تعالى هي من لوازم هذه العبوديّة التي لا تنفكّ عنها.

  • لقد كان الحاجّ السيّد هاشم رجلًا وصل من الجزئيّة إلى الكلّيّة، فلم يكن لينظر بعدُ إلى الكثرات، بل كان محيطاً و مهيمناً و مسيطراً على الكثرات. و لم يكن له في جميع عمره كلام ينبع من مجاملة من المجاملات المعهودة المتداولة، أو وفق مصلحة، كما لن يكن يُظهِر في إجابته لأحد التواضع و الانكسار المتعارف الذي لا ينطبق مع الواقع أبداً، فلم يكن لينبس بجملة أو كلمة من باب التواضع و التذلّل و الانكسار، و ذلك لأنّها كانت بأجمعها -طبقاً لحاله و مقامهـ مجازاً و خلافاً للواقع. إذ كان قد وصل إلى مقام لا يحتاج إلى التلفّظ بهذه الجُمل صدقاً أو حسب المصالح العامّة.

  • كان الحاجّ السيّد هاشم عبداً للّه بما في الكلمة من معنى‌

  • و لقد كان عبداً للّه بما في الكلمة من معنى. لذا فقد كان من الخطأ أن يبحث عن شي‌ء في هذا المجال أو يريده أو يطلبه، ذلك لأنّ نفسه قد استقرّت في مقام أرفع و في افق أرحب و في ذروة أمنع ينظر منها إلى جميع كائنات و مخلوقات الحقّ المتعالي، و لقد كان ناظراً من ذلك المقام المنيع و شاهداً على نفسه و على غيره، فهو مظهر التوحيد، مظهر لا إله إلّا الله، مظهر لا هو إلّا هو.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

145
  • و قد ذكرنا أنّه كان يقول: ما أشبهني بقشّة تبن تدور في فضاءٍ لا يتناهى، بلا اختيار منّي أو إرادة، و إنّني أخرج أحياناً من نفسي كالحيّة التي تلقي بجلدها، فليس في إلّا هذا الجِلد.

  • أ تعلمون ما الذي كان يريد قوله في هذه الجملة القصيرة؟!

  • إنّ الحيّات تبدّل جلودها كلّ سنة بشكل طبيعيّ، أي أنّها تخرج من جِلدها السابق، و إذا ما نظرتم إلى ذلك الجلد لرأيتم حيّة كاملة لها رأس و بدن و ذيل، كما أنّ لون جسمها و نقوشه و تعرّجاته يماثل ما كان للحيّة السابقة، و لربّما يتصوّر الإنسان في البدء أنّ هذا الجلد حيّة حقيقيّة، لكنّه حين يخطو إلى الأمام و يضع يده عليه يتّضح أنّه لم يكن إلّا جلداً و أنّ الحيّة قد خرجت منه.

  • لقد كان سماحة الحدّاد يقول: إنّ مثَلي كذلك، فلقد كنت أتخطّى نفسي و أخرج منها فأذهب إلى مكان آخر.

  • أي: أنّني -أنا الذي خرجت منها- الحدّاد بجميع شئونه من البدن و الأفعال و الأعمال و الذهن و الفعل و كلّ الآثار و لوازمها، مع أنّها موجودة و تقوم بأعمالها الطبيعيّة كالعبادات و المعاملات و الاتّصالات و النوم و الأكل و العلوم الذهنيّة التفكيريّة و العلوم العقليّة الكلّيّة و العلوم القلبيّة المشاهديّة، و بدون أيّة ذرّة من التغيّر، فهي بأجمعها موجودة في مكانها، لكنّني لم أعد موجوداً فيها؛ لقد خرجت منها. أي إنّ جميع هذا البدن و آثاره و جميع علومه الذهنيّة و العقليّة و القلبيّة و آثارها و جميع قدراته و جميع أنحاء حياته تصبح كجلد الحيّة، و ليست بأجمعها مقابل حقيقتي إلا جلداً فقط، في حين أنّ حقيقتي التي يُقال لها «أنا» في مكانٍ آخر.

  • فأين ذلك المكان الآخر يا تُرى؟! من المسلّم أن يكون مكاناً أفضل و أعلى و أرقى من الجزئيّة و الكلّيّة التي هي موطن البدن و المثال و العقل،

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

146
  • هناك كلّيّة تفوق جميع الكلّيّات، و تجرّد يفوق التجرّدات، و بساطة أفضل من جميع البساطات؛ مكان لا يتناهى مدّةً و شدّة و عدّة بما لا يتناهى.

  • كان الحاجّ السيّد هاشم ظهورَ و مظهرَ كلمة «لا هو إلّا هو»

  • هناك عالم الفناء المطلق و الاندكاك في ذات الحقّ المتعالي جلّت عظمته، هناك مقام العبوديّة المطلقة، العبوديّة التي قُدّمت على الرسالة في التشهّد فورد: وَ أشْهَدُ أنَّ محمّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ. هناك الإحاطة بجميع النشآت و عوالم الملك و الملكوت، لا أن يكون العبد هناك مثل الله، فهذا التعبير تعبير خاطئ، إذ ليس -مع وجود ذات القهّار الأحد- من معنى لِمِثل و شبه و نظير، ليس هناك إلّا الله تعالى و لا شي‌ء سواه. و هذا هو التعبير الصحيح؛ هناك: الله «موجود» و حسب، و العبد «فناء» و حسب، هناك ظهور و مظهر لا هو إلّا هو۱

    1. ما أجمل و أبلغ ما أوفي العارف الجليل الشيخ محمود الشبستريّ هذه الحقيقة حقّها حين قال:سؤال:
      چرا مخلوق را گويند واصل؟***سلوك و سير او چون گشت حاصل؟
      جواب:
      وصال حقّ ز خلقيّت جدائيست***ز خود بيگانه گشتن آشنائى است‌
      چو ممكن گرد إمكان برفشاند***به جز واجب دگر چيزى نماند
      وجود هر دو عالم چون خيال است‌***كه در وقت بقا عين زوال است‌
      نه مخلوق است آن كو گشت واصل‌***نگويد اين سخن را مرد كامل‌
      عدم كى راه يابد اندرين باب‌***چه نسبت خاك را با ربّ ارباب؟
      عدم چبود كه با حقّ واصل آيد***و زو سير و سلوكى حاصل آيد
      تو معدوم و عدم پيوسته ساكن‌***به واجب كى رسد معدوم ممكن؟
      اگر جانت شود زين معنى آگاه‌***بگوئى در زمان: أستغفر الله‌
      ندارد هيچ جوهر بى عرض عين‌***عرض چبود و لا يبقى زمانَيْن‌
      حكيمى كاندرين فنّ كرد تصنيف‌***به طول و عرض و عمقش كرد تعريف 
      [تابع في الصفحة التالية...]

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

147
  • ...۱

    1. [...تابع التعليقة السابقة]
      هيولا چيست جز معدوم مطلق***كه مى‌گردد بدو صورت محقّق‌
      چه صورت بى‌هيولا در قدم نيست‌***هيولا نيز بى او جز عدم نيست‌
      شده اجسام عالم زين دو معدوم‌***كه جز معدوم از ايشان نيست معلوم‌
      ببين ماهيّتش را بى‌كم‌وبيش‌***نه موجود و نه معدوم است در خويش‌
      نظر كن در حقيقت سوى إمكان‌***كه او بى‌هستى آمد عين نقصان‌
      وجود اندر كمال خويش سارى است‌***تعيّن‌ها امور اعتبارى است‌
      امور اعتبارى نيست موجود***عدد بسيار يك چيز است معدود
      جهان را نيست هستى جز مجازى‌***سراسر كار او لهو است و بازي‌
      («گلشن راز» خط عماد أردبيلى، سنة ۱٣٣٣، ص ٤٣ إلى ٤٥).سؤال:يقول: «لما ذا يقال للمخلوق واصلًا؟ كيف حصل له السير و السلوك؟».الجواب:يقول: «ذلك لأنّ وصال الحقّ انفكاك عن الخلقة، و الوصول إلى إنكار الذات هو المعرفة.و لو نفض الممكن ذرّات الإمكان و غباره، فلن يبقى شي‌ء إلّا الواجب.إنّ وجود كلا العالمَينِ خيال، فهما في بقائهما ليسا إلّا محض الزوال.و ليس مخلوقاً ذلك الذي تمكّن من الوصول، فهذا الكلام لا يدّعيه الرجل الكامل.و أنّى للعدم أن يجد سبيلًا إلى داخل هذا الباب، و ما نسبة التراب إلى ربّ الأرباب؟!و ما هو العدم حتّى يصل إلى الحقّ، و ليحصل منه السير و السلوك؟أنت معدوم، و العدم ساكن على الدوام، فمتى يصل المعدوم الممكن إلى الواجب؟!و إذا ما أيقنَتْ روحك هذا المعنى، فقل على الفور: أستغفر الله!ليس للجوهر الذي لا عَرَض له عينيّة؛ و ما العرض حين لا يبقى زمانَينِ؟لقد عرّفه الحكيم الذي صنّف في هذا الفنّ، بالطول و العرض و العمق.و ليست الهيولى إلّا المعدوم المطلق، الذي تتحقّق الصورة ببساطته.ذلك لأنّ الصورة لا قِدَم لها بلا هيولى، و كذا الهيولى بدون الصورة ليست إلّا عدماً.صارت أجسام العالمين معدومة بسبب هذين الاثنين، و صار لا يُعلم منها إلّا عدمها.فانظر ماهيّتها بلا زيادة و لا نقصان، فهي في حدّ ذاتها لا موجودة و لا معدومة.و انظر إلى حقيقة الإمكان، فهو بلا وجود محض النقصان.إنّ الوجود سارٍ في ذات كماله، أمّا التعيّنات فهي امور اعتباريّة.و الامور الاعتباريّة ليست موجودة، كما أنّ الأعداد كثيرة لكنّ المعدود واحد.و ليس للعالم وجود إلّا مجازاً، و ليس كلّ ما يدور فيه إلّا لهواً و لعباً».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

148
  • مواعظ و إرشادات الحاجّ السيّد هاشم التي صدرت من الافق الرفيع‌

  • و لقد كانت إشارات السيّد الحدّاد و دلالاته كلّها من هذا القبيل، أي أنّه كان يستعين و يستهدي بافق الوحدانيّة لا من غطاء وجوده هو.

  • قال يوماً للحقير: أيّها السيّد محمّد الحسين! أنت مشغول جداً! أي أنّ لك الخواطر المتوالية و المشوّشة!

  • و لقد كان كلاماً عجيباً! فقد كان للحقير في تلك الساعة كما ذكر، الخواطر النفسيّة التي تتعب الذهن و ترهقه، و لم يكن لأحد إلّا الله اطّلاع على أفكاري.

  • و كان يقول: تعامل مع الله في كلّ حال! أي: اجعل معاملتك لخلق الله معاملة مع الله. إذ إنّه ينبغي الالتفات إلى أنّ العيال و الأولاد و الجار و الشريك و مأمومي المسجد كلّهم مظاهر الباري تعالى.

  • و كان يقول: لو تخاصمتَ مع الناس أو مع أولادك فليكن ذلك بشكل صوريّ لا يلحقك منه أذى و لا يحيق بهم الضرر، فلو خاصمتهم بجدّ فإنّ ذلك سيلحق الأذى بالطرفين؛ و العصبيّة و الجدّيّة تضرّك و تضرّ الطرف المقابل.

  • كان يقول: أ تفرّ من الناس كي لا يصيبك أذاهم، أو كي لا يصيبهم أذاك؟! إنّ الاحتمال الثاني هو الجيّد لا الأوّل، و أفضل منهما أن لا تراهم و لا ترى نفسك!

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

149
  • و كان يوصي: عوّدْ أولادَك و أهل بيتك أن يبقوا مستيقظين فيما بين الطلوعَينِ.

  • و كان يقول: إنّ الخواطر على أربعة أقسام:

  • الأوّلإلهيّة، و هي الخواطر التي تصرف الإنسان عن نفسه و توجّهه تجاه ربّه و تدعوه إلى قربه.

  • الثانيشيطانيّة، و هي الخواطر التي تجعل الإنسان غافلًا عن الله، و تثير في قلبه الغضب و الحقد و الجشع و الحسد.

  • الثالثملكوتيّة، و هي الخواطر التي تقود الإنسان إلى العبادة و التقوي.

  • و الرابعنفسانيّة، و هي الخواطر التي تدعو الإنسان إلى زينة الدنيا و إلى الشهوات.

  • و للإنسان قوّة رفيعة و متعالية يمكنها تبديل جميع الخواطر الشيطانيّة و النفسانيّة إلى حسنات، و استخدامها جميعاً في سبيل الله؛ فيكون جمع المال و الشهوة و جلب الزينة للّه تعالى لا للنفس.

  • كما إنّ له قوّة أعلى من تلك الأولى، يمكنه بها أن يبدّل جميع تلك الخواطر إلى خواطر ملكوتيّة و خواطر إلهيّة، فيعدّها جميعاً من الله و يراها منه، فلا يكون له أساساً معاملة مع غير الله سبحانه.

  • و كان يقول: إنّ الأدعية و التوسّلات أمر جيّد، لكن على الإنسان أن يعتبر الأثر من الله تعالى و أن يطلب منه سبحانه.

  • و قد حدث أن التفت ذات يوم إلى أحد تلامذته من ذوي العلاقة به و كان له سابقته إلّا أنّه كان يتمرّد أحياناً فيُظهر آراءه الشخصيّة، و كان يريد أن يخفي عن السيّد أمراً ما قد وقع؛ فقال له بشدّة و خشونة:

  • ما الذي تريد إخفاءه عنّي؟! أ تريد أن انزل الأمر الفلانيّ من السماء

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

150
  • الرابعة فأضعه الآن نصب عينيك؟!

  • و على كلّ حال، فقد تشرّفنا في تلك الأثناء لمدّة عشرة أيّام بالذهاب إلى الكاظميّة و سامرّاء في سيّارة بعض الرفقاء من أهالي الكاظميّة، و ذلك في معيّة سماحة الحاجّ السيّد هاشم و الحاجّ محمّد علي خلف زاده، حيث عدنا إلى الكاظميّة بعد زيارة البقعة المباركة لسامرّاء، فحللنا ضيوفاً في منزل ذلك الرفيق و الصديق صاحب السيّارة: الحاجّ أبو أحمد عبد الجليل محيي. و كان الرفقاء من بغداد و الكاظميّة، و من بينهم سماحة آية الله الحاجّ السيّد هادي التبريزيّ يأتون في الليالي إلى محضر السيّد ثمّ يعودون إلى منازلهم بعد ساعة من الاستفادة من محضره بعد تناول طعام العشاء.

  • و كانت الموائد في هذه الضيافات تحوي أنواع الأطعمة اللذيذة من الدجاج و السمك و مشهِّياتها، لكنّ السيّد كان يكتفي بلُقيمات من الخبز و ورق الفجل ممّا هو أمامه على المائدة، و لم يجرؤ أحد -بعد أن اطّلعوا على حالهـ على مجاملته و دعوته لأكل ما لذَّ و طاب؛ و كان الرفقاء يتفرّقون بعد العشاء مباشرة.

  • و كان السيّد يستيقظ بعد نومه بساعتين أو ثلاث فينشغل بنفسه إلى طلوع الفجر، ثمّ يتشرّف بعد أداء الفريضة إلى الحرم مشياً على الأقدام مع أنّ المسافة لم تكن يسيرة، فقد كان منزل الحاجّ عبد الجليل يقع في أوائل شارع مسجد براثا و هو من النواحي الجديدة الملحقة بالكاظميّة.

  • و لم تحوِ هذه المجالس شيئاً غير ذكر الله و المطالب التوحيديّة، و لم يكن الكلام ليدور في مجالس السيّد عموماً عن الدنيا و أوضاعها و عن العمل و الكسب، فما كان هناك هو التوحيد لا شي‌ء سواه.

  • ثمّ إنّنا عدنا بعد إتمام فترة السفر بسيّارة المضيِّف تلك إلى كربلاء المقدّسة في معيّة السيّد الحدّاد.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

151
  • نعم، لقد كان سفري هذا بعد سفر السيّد إلى بيت الله الحرام، فقد حجّ في شهر ذي الحجّة الحرام ۱٣۸٤ هـ. ق، ثمّ تشرّف الحقير في شهرَي رجب و شعبان بالذهاب إلى أعتابه المباركة، لذا فقد كانت معظم أسئلة الحقير للسيّد حول سفره إلى الحجّ، كما أنّه كان يتطوّع بذكر بعض الامور عن سفره.

  • و كان من جملة الأسئلة: كيف قُمتم بأعمال الحجّ؟ و كيف طُفتم؟ و كيف بدأتم من الحجر الأسود و عددتم الأشواط السبعة؟ و هكذا الأمر في باقي الأعمال مع الحال و الوضع الذي تمتلكونه بحيث تنسون معه بعض ضروريّات الحياة و يعسر عليكم معه الحساب و العدد، و لا تميّزون معه اليد اليمنى عن اليسرى؟!

  • أجاب: كان ذلك يتّضح لي تلقائيّاً فيكون عملي تبعاً له. فقد دخلتُ المسجد الحرام مثلًا فعرفت ركن الحجر الأسود بدون أن يدلّني عليه أحد، و علمت أنّه ينبغي أن أبدأ الطواف منه، فبدأتُ من هناك، و بدون أن أعدّ الأشواط، فقد كان كلّ شوط مشخّصاً لي، ثمّ انتهى الطواف تلقائيّاً في الشوط الأخير فخرجتُ من المطاف. و هكذا الأمر في محلّ الصلاة خلف مقام النبيّ إبراهيم على نبيِّنا و آله و عليه السلام، و هكذا الأمر في السعي و التقصير.

  • و قال: لقد كنتُ و جميع الرفقاء الذين سافرتُ بمعيّتهم نقضي أغلب أوقاتنا ليلًا و نهاراً في المسجد الحرام، و كان منظر الطواف و بيت الله الحرام قد شدّني إليه و أعجبني كثيراً و قد بقيت مشغوفاً به.

  • و كان مسجد الخَيف في أرض منى هو الآخر مثيراً للإعجاب، و كنّا نقضي أغلب أوقاتنا في أيّام التشريق هناك، و كانت قصّة التوحيد تتجلّى في جميع مظاهر الحجّ و أعماله، و خاصّة في المسجد الحرام و مسجد

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

152
  • الخيف.

  • ورود آية الله الزنجانيّ الفهريّ في مسجد الخيف و لقاؤه بالسيّد الحدّاد

  • ثمّ قال: دخلتُ ليلة مع الرفقاء إلى مسجد الخيف فرأيت الحاجّ السيّد أحمد الزنجانيّ‌۱ مع جميع الرفقاء الطهرانيّين و الإيرانيّين جالسين حول بعضهم، و كان متأثّراً جدّاً من وضع طهارة و نجاسة الحجّاج و المعابر و يبدو أنّه كان قد نضح على ملابسه بعض تلك المياه عند دخوله إلى مسجد الخيف، فكان متأثّراً و منقلب الحال إلى حدّ كبير؛ و كان يقول: يا الله، يا إلهي! نريد أن نصلّي ركعتين في مسجدك على طهارة، فانظر هل يدعنا هؤلاء الناس و هؤلاء القوم نفعل ذلك بهذا الوضع و هذه الكيفيّة؟!

  • فنهرتُه و قلتُ: لقد ذهب أحد المريدين من عند استاذه إلى أحد الأجلّاء، فقال له ذلك الرجل الجليل: ما علّمكم استاذكم؟!

  • قال المريد: علمنا استاذنا الالتزام بالطاعات و ترك الذنوب.

  • فقال ذلك الرجل الجليل: تلك مجوسيّة محضة؛ هلّا أمركم بالتبتّل إلى الله و التوجّه إليه برفض ما سواه؟!

  • فيا سيّدي! لما ذا تُغيِّرون دين الله؟ و لِمَ تُدخلون الشريعة في المتاهات و التعقيدات؟ لما ذا تقطعون الناس عن الله حين تسوقونهم إلى‌

    1. يقصد سماحة آية الله الحاجّ السيّد أحمد الفهريّ الزنجانيّ دامت بركاته، و هو من التلامذة الأخيرين للمرحوم القاضي و من مريدي المرحوم الشيخ محمّد جواد الأنصاريّ، و هو رجل فاضل و عالم فاهم من الساعين في ترويج الدين. و قد انشغل بعد رجوعه من النجف مدّة في التدريس و إقامة الجماعة و تبليغ الأحكام في المسجد الجامع لباختران، ثمّ في طهران، ثمّ توجّه في زمن الثورة الإسلاميّة في إيران بطلب من القائد الكبير الفقيد إلى دمشق فاشتغل بإقامة الشعائر الدينيّة. و للحقير معه علاقة و معرفة و صداقة قديمة، و قد التقى الحقير معه في منى خلال سفره الأخير إلى بيت الله الحرام، ثمّ التقيت به مرّة في الحرم المطهّر لمشهد المقدّسة، فدعا الحقير في كلتا المرّتين إلى الشام للزيارة و تكفّل بإزالة موانع السفر بنفسه، و للأسف لم يحالفني التوفيق للتشرّف لإجابة دعوة سماحته.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

153
  • أعمالهم دون التوجّه إليه سبحانه؟

  • أ وَ لم يكن دين رسول الله دين السهولة و اليسر؟! أو لم يقل: بُعِثْتُ على شَرِيعَةٍ سَمْحَةٍ سَهْلَةٍ؟!

  • أ وَ لم يقل رسول الله و الأئمّة إنّ كلّ شي‌ء (بأيّ شكل و في أيّ زمان و مكان) لك طاهر حتّى تعلم يقيناً أنّه نجس؟!

  • فلِمَ تعكسون الأمر فتقولون: كلّ شي‌ء نجس حتّى تعلم طهارته يقيناً؟!

  • لِمَ لا تَدَعون الناس و شأنهم؟ لما ذا لا تَدَعون الناس مع نبيّهم و دينهم السهل السمح؟ و لِمَ تغلقون عليهم سبيل التوجّه و الانقطاع إلى الله؟ و لِمَ تقفلون هذا الباب المُشرع؟

  • إنّ على كلّ الناس حين يحجّون، منذ إحرامهم في الميقات حتّى تقصيرهم و تقديمهم الهَدْي و إحلالهم من الإحرام، أن يكون توجّههم و التفاتهم إلى الله سبحانه، و عليهم أن لا يروا إلّا الله و لا يسمعوا غيره، و أن لا يغفلوا عن ذكر الله لحظة واحدة، و أن لا ينظروا إلى أعمالهم و سلوكهم نظراً استقلاليّاً، و أن يكون الله تعالى -لا العمل نفسهـ هو المقصود في جميع الواجبات المنجزة من طواف و صلاة و غيرها. لا بدّ أن يكون الفكر و النيّة متّجهَينِ إلى الله سبحانه، لا إلى صحّة العمل أو بطلانه؛ فهذه هي تلك المجوسيّة المحضة التي تخفي الإله الواحد و تبدّله بإلهَينِ للعمل الصالح و العمل السيّئ.

  • إنّكم تفصلون هؤلاء المساكين عن الله من الميقات إلى حين خروجهم من الإحرام، و تثيرون التشويشات من وقت الإحرام بتحذيراتكم المتتالية: ينبغي الحذر لئلّا يرشح شي‌ء إلى بدني و إلى إحرامي، و لئلّا ينحرف كتفي عن البيت و لئلّا أخرج من المطاف حال الطواف، و لئلّا

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

154
  • تبطل صلاتي أو يبطل طواف النساء الذي أطوفه فتصبح زوجتي عَلَيّ حراماً! إذ لم يرد شي‌ء من هذه الامور في الشريعة. هذه الصلاة العاديّة التي يصليها الناس صحيحة و طوافهم صحيح، و ها أنتم تبطلونها و تدمغونها بختم البطلان! و ها أنتم تعدّون نضح هذه المياه المشكوكة نجساً!

  • إنّ حجّ الناس سيضيع كلّيّاً في هذه الحال، أي أنّ الحاجّ الذي ينبغي أن يكون على الدوام مع الله سبحانه ابتداءً من الميقات إلى نهاية حجّه و عمله ثمّ يخرج بالتقصير و الحَلْق بالانقطاع إلى الله و الإحرام مع الله؛ هذا الحاجّ سينصرف عن الله من ابتداء الإحرام و سيبقى هذا الانصراف و التشويش و التزلزل لديه إلى نهاية العمل، و حين سينتهي من عمله سيتنفّس الصعداء و سيجد الله من جديد.

  • إنّ جميع الاحتياطات التي تُجرى في هذه الموارد و تستدعي التوجّه إلى نفس العمل و الغفلة عن الله سبحانه خاطئة بأجمعها، فأين ورد أمثال هذه الاحتياطات المسبِّبة للعسر و الحَرَج في شريعة رسول الله و في زمنه؟ إنّ الأصل و الأساس الأوّل هو أصل عدم العسر و عدم الحَرَج و عدم الضرر؛ أصلنا الأوّل في القرآن الكريم: ﴿وَ تَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا﴾۱ (أي تنصّل و اقطع علاقتك تماماً مع الجميع و اتّجه إلى الله).

  • الالتزام بالطاعات و اجتناب المعاصي دون التوجّه إلى الله مجوسيّةً

  • إن الاحتياط الذي كان المرحوم القاضي قدّس الله سرّه قد جعله برنامج عمل لجميع تلامذته، و الوارد ضمن حديث عنوان البصريّ: وَ خُذْ بِالاحْتِيَاطِ في جَمِيعِ مَا تَجِدُ إلَيْهِ سَبِيلًا٢، قد قُصِدَ به العمل الذي يفتح‌

    1. الآية ۸، من السورة ۷٣: المزّمّل: ﴿وَ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَ تَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا﴾.
    2. كان المرحوم آية الله الحاجّ السيّد علي آقا القاضي قدّس الله سرّه قد أمر جميع تلامذته بكتابة رواية عنوان البصريّ و حملها معهم في جيوبهم و بقراءتها مرّة أو مرّتين اسبوعيّاً. و قد نقل المجلسيّ رضوان الله عليه هذه الرواية في «بحار الأنوار» ج ۱، ص ٢٢٤ إلى ٢٢٦، الطبعة الحروفيّة، كتاب العلم، الباب ۷: باب آداب طلب العلم و أحكامه. و هي حقّاً رواية جامعة و كافية و شافية للمريدين و الطالبين السالكين إلى الله.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

155
  • الطريق أمام الإنسان إلى الله، لا أن يُسبِّب سدّ الطريق و يسلبه سبيل التوجّه و الابتهال و حضور القلب. المقصود هو العمل الذي يجلب اليقين للمؤمن و يجعله مستحكماً في إيمانه، لا الذي يزلزله و يشوّشه و يملؤه اضطراباً، و يجسِّم لديه بيت الله الحرام كبيتٍ للعقاب، و يصوِّر له حجّ هذا البيت كعمل إجباريّ اضطراريّ يؤدّيه خوفاً من العقاب؛ فهذه امور تصدر من جهة الشيطان الخبيث، و هي نفس المجوسيّة المحضة.

  • إنّ جميع أطعمة و أشربة المسافرين و الفنادق حلال و طاهرة، و جميع المياه الناضحة و الراشحة من الميازيب و قنوات المياه طاهرة إلّا حين تُعلم نجاستها و تُحرز. فانهض يا سيّدي بهذه المياه التي نضحت عليك و أدِّ صلاتك؛ فإنّ تصوّر النجاسة و عدم الطهارة لديك من تسويلات الشيطان بلا شكّ، فهو يريد حرمان الإنسان من فيض الصلاة العظيم و من المبيت و الدعاء في هذا المسجد الشريف.

  • حقيقة رمي جمرة العقبة، و تجلّي عظمة الزهراء عليها السلام لسماحة الحدّاد

  • و قال سماحة السيّد الحدّاد: لقد كان رمي جمرةِ العَقَبة أمراً شغفني و أدهشني، و ذلك لأنّ الإنسان يقف في رمي الجمرة الأولى و الجمرة الوسطي مستقبلًا القبلة فيرميهما، أي أنّ الإنسان يرمي الشيطان و يطرده باستقبال الكعبة و التوجّه إليها؛ أمّا في جمرة العقبة فيجب على الإنسان أن يستدبر القبلة و يرمي، فما معنى ذلك؟ معناه عين التوحيد. أي أنّ تلك الكعبة التي كنتُ حتّى الآن متوجّهاً إليها بهذه النفس، قد جعلتُها الآن خلف ظهري و اريد رمي الشيطان بالتفاتي إلى أصل التوحيد الذي ليس له جهة

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

156
  • معيّنة، و بنفسٍ خرجت عن تلك النفس فلا تلتفت إلى تلك الجهة.

  • و من ثمّ فإنّ حقيقة هذا الرمي تتبدّل أيضاً، فهذه رمية أنزه من تينك الرميتينِ و أكثر صفاءً. و لربّما كان سرّ تعدّد الرميات هو تعدّد حقيقتها و واقعيّتها و ليس الأمر التكراريّ.

  • و كان السيّد يتحدّث عن مجمل حالاته في المدينة الطيّبة فيقول: لقد غمرتني عظمة الزهراء سلام الله عليها في منزلها و في مسجد النبيّ، و خاصّةً في مسجد الرسول؛ حيث كانت عظمتها متجلّية بشكل كأنّ جميع مقام النبوّة بجميع خصوصيّاته و جميع مدارجه و معارجه و جميع درجاته و رُتبه كان متجلّياً فيها سلام الله عليها. و لقد كانت بضعة رسول الله تلك سرَّ رسول الله و حقيقته و جوهره، لم يخلق الله تعالى كمثلها موجوداً حاملًا و ضامناً لهذا السرّ، هو في مقام الوحدة عين رسول الله.

  • و إجمالًا، فقد أدّى الحقير بمعيّة السيّد هاشم زيارة النصف من شعبان، ثمّ تحرّكت صوب طهران فوردتها يوم الثامن عشر، حيث توفّيت الوالدة رحمة الله عليها بعد ذلك بعشرة أيّام، أي في الثامن و العشرين من شهر شعبان المعظّم لسنة ۱٣۸٥ هـ. ق أثر مرض القلب و الصدر الذي ابتُلِيَتْ به لمدّة طويلة.

  • و كان الحقير قد دعا السيّد الحدّاد في مناسبات عديدة للمجي‌ء إلى إيران و زيارة ثامن الحجج عليه السلام، و قد أكّدتُ على ذلك في هذا السفر أيضاً، لذا فقد عقد السيّد العزم على السفر إلى إيران.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

158
  •  

  •  

  • الْقِسْمُ الْخَامِسُ : سَفَرُ سماحة الحَاجِّ السَّيِّد هَاشِم قَدَّسَ اللهُ سِرَّهُ إلى إيرَانَ لِمُدَّةِ شَهْرَيْنِ لِلزِّيَارَةِ، وَ تَوَقُّفِهِ في طَهْرَانَ وَ زِيَارته الإمَامِ عَلِيّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ‌

  •  

  •  

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

160
  • سفر سماحة الحاجّ السيّد هاشم قدّس الله سرّه‌

  • إلى ايران لمدّة شهرين للزيارة، و توقّفه في طهران و زيارته‌

  • للإمام عليّ بن موسى الرضا عليه و على آبائه و أبنائه السلام‌

  • لم يكن السيّد قد سافر إلى إيران طوال عمره، و لم يكن قد زار مرقد الإمام الثامن عليه السلام، فرأى لزاماً بعد حجّ بيت الله الحرام و توفّقه لزيارة رسول الله و فاطمة الزهراء و أئمّة البقيع الأربعة عليهم جميعاً السلام، أن يسافر إلى إيران ليكون ذلك مسك الختام و ليكون قد زار المعصومين الأربعة عشر.۱

  • و من ثمّ فقد كتب الحقير رسالة دعوة و أرسلتها له بعد عودتي إلى إيران بشهرين، ثمّ شفعتُها برسالة أخرى في شهر صفر ۱٣۸٦ هـ. ق، فلمّا تسلّم الرسالة في الكاظميّة و اطّلع على مضامينها قال:

  • ليس من الجائز التأخير بعد هذه الرسالة، و توجّب أن نستعدّ للسفر.

  • تفصيل مكث الحاجّ السيّد هاشم في إيران لمدّة شهرين‌

  • هذا و قد بذل الرفقاء من الكاظميّة جهودهم لإصدار شهادة الجنسيّة و إعداد جواز السفر، فأكملوه في مدّة شهر، و هكذا قَدِمَ السيّد إلى طهران عبر الطريق البرِّيّ مع حليلته الجليلة المحترمة: امّ مهدي، و حلّ مكرّماً

    1. المقصود بزيارة صاحب الأمر عليه السلام الذي ليس له مشهد، و الحيّ حاليّاً، زيارة سرداب سامرّاء و السلام عليه و إقامة الصلاة و قراءة الأدعية المخصوصة.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

161
  • على الحقير في منزلي الواقع في أحمديّة دولاب.۱

    1. و من المناسب كثيراً أن نصف فاقتنا و تنزّلنا مع علوّ مقام و كرم نفس و مجد روح السيّد بغزل الخواجة حافظ أعلى الله مقامه في هذا المقام:
      اى كه با سلسلة زلف دراز آمده‌اى***فرصتت باد كه ديوانه نواز آمده‌اى‌
      آب و آتش به هم آميخته‌اى از لب لعل***چشم بد دور كه بس شعبده باز آمده‌اى‌
      آفرين بر دل نرم تو كه از بهر ثواب***كشتى غمزة خود را به نماز آمده‌اى‌
      زهد من با تو چه سنجد كه به يغماى دلم***مست و آشفته به خلوتگه راز آمده‌اى‌
      پيش بالاى تو ميرم چه به صلح و چه به جنگ‌***كه به هر حال برازندة ناز آمده‌اى‌
      گفت حافظ دگرت خرقه شراب‌آلودست‌***مگر از مذهب اين طائفه باز آمده‌اى‌
      («ديوان حافظ شيرازي» ص ۱٩٩، الغزل ٤٣٥، طبعة پژمان، انتشارات بروخيم، سنة ۱٣۱۸.يقول: «يا من أقبلت إلينا و معك سلاسل طرّتك الطويلة، يسّر الله فرصتك، فقد أقبلت لترويض العاشق المجنون.و قد مزجت الماء و النار على شفتك الياقوتيّة، فليبعد عنك عين السوء فقد أصبحت مشعوذاً كبيراً.و ليبارك الله قلبك الرقيق حينما أقبلت تسعى إلى الثواب، فأخذت تصلّي على قتيل غمزاتك.و ما قيمة زهدي معك، و قد أتيت إلى خلوة أسراري نشوان الرأس مضطرب الحال تسعى إلى الغارة على قلبي.و أنا على استعداد لأن أموت صلحاً أو حرباً أمام قامتك الطويلة، لأنك أتيت على الحالين موفور الدلال كامل البهاء. و لقد قال لك «حافظ» لقد تلطّخت خرقتك بالشراب مرّة ثانية، فهل أصبحت على مذهب هذه الطائفة اللاهية؟».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

162
  • و لقد شرع السيّد بتفقّد المنزل فمرّ على أرجاء المنزل و جميع غرفه واحدةً بعد أخرى و هو محتفٍ غير ناعل، ثم صعد إلى السطح فتمشّى فيه، حتّى أنّه دخل الغرفة الموجودة على السطح و إلى المرافق الصحّيّة في ساحة البيت؛ ثمّ قال: لهذا المنزل روحانيّة خاصّة، و هو مناسب جدّاً للتوقّف و الحلول فيه.

  • هذا و قد جعلنا محلّ استضافته في غرفة من القسم الخارجيّ من المنزل «البرّاني» لها باب منفصل، في حين كانت المخدّرة العليّة العالية: امّ مهدي في الداخل مع أهل البيت و سائر العائلة، أمّا في الليالي فقد جعلنا محلّ استراحة السيّد مع امّ مهدي فوق السطح الواسع المسيّج من جميع أطرافه و الذي لا يُشرف عليه أحد، حيث كان يأوي إليه بعد انتهاء صلاتَي المغرب و العشاء و تناول طعام العشاء مع جميع الرفقاء الحاضرين في القسم الخارجيّ من البيت.

  • و كان جميع الرفقاء الخاصّين و أصدقائنا السلوكيّين في طهران يأتون إلى محضره صباح كلّ يوم، كما كان الرفقاء الشيرازيّون من أمثال آية الله الحاجّ الشيخ حسن علي نجابت مع جميع تلامذته، و آية الله الحاجّ الشيخ صدر الدين الحائريّ، و الحاجّ السيّد عبد الله الفاطميّ الشيرازيّ من شيراز، و الرفقاء الإصفهانيّون من إصفهان، و الرفقاء الهمدانيّون من همدان، و الأصدقاء القمّيّون من قم؛ يأتون جميعاً إلى طهران فينهلون من محضره كلّ يوم إلى الليل، و إنصافاً فقد كانت مجالس ساخنة و توحيديّة غريبة تنعكس فيها آثار التوحيد على وجوه الحاضرين.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

163
  • و كان السيّد يجلس ساكتاً غالباً، فإذا وجّه إليه أحدهم سؤالًا أجاب عنه، و كانت إجاباته -على الدوام- مختصرة و موجزة و شافية. و كان يصلّي الظهر عند الزوال، و كان يؤمّ الحاضرين في جميع الأوقات، باستثناء بعض الأوقات التي كان يحضر المجلس فيها شخص غريب، فكان آنذاك يوصيني بالقيام بإمامتهم، و ذلك لدقّته الشديدة في حفظ ظواهر الشرع بحيث يستحيل أن يفوته شي‌ء. و كان الطعام يُقدّم بعد الصلاة، ثمّ ينهض بعض الرفقاء فيهبطون إلى السرداب للاستراحة، و يستريح البعض الآخر في تلك الغرفة مع السيّد.

  • و بالرغم من أنّ أبواب الغرفة كانت مفتوحة من الطرفين على الدوام، إلّا أنّ الفصل كان صيفاً، و لم نكن نمتلك مبرّدة أو مروحة في البيت، كما لم يكن لدينا ثلّاجة، و لربّما كان ذلك يشقّ عليه؛ و لكن أنّى للسيّد هاشم الذي قضى عمره جنب فرن الحدادة في جوّ كربلاء الحارّ يطرق الحديد المتّقد، و الذي كان يوقد الفرن بنفسه؛ أن يُعير لهذه الامور أهمّيّة، خاصّة و أنّ طبيعة ذلك الرجل الجليل كانت في ذروة العفّة و النجابة، بحيث يستحيل أن ينبس ببنت شفة في أشدّ المشاكل النفسيّة و الروحيّة، و لم يكن لأحد اطّلاع على ما في نفسه، و لديّ في خصوصيّاته هذه قضايا و حكايات لو شئت بيانها لخرج الأمر عن عهدة هذه الرسالة، لذا أكتفي بهذا القدر مجملًا.

  • و كان يأتي البعض إلى محضره أوقات العصر، أمّا ليلًا فقد قال بأنّه لا وقت لديه للالتقاء بأحد؛ فكان المجلس يُختم بعد صلاتَي المغرب و العشاء و تناول شي‌ء من الطعام للعشاء، فيصعد إلى السطح مع امّ مهدي للاستراحة.

  • و امّ مهدي هذه لا تزال حيّة حتّى الآن بحمد الله، و هي امرأة عفيفة

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

164
  • مجاهدة مضحّية و عطوفة، تنتمي إلى قبيلة عربيّة تمتاز بالأصالة و النجابة و الشجاعة و حبّ الضيف و التنزّه عن النفاق و الرياء، و لقد كانت هذه المرأة من البساطة و النزاهة و سلامة القلب و الطويّة ممّا يثير العجب.

  • كيفيّة مبيت السيّد هاشم مع أُمّ مهدي (زوجته) فوق السطح‌

  • و كانت امّ مهدي قد قالت لأهل بيتنا: لقد جاء بي السيّد هاشم معه من كربلاء، و بيّن لي أن الإيرانيّين لا يعدّون نوم الرجال بصحبة نسائهم ليلًا أمراً قبيحاً حتّى لو كانوا ضيوفاً عند غيرهم (خلافاً لعادة العرب الذين يعدّون ذلك أمراً مستهجناً، فيستحيل أن يبيت الرجل مع زوجته حين يحلّ ضيفاً على أحد، سواء كانا في السفر أم في الحضر، و من ثمّ فإنّ الرجل ينام في القسم الخارجيّ مع الرجال، و تنام المرأة في داخل البيت مع النساء). لذا فإنّنا نصعد إلى السطح سويّاً ليلًا، فيرقد السيّد هاشم أوّل الليل كمن يُريد مخادعتي و إرقادي، ثمّ ينهض فيأوي إلى زاوية السطح فيصلّي أو يجلس تجاه القبلة متأمّلًا متفكّراً إلى الصباح.

  • و كان يؤذَّن في بيتنا لصلاة الصبح عند حلول وقتها، فينزل السيّد من السطح و نأتمّ به في الصلاة. و كان يقرأ في صلاة المغرب السور القصار، و يقرأ في صلاة العشاء و الصبح سوراً أطول.

  • سفر الحاجّ السيّد هاشم الحدّاد من طهران إلى همدان‌

  • انقضت عدّة أيّام في طهران على هذا المنوال، ثمّ وجّه الرفقاء الهمدانيّون الدعوة للسيّد للتفضّل بالذهاب إلى همدان لعدّة أيّام، فلبّى دعوتهم و ذهب معهم بسيّارة سفر (الحافلة) إلى همدان، حيث صحبتُه في سفرته هذه.

  • و اقتضت المصلحة عند الورود إلى همدان أن يحلّ أوّلًا على منزل المرحوم آية الله الحاجّ الشيخ محمّد جواد الأنصاريّ قدس الله تربته، ثمّ‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

165
  • يذهب من هناك إلى مكان آخر، و ذلك أداءً لاحترام ذلك المرحوم و إجلالًا لابنه الأكبر الأرشد: الصديق العزيز الحاجّ أحمد آقا الأنصاريّ. و عليه فقد أمضينا في سفرنا هذا ليلةً في سيارة السفر و وصلنا همدان قبل الظهر بثلاث ساعات، حيث توجّه السيّد الحدّاد مباشرة إلى منزل آية الله الأنصاريّ و بقي ساعة في القسم الخارجيّ لمنزل ذلك المرحوم، الواقع في شارع «شِوِرين» زقاق «حاجّ خدا كَرَم»، و استقبله هناك الحاجّ أحمد آقا حفظه الله تعالى، ثمّ توجّه إلى منزل الحاجّ محمّد حسن البياتيّ.

  • و حين خرجنا من منزل المرحوم الأنصاريّ قال لي السيّد: لقد كنّا ننتظر من آثار المرحوم في القسم الخارجيّ من منزله شيئاً أكثر!

  • و كان الرفقاء الهمدانيّون قد سعوا لإعداد مكان يتمتّع بجوّ لطيف، فاستأجروا بستاناً خارج همدان، فكان السيّد يذهب إليه نهاراً و يعود إلى همدان ليلًا. و قد أمرني السيّد بإمامتهم في صلاة الجماعة و كان يقتدي على الدوام.

  • و كانت المجالس الجيّدة تعقد في الليالي بعد الصلاة، و كان كثير من الرفقاء الطهرانيّين قد قَدِموا إلى هناك، كما كان سماحة آية الله الحاجّ الشيخ هادي التألّهيّ الجولانيّ الهمدانيّ أدام الله بركاته و المرحوم حجّة الإسلام الحاجّ السيّد مصطفى الهاشميّ الخَرَقانيّ و المرحوم السيّد وليّ الله الجورقانيّ رحمة الله عليهما قد جاءوا أيضاً. و كانت جميع المذاكرات تحصل دائماً بعد قراءة قدر لا بأس به من القرآن الكريم، يتلوه تفسير يلقيه الحقير، و كان الحديث يتطرّق أحياناً إلى أمر من المعارف فيطلبون منه بيانه و إيضاحه.۱

    1. سأل آية الله الحاجّ الشيخ هادي التألهيّ ذات ليلة عن معنى هذه الزيارة لفاطمة الزهراء سلام الله عليها:
      يَا مُمْتَحَنَةُ امْتَحَنَكِ اللهُ الذي خَلَقَكِ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَكِ فَوَجَدَكِ لِمَا امْتَحَنَكِ صَابِرَةً، وَ زَعَمْنا أنَّا لَكِ أوْلِيَأءُ [وَ] مُصَدِّقُونَ وَ صَابِرُونَ لِكُلِّ ما أتَانَا بِهِ أبُوكِ صلّى اللهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ أتَى بِهِ وَصِيُّهُ، فَإنَّا نَسْألُكِ إنْ كُنَّا صَدَّقْنَاكِ إلَّا ألْحَقْتِنَا بِتَصْدِيقِنَا لَهُمَا لِنُبَشِّرَ أنْفُسَنَا بِأنّا قَدْ طَهُرْنَا بِوِلَايَتِكِ.(«مفاتيح الجنان» ص ٣۱۷ الطبعة الإسلاميّة، كتابة طاهر خوشنويس، سنة ۱٣۷٩ هـ. ق)، ما معنى: يَا مُمْتَحَنَةُ امْتَحَنَكِ اللهُ الذي خَلَقَكِ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَكِ؟ فبقي السيّد هاشم مدّة لا ينبس بكلمة، و لربّما كان يرغب أن اجيبَ عن هذا السؤال بنفسي؛ و كانت الغرفة الخارجيّة و الاستقبال للحاجّ محمّد حسن البياتيّ زيد توفيقه -و التي كان طولها يقرب من ثمَانية أمتار، و عرضها بحدود ثَلاثَة أمتار و نصف المتر- مشحونة بالحاضرين، لكنّ الحقير كان يرى نفسه أصغر من أن يُجيب عن سؤال آية إلهيّة موجَّه إلى عارف و واصل ربّانيّ بدون أمر سماحة السيّد الحدّاد. و أخيراً أجاب السيّد بنفسه جواباً مجملًا لكنّه كان جامعاً و شافياً يحوي أسراراً، ممّا بعث السرور و البهجة في نفس آية الله، و ارتياح الحاضرين و ابتهاجهم.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

166
  • و كانت فترة التوقّف في همدان تسعة أيّام، و قد اصطحبه الرفقاء يوماً إلى مزار ابن سينا فلم تبدُ شخصيّته في نظر السيّد مثيرة للإعجاب. ثمّ اصطحبوه يوماً آخر لزيارة أهل القبور في منطقة «بهار» التابعة لهمدان، و كذلك لزيارة قبر المرحوم آية الله الحاجّ الشيخ محمّد البهاريّ رضوان الله تعالى عليه، و صحبه إلى هناك جميع الرفقاء الهمدانيّين و الطهرانيّين في سيّارتي سفر صغيرتين (ذات ۱۸ راكباً) حيث وقف مدّة مع الرفقاء على قبر المرحوم البهاريّ و هم مستقبلو القبلة، قرأ فيها الفاتحة و دعا لعلوّ درجاته و مقاماته. ثمّ انصرف من ذلك القبر و شرع بالتجوال بين القبور و الاستغفار للمدفونين هناك لمدّة نصف ساعة تقريباً.

  • الرشحات المعنويّة للحاجّ السيّد هاشم عند مزار الشيخ محمّد البهاريّ‌

  • و كنت أصحبه وحدي في تجواله بين القبور و يتبعه بفاصلة باقي الرفقاء، فقال لي: لقد سمعنا بأنّ المرحوم الأنصاريّ كان يتردّد كثيراً على‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

167
  • هذه المقبرة و يأتي ليزور قبر المرحوم الحاجّ الشيخ محمّد البهاريّ، و كم كان يأتي ماشياً من همدان التي تبعد عن بهار بمسافة فرسخَين، و ذلك للحصول على الامور الروحيّة و المعنويّة و للاستعانة بروحه. و قد اتّضح الآن أنّ المرحوم البهاريّ لم يكن ليمتلك تلك الدرجة التي تستأهل أن يستمدّ المرحوم الأنصاريّ العون منه و يستعين بروحه و يبحث عن ضالّته فيه؛ لقد كان المرحوم الأنصاريّ يبحث عني، و كان يأتي إلى هذا المكان و يطوي كلّ هذا الطريق لاستنشاق هذه الرائحة في هذه الساعة.

  • يوم لم يسبق له مثيل عند مزار المرحوم الشيخ محمّد البهاريّ‌

  • و على كلّ تقدير فقد كان ذلك اليوم يوماً عجيباً! فقد منح السالكون الشيوخ و الكهول بهذا العدد الذي استوعب سيّارتَي السفر الصغيرتين المقبرة منظراً معنويّاً و روحانيّاً عجيباً في سيرهم خلف السيّد.

  • و من المعروف و المشهور أنّ الشيخ محمّد البهاريّ يستقبل ضيوفه و زائريه و يقوم بضيافتهم، و لقد امتحن الحقير هذا الأمر بنفسه، فكنتُ كلّما جئت إلى قبر المرحوم الشيخ، سواء في حياة المرحوم الأنصاريّ أم بعد مماته -حيث كنت أتردّد كثيراً على همدان- فقد كان يستقبلني بنحوٍ خاصّ، كما أنّ الكثير من الأصدقاء يدّعون هذا الواقع أيضاً. لكنّ استقبال الشيخ للسيّد كان ذلك اليوم على نحوٍ استوعب جميع منطقة بهار همدان، فاتّجهوا نحو المقابر رجالًا و نساءً.

  • فقد جلس الحقير مع السيّد بعد التجوال بين القبور في الضلع الشماليّ للمقبرة مفترشين الأرض جنب جدار المقبرة لنستريح مدّة ثمّ نعود إلى المدينة، فما كان من نساء البيوت الواقعة خلف المقبرة حين رأين السيّد إلّا أن أتيْنَ ببساط فرشْنَه للسيّد، ثمّ جئن بفراش لجميع الرفقاء الذين كانوا قد تجمّعوا في المقبرة حول السيّد، فصار الضلع الشماليّ للمقبرة مفروشاً. ثمّ هُرعت بعض النساء من البيوت خارج المقبرة فأخبرن رجالهن، فجاؤوا

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

168
  • بمراوح يدويّة من الحصير للسيّد و لبقيّة الرفقاء، لأنّ الجوّ كان حارّاً آنذاك، ثمّ جاءوا بشراب «البيدمشك» البارد فسقوا الجميع، ثمّ عمد الرجال فوراً إلى جلب مقدار من البطيخ الأحمر المشهور لمنطقة بهار و قطّعوه بالسكاكين و وضعوه أمام الضيوف و هم يتمتمون مع أنفسهم: من هو هذا السيّد القادم من كربلاء؟!

  • و لم يستطع الرفقاء الهمدانيّون أن يوضِّحوا لهم أكثر من أنّه سيّد من أهل كربلاء جاء لتقبيل أعتاب الإمام الثامن عليه السلام.

  • و لقد تقاطر أهل المدينة على المقبرة شيئاً فشيئاً حتّى غصّت المقبرة بالناس، في حين لم يبقَ للغروب إلّا نصف ساعة، و كان البعض منهم يقول: نريد أن نذبح ذبحاً تحت قدميه! و بعض يقول: يجب أن يأتي السيّد عندنا الليلة فلا يمكن أن ندعكم ترجعون إلى المدينة.

  • و أخيراً قام السيّد من مكانه و توجّه نحو باب المقبرة لركوب السيّارة و قال للجميع: لا مانع لديّ من البقاء هنا الليلة و الضيافة عندكم، لكنّ هذا السيّد المحترم كان قد دعانا الليلة إلى منزله و أعدّ الطعام، و هذا الجمع مدعوّون لديه مع بعض آخر، و هم في الانتظار، و إن وفّقت و جئت إن شاء الله تعالى ثانيةً إلى منطقة بهار فسآتي و أكون في خدمتكم و أبيت عندكم.

  • و كان الشخص الذي دُعينا إلى منزله تلك الليلة هو الحاجّ محمّد بيك زاده ابن اخت المرحوم الأنصاريّ، و كان بائعاً للشاي، و كان معنا في الجمع الحاضر، فجاء و تحدّث مع أهل بهار، فصار مسلّماً لديهم أنّ السيّد معذور في الذهاب.

  • أمّا حين أراد السيّد الركوب في السيّارة فقد أحاط به الناس، فمنهم من يُقَبِّل يده، و منهم من يقبِّل رِجلَيه، و آخرون يقبِّلون باب السيّارة، ثمّ جلس السيّد في السيّارة فصاروا يقبّلون زجاج النوافذ من الخارج، ثمّ‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

169
  • تحرّكت السيّارة من وسط هذا الجمع متّجهةً نحو همدان.

  • و هكذا، و بعد أن قام الرفقاء الهمدانيّون بشرح مشكلاتهم السلوكيّة استفاضوا منه و ارتَوَوا و نالوا مُناهم، فقد عاد السيّد إلى طهران.

  • لقاء و خلوة المرحوم آية الله الحاجّ الشيخ مرتضى المطهّريّ‌

  • بسماحة الحاجّ السيّد هاشم الحدّاد رحمة الله عليهما

  • لقد كان للمرحوم المطهّريّ علاقات الصداقة و المعرفة الممتدّة مع الحقير، و قد ورد الذِّكر المبارك للسيّد بيننا بعض الأحيان بشكل مقتضب غير كامل، فتوجّب بعد مجي‌ء السيّد من كربلاء إلى طهران أن يستفيد هذا الصديق القديم أيضاً من محضره. و من ثمّ فقد قام الحقير بإخبار الشيخ المطهّريّ فتفضّل بالمجي‌ء إلى منزلي في منطقة أحمديّة دولاب، فالتقى بالسيّد في مجلس عامّ و قام بطرح بعض الأسئلة عليه، فأجاب السيّد عليها؛ فشغف المرحوم المطهّريّ به، لكأنّه وجد فيه ضالّته المنشودة. ثمّ جاء مرةً أخرى فتحادثا في هذه الغرفة الخارجيّة العموميّة. و عندها قال لي المرحوم الصديق العزيز المطهّريّ: أ يمكن لسماحة السيّد أن يمنحني من وقته ساعة الاقيه فيها على انفراد؟!

  • قلتُ: لا مانع في الأمر، فالسيّد يعطيك هذا الوقت، و لدينا كذلك مكان للخلوة!

  • ثمّ نقلت ذلك للسيّد، فقال: لا مانع من ذلك، فليأتِ و ليسلْ ما يريد. و كان لدينا غرفة صغيرة في سطح المنزل تُبنى عادة للاستفادة منها في حفظ بعض أثاث المنزل و لوازمه، فأعدّها الحقير مكاناً لخلوتهما. ثمّ قام السيّد بتعيين ساعة معيّنة في اليوم التالي لذلك اللقاء الخاصّ. و قد جاء المرحوم الشهيد المطهّريّ في الموعد المقرّر فصحبتُه و سماحة السيّد

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

170
  • الحدّاد إلى سطح المنزل، ثم أقفلتُ باب السطح عند نزولي لئلّا يصعد أحد إلى السطح، حتّى من الأطفال أو من الرفقاء و الأصدقاء الذين لا علم لهم بالأمر.

  • و قد استفسر المرحوم المطهّريّ منه وقتذاك ما شاء من الأسئلة القديمة و المخزونة التي لم يعثر لها على جواب، ثمّ انقضت الساعة و هبط السيّد و خلفه المرحوم المطهّريّ، فرأيت أنّ المطهّريّ كان مبتهجاً و سعيداً تلوح آثار المسرّة على وجناته.

  • و لم أسأل من سماحة السيّد و لا من الشيخ المطهّريّ عمّا دار بينهما، و لست أعلم منه شيئاً حتّى يومنا هذا، لكنّ المرحوم المطهّريّ قال للحقير بصوتٍ خافت عند خروجه: إنّ هذا السيّد يبعث الحياة و الروح في الإنسان!

  • و جدير بالقول إنّ المرحوم المطهّريّ قال للحقير يوماً: لقد كنتُ مع السيّد محمّد الحسينيّ البهشتيّ في قم في ورطة مهلكة، لكنّ لقاؤنا بالعلّامة الطباطبائيّ و إعانته لنا قد أنجانا من تلك الورطة.

  • و عليه، فإنّ كلام المرحوم المطهّريّ بشأن سماحة الحاجّ السيّد هاشم و قوله: إنّ هذا السيّد يبعث الحياة و الروح في الإنسان، كان في زمن حياة سماحة العلّامة و قبل رحيله -الذي صادف في الثامن عشر من محرّم الحرام ۱٤۰٢ هجريّة- بستّ عشرة سنة؛ على أنّ العلّامة قد خلع لباس البدن و ارتدى ثوب البقاء بعد المرحوم المطهّريّ.

  • آية الله الشيخ مرتضى المطهّريّ يطلب برنامجاً للعمل من سماحة الحدّاد

  • و كان للمرحوم المطهّريّ لقاء خاصّ آخر و على انفراد مع السيّد استغرق ساعة كسالفه، و كان بعد عودة السيّد من سفره إلى مشهد المقدّسة -الذي سيأتي تفصيله فيما بعد- و لم يكن للحقير هذه المرّة أيضاً اطّلاع عمّا تبادلا من أحاديث، لكنّ ما أعلمه أنّ المرحوم المطهّريّ كان قد طلب من‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

171
  • سماحة السيّد في هذه الجلسة أن يعطيه برنامج عمل، و أنّ السيّد قد أعطاه ذلك.

  • ثمّ طلب منّي المرحوم المطهّريّ أن أعطيه صورة للسيّد الحدّاد ليضعها في غرفته، فقلت له: سأعطيكم صورته لتحتفظوا بها، فلا تعلّقوها في غرفتكم، بل ضعوا بدلًا منها صورة المرحوم القاضي، و ذلك لأنّ الحاجّ السيّد هاشم رجل غير معروف و أنتم من المشهورين الذين يتردّد عليكم جميع الطبقات، و سيسألكم هؤلاء حين يرون صورته لديكم: مَن هذا الرجل؟ و لما ذا صورته هنا؟ و هكذا فإن الأمر سيسبّب لكم الأذى، كما أنّ السيّد لا يرغب أن يصبح اسمه مشهوراً، أمّا بالنسبة للمرحوم القاضي فالأمر مختلف.

  • و هكذا فقد ذهب الحقير يوماً إلى منزل ذلك المرحوم، فرأيت أنّه قد وضع في غرفته ثلاث صور: صورة المرحوم أبيه: الشيخ محمّد حسين المطهّريّ، و صورة المرحوم الحاجّ الشيخ الميرزا علي آقا الشيرازيّ، و صورة المرحوم آية الله الحاجّ الميرزا السيّد علي آقا القاضي التبريزيّ الطباطبائيّ قدّس الله أسرارهم و أعلى درجاتهم و مقاماتهم جميعاً.

  • و كنت كذلك قد أعطيت للمرحوم المطهّريّ عند سفره للتشرّف بزيارة العتبات المقدّسة عنوان منزل الحاجّ السيّد هاشم، فذهب إليه في كربلاء مرّتين، و دام لقاؤه الأوّل ساعة تقريباً، ثمّ ذهب إليه يوماً آخر صباحاً فتناول معه طعام الفطور.

  • عبارة المرحوم الحدّاد للمطهّريّ: فمتى تصلّي إذاً؟!

  • و كان المرحوم المطهّريّ مسروراً يبدو به الوجد عند عودته من هذه اللقاءات، و كان يقول: ذهبتُ يوماً إليه فسألني: كيف تصلّي؟

  • قلت: بانتباه كامل إلى معاني كلمات الصلاة و جملاتها!

  • فقال: فمتى تصلّي إذاً؟! إنّ انتباهك و التفاتك لا بدّ أن يكون في‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

172
  • الصلاة للّه فقط لا لسواه، فلا تلتفت إلى المعاني!

  • و لقد كانت جملته هذه -إنصافاً- تضمّ الأسرار و الدقائق، و كانت حقيقة الأمر كما تفضّل، و ذلك لأنّ الإنسان إن توجّه في صلاته إلى معاني الكلمات، كأن يركِّز على معنى عبارة ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾‌، و هو: أنّني أعبدك إيّاك فقط و أستعين بك فقط، فإنّ انتباه المصلّي و فكره سيتوجّه إلى هذه الحقيقة، فيغفل عن التوجّه الكامل إلى الله سبحانه؛ في حين أنّ التوجّه ينبغي أن يكون إلى الله تعالى، و أن يكون المخاطب هو الله سبحانه فقط. و في هذه الحال فإنّ المصلّي لن يتوجّه إلى المعنى إلّا باللحاظ الآلي و المرآتيّ. و هكذا في باقي الصلاة التي ينبغي ألّا يكون انتباه الإنسان إلى ألفاظها و عباراتها غير التوجّه الآليّ و المرآتيّ.

  • و ذلك لأنّه إن بذل اهتمامه و انتباهه إلى ألفاظ الصلاة من جهة صحّة أدائها و تجويدها و أداء مخارج حروفها، فلن تكون الصلاة عند ذاك صلاة، لأنّها تفتقد التوجّه إلى الله و التوجّه إلى المعنى.

  • أمّا إذا كان التوجّه إلى الله سبحانه، فلم يغفل الإنسان عن الله لحظةً واحدة في خطابه و كلامه معه و لم يفكّر في ألفاظ الصلاة و لا في معانيها، فإنّ جميع الألفاظ ستأتي عند ذاك تلقائيّاً بنحو آليّ و مرآتيّ، أي بالنظر غير الاستقلاليّ، و تتبعها جميع المعاني أيضاً بالطريق الآليّ و المرآتيّ لا بالنظر الاستقلاليّ، و ستكون قد ادّيت بأجمعها بالشكل الصحيح و المطلوب بدون أن يرد خلل في حضور القلب و التوجّه التامّ إلى الله سبحانه و تعالى.

  • و على سبيل المثال، فلو لاحظنا هذه المكالمات و المحادثات التي تدور بيننا ليلًا و نهاراً، و الكلمات و الخُطَب و المراجعات و فصل الخصومات و سائر الامور التي تضمّ عنوان التخاطب و المحادثة، لوجدنا أنّ‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

173
  • جميع تركيزنا يتوجّه على الشخص المخاطب لا على الخطاب، و سيكون ما يجري في الخطاب عند ذاك من عقل الإنسان و فكره على لسانه صحيحاً و صائباً بأجمعه بدون أن نلتفت إلى صحّته و صوابه. أمّا إذا انتبهنا إلى العبارات و المطالب المتبادلة، فإنّ أساس الالتفات في الخطاب سيزول، و لن يكون في تلك اللحظة وجود لمخاطب ما.

  • و لقد قال أعلامنا: إنّ الجمع بين لحاظين استقلاليّ و آليّ أمر غير ممكن. فلو كان لحاظنا في الصلاة مستقلًّا إلى الله تعالى فإنّ ألفاظها و معانيها ينبغي حتماً أن تكون آليّة و غير استقلاليّة و تبعيّة. أمّا إذا كان لحاظنا مصروفاً إلى ألفاظ الصلاة أو معانيها بشكل مستقلّ، فإنّ التفاتنا إلى الله سيكون -بشكل قهريّ و اضطراريّ- تبعيّاً ضمنيّاً و غير استقلاليّ.

  • و حين أتكلّم معكم فأقول مثلًا: «أيّها السيّد! لا تسافروا اليوم و ابقوا في حرم الإمام الرضا!» فإنّ التفاتي و انتباهي ينصبّ بأكمله عليكم و على حقيقتكم، و هذا ما يدعونه بالنظر الاستقلاليّ. و بالطبع فإنّ هذه المعاني ستخطر في ذهني بلا خطأ، فيقوم ذهني باستخدام ألفاظ تتناسب مع تلك المعاني و تُجرى هذه المعاني و الألفاظ على لساني بشكل متعاقب بدون أيّ خطأ ليظهر لكم ذلك المقصود. أمّا لو شئت استحضار معنى «لا تسافروا اليوم» في ذهني، أو تصوّر ألفاظه على الخصوص، فإنّ مسألة كونكم مخاطبين ستزول و ستفقد استقلاليّتها، و لا مفرّ من أن تكون أمراً ضمنيّاً و تبعيّاً و آليّاً و مرآتيّاً.

  • و لا بدّ أن يكون الإنسان في صلاته -و هي أهمّ الامور- منقطعاً إلى الله في حضور قلب، فلا تمرّ في ذهنه أيّة خاطرة أو فكرة، و هذا الأمر يمكن تحقّقه فقط حين تخطر في الذهن جملات الصلاة و عباراتها المتضمّنة لمعانيها بالطبع، ثمّ تجري على اللسان بدون أيّ التفات إليها.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

174
  • و حينذاك ستكتسب الصلاة حقيقتها و واقعيّتها، فيصحّ تسميتها بالصلاة. أي أنّ المخاطب فيها هو الله و حضور القلب فيها كان مع الله، أمّا بغير ذلك فإنّ حضور القلب سيكون إلى الألفاظ و المعاني، و سيكون الله العليّ الأعلى مهجوراً لم تجْر ملاحظته و الالتفات إليه إلّا بالنظر الضمنيّ الذي ليس في الحقيقة نظراً.

  • نعم، لقد كان المرحوم الحاجّ السيّد هاشم يحبّ المرحوم المطهّريّ، و حين التقى الحقير في سفره الأخير إلى الشام بعد شهادة المرحوم المطهّريّ بسماحة السيّد -الذي تشرّف هو الآخر بالذهاب إلى هناك للزيارة فقد أبدى السيّد تأسّفه لتلك الخسارة. رحم الله الغابرين و ألحق الباقين بهم إن شاء الله تعالى.

  • تفسير الحاجّ السيّد هاشم لمعنى التجرّد، و قصّة تعليق القَرْعَة في العنق‌

  • و لقد سأل أحدهم الحاجّ السيّد هاشم ذات يوم: ما هو التجرّد؟ فأجاب:

  • التجرّد عبارة عن معرفة الإنسان بالمشاهدة أنّ حقيقته هي غير هذه الظواهر و المظاهر.

  • ثمّ أردف بعد سكوت قليل: لقد عمد شخص ـ من أجل أن لا يُضيع نفسه ـ إلى قَرْعَةٍ فثقبها و علّقها في عنقه، فكانت معلّقة في عنقه في الحضر و السفر، و في النوم و اليقظة، و كان سعيداً على الدوام، يفكّر: لم يحدث حتّى الآن أن أضعت نفسي مع وجود هذه العلامة الكبيرة، و لن اضيع نفسي معها إلى آخر العمر.

  • و حدث أن سافر مع رفيق له، فناما ذات ليلة مظلمة، فاستيقظ رفيقه منتصف الليل، فنهض و فكّ القَرعة من عنق صاحبه و علَّقها في عنقه، ثمّ أخلد إلى النوم من جديد. فلمّا أصبحا نهض الرجل صاحب القرعة، فرأى أنّها ليست معلّقة في عنقه، و أنّه لذلك سيضيّع نفسه، ثمّ لاحظ أنّ القَرعة

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

175
  • معلّقة في رقبة رفيقه النائم، فقال: من المؤكَّد أنّني أنا ذلك الرفيق النائم، لأنّ علامتي معلّقة في عنقه.

  • و هكذا فقد بقي مدّة متحيّراً يفكّر: يا إلهي! ما الذي حدث لي فتبدّلتُ! فأنا أجد -من جهة- أنّني أنا، و لكن أين صارت القَرعة التي في عنقي؟!

  • و أجد -من جهة أخرى- أنّ القَرعة كانت علامتي التي لا تنفكّ عنّي، فأنا إذاً هذا الرجل النائم الذي عُلِّقَت القَرعة في عنقه. و بقي مترنّماً مع نفسه:

  • اگر تو منى پس من كيَمْ‌***اگر من مَنَم پس كو كدوى گردنم‌۱
  • نعم، تجب ملاحظة كيف أنّ ذلك التفسير، و من ثمّ هذا المثال اللطيف الذي بيّنه السيّد هاشم قدّس الله تربته المنيفة كانا في نهاية الوضوح و البيان لهذا المعنى، و كم كان بيانه مثيراً للعجب حين أوضح حقيقة التجرّد بهذا الجلاء!

  • إنّ الإنسان العاديّ و العامّيّ الخارج عن مسيرة السلوك و العرفان، يفصل نفسه عن عالم الحقيقة بهذه الآثار و اللوازم الطبيعيّة و المادّيّة و النفسيّة، كالنسبة للأب و الامّ و المحيط و الزمان و المكان و العلوم المحدودة و القدرة المحدودة و الحياة المحدودة و سائر الصفات و الأعمال و الآثار التي يعتبرها تابعة له و ينسبها لنفسه، في حين أنّه يعدّ الله القادر القاهر الحيّ القيّوم العليم السميع البصير إلهاً خياليّاً و تصوّريّاً، يتصوّره موجوداً محدوداً و مقيّداً في زاوية الحياة و في الموارد الاستثنائيّة كالزلزلة

    1. يقول: «إن كنتَ أنت أنا، فمن أنا؟ و إن كنتُ أنا أنا، فأين قَرْعَةُ رقبتي؟!».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

176
  • و السيل و الموت و أمثالها، أو في أعالي السماء؛ بينما الواقع غير هذا، فالله سبحانه هو الأصل و الأصيل و ليست باقي الموجودات مع جميع آثارها و لوازمها إلّا فرعاً منه و تابعاً له.

  • الله سبحانه هو أصل الوجود، و كمال الوجود، و حقيقة الحياة و العلم و القدرة، و جميع ما سواه امور اعتباريّة و ماهيّات إمكانيّة، حياتها و علمها و قدرتها مجاز و تبع و ظلّ. الله قائم بذاته، أمّا جميع الموجودات فقائمة به.

  • و هذا الأمر، و هذه النظريّة و هذا النظر إلى الذات و النظرة الاستقلاليّة أمر موجود في الطبيعة البشريّة، اللهمّ إلّا مَن وضع قدمه بثبات على جادّة التوحيد، و استطاع بتربية الاستاذ الإلهيّ في المعارف الدينيّة للشريعة الإسلاميّة الحقّة، و بالمجاهدة للنفس الأمّارة أن يعمد إلى هذا الإله التصوّريّ الذي ليس إلّا وجوده هو، مع الصفات و الآثار المتعلّقة بذاته و التي يراها جميعاً و يعتبرها عائدة له فينسبها لنفسه، و يتصوّر نفسه مستقلًّا على الدوام عملًا و فعلًا -و لو لم يفه بذلك لساناً- فيعمد إلى صنم النظرة الاستقلاليّة هذا فيسقطه، و إلى قصر الاستبداد هذا فيهدمه، و إلى الجبل العظيم للأنانيّة و هوى النفس الأمّارة فيدكه، فيلمس حقيقة ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ﴾.۱ أو حقيقة كلام النبيّ يوسف على نبيّنا و آله و عليه الصلاة و السلام لصاحبَيه اللذين كانا معه في السجن:

  • ﴿يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَ أَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ﴾.٢

  • فالسالك في طريق الله يرى نفسه بالوجدان و المشاهدة و باللمس‌

    1. الآية ۱٦، من السورة ٤۰: غافر.
    2. الآية ٣٩، من السورة ۱٢: يوسف.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

177
  • و العيان -لا بالدليل و البرهان- خارج هذه الحدود و خارج هذه النِّسَب الاستقلاليّة. فهو يرى أنّه -و يا للعجب- كان وجوداً أفضل و أعلى و أسمى و أرقى، و أن لا وجود لذاك الوجود المجازيّ الذي كان حتّى الآن ينسبه لنفسه و يتصوّره أنّه هو، فنفسه شي‌ء آخر مجرّد و منوّر و بسيط، يمتلك حياةً و علماً و قدرة حقيقيّة، في حين كان ذلك الوجود السابق شيئاً قذراً ظلمانيّاً و محدوداً و مقيّداً و ذا حياة و علم و قدرة محدودة و مجازيّة.

  • فهو يرى من جهة أنّه كان كذلك فصار هكذا و ظهر بهذه الصورة القيّمة البسيطة و الجميلة، فلا شكّ و لا ريب أنّ هذا ليس إلّا نفسه. و يرى من جهة أخرى أنّ هذا ليس ذاك، فلا تناسب و لا تشابه بينهما؛ فذاك ميّت و هذا حيّ، و ذاك جاهل و هذا عالم، و ذاك عاجز و هذا قادر، و هو محدود و هذا مجرّد، و ذاك ظلمة و هذا نور و منير، و ذاك ثقيل و هذا خفيف متسام.

  • و خلاصة الأمر أنّ جميع صفاته و أسمائه قد تغيّرت، فصارت له صفات إلهيّة و أنّه خرج من لباس الشيطان فارتدى خلعة المَلَك و الملكوت و اللباس الإلهيّ، فلا شكّ لديه أنّ هذا ليس ذاك.

  • تماماً، كتلك القَرْعة التي علّقها ذلك الرجل في عنقه. على أنّ بعض القَرْع كبير جدّاً و مجوّف يجعله البعض إناءً فيستفيدون منه، و قد شاهد الحقير أنّهم كانوا يصنعون منه سابقاً كوزاً لغليون التدخين. و باعتبار أنّ القَرْع خفيف الوزن و مجوّف، فهو إذا جُفِّف صار يرنّ لو نُقر بإصبع واحدة، و لأنّه كبير الحجم فقد كان اختياراً ملائماً ليصبح هويّة و علامةً لهذا الرجل.

  • أي أنّ الإنسان بشكل عامّ يحاول حفظ ذاتيّته بهذه الزينة و الحليّ، و بهذه التعيّنات الاعتباريّة، و بهذه التصوّرات الجوفاء الخالية الرنّانة. لكنّ جميع هذه التعيّنات تزول دفعة واحدة لدى السالك في طريق الله، فيشاهد

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

178
  • علامات العلم و القدرة و الحياة و آثارها في وجود آخر يمثّل حقيقته هو. فيتأمّل و يتساءل أن: لو كانت هذه الآثار لي أنا، فلِمَ هي غير موجودة الآن؟ و إن كانت هذه الآثار لحقيقتِي، فلِمَ كانت لهذا الموجود المجازيّ الذي هو أنا؟ فيعترف أخيراً أن لَا مُؤَثِّرَ في الوُجُودِ سِوَى الله.۱

    1. ورد في «مصباح الشريعة» ص ٦٦، طبعة مركز نشر الكتاب، سنة ۱٣۷٩ هـ. ق، الباب ۱۰۰ في حقيقة العبوديّة:
      قال الصادق عليه السلام: العُبُودِيَّةُ جَوْهَرَةٌ كُنْهُهَا الرّبُوبِيَّةُ؛ فَمَا فُقِدَ مِنَ العُبُودِيَّةِ وُجِدَ في الرُّبُوبِيَّةِ، وَ مَا خَفِيَ عَنِ الرُّبُوبِيَّةِ اصِيبَ في العُبُودِيَّةِ. قَالَ اللهُ تعالى: «سَنُرِيهِمْ ءَايَاتِنَا في الآفَاقِ وَ في أنفُسِهِمْ حتّى يَتَبَيَّنَ لهم أنَّهُ الْحَقُّ أ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْ‌ءٍ شَهِيدٌ». أيْ مَوْجُودٌ في غَيْبَتِكَ وَ في حَضْرَتِكَ (الحديث).
      و يقول عماد الحكماء و المفسّرين و المحدّثين: المحقِّق الفيض الكاشانيّ في كتاب «كلمات مكنونة» ص ۷٥ و ۷٦، الطبعة الحجريّة:
      وَ رَوَى ابْنُ جُمْهُورٍ الأحْسَائِيّ عَنْهُ (أيْ عَنْ عَلِيّ عَلَيهِ السَّلَامُ) قَالَ: إنَّ لِلَّهِ شَرَاباً لأوْلِيَائِهِ؛ إذَا شَرِبُوا سَكَرُوا، وَ إذَا سَكَرُوا طَرِبُوا، وَ إذَا طَرِبُوا طَابُوا، وَ إذَا طَابُوا ذَابُوا، وَ إذَا ذَابُوا خَلَصُوا، وَ إذَا خَلَصُوا طَلَبُوا، وَ إذَا طَلَبُوا وَجَدُوا، وَ إذَا وَجَدُوا وَصَلُوا، وَ إذَا وَصَلُوا اتَّصَلُوا، وَ إذَا اتَّصَلُوا لَا فَرْقَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ حَبِيبِهِمْ.
      ثمّ يقول المحقّق الفيض: و من جملة ما يناسب هذا المقام ما ورد في الحديث القدسيّ:
      مَنْ طَلَبَنِي وَجَدَنِي، وَ مَنْ وَجَدَنِي عَرَفَنِي، وَ مَنْ عَرَفَنِي أحَبَّنِي، وَ مَنْ أحَبَّنِي عَشَقَنِي، وَ مَنْ عَشِقَنِي عَشِقْتُهُ، وَ مَنْ عَشِقْتُهُ قَتَلْتُهُ، وَ مَنْ قَتَلْتُهُ فَعَلَيّ دِيَتُهُ، وَ مَنْ عَلَيّ دِيَتُهُ فَأنَا دِيَتُهُ.
      و يقول صدر المتألّهين الشيرازيّ نوّر الله مرقده في تفسير سورة السجدة (انتشارات بيدار قم، ص ٩۷): ذيل الآية ۱٤: ﴿فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَ ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‌﴾ حتّى يصل إلى قوله:
      و عليه، فإنّ حياة أهل الإيمان هي مطلقاً مرتبة ليست لغيرهم، لأنّهم المخصوصون بكلام رسول الله صلّى الله عليه و آله في قوله: المُؤْمِنُ حَيّ في الدَّارَيْنِ. و حياة الشهداء مرتبة فوق هذه المرتبة، لقول الله تعالى: ﴿وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ، فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾‌ (الآية ۱٦٩، و ذيل الآية ۱۷۰، من السورة ٣: آل عمران).
      و حياة أولياء الله حياة فوق الجميع، لقول رسول الله صلّى الله عليه و آله: أبِيتُ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَ يَسْقِينِي*. و هم الذين يقول الله فيهم: ﴿مَنْ قَتَلْتُهُ فَأنَا دِيَتُهُ﴾؛ أي حياته.
      * «البخاري» ج ٩، ص ٩۷، كتاب الاعتصام بالكتاب و السنّة، باب ما يكره من التعمّق و التنازع في العلم، طبعة بولاق. و ورد هذا الحديث كذلك في بقيّة الصحاح، يراجع «المعجم المفهرس» ج ٢، ص ٤۸۱، في مادّة سَقَى، طبعة دار الدعوة، إستانبول.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

179
  • ما عَدَم‌هائيم و هستى‌هاى ما***تو وجود مطلقى فانى نما۱
  • أبيات العارف الجليل الشيخ محمود الشبستريّ في معنى التجرّد

  • و لقد أورد الحكماء الإلهيّون و العرفاء الربّانيّون هذه الحقيقة بالتفصيل في كتبهم و شرعوا في بيانها و شرحها، و نكتفي هنا بذكر أبيات للعارف الجليل الشيخ محمود الشبستريّ:

  • در إشاره به تَرْسَائي‌٢

  • ز ترسائى غرض تجريد ديدم‌***خلاص از ربقة تقليد ديدم‌٣
    1. كتاب «مثنوي معنوي مولوي» ج ۱، ص ۱٦، السطر ۱٦، طبعة آقا ميرزا محمود؛ و في طبعة ميرخاني: ص ۱۷، السطر ۱۸. و أورد الأوّل في هامشه أن «ما عدم‌هائيم» قد فُسِّرت علي نحوَينِ: فمنهم من جعل «هستيهاى ما» معطوفة علي «ما»، أي: نحن، أي ماهيّاتنا و وجوداتنا التي هي محض وجود رابط، معدومون و فانون، لكنّنا نبدو موجودينَ؛ بينما تبدو أنت -و أنت الوجود المطلق الأصليّ- في نظرنا القاصر فانياً. و البعض يعتبر «هستيهاى ما» مبتدأ، أي: وجوداتُنا أنت و منك؛ فأنت الوجود المطلق الأصيل الذي لا فناء لك.
    2. إشارة إلي الرهبة
    3. «گلشن راز» ص ۸٤ إلي ٩۰، طبعة عماد الدين الأردبيليّ.
      يقول: «رأيت التجرّد و الخلاص من ربقة التقليد هو الهدف من التجرّد».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

180
  • جناب قُدس وحدت ديْرِ جان است‌***كه سيمرغ بقا را آشيان است‌
  • ز روح الله پيدا گشت اين كار***كه از روح القدس آمد پديدار
  • هم از الله در پيش تو جانى است‌***كه از روح‌القدس دروى نشانى است‌
  • اگر يابى خلاص از نفس ناسوت‌***درآيى در جناب قدس لاهوت‌
  • هر آن كس كو مجرّد چون مَلَك شد***چو روح الله بر چارم فلك شد۱
  • تمثيل العارف الشبستريّ لحقيقة معنى التجرّد

  • بود محبوس طفل شير شيرخواره‌***نزد مادر اندر گاهواره‌
  • چه گشت او بالغ و مرد سفر شد***اگر مرد است همراه پدر شد٢
    1. يقول: «فإنّ قدس الوحدة هو دير الروح، و عشّ عنقاء البقاء الحقيقيّ.
      فقد ظهر هذا التنزّه و التجرّد عند عيسي روح الله، من روح القدس (إشارةً إلي «و نفخت فيه من روحي»).
      كذلك فإنّ فيك روحاً من الله و أثراً من روح القدس.
      فإن تخلّصتَ من النفس الناسوتيّة، فستدخل في حريم قدس اللاهوت.
      فالذي تجرّد كالمَلَك عَرَج كروح الله إلي الفلك الرابع».
    2. يقول: «إنّ الطفل الرضيع محبوس في المهد عند امّه.
      لكنّه عند ما يصبح بالغاً، فإنّه يتبع أباه و يرافقه إن كان رجلًا».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

181
  • عناصر مر تو را چون امّ سِفلِى است‌***تو فرزند و پدر آباء عِلْوى است‌
  • از آن گفته است عيسى گاهِ اسْرا***كه آهنگ پدر دارم به بالا
  • تو هم جان پدر سوى پدر شو***به در رفتند همراهان به در شو
  • اگر خواهى كه گردى مرغ پرواز***جهان جيفه پيش كركس انداز
  • به دو نان ده مر اين دنياى غدّار***كه جز سگ را نشايد داد مردار
  • نسب چَبْوَد مناسب را طَلَب كن‌***به حقّ روآور و ترك نسب كن‌
  • به بحر نيستى هر كو فرو شد***فَلَا أنسابَ نقد وقت او شد۱
    1. يقول: «و العناصر هي لك كالامّ السفليّة، أنت ابن و أبوك علويّ كالأفلاك.
      و لأنّ للأفلاك حكم الأب، فقد قال عيسي عند إسرائه: إنّني أعرج إلي أبي و أبيكم السماويّ.
      و أنت يا بُنَيّ اتّجه نحو أبيك، فالذين كانوا يرافقونك قد اتّجهوا نحو العالَم العلويّ فاتّجه أنت بدورك.
      و إن شئت التحليق كالطائر، فألقِ جيفة الدنيا إلي العُقبان التي تقتات علي الموتى.
      و دَعْ إلي السَّفَلة هذه الدنيا الغدّارة، فالجيفة لا تُلقي إلّا إلي الكلاب.
      و ما الذي سيعود عليك من النسب؟ فاطلب المُناسب و اللائق و يمّمْ نحو الحقّ و اترك النسب و العلائق الدنيويّة.
      فإنّ من غاصت قدماه في بحر العدم سيكون نصيبه ﴿فَلَا أنسَابَ بَيْنَهُمْ﴾.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

182
  • هر آن نسبت كه پيدا شد ز شهوت‌***ندارد حاصلى جز گَرْدِ نخوت‌
  • اگر شهوت نبودى در ميانه‌***نَسَبْها جمله ميگشتى فَسانه‌
  • چه شهوت در ميانه كارگر شد***يكى مادر شد آن ديگر پدر شد
  • نمي‌گويم كه: مادر يا پدر كيست!***كه با ايشان به حرمت بايدت زيست‌
  • نهاده ناقصى را نام خواهر***حسودى را لقب كرده برادر
  • عَدُوى خويش را فرزند خوانى‌***ز خود بيگانه خويشاوند خوانى‌
  • مرا بارى بگو: تا خال و عم كيست‌***وز ايشان حاصلى جز درد و غم نيست‌۱
    1. يقول: «و كلّ نسبةٍ وُجدت من شهوة، لا تجلب لك إلّا غبار الأنانيّة.
      و لو عُدِمَت الشهوة في اجتماع الرجل و المرأة، لصار النسب خيالًا و لانقطعت الأنساب.
      لكنّ هذه الشهوة كانت فعّالة أوجبت الزواج، فصار أحدهما امّاً و الآخر أباً.
      و لست بذامّ للأب و الامّ، فالعيش مهما كان يجب أن يقترن بالاحترام و التوقير.
      لقد دُعي ناقص العقل و الدين اختاً، و دُعي الحسود (كإخوة يوسف) أخاً.
      و ها أنت تدعو عدوّك ابناً ﴿إنَّ مِنْ أزْوَاجِكُمْ وَ أوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ﴾، و تدعو الغريب عنك قريباً لك.
      فقل لي: مَن هم الخال و العمّ، و ما ذا يعود علي المرء منهم غير الأذي و الغمّ؟».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

183
  • رفيقانى كه با تو در طريقند***پى هزل اى برادر هم رفيقند
  • به كوى جِدّ اگر يك دم نشينى‌***از ايشان من چه گويم تا چه بينى‌
  • همه افسانه و افسون و بند است‌***به جان خواجه كاينها ريشخند است‌
  • به مردى وارهان خود را چه مردان‌***و ليكن حقّ كس ضايع مگردان‌
  • ز شرع ار يك دقيقه ماند مُهْمَل‌***شوى در هر دو كون از دين معطّل‌
  • حقوق شرع را زينهار مگذار***و ليكن خويشتن را هم نگهدار
  • ز سوزن‌۱ نيست الّا مايه غم‌***به جا بگذار چون عِيسيّ مريم‌٢
    1. أورد في «گلشن راز» طبعة طهوري، تحقيق الدكتور صمد موحّد، هذا البيت بلفظ: «زر و زن» (الذهب و المرأة).
    2. يقول: «فإنّ أصحابك الذين يرافقونك في الحياة، إنّما يا أخي يرافقونك هزلًا.
      فإن صِرتَ إلي الجِدّ سمعتَ منهم و رأيت ما يجلّ عن الوصف.
      لكنّ هذه الأنساب بأجمعها ليست -لعمرك- إلّا خيالًا و قيداً و ضحكاً علي الذقون.
      فكن رجلًا و خلّص نفسك كما فعل الرجال، و تحرّر من هذه القيود، دون أن تضيّع حقّاً لأحد.
      و لو أهملت الشرع دقيقة واحدة، لصرت بلا دين في الكونَينِ.
      فارْعَ حقوق الشرع و إيّاك أن تهملها، و لكن عليك أيضاً أن تحفظ نفسك و تتعاهدها.
      فليس من شي‌ء تافه -و لو كالإبرة- إلّا و كان منشأً للغمّ، فدعها كما فعل عيسي ابن مريم».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

184
  • حنيفى شو ز قيد هر مذاهب‌***درآ در دَيْرِ دين مانند راهب‌
  • تو را تا در نظر أغيار و غير است‌***اگر در مسجدى آن عين دَيْر است‌
  • چو بر خيزد ز پيشت كسوت غير***شود بهر تو مسجد صورت دير
  • نمي‌دانم به هر جائى كه هستى‌***خلاف نفس كافر كن كه رستى‌
  • بت و زُنّار و ترسائيّ و ناقوس‌***إشارت شد همه با ترك ناموس‌
  • اگر خواهى كه گردى بندة خاص‌***مُهَيّا شو براى صِدق و اخلاص‌
  • برو خود را ز راه خويش برگير***به هر يك لحظه ايمان دگر گير۱
    1. يقول: «و كن حنيفاً إبراهيميّاً و تحرّر من قيد كلّ مذهب، و انقطع في دَيْر الدين (المسجد) كالراهب.
      إن أنت رأيت الأشياء غير الحقّ فقد كفرت، فلو كنت في المسجد فكأنّك في الدير.
      و لو خلعت عنك ثياب الغيريّة، فستري أنّ المسجد و الدير ليسا إلّا شيئاً واحداً.
      و لستُ بعالم ما تقول، و لكن أنّي كنتَ فخالف نفسك كي تفوز و تحظي.
      إنّ الصنم و الزنار و الرهبانيّة و الناقوس إشارات للعارفين لترك الناموس و الجاه و اللجوء إلي الفقر.
      و إن شئت أن تصبح عبداً من الخواصّ، فاستعدّ للزوم الصدق و الإخلاص.
      و اذهب و أزل الـ «أنا» من طريقك، و تعاهد إيمانك فجدّده كلّ لحظة».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

185
  • به باطن نفس ما چون هست كافر***مشو راضى بدين اسلام ظاهر
  • ز نو هر لحظه ايمان تازه گردان‌***مسلمان شو مسلمان شو مسلمان‌
  • بسى ايمان بود كان كفر زايد***نه كفر است آن كزو ايمان فزايد
  • ريا و سُمْعَه و ناموس بگذار***بيفكن خرقه و بر بند زنّار
  • چو پير ما شو اندر كفر فردى‌***اگر مَردى بده دل را به مَردى‌
  • مجرّد شو ز هر إقرار و إنكار***به ترسازاده‌اى ده دل به يكبار۱
  • حتّى يصل إلى قوله:

  • يكى پيمانه پر كرد و به من داد***كه از آب وى آتش در من افتاد
    1. يقول: «إنّ هناك كافراً كامناً في باطننا، فلا تقنع أو تطمئنّ بظاهر إسلامك.
      و جدّد كلّ لحظة إيمانك، و كن مسلماً من جديد، كن مسلماً كلّ لحظة.
      رُبَّ إيمان يلد كفراً، كما ليس بكفر ذاك الذي يزيدك إيماناً.
      دع الرياء و السمعة و الناموس (الجاه)، و ألقِ بخرقة الزاهد و اطوِ زنّاراً.
      و كن كشيخ طريقتنا في الكفر وحيداً (الكفر بالعلائق و القيود...)، و إن كنت ذا رجولة فأعطِ قلبك لرجل.
      و صِرْ مجرّداً من كلّ إقرار و إنكار، و اعشق بكلّ وجودك وليد الترهّب (أي المرشد الكامل)».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

186
  • كنون گفت از مى بى‌رنگ و بى‌بو***نقوش تختة هستى فرو شو
  • چه آشاميدم آن پيمانه را پاك‌***در افتادم ز مستى بر سر خاك‌
  • كنون نه نيستم در خود نه هستم‌***نه هشيارم نه مخمورم نه مستم‌
  • گهى چون چشم او دارم سَرِى خَوش‌***گهى چون زلف او باشم مُشَوَّش‌
  • گهى از خون خود در گلخنم من‌***گهى از روى او در گلشنم من‌۱
  • المرّة الأولى لحصول التجرّد للسيّد هاشم الحدّاد في كربلاء

  • المرّة الأولى لحصول التجرّد للسيّد هاشم الحدّاد في كربلاء

  • بمتابعة أمر الاستاذ المرحوم القاضيّ

  • بالصبر و التحمّل و مخالفة النفس مقابل الشدائد و أذى الناس‌ 

  •  

  • قال سماحة السيّد الحدّاد: لقد حصل لي التجرّد للمرّة الأولى في‌

    1. يقول: «ملأ الكأس و أعطاني، فشبّ من مائها النار في كياني.
      ثمّ قال: اغسل نقوش لوح وجودك بصهباء بلا لون و لا ريح.
      و حين شربتُ الكأس المصفّاة حتّى الثمالة، هويت علي التراب ثملًا.
      فلست بموجود في ذاتي و لا معدوم، و لست بصاح و لا ثمل و لا سكران.
      فأنا تارة -كعينيه- نشوان جذلان، و تارة -كزلفه- في اضطراب.
      و أنا تارة -من دمائي- في أتون، و أنا تارة -من محيّاهـ في روضة من رياض الورود».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

187
  • كربلاء، و تفصيل ذلك أنّه كان يعيش مضطرّاً لعُسر المعيشة مع أبوي زوجته، فكان اولئك يعيشون في جانب من البيت و هؤلاء في جانب، في غرفة أعطاها إيّاه والد زوجته مجّاناً، و دام ذلك اثنتي عشرة سنة. و كان والد زوجته -حسين، أبو عمشة- يحبّه كثيراً، أمّا والدتها فكانت على العكس من ذلك، و لم تكن لتفتقد مشاعر العطف و المحبة نحوه فقط، بل كانت لا تتورّع عن إبداء أنواع الأذى في القول و الفعل. و كانت امرأة قويّة البُنية بذيئة اللسان و من عشيرة الجنابات العربيّة، امرأة شجاعة و جريئة بشكل لم يكن لأيّ رجلٍ الحقّ في العبور ليلًا قرب منزلها خوفاً منها، فكان لها القدم الراسخ في حفظ عائلتها و بناتها إلى حدّ كبير، و إذا ما صادف أحياناً أن يعبر شخص فقد كانت تذهب إليه بمفردها و تحاسبه على ذلك.

  • و كان السيّد يقول: لم يكن يفصل بين غرفتهم و غرفتنا في هذا الجانب سوى أكياس الرزّ الذي له رائحة العنبر و ظروف السمن المعدنيّة المكدّسة على بعضها، لكنّهم لم يكونوا ليعطونا منها شيئاً، بل كانت امّ زوجتي -و اسمها نجيبة- تتعمّد أن ترانا في شدّة و عسر، لكأنّها كانت تسعد بذلك و تسرّ. و كنت و زوجتي نفتقد الفراش و الغطاء، و كنا نسحب نصف الحصير من أسفلنا أحياناً فنلقيه علينا من شدّة البرد.

  • و بالرغم من أنّني كنت أذهب للعمل بصورة منتظمة، لكنّ أكثر المراجعين كانوا من الفقراء الذين يعرفونني، و الذين كانوا يأخذون منّي نسيئة، و كان بعضهم لا يدفع الثمن. كما كان معاوني يأخذ ما يحتاج من مصارف، فلم يَبْقَ لي شي‌ء غالباً إلّا مائة أو خمسون فلساً كانت بالكادّ تغطّي نفقات شراء الخبز و النفط و فتيلة المصباح و أمثالها، و كانت الأشهر تتصرّم فأعجز خلالها عن شراء قليل من اللحم لأحمله لعائلتي.

  • و كان سبب نفور هذه المرأة منّي مسألة الفقر التي كانت في نظرها

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

188
  • أمراً قبيحاً، و مع هذا الوضع الذي كانت تلمسه و الذي كان يوجب عليها أن تمدّ يد المساعدة لنا، إذ كانت متمكِّنة و ثريّة، لكنّها كانت على العكس تسعى إلى أن يتلف لدينا شي‌ء ليزداد ضيقنا و محنتنا.۱

  • و من جهة أخرى فلم تكن شدّة الحالات الروحيّة و الاستفادة من محضر سماحة المرحوم القاضي لتسمح لي بجمع المال و تكديسه، أو ردّ الفقير و المحتاج، أو رفض إقراض الآخرين، و كانت حالتي بهذه الكيفيّة التي لم يكن يسعني أن أمتلك غيرها.

  • أمر آية الله القاضي بالصبر و تحمّل أذى أُمّ الزوجة

  • و كانت زوجتي تتحمّل و تصبر، لكنّ صبرها و تحمّلها كانا محدودَينِ. و هكذا فقد ذكرتُ للمرحوم القاضي بأنّ أذى حماتي لي بالقول و الفعل قد بلغ حدّه الأقصى، و لقد عِيل صبري في الحقيقة فلم أعُدْ أمتلك الصبر و الحلم و التحمّل على أذاها، و طلبتُ منه الإذن في طلاق زوجتي.

  • فقال المرحوم القاضي: بغضّ النظر عن هذه الامور، فهل تحبّ زوجتك؟ أجبتُ: نعم!

  • قال: أ فتحبّك زوجتك؟ قلت: نعم!

  • قال: لا إذْن لك في الطلاق أبداً! فاذهب و اصبر، فإنّ تربيتك على يد زوجتك، و بهذا الشكل الذي بيّنته، فإنّ الله سبحانه قد قرّر أن يكون تأديبك على يد زوجتك؛ فعليك بالتحمّل و المداراة و الحلم!

  • و لم أكن لأتخطّى تعليمات المرحوم القاضي أو أتجاوزها أبداً،

    1. أورد في «نهج البلاغة» في القسم الثاني من الأقسام الخمسة من الخطبة ۱٩۰: القاصعة، و في الطبعة المصريّة، مطبعة عيسي البابيّ مع هامش الشيخ محمّد عبده: ج ۱، ص ٣۸۰: وَ لَكِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ رُسُلَهُ اولي قُوَّةٍ في عَزَائِمِهِمْ وَ ضَعَفَةً فِيمَا تَرى الأعْيُنُ مِنْ حَالاتِهِمْ، مَعَ قَنَاعَةٍ تَمْلُا القُلُوبَ وَ العُيونَ غِنًى، وَ خَصَاصَةٍ تَمْلُا الأبْصَارَ و الأسمَاعَ أذًى.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

189
  • و كنت أتحمّل ما تضيفه امّ زوجتي هذه فوق مصائبنا. حتّى كانت ليلة من ليالي الصيف، عدت فيها إلى المنزل من الخارج بعد أن مرّ جزء من الليل، تعباً مرهقاً و جائعاً و عطشاناً اريد الذهاب إلى الغرفة، فرأيت امّ زوجتي جالسة قرب الحوض في ساحة المنزل و قد كشفت عن ساقيها من شدّة الحرّ و شرعتْ بصبّ الماء عليهما من الحنفيّة الموضوعة فوق الحوض، و حين علمتْ أنّني قد دخلتُ المنزل، شرعتْ في كيل كلمات التجريح و السباب و الشتائم التي تخاطبني بها، و لم أدخل إلى الغرفة، بل اتّجهت نحو السلّم فصعدت إلى السطح لأستلقي هناك، فرأيت أنّها رفعت عقيرتها و زادت نبرات صراخها بحيث صار الجيران يسمعونه فضلًا عنّي، و هكذا فقد كالت لي سيل الشتائم و السباب، و استمرّت تُعدّد و تعدّد حتّى عِيل صبري، فهبطتُ الدرج بدون أن أنتهرها أو أردّ عليها بكلمة واحدة، و خرجتُ من باب البيت فهمتُ على وجهي بلا هدف، و رُحتُ أسير في الشوارع بلا قصد أو انتباه، بل هكذا أسير في الشوارع دون أن أعرف إلى أين أذهب؛ كنت أسير فقط.

  • و فجأة رأيت في تلك الحال أنّني صرت‌ اثنين‌: أحدهما السيّد هاشم الذي اعتدتْ عليه امّ زوجته و سبّته و شتمته، و الآخر هو أنا مجرّد و محيط و متسام لم ينلني سبابها و شتائمها، فلم تكن أساساً تسبّ سيّد هاشم هذا، و لم تكن لتسبّني أو تشتمني، بل كان سيّد هاشم ذاك هو الجدير بكلّ أنواع القبيح من القول. أمّا سيّد هاشم هذا، الذي هو أنا، فلا يستحقّ أن يسبّ، بل إنّها مهما سبّت و شتمت فإنّ ذلك لن يصل إليّ.

  • فانكشف لي في تلك الحال أنّ تلك الحالة الرائعة التي حصلت لي و التي تبعث على السرور و البهجة إنّما حصلت إثر تحمّل تلك الشتائم و الألفاظ القبيحة التي كالتها لي امّ زوجتي، و أنّ إطاعة أمر الاستاذ المرحوم‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

190
  • القاضي قد فتحت لي هذا الباب، فلو لم اطعه و لم أتحمّل أذى حماتي، لبقيت إلى الأبد ذلك السيّد هاشم المحزون المغموم الضعيف المشتّت الفكر و المحدود.

  • و للّه الحمد فأنا الآن سيّد هاشم هذا، حيث أتربّع في مكان رفيع و مقام كريم و عزيز، لا ينالني غبار جميع الهموم و الأحزان و الغموم الدنيويّة بذرّة منه، و لا يتمكّن من أن ينالني بشي‌ء من ذلك.

  • و هكذا فقد عدت فوراً من هناك إلى البيت، فانكببت على يَدَيْ امّ زوجتي و رِجليها أقبّلهما و أقول: لا تتخيّلي أنّني انزعجت من كلامك ذلك، فقولي في بعد الآن ما شئتِ فإنّه مفيد لي!

  • العمل برواية عنوان البصريّ كان أمراً أساسيّاً من أوامر المرحوم القاضيّ‌

  • لقد كان المرحوم الاستاذ الكبير، عارف القرن الذي لا نظير له، بل هو حسب تعبير استاذنا سماحة الحاجّ السيّد هاشم: «لم يأت منذ صدر الإسلام حتّى الآن في مثل شمول و جامعيّة المرحوم القاضيّ»، كان قد أصدر تعليماته لتلامذته و مريديه في السير و السلوك إلى الله، أن يكتبوا رواية عنوان البصريّ و يعملوا بها من أجل تخطّى النفس الأمّارة و الرغبات المادّيّة و الطبعيّة و الشهويّة و الغضبيّة التي تنشأ غالباً من الحقد و الحرص و الشهوة و الغضب و الإفراط في الملذّات.

  • أي إنّ العمل وفق مضمون هذه الرواية كان أمراً أساسيّاً و مهمّاً. و كان يقول مضافاً إلى ذلك: ينبغي أن تحتفظوا بها في جيوبكم و تطالعونها مرّة أو مرّتين كلّ اسبوع. فهذه الرواية تحظى بالاهمّيّة الكبيرة و تحوي مطالب شاملة و جامعة في بيان كيفيّة المعاشرة و الخلوة، و كيفيّة و مقدار تناول الغذاء، و كيفيّة تحصيل العلم، و كيفيّة الحلم و مقدار الصبر و الاستقامة و تحمّل الشدائد أمام أقوال الطاعنين؛ و أخيراً مقام العبوديّة و التسليم و الرضا و الوصول إلى أعلى ذروة العرفان و قِمّة التوحيد.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

191
  • لذا، فلم يكن المرحوم القاضي ليقبل تلميذاً لا يلتزم بمضمون هذه الرواية. و هذه الرواية منقولة عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، و قد ذكرها المجلسيّ في كتاب «بحار الأنوار».

  • النصّ الكامل لرواية عنوان البصريّ‌

  • و لمّا كانت تمثّل برنامجاً عمليّاً شاملًا نُقِلَ عن ذلك الإمام الهمام، لذا نوردها بألفاظها و عباراتها بلا تصرّف ليستفيد منها مُحبّون و عشّاق السلوك إلى الله تعالى:

  • ۱۷- أقُوُلُ: وَجَدْتُ بِخَطِّ شَيْخِنَا البَهَائِيّ قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ مَا هَذَا لَفْظُهُ:

  • قَالَ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ مَكِّيّ: نَقَلْتُ مِنْ خَطِّ الشَّيْخِ أحْمَدَ الفَرَاهَانِيّ رَحِمَهُ اللهُ، عَنْ عِنْوَانِ‌۱ البَصْرِيّ -و كَانَ شَيْخاً كَبِيراً قَدْ أتَى عَلَيهِ‌٢ أرْبَعٌ وَ تِسْعُونَ سَنَةً- قَالَ: كُنْتُ أخْتَلِفُ إلى مَالِكِ بْنِ أنَسٍ سِنِينَ، فَلَمَّا قَدِمَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ عَلَيهِ السَّلَامُ المَدينَةَ اخْتَلَفْتُ إلَيْهِ، وَ أحْبَبْتُ أنْ آخُذَ عَنْهُ كَمَا أخَذْتُ عَنْ مَالِكٍ.

  • فَقَالَ لِي يَوْماً: إنِّي رَجُلٌ مَطْلُوبٌ وَ مَعَ ذَلِكَ لِي أوْرَادٌ في كُلِّ سَاعَةٍ مِنْ آنَاءِ اللَيْلِ وَ النَّهَارِ، فَلَا تَشْغَلْنِي عَنْ وِرْدِي؛ وَ خُذْ عَنْ مَالِكٍ وَ اخْتَلِفْ إلَيْهِ كَمَا كُنْتَ تَخْتَلِفُ إلَيْهِ‌. فَاغْتَمَمْتُ مِنْ ذَلِكَ، وَ خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ وَ قُلْتُ في نَفْسِي: لَوْ تَفَرَّسَ في خَيْراً لَمَا زَجَرَنِي عَنِ الاخْتِلَافِ إلَيْهِ وَ الأخْذِ عَنْهُ.

    1. يقول في «أقرب الموارد»: عَنْوَنَ الكِتَابَ عَنْوَنَةً: كَتَبَ عُنْوَانَهُ؛ وَ يُقَالُ: عَنْوَنَهُ و عَنَّهُ و عَنَّنَهُ و عَنَّاهُ. وَ الاسْمُ: العُنْوَانُ؛ عُنْوَانُ الكِتَابِ وَ عِنْوَانُهُ وَ عُنْيَانُهُ وَ عِنْيَانُهُ: سِمَتُهُ وَ دِيبَاجَتُهُ؛ سُمِّيَ بِهِ لأنَّهُ يَعِنُّ لَهُ مِنْ نَاحِيَتِهِ. وَ أصْلُهُ عُنَّانُ كَرُمَّانِ. و كُلُّ مَا اسْتَدْلَلْتَ بِشَي‌ءٍ يُظْهِرُكَ عَلَي غَيْرِهِ فَعُنوَانٌ لَهُ؛ يُقَالُ: «الظَّاهِرُ عُنْوَانُ البَاطِنِ».
    2. يقول في «أقرب الموارد»: أتَى -ض- أتْياً وَ إتْيَاناً و إتْيَانَةً؛ وَ مأتَاةً وَ اتِيَّاً (وَ يُكْسَرُ) عَلَي الشَّي‌ءِ: أنْفَدَهُ وَ بَلَغَ آخِرَهُ وَ مَرَّ بِهِ؛ وَ عَلَيهِ الدَّهْرُ: أهْلَكَهُ.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

192
  • فَدَخَلْتُ مَسْجِدَ الرَّسُولِ صلّى اللهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْتُ عَلَيهِ ثُمَّ رَجَعْتُ مِنَ الغَدِ إلى الرَّوْضَةِ۱ وَ صلّيتُ فِيهَا رَكْعَتَيْنِ وَ قُلْتُ: أسْألُكَ يَا اللهُ يَا اللهُ! أنْ تَعْطِفَ عَلَيّ قَلْبَ جَعْفَرٍ وَ تَرْزُقَنِي مِنْ عِلْمِهِ مَا أهْتَدِي بِهِ إلى صِرَاطِكَ المُسْتَقِيمِ!

  • وَ رَجَعْتُ إلى دَارِي مُغْتَمَّاً وَ لَمْ أخْتَلِفْ إلى مَالِكِ بْنِ أنَسٍ لِمَا اشْرِبَ قَلْبِي مِنْ حُبِّ جَعْفَرٍ. فَمَا خَرَجْتُ مِنْ دَارِي إلَّا إلى الصَّلَاةِ المَكْتُوبَةِ حتّى عِيلَ صَبْرِي.

  • فَلَمَّا ضَاقَ صَدْرِي تَنَعَّلْتُ وَ تَرَدَّيْتُ وَ قَصَدْتُ جَعْفَراً وَ كَانَ بَعْدَ مَا صلّيتُ العَصْرَ. فَلَمَّا حَضَرْتُ بَابَ دَارِهِ اسْتَأذَنْتُ عَلَيهِ فَخَرَجَ خَادِمٌ لَهُ فَقَالَ: مَا حَاجَتُكَ؟! فَقُلْتُ: السَّلَامُ على الشَّرِيفِ!

  • فَقَالَ: هُوَ قَائِمٌ في مُصَلَّاهُ. فَجَلَسْتُ بِحِذاءِ بَابِهِ، فَمَا لَبِثْتُ إلَّا يَسِيراً. إذْ خَرَجَ خَادِمٌ فَقَالَ: ادْخُلْ على بَرَكَةِ اللهِ. فَدَخَلْتُ وَ سَلَّمْتُ عَلَيهِ. فَرَدَّ السَّلَامَ وَ قَالَ: اجْلِسْ غَفَرَ اللهُ لَكَ!

  • فَجَلَسْتُ‌. فَأطْرَقَ مَلِيَّاً، ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ وَ قَالَ: أبُو مَنْ؟!

  • قُلْتُ: أبُو عَبْدِ اللهِ!

  • قَالَ: ثَبَّتَ اللهُ كُنْيَتَكَ وَ وَفَّقَكَ؛ يَا أبَا عَبْدِ اللهِ! مَا مَسْألَتُكَ؟!

  • فَقُلْتُ في نَفْسِي: لَوْ لَمْ يَكُنْ لِي مِنْ زِيَارَتِهِ وَ التَّسْلِيمِ غَيْرُ هَذَا الدُّعَاءِ

    1. المقصود بالروضة: الموضع الواقع بين القبر المطهّر للرسول الأكرم صلّى الله عليه و آله و منبره. روى الكلينيّ في «فروع الكافي»، ج ٤، ص ٥٥٣ و ٥٥٤، كتاب الحجّ، باب المنبر و الروضة و مقام النبيّ، طبعة دار الكتب الإسلاميّة، طهران، سنة ۱٣٩۱: أنّ رسول الله صلّى الله عليه و آله قال: مَا بَيْنَ بَيْتِي وَ مِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ. و قد أورد هذه الرواية المحقّق الفيض الكاشانيّ في «المحجّة البيضاء» ج ٢، ص ۱۸۷، طبعة مكتبة الصدوق، من كتاب «أسرار الحجّ» بلفظ: مَا بَيْنَ قَبْرِي وَ مِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِياضِ الجَنَّةِ.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

193
  • لَكَانَ كَثِيراً. ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ ثُمَ‌ قَالَ: مَا مَسْألَتُكَ؟!

  • فَقُلْتُ: سَألْتُ اللهَ أنْ يَعْطِفَ قَلْبَكَ عَلَيّ وَ يَرْزُقَنِي مِنْ عِلْمِكَ؛ وَ أرْجُو أنَّ اللهَ تعالى أجَابَنِي في الشَّرِيفِ مَا سَألْتُهُ.

  • فَقَالَ: يَا أبَا عَبْدِ اللهِ! لَيْسَ العِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، إنَّمَا هُوَ نُورٌ يَقَعُ في قَلْبِ مَنْ يُرِيدُ اللهُ تَبَارَكَ وَ تعالى أنْ يَهْدِيَهُ؛ فَإنْ أرَدْتَ العِلْمَ فَاطْلُبْ أوَّلًا في نَفْسِكَ حَقِيقَةَ العُبُودِيَّةِ، وَ اطْلُبِ العِلْمَ بِاسْتِعْمَالِهِ، وَ اسْتَفْهِمِ اللهَ يُفْهِمْكَ!

  • قُلْتُ: يَا شَرِيفُ! فَقَالَ: قُلْ: يَا أبَا عَبْدِ اللهِ!

  • قُلْتُ‌: يَا أبَا عَبْدِ اللهِ! مَا حَقِيقَةُ العُبُودِيَّةِ؟!

  • قَالَ: ثَلَاثَةُ أشْيَاءَ: أنْ لَا يَرَى العَبْدُ لِنَفْسِهِ فِيمَا خَوَّلَهُ اللهُ مِلْكاً، لأنَّ العَبِيدَ لَا يَكُونُ لهم مِلْكٌ؛ يَرَوْنَ المَالَ مَالَ اللهِ يَضَعُونَهُ حَيْثُ أمَرَهُمُ اللهُ بِهِ. وَ لَا يُدَبِّرَ العَبْدُ لِنَفْسِهِ تَدْبِيراً. وَ جُمْلَةُ اشْتِغَالِهِ فِيمَا أمَرَهُ تعالى بِهِ وَ نَهَاهُ عَنْهُ.

  • فَإذَا لَمْ يَرَ العَبْدُ لِنَفْسِهِ فِيمَا خَوَّلَهُ اللهُ تعالى مِلْكاً، هَانَ عَلَيهِ الإنْفَاقُ فِيمَا أمَرَهُ اللهُ تعالى أنْ يُنْفِقَ فِيهِ. وَ إذَا فَوَّضَ العَبْدُ تَدْبِيرَ نَفْسِهِ على مُدَبِّرِهِ، هَانَ عَلَيهِ مَصَائِبُ الدُّنْيَا. وَ إذَا اشْتَغَلَ العَبْدُ بِمَا أمَرَهُ اللهُ تعالى وَ نَهَاهُ، لَا يَتَفَرَّغُ مِنْهُمَا إلى المِرَاءِ وَ المُبَاهَاةِ مَعَ النَّاسِ.

  • فَإذَا أكْرَمَ اللهُ العَبْدَ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ هَانَ عَلَيهِ الدُّنْيَا، وَ إبْلِيسُ، وَ الخَلْقُ. وَ لَا يَطْلُبُ الدُّنْيَا تَكَاثُراً وَ تَفَاخُراً، وَ لَا يَطْلُبُ مَا عِنْدَ النَّاسِ عِزَّاً وَ عُلُوَّاً، وَ لَا يَدَعُ أيَّامَهُ بَاطِلًا.

  • فَهَذَا أوَّلُ دَرَجَةِ التُّقَى؛ قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَ تعالى:

  • ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

194
  • وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾.۱

  • قُلْتُ: يَا أبَا عَبْدِ اللهِ! أوْصِنِي!

  • قَالَ: اوصِيكَ بِتِسْعَةِ أشْيَاءَ، فَإنَّهَا وَصِيَّتِي لِمُرِيدِي الطَّرِيقِ إلى اللهِ تعالى؛ وَ اللهَ أسْألُ أنْ يُوَفِّقَكَ لِاسْتِعْمَالِهِ.

  • ثَلَاثَةٌ مِنْهَا في رِيَاضَةِ النَّفْسِ، وَ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا في الحِلْمِ، وَ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا في العِلْمِ. فَاحْفَظْهَا؛ وَ إيَّاكَ وَ التَّهَاوُنَ بِهَا!

  • قَالَ عِنْوَانٌ: فَفَرَّغْتُ قَلْبِي لَهُ.

  • فَقَالَ: أمَّا اللَوَاتِي في الرِّيَاضَةِ:

  • فَإيَّاكَ أنْ تَأكُلَ مَا لَا تَشْتَهِيهِ، فَإنَّهُ يُورِثُ الحَمَاقَةَ وَ البَلَهَ. وَ لَا تَأكُلْ إلَّا عِنْدَ الجُوعِ. وَ إذَا أكَلْتَ فَكُلْ حَلَالًا وَ سَمِّ اللهَ، وَ اذْكُرْ حَدِيثَ الرَّسُولِ صلّى اللهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ: مَا مَلأ آدَمِيّ وِعَاءً شَرّاً مِنْ بَطْنِهِ. فَإنْ كَانَ وَ لا بُدَّ فَثُلْثٌ لِطَعَامِهِ وَ ثُلْثٌ لِشَرَابِهِ وَ ثُلْثٌ لِنَفَسِهِ.٢

  • وَ أمَّا اللَوَاتِي في الحِلْمِ:

  • فَمَنْ قَالَ لَكَ: إنْ قُلْتَ وَاحِدَةً سَمِعْتَ عَشْراً، فَقُلْ: إنْ قُلْتَ عَشْراً لَمْ تَسْمَعْ وَاحِدَةً. وَ مَنْ شَتَمَكَ فَقُلْ لَهُ: إنْ كُنْتَ صَادِقاً فِيمَا تَقُولُ فَأسْألُ اللهَ أنْ يَغْفِرَ لِي؛ وَ إنْ كُنْتَ كَاذِباً فِيمَا تَقُولُ فَاللهَ أسْألُ أنْ يَغْفِرَ لَكَ.

  • وَ مَنْ وَعَدَكَ بِالخَنَا فَعِدْهُ بِالنَّصِيحَةِ وَ الرَّعَاءِ.

  • وَ أمَّا اللَوَاتِي في العِلْمِ:

  • فَاسْألِ العُلَمَاءَ مَا جَهِلْتَ؛ وَ إيَّاكَ أنْ تَسْألَهُمْ تَعَنُّتاً٣ وَ تَجْرِبَةً. وَ إيَّاكَ‌

    1. الآية ۸٣، من السورة ٢۸: القصص.
    2. كان من ضمن كلام السيّد الحدّاد قوله: أنت تأكل ما يلزمك من الغذاء، أمّا ما زاد عليه فإنّ الغذاء يأكلك.
    3. يقول في «أقرب الموارد»: تَعَنَّتَهُ: أدْخَلَ عَلَيهِ الأذَي وَ طَلَبَ زَلَّتَهُ وَ مشَقَّتَهُ. يُقَالُ: جَاءَهُ مُتَعَنِّتاً، أيْ طَالِباً زَلَّتَهُ. وَ في السُّؤَالِ: سَألَهُ عَلَي جِهَةِ التَّلْبِيسِ عَلَيهِ. وَ رُبَّمَا عُدِّيَ بـ «عَلَي».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

195
  • أنْ تَعْمَلَ بِرَأيِكَ شَيْئاً؛ وَ خُذْ بِالاحْتِيَاطِ في جَمِيعِ مَا تَجِدُ إلَيْهِ سَبِيلًا. وَ اهْرَبْ مِنَ الفُتْيَا هَرْبَكَ مِنَ الأسَدِ؛ وَ لَا تَجْعَلْ رَقَبَتَكَ لِلنَّاسِ جِسْراً!

  • قُمْ عَنِّي يَا أبَا عَبْدِ اللهِ! فَقَدْ نَصَحْتُ لَكَ، وَ لَا تُفْسِدْ عَلَيّ وِرْدِي؛ فَإنِّي امْرُءٌ ضَنِينٌ بِنَفْسِي. ﴿وَ السَّلامُ عَلى‌ مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى﴾.۱

  • تعاليم المرحوم القاضي وصيّة من الإمام الصادق المقتبسة من القرآن‌

  • و بالتأمّل و التدقيق في المطالب الواردة في هذا الحديث المبارك في مراده، و العظيم في مفاده، تتَّضح لنا درجة السمو و الرفعة التي ارتقت إليها تعاليم آية الحقّ و العرفان، و سند التحقيق و الإيقان، و عماد البصيرة و البرهان: الحاجّ السيّد علي القاضي قدّس الله تربته الزكيّة. فلقد كان يعطي هذه التعاليم التي تنصبّ بشكل كامل في طريق الإعراض عن مشاعر العداء و الانتقام و كسر صولة النفس الأمّارة، و العثور على نافذة للإطلال على عالم المعنى و التجرّد و الملكوت، و من ثمّ لعرفان ذات الحقّ تعالى و اندكاك الوجود المعار المجازيّ في الوجود المطلق و الوجود المحض و الصرف السرمديّ الأزليّ الأبديّ الذي لا يُتناهى لذاته القدسيّة.

  • فرواية عنوان البصريّ ينبغي أن تُؤَلَّف الكتب في شرحها و تفصيلها، و بالرغم من أنّ ذلك قد حصل فعلًا، إلّا أنّ تلك الكتب لم تأت باسم شرح رواية عنوان البصريّ. أ وَ ليس كتاب «إحياء الإحياء» القيّم الجليل للفيض الكاشانيّ الذي دعاه بـ «المحجّة البيضاء» و كتاب «جامع السعادات» للحاجّ الملّا مهدي النراقيّ جدّنا الجليل، و كتاب «عدّة الداعي»

    1. «بحار الأنوار» ج ۱، ص ٢٢٤ إلي ٢٢٦، كتاب العلم، الباب ۷: باب آداب طلب العلم و أحكامه، الحديث ۱۷، الطبعة الحروفيّة، المطبعة الحيدريّة.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

196
  • و غيرها من الكتب بالحمل الشائع الصناعيّ غير شرح و تفصيل هذه المطالب القيّمة؟!

  • و لقد استشهد الإمام الصادق عليه السلام في هذه الرواية بهذه الآية المباركة: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾‌. يعني: أيّها السيّد هاشم! إن كنتَ تطلب عالم النور و التجرّد و المنزل الباقي و الخالد للقاء الله و الورود في حرم أمنه و أمانه، و إن كنت تفتِّش عن رضا المحبوب، و إن جعلتَ همّك الأكبر في عرفان الذات القدسيّة، و إن كنت قد عشقته فعلًا، فأنت تسعى لوصال المعشوق و نيل المُنى؛ فليس أمامك من سبيل إلّا التسامي و التعالي و التنزّه عن الفساد في الأرض.

  • و إن كنت جادّاً في السعي لنيل ذلك المقام المنيع، فعليك الإغماض عن أذى امّ زوجتك و تجاهله، و إلّا فلو رددتَ عليها و جازيتها على فعلها أو طلّقت زوجتك -مع أنّ ذلك حقّك الشرعيّ- فإنّك لن تصل إلى هذا المقام. فهذا هو الشرع الأعلى، و الجهاد الأكبر، و هذه هي الهجرة الكبرى؛ و ينبغي تطبيق هذه التعاليم بصورة صحيحة للوصول إلى ذلك الهدف.

  • تعاليم الإمام الصادق عليه السلام متّخذة من آيات القرآن المعجزة الخالدة

  • و لقد كانت تعاليم الإمام جعفر الصادق عليه السلام في هذه الرواية أيضاً مُتّخذة من آيات القرآن الكريم المعجزة في قوله:

  • ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ﴾‌.۱

  • أو قوله‌: ﴿وَ عِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً﴾.٢

    1. الآية ۱٩٩، من السورة ۷: الأعراف.
    2. الآية ٦٣، من السورة ٢٥: الفرقان.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

197
  • حتّى يصل إلى قوله:

  • ﴿وَ الَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً﴾.۱

  • و لدينا في القرآن الكريم أن: ﴿لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾‌٢؛ حيث إنّ الوصول إلى لقاء الأحديّة و مشاهدة الجمال و الجلال الأزليّ هو من أفضل أقسام البرّ و الخير، و لن يكون ميسوراً بالطبع، إلّا إذا صرف سالك طريق الله نظره عمّا يملك و أنفقه في سبيل الوصول لهذا الهدف الأعلى و المقصد الأسنى.

  • كما أنّ مخاصمة و شتم المخاصم المعتدي، و الردّ عليه بالمثل هي من الغرائز الطبيعيّة للإنسان، و من الطبيعيّ أن يرغب كلّ شخص في إحقاق حقّه و الاقتصاص من شاتمه، لكنّ هذه الرغبات ناشئة جميعاً من الأهواء و الرغبات النفسيّة؛ فما لم يتخطّ الإنسان رغبات نفسه و آثارها، فلن يصل إلى ما وراء النفس. فالتجرّد عن الهوى و الهوس تجرّد عن الميول و الرغبات النفسيّة، كما أنّ الإصرار و الإبقاء على المشتهيات النفسيّة و اللذائذ الطبيعيّة و الانغماس في الشهوات الحيوانيّة و الأوهام الشيطانيّة و ثورات الغضب السبعيّة كلّ ذلك يجعل وصول الإنسان إلى مقام التجرّد محالًا، لأنّه يمثل الجمع بين النقيضَين.

  • التجرّد هو التنزّه من النفس و آثارها النفسانيّة، بينما الإصرار على مشتهيات النفس يعني الإصرار على إبقاء النفس و آثارها النفسانيّة، و هما أمران يقعان على طرفي نقيض. و من ثمّ ينبغي رفع اليد عن الرغبات و الميول النفسيّة و تجاهلها، ليتجلّى جمال زينة عالم ما وراء النفس.

    1. الآية ۷٢، من السورة ٢٥: الفرقان.
    2. الآية ٩٢، من السورة ٣: آل عمران.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

198
  • لقد كان سماحة الحاجّ السيّد هاشم الحدّاد يعدّ الكثير من أعمال الخير من حظوظ النفس، لأنّ النفس تلتذّ به، و كان يقول: إنّ المجالس التي يشكّلها بعض السالكين فيقرءون فيها الشعر، هي غالباً من حظوظ النفس، و مع أنّهم يحصلون فيها على لذّة معنويّة لكنّها تبقى من حظوظ النفس، كذلك الذين يأتون بالكثير من الأذكار و الأوراد لأغراض النفس و حظوظها.

  • فالقرآن الذي يتلونه، إن جذبهم فيه جمال جلده و ورقه و خطّه، و لو تلوه و هو على رَحْل مشبّك بحيث أثَّر ذلك الرحل في حال قراءتهم لكان ذلك من حظّ النفس. كما أنّ السجّادة البيضاء بلا نقوش أمر مطلوب و مقبول، في حين أنّ السجّاد الجميل الملوّن الذي تنتظمه النقوش هو من حظّ النفس. كذلك فإنّ تربة سيّد الشهداء عليه السلام أمر مطلوب لو كانت على هيئة القالب المعيّن المعهود المستعمل للسجود عليه في الصلاة و لو كان سطحها خشناً غير مستوٍ، أمّا لو اشترط فيها صفاء سطحها و صقله لتحوّلت إلى حظوظ النفس.

  • و من ثمّ ينبغي الانتباه بدقّة كم أنّ الشيطان قد وسّع دائرة نفوذه، بحيث إنّه يرغب في إعمال تأثيره في محلّ سجود المؤمن الشيعيّ، و ذلك على التربة الطاهرة لتلك الأرض المقدّسة.

  • كما أنّ المِسبحات الجميلة التي تؤثّر في ذِكر الإنسان هي جميعاً من حظّ النفس، و هكذا الأمر بالنسبة للعمامة و العباءة و الرداء و غيرها من الأشياء التي تؤثّر في عبادة و صلاة و دعاء و زيارة و تلاوة و ذِكر المؤمن و ورده.

  • و كان السيّد الحدّاد يقول: إنّ الرغبة في الأحلام و الرؤيا المعنويّة و الروحيّة هي من حظوظ النفس، كما أنّ طلب المكاشفات و الاتّصال بعالم‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

199
  • الغيب و الاطّلاع على الضمائر و العبور على الماء و الهواء و النار و التصرّف في موادّ الكائنات و شفاء المرضى هي بأجمعها من حظوظ النفس.

  • السيّد هاشم الحدّاد: لما ذا يطلب الناس مكاشفة؟! العالَم بأرجائه مكاشفة

  • و كان يقول: أعجبُ لتلك الجماعة من السالكين الذين يريدون المكاشفة! فليفتحوا أعينهم، فهذا العالم كلّه مكاشفات.

  • إن المكاشفة ليست مشاهدة صورة في زاوية على هيئة خاصّة و حالة استثنائيّة، بل إنّ كلّ كشف عن إرادة الحقّ و اختياره و علمه و قدرته و حياته هو مكاشفة. فافتح عينيك و تأمّل أنّ كلّ ذرّة في هذا العالم الخارجيّ مكاشفة، و أنّها تحوي عجائب و غرائب لا سبيل للفكر إلى منتهاها.

  • و إذا ما أراد السالك في السير و السلوك -أو في غير هذا الطريق عموماً- شيئاً غير الله، فإنّه لم يرد الله سبحانه، و ستكون إرادته و رغبته النفسيّة هذه مانعة من وصوله إلى ذات الحقّ القدسيّة.

  • فإن طلبتَ الجنّة، أو الحوريّة و الغلمان، فلن تكون قد طلبت الله أو أردته! و إن طلبت المقامات و الدرجات فمن الممكن أن يمنّ بها الله عليك، لكنّك لم ترد الله؛ لذا فقد تسمّرت في ذلك المقام و الدرجة و استحال عليك الارتقاء منها إلى أعلى منها، و ذلك لأنّك لم ترد و لم تطلب.

  • و لو جاءك جبرئيل مثلًا فقال لك: تَمَنَّ ما شئت من الدرجات و المقامات و السيطرة على الجنّة و الجحيم و خلّة سماحة النبيّ إبراهيم عليه السلام و مقام الشفاعة الكبرى لمحمّد صلّى الله عليه و آله و سلّم و الحبّ له، فقل: ما أنا إلّا عبد! و لا طلب للعبد في شي‌ء؛ فما أراده لي ربّي فهو المطلوب. و إن أنا أردتُ، لتخطّيت بذلك القدر من إرادتي المتعلّقة بي، ساحةَ عبوديّتي و لوضعتُ قدمي في ساحة عزّ الربوبيّة، لأنّ الإرادة و الاختيار مختصّان به وحده سبحانه.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

200
  • ﴿وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَ تَعالى‌ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾‌.۱

  • كما لا تقل: اريد الله! فمن تكون أنت -ترى- لتريد الله؟! فأنت لا تقدر و لن تقدر أن تريده و تطلبه! فهو غير محدود و أنت محدود و طلبك بنفسك و الناشئ عن نفسك محدود، فلن تقدر به أبداً أن تريد الله اللامتناهي أو أن تطلبه. و ذلك لأنّ الإله الذي تطلبه محدود في إطار طلبك و محدود و مقيّد بإرادتك، و وارد في حدود مجال نفسك بسبب طلبك، و ذلك الإله ليس هو الله، بل إنّ ذلك الإله المتصوَّر و المتوهَّم بتصوّرك و توهّمك، ليس في الحقيقة إلّا نفسك التي تصوّرتها إلهاً.

  • بناءً على هذا، عليك أن تكفّ عن طلبك، فادفن امنيتك هذه معك في القبر: أن ترى الله أو أن تصل إلى لقائه أو أن تطلبه! فعليك أن تخرج بنفسك من الطلب، و أن تترك طلبك و رغبتك التي كانت لك حتّى الآن، و أن تَكِلَ نفسك إلى الله و تدعه يُرِد لك و يطلب لك!

  • و ستكون في هذه الحالة غير واصل إلى الله، كما لم تصله قبل و لن تصله بعد؛ بَيدَ أنّك لمّا خرجت و تنصّلت من طلبك و إرادتك فأوليتَه زمامك و سلّمته قيادك، فإنّه سيقودك في معارج و مدارج الكمال الذي حقيقته السير إلى الله مع فناء المراحل و المنازل و آثار النفس، و اندكاك و فناء جميع وجودك في النهاية في وجود ذاته المقدّسة. فالله سبحانه هو العارف بنفسه، و لست أنت العارف بالله! إنّ وصول الممكن إلى الواجب أمر محال. فوجود شيئَين هناك محال.

  • إنّ الممكن و الواجب و الوصول هي بأجمعها ضمّ و ضميمة تستلزم‌

    1. الآية ٦۸، من السورة ٢۸: القصص.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

201
  • تركيب ذاته القدسيّة، و تنتهي أخيراً إلى حدوثه الذي ينافي قِدَمه سبحانه.

  • أمّا الفَناء المطلق للعبد و اندكاكه في ذاته تعالى، و اضمحلاله في جلاله و جماله فلا إشكال فيه! و لكن ينبغي العلم أنّ العبد لا يمكنه الورود في تلك الذات البحتة المحضة غير المتناهية، لأنّه عنوان العبد، أو عنوان فَناء العبد حيث لا تقبله الذات، و ليس هناك أيّ شي‌ء غير الذات، لا العبد و لا فَناؤه، بل هناك الذات؛ و الذات هي الذات. هناك الله، و الله هو الله.

  • كَانَ اللهُ وَ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَي‌ءٌ وَ الآن كَمَا كَانَ.۱

    1. يروي المرحوم الصدوق في كتاب «التوحيد» ص ۱۷۸ و ۱۷٩، باب نفي المكان و الزمان و الحركة عنه تعالى، طبعة مكتبة الصدوق، سنة ۱٣٩۸؛ و المرحوم المولى محسن الفيض في كتاب «الوافي» ج ۱، ص ٤۰٣، الطبعة الحروفيّة في إصفهان، مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، أبواب معرفة الله، باب إحاطته بكل شي‌ء؛ و المرحوم المجلسيّ في كتاب «بحار الأنوار» ج ٣، ص ٣٢۷، الحديث ٢۷، الطبعة الحروفيّة، المطبعة الحيدريّة، كتاب التوحيد، الباب ٤، و هذان الأخيران عن الصدوق حيث يروي الصدوق عن عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق، عن محمّد بن أبي عبد الله الكوفيّ، عن محمّد بن إسماعيل البرمكيّ، عن عليّ بن عبّاس، عن حسن بن راشد، عن يعقوب بن الجعفريّ، عن أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليهما السلام، أنّه قال:إنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَ تعالى كَانَ لَمْ يَزَلْ بِلَا زَمَانٍ وَ لا مَكَانٍ؛ وَ هُوَ الآنَ كَمَا كَانَ. لَا يَخْلوُ مِنْهُ مَكَانٌ وَ لَا يَشْغَلُ بِهِ مَكَانٌ وَ لَا يَحِلُّ في مَكَانٍ. مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ، وَ لَا خَمْسَةٍ إلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ، وَ لَا أدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَ لَا أكْثَرَ إلَّا هوَ مَعَهُمْ أيْنَما كَانُوا. لَيْسَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ خَلْقِهِ حِجَابٌ غَيْرُ خَلْقِهِ. احْتَجَبَ بِغَيْرِ حِجابٍ مَحْجُوبٍ، وَ اسْتَتَرَ بِغَيْرِ سَتْرٍ مَسْتُورٍ، لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الكَبِيرُ المُتَعَالِ.و أورد سماحة استاذنا العلّامة آية الله الطباطبائيّ قدّس الله نفسه الشريفة في كتاب «التوحيد» ص ٦، النسخة الخطّيّة للحقير: كَمَا في حَدِيثِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَليْهِمَا السَّلَامُ: كَانَ اللهُ وَ لَا شَي‌ءَ مَعَهُ؛ وَ هُوَ الآنَ كَمَا كَانَ.و ذكر المرحوم السيّد حيدر الآمليّ في موضعَين من «جامع الأسرار» طبعة المجمع الفرنسيّ لمعرفة إيران و شركة الانتشارات العلميّة و الثقافيّة، هذه العبارة: كَانَ اللهُ وَ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَي‌ءٌ وَ الآنَ كَمَا كَانَ؛ الموضع الأوّل: ص ٥٦، رقم ۱۱٢ في الأصل الأوّل في القاعدة الأولى: وَ بالنَّظَرِ إلى هَذَا المَقَامِ قَالَ أرْبَابُ الكَشْفِ وَ الشُّهُودِ: التَّوحِيدُ إسْقَاطُ الإضَافَاتِ؛ وَ قَالَ النَّبِيّ صلّى اللهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: كَانَ اللهُ وَ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَي‌ءٌ. وَ قَالَ العارِفُ: (وَ هُوَ) الآن كَمَا كَانَ. لأنَّ الإضَافَاتِ غَيْرُ مَوْجُوَدةٍ كَمَا مَرَّ. وَ أيْضاً «كَانَ» في كَلَامِ النَّبِيّ صلّى اللهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ بِمَعْنَى الحَالِ لَا بِمَعْنَى المَاضِي؛ مِثْلَ: ﴿كَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾.و الموضع الثاني: في الأصل الثالث، ص ٦٩٦، رقم ۱۸۱: لأنَّهُ تعالى دَائِماً «هُوَ» على تَنَزُّهِهِ الذَّاتِيّ وَ تَقدُّسِهِ الأزَلِيّ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيهِ السَّلَامُ: كَانَ اللهُ وَ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَي‌ءٌ، وَ لِقَوْلِ (بَعْضِ) عَارِفِي امَّتِهِ: وَ الآنَ كَمَا كَانَ. و المراد من «بعض عارفي امّته» الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام.و قد ورد في «الكلمات المكنونة» للفيض، ص ٣٣، الطبعة الحروفيّة، مؤسّسة انتشارات فراهاني: و لأنّ التعيّن أمر اعتباريّ، فإنّ ظهوره بواسطة نور سارٍ في الرُّتب. و حين سمع الجُنيد حديث كَانَ اللهُ وَ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَي‌ءٌ، قال: الآن كَمَا كَانَ. فادرجت هذه الإضافة مع الحديث. و ﴿كَانَ اللهُ﴾ فيها من قبيل: ﴿وَ كَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيماً﴾.و قد نقل المرحوم المجلسيّ في «بحار الأنوار» ج ٤، ص ٣۰٥، الحديث ٣٤، كتاب التوحيد، الباب ٤، من أبواب أسمائه تعالى، الطبعة الحروفيّة الحيدريّة، عن «توحيد الصدوق» ثمانية أبيات لأمير المؤمنين عليه السلام في جوابه على ذعلب أوردها في نهاية الخطبة، أوّلها:
      وَ لَمْ يَزَلْ سَيِّدِي بِالحَمْدِ مَعْرُوفاً***وَ لَمْ يَزَلْ سَيِّدِي بِالجُودِ مَوْصُوفاً
      فكتب استاذنا العلّامة في هامشها: الأشعار من أحسن الدليل على أن الخلقة غير منقطعة من حيث أوّلها، كما أنّها كذلك من حيث آخرها.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

202
  • المراد بعرفان الله، الفَناء في ذاته‌

  • و ينبغي أن يعلم الجميع أنّ المراد بلفظ الوصول و لقاء الذات الأحديّة و معرفتها ليس ذلك النحو من المعاني الذي يستلزم الثنائيّة و البينونة، بل المراد بالمعرفة و المشاهدة و اللقاء و أمثالها جميعاً هو الاندكاك و مقام الفناء المطلق. و ذلك لأنّ المعرفة بالله مختصّة بالله وحده، فمعرفته من قبل غيره أمر محال. فالأفراد الذين لم يصلوا إلى الفَناء المطلق لم يعرفوه‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

203
  • بعد، لأنّ المحدود لا يعرف غير المحدود. أمّا الأفراد الذين وصلوا إلى الفَناء المطلق فلم يعد لديهم وجود ليعرفوا الله، لأنّ الوجود هو وجود واحد لا غير، و هو وجود الحقّ جلّ و علا، فهو الذي يعرف نفسه، عرفها أوّلًا كما يعرفها الآنَ؛ و الآنَ كَمَا كَانَ.

  • إنّ نهاية سير كلّ موجود هو الفَناء في الموجود الأفضل و الأعلى منه، أي فناء كلّ ظهور في مُظهره، و كلّ معلول في علّته؛ و نهاية سير الإنسان الكامل الذي وصلت جميع قواه و إمكاناته إلى مرحلة الفعليّة هو الفناء في الذات الأحديّة و الفناء في ذات الله سبحانه، و الفناء في «هو»، و الفناء في ما لا اسم له و لا رسم له.

  • فهذه هي غاية سير كلّ موجود و غاية السير المتصوّرة للإنسان الكامل، و غاية سير الأنبياء و المرسلين و الأئمّة الطيّبين صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين، و المراد و المقصود الصحيح من المعرفة و نتيجة السلوك و السير نحو مقامه المقدّس جلّ شأنه و السير العمليّ العرفانيّ و البحوث العلميّة للعرفاء بالله علت أسماؤهم؛ لا شي‌ء آخر سواه.

  • فَتَأمَّلْ يَا أخِي في هَذَا المَقَامِ فَإنَّهُ مِنْ مَزَالِّ الأقْدَامِ. وَهَبَكَ اللهُ هَذَا بِمُحَمَّدٍ وَ آلِهِ أجْمَعِينَ.۱

    1. و لربّما أشار إلى هذا المعنى بيتا الشعر اللذان أنشدهما صدر المتألّهين الشيرازيّ في العشق و عرفان الله؛ قال:
      آنان كه ره دوست گزيدند همه***در كوى شهادت آرميدند همه‌
      در معركة دو كون فتح از عشق است***هر چند سپاه او شهيدند همه‌
      يقول: «إنّ اولئك الذين اختاروا سبيل الحبيب قد رقدوا جميعاً في طريق الشهادة.و لقد كان الفتح و الظفر بين الجانبَين من نصيب العشق مع أنّ جنده قد استشهدوا جميعاً».قيل إنّه لم ينشد بالفارسيّة غيرهما؛ لكنّه ذكر في تفسير سورة السجدة، طبعة أنتشارات بيدار، ص ۱۰ أبياتاً بالفارسيّة في عظمة القرآن، و في ص ٣٤ أبياتاً بالفارسيّة أيضاً في عظمة رسول الله و ارتباطها مع يوم الجمعة، و قال: أنشدتُ هذه الأبيات في حال الوجد.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

204
  • تشرّف الحاجّ السيّد الحدّاد بزيارة المرقد الإمام الرضا عليه السلام‌ 

  • تشرّف الحاجّ السيّد هاشم الحدّاد بزيارة المرقد المطهّر 

  • للإمام الثامن الضامن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام‌

  • و إقامته عشرة أيّام في ذلك البلد المبارك‌

  •  

  • استعدّ سماحة الحاجّ السيّد هاشم للسفر إلى خراسان، و كان يرغب بالسفر في الحافلات العاديّة، لكنّ زوجته -امّ مهدي- التي لم يسبق لها السفر بالطائرة، أصرّت على أن يكون سفرهم من طهران إلى مشهد للتشرّف بالزيارة بواسطة الطائرة، فوافقها السيّد على ذلك. لذا فقد سافرا بالطائرة و تبعهم بالسيّارات بقيّة الرفقاء للتشرّف بالزيارة، و كان عددهم يقرب من خمسة عشر شخصاً من طهران و غيرها.

  • و لا يخفى أنّ الحقير كان في نيّته اصطحاب ولديه الكبيرين - السيّد محمّد صادق، و له من العمر ثلاث عشرة سنة، و السيّد محمّد محسن و له من العمر إحدى عشرة سنة و نصف و لم يكن في نيّتي اصطحاب أخيهما الأصغر منهما -و اسمه السيّد أبو الحسن و له ثمان سنين- فقد كان الأوّلان يستطيعان إدارة امورهما بنفسهما تقريباً، أمّا بالنسبة لهذا الطفل الصغير فقد كان الأمر صعباً، لذا فلم أقطع له -كأخويهـ تذكرة للسفر حين أعددت تذاكر السفر بالسيّارة مع الرفقاء. و حين عرف سماحة السيّد الحدّاد بذلك قال: أيّها السيّد محمّد الحسين! لِمَ لَم تقطع تذكرة سفر للسيّد أبي الحسن؟!

  • قلت: إنّه طفل صغير، و سيبقى مع امّه. فردّ قائلًا: كلّا، إنّ السيّد

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

205
  • أبا الحسن كبير، فاقطع له تذكرة هو الآخر!

  • قلت: سأفعل ذلك. و هكذا فقد قطعت له تذكرة معنا. و قد وصلنا مشهد بالسيّارة مع الرفقاء، و صادف وصولنا بعد وصول السيّد الحدّاد. و كان الصديق العزيز الحاجّ عبد الجليل محيي (أبو أحمد) قد جاء كذلك إلى مشهد مع عائلته و أعدّ مكاناً مستقلًّا للسيّد و له. و مع أنّ ذلك المكان كان واسعاً نسبيّاً إلّا أنّه لم يكن ليتّسع لحلول جميع الرفقاء، لذا فقد ضمّ إليه مكاناً آخر، فكان السيّد يتردّد على هذين المكانَين في الأيّام العشرة من إقامته.

  • و كان من دأب السيّد حين يتشرّف بزيارة الحرم المطهّر، أن يغتسل أوّلًا، ثمّ يُقبّل باب الصحن كلّما ورده، ثمّ يُقبّل باب محلّ خلع الأحذية و إيداعها، ثمّ باب الرواق و باب الحرم. و كان عند وروده يقبّل العتبة المباركة بعد الاستئذان، ثمّ يطوف بالقبر الشريف سبعة أشواط قبل أن يزور، و يبدأ طوافه من جانب اليسار، ثمّ يزور الإمام و يصلّي عند رأس الإمام عليه السلام أو حيثما أمكن ذلك. و كان الحقير مع جميع الرفقاء الذين تشرّفوا للزيارة معه و في معيّته نزور على هذا النحو، فنقبّل إطار الأبواب، و نطوف سبعة أشواط، ثمّ نزور و نصلّي.

  • و باعتبار أنّ فعل أولياء الله حجّة، فقد دأب الحقير حتّى الآن على هذا النحو في الزيارة، من تقبيل الأبواب و الطواف، أي إلى الزمن الذي لم يكونوا قد وضعوا عند الضريح المطهّر حائلًا يفصل بين الرجال و النساء. فكان الحقير يفعل ذلك لمدّة أربع عشرة سنة تقريباً كلّما وُفِّق للزيارة في أشهر الصيف و بعض الأوقات الاخرى، كشهر رجب أو في الثالث و العشرين من ذي القعدة الحرام. و كنت أقوم بالطواف بهذه الأشواط السبعة بناءً على متابعة سماحة السيّد الحدّاد.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

206
  • و أجد لزاماً هنا أن أقوم ببيان هذا المطلب لسائر الإخوة في الدين و الأخلّاء الروحانيّين سواء بالنسبة إلى الطواف أم في تقبيل العتبة المباركة، و بإيراد بحث فقهيّ بهذا الشأن للبرهنة على جواز الطواف و جواز تقبيل العتبة في كلّ من المراقد الشريفة للأئمّة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين.

  • بحث الدليل الفقهي على جواز الطواف حول أضرحة الائمّة الاطهار

  • بحث فقهيّ في جواز الطواف‌

  • حول أضرحة الأئمّة الأطهار عليهم السلام‌

  •  

  • أقول: عقد الشيخ الحرّ العامليّ عامله الله بلطفه في كتاب مزار «وسائل الشيعة» (ج ٢، ص ٤۱۱، طبعة أمير بهادر) باباً في عدم جواز الطواف بالقبور، ذكر فيه روايتَين لعدم الجواز.

  • الاولى: محمّد بن عليّ بن الحسين في «العِلَل» عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: لَا تَشْرَبْ وَ أنْتَ قَائِمٌ، وَ لَا تَطُفْ بِقَبْرٍ، وَ لَا تَبُلْ في مَاءٍ نَقِيعٍ. فَإنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَأصَابَهُ شَيْ‌ءٌ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ‌ (الحديث). و تتمّة الحديث هي: وَ مَنْ فَعَلَ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ يُفَارِقُهُ إلَّا مَا شَاءَ اللهُ.

  • الثانية: محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن صفوان، عن العلاء، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام أنّه قال: لَا تَشْرَبْ وَ أنْتَ قَائِمٌ، وَ لَا تَبُلْ في مَاءٍ نَقِيعٍ، وَ لَا تَطُفْ بِقَبْرٍ (الحديث).

  • أخبار «لا تَطُفْ بِقَبْرٍ» قويّة سنداً، لكنّها خارجة عن المقام دلالةً

  • و أقول: هاتان الروايتان بالرغم من قوّتهما من جهة السند، لأنّ كليهما رواية صحيحة؛ لكنّهما -من جهة الدلالة- غير راجعتَين إلى‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

207
  • الطواف بمعنى الدوران حول شي‌ء، بل إنّهما غريبتان عن المقام تماماً. فالمراد بالطوف بالقبر في هذين الحديثَين هو التغوّط، لا الطواف و الدوران حول القبر. يشهد على هذا الكلام عبارة الطُّرَيْحيّ في «مجمع البحرين» حيث يقول في مادّة طَوَفَ: و الطَّوْفُ: الغائطُ، و منه الخبر: لَا يُصَلِّ أحَدُكُمْ وَ هُوَ يُدَافِعُ الطَّوْفَ. و منه الحديث: لَا تَبُلْ في مُسْتَنْقَعٍ وَ لَا تَطُفْ بِقَبْرٍ!

  • و مضافاً إلى ذلك، فإنّ فقرات الحديث التي تتحدّث عن الشرب حال القيام و التبوّل في الماء الراكد النقيع تناسب التغوّط على القبور و لا تناسب الطواف و الدوران حولها، و خاصّة مع ورود التعليل في الرواية الأولى في أنّ من ارتكب هذه الامور: فَإنْ أصَابَهُ شَي‌ءٌ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ؛ و الذي يناسب التغوّط الذي يفعله الإنسان، فلربّما لدغته عقرب أو حيّة، خاصّة في الأزمنة التي كان التغوّط فيها على القبور في المقابر أمراً شائعاً، فقد كانت الحيّات و العقارب و سائر الحشرات و الهوامّ الأرضيّة تكثر في المقابر. كما أنّ التغوّط على قبور المؤمنين يسبّب هتك حُرْمَة و يمنع من نزول الملائكة.

  • و مضافاً إلى قولنا، فإنّ الشاهد و الدليل على جواز الطواف رواية أخرى يذكرها في «الوسائل»:

  • عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى [وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أحْمَدَ - خ ل‌] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ، عَنْ أحْمَدَ بْنِ الحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الطَّيِّبِ، عَنْ عَبْد الوَهَّابِ ابْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أبي العَلَاءِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أكْثَمَ في حَدِيثٍ.

  • قَالَ: بَيْنَا أنَا ذَاتَ يَوْمٍ دَخَلْتُ أطُوفُ بِقَبْرِ رَسُولِ اللهِ، فَرَأيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيّ الرِّضَا يَطُوفُ بِهِ، فَنَاظَرْتُهُ في مَسَائِلٍ عِنْدِي (الحديث).

  • و يذكر صاحب «الوسائل» هنا محامل لهذه الرواية ليمكنه الجمع بين‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

208
  • مفادها في جواز الطواف و بين تينك الروايتَين، فيقول:

  • أقُولُ: هَذَا غَيْرُ صَرِيحٍ في أكْثَرَ مِنْ دَوْرَةٍ وَاحِدَةٍ لأجْلِ إتْمَامِ الزِّيَارَةِ وَ الدُّعَاءِ مِنْ جَمِيعِ الجِهَاتِ، كَمَا وَرَدَ في بَعْضِ الزِّيَارَاتِ لَا بِقَصْدِ الطَّوَافِ. على أنَّهُ مَخْصُوصٌ بِقَبْرِ رَسُولِ اللهِ، وَ لَا يَدُلُّ على غَيْرِهِ مِنَ الأئَمَّةِ وَ لَا غَيْرِهِمْ؛ وَ القياسُ بَاطِلٌ. وَ رَاوِيهِ عَامِّيّ ضَعِيفٌ وَ قَدْ تَفَرَّدَ بِروَايَتِهِ. وَ يُحْتَمَلُ كَوْنُ الطَّوَافِ فِيهِ بِمَعْنَى الإلْمَام وَ النُّزُولِ كَمَا ذَكَرَهُ عُلَمَاءُ اللُّغَة، وَ هُوَ قَرِيبٌ مِنْ معنى الزِّيَارَةِ. وَ يُحْتَمَلُ الحَمْلُ على التَّقِيَّةِ بِقَرِينَةِ رَاوِيهِ، لأنَّ العَامَّةَ يُجَوِّزُونَهُ، وَ الصُّوفِيَّةُ مِنَ العَامَّةِ يَطُوفُونَ بِقُبُورِ مَشَايِخِهِمْ؛ وَ اللهُ أعْلَمُ - انتهى.

  • لكن الأمر هو ما ذكرناه هنا، و الذي أخذنا فيه معنى الطواف بمعنى التغوّط. لذا فإنّ هاتَين الروايتَين تخرجان عن عهدة الاستدلال بهما، كما أنّ هذه المحامل و التأويلات التي ذكرها الشيخ الحرّ في هذه الرواية الأخيرة ليست صحيحة على الإطلاق، فالمتعيّن في معنى الطواف في هذه الرواية الأخيرة هو الطواف. و نورد هنا لدعم كلامنا شواهد من كتب لغويّة أخرى:

  • ۱- يقول في شرح «قاموس اللغة» (بالفارسيّة) في مادّة طَوَفَ: و الطَّوْف بمعنى الغائط. طَافَ أي جلس للتغوّط، مثل اطّافَ من باب الافتعال.

  • ٢- يقول في «صحاح اللغة»: وَ الطَّوْفُ: الغَائِطُ، تَقَولُ مِنْهُ: طَافَ يَطُوفُ طَوْفاً و اطَّافَ اطِّيَافاً: إذَا ذَهَبَ إلى البَرَازِ لِيتَغَوَّطَ.

  • ٣- و يقول في «تاج العروس»: وَ الطَّوْفُ: الغَائِطُ وَ هُوَ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ الرِّضَاعِ، وَ أمَّا مَا كَانَ قَبْلَهُ فَهُوَ عِقْيٌ؛ قَالَهُ الأحْمَرُ. وَ في الحَدِيثِ: لَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ على طَوْفِهِمَا! وَ في حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ:

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

209
  • لَا يُصَلِّيَنَّ أحَدُكُمْ وَ هُوَ يُدَافِعُ الطَّوْفَ وَ البَوْلَ. وَ في كَلَامِ الرَّاغِبِ مَا يَدُلُّ على أنَّهُ مِنَ الكِنَايَةِ. وَ طَافَ يَطُوفُ طَوْفاً: إذَا ذَهَبَ إلى البَرَازِ لِيَتَغَوَّطَ. وَ زَادَ ابْنُ الأعْرَإبِيّ: كَاطَّافَ اطِّيَافاً إذَا ألْقَى مَا في جَوْفِهِ، وَ أنْشَدَ:

  • عَشَّيْتُ جَابان حتّى اسْتَدَّ مَغْرِضُهُ‌***وَ كَادَ يَنقَدُّ إلَّا أنَّه اطَّافَا
  • ٤- و ذكر في «لسان العرب» ما يشبه ما نقلنا عن «تاج العروس».

  • وَ العِقْيُ كَمَا ذَكَرَهُ اللُّغَوِيُّونَ: شَي‌ءٌ لَزِجٌ أسْوَدُ يَخْرُجُ مِنْ بَطْنِ المَوْلُودِ قَبْلَ أنْ يَأكُلَ وَ يَشْرَبَ.

  • بحث للعلّامة المجلسيّ في جواز الطواف حول أضرحة الائمّة الاطهار

  • و قد أورد جدّنا العلّامة المجلسيّ رضوان الله تعالى عليه في هذا الشأن بحثاً بليغاً أدّى فيه حقّ البحث، لذا نذكر نصّ بحثه هنا، فبعد أن نقل الرواية الأولى عن «علل الشرايع» قال في بيانه لها:

  • يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنِ الطَّوَافِ بالعَدَدِ المَخْصُوصِ الذي يُطَافُ بِالبَيْت، وَ سَيَأتِي في بَعْضِ الزّيَارَاتِ [الجَامِعَةِ: بِأبِي وَ امِّي يَا آلَ المُصْطَفَى إلَّا أنَّا لَا نَمْلِكُ‌]۱ إلَّا أنْ نَطُوفُ حَوْلَ مَشَاهِدِكُمْ. وَ في الرِّوَايَاتِ: قَبِّلْ جَوَانِبَ القَبْرِ.

  • ثمّ يروي الرواية الواردة بشأن الطواف في كتاب «الكافي» عن جواد الأئمّة الإمام محمّد التقيّ عليه السلام بنفس الإسناد عن يحيي بن أكثم، فيقول في ذيلها:

  • وَ الأحْوَطُ أنْ لَا يَطُوفَ إلَّا للإتْيَانِ بِالأدْعِيَة وَ الأعْمَالِ المَأثُورَةِ، وَ إنْ أمْكَنَ تَخْصِيصُ النَّهْيِ بِقَبْرِ غَيْرِ المَعْصُومِ، إنْ كَانَ مُعَارِضٌ صَرِيحٌ. وَ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المُرَادُ بِالطَّوَافِ المَنْفِيّ هُنَا التَّغَوُّطَ.

    1. ما بين المعقوفتَين عبارة «سفينة البحار».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

210
  • ثمّ يقول بعده: قَالَ في «النِّهَايَة»: الطَّوْفُ: الحَدَثُ مِنَ الطَّعَامِ، وَ مِنْهُ الحَدِيثُ: نُهِيَ عَنْ مُتَحَدِّثَيْنِ على طَوْفِهِمَا، أيْ عِنْدَ الغَائِطِ. وَ يُؤَيِّدُ هَذَا الوَجْهَ أنَّهُ رَوَى الكُلَيْنِيّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أبي جَعْفَرٍ عَلَيهِ السَّلَامُ قَالَ:

  • مَنْ تَخَلَّى عِنْدَ قَبْرٍ، أوْ بَالَ قَائِماً، أوْ بَالَ في مَاءٍ قَائِمٍ، أوْ مَشَى في حِذَاءٍ وَاحِدٍ، أوْ شَرِبَ قَائِماً، أوْ خَلا في بَيْتٍ وَحْدَهُ، أوْ بَاتَ على غَمَرٍ۱، فَأصَابَهُ شَي‌ءٌ مِنَ الشَّيْطَانِ لَمْ يَدَعْهُ إلَّا أنْ يَشَاءَ اللهُ. وَ أسْرَعُ مَا يَكُونُ الشَّيْطَانُ إلى الإنْسَانِ وَ هُوَ على بَعْضِ هَذِهِ الحَالاتِ.

  • مَعَ أنَّهُ رُوِيَ أيْضاً بِسَنَدٍ آخَرَ فِيهِ ضَعْفٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ رَاوِي هَذَا الحَدِيثِ، عَنْ أحَدِهِمَا عَلَيهِمَا السَّلَامُ أنَّهُ قَالَ:

  • لَا تَشْرَبْ وَ أنْتَ قَائِمٌ، وَ لَا تَبُلْ في مَاءٍ نَقِيعٍ، وَ لَا تَطُفْ بِقَبْرٍ، وَ لَا تَخْلُ‌٢ في‌ بَيْتٍ وَحْدَكَ، وَ لَا تَمْشِ بِنَعْلٍ وَاحِدَةٍ! فَإنَّ الشَّيْطَانَ أسْرَعُ مَا يَكُونُ إلى العَبْدِ إذَا كَانَ على بَعْضِ هَذِهِ الحَالاتِ. وَ قَالَ: إنَّهُ مَا أصَابَ أحَداً شَي‌ءٌ على هَذِهِ الحَالِ فَكَادَ أنْ يُفَارِقَهُ إلَّا أنْ يَشَاءَ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ.

  • ثمّ قال: فَإنَّ كَوْنَ كُلّ مَا في هَذَا الخَبَرِ مَوْجُوداً في الخَبَرِ السَّابِقِ سِوَى قَوْلِهِ «لَا تَطُفْ بِقَبْرٍ»، مَعَ أنَّ فِيهِ مَكَانَهُ «مَنْ تَخَلَّى على قَبْرٍ»، لَا سِيَّمَا مَعَ اتِّحَادِ الرَّاوِي وَ اشْتِرَاكِ المَفْسَدَةِ المُتَرَتِّبَةِ فِيهِمَا، مَا يُورِثُ ظَنَّاً قَوِيَّاً بِكَوْنِ الطَّوْفِ هُنَا بِمَعْنَى التَّخَلِّي. وَ كَذَا اشْتِرَاكُ المَفْسَدَةِ وَ سَائِرِ الخِصَالِ بَيْنَ خَبَرِ الحَلَبِيّ وَ الخَبَرِ الأوَّلِ، يَدُلُّ على أنَّ الطَّوْفَ فِيهِ أيْضاً بِهَذَا المعنى.

    1. الغَمَر: الدَّسم و الزهومة من اللحم تبقي في اليدين.
    2. خَلَا يَخلُو خُلُوّاً و خَلَاءً الرجلُ: انفرد في مكانه.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

211
  • وَ لَا أظُنُّكَ تَرْتَابُ بَعْدَ التَّأمُّلِ الصَّادِقِ في الأخْبَارِ الثَّلَاثَةِ في أنَّ الأظْهَرَ مَا ذَكَرْنَا.

  • و حين يتأمّل أهل التحقيق في هذا الاستدلال فإنّهم سيرون أنّ المجلسيّ رحمة الله عليه قد أدّى في هذا البحث البليغ الذي أوردناه هنا، حقّ المطلب كما ينبغي. جَزَاهُ اللهُ خَيْراً.

  • و قد أوردنا كلامه من «البحار» ج ٢٢، من طبعة الكمبانيّ، الباب ٣، من مجلّد المزار، ص ٩؛ و ج ۱۰۰، من الطبعة الحيدريّة الباب الثالث من مجلّد المزار، الحديث ٣ إلى ٦، ص ۱٢٦ إلى ۱٢۸؛ كما أشار المحدِّث القمّيّ إلى هذه المطالب في «سفينة البحار» الطبعة الحجريّة، المجلّد الثاني، في مادّة طوَف، ص ٩٩.

  • بحث المحدِّث النوريّ في «مستدرك الوسائل» باب «جواز الطواف بالقبور»

  • و كذلك فقد قام المرحوم المحدِّث النوريّ الحاجّ الميرزا حسين أعلى الله مقامه بإيفاء المطلب حقّه في «مستدرك الوسائل» كتاب المزار، المجلّد الثاني ص ٢٢٦ و ٢٢۷، فقد عقد أوّلًا باباً دعاه: جواز الطواف حول القبور، خلافاً لصاحب «الوسائل» الذي كان قد عقد باباً في عدم جواز الطواف بالقبور. و قد اعتبر رأساً الطوف بمعنى الغائط و الحدث كما ذكرنا. و نورد هنا عين عباراته لئلّا نحرم من فوائدها:

  • ۷٢: بَابُ جَوَازِ الطَّوَافِ بِالقُبُورِ:

  • ۱- عَلِيّ بْنُ إبْرَاهِيمَ في تَفْسِيرِهِ، عَنْ أبِيهِ، عَنِ ابْنِ أبي عُمَيْرٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، وَ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أبي عَبْدِ اللهِ عَلَيهِ السَّلَامُ في حَدِيثٍ طَوِيلٍ في قِصَّةِ فَدَكٍ قَالَ في آخِرِهِ: وَ دَخَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَيهَا السَّلَامُ المَسْجِدَ وَ طَافَتْ بِقَبْرِ أبِيهَا وَ هي تَبْكِي وَ تَقُولُ: إنَّا فَقَدْنَاكَ فَقْدَ الأرْضِ وَابِلَهَا (الخبر).

  • وَ رَوَاهُ أحْمَدُ بْنُ عَليّ بْنَ أبي طَالِبٍ الطَّبَرْسِيّ في «الاحْتِجَاجِ» عَنْ‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

212
  • حَمَّادِ بْنَ عُثْمَانَ، عَنْهُ عَلَيهِ السَّلَامُ مِثْلُهُ.

  • ٢- الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ المَشْهَديّ في «المَزَارِ» وَ السَّيِّدُ عَلِيّ بْنُ طَاوُوسٍ فِي «المِصْبَاحِ» قَالا: زِيَارَةٌ مَرْوِيَةٌ عَنِ الأئمَّةِ عَلِيهِمُ السَّلَامُ: إذَا أرَدْتَ ذَلِكَ... إلى أنْ قَالَ عَلَيهِ السَّلَامُ: ثُمَّ قَبِّلْهُ وَ قُلْ: بِأبِي وَ امِّي يَا آلَ المُصْطَفَى إنَّا لَا نَمْلِكُ إلَّا أنْ نَطُوفَ حَوْلَ مَشَاهِدِكُمْ وَ نُعَزِّي فِيهَا أرْوَاحَكُمْ (الزيارة).

  • قُلْتُ: جَعَلَ الشَّيْخُ‌۱ عُنْوَانَ البَابِ عَدَمَ جَوَازِ الطَّوَافِ وَ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ إلَّا الصَّادِقيّ وَ غَيْرَهُ: لَا تَشْرَبْ وَ أنْتَ قَائِمٌ، وَ لَا تَطُفْ بِقَبْرٍ، وَ لَا تَبُلْ في مَاءٍ نَقِيعٍ - إلى‌ آخر الحديث.

  • وَ المُرَادُ بِالطَّوافِ الحَدَثُ في هَذِهِ الأخْبَارِ، بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: وَ لَا تَبُلْ. وَ يُؤَيِّدُهُ أنَّ الكُلَيْنِيّ رَوَى في الصَّحِيحِ‌ عَنْ أبي جَعْفَرٍ عَلَيهِ السَّلَامُ قَالَ: مَنْ تَخَلَّى على قَبْرٍ، أوْ بَالَ قَائِماً في مَاءٍ قَائِمٍ، أوْ مَشَى في حِذَاءٍ وَاحِدٍ، أوْ شَرِبَ قَائِماً، أوْ خَلَا في بَيْتٍ وَحْدَهُ، أوْ بَاتَ على غَمَرٍ، فَأصَابَهُ شَي‌ءٌ مِنَ الشَّيْطَانِ لَمْ يَدَعْهُ إلَّا أنْ يَشَاءَ اللهُ. وَ أسْرَعُ مَا يَكُونُ الشَّيْطَانُ إلى الإنْسَانِ وَ هُوَ على بَعْضِ هَذِهِ الحَالاتِ.

  • وَ رَوَى أيْضاً بِسَنَدٍ آخَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أحَدِهِمَا عَلَيهِمَا السَّلَامُ أنَّهُ قَالَ: لَا تَشْرَبْ وَ أنْتَ قَائِمٌ، وَ لَا تَبُلْ في مَاءٍ نَقِيعٍ، وَ لَا تَطُفْ بِقَبْرٍ، وَ لَا تَخْلُ في بَيْتٍ وَحْدَكَ‌، وَ ذَكَرَ بَاقِي الخَبَرَ باخْتِلَافٍ في الألفَاظِ.

  • وَ المُتَأمِّلُ يَعْلَمُ اتِّحَادَ الخَبَرَيْنِ وَ أنَّ أحَدَهُمَا نَقْلٌ لآخَرَ.

  • وَ قَالَ الجَزَرِيّ: الطَّوْفُ: الحَدَثُ مِنَ الطَّعَامِ، وَ مِنْهُ الحَدِيثُ: نهى‌

    1. يعني الشيخ الحرّ العامليّ صاحب «الوسائل» الذي جعل النوريّ كتابه مستدركاً لكتابه.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

213
  • عَنِ المُتَحَدِّثَيْنِ على طَوْفِهِمَا: أيْ عِنْدَ الغَائِطِ.

  • فَظَهَرَ أنَّهُ لَا مُعَارِض لِمَا دَلَّ على جَوَازِ الطَّوَافِ بِالقُبُورِ بِمَعْنَاهُ الشَّائِع. وَ لِذَا ذَكَرْنَا العُنْوَانِ: جَوَازَ الطَّوَافِ. وَ لَوْ سُلِّمَ فَالنِّسْبَةُ بَيْنَهُمَا بِالعُمُومِ وَ الخُصُوصِ.

  • فَلَا بَأسَ بَالطَّوَافِ حَوْلَ قُبُورِهِمْ عَلَيهمُ السَّلَامُ» - انتهى.

  • أذكر جيّداً أنّني كنت قد تشرّفت بالذهاب إلى أرض قم المقدّسة لتحصيل العلوم الدينيّة في شهر شوّال لسنة ألف و ثلاثمائة و أربع و ستّين هجريّة قمريّة، فحللتُ أوّلًا في منزل آية الله السيّد حسن سيّدي القمّيّ و هو ابن عمّة أبي؛ فجاء يوماً آية الله العظمى السيّد محمّد حجّت كوه‌كمري لرؤية أبناء عمّته (آية الله السيّد حسن و إخوته الحاجّ السيّد علي محمّد و السيّد محمّد و آية الله الحاجّ السيّد عبد الحسين) و كان الحقير قد جلس في زاوية الغرفة معهم. فدار الحديث عن مواضيع متعدّدة كان من بينها قول‌ لا تَطُفْ بِقَبْرٍ، فقال المرحوم حجّت رضوان الله عليه: ليس المراد به الطواف بل التغوُّط، و أورد شاهداً من كتاب «مجمع البحرين» اللغويّ. رحمة الله عليه رحمةً واسعة.

  • بحث فقهيّ في جواز تقبيل إطار أبواب الدخول قبور الائمّة عليهم السلام‌

  • بحث فقهيّ في جواز تقبيل إطار أبواب الدخول‌

  • لقبور الأئمّة عليهم السلام‌

  •  

  • كان ما ذكرناه، حول جواز الطواف حول قبورهم المطهّرة، و نورد الآن بحثنا لجواز التقبيل، أي تقبيل إطار أبواب أضرحة الأئمّة عليهم السلام، أي أبواب الصحن الشريف و محلّ إيداع الأحذية و أبواب الرواق و الحرم المطهّر.

  • إنّ تقبيل أبواب قبور الأئمّة عليهم السلام أمر لا شبهة و لا إشكال‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

214
  • فيه، كما أنّه قد ورد في بعض الروايات الواردة في كتاب المزار. و إذا ما قصرنا اللفظ و جمّدناه على معنى العَتَبَة، فإنّ تقبيل الأرض التي أمام الباب و تقبيل الجزء الأسفل من الباب سيكون كذلك جائزاً. فقد ورد في هذه الروايات أن: قَبِّل العَتَبَة ثمّ ادخُل!.

  • و قال في «شرح قاموس اللغة» (بالفارسيّة): العَتَبَة بالتحريك هي اسكُفَّة الباب أو العارضة العليا التي تعلو قِسْمَي الباب.

  • و قال في «صحاح اللغة» وَ العَتَبُ: الدَّرَجُ وَ كُلُّ مِرْقَاةٍ مِنْهَا عَتَبَةٌ. وَ الجَمْعُ عَتَبٌ و عَتَبَاتٌ. وَ العَتَبَةُ: اسْكُفَّةُ البَابَ، وَ الجَمْعُ: عَتَبٌ.

  • و قال في «تاج العروس»: (العَتَبَةُ، مُحَرَّكَةً) كَذَا في نُسْخَتِنَا وَ سَقَطَ مِنْ نُسْخَةِ شَيْخِنَا (اسْكُفَّة البَابَ) التي تُوطَا (أوِ) العَتَبَةُ (العُلْيَا مِنْهُمَا) وَ الخَشَبَةُ التي فَوْقَ الأعْلَى: الحَاجِبُ، وَ الاسْكُفَّةُ السُّفْلَى وَ العَارِضَتَانِ: العُضَادَتَانِ. وَ قَدْ تَقَدَّمَتِ الإشَارَةُ إلَيْهِ في «ح ج ب»، وَ الجَمْعُ: عَتَبٌ وَ عَتَبَاتٌ.

  • و في اللغة أنّ الاسْكُفَّةَ و الاسْكُوفَةَ هي خَشَبَةُ البَابِ التي تُوطَا عَلَيهَا.

  • لكنّ سماحة استاذنا المكرّم المرحوم آية الله الحاجّ الشيخ مرتضى الحائريّ أعلى الله درجته نقل عن المرحوم آية الله الحاجّ حسين الطباطبائيّ البروجرديّ قدّس الله نفسه أنّه قال: إنّ الانحناء و تقبيل مقدّم الباب له حكم السجدة؛ فالمراد بالسجدة ليس فقط وضع الجبهة على الأرض، بل الانكباب على الأرض و التواضع إلى حدّ جعل الجبهة قُرب الأرض، و عليه فالأفضل تقبيل إطار الباب من غير قسمه الأسفل.

  • و قد نقل للحقير هذا المطلب عن آية الله البروجرديّ، آية الله الحائريّ، و ذلك في اليوم الثامن عشر من شهر شوّال المكرّم لسنة ألف و أربعمائة هجريّة قمريّة في مشهد المقدّسة.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

215
  • تفسير سورة التوحيد في عشرة أيّام في مشهد المقدّسة

  • نعم، لقد كان دأب سماحة السيّد الحدّاد في مشهد المقدّسة أن يتناول ليلًا -بعد صلاتَي المغرب و العشاء- طعاماً يسيراً ثمّ يأوي للنوم مبكّراً، و يدأب على زيارة المرقد المطهّر بعد أذان الصبح بين الطلوعَين، و في وقت صلاة الظهر التي كان يؤدّيها في الحضرة. أمّا في باقي الأوقات فكان غالباً ما يبقى في المنزل، فإذا شاء أحد لقاءه فإنّ ذلك كان يحصل نهاراً و في البيت. و كان الرفقاء يجتمعون في المنزل حين يكون السيّد هناك. و قد وجّه أمره للحقير -من أجل بعث الحيويّة و النشاط و ذكر الله في المجالس- لأقوم بتفسير سورة التوحيد للرفقاء بحضوره.

  • فشرع الحقير بتفسير هذه السورة المباركة، فانقضى اليوم الأوّل في تفسير معنى‌ ﴿بِسْمِ‌﴾، أي معنى الاسم و معنى باء الاسم، و استغرق ذلك ساعة كاملة. و مرّ اليوم الثاني في تفسير معنى‌ ﴿اللَّهِ﴾‌ و استغرق ساعة كاملة أيضاً. ثمّ قمتُ في اليوم الثالث بتفسير معنى‌ ﴿الرَّحْمنِ‌﴾، و في اليوم الرابع بتفسير معنى‌ ﴿الرَّحِيمِ﴾‌، و في اليوم الخامس في معنى‌ ﴿قُلْ﴾، و في اليوم السادس في معنى‌ ﴿هُوَ﴾، و في اليوم السابع في معنى‌ ﴿أَحَدٌ﴾، و في اليوم الثامن في معنى‌ ﴿الصَّمَدُ﴾، و في اليوم التاسع في معنى‌ ﴿لَمْ يَلِدْ﴾، و في اليوم العاشر في معنى‌ ﴿لَمْ يُولَدْ﴾. و بقيت الفقرة الحادية عشرة من السورة إلى حين ذهابنا في معيّته إلى إصفهان بعد العودة من أرض مشهد المقدّسة، فكنّا مجتمعين يوماً بحضور الرفقاء، فجاء ذلك اليوم سماحة حجّة الإسلام الحاجّ السيّد شهاب الدين الصفويّ وفّقه الله لرؤية السيّد، فقال (السيّد الحدّاد): أتمم باقي السورة! فشرع الحقير في الكلام ساعة كاملة في معنى‌ ﴿وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾ و تفسيرها. و بحمد الله و منّه فقد ختمت هذه المجالس لهذه الدورة التفسيريّة بعدد (۱۱) المساوي للكلمة المباركة «هُوَ».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

216
  • و كان من عجائب و غرائب هذا التفسير:

  • أوّلًا: إنّ الحقير لم يُطالع أساساً و لو سطراً واحداً، و لم اصطحب معي أصلًا كتاباً أو تفسيراً ما، فما ورد من التفسير إنّما كان عبارة عن إنشاءات يجري بيانها، و مطالب لم تُسمَع و لم تُقرَأ و لم تُقل، و كنت بدوري أعجب من رقّة معانيها و علوّ مفاهيمها و دقّة مغزاها. و كان من الجليّ البيِّن أنّها كانت إلقاءات من سماحة السيّد، بينما كان الحقير في حكم مكبِّر الصوت الذي يحكي هذه المعاني، ذلك لأنّني لم أقم حتّى الآن ببيان تفسير بهذا الوضع و الكيفيّة، فأنا الآن أتأسّف لأنّ تلك المطالب لو كانت قد سُجِّلت لمثّلت بنفسها تفسيراً كاملًا لهذه السورة المباركة يصبح في متناول أيدي أهل العرفان و التوحيد لمطالعته و النظر فيه، بالرغم من أنّ هذه المطالب -حسب قول المرحوم القاضي- هي المطالب التي تأتي من هناك ثمّ تعود من حيث جاءت.

  • و ثانياً: فلم يكن الحقير في ابتداء هذا التفسير قد قام بتقسيمه هذا التقسيم، بل كنت احتمل في اليوم الأوّل أنّ تفسير هذه السورة بأجمعها و التي لا تعدو أكثر من سطر واحد، سينتهي في نفس اليوم، و أنّ البحث حولها و في جوانبها سينتهي خلال ساعة واحدة. لكنّ الأمر جاء على هذه الصورة و الكيفيّة بحيث انتهى في إحدى عشرة جلسة بدون تكرار للمطالب.

  • و ثالثاً: مساواة عدد الجلسات الإحدى عشرة للكلمة المباركة «هُوَ» أمر عميق جدّاً، و ذلك لأنّ سماحة السيّد الحدّاد كان في درجة قويّة من الفَناء في اسم هو، بحيث كان المرحوم القاضي يقول: إنّ السيّد هاشم مثله كمثل هؤلاء السنّة المتعصّبين، فهو لا يتنازل و لا يتخلّى أبداً عن عقيدته في التوحيد، فهو في تعصّبه في الإيقان و الإذعان بالتوحيد لا يفرِّق بين رأسه‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

217
  • و قدميه.

  • إنّك لو أعطيت بعض هؤلاء العامّة المال و المقام و الدنيا بأسرها، لما أمكنك أن تزعزع عقيدتهم، و كانت مسألة السيّد هاشم في مسألة توحيد الذات المقدّسة بهذه الكيفيّة. جَزَاهُمَا اللهُ عَنِ التَّوْحِيِد وَ العِرْفَانِ أفْضَلَ الجَزَاءِ، بِحَقِّ سَيِّدِ البَرَرَةِ مُحَمَّدٍ صلّى اللهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ بِحَقِّ مَزُورِهِ الإمَامِ الرِّضَا عَلَيهِ آلَافُ التَّحِيَّةِ وَ السَّلَامِ وَ النِّعْمَةِ وَ الإكْرَامِ.

  • و لم يزر السيّد في مشهد إلّا العلماء الذين كانوا يأتون أحياناً لزيارته نهاراً فيسألونه عن بعض غوامض مسائل التوحيد و بعض المعارف، فيجيب على أسئلتهم تلك، و لقد وُجّهت إليه ثلاثة أسئلة مهمّة تدور حول الإمام عليّ بن موسى الرضا عليهما السلام تتعلّق ببقعته المقدّسة و زيارته، فأجاب عنها السيّد بصورة مفصّلة نسبيّاً. و يجدر بنا هنا أن نُقَدِّم للقرّاء الأعزّاء هذه الأسئلة الثلاثة و أجوبتها و نضمّ إليها الشرح و البيان اللازم.

  • الاسئلة التي وُجّهت للحاجّ السيّد هاشم الحدّاد في مشهد المقدّسة

  • المسألة الأولى: لما ذا اشتهر الإمام الثامن عليه السلام و عُرف من بين الأئمّة المعصومين صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين بعنوان الإمام الغريب؟!

  • المسألة الثانية: لما ذا دُعِيَ عليه السلام من بين الأئمّة عليهم السلام باسم غَوْث الامَّةِ وَ غِيَاثُهَا؟!

  • المسألة الثالثة: ما هي العلاقة بين زيارته عليه السلام و زيارة بيت الله، حيث جرى التأكيد على استحباب زيارته في شهر رجب المرجّب، كما اكِّدَ على فضيلة العُمرة في شهر رجب. فعدّت العمرة في هذا الشهر تلي الحجّ مباشرة، و عدّ الإحرام و القيام بالعمرة في شهر رجب جائزاً و كافياً لمن يخشى عدم الوصول للكعبة، فإذا أحرم شخص من الميقات قبل انقضاء شهر رجب و ذهب إلى بيت الله الحرام فاعتمر، فإنّ‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

218
  • عمرته هذه تُعَدّ عمرة رجبيّة و لو وقعت في شهر شعبان، مع علمنا أنّ عمرته وقعت في شهر شعبان و أنّ إحرامها فقط كان في شهر رجب، و ليس ذلك إلّا للفضيلة الأكيدة و السنّة المؤكَّدة للإتيان بالعُمرة الرجبيّة. كما وردت الفضيلة و الأهمّيّة الشديدة لزيارة الإمام الرضا عليه السلام في شهر رجب و ذلك بتعبيرات مؤكّدة.

  • أمّا المسألة الأولى: علّة اشتهاره عليه السلام بالإمام الغريب‌

  • إنّ هناك عدّة امور ربّما كان لها الأثر في عنوان اتّصافه عليه السلام باسم الغريب و صفته.

  • الأمر الأوّل: يُعتبر عنوان الولاية في حدّ نفسه بعيد عن متناول البشر و إدراكهم، و قريب إلى مقام القرب من الله و حرمه الخاصّ، و هذه الحقيقة تستلزم عدم انس عموم الناس و تعرّفهم على آثار و خصائص الولاية و صفات وليّ الله. و ذلك لأنّ هناك في ظهور الولاية بالنسبة للناس بسطاً و انفتاحاً كما أنّ هناك أيضاً قبضاً و انكماشاً، أي الرحمة و الغضب معاً، فهناك جزاء الإحسان و هناك الانتقام و العقوبة و التنكيل، لذا فإنّ الناس حين يلمسون آثار الولاية في التخفيف و المحبّة و الجمال فإنّهم سيتقبّلونها و يحبّونها، أمّا مع آثارها في القهر و الشدّة و الجلال، فإنّهم سيكرهونها فيواجهونها بعواطف الحقد و الشدّة و المحاربة.

  • إنّ الأنبياء العظام الذين فعلهم هو فعل الله سبحانه، يبقون في معزل لا يتصدّى أحد لمواجهتهم ما داموا تحت ستار الخلوة و المناجاة، و طالما لم يطّلع أحد على حالاتهم الباطنيّة، و لكن ما إن يُكلّفوا من جانب الله تعالى بالإرشاد و الدعوة، فيسعون إلى نقل الناس من آدابهم القوميّة و سُننهم‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

219
  • الجاهليّة القديمة إلى الآداب العقلائيّة و السنن و الأعراف و الآداب التكميليّة في الصراط المستقيم و المنهج القويم؛ فإنّ الناس سينهضون من كلّ حدب و صوب إلى قتالهم و محاربتهم عن جهل أو عن علم، لا يتورّعون عن القتل و الإغارة و النهب و الأسر و التعذيب، و لا تنطفئ نائرتهم، و لا يخمد عطش غضبهم و شهوتهم و أوهامهم و غرائزهم في التكبّر و العناد و الأنانيّة إلّا عند سفكهم دماء هؤلاء الأنبياء.

  • كما أنّ من شأن الشخص المتّصف بالولاية أن يكون على الدوام منهمكاً مع نفسه مستغرقاً في عالم عزّه، فهو في غيبة سواء كان بادياً في الظاهر أم لم يكن. و من الجليّ أنّ عامّة الناس الذين لا تتعدّى أفكارهم المشتهيات النفسيّة و اللذائذ الخسيسة الطبعيّة عن عالم الروح و حقيقته، و عن لطافة تلك الأنوار الملكوتيّة القدسيّة؛ كما أنّ عدم التسانخ بين عالم الكثرة و آثاره -من التمسّك بالآداب و التقاليد الاجتماعيّة و الأفكار المصلحيّة و الاعتبارات الجوفاء- و بين عالم الوحدة و آثاره -المتمثّلة في كسر قيود أسر الهوى و الرغبات و تخطّي مراحل اللذائذ الطبيعيّة و المنازل الوهميّة الخياليّة الاعتباريّة- إنّ عدم التسانخ هذا قد منح مقام الولاية عنوان العزّة، و هذا ما ألزم تغرّبهم عن الناس.

  • و على هذا الأساس، فقد كان الأنبياء و الأولياء غرباء في هذا العالم على الدوام، فقضوا حياتهم غرباء لا يلتحمون بهذه المجتمعات المتجبِّرة الظالمة.

  • مُحِبُّ اللهِ في الدُّنيَا سَقِيمُ‌***تَطَاوَلَ سُقْمُهُ فَدَوَاهُ دَاهُ‌
  • سَقَاهُ مِنْ مَحَبَّتِهِ بِكَأسٍ‌***فَأرْوَاهُ المُهَيْمِنُ إذْ سَقَاهُ‌
  • فَهَامَ بِحُبّهِ وَسَمَا إلَيْهِ‌***فَلَيْسَ يُرِيدُ مَحْبُوباً سِوَاهُ‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

220
  • كَذَاكَ مَنِ ادَّعَى شَوْقاً إلَيْهِ‌***يَهِيمُ بِحُبِّهِ حتّى يَرَاهُ۱ 
  • شرح مرض الحقير، أثناء فترة تأليف الكتاب

    1. هذه الأشعار لجارية هامت بعشق الله سبحانه، و قد أورد الملّا جامي قصّتها
      العجيبة في «نفحات الانس» ص ٦٢٥ فما بعد (طبعة انتشارات مكتبة المحموديّ، في ذكر التحفة ضمن عنوان «ذكر النساء العارفات الواصلات إلى مراتب الرجال») فراجع.
      و إلى هنا جَفَّ قَلَمُ الحَقِير الفقير، حيث نُقلتُ إلى مستشفى «القائم» صباح يوم الأربعاء الثامن من شهر شعبان المعظم ۱٤۱٢ هجريّة قمريّة لإجراء عمليّة الفتق الجراحيّة، و استغرقت مدّة العمليّة و البقاء في المستشفى مع الاستراحة التي تلتها أحد عشر يوماً، و هكذا فقد مَنّ الباري سبحانه عَلَيّ صباح يوم الأحد التاسع عشر من شعبان لأمسك القلم من جديد فاسَطِّر بقيّة هذا الكتاب.
      و قد اجرِيَت العمليّة الجراحيّة من قبل الصديق القديم العزيز و المؤمن الملتزم الدكتور الحاجّ محمّد التوسّليّ أدام الله توفيقه، و ذلك بدون تخدير و لمدّة ساعة كاملة تكلّلت بالنجاح الكامل و للّه الحمد و له الشكر. و الدكتور محمّد التوسّليّ في الوقت الحاضر من الأساتذة المبرَّزين و الممتازين في كلّيّة الطبّ في مشهد المقدّسة، و رئيس قسم الجراحة في مستشفى القائم. و كان قد أجرى للحقير قبل ثمان سنين عمليّة جراحيّة في كيس الصفراء، أجراها هي الاخرى في منتهى الإتقان و الدقّة، جَزَاهُ اللهُ خَيْراً وَ جَعَلَهُ ذُخْراً لِلْمُسْلِمِينَ وَ اسْوَةً لِلأطِبَّاءِ العَامِلِينَ.
      و كنت قد أحسست قبل ظهر يوم الاثنين ٢٣ جُمادي الأولى لسنة ۱٤۰٤ هجريّة قمريّة بألم في الجانب الأيمن من البطن اقترن برجفة و تقيّؤ، و استمرّ ذلك ليومين. ثمّ ظهرت تدريجيّاً صُفرة في الجسم و الوجه و العينين شخّصها على أنّها مرض اليرقان، و ألزمني بالذهاب إلى مستشفى القائم للمعالجة. و بعد إجراء الفحوصات و التحاليل العديدة و أخذ صور الأشعة المتعدّدة، تحقّق أخيراً بعد المعاينة بجهاز السونوغرافي (و يتضمّن معاينة بالصور التلفزيونيّة بطريقة خاصّة) أنّه مرض اليرقان الانسداديّ لا الكبدي، حيث ظهر أثر انسداد قناة و مجرى كيس الصفراء المسمّى بقناة «كوليدوك» بحصاة. و هكذا فقد اجريت العمليّة الجراحيّة في تلك المستشفى و اخْرِجْتُ منها يوم الخميس الثالث من شهر رجب المرجّب، حيث استمرّت مدّة المرض أربعين يوماً لم تنقص و لم تزد يوماً. وَ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَ لَهُ الحَمْدُ في الأولى وَ الآخِرَةِ، وَ آخِرُ دَعْوَانَا أنِ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
      هذا و قد کان آنذاک الصدیق العزیز الدکتور السید ابوالقاسم الحسینی الهمدانی [تابع في الصفحة التالية...]

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

221
  • ...‌۱

    1. [...تابع التعليقة السابقة] رئيساً لقسم الأمراض النفسيّة في مشهد، و الدكتور السيّد رضا فريد الحسينيّ رئيساً لمستشفى القائم و الدكتور عبد العليّ الخوارزميّ معاوناً للمستشفى، حيث تمتدّ إلى سنواتٍ عديدة أواصرُ المودّة و المحبّة بيني و بين هؤلاء السادة الأجلّاء، و كانوا قد أجمعوا على وجوب إجراء العمليّة الجراحيّة و أوصوا بأن يتولّى إجرائها الدكتور الحاجّ محمّد التوسّليّ. و أضافوا: أنّ هذا الرجل دكتور أخصّائيّ و متديّن، و قد ترك طبابته في فرنسا و هاجر إلى كندا فاستوطنها هو و عائلته و امتلك هناك عيادة شخصيّة و مستشفى، و ثمّ عاد وحيداً ليقف في صفّ الثورة الإسلاميّة مضحّياً بكلّ ما يملك، و مع عدم امتلاكه بيتاً و لا تلفوناً! و مع عدم مساعدة الدولة له بأيّ نحو كان، فإنّه يقضي أيّامه و لياليه لتعليم الأطبّاء الشباب اصول إجراء العمليّات الجراحيّة، و ذلك للسيل المتدفِّق من جرحى الحرب الذين اخلِيَت لهم أسِرَّة مستشفى القائم.
      هذا و قد قال لي بنفسه: حين حدثت الثورة الإسلاميّة في إيران كنت أشعر دوماً برغبة تعتمل في أعماقي للتوجّه نحو هذا البلد، لكنّني كنت أختلق الأعذار و أتعلّل في ذلك، أمّا حين نشبت الحرب المفروضة و اعتدى العراق على إيران، فقد رأيت أنّ من الخطأ بقائي في كندا بعد هذا، و أنّ عَلَيّ أن أحضر فوراً إلى بلد الإسلام لإجراء العمليّات الجراحيّة، و لهذا جئت إلى هنا.
      و قال للحقير: إنّ في إمكاني إجراء عمليّة كيس الصفراء، و لكن ينبغي قبل ذلك أن يجري التشخيص لمعرفة سبب انسداد الصفراء لديكم، هل هو من حصاة أو من شي‌ء آخر. و كان جهاز المعاينة (السونوغرافي) عاطلًا آنذاك في مستشفى القائم، و لم يكن هناك جهاز آخر في مشهد. لذا فقد سافرتُ إلى طهران بالطائرة في أوج مرضي لمدّة يومين حيث اجرِيَت هذه الفحوصات و عدتُ إلى مشهد فأجرى لي العمليّة المذكورة على الفور.
      و لقد أصرّ الكثيرون في طهران و أكّدوا عَلَيّ بالذهاب للمعالجة في الخارج، و كان بعض الأصدقاء يقول: إنّ عمليّة كيس الصفراء من أهمّ العمليّات التي تُجرَى للبدن بعد عمليّة القلب. أي أنّهم كانوا يلفتون نظري إلى خطورة العمليّة. و قد أرسل بعض الأرحام العاجزين عن الحضور إلى الحقير مَن يقول على لسانهم: لما ذا يتعلّل فلان في الذهاب إلى الخارج؟ لما ذا لا يرحم نفسه و حياته؟ و كان أحد أبناء اختي -و كان آنذاك في كندا- قد قال عند ما علم بمرضي: أحضِروا إليّ خالي و سأتكفّل بالباقي. و قال البعض: سنعدّ لك خلال ٢٤ ساعة [تابع في الصفحة التالية...]

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

222
  • ...۱

    1. [...تابع التعليقة السابقة] جواز السفر و تذكرة الطائرة إلى أيّ مكان في العالم تشاء الذهاب إليه.
      لكنّني لم أصغ إلى كلامهم أبداً، بل إنّني لم أكن مستعدّاً للبقاء في طهران و إجراء العمليّة على أيدي الأطبّاء و الجرّاحين المعروفين من ذوي الخبرة. و كنت أقول: إنّ ذهابي إلى الخارج أمرٌ محال، كما أنّ بقائي في طهران لا معنى له، ذلك لأنّني لم آتِ إلى طهران لإجراء العمليّة، بل لإجراء التشخيص بجهاز السونوغرافي، و الآن -و قد تمّ التشخيص بأنّ علّة الانسداد كانت حصاةً- فإنّ عَلَيّ أن أعود إلى أرض مشهد المقدّسة. كما أنّ العمليّة ينبغي أن يُجْريها الدكتور التوسّليّ لا سواه.
      أمّا وجوب إجراء العمليّة في مشهد فكان سببه أنّ مرضي قد حصل في مشهد، و قد نُقلت إلى مستشفى القائم، و أرض هذه المستشفى من أملاك الإمام الرضا عليه السلام، فنحن في الحقيقة ضيوف الإمام الرضا، و في مُلكه و في بيته، كما أنّه لم يخذلنا و لم يطردنا لنذهب إلى غيره.
      و أمّا سبب إصراري على إجراء الدكتور التوسّليّ للعمليّة فهو معرفتي بأنّه أخصّائيّ و ملتزم أيضاً، فحين ترك البلاد سيل الأطباء الفاقدين للشعور بالمسؤوليّة و الباحثين عن الفرص و المصالح الشخصيّة الاستقلاليّة، فقد كان هو على العكس تماماً حين عاد إلى إيران بسترته و سرواله فقط. كما أنّه الصائم المصلّي الصادق، و الذي لا يقبل أن يؤدّي عملًا خارجاً عن مدى قدرته و علمه. و عليه فإنّ النجاح و الصحّة و العافية ستقارن عمله بشكل أكيد. أمّا بالنسبة لنا فقد كان الموت و الحياة على السواء، فإن خسرنا روحنا في هذه العمليّة فسنذهب إلى رحمة الله إن شاء الله تعالى.
      أما سبب رفض الحقير للذهاب إلى الخارج فيعود إلى الامور التالية:
      الأوّل: أنّ تلك البلاد هي بلاد الكفر و مدن اليهود و النصارى و المشركين و الملحدين، فالذهاب للمعالجة هناك ينطوي في الحقيقة على مدّ يد الاستجداء نحوهم و الاستعانة بهم لإدامة الحياة، و هذا ممّا لا يتّفق و شرف المسلم الغيور في أن يدع الأطبّاء المسلمين و يستجدي اولئك لإبقاء حياته.
      الثاني: باعتباري لست شخصاً عاديّاً، فالناس يعرفونني اليوم كرجل دين أو كفقيه أو أيّاً ما تفرضون؛ و من ثمّ فإنّ عملي سيكون قدوة لهم، و آنذاك سيفكّر كلّ من أصابه صداع بسيط في الذهاب للخارج، لأنّ فلاناً ذهب للخارج! أمّا لو اجريت العمليّة هنا فإنّ ذلك [تابع في الصفحة التالية...]

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

223
  • ...۱

    1. [...تابع التعليقة السابقة]  لن يخلّف تلك العواقب السيّئة و لو أدّى الأمر إلى الوفاة. و خاصّة أنّنا عموماً نُعير حياتنا الخاصّة أهمّيّةً زائدة لا نقول بمثلها لحياة النوع و لا لحياة المجتمع؛ في حين أنّها لا تستحقّ ذلك.
      الثالث: إنّ تكاليف إجراء العمليّة في الخارج هو مئات أضعاف تكاليف إجرائها في الداخل، فهذه الأموال مهما كان موردها، ستنقص في النتيجة من صندوق المسلمين و نصبّ في صندوق الكفّار و خزينة الاستعمار الكافر، فلِمَ نكون من المشجّعين على ذلك؟
      الرابع: إنّنا نعتبر أنفسنا -و يا للشقاء و التعاسة- مسلمين! و نتصوّر أنّنا من أهل التوحيد و القرآن، فنعتبر الحياة و الموت و النفع و الضرر من جانب الله مباشرة. أ وَ لمْ نقرأ في القرآن:
      ﴿وَ إن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُو إلَّا هُوَ وَ إن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾. (الآية ۱۰۷، من السورة ۱۰: يونس).
      ﴿ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَ ما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾. (الآية ٢، من السورة ٣٥: فاطر). 
      ﴿وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَ فَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾. (الآية ٣۸، من السورة ٣٩: الزمر). 
      ﴿إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَ رَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى‌ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾. (الآية ٥٦، من السورة ۱۱: هود). 
      ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾. (الآية ٥۱، من السورة ٩: التوبة). 
      و أمثال هذه الآيات و نظائرها كثير في القرآن، فمع وجود هذه الآيات و مع استعداد الطبيب الأخصّائيّ الملتزم لإجراء العلاج، و مع علمنا أنّ جميع الامور بِيَدِ الله سبحانه و أنّ النفع و الضرر من جهته، أ فلا يكون فرارنا و ذهابنا للخارج -مع علمنا أن ذلك النفع و الضرر مهما كان فهو من جانب الله تعالى- انحرافاً عن الطريق؟ أ وَ ليس هذا العمل شركاً فعليّاً و عمليّاً و إن لم يكن شركاً في القول؟
      الخامس: أنّ علينا نحن العبيد أن نكون مطيعين لامر الله تعالى؛ فهو سبحانه يعلم [تابع في الصفحة التالية...]

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

224
  • ...۱

    1. [...تابع التعليقة السابقة] أنّ مصلحة إنسانٍ ما في زمن معيّن تتمثّل في حياته، كما يعلم أنّ مصلحته في زمن آخر تتمثّل في مماته؛ فإن كان صلاح الإنسان في الحقيقة في موته و راح يسعى نحو الحياة، فإنّه سيكون بذلك طالباً لشرّ نفسه لا لخيرها. إنّ على الإنسان أن يذهب إلى الطبيب حين يمرض و ينشد العافية و طول العمر، لأنّ هذه الامور هي في حدّ ذاتها خير، لكن عليه أن يكون مسلّماً أمره لله في كلّ حال، موطّناً نفسه على ما قُدِّر له، فإن جاء أجله فعليه أن يستقبله بَاسِم الوجه غير ملتفت إلى عالم الطبيعة بنظره، و لا باكٍ على ما ضاع من نعمها، ففي ذلك يكمن الخطر الكبير.
      و نحن بحمد الله و منّه نعيش في ظلّ مدرسة التشيّع، حيث تتألّف أمامنا «الصحيفة الكاملة السجّاديّة» كالمصباح الكبير المشعّ للاقتداء بنهج ذلك الإمام الصادق، لذا نبتهل بدعاء الاستخارة و هو الدعاء الثالث و الثلاثين، إلى ساحة الجليل سبحانه: وَ ألْهِمْنَا الانْقِيَادَ لِمَا أوْرَدْتَ عَلَينَا مِنْ مَشِيَّتِكَ حتّى لَا نُحِبَّ تَأخِيرَ مَا عَجَّلْتَ، وَ لَا تَعْجِيلَ مَا أخَّرْتَ، وَ لَا نَكْرَهَ مَا أحْبَبْتَ، وَ لَا نَتَخَيَّرَ مَا كَرِهْتَ (الدعاء).
      و نقرأ في الدعاء المرويّ عن الرسول الأكرم صلّى الله عليه و آله: اللهُمَ أحْيِنِي مَا دَامَتِ الحَيَاةُ خَيْراً لِي وَ أمِتْنِي إذَا كَانَ المَمَاتُ خَيْراً لِي.
      و قد ورد في كتاب «مفاتيح الجنان» ص ٣٥۱ و ٣٥٢، كتاب «الباقيات الصالحات» أنّ الإمام محمّد التقيّ عليه السلام قال: وَ كَانَ النَّبِيّ صلّى اللهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَقُولُ إذَا فَرِغَ مِنَ الصَّلَاةِ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَ مَا أخَّرْتُ وَ مَا أسْرَرْتُ وَ مَا أعْلَنْتُ وَ إسْرَافِي على نَفْسِي وَ مَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي. اللهُمَّ أنْتَ المُقَدِّمُ وَ المُؤَخِّرُ لَا إلَهَ إلَّا أنْتَ، بِعِلْمِكَ الغَيْبَ وَ بِقُدْرَتِكَ على الخَلْقِ أجْمَعِينَ، مَا عَلِمْتَ الحَيَاةَ خَيْراً لِي فَأحْيِنِي؛ وَ تَوَفَّنِي إذَا عَلِمْتَ الوَفَاةَ خَيْراً لِي (الدعاء).
      فإن كنّا جادّين في سؤالنا الحياة من الله سبحانه ما دام الموت خيراً لنا، أ فلا نكون خاطئين إذاً؟ أ وَ لا نكون قد طلبنا خلاف الحقّ و الواقع؟!
      نعم، لقد كانت حالي تسوء يوماً بعد آخر، و مرض اليرقان يستشري في جميع سطح بدني حتّى آل الأمر بحيث لم تعد صفرة المنديل الأصفر تتميّز عن صفرة الجلد، و ذلك لأنّ مادّة السوداء السامّة لم تكن لتجد طريقها إلى الخارج بسبب انسداد قناة «كوليدوك»؛ ثمّ اجريت العمليّة الجراحيّة و استغرقت أكثر من ثلاث ساعات، كان الحقير خلالها فاقداً للوعي، و استمرّ فقدان الوعي سبع ساعات كاملة. و كانت العمليّة بلطف الباري تعالى شأنه العزيز موفّقة و سليمة للحدّ الذي شهد معه جميع أطبّاء مستشفى القائم أنّني لو كنت قد ذهبت إلى الخارج و أجريتها في أرقى مركز طبّيّ في العالم لما كان يتصوّر أن تُجرى أفضل ممّا اجريت فعلًا.
      نعم، لقد اتّفق لعيني نظير هذه المسألة بعد ذلك بسنتَين، فقد تمزّقت شبكيّة العين اليمنى بلا سابق إنذار أو سبب ظاهر، و كان تمزّقها يشبه حدوة الحصان، و حسب اصطلاح الأطبّاء «في محور الساعة ۱٢ و ٢۰ دقيقة»، و لم أعد أرى فيها، و عجز جميع أطبّاء مشهد و طهران عن معالجتها و أجمعوا على ضرورة الذهاب للخارج، فقلت كذلك إنّني لن أذهب إلى الخارج و لو فقدتُ البصر.
      و لكن، و بعد أن فحص عيني الشابّ الغيور القيّم الفاهم: الدكتور الحاجّ السيّد حميد السجّاديّ، قال: يجب أن تُجرى لهذه العين عمليّة جراحيّة على الفور و بلا تأخير؛ و حتّى أنّه لم يعطِ الرخصة في مغادرة المستشفى، و قال: أعجب من قول الأطبّاء في وجوب الذهاب إلى الخارج، فالعين كانت ستتلف في هذه المدة القصيرة.
      ثمّ قام بإجراء العمليّة بمعونة و مساعدة تلميذه الممتاز الصديق العزيز المؤمن الملتزم الدكتور الحاجّ حسن علي الشهرياريّ، حيث دامت سبع ساعات كاملة، و للّه الحمد و المنّة فقد تكلّلت بالنجاح التامّ و السلامة ممّا أدهش الجميع و أثار إعجابهم. و كما ترون فإنّني أكتب بالاستعانة بهذه العين التي اجريت لها العمليّة بعد ستّ سنوات من إجرائها.
      ﴿قالَ أَ فَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ، أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ ، فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ ، الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ، وَ الَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَ يَسْقِينِ ، وَ إِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ، وَ الَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ ، وَ الَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ، رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ، وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ، وَ اجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ﴾. (الآيات ۷٥ إلى ۸٥، من السورة ٢٦: الشعراء). 

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

225
  • من كه ملول گشتمى از نفس فرشتگان‌***قال و مقال عالمى مى‌كشم از براى تو۱
    1. «ديوان حافظ الشيرازي» ص ٢۸٤، الغزل ٤۱۱، طبعة محمّد القزويني و الدكتور قاسم غني، مطبع سينا، طهران. يقول: «أنا الذي كنتُ أتكدّر بأنفاس الملائكة، صرتُ أتجرّع لأجلك عَذْلَ الخلائق!».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

226
  • مَعْشَرَ النَّاسِ مَا جُنِنْتُ وَ لَكِنْ‌‌***أنَا سَكْرَانَةٌ وَ قَلْبِيَ صَاحِ‌
  • أ غَلَلْتُمْ يَدَيّ وَ لَمْ آتِ ذَنْباً‌***غَيْرَ جَهْرِي في حُبِّهِ وَ افْتِضَاحِي‌
  • أنَا مَفْتُونَةٌ بِحُبِّ حَبِيبٍ‌‌***لَسْتُ أبْغِي عَنْ بَابِهِ مِنْ بَراحِ‌
  • فَصَلَاحِي الذي زَعَمْتُمْ فَسَادِي‌‌***وَ فَسَادِي الذي زَعَمْتُمْ صَلَاحِي‌
  • مَا على مَنْ أحَبَّ مَوْلَى المَوَالِي‌‌***وَ ارْتَضَاهُ لِنَفْسِهِ مِنْ جُنَاحِ‌۱
  • إنّ الأنبياء و الأولياء حين يرشفون كأس الوصال يترنّم لسان حالهم بهذه الأبيات:

  • ألْبسْتَنِي ثَوْبَ وَصْلٍ طَابَ مَلْبَسُهُ‌***فَأنْتَ مَوْلَى الوَرَى حَقَّاً وَ مَوْلَائي‌
  • كَانَتْ لِقَلْبِيَ أهْوَاءٌ مُفَرَّقَةٌ***فَاسْتَجْمَعَتْ مُذْ رَأتكَ العَيْنُ أهْوَائي‌
  • مَنْ غَصَّ دَاوَى بِشُرْبِ المَاءِ غُصَّتَه‌***فَكَيْفَ يَصْنَعُ مَنْ قَدْ غَصَّ بِالمَاءِ
  • قَلْبِي حَزِينٌ على مَا فَاتَ مِنْ زَلَلِي‌***فَالنَّفْسُ في جَسَدِي مِنْ أعْظَمِ الدَّاءِ
  • وَ الشَّوْقُ في خَاطِرِي وَ الحَرُّ في كَبِدِي‌***وَ الحُبُّ مِنِّي مَصُونٌ في سُوَيدَائِي‌
  • تَرَكْتُ لِلنَّاسِ دُنيَاهُمْ وَ دِينَهُمْ‌***شُغلًا بِذِكْرِكَ يَا دِينِي وَ دُنيَائِي‌
    1. «نفحات الانس» للجاميّ، ص ٦٢٥ فما بعد.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

227
  • فَصَارَ يَحْسُدُنِي مَنْ كُنْتُ أحْسُدُهُ‌***وَ صِرْتُ مَوْلَى الوَرَى إذْ صِرْتَ مَوْلَائِي‌۱
  • إنّ أغلب العقبات و المشاكل التي تواجه السالكين في طريق التوحيد نتيجة عدم انس الناس و معرفتهم لهذه المراحل، ممّا يعقب ايجاد المشقّة و المضايقة و سدّ الطريق؛ فيدفع ذلك بالسالك طوعاً أو كرهاً إلى الاعتزال و البُعد عن الجماعة:

  • من از ديار حبيبم نه از بلاد غريب‌***مُهَيمنا به رفيقان خود رسان بازم‌٢
  • اگر ز خون دلم بوى شوق مى‌آيد***عجب مدار كه همدرد نافة ختنم‌٣
    1. أورد في «ريحانة الأدب» ج ٢، ص ٦٢، الطبعة الثالثة، مطبعة شفق، تبريز، الأبيات الثاني و السادس و السابع عن المنصور الحلّاج. و قد وردت بتمامها في «مكاتيب» گرامي إصفهاني ضمن نقل قصّة مفصّلة لجارية عاشقة للّه باسم تحفة، و لقاء السرّيّ السقطيّ بها في المستشفي، و ذلك باسلوب شيّق و إنشاء جميل. كما ذُكرت تلك القصّة بذلك التفصيل في «المستطرف» للأبشيهيّ، ص ۱٢٢ و ۱٢٣، و وردت كذلك في «النفحات» للجاميّ، بالتفصيل المذكور عدا هذه الأبيات. هذا و قد ذكر العلّامة الحاجّ الشيخ آقا بزرگ الطهرانيّ في كتاب «الذريعة» ج ٢٢، ص ۱٤۰، رقم ٦٤٢۰، الطبعة الأولى، مطبعة المجلس، طهران، سنة ۱٣٦٩، «مكاتيب» گرامي إصفهاني. كما ذكر ديوانه في ج ٩، ص ٩٢٩، رقم ٦۱۱۷، و أضاف: أنّ اسمه كان «أبو القاسم خان»، و قد سافر إلي دهلي و توفّي هناك، و يُعرف علي لسان العامّة بـ «آقا بابا».
    2. «ديوان خواجه حافظ شيرازي» ص ٥۰، الغزل ٣٣٤، طبعة پژمان، طبعة انتشارات بروخيم، سنة ۱٣۱۸.
      يقول: «مِنْ ديار الحبيب أنا لا من بلاد الغريب، فعُدْ بي أيّها المهيمن إلي رفاق الطريق».
    3. «ديوان خواجه حافظ شيرازي» ص ۱٤٩، الغزل ٣٣٢، طبعة پژمان، طبعة انتشارات بروخيم، سنة ۱٣۱۸.
      يقول: «لو فاحت من دماء قلبي رائحة الشوق و التمنان، فلي اسوة بنافة مسك غزالٍ من ختن». (خُتَنْ: اسم منطقة في تركستان يكثر فيها غزال المسك).

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

228
  • الجهات الخاصّة التي أوجبت غربة ثامن الحجج عليه السلام‌

  • و أما تلك الجهات الخاصّة التي أوجبت غربة ثامن الحُجج عليه السلام فهي:

  • الاولى: ابتلاء ذلك الإمام بسياسة المأمون الشيطانيّة، الذي جاء به عليه السلام بخطّة عجيبة مجبوراً مراقباً من مقرّه و وطنه الذي ألفه، جوار قبر جدّه الرسول الأكرم، فوضعه قُربه بحيث صار يُحصى عليه حركاته و سكناته، فهو حين أعطى الإمام ولاية مرو، فقد وضعه في حقيقة الأمر في سجن و أبعده و نفاه عن وطنه، و مع أنّه ولّاه في الظاهر و أعطاه الحكم لكنّه في باطن الأمر قد عزله عن جميع الشؤون، فلم يكن يجيز له الإفتاء أو إقامة صلاة الجمعة و العيد، و كان يسقى الإمام السمّ النقيع كلّ لحظة بأنظاره الخفيّة و نكاته الدقيقة و خططه و أحابيله الماهرة، فيخيّل للناس أنّه كان يضع الإخلاص و التفاني في طَبَقٍ من الصدق و الصفاء فيقدّمه إلى الإمام، و أنّه قد جعله مطلق العنان و مبسوط اليد في جميع الامور، و في رَتْق الشؤون و فَتْقها و تدبير امور الجيش و الدولة.

  • و كان المأمون في الظاهر يضع لخدمة الإمام جارية جميلة من النصارى و يحيطه بالخدم و الحشم و الغلمان، لكنّه كان يمانع عمليّاً من استقدام أهل الإمام و عياله و ولده الحبيب أبي جعفر: الإمام محمّد التقيّ عليه السلام، فيُستشهد وحيداً غريباً في حجرة مقفلة بسمّ الغدر و الجفاء. ثمّ يمشي المأمون في جنازته فيشقّ جيبه و يذرف الدموع حرّى و يعقد مجالس العزاء و المأتم و يعلن الحِداد و العزاء العامّ و العطلة الرسميّة إجلالًا

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

229
  • و احتراماً للإمام، فيتخيّل للجهلة التعساء الحظّ أنّ هذه الأعمال تنبع من الإخلاص و المودّة.

  • وَ بِمِثْلِ هَذَا عَمِلَ السِّيَاسِيُّونَ، فَهُوَ لَعَنَهُ اللهُ رَئِيسَهُمْ وَ قَائِدُهُمْ لِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، وَ أعْلَمُ مِنْ أبِيهِ هَارُونَ الذي اشْتَبَهَ في سِيَاسَةِ مَدِينَتِهِ بِقَتْلِ أبِيهِ مَوْسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَلَيهِمَا السَّلَامُ مَسْجُوناً بَعْدَ سِنِينَ عَدِيدَةٍ جِهَاراً.

  • إنكار وكلاء الإمام موسى بن جعفر ولاية الإمام الرضا و تكذيبهم بها

  • الثانية: إنّ أتباع و وكلاء أبيه و مواليه و مطيعيه بدلًا من أن يتمسّكوا بالإمام الرضا بعد شهادة أبيه موسى بن جعفر عليهما السلام في سجن السنديّ بن شاهك رئيس شرطة بغداد، و بدلًا من أن يذعنوا لإمامته و يبجّلونه و يكرّمونه و يَدْعون جميع شيعة أبيه له، و يُسلّموه الأموال الخطيرة التي تَسلّموها من الناس وكالةً عن أبيه، و بدلًا من أن يعمدوا إلى تقوية دعائم إمامته و ولايته؛ فقد أنكر هؤلاء المجحفون أمره و رفضوا الانقياد له و تسليمه الأموال، و إعادة الجاه و الاعتبار الذي اكتسبوه ببركة أبيه إلى أصله و محوره و قطبه. و هكذا فقد قام كلٌّ من هؤلاء الوكلاء المهمّين المأذونين بهذه المهامّ باتّخاذ عنوان لنفسه و تكوين وجود لشخصه، فصار لهم محافلهم و مجالسهم و فتواهم و قضاؤهم و فتقهم و رتقهم و رواياتهم و أحاديثهم و تفسيرهم للآيات و السور. و عمدوا من ثَمّ إلى إنفاق الأموال الضخمة للإمام موسى بن جعفر عليه السلام و صرفها في الأهواء و الآراء الشخصيّة و على أتباعهم و مؤيّديهم؛ رافضين الإذعان و الانقياد لإمام زمانهم.

  • و لقد رجعوا و نكصوا بأجمعهم عن القول بالإمام الرضا عليه السلام، و قالوا إنّ موسى بن جعفر حيّ يرزق لم يمت بعدُ، و صاروا كالكيسانيّة القائلين بحياة محمّد ابن الحنفيّة من أجل أن لا ينقادوا إلى إمامهم الحيّ السجّاد زين العابدين عليه السلام.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

230
  • و كمثل عُمر الذي نادى بعد رحيل رسول الله صلّى الله عليه و آله أنّ محمّداً لم يمت و سيعود بعد أربعين يوماً فيحارب المنافقين، كلّ ذلك من أجل أن يهب الفرصة لأبي بكر الذي كان خارج المدينة في سُنْح‌۱ ليعود إليها، و لئلّا يبايع الناس أمير المؤمنين عليه السلام، فلمّا وصل أبو بكر و قال: إنّ رسول الله قد مات، تابعه عمر فقال: إنّ النبيّ قد مات حقّاً!

  • نعم، لقد قال وكلاء الإمام موسى بن جعفر بعد شهادته: إنّ الإمامة قد خُتمت بهذا الإمام، فلا إمام بعده. لذا صاروا يُدعون‌ بالواقفيّة. و لقد جحد هؤلاء علناً و استكبروا في إنكارهم حجّة الله عليّ بن موسى الرضا عليه السلام و كذّبوه و هو والي هذه الولاية؛ فأيّة غربة أشدّ من هذه و أمضّ؟!

  • و لم يكتفِ هؤلاء بجحودهم و عدم انقيادهم له، بل صاروا كذلك يدعون شيعة أبيه موسى بن جعفر عليهما السلام إلى أنفسهم و يمنعونهم من متابعة ثامن الأئمّة، و لجؤوا إلى تشكيل جماعات و أحزاب لأنفسهم و إلى إحداث البدعة في هذا الدين، و شكّلوا فرقة خاصّة في الإسلام تدعى بالواقفيّة.

  • و نورد هنا إجمالًا -كشاهد و مثال- مطالب عن أحد كبار وكلاء الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام و من دعائم فرقة الواقفيّة و هو عليّ بن أبي حمزة البطائنيّ؛ قال في «رجال المامقانيّ»: عليّ بن أبي حمزة بن سالم البطائنيّ، لقد كان أبوه رجلًا صالحاً، و قد عدّه الشيخ (الطوسيّ) من أصحاب الصادق و من أصحاب الكاظم عليهما السلام، و قال عنه إنّه واقفيّ المذهب.

    1. بالسين المهموسة المضمومة و بعدها النون الساكنة و الحاء المهملة: مكان يبعد فرسخاً عن المدينة كان يسكن فيه أهل أبي بكر و كان قد ذهب لرؤيتهم.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

231
  • وَ قَالَ عنه النَّجَاشِيّ: رَوَى عَنْ أبي الحَسَنِ مُوسَى عَلَيهِ السَّلَامُ وَ رَوَى عَنْ أبي عَبْدِ اللهِ عَلَيهِ السَّلَامُ، ثُمَّ وَقَفَ؛ وَ هُوَ أحَدُ عُمُدِ الوَاقِفَةِ.

  • وَ مِثلُهُ في «الخُلَاصَةِ» مُضِيفاً إلى ذَلِكَ قَوْلَهُ: قَالَ الشَّيْخُ الطُّوسِيّ رَحمَةُ اللهِ عَلَيهِ في عِدَّةِ مَوَاضِع: إنَّهُ واقِفِيّ. وَ قَالَ: أبُو الحَسَنِ عَلِيّ بْنُ الحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ: عَلِيّ بْنُ أبي حَمْزَةَ كَذَّابٌ مُتَّهَمٌ مَلْعُونٌ. قَدْ رَوَيْتُ عَنْهُ أحَادِيثَ كَثِيرَةً وَ كَتَبْتُ عَنْهُ تَفْسِيرَ القُرْآنِ مِنْ أوَّلِهِ إلى آخِرِهِ إلَّا أنِّي لَا أسْتَحِلُّ أنْ أرْوِي عَنْهُ حَدِيثاً وَاحِداً.

  • وَ قَالَ ابْنُ الغَضَائِرِيّ: عَلِيّ بْنُ أبي حَمْزَةَ لَعَنَهُ اللهُ أصْلُ الوَقْفِ وَ أشَدُّ الخَلْقِ عَدَاوَةً لِلْمَوْلَى (يعني الرِّضَا عَلَيهِ السَّلَامُ) بَعْدَ أبي إبْرَاهِيمَ عَلَيهِ السَّلَامُ - انْتَهَى مَا في «الخُلاصَة» انتهى موضع الحاجة.

  • ثمّ يورد روايات كشاهد على المطلب نذكر بعضها هنا، و قد وردت هذه الروايات في «رجال» الكشّيّ.

  • بعض الاخبار الواردة بشأن عليّ بن أبي حمزة البطائنيّ‌

  • و مِنْهَا مَا رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أبُو عَلِيّ الفَارِسِيّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: دَخَلْتُ علي الرِّضَا عَلَيهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: مَاتَ عَلِيّ بْنُ أبي حَمْزَةَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ! قَالَ: قَدْ دَخَلَ النَّارَ.

  • فَفَزِعْتُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: أمَا إنَّهُ سُئِلَ عَنِ الإمَامِ بَعْدَ مُوسَى عَلَيهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: إنِّي لَا أعْرِفُ إمَاماً بَعْدَهُ، فَضُرِبَ في قَبْرِهِ ضَرْبَةً اشْتَعَلَ قَبْرُهُ نَاراً.

  • وَ مِنْهَا مَا رَوَاهُ عَنْ حَمْدَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي الحَسَنُ بْن مُوسَى، عَنْ دَاوُد بْنِ مُحَمَّدِ، عَنْ أحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أبي نَصْرٍ قال: وَقَفَ أبُو الحَسَنِ الرِّضَا عَلَيهِ السَّلَامُ في بَنِي زُرَيْقٍ فَقَالَ لِي وَ هُوَ رَافِعٌ صَوْتَهُ: يَا أحْمَدُ! قُلْتُ: لَبَّيْكَ. قَالَ: إنَّهُ لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صلّى اللهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

232
  • جَهَدَ النَّاسُ في إطْفَاءِ نُورِ اللهِ فَأبَى اللهُ إلَّا أنْ يُتِمَّ نُورَهُ بِأمِيرِ المُؤْمِنِي عَلَيهِ السَّلَامُ؛ فَلَمَّا تُوُفِّيَ أبُو الحَسَنِ عَلَيهِ السَّلَامُ جَهَدَ عَلِيّ بْنُ أبي حَمْزَةَ في إطْفَاءِ نُورِ اللهِ، فَأبَى اللهُ إلَّا أنْ يُتِمَّ نُورَهُ.

  • وَ إنَّ أهْلَ الحَقِّ إذَا دَخَلَ فِيهِمْ دَاخِلٌ سَرُّوا بِهِ وَ إذَا خَرَجَ مِنْهُمْ خَارِجٌ لَمْ يَجْزَعُوا عَلَيهِ، وَ ذَلِكَ أنَّهُمْ على يَقِينٍ مِنْ أمْرِهِمْ. وَ إنَّ أهْلَ البَاطِلِ إذَا دَخَلَ فِيهِمْ دَاخِلٌ سَرُّوا بِهِ وَ إذَا خَرَجَ مِنْهُمْ خَارِجٌ جَزَعُوا عَلَيهِ، وَ ذَلِكَ أنَّهُمْ على شَكٍّ مِنْ أمْرِهِمْ. إنَّ اللهَ جَلَّ جَلَالُهُ يَقُولُ: ﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَ مُسْتَوْدَعٌ﴾.۱

  • قَالَ: ثُمَّ قَالَ أبُو عَبْدِ اللهِ عَلَيهِ السَّلَامُ: المُسْتَقَرُّ: الثَّابِتُ، وَ المُسْتَوْدَعُ: المُعَارُ.

  • وَ مِنْهَا مَا رَوَاهُ عَنْ عَلِيّ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَحَمَّدُ بْنُ أحْمَدَ، عَنْ أحْمَدَ بْنِ الحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ، عَنْ أحْمَدَ بْنِ الفَضْلِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: مَاتَ أبُو الحَسَنِ عَلَيهِ السَّلَامُ وَ لَيْسَ مِنْ قُوَّامِهِ أحَدٌ إلَّا وَ عِنْدَهُ المَالُ الكَثيِرُ وَ كَانَ ذَلِكَ سَبَبَ وَقْفِهِمْ، وَ جُحُودِهِمْ مَوْتَهُ، وَ كَانَ عِنْدَ عَلِيّ بْنِ أبي حَمْزَةَ ثَلَاثُونَ ألْفَ دِينَارٍ.

  • وَ مِنْهَا مَا رَوَاهُ عَلِيّ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أحْمَدَ، عَنْ أبي عَبْدِ اللهِ الرَّازِيّ، عَنْ أحْمَدَ بْنِ أبي نَصْرٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ بْنِ الفُضَيْلِ، عَنْ‌ أبي‌ الحَسَنِ الرِّضَا عَلَيهِ السَّلَامُ قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ! إنِّي خَلَّفْتُ ابْنَ أبي حَمْزَةَ وَ ابْنَ مَهْرَانَ وَ ابْنَ أبي سَعِيدٍ أشَدَّ أهْلِ الدُّنْيَا عَدَاوَةً لِلَّهِ.

  • قَالَ: فَقَالَ: مَا ضَرَّكَ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتَ! إنَّهُمْ كَذَّبُوا رَسُولَ اللهِ صلّى اللهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، وَ كَذَّبوا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ عَلَيهِ السَّلَامُ، وَ كَذَّبوا

    1. الآية ٩۸، من السورة ٦: الأنعام: وَ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَ مُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

233
  • فُلَاناً وَ فُلَاناً، وَ كَذَّبُوا جَعْفَراً وَ مُوسَى؛ وَ لِيَ بِآبَائِي عَلَيهِمُ السَّلَامُ اسْوَةٌ.

  • قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ! إنَّا نَرْوِي أنَّكَ قُلْتَ لِابْنِ مَهْرَانَ: أذْهَبَ اللهُ نُورَ قَلْبِكَ؛ وَ أدْخَلَ الفَقْرَ بَيْتَكَ! فَقَالَ: كَيْفَ حَالُهُ وَ حَالُ بِرِّهِ؟ قُلْتُ: يَا سَيِّدِي! أشَدُّ حَالٍ؛ هُمْ مَكْرُوبُونَ بِبَغْدَادَ وَ لَمْ يَقْدِرِ الحُسَيْنُ أنْ يَخْرُجَ إلى العُمْرَةِ، فَسَكَتَ.

  • وَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ في ابْنِ أبي حَمْزَةَ: أمَا اسْتَبَانَ لَكُمْ كِذْبُهُ؟! أ لَيْسَ هُوَ الذي يَرْوِي أنَّ رَأسَ المَهْدِيّ يُهْدَى إلى عِيسَى بْنِ مُوسَى وَ هُوَ صَاحِبُ السُّفْيَانِيّ؟! وَ قَالَ: إنَّ أبَا الحَسَنِ عَلَيهِ السَّلَامُ يَعُودُ إلى ثَمَانِيَةِ أشْهُرٍ؟

  • وَ مِنْهَا مَا رَوَاهُ بِسَنَدٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَهْلٍ في حَدِيثٍ أسْبَقْنَا نَقْلَهُ في تَرْجَمَةِ الحَسَنِ بْنِ أبي سَعِيدٍ المُكَارِيّ تَضَمَّنَ مُكَالَمَةَ عَلِيّ بْنِ أبي حَمْزَةَ هَذَا مَعَ الرِّضَا عَلَيهِ السَّلَامُ وَ إنْكَارَهُ إمَامَتَهُ وَ وَقْفَهُ على أبِيهِ الكَاظِمِ عَلَيهِ السَّلَامُ وَ إنْكَارَهُ مَوْتَهُ.۱

  • نقلنا هنا بعض الروايات الواردة في «رجال الكشّيّ». ثمّ ينقل المرحوم المامقانيّ بعض الروايات الواردة عن الشيخ في كتاب «الغيبة» توضّح شدّة عناده مقابل ثامن الحجج عليهم السلام، مع أنّه كان قبل ذلك يُعلن أمر الوصاية إلى الإمام عليه السلام. ثمّ يذكر أيضاً:

  • وَ رَوَى في «العُيُونِ» في الصَّحِيحِ عَنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيّ الخَزَّازِ قَالَ: خَرَجْنَا إلى مَكَّةَ وَ مَعَنَا عَلِيّ بْنُ أبي حَمْزَةَ، وَ مَعَهُ مَالٌ وَ مَتَاعٌ. فَقُلْنَا: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: هَذَا لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ عَلَيهِ السَّلَامُ؛ أمَرَنِي أنْ أحْمِلَهُ إلى عَلِيّ ابْنِهِ، وَ قَدْ أوْصَى إلَيْهِ.

    1. «تنقيح المقال» ج ٢، ص ٢٦۰ و ٢٦۱، ذيل الرقم ۸۱۱۱، طبعة القطع الكبير (الرحليّ).

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

234
  • ثُمَّ قَالَ: قَالَ مُصَنِّفُ هَذَا الكِتَابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إنَّ عَلِيّ بْنَ أبي حَمْزَةَ أنْكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ وَفَاةِ مُوسَى، وَ حَبَسَ المَالَ عَنِ الرِّضَا عَلَيهِ السَّلَامُ.۱

  • نعم، تتّضح غُربة الإمام عليه السلام في عصر المحنة ذلك، و هو عصر هارون الرشيد ثمّ المأمون بن الرشيد بمطالعة أحوال الواقفيّة و عناد رؤسائهم بشأن الإمام الرضا عليه السلام.

  • إنكار ولد الإمام الرضا، يمثّل إحدى جهات غربته‌

  • الثالثة: إنكار إمامة ولده محمّد بن عليّ سلام الله عليهما، بل إنكار أنّ له ولد أصلًا. و لم يصدر هذا الأمر من الغرباء فقط، بل إنّ الأقارب مثل أعمام الإمام و أولاد أعمامه كانوا قد أنكروا إمامة و وصاية قرّة العين ذلك الإمام، و كانت تبدر منهم المخالفات التي يواجهون بها الإمام، مثل مخالفة أخيه زيد النار.

  • و في «بحار الأنوار» رواية مفصّلة حول مجي‌ء ثمانين نفراً من علماء بغداد و علماء سائر البلدان لحجّ بيت الله الحرام، فيأتون المدينة لمشاهدة أبي جعفر عليه السلام.

  • و ورد في تلك الرواية أنّ عبد الله بن موسى عمّ الإمام الجواد ورد في ذلك المجلس الذي انعقد في بيت الإمام الصادق عليه السلام، فقام منادٍ فنادى: هذا ابن رسول الله، فمن أراد السؤال فليسأله.

  • فيطرح عليه الحضور أسئلتهم فلا يجيبهم عبد الله جواباً شافياً، ثمّ يدخل جواد الأئمّة عليه السلام و هو صبيّ لم يتجاوز السبع سنين فيجيب الحاضرين على أسئلتهم، فيسرّون بذلك و يدعون له و يُثنون عليه. ثمّ قالوا له: إنّ عمّك عبد الله أفتى بكيت و كيت! فنظر الإمام عليه السلام إلى عمّه فقال:

    1. «تنقيح المقال» ج ٢، ص ٢٦٢.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

235
  • لَا إلَهَ إلَّا اللهُ. يَا عَمِّ! إنَّهُ عَظِيمٌ عِنْدَ اللهِ أنْ تَقِفَ غَداً بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَقُولُ لَكَ: لِمَ تُفْتِي عِبَادِي بِمَا لَمْ تَعْلَمْ وَ في الامَّةِ مَنْ هُوَ أعْلَمُ مِنْكَ‌؟ إلى آخر الرواية التي حوت مطالب نفيسة و قيّمة. و قد روى هذه الرواية جدّنا المرحوم المجلسيّ رضوان الله عليه عن كتاب «عيون المعجزات».۱

  • و قد نقل المرحوم الشيخ الأنصاريّ في «المكاسب المحرَّمة» في باب حرمة القيافة رواية جديرة بالتأمّل:

  • عَنِ «الكَافِي» عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى بْنِ النُّعْمَانِ الصَّيْرَفِيّ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيّ بْنَ جَعْفَرٍ يُحَدِّثُ الحَسَنَ بْنَ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيّ بْنِ الحُسَيْنِ فَقَالَ: وَ اللهِ لَقَدْ نَصَرَ اللهُ أبَا الحَسَنِ الرِّضَا عَلَيهِ السَّلَامُ. فَقَالَ الحَسَنُ: إي وَ اللهِ جُعِلْتُ فِدَاكَ؛ لَقَدْ بَغَي عَلَيهِ إخْوَتُهُ. فَقَالَ عَلِيّ بْنُ جَعْفَرٍ: إي وَ اللهِ؛ وَ نَحْنُ عُمُومَتُهُ بَغَيْنَا عَلَيهِ. فَقَالَ لَهُ الحَسَنُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ كَيْفَ صَنَعْتُمْ؟ فَإنِّي لَمْ أحْضُرْكُمْ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ إخْوَتُهُ وَ نَحْنُ أيْضاً: مَا كَانَ فِينَا إمَامٌ قَطُّ حَائِلُ اللَوْنِ.٢

  • فَقَالَ لَهُمُ الرِّضَا: هُوَ ابْنِي. فَقَالُوا: إنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى اللهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قَضَى بِالقَافَةِ،٣ فَبَيْنَنَا وَ بَيْنَكَ القَافَةُ. فَقَالَ: ابْعَثُوا أنْتُمْ إلَيْهِمْ وَ أمَّا أنَا فَلَا. وَ لَا تُعْلِمُوهُمْ لِمَا دَعَوْتُمُوهُمْ إلَيْهِ، وَ لْتَكُونُوا في بُيُوتِكُمْ!

  • فَلَمَّا جَاءُوا وَ قَعَدْنا في البُسْتَانِ وَ اصْطَفَّ عُمُومَتُهُ وَ إخْوَتُهُ وَ أخَوَاتُهُ‌

    1. «بحار الأنوار» ج ۱٢، ص ۱٢٤، طبعة الكمبانيّ، في تأريخ الإمام أبي جعفر محمّد بن عليّ الجواد عليه السلام، باب فضائله و أحوال خلفاء زمانه و أصحابه، عن «عيون المعجزات»: لَمَّا قُبِضَ الرِّضَا عَلَيهِ السَّلَامُ كَانَ سِنُّ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيهِ السَّلَامُ نحو سَبْعِ سِنِينَ فَاخْتُلِفَتِ الكَلِمَةُ بين النَّاسِ بِبَغْدَادَ وَ في الأمْصَارِ (الرواية)، و هي رواية طويلة.
    2. حَالَ لَوْنُهُ: تَغَيَّرَ وَ اسْوَدَّ.
    3. القَافَةُ: جَمْعُ القَائِفِ، وَ هُوَ الَّذِي يَعْرِفُ الآثَارَ وَ الأشْبَاهَ وَ يَحْكُمُ بِالنَّسَبِ.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

236
  • وَ أخَذُوا الرِّضَا عَلَيهِ السَّلَامُ وَ ألْبَسُوهُ جُبَّةً مِنْ صُوْفٍ وَ قَلَنْسُوَةً وَ وَضَعُوا على عُنُقِهِ مِسْحَاةً وَ قَالُوا لَهُ: ادْخُلِ البُسْتَانَ كَأنَّكَ تَعْمَلُ فِيهِ! ثُمَّ جَاءُوا بِأبِي جَعْفَرٍ عَلَيهِ السَّلَامُ وَ قَالُوا: ألْحِقُوا هَذَا الغُلَامَ بِأبِيهِ! فَقَالُوا: لَيْسَ لَهُ هُنَا أبٌ؛ وَ لَكِنْ هَذَا عَمُّ أبِيهِ، وَ هَذَا عَمُّهُ، وَ هَذِهِ عَمَّتُهُ، وَ إنْ يَكُنْ لَهُ هُنَا أبٌ فَهُوَ صَاحِبُ البُسْتَانِ؛ فإنَّ قَدَمَيْهِ وَ قَدَمَيْهِ وَاحِدَةٌ.

  • فَلَمَّا رَجَعَ أبُو الحَسَنِ عَلَيهِ السَّلَامُ قَالُوا: هَذَا أبُوهُ‌.

  • فَقَالَ عَلِيّ بْنُ جَعْفَرٍ: فَقُمْتُ وَ مَصَصْتُ رِيقَ أبي جَعْفَرٍ عَلَيهِ السَّلَامُ وَ قُلْتُ لَهُ: أشْهَدُ أنَّكَ إمَامِي عِنْدَ اللهِ. فَبَكَى الرِّضَا عَلَيهِ السَّلامُ ثُمَّ قَالَ: يَا عَمِّ! أ لَمْ تَسْمَعْ أبي وَ هُوَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى اللهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: بِأبِي ابْنُ خِيَرَةِ الإمَاءِ! ابْنُ النُّوْبِيَّةِ الطَّيِّبَةِ الفَمِ، المُنْتَجَبَةِ الرَّحِمِ. وَيْلَهُمْ! لَعَنَ اللهُ الاعَيْبِسَ وَ ذُرِّيَّتَهُ صَاحِبَ الفِتْنَةِ؛ وَ يَقْتُلُهُمْ سِنِينَ وَ شُهُوراً وَ أيَّاماً يَسُومُهُمْ خَسْفاً وَ يَسْقِيهِمْ كَأساً مُصَبَّرَةً.

  • وَ هُوَ الطَّرِيدُ الشَّرِيدُ المَوْتُورُ۱ بِأبِيهِ وَ جَدِّهِ صَاحِبُ الغَيْبَةِ؛ يُقَالُ: مَاتَ أوْ هَلَكَ، أيّ وَادٍ سَلَكَ! أ فَيَكُونُ هَذَا يَا عَمِّ إلَّا مِنِّي؟! فَقُلْتُ: صَدَقْتَ جُعِلْتُ فِدَاكَ!

  • و قد روى المرحوم الأنصاريّ هذه الرواية إلى فقرة أشْهَدُ أنَّكَ إمَامِي، و أوردنا تتمّتها من «اصول الكافي».٢

  • أ فليس غريباً هذا الإمام الذي يبكي و ينكسر قلبه لإجباره على‌

    1. أورد في «أقرب الموارد»: وَتَرَهُ (باب ض) يَتِرُهُ وَتْراً وَ تِرَةً: أصَابَهُ بِذُحْلٍ أوْ ظُلْمٍ فِيهِ. وَ في «الأسَاسِ»: وَ تَرتُ الرَّجُلَ: قَتَلْتُ حَمِيمَهُ فَأفْرَدْتُهُ مِنْهُ. المَوتُورُ: اسْمُ مَفْعُولٍ؛ يُقَالُ: فُلَانٌ مَوْفُورٌ غَيْرُ مَوْتُورٍ، وَ مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَلَمْ يُدرِكْ بِدْمِهِ.
    2. «اصول الكافي» ج ۱، ص ٣٢٢ و ٣٢٣، كتاب الحجّة، باب الإشارة و النصّ علي أبي جعفر الثاني عليه السلام، طبعة مكتبة الصدوق، سنة ۱٣٩۱.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

237
  • التحاكم إلى القافة لتعريف ابنه إلى أعمامه و هم أقرب الناس إليه، في حين أنّه لم يكن ليرضى بالقيافة التي نهى عنها رسول الله صلّى الله عليه و آله؟!

  • هذا و قد روى هذه الرواية في «الكافي» عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، و عليّ بن محمّد القاسانيّ جميعاً عن زكريا بن يحيى الصيرفيّ.

  • كما أنّ إحدى جهات غربة الإمام الرضا عليه السلام أنّه قد بيّن مطالب نفيسة و راقية في باب معرفة و توحيد ذات الباري القدسيّة، مسطورة في «عيون أخبار الرضا» و سائر الكتب، و كان ينبغي ايجاد مدارس للبحث و التأمّل في هذه الروايات و إدراجها في الحوزات العلميّة لتحليلها و دراستها و فهم معانيها، و لكن و للأسف فلم يجر أيّ بحث لها، بل بقيت حقائق هذه المعاني في بوتقة الخفاء مستورة عن أفهام الطلبة، و هي غربة تفوق في مضاضتها و شدّتها جميع مراتب غربته السابقة، صلوات الله عليه.

  • و أمّا المسألة الثانية:

  • علّة اشتهاره بـ : «غَوْث هَذِهِ الامَّةِ وَ غياثِهَا»

  • في «عيون أخبار الرضا» في باب النصّ على إمامته: حَدَّثَنَا أبي، وَ مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ أحْمَدَ بْنِ الوَلِيدِ، وَ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ المُتَوَكِّلِ، وَ أحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى العَطَّارِ، وَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيّ مَاجِيلَوَيْهِ؛ قَالُوا:

  • حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى العَطَّارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أحْمَدَ بْنِ يَحْيَى بْنِ عِمْرَانَ الأشْعَرِيّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّامِيّ، عَنْ الحَسَنِ بْنِ مُوسَى الخَشَّابِ، عَنْ عَلِيّ بْنِ أسْبَاطٍ، عَنِ الحُسَيْنِ مَوْلَى أبي عَبْدِ اللهِ، عَنْ أبي الحَكَم، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الجَعْفَرِيّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ سَلِيطٍ الزَّيْدِيّ؛ قَالَ: لَقِينَا أبَا عَبْدِ اللهِ عَلَيهِ السَّلَامُ في طَرِيقِ مَكَّةَ وَ نَحْنُ جَمَاعَةٌ.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

238
  • فَقُلْتُ لَهُ: بِأبِي أنْتَ وَ امِّي! أنْتُمُ الأئِمَّةُ المُطَهَّرُونَ، وَ المَوْتُ لَا يَعْرَى‌۱ مِنْهُ أحَدٌ؛ فَأحْدِثْ إلَيّ شَيْئاً الْقِيهِ إلى مَنْ يَخْلِفُنِي.٢

  • فَقَالَ لِي: نَعَمْ هَؤُلَاءِ وُلْدِي، وَ هَذَا سَيِّدُهُمْ -وَ أشَارَ إلى ابْنِهِ مُوسَى عَلَيهِ السَّلَامُ- وَ فِيهِ الحِلْمُ، وَ عِلْمُ الحُكْمِ‌٣، وَ الفَهْمُ، وَ السَّخَاءُ، وَ المَعْرِفَةُ بِمَا٤ يَحْتَاجُ النَّاسُ إلَيْهِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ أمْرِ دِينِهِمْ، وَ فِيهِ حُسْنُ الخُلُقِ وَ حُسْنُ الجَوَارِ٥، وَ هُوَ بَابٌ مِنْ أبْوَابِ اللهِ تعالى عَزَّ وَ جَلَّ، وَ فِيهِ اخْرَى هي خَيْرٌ مِنْ هَذَا كُلِّهِ.

  • فَقَالَ لَهُ أبي: وَ مَا هي، بِأبِي أنْتَ وَ امِّي؟

  • قَالَ: يُخْرِجُ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْهُ غَوْثَ‌٦ هَذِهِ الامَّةِ وَ غِيَاثَهَا وَ عِلْمَهَا وَ نُورَهَا وَ فَهْمَهَا وَ حُكْمَهَا۷.

  • خَيْرُ مَوْلُودٍ وَ خَيْرُ نَاشِئٍ، يَحقِنُ اللهُ بِهِ الدِّمَاءَ، وَ يُصْلِحُ بِهِ ذَاتَ البَيْنِ وَ يَلُمُّ بِهِ الشَّعَثَ‌۸، وَ يَشْعَبُ بِهِ الصَّدْعَ‌٩، وَ يَكْسُو بِهِ العَارِي، وَ يُشْبِعُ بِهِ‌

    1. لا يبرئ - خ ل.
    2. خلفي - خ ل.
    3. قال المجلسيّ في «مرآة العقول»: المراد بالحكم: الحكمة و فصل الخصام.
    4. ممّا - خ ل.
    5. ورد في نسخة «الكافي»: «حسن الجواب» بدل «حسن الجوار»؛ أي أنّه عليه السلام يدّل كلّ سائل إلي حقيقة مطلبه.
    6. الغوث، إعانة المضطرّ؛ و الغياث: بمعني الشي‌ء الذي ينحصر به رفع الحاجة. أي أنّ الإمام الرضا عليه السلام هو العماد و الأساس الوحيد لمساعدة المضطرّين من هذه الامّة و إعانتهم، و ملجؤهم الوحيد، سواء كانوا من الشيعة أم من غيرهم.
    7. يعني حكمته و فصله للخصام و حكمه القاطع أمام الآراء و الأفكار.
    8. الشَّعَثُ: الأمْرُ، وَ لَمَّ اللهُ بِهِ شَعَثَهُمْ: جَمَعَ بِهِ أمْرَهُمْ.
    9. شَعَبَ شَعْباً الشَّي‌ءَ: جَمَعَهُ، وَ الشَّعْبُ: الجَمْعُ. و الصَّدْع: التَّفَرُّقُ. و معنى وَ يَشْعَبُ بِهِ الصَّدْعَ، أي يلمّ به التفرّق و يجمعه.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

239
  • الجَائِعَ، وَ يُؤْمِنُ بِهِ الخَائِفَ، وَ يُنْزِلُ بِهِ القَطْرَ، وَ يَأتَمِرُ بِهِ العِبَادُ۱. خَيْرُ كَهْلٍ وَ خَيْرُ نَاشِئٍ، يُبَشِّرُ بِهِ عَشِيرَتَهُ قَبْلَ أوَانِ حُلُمِهِ.٢

  • قَوْلُهُ حُكْمٌ؛ وَ صَمْتُهُ عِلْمٌ؛ يُبَيِّنُ لِلنَّاسِ مَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ.

  • قَالَ: فَقَالَ أبي: بِأبِي أنْتَ وَ امِّي! فَيَكُونُ لَهُ وَلَدٌ بَعْدَهُ؟!

  • فَقَالَ: نَعَمْ. ثُمَّ قَطَعَ الكَلَامَ.

  • قَالَ يَزِيدُ: ثُمَّ لَقِيتُ أبَا الحَسَنِ -يَعْنِي مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ عَلَيهِمَا السَّلَامُ- بَعْدُ، فَقُلْتُ: بِأبِي أنْتَ وَ امِّي! إنِّي ارِيدُ أنْ تُخْبِرَنِي بِمِثْلِ مَا أخْبَرَنِي بِهِ أبُوكَ!

    1. يَأتَمِرُ بِهِ العِبَادُ أي يتشاوَرَ العِبادُ به.
    2. ورد في نسخة «الكافي»: يَسُودُ عَشِيرَتَهُ، أي أنّه كان عليه السلام على قدر من الهيبة و المتانة و الرزانة و الدراية بحيث كان له التفوّق و السيادة قبل بلوغه على جميع أفراد عشيرته من أعمامه و بني عمومته.
      و ورد هنا في نسخة «الكافي»: فَقَالَ لَهُ أبي: بِأبِي أنْتَ وَ امِّي! وَ هَلْ وُلِدَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَ مَرَّتْ بِهِ سِنُونَ.
      و قد أشكل على ذلك المرحوم المجلسيّ في شرحه لهذه العبارة في «مرآة العقول» ج ٣، ص ٣٥۰، الطبعة الحروفيّة، المطبعة الحيدريّة، الطبعة الثانية، سنة ۱٣٩٤ هـ. ق؛ لأنّ ولادة الرضا عليه السلام كانت في سنة وفاة الصادق عليه السلام. (الولادة ۱۱ ذي القعدة ۱٤۸ هـ. ق، و وفاة الصادق ٢٥ شوّال ۱٤۸ هـ. ق) و عليه فإمّا يجب أن يقال «فقال له» بدون لفظ «أبي» كما ورد في بعض النسخ، و في هذه الحال فإنّ السائل ليس بسليط، بل السائل يزيد أو من روى عن يزيد، و المسئول هو أبو إبراهيم عليه السلام و ليس الصادق عليه السلام. و إمّا في النسخ التي ورد فيها لفظ «أبي» فإنّ هذا التوجيه لا يصحّ و ينبغي أن نقول إنّ السائل كان سليطاً و المسئول أبا إبراهيم و لكن ذلك بعد سنوات من هذا اللقاء. و أمّا الرواية الواردة في «العيون» فقد وردت بلفظ فَقَالَ أبي: بِأبِي أنْتَ وَ امِّي! فَيَكُونُ لَهُ وَلَدٌ بَعْدَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ قَطَعَ الكَلامَ. فلا حاجة للتكلّف في تأويل العبارة.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

240
  • قَالَ: فَقَالَ: كَانَ أبي عَلَيْهِ السَّلَامُ في زَمَنٍ‌۱ لَيْسَ هَذَا مِثْلَهُ.

  • قَالَ يَزِيدُ: فَقُلْتُ: مَنْ يَرْضَى مِنْكَ بِهَذَا فَعَلَيهِ لَعْنَةُ اللهِ!

  • قَالَ: فَضَحِكَ، ثُمَّ قَالَ: اخْبِرُكَ يَا أبَا عِمَارَةَ: إنِّي خَرَجْتُ مِنْ مَنْزِلِي، فَأوْصَيْتُ في الظَّاهِرِ إلى بَنِيّ فَأشْرَكْتُهُمْ مَعَ ابْنِي عَلِيّ؛ وَ أفْرَدْتُهُ بِوَصِيَّتِي في البَاطِنِ؛ وَ لَقَدْ رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ في المَنَامِ وَ أمِيرَ المُؤْمِنِينَ عَلَيهِ السَّلَامُ مَعَهُ وَ مَعَهُ خَاتَمٌ وَ سَيْفٌ وَ عَصَى‌٢ وَ كِتَابٌ وَ عِمَامَةٌ.

  • فَقُلْتُ لَهُ: مَا هَذَا؟

  • فَقَالَ: أمَّا العِمَامَةُ فَسُلْطَانُ اللهِ تعالى، وَ أمَّا السَّيْفُ فَعِزَّةُ اللهِ، وَ أمَّا الكِتَابُ فَنُورُ اللهِ، وَ أمَّا العَصَا فَقُوَّةُ اللهِ، وَ أمَّا الخَاتَمُ فَجَامِعُ هَذِهِ الامُورِ.

  • ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى اللهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: وَ الأمْرُ يَخْرُجُ إلى عَلِيّ ابْنِكَ.

  • قَالَ: ثُمَّ قَالَ: يَا يَزِيدُ! إنَّهَا وَدِيعَةٌ عِنْدَكَ؛ فَلَا تُخْبِرْ بِهَا إلَّا عَاقِلًا، أوْ عَبْداً امْتَحَنَ اللهُ قَلْبَهُ لِلإيمَانِ، أوْ صَادِقاً. وَ لَا تَكْفُرْ نِعَمَ اللهِ تعالى، وَ إنْ سُئِلْتَ عَنِ الشَّهَادَةِ فَأدِّهَا؛ فَإنَّ اللهَ تعالى يَقُولُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى‌ أَهْلِها﴾٣، وَ قَالَ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ: ﴿وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ﴾.٤

  • فَقُلْتُ: وَ اللهِ مَا كُنْتُ لأفْعَلَ هَذَا أبَداً.

  • قَالَ: ثُمَّ قَالَ أبُو الحَسَنِ عَلَيهِ السَّلَامُ: ثُمَّ وَصَفَهُ لِي رَسُولُ اللهِ‌

    1. زمان - خ ل.
    2. حسب قواعد الكتابة، حين تقع الواو ثالثةً و تُقلب ألفاً، فإنّها يجب أن تُكتب ألفاً لا ياءً و لأن «عصو» من باب الناقص الواوي، فإنّها يجب أن تكتب «عصاً».
    3. صدر الآية ٥۸، من السورة ٤: النساء.
    4. الآية ۱٤۰، من السورة ٢: البقرة.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

241
  • صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، فَقَالَ: عَلِيّ ابْنُكَ الذي يَنْظُرُ بِنُورِ اللهِ، وَ يَسْمَعُ بِتَفْهِيمِهِ [بِتَفَهُّمِهِ - خ ل‌]، وَ يَنْطِقُ بِحِكْمَتِهِ، يُصِيبُ وَ لَا يُخْطِئُ، وَ يَعْلَمُ وَ لَا يَجْهَلُ، وَ قَدْ مُلِئَ حُكْماً [حِلْماً - خ ل‌] وَ عِلْماً. وَ مَا أقَلَّ مَقَامَكَ مَعَهُ، إنَّمَا هُوَ شَي‌ءٌ كَأنْ لَم يَكُنْ. فَإذَا رَجَعْتَ مِنْ سَفَرِكَ فَأصْلِحْ أمْرَكَ وَ افْرُغْ مِمَّا أرَدْتَ، فَإنَّكَ مُنْتَقِلٌ عَنْهُ وَ مُجَاوِرٌ غَيْرَهُ، فَاجْمَعْ وُلْدَكَ وَ أشْهِدِ اللهَ عَلَيْهِمْ جَمِيعاً وَ كَفَى بِاللهِ شَهِيداً.

  • ثُمَّ قَالَ: يَا يَزِيدُ! إنِّي اوخَذُ في هَذِهِ السَّنَةِ وَ عَلِيّ ابْنِي سَمِيّ عَلِيّ ابْنِ أبي طَالِبٍ عَلَيهِ السَّلَامُ وَ سَمِيّ عَلِيّ بْنِ الحُسَيْنِ عَلَيهِ السَّلَامُ، اعْطِيَ فَهْمَ الأوَّلِ وَ عِلْمَهَ وَ نَصْرَهُ [بَصَرَهُ - خ ل‌] وَ رِدَاءَهُ. وَ لَيْسَ لَهُ أنْ يَتَكَلَّمَ إلَّا بَعْدَ هَارُونَ بِأرْبَعِ سِنِينَ، فَإذَا مَضَتْ أرْبَعُ سِنِينَ فَاسْألْهُ عَمَّا شِئتَ يُجِيبُكَ إنْ شَاءَ اللهُ تعالى‌.۱

  • و قد روى المرحوم الكلينيّ هذه الرواية الشريفة مع تتمّتها باختلاف يسير في اللفظ في «اصول الكافي» بسند آخر عن أبي الحكم الأرمنيّ، و رواها أبو الحكم الأرمنيّ بسند آخر عن يزيد بن سليط٢، و هي تستحقّ الرجوع إليها. و أوردها في «إثبات الهداة» بروايتَين منفصلتَين عن الإمام الصادق و الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام قطّعهما و أثبتهما بشكل مختصر تحت رقم ۱۱ و ٣.٣

    1. «عيون أخبار الرضا» ص ۱٥ إلي ۱۷، في باب النصّ علي إمامته، الباب ٤، الطبعة الحجريّة.
    2. «اصول الكافي» ج ۱، ص ٣۱٣، الحديث ۱٤، كتاب الحجّة، باب الإشارة و النصّ علي أبي الحسن الرضا عليه السلام، طبعة مكتبة الصدوق، سنة ۱٣٩۱ هـ. ق.
    3. «إثبات الهداة» ج ٦، ص ٦ و ۷، في الباب ٢٤، في النصوص علي إمامة أبي الحسن الرضا عليه السلام، طبعة دار الكتب الإسلاميّة، طهران.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

242
  • و قال في «رجال الأردبيليّ»: يَزِيدُ بْنُ سَلِيطٍ الزَّيْدِيّ، مِنْ أصْحَابِ الكَاظِمِ عَلَيهِ السَّلَامُ [صه. جخ‌] حَدِيثُهُ طَوِيلٌ [كش. صه‌] عَدَّهُ المُفِيدُ في إرْشَادِهِ مِنْ خَاصَّةِ أبي الحَسَنِ مُوسى عَلَيهِ السَّلَامُ وَ ثِقَاتِهِ وَ مَنْ أهْلِ الوَرَعِ وَ العِلْمِ وَ الفِقْهِ مِنْ شِيعَتِهِ «مح».۱

  • و قال في رسالة «توضيح الاشتباه و الإشكال» تأليف الشيخ محمّد علي ساروي: يزيد بن سَليط -بفتح السين- الزيديّ، من أصحاب الكاظم عليه السلام.٢

  • و قال في «تنقيح المقال»: عدّه الشيخ في رجاله و الكشّيّ و غيرهما، من أصحاب الكاظم عليه السلام. و قال عنه الشيخ: من خواصّ أصحاب الكاظم عليه السلام و ثقاته و من أهل العلم و الورع و الفقه و الرواة من شيعته، روى النصّ على إمامة الرضا عليه السلام‌٣. و من هنا صرّح جمع من الأساطين منهم الملّا صالح المازندرانيّ بأنّ هذه النسبة «الزيديّة» باعتبار النسب لا باعتبار المذهب، و العلّامة الحلّيّ قد زعم أنّ النسبة باعتبار المذهب؛ و توهّم العلّامة و ظنّه هذا من الغرائب، و لعلّ العلّامة لم يلاحظ ذلك الحديث الطويل الذي رواه عن إمامة الإمام الرضا عليه السلام ليتّضح لديه عدم كونه زيديّ المذهب.

  • ثمّ يقول: و قد روي عنه في «الكافي» حديثان طويلان فيهما دلالة على جلالته و أمانته و عدالته، حيث استودعه الإمام عليه السلام سرّاً

    1. «رجال الأردبيليّ» ج ٢، ص ٣٤٣، طبعة شركة (چاپ رنگين)، سنة ۱٣٣٤ هـ. ق.
    2. «رسالة توضيح الاشتباه و الإشكال» ص ٣۰٣، تحت الرقم ۱٤۸٥، طبعة جامعة طهران، سنة ۱٣٤٤ هـ. ش.
    3. «تنقيح المقال» ج ٣، ص ٣٢٦، تحت الرقم ۱٣۱٢۸، طبعة القطع الكبير (الرحليّ).

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

243
  • لا يودع إلّا عند عدل أمين. ثمّ ينقل مقداراً من تلك الروايتين، إحداهما الرواية التي نقلناها.

  • صفة «الغياث» لم ترد في ألقاب أحد من الائمّة عدا الإمام الرضا عليه السلام‌

  • أقول: لم ترد صفة «الغَوْث» و «الغِيَاث» و «يَلُمُّ بِهِ الشَّعَثَ وَ يَشْعَبُ بِهِ الصَّدْعَ وَ يُؤْمِنُ بِهِ الخَائِفَ» في ألقاب الأئمّة عليهم السلام غير بقيّة الله عجّل الله فرجه، و كان الإمام الرضا عليه السلام هو الوحيد الذي وُصِفَ في هذه الرواية بهذه الصفات و الألقاب.

  • و الغوث في اللغة بمعنى المعونة و المساعدة، و الغياث الذي أصله غواث بمعنى الشي‌ء الذي ترفع به حاجة المضطرّ، كالغذاء و الطعام و رأس مال الكسب و غير ذلك.

  • الغَوْثُ وَ الغُوَاثُ وَ الغَوَاثُ: المَعُونَةُ. الغَوْثُ أيْضاً وَ الغِيَاثُ وَ الغَوِيثُ: مَا أغَثْتَ بِهِ المُضْطَرَّ مِنْ طَعَامٍ أوْ نَجْدَةٍ.

  • و يقول في «لسان العرب»: و غَوَّثَ الرَّجُلُ، وَ اسْتَغَاثَ: صَاحَ وا غَوْثَاهُ! وَ الاسْمُ: الغَوْثُ وَ الغُوَاثُ وَ الغَوَاثُ. وَ اسْتَغَاثَنِي فُلَانٌ فَأغَثْتُهُ، وَ الاسْمُ: الغِيَاثُ؛ صَارَتِ الوَاوُ ياءً لِكَسْرَةِ مَا قَبْلَهَا.

  • و ينبغي العلم أنّ «الغياث» لم يأتِ في ألقاب الإمام الحجّة أيضاً، بل إنّه ذكر فقط بلقب الغَوْث و غَوْث الفُقَرَاءِ.

  • يقول في «نجم ثاقب» (بالفارسيّة):

  • سيأتي في الباب التاسع الوجه في تسميته عليه السلام بالغوث‌۱. ثمّ يُورد في الباب التاسع، ص ۱٥٢، رواية ينقل فيها أنّ شخصاً رأى رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم في عالم الرؤيا فعلّمه فيمَ ينبغي له أن يتوسّل بكلّ واحد من الأئمّة، حتّى يصل إلى الحجّة فيقول: إنّه ينبغي‌

    1. «نجم ثاقب» (النجم الثاقب) ص ۱٥٢ و ۱٥٣، الباب ٩، الطبعة الحجريّة.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

244
  • التوسّل به في الاستغاثة من المحن و الشدائد، فيقول مَن يستغيث به: يَا صَاحِبَ الزَّمَانِ أغِثْنِي! يَا صَاحِبَ الزَّمَانِ أدْرِكْنِي! أو يقول: يَا مَوْلَايَ يَا صَاحِبَ الزَّمَانِ! أنَا مُسْتَغِيثٌ بِكَ!

  • ثمّ يقول كذلك: و قد مرّ الوجه في تسميته بغوث الفقراء في رواية سلفت في اللقب الثامن و العشرين. و يقول في ص ٢٣:

  • الثامن و العشرينبَقِيَّةُ الأنْبِيَاءِ؛ و هو مذكور مع ألقاب عدّة اخرى في الخبر الذي رواه الحافظ البرسيّ في «مشارق الأنوار» عن حكيمة خاتون بالنحو الذي نقله عنه العالم الجليل السيّد حسين المفتي الكركيّ سبط المحقّق الثاني في كتاب «دفع المناداة [المناواة]» أنّها قالت: كان مولد القائم عليه السلام ليلة النصف من شعبان- حتّى تصل إلى القول: فجئت به إلى أخِي الحسن بن عليّ عليه السلام فمسح يده الشريفة على وجهه المتلألئ نوراً الذي كان نور الأنوار، و قال: تكلّم يَا حُجَّةَ اللهِ، وَ بَقِيَّةَ الأنْبِيَاءِ، وَ نُورَ الأصْفِيَاءِ، وَ غَوْثَ الفُقَرَاءِ، وَ خَاتَمَ الأوْصِيَاءِ، وَ نُورَ الأتْقِيَاءِ، وَ صَاحِبَ الكرَةِ البَيْضَاءِ!

  • العلاقة بين زيارته الإمام الرضا عليه السلام و زيارة بيت الله في شهر رجب‌

  • و أمّا المسألة الثالثة: العلاقة بين زيارته عليه السلام

  • و زيارة بيت الله في شهر رجب المرجّب‌

  •  

  • فقد روى في «فروع الكافي»: أبُو عَلِيّ الأشْعَرِيّ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيّ الكُوفِيّ، عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ سَيْفٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أسْلَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ:

  • سَألْتُ أبَا جَعْفَرٍ عَلَيهِ السَّلَامُ عَنْ رَجُلٍ حَجَّ حِجَّةَ الإسْلَامِ، فَدَخَلَ مُتَمَتِّعاً بِالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ، فَأعَانَهُ اللهُ على عُمْرَتِهِ وَ حَجِّهِ، ثُمَّ أتَى المَدِينَةَ فَسَلَّمَ على النَّبِيّ صلّى اللهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ [وَ سَلَّمَ‌] ثُمَّ أتَاكَ عَارِفاً بِحَقِّكَ؛ يَعْلَمُ‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

245
  • أنَّكَ حُجَّةُ اللهِ على خَلْقِهِ وَ بَابُهُ الذي يُؤْتَى مِنْهُ، فَسَلَّمَ عَلَيك، ثُمَّ أتَى أبَا عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيهِ فَسَلَّمَ عَلَيهِ، ثُمَّ أتَى بَغْدَادَ وَ سَلَّمَ على أبي الحَسَنِ مُوسَى عَلَيهِ السَّلَامُ، ثُمَّ انْصَرَفَ إلى بِلَادِهِ، فَلَمَّا كَانَ في وَقْتِ الحَجِّ رَزَقَهُ اللهُ الحَجَّ؛ فَأيُّهُمَا أفْضَلُ: هَذَا الذي قَدْ حَجَّ حِجَّةَ الإسْلَامِ يَرْجِعُ أيْضاً فَيَحُجُّ، أوْ يَخْرُجُ إلى خُرَاسَانَ إلى أبِيكَ عَلِيّ بْنِ مُوسَى عَلَيهِ السَّلَامُ فَيُسَلِّمَ عَلَيهِ؟!

  • قَالَ: [لَا] بَلْ يَأتِي خُرَاسَانَ فَيُسَلِّمُ على أبي الحَسَنِ عَلَيهِ السَّلَامُ أفْضَلُ؛ وَ لْيَكُنْ ذَلِكَ في رَجَبٍ؛ وَ لَا يَنْبَغِي أنْ تَفْعَلُوا [في‌] هَذَا اليَوْمِ؛ فَإنَّ عَلَينَا وَ عَلَيكمْ مِنَ السُّلْطَانِ شُنْعَةً.۱

  • و يروي شيخ الطائفة المقدّم المتوفّى سنة ٣٦۷: أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولَوَيْه هذه الرواية المباركة بسند صحيح آخر في كتابه النفيس المعتبر: «كامل الزيارات» نقلًا عن أبيه و عن محمّد بن الحسن و عليّ بن الحسين جميعاً، عن سعد بن عبد الله بن أبي خلف، عن الحسن بن عليّ بن عبد الله بن المغيرة، عن الحسين بن سيف بن عميرة، عن محمّد بن أسلم الجبليّ، عن محمّد بن سليمان قال: سألتُ أبا جعفر عليه السلام... ثمّ يورد الرواية بنفس العبارة التي أوردناها عن «الكافي».

  • بَيدَ أنّ العلّامة الشيخ عبد الحسين الأمينيّ رحمه الله يقول في هامشه على الكتاب: وردتْ عبارة ثُمَّ أتَاكَ بهذه الكيفيّة في نُسخ الكتاب، كما رواها المشهديّ في «المزار الكبير» بإسناده بنفس الطريق الذي ورد في الكتاب. و كذلك رواها الشيخ الصدوق أيضاً بنفس السند، لكنّه أورد مكان‌

    1. «فروع الكافي» ج ٤، ص ٥۸٤، الحديث ٢، كتاب الحجّ و المزار، باب فضل زيارة أبي الحسن الرضا عليه السلام، طبعة مكتبة الصدوق، سنة ۱٣٩۱.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

246
  • قوله: ثُمَّ أتَاكَ إلى قوله: ثُمَّ أتَى عبارة: ثُمَّ أتَى أبَاكَ أمِيرَ المُؤْمِنِينَ عَلَيهِ السَّلَامُ عَارِفاً بِحَقِّهِ يَعْلَمُ أنَّهُ حُجَّةُ اللهِ على خَلْقِهِ وَ بَابُهُ الذي يُؤْتَى مِنْهُ، فَسَلَّمَ عَلَيهِ ثُمَّ أتَى ‌- إلى آخره؛ و رواية الصدوق تلك أقرب للصواب.۱

  • البحث عن المراد بـ «هَذَا اليَوْمِ» في خبر محمّد بن سليمان‌

  • و تبدو هناك في تفسير ذيل هذا الحديث المبارك وجهتا نظر:

  • الاولى: إنّ المراد بـ هَذَا اليَوْمِ زمن خلافة الخليفة الجائر في ذلك الوقت، و عليه فإن معنى الحديث سيصبح: أنّ الزيارة ينبغي الإتيان بها في رجب، و لكن عليكم أن لا تقوموا بها في هذا الوقت، و العصر الذي يُخشى فيه علينا و عليكم من تشنيع السلطان، و عليكم أن تصبروا حتّى ينقضي هذا الزمن، ثمّ زوروا آنذاك في شهر رجب.

  • و الإشكال الذي يرد على هذا الاحتمال أنّ هذه الخلافة الجائرة ربّما دامت إلى سنوات عديدة فلم تتصرّم و لم ينتهِ أمدها، فلِمَ منع جواد الأئمّة عليه السلام ذلك الرجل من الحجّ في موسمه مع عدم تمكنه -حسب الفرض- من زيارة الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام؟!

  • الثانية: أنّ المراد بـ هَذَا اليَوْمِ هو يوم الحجّ و موسم الحجّ، فيكون عليه السلام قد قال لهذا الرجل إنّه إذا أتى موسم الحجّ و دار الأمر بين أن يحجّ أو يزور أبي فالزيارة مقدَّمة، لكنّه ينبغي ألّا يذهب في أيّام الحجّ و موسمه إلى خراسان ليزور، لأنّ الخليفة سيقول إنّ هؤلاء قد جعلوا حجّهم زيارة قبر الإمام الرضا؛ و من المشهود في موسم الحجّ أنّ جميع زائري بيت الله الحرام يغادرون أوطانهم متوجّهين إلى مكّة، فلو سافر آنذاك أحد إلى خراسان للزيارة فسيكون سفره المستلفت للأنظار مشخّصاً و مميّزاً،

    1. «كامل الزيارات» ص ٣۰٥، الباب ۱۰۱: ثواب زيارة أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام بطوس، طبعة المطبعة المرتضويّة، النجف، سنة ۱٣٥۷ هـ. ق.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

247
  • و سيقول الخليفة إنّ هؤلاء يُعرضون عن عمل الحجّ مع أهمّيّته الكذائيّة و يقصدون مكاناً آخر هو قبر إمامهم فيحجّون إليه! و عليكم لذلك أن لا تذهبوا للزيارة في موسم الحجّ، و أن تصبروا إلى وقت يغاير موسم الحجّ و يقابله و هو شهر رجب، شهر الله الأصبّ الذي له الشرف و الفضيلة كي تزوروا فيه، ليزول عنكم احتمال التشنيع و تكونوا آنذاك قد زرتم و لم تثيروا شكّ السلطان فيكم و اتّهامه لكم!

  • و هذا الوجه من الاحتمال مناسب جدّاً و خال من الإشكال و الإيراد، مضافاً إلى أنّ الخوف من التشنيع حسب البيان السابق يختصّ بزيارة الرضا عليه السلام في موسم الحجّ لا مطلق الزيارة و لو حصلت في شهر رجب، و ذلك لأنّ زيارة الأئمّة عليهم السلام بشكل مطلق كانت رائجة و دارجة في تلك الأزمان، و كان من المتعارف و المعهود من الشيعة أن يقوموا بزيارة قبور أئمّتهم.

  • و على أيّ من الاحتمالَينِ السابقَينِ فإنّ عبارة الرواية كانت بلفظ رجب‌ بالجيم المعجمة، بَيدَ أنّ أحد الأصدقاء، و هو سماحة آية الله الحاجّ السيّد موسى الشُّبيريّ الزنجانيّ دامت بركاته قال: إنّ كلمة رجب في نُسخة «الكافي» التي طُبعت بتصحيح المرحوم آية الله الشهيد الشيخ فضل الله النوريّ أعلى الله مقامه قد ضبطت بالحاء المُهملة. و قد رجّح أحد الآيات العظام دامت بركاتهم في كتاب ألّفه في باب زيارة الإمام الرضا عليه السلام هذا الضبط، و قال: إنّ عبارة «رَحْب» تعني أنّ عليكم القيام بالزيارة في سعة، و أن تمتنعوا عنها في زمن الشدّة و الضيق خوفاً من تشنيع السلطان؛ و عليه فلا خصوصيّة لزيارة الإمام الرضا عليه السلام في شهر رجب، لأنّ مناط توهّم الخصوصيّة هذه الرواية فقط، و هذا المناط يزول بعد معرفة أنّ عبارة الرواية كانت بلفظ رَحْب لا رَجَب.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

248
  • الإشكالات الواردة على احتمال ضبط «رَحْب» في رواية محمّد بن سليمان‌

  • أقول: يرد على هذا الاحتمال، أي احتمال ضبط رَحْب بالحاء المهملة وجوه من الإيرادات:

  • أوّلًا: إنّ المرحوم المحدِّث العلّامة المجلسيّ روى هذا الحديث في «بحار الأنوار» عن كتاب «عيون أخبار الرضا» بسندٍ آخر عن ابن المغيرة، عن جدّه الحسن، عن الحسين بن سيف، عن محمّد بن أسلم، عن محمّد بن سليمان، عن أبي جعفر عليه السلام، و قد ضبط لفظ رَجَب في الرواية بالجيم المعجمة.۱

  • و قال في آخر هذا الباب، ص ٢٢٦: وَ قَدْ مَرَّ اسْتِحْبَابُ كَوْنِهَا في رَجَب.

  • و ثانياً: إنّ المرحوم المجلسيّ ضبطها في «تحفة الزائر» بلفظ رَجَب، حيث يقول في هذا الكتاب ضمن ترجمة هذا الحديث الشريف: «و بايد كه در ماه رجب باشد، و در اين زمان مكنيد كه بر ما و شما از خليفه خوف تشنيع هست»٢. و قد أورد المرحوم المحدِّث القمّيّ في «هديّة الزائرين» عين ترجمة المجلسيّ في هذه الفقرة من الحديث.٣

  • و ثالثاً: روى ابن قولَوَيْه عين هذه الرواية بلفظ رجب بالجيم المعجمة في «كامل الزيارات» بسنده المتّصل عن أبيه و محمّد بن الحسن و عليّ بن الحسين جميعاً، عن سعد بن عبد الله بن أبي خلف، عن الحسن ابن عليّ بن عبد الله بن المغيرة، عن الحسين بن سيف بن عُمَيرة، عن‌

    1. «بحار الأنوار»، ج ٢٢، ص ٢٢٥، كتاب المزار، طبعة الكمبانيّ.
    2. الترجمة الفارسيّة للفقرة: وَ لْيَكُنْ ذلِكَ في رَجَبٍ. وَ لا يَنْبَغي أنْ تَفْعَلوا [في‌] هَذا اليَوْمِ فَإنَّ عَلَينا وَ عَلَيكُمْ مِنَ السُّلْطانِ شُنْعَةً، الواردة في الرواية الشريفة؛ «تحفة الزائر» ص ٤۰٢، الطبعة الحجريّة.
    3. «هديّة الزائرين» ص ٢٣۸، الطبعة الحجريّة.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

249
  • محمّد بن أسلم الجبليّ، عن محمّد بن سليمان، عن أبي جعفر الجواد عليه السلام.۱

  • و قد عقد في «وسائل الشيعة» باباً تحت عنوان استحباب اختيار زيارة الرضا عليه السلام و خصوصاً في رجب.٢

  • و رابعاً: إنّ المرحوم الشيخ فضل الله النوريّ لم يضبط «رجب» في هذا الحديث الشريف بالحاء المهملة و لم يصرِّح بمادّة رَحْب، كلّ ما في الأمر، و كما هو مُلاحظ من الجزء الأوّل لـ «فروع الكافي» ص ٣٢٦، أنّ العبارة جاءت بلفظ رَحْب؛ و من ثمّ فبأيّ دليل يمكن القول إنّ هذا هو تصحيح ذلك المرحوم؟! بل إنّ الظنّ القريب من اليقين هو أنّ الكاتب لم يضع نقطة الجيم أثناء الكتابة.

  • و خامساً: لو شككنا في الكلمة أ كانت في الأصل رَحْب أم رَجَب، فإنّ أصالة عدم زيادة النقطة مقدَّمة على أصالة عدم النقيصة، و لذا ينبغي القول بأنّ لفظ رَجَب هو الصحيح في النُّسخ لا رَحْب.

  • و سادساً: عدم ملاءمة معنى رَحْب للمقام، لأنّ رَحْب بمعنى السعة في المكان و المحلّ لا كلّ سعة؛ و يشاهد في موارد استعمالها الاستفادة منها دوماً في موارد سعة المكان و المحلّ، و إذا ما وردت أحياناً بمعنى مطلق السعة فإنّ ذلك يكون بعناية استعمال لفظ خاصّ في ذلك المعنى المطلق لها.

  • يقول في «لسان العرب»: وَ الرَّحْبُ بِالفَتْحِ، وَ الرَّحِيبُ: الشَّي‌ءُ الوَاسِعُ. تَقَولُ مِنْهُ: بَلَدٌ رَحْبٌ وَ أرْضٌ رَحْبَةٌ. الأزْهَرِيّ: ذَهَبَ الفَرَّاءُ إلى‌

    1. «كامل الزيارات» ص ٣۰٦، طبعة المطبعة المرتضويّة، النجف، سنة ۱٣٥۷ هـ. ق.
    2. «وسائل الشيعة» ج ٢، ص ٤۱۰، طبعة أمير بهادر.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

250
  • أنَّهُ يُقَالُ: بَلَدٌ رَحْبٌ و بلَادٌ رَحْبَةٌ كَمَا يُقَالُ: بَلَدٌ سَهْلٌ وَ بِلَادٌ سَهْلَةٌ. وَ قَدْ رَحُبَتْ تَرْحُبُ و رَحُبَ يَرْحُبُ رُحْباً و رَحَابَةً و رَحِبَتْ رَحَباً. قَالَ الأزْهَرِيّ: وَ أرْحَبَتْ: لُغَةٌ بِذَلِكَ المعنى. وَ قِدْرٌ رُحَابٌ أيْ وَاسِعَةٌ... ابْنُ الأعْرَابِيّ: و الرَّحْبَةُ: مَا اتَّسَعَ مِنَ الأرْضِ، وَ جَمْعُهَا رُحَبٌ مِثْلُ قَرْيَةٍ وَ قُرى - إلى أنْ قَالَ صَاحِبُ «لِسَانِ العَرَبِ»:

  • وَ رَحَبَةُ المَسْجِدِ وَ الدَّارِ بِالتَّحْرِيكِ: سَاحَتُهُمَا وَ مُتَّسَعُهُمَا. قَالَ سِيبَويْهِ: رَحَبَةٌ وَ رِحَابٌ كَرَقَبَةٍ وَ رِقَابٍ وَ رَحَبٌ و رَحَبَاتٌ.

  • الأزْهَرِيّ: قَالَ الفَرَّاءُ: يُقَالُ لِلصَّحْرَاءِ بَيْنَ أفْنِيَةِ القَوْمِ وَ المَسْجِدِ: رَحْبةٌ وَ رَحَبَةٌ. وَ سُمِّيَتْ الرَّحَبَةُ رَحَبَةً لِسَعَتِهَا. بِمَا رَحُبَتْ أيْ بِمَا اتَّسَعَتْ، يُقَالُ: مَنْزِلٌ رَحِيبٌ وَ رَحْبٌ.

  • و يقول في «صحاح اللغة»: الرُّحْبُ -بِالضَّمِّ-: السَّعَةُ، تَقُولُ مِنْهُ: فُلَانٌ رُحْبُ الصَّدْرِ. وَ الرَّحْبُ -بِالفَتْحِ-: الوَاسِعُ، تَقُولُ مِنْهُ: بَلَدٌ رَحْبٌ و أرْضٌ رَحْبَةٌ؛ وَ قَدْ رَحُبَتْ -بالضَّمِّ- تَرْحُبُ رُحْباً وَ رَحَابَةً. وَ قَوْلُهُمْ: مَرْحَباً وَ أهْلَا أيْ أتَيْتَ سَعَةً و أتَيْتَ أهْلَا فَاسْتَأنِسْ و لَا تَسْتَوْحِشْ. وَ قَدْ رَحَّبَ بِهِ تَرْحِيباً إذَا قَالَ لَهُ: مَرْحَباً...

  • وَ قِدْرٌ رُحَابٌ أيْ وَاسِعَةٌ. وَ الرُّحْبَى: أعْرَضُ الأضَلاعِ وَ إنَّمَا يَكُونُ النَّاحِزُ في الرَّحْبَيَيْنِ وَ هُمَا مَرْجِعُ المِرْفَقَيْن، وَ هُوَ أيْضاً سِمَةٌ في جَنْبِ البَعِيرِ. وَ الرَّحِيبُ: الأكُولُ. وَ فُلَانٌ رَحِيبُ الصَّدْرِ أيْ وَاسِعُ الصَّدْرِ. وَ رَحَائِبُ التُّخُومِ: سَعَةُ أقْطَارِ الأرْضِ. وَ رَحُبَتِ الدَّارُ وَ أرْحَبَتْ بِمَعْنَى، أيْ اتَّسَعَتْ - إلى آخر ما أفاده.

  • كما ورد في «تاج العروس» ما يشبه ذلك.

  • و محصّل ما ذُكر أنّ هذا التوهّم إنّما حدث نتيجة عدم وضع نقطة رَجَب. وَ بِمَا ذَكَرْنَا كُلَّهُ عَرَفْتَ أنَّهُ تَوَهُّمٌ بِلَا مَوْرِدٍ؛ فَلَا تَغْفُلْ.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

251
  • و سابعاً: يتّضح ممّا ذُكُر أخيراً في معنى رَحْب أنّ الرُّحب بمعنى السعة، و الرَّحب بمعنى الواسع، و عليه فإنّ هذه الرواية الشريفة -على افتراض صحّة عدم وجود النقطة و ورودها بالحاء المهملة- ينبغي أن تكون بلفظ رُحب بالضمّ لا رَحْب بالفتح؛ و لأنّ الكلمة قد وردت في نسخة «الكافي» المطبوعة للمرحوم الشيخ بلفظ رَحْب بالفتحة المشهودة على الراء، لذا يتعيّن حذف النقطة من الجيم المعجمة سهواً، و ليس جعل الضمّة فتحة.

  • و العلّة في تعيين الإمام الجواد عليه السلام لشهر رجب -مضافاً إلى ما ذكرنا- هي إنّ زيارة جميع الأئمّة عليهم السلام مستحبّة في شهر رجب و حائزة لفضيلة تفوق فضيلتها في سائر الشهور، كما يقول في «الإقبال» بشأن استحباب زيارة كلّ من المشاهد المشرّفة في شهر رجب: رَوَيْنَاهَا بِإسْنَادِنَا إلى جَدِّي أبي جَعْفَرٍ الطُّوسِيّ رَحِمَهُ اللهُ فِيمَا ذَكَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جُبَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ مَوْلَانَا - يَعْنِي أبَا القَاسِمِ بْنِ رُوحٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: زُرْ أيّ المَشَاهِدِ كُنْتَ بِحَضْرَتِهَا في رَجَبٍ، تَقُولُ: الحَمْدُ لِلَّهِ الذي أشْهَدَنَا مَشْهَدَ أوْلِيَائِهِ في رَجَبٍ وَ أوْجَبَ عَلَينَا مِنْ حَقِّهِمْ مَا قَدْ وَجَبَ ‌- إلى آخر الزيارة الشريفة الواردة.۱

  • و النصّ على استحباب زيارة ثامن الحُجج عليه السلام في شهر رجب ينحصر في هذه الرواية، فليس لدينا رواية غيرها، و لكن باعتبار قوّة سندها، فإنّها كافية لعقد باب استحباب زيارته عليه السلام في شهر رجب.

  • المثوبات المترتِّبة على زيارة ثامن الحجج عليه السلام‌

  • و الروايات في فضيلة زيارته عليه السلام بوجه مطلق كثيرة جدّاً، و قد وُعِدَ الزائر في بعضها بالجَنَّة، و عُدَّت في بعضها عِدْلًا لشهادة شهداء

    1. «إقبال الأعمال» ص ٦٣۱، في باب أعمال رجب، الطبعة الحجريّة الرحليّة.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

252
  • بدر، و ذُكر لبعضها ثواب ألف حجّ و ألف ألف حجّ يترتَّب عليها.

  • يروي جعفر بن محمّد بن قولويه، عن الحسن بن عبد الله، عن أبيه عبد الله بن محمّد بن عيسى، عن داود الصَّرْميّ‌۱، عن أبي جعفر الثاني (الإمام محمّد التقيّ) عليه السلام‌ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنْ زَارَ قَبْرَ أبي فَلَهُ الجَنَّةُ.٢

  • و يروي أيضاً عن أبيه، عن سعد بن إبراهيم بن ريّان قال: حدّثني يحيي بن الحسن الحسينيّ قال: حدّثني عليّ بن عبد الله بن قُطْرب، عن أبي الحسن موسى عليه السلام:

  • قَالَ: مَرَّ بِهِ ابْنُهُ وَ هُوَ شَابٌّ حَدَثٌ وَ بَنُوهُ مُجْتَمِعُونَ عِنْدَهُ، فَقَالَ: إنَّ ابْنِي هَذَا يَمُوتُ في أرْضِ غُرْبَةٍ. فَمَنْ زَارَهُ مُسَلِّماً لأمْرِهِ عَارِفاً بِحَقِّهِ كَانَ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ كَشُهَدَاءِ بَدْرٍ.٣

  • و يروي أيضاً عن أبيه و عن محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم ابن حَمْدان بن إسحاق قال: سمعتُ أبا جعفر عليه السلام، أو حكى لي رجل عن أبي جعفر عليه السلام (الشكّ من عليّ بن إبراهيم) أنّ أبا جعفر عليه السلام قال:

  • مَنْ زَارَ قَبْرَ أبي بِطُوسٍ غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَ مَا تَأخَّرَ.

    1. يقول العلّامة الشيخ عبد الحسين الأمينيّ رحمة الله عليه في الهامش: الصَّرْمِيّ بِفَتْحِ الصَّادِ المُهْمَلَةِ -وَ قِيلَ بِكَسْرِهَا- وَ بَعْدَهَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ، يُنْسَبُ إلَي بَنِي صَرْمَةَ بْنِ كَثِيرٍ: بَطْنٌ مِنْ عُذْرَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّاتِ مِنَ القُحْطَانِيَّةِ، أ وَ إلَي صَرْمَةَ بْنِ مرَّةَ حَيّ مِنْ ذُبْيَانَ. وَ دَاوُدُ هَذَا هُوَ دَاوُدُ بْنُ مَافِئَةِ الصَّرْمِيّ بِقَرِيَنةِ أحْمَدَ بْنِ عِيسَي، لَا دَاوُدُ الصَّرْمِيّ الَّذِي مِنْ أصْحَابِ الهَادِيّ عَلَيهِ السَّلَامُ، يَرْوِي عَنْهُ أحْمَدُ بْنُ أبِي عَبْدِ اللهِ. وَ قَدْ ذَهَبَ بَعْضٌ إلَي اتِّحَادِهِمَا.
    2. «كامل الزيارات» ص ٣۰٣ الباب ۱۰۱.
    3. «كامل الزيارات» ص ٣۰٥، الباب ۱۰۱.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

253
  • قَالَ: فَحَجَجْتُ بَعْدَ الزِّيَارَةِ فَلَقِيتُ أيُّوبَ بْنَ نُوحٍ فَقَالَ لِي [قَالَ ظ] أبُو جَعْفَرٍ عَلَيهِ السَّلَامُ: مَنْ زَارَ قَبْرَ أبي بِطُوسٍ غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَ مَا تَأخَّرَ، وَ بَنَى لَهُ مِنْبَراً بِحِذَاءِ مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ عَلِيّ عَلَيهِ السَّلَامُ حَتَّى يَفْرُغَ اللهُ مِنْ حِسَابِ الخَلائِقِ.

  • فَرَأيْتُ أيُّوبَ بْنَ نُوحٍ بَعْدَ ذَلِكَ وَ قَدْ زَارَ فَقَالَ: جِئْتُ أطْلُبُ المِنْبَرَ۱.

  • و يروى أيضاً عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطيّ؛ قَالَ:

  • قَرَأتُ في كِتَابِ أبي الحَسَنِ الرِّضَا عَلَيهِ السَّلَامُ: أبْلِغْ شِيعَتِي: أنَّ زِيَارَتِي تَعْدِلُ عِنْدَ اللهِ ألْفَ حَجَّةٍ.

  • قالَ: فَقُلْتُ لأبِي جَعْفَرٍ عَلَيهِ السَّلَامُ: ألْفَ حَجَّةٍ؟!

  • قَالَ: إي وَ اللهِ؛ وَ ألْفَ ألْفِ حَجَّةٍ لِمَنْ زَارَهُ عَارِفاً بِحَقِّهِ‌.٢

  • العلاقة بين زيارة الإمام الرضا عليه السلام مع حجّ بيت الله الحرام‌

  • نعم، ربّما سيتّضح بما ذُكِر سرّ استحباب زيارة ثامن الأئمّة عليه السلام في شهر رجب المرجّب، و الارتباط القويم لتلك الزيارة مع زيارة بيت الله الحرام. و ذلك لأنّ شهر رجب من الأشهر الحُرُم، انفرد لوحده خلافاً لباقي الأشهر الحُرُم الثلاثة -ذي القعدة الحرام و ذي الحجّة الحرام و محرم الحرام- التي توالت و تعاقبت، فالحرب في شهر رجب حرام، هذا مضافاً إلى الخصائص و الاعتبارات التي تُمَيِّزه عن باقي الشهور، فهو شهر الله، و كثيراً ما يحصل في هذا الشهر فتح باب لسالكي طريق الله، كما أنّ‌

    1. «كامل الزيارات» ص ٣۰٥، الباب ۱۰۱.
    2. «كامل الزيارات» ص ٣۰٦، الباب ۱۰۱.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

254
  • وقوع ولادة أمير المؤمنين و بعثة رسول الله صلوات الله و سلامه عليهما فيه موجب لمزيد التكريم و التشريف لهذا الشهر.

  • و عليه، فليس أيّاً من أقسام العمرة كالعمرة الرجبيّة، العمرة التي تدنو في فضيلتها إلى فضيلة الحجّ بفارق درجة واحدة. و قد شاهدنا في هذه الرواية الأخيرة أنّ ثواب زيارة الإمام الثامن للشيعة المخلَصين و العارفين بمقامه و منزلته و حقّه تعدل في ثوابها ألف حجّة، بل ألف ألف حجّة. و لا استبعاد في الأمر مطلقاً، لأنّ حياة الكعبة بالولاية؛ و لذا فإنّ هذه الولاية هي المحور و المركز، و الكعبة في حكم محيط الدائرة. أ لا ترى كيف يطوف الناس حول الكعبة التي وُلد عليّ فيها؟! فهم -شاءوا أم أبَوا، طوعاً أم كرهاً- مضطرّون إلى التسليم للواقع و لهذه الحقيقة.

  • إنّ جميع المسلمين، الشيعة منهم و العامّة، يجلسون إلى مائدته عليه السلام، لأنّ تلك المائدة متّسعة بالقدر الذي لا يُتصوّر فيها وجود لمائدة اخرى.

  • بل إنّ جميع العالم يتمتّعون من البركات الوجوديّة لذلك الإمام و من ولايته التكوينيّة و الوجوديّة. و ينبغي لذلك أن لا تستبعد كيف يكون ثواب زيارة واحدة للإمام الرضا عليه السلام للعارف بحقّه تعادل ثواب ألف ألف حجّة لبيت الله. فهناك كعبة الظاهر، و هنا كعبة الباطن. هناك التكليف، و هنا المحبّة. و هناك الجسم، و هنا الروح.

  • نعم، لو شئنا التوسّع في الكلام في هذا المجال لجرّنا ذلك إلى الإطالة، فطرف هذا الأمر في أيدينا و طرفه الآخر في اللامتناهي. و علينا آنذاك أن نوسِّع الكلام و نبسطه، ليس فقط ليشمل الدنيا، بل ليشمل عالم البرزخ و المثال، بل في سعة القيامة و الجنّة و النار، و أعلى من ذلك و أسمى. و من ثمّ فإنّ من الصلاح الاكتفاء بهذا القدر كي لا يتحطّم القلم في يدي،

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

255
  • و لا تتشرّد أنت عن بيتك و دكّانك و محلّ استقرارك ودعتك!

  • و أكتفي بذكر إحدى الرؤيا الصادقة لإحدى أخوات الحقير ثمّ أختم الموضوع.

  • الرؤيا الصادقة لُاختي، في العلاقة بين الحجّ و زيارة الإمام الثامن عليه السلام‌

  • لقد كنت قبل تشرّفي بالذهاب إلى النجف الأشرف قد تشرّفت بزيارة ثامن الأئمّة عليه السلام لثلاث مرّات فقط، و باعتبار أنّ محطّ دروسنا التحصيليّة لم يكن مطالعة الأخبار و الأحاديث، فلم أكن أعلم أنّ زيارة ذلك الإمام تعدل ثواب حجّ بيت الله، و خاصّة زيارته المخصوصة في شهر رجب. و كنت اراجع -في مدّة إقامتي في النجف و التي دامت سبع سنين- أحاديثَ زيارة أمير المؤمنين و سيّد الشهداء عليهما السلام التي كانت محلّ الابتلاء، لكنّي لم اراجع أحاديثَ ثواب زيارة الإمام الرضا عليه السلام.

  • و عند الرجوع من النجف الأشرف و على الرغم من شدّة شوقي للزيارة، إلّا أنّ التوفيق لم يحالفني إلّا بعد سنة كاملة، حتّى كان في أواسط شهر رجب لسنة ۱٣۷۸ هجريّة قمريّة، حيث عزمتُ على التشرّف بالزيارة مع عدد من أصدقاء السلوك، و بناء على دعوتهم و طلبهم. و لم يكن قد طرق سمعي حتّى ذلك الوقت أنّ زيارته عليه السلام تعدل ثواب الحجّ، و أنّ لها خصوصيّة في شهر رجب، فوقع سفرنا في شهر رجب بلا تعمّد و لا قصد.

  • هذا و قد ذهبت قبل يوم أو يومين من السفر لتوديع كبار العائلة و الأقارب و الأرحام، فزرتُ منزل اختي التي تصغرني، فلما عَرَفَتْ بعزمي على السفر لتقبيل أعتاب الإمام الثامن، قالت: سُبحَانَ اللهِ! سُبْحَانَ اللهِ! لقد رأيتُكَ ليلة أمس في منامي مرتدياً لباس الإحرام و عازماً على السفر إلى بيت الله!

  • قلتُ: حسناً، و أين العجب في هذه الرؤيا؟

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

256
  • قالت: إنّ تفسيره واضح: إنك عازم على زيارة الإمام الرضا عليه السلام؛ فقد ورد في الرواية أنّ من زاره عليه السلام كأنّه قام بالحجّ و العمرة، فقد كنتَ -بعزمك على السفر للزيارة- مرتدياً لباس الإحرام في عالم الرؤيا و قاصداً بيت الله الحرام!

  • و لقد عجبتُ أنا الآخر من هذه الرؤيا، و قلتُ لها: لم أكن لأعلم حتّى الآن أن لزيارته عليه السلام علاقة بالحجّ و العمرة.

  • و على الإجمال فإنّ هذه الحقيقة يمكن استفادتها من أشعار السيّد بحر العلوم التي تصف كربلاء في مرتبة أعلى، و درجة أفضل من الكعبة، ثمّ يضع في البيت اللاحق باقي المشاهد المشرّفة في درجة كربلاء و منزلتها:

  • أكْثِرْ مِنَ الصَّلَاةِ في المَشَاهِدِ***خَيْرِ البِقَاعِ أفْضَل المَعَابدِ
  • لِفَضْلِهَا اختِيرتْ‌۱ لِمَنْ بِهِنَّ حَلّ‌***ثُمَّ بِمَنْ قَدْ حَلَّهَا سَمَا المَحَلّ‌
  • وَ السِّرُّ في فَضْلِ صَلَاةِ المَسْجِدِ***قَبْرٌ لِمَعْصُومٍ بِهِ مُسْتَشْهَدِ
  • بِرَشَّةٍ مِنْ دَمِهِ مُطَهَّرَهْ‌***طَهَّرَهُ اللهُ لِعَبْدٍ ذَكَرَهْ‌
    1. يرجع الضمير في «اختيرت» إلي البقاع و المشاهد لا إلي الصلاة، و بناء عليه فإنّ اللام الأولى تكون للتعليل و اللام الثانية للاختصاص. و لأنّنا قد فسّرنا هذه الأبيات في ج ۱۱، ص ٢٥٥ من «معرفة الإمام» (دورة العلوم و المعارف الإسلاميّة) و أرجعنا الضمير في «اختيرت» إلي الصلاة، لذلك يجب أن يصحّح ذلك التفسير و يحلّ مكانه هذا التفسير.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

257
  • هيَ بُيُوتٌ أذِنَ اللهُ بِأنْ‌***تُرْفَعَ حَتّى يُذْكَرَ اسْمُهُ الحَسَنْ‌
  • وَ مِنْ حَدِيثِ كَرْبَلَا وَ الكَعْبَهْ‌***لِكَرْبَلَا بَانَ عُلِوُّ الرُّتبَهْ‌۱
  • وَ غَيرُهَا مِنْ سَائِرِ المَشَاهِدِ***أمْثَالُهَا بِالنَّقْل ذِي الشَّوَاهِدِ
  • فَأدِّ في جَمِيعِهَا المُفْتَرَضَا***وَ النَّفْلَ وَ اقْضِ مَا عَلَيك مِنْ قَضَا
  • وَ رَاعِ فِيهِنَّ اقْتَرابَ الرَّمْس***وَ آثِرِ الصَّلَاةَ عِنْدَ الرَّأسِ‌
  • وَ النَّهْيُ عَنْ تَقَدُّمٍ فِيها أدَب‌***وَ النَّصُّ في حُكْمِ المُسَاوَاة اضطَرَبْ‌
  • وَ صَلِّ خَلْفَ القَبْرِ فَالصَّحِيحُ‌***كَغيْرِهِ في نَدْبِهَا صَرِيحُ‌
  • وَ الفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ القُبُورِ***وَ غَيْرِهَا كَالنُّورِ فَوْقَ الطُّورِ
    1. قال آية الله المحقّق السيّد محمود الطباطبائيّ قدّس الله سرّه في كتاب «المواهب السنيّة في شرح الدُّرَّة الغَرَويّة»(«الدرّة الغرويّة» للعلّامة السيّد مهدي بحر العلوم) ص ٢۱٥، في شرح هذا البيت:
      فَفِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أبي جَعْفَرٍ عَلَيهِ السَّلَامُ قَالَ: خَلَقَ اللهُ كَربلَاءَ قَبْلَ أنْ يَخْلُقُ الكَعْبَةَ بِأرْبَعَةٍ وَ عِشْرِينَ ألْفَ عَامٍ، وَ قَدَّسَهَا وَ بَارَكَ عَلَيهَا، فَمَا زَالَتْ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ اللهُ الخَلْقَ مُقَدَّسَةً مُبَارَكَةً لَا تَزَالُ كَذَلِكَ، جَعَلَهَا اللهُ أفْضَلَ الأرْضِ في الجَنَّةِ.
      وَ يُمْكِنُ الاسْتِنَادُ في ذَلِكَ إلى الأخْبَارِ الوَارِدَةِ في فَضْلِ زِيَارَتِهِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيهِ عَلَى الحَجِّ و العُمْرَةِ مِرَاراً، مَعَ أنَّ فِيهمَا الطَّوَافَ بِالبَيْتِ ... إلى آخر ما أفاده في الشرح على طوله.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

258
  • فَالسَّعْيُ لِلصَّلَاةِ عِنْدَهَا نُدِبْ‌***وَ قُرْبُهَا بَلِ اللُّصُوقُ قَدْ طُلِبْ‌
  • وَ الاتِّخَاذُ قِبْلَةً وَ إنْ مُنِعْ‌***فَلَيْسَ بِالدَّافِعِ إذْناً قَدْ سُمِعْ‌۱
  • و كان سماحة الحاجّ السيّد هاشم بعد الزيارة و الطَّواف يُصَلِّي بحذاء الرأس الشريف إن وَجَدَ مكاناً خالياً، و إلّا فكان يصلّي في أيّ موضع خال في الحضرة بحيث لا يزاحم أحداً؛ و كانت هذه هي طريقته في جميع المشاهد المشرّفة كالنجف و كربلاء و الكاظميّة و سامرّاء.

  • بيان سماحة الحاجّ السيّد هاشم: نفس وجود الإمام أكبر معجزة إلهيّة

  • في ذكر المعجزات و الكرامات‌ الصادرة من الإمام الرضا عليه السلام‌

  • لم تحصل معجزة خاصّة للإمام الرضا عليه السلام خلال تلك الأيّام العشرة لتوقّف السيّد الحدّاد في أرض مشهد المقدّسة ليدوّنها الحقير هنا، لكنّ الكثير من أصحاب الحوائج كانوا قد جاءوا من المناطق البعيدة و اجتمعوا فشدّوا أنفسهم إلى شبّاك الضريح أو شبّاك الصحن الكبير طلباً للشفاء من أمراضهم. هذا و قد دار الحديث يوماً مع السيّد بشأن المعجزات الخاصّة بثامن الأئمّة عليه السلام، فتفضّل بإبداء بيان أذكر خلاصته:

  • إنّ وجود الأئمّة عليهم السلام أنفسهم هو أكبر معجزة، كما أنّ أفعالهم أحياءً و أمواتاً هي كلّها معجزة، و ينبغي أن لا يبحث الإنسان عن إعجازهم في الموارد الاستثنائيّة فقط، أو ينظر إلى عظمتهم من نافذة و زاوية واحدة.

    1. منظومة العلّامة السيّد مهدي بحر العلوم المعروفة بـ «الدُّرَّة النجفيّة».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

259
  • إنّ مَن يصل إلى مقام الولاية عمليّاً لا علميّاً، فيصبح وليّاً للّه و يكون الله وليّه، فإنّ جميع أعماله و سنّته و صفاته تصبح فعل الله و سنّته و صفاته. و لا يعني هذا أن يصبح هو الله، أو أن يفصل الله عن ذاته المقدّسة شيئاً فيعطيه له، أو أنّه لا يفصل عن ذاته شيئاً لكنّه يتكرّم عليه بمثل ما يمتلكه هو، فهذه بأجمعها تصوّرات خاطئة و غير صحيحة؛ بل إنّ العبد قد تخطّى وجوده المجازيّ و الاعتباريّ بواسطة شدّة الصفاء و الخلوص الذي حصل عليه وجوده فصار فانياً في ذات الله و تجلّي الله سبحانه فيه. أي إنّ وجوده و سرّه و واقعيّته صار مرآة محضة لتمام الذات الأحديّة و كمالها و جمالها و جلالها، و صار مظهراً لتجلّي الله.

  • و لا ريب أنّ ممكن الوجود مهما سمى و ترقّى، فمن المحال أن يكتسب شيئاً من الله فينسبه لنفسه، بل إنّ معنى الترقّي و السموّ لا يعني غير التخلّص و التنزّه من شوائب الوجود، و الخلوص و الإخلاص في سبيل الله و طيّ درجات و مراتب الفَناء في الله؛ و لا يعني إلّا التحقّق بحقيقة معنى العبوديّة المحضة و السجدة المطلقة و التواضع بلا قيد و لا حدّ.

  • معنى الولاية العبوديّة المحضة و المحو و الفَناء في ذات الله‌

  • فليست الولاية بمعنى حيازة الصفات الإلهيّة بالاستقلال و مع عزّة الشخصيّة، فهذا الفرض خاطئ ثبوتاً و إثباتاً، و ليست أيضاً بمعنى المشاركة و المساهمة مع صفاته، فهذا أيضاً خاطئ ثبوتاً و إثباتاً؛ بل الولاية بمعنى العبوديّة المحضة مقابل ربوبيّته المطلقة، و بمعنى الذلّة المحضة مقابل عزّته المطلقة. فالولاية المطلقة و الكاملة و التامّة، يعني تحقّق جميع مراتب العبوديّة و الاندكاك و الفَناء المحض في ذاته القدسيّة؛ أمّا الولاية المقيّدة و الجزئيّة فتعني تحقّق بعض مراحل العبوديّة و الاندكاك في الفعل أو الاسم و الصفة، أو الاندكاك الإجماليّ و المؤقّت في ذاته و الذي لم يصل بعدُ إلى مرحلة الفعليّة التامّة و لم يتخطّ بعدُ بشكل كامل مراحلَ القوّة

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

260
  • و الاستعداد.

  • و في هذه الحال، فإنّ وليّ الله الذي تحقّقت فيه الولاية التامّة لا يمتلك بنفسه رغبة و إرادة و طلباً و اختياراً، فما يُشاهَد منه من رغبة و طلب و إرادة و اختيار ليس إلّا نفس صفات و أسماء الله التي ظهرت فيه، كما ينعكس شعاع الشمس و نورها في الماء الصافي أو في المرآة الصقيلة. و هذا المعنى هو الصحيح في باب الولاية.

  • فلهذا فإنّ الأئمّة عليهم السلام الذين يمتلكون مقام الولاية المطلقة و الكلّيّة لا تعني ولايتهم أنّهم يقدرون على فعل ما يشاؤون بأنفسهم مهما كان ذلك، منفصلًا و مستقلًّا عن مشيئة الله سبحانه، كما لا تعني أنّهم يمتلكون بأنفسهم إرادة تشبه إرادة الله، فيمكنهم -بتلك الإرادة التي منحها الله لهم- أن يحقّقوا ما يريدون في عالم الخارج، بصورة منحازة و مستقلّة؛ بل إنّها تعني أن لا وجود في الخارج إلّا لإرادة و اختيار و مشيئة واحدة، و هي إرادة و اختيار و مشيئة الله لا غير.

  • إنّ جميع الناس المحجوبين و العميان و الذين يشكون من عشو البصر أو رمد العين يرون العالم مفرّقاً مجزّءاً مشتّتاً، فيشاهدون لكلّ واحد من الموجودات وجوداً مستقلًّا و يقولون بوجود الإرادة و العلم و القدرة و الحياة المستقلّة، أمّا هؤلاء الخواصّ الذين استيقظوا من غفلتهم و أفاقوا من سكرة الطبع و الطبيعة و الشهوة و الغضب و الوهم، و كحّلوا العيون الرمداء بكحل التبصّر و التطلّع إلى الحقيقة، فقد تبيّن لهم بجلاء أنْ: لَا مُؤَثِّرَ في الوُجُودِ إلَّا اللهُ، وَ لَا عَالِمَ في الوُجُودِ إلَّا اللهُ، وَ لَا قَادِرَ في الوُجُودِ إلَّا اللهُ، وَ لَا حَيّ في الوُجُودِ إلَّا اللهُ، وَ لَا ذَاتَ مُسْتَقِلَّةً في الوُجُودِ إلَّا اللهُ.

  • و باعتبار أنّ جميع إرادتهم و اختيارهم و علمهم و قدرتهم هي عين إرادة و اختيار و علم و قدرة الله سبحانه، فقد كانت جميع الموجودات ابتداء

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

261
  • من الموجودات السفليّة إلى العلويّة، و من المُلكيّة إلى الملكوتيّة و من الجسميّة إلى الروحيّة، و من الظاهريّة إلى الباطنيّة، و من الدنيويّة إلى الاخرويّة، و من موجودات عالم الطبع و الطبيعة من الهيولى الأوليّة وصولًا إلى آخر نقطة للفعليّة و الكمال، و ما وُجد و ما سيوجد؛ هي بأجمعها مخلوقاتهم و مقدوراتهم و معلوماتهم هم، و ذلك لأنّها جميعاً مخلوقات الله وحده، و ليس هناك في هذه المرحلة من الولاية شيئاً متصوّراً إلّا الله، فهم معدومون، أمّا الموجود فهو الله سبحانه، و هذا هو الوجود المحض في مقام الفَناء المحض.

  • يكى قطره باران ز ابرى چكيد***خجل شد چو پهناى دريا بديد
  • كه جائيكه درياست من كيستم؟***گر او هست حقّا كه من نيستم‌
  • چو خود را به چشم حقارت بديد***صدف در كنارش به جان پروريد
  • سپهرش به جائى رسانيد كار***كه شد نامور لؤلؤ شاهوار
  • بلندى از آن يافت كو پست شد***درِ نيستى كوفت تا هست شد۱
  • بزرگان نكردند در خود نگاه‌***خدا بينى از خويشتن بين مخواه‌
    1. «كلّيات سعدي» مختارات من ص ۱٢٢ إلي ۱٢٤، بوستان، الباب الرابع في التواضع، طبعة محمّد علي فروغي.
      يقول: «هطلت من غيم السماء قطرة مطر، فذابت حياء إذ رأت سعة البحر الممتدّ.
      فقالت: مَن أنا مقابل هذا البحر الخضمّ؟ إنّني لست في الحقيقة أمام وجوده إلّا عدماً.
      و لأنّها نظرت باستصغار إلي نفسها، تسامت لها الأصداف التي كانت حولها فغذّتها بروحها.
      و هكذا أوصلتها الصدفة إلي أن صارت لؤلؤة ملكيّة نادرة المثال.
      تواضع تجد السموَّ و العلو و الرفعة، و كن عدَمَاً تصبح الوجود مدى الدهر».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

262
  • بزرگى به ناموس و گفتار نيست‌***بلندى به دعوى و پندار نيست‌
  • تواضع سر رفعت افرازدت‌***تكبّر به خاك اندر اندازدت‌
  • ز مغرور دنيا ره دين مجوى‌***خدا بينى از خويشتن‌بين مجوى‌۱
  • ولاية وليّ الله مقام رفيع لا تناله العقول و الافكار

  • و لذلك ينبغي أن لا ينحصر الانتظار من مقام الولاية في القيام ببعض الكرامات النادرة و بعض المعجزات القاهرة، فارجع البصر إلى السماء و الأرض و النجوم و الأفلاك و الشجر و الحجر و المدر و الإنسان و الحيوان و النبات و الجماد و المَلَك و الجنّ و الشيطان، فإنّ كلّ ما ترى و تسمع هو جميعاً من الولاية و من آثار الولاية و من شئون الولاية.

  • افتح عينيك و انظر إلى الجنين في بطن امّه و إلى نموّه و عقله و كماله، و انظر إلى حركة الشمس و الأرض و القمر و سائر السيّارات و الثوابت و المجرّة و المجرّات جميعاً في نظمها البديع المحيّر، فهي جميعاً من الولاية و خواصّها.

  • افتح عينيك و انظر إلى نفسك، إلى بدايتك و نهايتك و سيرك و ظاهرك و باطنك و نومك و استيقاظك و سكونك و حركتك و علمك و قدرتك و حياتك، فهي جميعاً من لوازم الولاية و خصائصها.

  • الناس المحجوبون يرون الولاية الكلّيّة الإلهيّة في المعجزات النادرة فقط

  • فما أشدّ قصور نظرنا و ضحالته و تفاهته إن نحن نظرنا إلى الولاية في‌

    1. يقول: «إنّ الكبار لم ينظروا إلي ذواتهم و أنفسهم، فلا تطلب رؤية الله ممّن يتطلّع إلي نفسه.
      و ليس الجلال بالشرف و الأقوال، و لا السموّ بالادّعاء و الخيال.
      بل إنّ التواضع هو أساس الرفعة و الشموخ، كما أنّ التكبّر هو الذي يهبط بالمرء إلي التراب.
      فلا تبغِ سبيل الدين عند المغرور بالدنيا، و لا تبحث عن معرفة الله في الأنانيّة و التطلّع للنفس».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

263
  • مسائل شقّ القمر، أو تسبيح الحصى، أو حنين الأسطوانة الحنّانة، أو إحياء أمير المؤمنين عليه السلام الموتى، أو سائر المعجزات التي نُقلت عن الأئمّة المعصومين صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين! تماماً كنملة تسير في حديقة السلطان بين ورودها و رياحينها و خدمها و حشمها، و مع عزّة السلطان و جلالته و سعة سلطانه و نفوذه و أمره و نهيه؛ لكنّها لا ترى لطفه إلّا في حَبّة تسحبها إلى بيتها، و لا تعرف من غضبه و قهره إلا الندى الذي يتسرّب إلى بيتها!

  • پشّه كِى داند كه اين باغ از كِى است‌***كو بهاران زاد و مرگش در دى است‌۱
  • بلى، يصدق هنا كلام مولانا في شأن نظر الناس المحجوبين عن الولاية الكلّيّة الإلهيّة:

  • حقّ آن شه كه تو را صاف آفريد***كرد چندان مشعله در تو پديد
  • آن چنان معمور و باقى داشتت‌***تا كه دهرى در٢ أزل پنداشتت‌
  • شكر دانستيم آغاز تو را***أنبيا گفتند آن راز تو را٣
    1. يقول: «أنّي للبعوضة أن تعرف متى وُجِدَ هذا الحقل، فقد وُلدت في الربيع و ستموت عند الخريف».
    2. في النسخة الاخري ورد لفظ «از».
    3. «مثنوي مولوي» ج ٢، ص ۱٥٥ و ۱٥٦، السطر ٢٣ فما بعد، طبعة آقا ميرزا محمود الحجريّة.
      يقول: «بحقّ ذلك الذي خلقَكَ بهذا الصفاء، و جعل فيك مشاعلَ متوهّجة.
      و الذي حفظك باقياً معموراً، حتّى ظنّك الدهريّ أزليّاً.
      شكراً للّه إذ علّمنا بدايتك، و أطلعنا الأنبياء علي سرّك».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

264
  • آدمى داند كه خانه حادث است‌***عنكبوتى نى كه در وى عابث است‌
  • پشّه كِى داند كه اين باغ از كِى است‌***كو بهاران زاد و مرگش در دى است‌
  • كرم كاندر چوب زائيد است حال‌***كى بداند چوب را وقت نهال‌
  • ور بداند كرم از ماهيّتش‌***عقل باشد، كرم باشد صورتش‌
  • عقل‌۱ خود وا مى‌نمايد رنگ‌ها***چون پرى دور است از آن فرسنگها
  • از مَلك بالاست چه جاى پرى‌***تو مگس پرّى به پستى مى‌پرى‌٢
    1. المراد هو العقل الجزئيّ، أي عقل المعاش.
    2. يقول: «يعلم الآدميّ حدوثَ البيت الذي يقطن فيه، لكنّ العنكبوت العابث فيه لا يعلم بهذا السرّ.
      و أنّي للبعوضة أنّ تعرف متى وُجِدَ هذا الحقل، فقد وُلِدَتْ في الربيع و ستموت عند الخريف.
      و كيف و متى ستعلم الدودة التي وُلدت في ثنايا الخشب، أنّه كان يوماً ما غرساً يافعاً؟
      و إن أمكن للدودة أن تدرك من ماهيّة الخشب أنّه كان غرساً صغيراً، عندئذٍ فهي ليست إلّا عقلًا تصوّر بشكل دودة.
      إنّ العقل يظهر بصور مختلفة، لكنّه بعيد عنها بفراسخ شأنه في ذلك شأن الجنّ.
      فهو أعلى من الملائكة فضلًا عن الجانّ، أمّا أنت فقد أشبهتَ الذبابَ بطيرانك لأنّك تنظر دوماً إلي الأسفل».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

265
  • گرچه عقلت سوى بالا مى‌پرد***مرغ تقليدت به پستى مى‌چرد
  • علم تقليدى وبال جان ماست‌***عاريه است و ما نشسته كان ماست‌
  • زين خرد جاهل همى بايد شدن‌***دست در ديوانگى بايد زدن‌
  • هر چه بينى سود خود زان مى‌گريز***زهر نوش و آب حيوان را بريز
  • هر كه بستايد تو را دشنام ده‌***سود و سرمايه به مفلس وام ده‌
  • ايمنى بگذار و جاى خوف باش‌***بگذر از ناموس و رسوا باش فاش‌
  • آزمودم عقل دور انديش را***بعد از اين ديوانه سازم خويش را۱
  • أو ما ذكره فى المقدِّمة الرائعة القيّمة لكتابه الشريف، و التي لها

    1. يقول: «و مع أنّ عقلك يحلّق إلي الأعالي، لكنّ طائر التقليد لديك مشغول بالاجترار في العوالم السفلي.
      إنّ العلم التقليديّ بلاء علي روحنا، و مع أنّه ليس إلّا عارية لكنّنا نظنّ أنّه يعود إلينا.
      لذا ينبغي التبرّي من هذا العلم و العقل، فلنصبح جهّالًا منه و لندّعِ الجنون.
      اهربْ من كلّ ما رأيتَ أنّه ينفعك، و اجرع السمّ و أرِقْ ماء الحياة علي الأرض.
      و اشتمْ مَنْ مدحكَ و بجّلك، و أقرضْ المفلس رأس مالك و ربحك.
      أعرِضْ عن الأمان و عِشْ في خوفٍ و هلع، و أغضض عن الناموس و اختر الفضيحة.
      لقد جرّبتُ هذا العقل المتفكّر، و سأختار الجنون بعد هذا لنفسي».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

266
  • حكم براعة الاستهلال لجميع أبيات الديوان:

  • من به هر جمعيّتى نالان شدم‌***جفت بدحالان و خوش‌حالان شدم‌
  • هر كسى از ظنّ خود شد يار من‌***وز درون من نجست أسرار من‌
  • سرّ من از نالة من دور نيست‌***ليك چشم و گوش را آن نور نيست‌
  • تن ز جان، و جان ز تن مستور نيست‌***ليك كس را ديد آن دستور نيست‌۱
  • و لذلك فإنّ عمل أولياء الله هو عمل الحقّ، فهم قادرون على القيام بجميع الأعمال من شفاء المرضى و إحياء الموتى و إظهار المعجزات و الكرامات و خوارق العادات و التصرّف في موادّ الطبيعة و القيام بالأعمال التي لا تنسجم أبداً مع العقل التجريبيّ الحسّيّ.

  • لكنّ النكتة المهمّة هنا، أنّهم لا يصدر عنهم عمل غير صحيح، و لا يفعلون ما يخالف الحكمة و المصلحة، و لا يخطون خطوة في إلحاق‌

    1. «مثنوي مولوي» ج ۱، ص ۱، السطر ٤، طبعة آقا ميرزا محمود.
      يقول: «علا صوت أنيني في كلّ نادٍ و جمع، و رافقت ذوي الأحوال السيّئة و الحسنة.
      فخُيّل لكلّ منهم أنّه صار رفيقي و صاحبي، بَيدَ أنّ أحداً لم يطّلع علي سرّي و مكنون ضميري.
      إنّ سرّي مودع في أنيني و شجوي لا ينفكّ عنهما، لكنّ أعين الآخرين و آذانهم ينقصها ذلك النور فقصرت عن أن تسمع أو ترى.
      لقد اقترن البدن بالروح فلم يغبْ أحدهما عن الآخر أو يستتر عنه يوماً، و لكن لم يُعهد من أحد أن يري الروح عياناً».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

267
  • الضرر و الأذى بالبشر، و ذلك لأنّهم بالفرض اسم الله؛ و الله لا يفعل شيئاً عبثاً و لغواً و لهواً. إنّ عمل أولياء الله الحقيقيّين من اللطافة و الدقّة و الظرافة و فقدان الاسم و الأثر و الظهور، بالقدر الذي يحصل أحياناً بدون أن يعلموا هم أنفسهم بأفعالهم، فهم يفعلون ذلك لكنّ نفوسهم و مُثُلهم تفتقد الاطِّلاع على ذلك. و لو حدثَ أن قطّعت وليّ الله إرباً إرباً، أو فصلت مفاصله واحدة واحدة، و لو سلختَ جلده عن بدنه حال حياته، لما فعل شيئاً خلاف رضا الله سبحانه. و لذلك نرى أنّ الأئمّة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، مع هذه السعة في العظمة و الامتداد في القدرة الروحيّة و التكوينيّة، لا يستجيبون لجميع طلبات الناس و أدعيتهم، و ذلك لعدّة أسباب:

  • العلّة في عدم استجابة بعض أدعية غالبيّة الناس‌

  • الأوّل: إنّ أغلب أدعية الناس غير جادّة، و لا تصدر من أعماق قلوبهم. فما أكثر أدعية الناس التي تصدر للعادة و التقليد و الاستناد على الأسباب الظاهريّة و الاعتماد على الامور الاعتباريّة، و في هذه الحال فإنّ حقيقة الدعاء لا تنبع من ضمائرهم و قلوبهم؛ و لو لا ذلك فإنّ هذه الأدعية و الرغبات كانت ستستجاب في حال الاضطرار و الانقطاع الكامل.

  • ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ﴾.۱

  • الثاني: إنّ الأدعية تنصبّ غالباً على المنافع الشخصيّة مع الإعراض عن المنافع العامّة. أي أنّ الشخص الذي يدعو، يطلب لنفسه شيئاً خاصّاً لو استجيب له فيه لاستلزم ذلك سلب ذلك الشي‌ء منه.

  • فقد يتوسّل امرؤ بالإمام مثلًا فيدعو بإصرار من أجل أن يرتفع عنه ظلم جاره، مع أنّه نفسه يُلحق في بيته و باستمرار ظلماً أشدّ بزوجته لا يعلم عنه أحد شيئاً؛ فإن استجاب الله دعاءه بحقّ جاره فأهلكه، فإنّه سيكون قد

    1. صدر الآية ٦٢، من السورة ٢۷: النمل.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

268
  • ألحق الظلم و الحيف بامرأة هذا الظالم، و ذلك لأنّ ظلمه لزوجته سيدوم. و لو استجاب الله بشأن جميع الظَّلَمة بمقتضى سعة أسمائه الجلاليّة لتوجّب من ذلك أن يهلك في الوهلة الاولى نفس هذا الرجل، لأنّه يظلم امرأته في بيته!

  • لكنّ الإنسان يُحسن الظنّ بنفسه دوماً فلا يعد ظلمه قبيحاً، بل لا يرى ظلمه ظلماً و تعدّياً، و حينذاك يدعو لرفع ظلم الغير. و من ثمّ فإنّ أمثال هذه الأدعية لا تستجاب لأنّ مآلها هلاك جميع الظلمة من جملتهم نفس الداعي.

  • أغلب طلبات الناس، بخلاف مصالحهم الحقيقيّة

  • الثالث: إنّ أدعية الناس هي غالباً خلاف مصلحتهم، أي إنّهم يطلبون وفق فكرهم و تعقّلهم شيئاً و يلحّون في طلبه، فإن استجيب لهم فيه كان فيه ضررهم. لكنّهم -باعتبار وقوعهم في ستار الحجاب و عدم اطِّلاعهم على الأسرار- يتخيّلون في الغالب منفعتهم. و لذا فإنّ الناس غافلون عن المصالح و المفاسد المعنويّة و الحقيقيّة و يتصوّرون المصلحة و المفسدة على أساس الإفراط في الشهوة و التمتّع باللذائذ الدنيويّة الخسيسة، و اكتناز المال و الثروة و ما أشبه ذلك، سواء أدّى ذلك إلى استقرار بالهم أم إلى تعكيره، و سواء أبقي ذلك على تحرّر روحهم أم لم يبقِ، و سواء أتعبَ ذلك نفوسهم أم لم يتعبها؛ و بشكل عامّ سواء زاد ذلك في درجتهم و مقامهم العلمي و قربهم من الله سبحانه أم لم يزد؛ في حين أنّ هذا النمط من التفكير خلاف صالحهم. فكم من ملعقة من الحلويات اللذيذة كانت باعثاً على ايجاد السمّ القاتل في أبدانهم! و كم ساقتهم زيادة الثروة و اكتناز الذهب إلى الطغيان و التمرّد! و ما أكثر ما دعتهم صحّة مزاجهم و عافيتهم إلى الغفلة و المرح و الفخر! و ما أكثر ما دعتهم قدرتهم البدنيّة و البطوليّة إلى تمريغ منافسهم في التراب، و أدخلتْ إلى نفوسهم‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

269
  • العُجب و الغرور! و أمثال ذلك كثير. فهم سيكونون حينذاك قد جَنَوْا منفعة قليلة و مؤقّتة أعقبتهم مضرّة كثيرة و دائمة دون أن يعلموا بذلك. و عند ذلك يذهب هؤلاء المساكين إلى اللهو و اللعب، و يسمّرون أنظارهم على اللذّات الفانية لا يتعدّونها، جاهلين بالتعب و النَّصَب و التداعي الروحيّ الذي لحقهم.

  • كان سماحة السيّد الحدّاد قدّس الله سرّه يقول: أرى الناس في جميع المشاهد المشرّفة يُلصقون أنفسهم بالضريح و يضرعون باكين بالدعاء فيقولون: أضفْ خرقة إلى خرق لباسنا المتهرّئ ليصبح أثقل. و ليس هناك مَن يقول: خذ هذه الخرقة منّي ليخفّ كاهلي و ليصبح ردائي أبسط و ألطف و أرقّ!

  • إنّ حاجات الناس تنصبّ غالباً على الامور المادّيّة و لو كانت مشروعة، كأداء دَين، أو الحصول على رأس مال للتجارة و الكسب، و شراء بيت، و الزواج من فتاة، و شفاء مريض، و القيام باستضافة الناس و إطعامهم في شهر رمضان و أمثال ذلك. و هذه الامور جيّدة لو أدّت إلى قرب الإنسان و تجرّده، لا إلى زيادة شخصيّته و أنانيّته و تقوية وجوده. لأنّ تقوية الوجود هذه ستؤدّي إلى ثقل النفس و بُعدها عن سبيل الله، لا إلى خفّة النفس و انبساطها و قربها.

  • إنّ العمل الصالح للبشر و صلاحه الحقيقيّ هو الذي يؤدّي إلى قُربه من الله تعالى و إلى تحرير نفسه، سواء اقترن بالمنفعة الطبعيّة و الطبيعيّة أم لم يقترن.

  • و بعبارةٍ اخرى فإنّ مجموعة الإنسان ليست كمجموعة الحيوان و النبات و الجماد ليلحظ فيها البدن فقط، بل إنّ الإنسان يمتلك نفساً ناطقة و قابليّة للارتقاء إلى أعلى علّيّين. فإن قَصَرَ عنايته على البدن و أبهج بذلك‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

270
  • نفسه، فقد أصابه الضرر و أيّما ضرر! فهو قد باع حقيقة وجوده و ثمرة حياته بثمن بخس، و بقي محروماً في ميدان اللهو الدنيويّ. و لو أراد الأئمّة عليهم السلام في مثل هذه الافتراضات أن يقضوا حاجات الجميع و يستجيبوا لجميع الأدعية لكانوا قد ساروا خلاف مصالحهم.

  • إنّ الأئمّة هم مصلحو عالم البشريّة، فهم في حكم الطبيب الذي يصف للمريض الأغذية و الأدوية المُرَّة أحياناً، و يجري له العمليّة الجراحيّة و التزريق، و ينصحه بالامتناع عن بعض الأغذية، و يداويه بالجوع أحياناً اخرى. أمّا العقلاء فيُدركون ذلك و لا يتمرّدون على تعاليم الطبيب، و أمّا الجهلة و عبدة الشهوات أو الأطفال الذين لا كافل لهم، فلا يُعيرون ذلك اذناً صاغية، و يقومون من ثمّ بحفر قبورهم بأيديهم.

  • و بالطبع فإنّ نفس الالتجاء و الدعاء يمتلك المحبوبيّة، و هؤلاء المتوسّلون و الداعون يحصلون على أجر معنويّ، و يحسّون ببهجة و نشاط و صفاء في هذه العتبات المشرّفة و يتمتّعون بلذّة الدنيا و العبادة. و نحن نشاهد أحياناً أنّ حاجاتهم تقضى حين تقتضي المصلحة ذلك، فيشفي المرضى المشرفين على الموت و العميان و المشلولون، فيعودون إلى أوطانهم و قد نالوا مرادهم و قضيت حاجاتهم.

  • كما أنّه لا اختصاص بقضاء الحاجات بالاعتاب المباركة لثامن الأئمّة عليه السلام، فهذا الأمر عامّ في جميع العتبات المباركة الاخرى، و لقد سمعنا في حياتنا من كرامات كلّ واحد من هؤلاء العظام في كلّ مكان بالقدر الذي يضيق على الحصر و العدّ، حتّى أنّ هذا الحقير حين كان منزلنا في طهران كان يتشرّف كثيراً بزيارة السيّد عبد العظيم الحسنيّ سلام الله عليه، و كنت أدعو في ذلك المحلّ المبارك، فلا أذكر أنّي دعوت بشي‌ء و لم يُستجب لي فيه.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

271
  • و لقد كان منزلنا يقع في زقاق «حمّام وزير»، و كان هناك رجل يعمل في خياطة الأحذية و إصلاحها، و كنا نُصلح أحذيتنا عنده. و أذكر جيّداً أنّه جاء إلى منزلنا يوماً باكياً و شرح لوالدي الذي كان عالِم المحلّة تفصيل ما وقع له، و كنت آنذاك صغيراً.

  • قال: إنّ من عادتنا نحن الحذّائين أن نضع في فمنا قدراً من المسامير التي نريد تثبيتها في الأحذية، ثمّ نستخرجها واحداً فواحداً فنسمّرها في الحذاء. و كنتُ يوماً قد وضعتُ في فمي قدراً من هذه المسامير السوداء (المسامير الطويلة المدبّبة المعهودة في إصلاح الأحذية) و ذلك لتثبيتها في أحد الأحذية. فجاء أحد الأشخاص فجأة و شرع بالتحدّث معي، و هكذا غفلت عن المسامير في فمي فابتلعتُها فجأة.

  • لقد تجسّد الموت آنذاك أمام ناظري، فها هي معدتي و أمعائي ستتقطّع إرباً إرباً، فما كان منّي إلّا أن أغلقت دكّاني بلا تأخير و هرعت إلى السيّد عبد العظيم عليه السلام و التجأت إلى ضريحه فألصقت نفسي به و ضرعتُ إليه: أيّها السيّد الكريم! أنت تعلم أنّ لديّ عائلة كبيرة، و ها أنا قصدتُك اريد شفائي منك!

  • كان وضعي منقلباً حينها، و هكذا خرجت من حضرته و جلست إلى جانب الحوض وسط الصحن، فأحسست فجأة بحالة تقيّؤ تعتريني، فخرج ما في معدتي و رأيتُ فيه جميع تلك المسامير!

  • بركات و كرامات مشهد الإمام الرضا عليه السلام متّصلة و مستمرّة دوماً

  • أمّا بالنسبة لقضاء حوائج الناس من قِبَلِ الإمام الرضا عليه السلام فلا يتّسع له الحصر و العدّ، و الحقير يعرف بعض الأرامنة في طهران من الذين كانوا ينذرون للإمام الرضا عليه السلام لقضاء حوائجهم و يذهبون إلى مشهد المقدّسة فيصحبون معهم سجّادة أو رأساً من الغنم أو قطعة من الذهب، لأداء نذرهم.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

272
  • يقول المرحوم المحدِّث القمّيّ: يقول المؤلّف: لقد ذُكرت في كتب المعجزات و خاصّة كتاب «عيون أخبار الرضا عليه السلام» تأليف الشيخ الصدوق عليه الرحمة كرامات و معجزات كثيرة للروضة المقدّسة الرضويّة على مشرّفها السلام، لا مجال لذكرها في المقام، على أنّ المعجزات و الكرامات التي تظهر في كلّ زمان هي بالقدر الذي يغني عن نقل الوقايع السابقة.۱

  • و أقول أيضاً: و لا ينبغي أن تستبعد هذا الأمر، فتلك المعجزات و الكرامات التي ظهرت من هذه المشاهد المشرّفة و وصلت حدّ التواتر هي أكثر من أن تُحصى. و لقد حصل في شهر شوّال السابق، لسنة ألف و ثلاثمائة و ثلاث و أربعين (هجريّة قمريّة) أن أشفى ثامن الأئمّة الهداة و ضامن الامّة العصاة مولانا أبو الحسن عليّ بن موسى الرضا صلوات الله عليه في الحرم المطهّر ثلاث نساء مقعدات بالشلل و غيره، كان الأطبّاء قد عجزوا عن علاجهنّ. و هذه المعجزات لذلك القبر المطهّر قد بانت و ظهرت للملأ ناصعة كالشمس في السماء الصاحية، و كان من شأنها انفتاح بوّابة النجف الأشرف أمام أعراب البادية. و لقد كانت هذه القضيّة من الوضوح و الاشتهار بحيث صادق عليها الأطبّاء الذين كانوا قد اطّلعوا على مرض هؤلاء النسوة بالرغم من تبيّنهم للأمر و دقّتهم المتناهية فيه، بل إنّ بعضهم كتب مصادقته على شفائهنّ، و لو لا مراعاة الاختصار و ضيق المجال لنقلنا قصّتهن بالتفصيل. وَ لَقَدْ أجَادَ شَيْخُنَا الحُرُّ العَامِليّ في ارْجُوَزتِهِ:

    1. «هديّة الزائرين» ص ٢۸٤ و ٢۸٥ (بالفارسيّة)، الطبعة الحجريّة، في فضيلة زيارة الإمام الرضا عليه السلام، و قد أوردنا في المتن الترجمة العربيّة.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

273
  • وَ مَا بَدَا مِنْ بَرَكَاتِ مَشْهَدِهْ‌***في كُلِّ يَوْمٍ أمْسُهُ مِثْلُ غَدِهْ‌
  • وَ كَشِفَاءِ العُمْيِ وَ المْرضَى بِهِ‌***إجَابَةُ الدُّعَاءِ في أعْتَابِهِ‌۱
  • و كان من دأب الحقير في جميع كتاباتي أن أنقل ما رأيته بنفسي، أو ما ذكره لي بعض الثقات المعروفين و المشهورين بلا واسطة، لا أن أذكر ما سبق أن دوّنه السابقون شكر الله مساعيهم في كتبهم و دفاترهم؛ و بعبارة أخرى فقد اعتمدتُ الدراية و المشاهدة لا الرواية و المحاكاة. لذا فقد رغبت هنا في نقل قضيّتَين فقط من معجزات الإمام الرضا عليه السلام حصلتا لبعض أقاربنا القريبين، و قضيّتَين سمعتهما من الثقات الأعلام و الأعاظم من الآيات و الرجال. و أمّا القضيّتان المتعلّقتان بالأقرباء، فاعرض عن ذكر إحداهما باعتبار أنّها وقعت لشخص لا يزال بحمد الله و منّته على قيد الحياة، و أكتفي بذكر حكاية حال الشخص الآخر الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى.

  • معجزة الإمام الرضا عليه السلام في شفاء شابّ أعمى‌

  • لقد كان أحد أرحامنا القريبين شابّاً وسيماً و ناجحاً، يفيض قوّةً و نشاطاً، و كان يتّجر في السوق، و حدث أن ابتلي فجأة بمرض في إحدى عينيه فَقَدَ على أثره القدرة على الإبصار. و مرّت الأيّام دون أن تتحسّن حاله، فراجع الأطبّاء السابقين المعروفين في طهران، مثل الدكتور حسن العلويّ، و الدكتور لشكري، و الدكتور محسن زاده، و الدكتور ضرّابي‌

    1. «مفاتيح الجنان» ص ۱٤٩ و ۱٥۰، طبعة الإسلاميّة، بخطّ طاهر خوشنويس، سنة ۱٣۷٩، أعمال الليلة السابعة و العشرين من رجب.
      و قد ضُبطت أبيات المرحوم الشيخ الحرّ العامليّ بلفظ و كَشِفَا العِمَي، و ربّما أخطأ الناسخ في الكتابة لأنّ الصواب هو وَ كَشِفَاءِ العُمْي، لأنّ شفاء بالمدّ لا بالقصر: شَفَى يَشْفِي شِفَاءً، و عُمْي -علي وزن حُمْر-: جمع أعْمَى؛ يشهد علي ذلك عطف كلمة مَرْضَي و هي جمع مريض علي كلمة العُمْي.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

274
  • و أمثالهم، فاتّفقت كلمتهم على أنّ العِرق الموجود في أدنى نقطة من العين و الذي يغذيّ العين بالدم، قد سدّت مجراه بقعة دمويّة متخثّرة نجمت من انقباض العرق و انبساطه، و هكذا فقد انقطعت الرابطة الحيويّة للعين في التغذية الدمويّة، و هي جلطة في العين لا علاج لها و لا عمليّة جراحيّة، و قالوا له: إنّك لو ذهبتَ إلى جميع أقطار العالم فإنّ الأمر لن يتغيّر عمّا قلنا لك، إلّا أنّ هناك احتمالًا ضعيفاً جدّاً و هو: أن تتحرّك هذه البقعة من مكانها بواسطة تسييل الدم و تقليل كثافته.

  • لذا فقد منعوا هذا الشخص من تناول الأغذية التي تزيد كثافة الدم، كالبيض و السمن و اللحم الأحمر و أمثالها، و أعطوه أقراصاً لتسييل الدم استعملها بانتظام مدّةً بدون أيّة فائدة.

  • ثمّ ظهرت لديه تدريجيّاً عوارض أخرى:

  • الأوّل: أنّ العين صارت تفقد حالتها العاديّة الأولى، فصارت تنقبض و تتجمّع، و أخذت الأملاح تغطّي أطراف الأهداب؛ لقد كانت عينه تموت. و كان الأطبّاء قد قالوا باحتمال سريان هذا المرض إلى العين الاخرى، حيث بدأت أعراض هذا المرض و آثاره تظهر على العين الاخرى.

  • الثاني: إنّ انخفاض كثافة الدم و سيلانه بشكل غير عاديّ كان قد أدّى إلى ظهور نزيف دمويّ تحت اللثّة.

  • و الثالث: إنّه صار يصاب بحالات تشنّج و رجفة، فكان يرتجف طوال اليوم، و بدنه يتشنّج بشدّة لخمس دقائق و لعشر دقائق و لنصف ساعة أحياناً.

  • و هكذا فقد تداعى هذا الشابّ القويّ الثريّ متهالكاً في البيت، لا قوّة له، و كان بيته (بيت والده في ذلك الوقت) يضجّ بأصوات بكاء الأقارب‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

275
  • و الأرحام ليلًا و نهاراً، فيرتفع نحيبهم حتّى يسمعه الجيران. و كان أقاربه و أرحامه يذهبون باستمرار لرؤيته، فكان مجلسهم أشبه بمجلس العزاء، لا تجفّ فيه دموع الواردين و لا أصحاب المنزل جميعاً.

  • و لقد انهارت معنويّات هذا الشابّ بسبب هذه الأعراض، فلم يعد يستطيع أن يصمّم على شي‌ء أو يختار شيئاً، فكان يذهب حيثما أخذوه و يقبل ما يفعلونه به، و كان متزوّجاً و له أطفال.

  • ثمّ عزم الأفراد المحيطون به آنذاك على إرساله إلى إسبانيا أو إلى النمسا، فقد كان في هذين البلدين طبيبان عالميّان مشهوران في أمراض العيون. ثمّ رجّحوا بعد التشاور إرساله إلى النمسا، و عملوا على تهيئة جواز سفر له بسرعة، فأرسلوه من طهران إلى لندن بالطائرة بصحبة أحد الشباب الإيرانيّين الذين يدرسون هناك، إلى النمسا، و كانوا قد أخذوا موعداً من ذلك الطبيب.

  • و لو أمكنكم أن تتخيّلوا كيف نُقل هذا الشابّ إلى مطار «مهرآباد» طهران ذلك اليوم و قد جاء أبوه العجوز و أقاربه و معارفه و أصدقاؤه لتوديعه، و حاله في ضعفه و مرضه و عجزه عن صعود سلّم الطائرة، لأمكنكم حقّاً تصوّر عظمة معجزة الإمام الرضا عليه السلام ممّا يصعب بيانه.

  • يصل الشابّ إلى لندن، ثمّ يذهب بعد أيّام إلى النمسا فيرقد في أشْهَر مستشفيات العيون هناك تحت مراقبة ذلك الطبيب، لكنّه يقول هو الآخر: لا فائدة من إجراء عمليّة جراحيّة. ثمّ لجأوا إلى استخدام الأجهزة التي تنتزع العين فكانوا يقومون بصبّ الأدوية في قعرها في محاولة لإزالة تلك البقعة الدمويّة بعمليّات أشبه بالعمليّات الفيزياويّة منها إلى العمليّات الكيمياويّة و الدوائيّة، و لكن دون جدوى.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

276
  • و مرّ شهران كاملان قضاهما ذلك الشابّ هناك دون أيّة نتيجة، على أنّ مرضاً آخر اضيف إلى عينه، فلقد دارت حدقة العين في مكانها فصار سوادها إلى الداخل و بياضها إلى الخارج!

  • و كان الطبيب يقول: إنّ كلّ ما يمكننا عمله بالمعالجة الطويلة هو أن نعيد العين إلى وضعها الأوّل، أمّا الإبصار و عودة النور فذلك من المحال بالنسبة لي. و هذه الأحداث نقلها الشابّ لي بعد عودته. و أنقل هنا نصّ كلامه، لبيان ما جرى له:

  • يقول الشابّ: كان جميع العاملات في تلك المستشفى من الراهبات النصارى اللواتي تركن الدنيا، و قد رققن لحالي، و لكن ما الذي كان بإمكان اولئك المسكينات أن يفعلن؟! كلّا، لم يكن باليد من حيلة.

  • حتّى كانت ليلة ذهب فيها الشخص الذي كان يرافقني إلى لندن لقضاء أعماله الخاصّة ليعود فيعدّ مستلزمات عودتي. فنهضتُ ليلًا و صلّيت كثيراً، ثمّ قلت: يَا عَلِيّ بْنَ مُوسَى الرِّضَا! اشهدك أنّي كنت أتوسّل إليك في المهمّات و اكْثِرُ من زيارتك. و لو كان أمري بيدي لما جعلتُهم يأتون بي إلى مدينة المسيحيّين و الكفّار هذه؛ و لجئتك حتماً فقبّلتُ أعتابك و أخذت حاجتي منك.

  • أنت الذي فعلت بي كذا! و أنت الذي فعلت بي كذا! و أنت و أنت... و هكذا عدّدتُ الحوائج التي عجز عنها الجميع فقضاها الإمام لي، و غرقتُ في البكاء. و قلتُ له:

  • لقد عُلِّمنا نحن الشيعة أنّ الإمام المعصوم يستوي لديه الموت و الحياة، و يستوي لديه شرق الأرض و غربها، فأنا الآن أرى نفسي كأنّي واقف في حرمك المبارك و أندبك أن تهب لعيني شفاءها! قلتُ هذا ثمّ رقدت و نمت نوماً مريحاً لساعات، ثمّ شاهدت قرب طلوع الفجر الإمام‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

277
  • الرضا عليه السلام في عالم الرؤيا، لكأنّ حقيقة الإمام و روحه كانت تنزل و تهبط شيئاً فشيئاً من عوالم الملكوت و الحُجب التي لا توصف، حتّى وقف بجانبي ببدنه و جسمه الخارجيّ و في يده لوحة كُتبت عليها سطور خضراء تتوهّج بالنور، فأعطاني تلك اللوحة و قال لي: اقرأ!

  • فشرعت بالقراءة، ثمّ استيقظت بعد أن قرأت منها شيئاً فوجدت أنّ عيني قد عادت إلى حالتها الطبيعيّة و أنّها تبصر بشكل كامل!

  • ثمّ نهضتُ للصلاة فصلّيتُ في ظلام الليل، ثمّ صلّيتُ صلاة الصبح و عُدت إلى سريري، و صمّمت في نفسي أن لا أبوح بشي‌ء أبداً.

  • و يبدو أنّه قد اشير عليه في عالم الرؤيا بأنّ هذا من الأسرار فلا تُظهِرْ شيئاً، و كان ذلك المرحوم يقول: لقد بُحتُ بهذا السرّ، حتّى أنّي أطلعتُ عليه بعض الرفقاء و الأصدقاء العاديّين، و لم يكن لي أن أفعل ذلك؛ و كان يُظهر الندم على ذلك.

  • و في موعد الفطور جاءت الممرّضات لغسل العين فعجبن من الأمر و أعلمنَ الأطبّاء بذلك، و من ثمّ فقد انتهى الأمر إلى ذلك الطبيب المعروف فجاء و فحص عيني؛ فكانت كلمتهم جميعاً متّفقة:

  • أنّ هذا أمر خارق للعادة! هذه معجزة للمسيح! هذه معجزة! هذه معجزة!

  • و لم أنبس ببنت شفة و قلتُ في نفسي: نعم، هي معجزة، و لكن لُاستاذ المسيح و معلّمه و سيّده.

  • و قد نقل الحقير، بعد مرور ثلاثين عاماً تفاصيل هذه الواقعة، إلى الصديق العزيز الكريم: الدكتور السيّد حميد السجّاديّ وفّقه الله تعالى و هو من أطبّاء العيون المعروفين في العالم، فقال: هذا صحيح! و كما تصفون فإنّ هذا المرض لا يمكن علاجه في العالم، و لا يمكن أن يكون لشفائه‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

278
  • علّة إلّا المعجزة.

  • ثمّ أضاف: كان أحد مرضانا الرجال قد تجمّع في قزحيّة عينه ماء، و كنّا قد أعطيناه موعداً في يوم معيّن لإجراء عمليّة جراحيّة، لكنّه جاء قبل العمليّة فقال: لقد ذهبتُ عند مولاي الإمام الرضا عليه السلام و أخذتُ منه شفائي. فأعدنا فحص عينه و معاينتها، فرأينا أن لا أثر لماء القزحيّة على الإطلاق!

  • و كان الدكتور يقول: يمكن أحياناً أن يزول ماء القزحيّة تلقائيّاً، و لكنّ ذلك يحصل خلال مدّة طويلة، و لم يكن قد سبق لي أن شاهدتُ أنّ ماء القزحيّة يزول في عدّة أيّام، لذا فلم يكن ذلك إلّا معجزة لثامن الأئمّة عليه السلام.

  • معجزة ثامن الحجج عليه السلام حسب نقل آية الله الحائريّ رحمه الله‌

  • و أمّا القصّتان المنقولتان عن الاعلام، فالاولى: قضيّة نقلها للحقير استاذنا المكرّم آية الله المرحوم الشيخ مرتضى الحائريّ قدّس الله سرّه في جلسة لقاء معه في مشهد المقدّسة، خلال سفره بين الثاني عشر من شهر رمضان المبارك إلى الثالث من شهر شوّال المكرّم لسنة ۱٤۰۰ هجريّة قمريّة.

  • و قد تفضّل بالقول: حكى لي آية الله الحاجّ الشيخ آقا بزرگ الأراكيّ، و هو رجل مسنّ من علماء أراك البارزين يقرب عمره من التسعين سنة، و لا يزال على قيد الحياة حتّى الآن، و هو الأخ الأكبر لآية الله الشيخ مجتبى الأراكيّ الساكن في قم، و من رفقائنا المخلصين، و لا محلّ للشكّ في كلام هذين الأخوين. قال:

  • لقد ابتُلِيَتْ زوجتي في شبابها و قبل زواجها بألمٍ شديد في عينيها، فعالجتهما مدّة في أراك و همدان بلا فائدة، حيث يئس الأطبّاء هناك من تحسّنها و أعلنوا عجزهم عن معالجتها، و كانت عيناها تقتربان من العمى،

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

279
  • حتّى أشرفت هذه الفتاة على فقدان البصر.

  • و كان والداها مضطرَبينِ قلقَينِ، فسمعا أنّ صاحب الحاجة لو سافر إلى مشهد المقدّسة، فأقام فيها أربعين يوماً بعنوان الزيارة و قضاء الحاجة لقضيت حاجته. فاصطحبا ابنتهما إلى أرض مشهد المقدّسة و قصدا الإقامة فيها أربعين يوماً، و كانا دوماً في حال اضطرار و التجاء، لا ينقضي تضرّعهما و استكانتهما.

  • و صادف أن عينَيْ الفتاة لم يشاهد فيهما أيّ تحسّن، بل كانت القدرة على الإبصار تتناقص فيهما شيئاً فشيئاً، فصارت تعجز عن التشرّف بالذهاب إلى الحضرة المطهّرة و تقضي الأيّام حبيسة البيت. حتّى شارفت الأربعون يوماً على الانتهاء، و كان الأبوان حزينَينِ مهمومَينِ يقولان في ضجر و انفعال: وا أسفاه! لقد انقضت الأربعون يوماً بغير فائدة! و حدث في اليوم أو اليومين الأخيرين أن كانا مشغولَينِ بجمع أمتعتهم استعداداً للعودة، فسقط شي‌ء من سقف الغرفة أشبه بقطعة من الجصّ أو ذرق طائر، فالهم قلباهما أنّ هذا هو دواء عينَيْ ابنتهما، فعمدا فوراً إلى طحنه و خلطه بالماء، ثمّ قطّراه في عينيها، فشفيت كَأنْ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً!

  • ثمّ بقوا عدّة أيّام اخرى للتشرّف بالزيارة مع ابنتهما، ثمّ حزموا الأمتعة و عادوا إلى أراك.

  • معجزة الإمام الرضا عليه السلام حسب نقل آية الله اللواسانيّ‌

  • و القصة الثانية: نقل سماحة آية الله الحاجّ السيّد علي اللواسانيّ دامت بركاته -ابن المرحوم آية الله الحاجّ السيّد أبي القاسم اللواسانيّ وصيّ المرحوم آية الله السيّد أحمد الكربلائيّ الطهرانيّ- للحقير يوم الأحد من شهر صفر الخير لسنة ۱٤۰٤ هجريّة قمريّة في منزل الحقير في مشهد المقدّسة الرضويّة على مشرّفها السلام حكاية شيّقة من كرامات الإمام. و هذه الحكاية متعلّقة بابنة المرحوم السيّد علي النقي الحيدريّ صاحب‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

280
  • كتاب «اصول الاستنباط» ابن المرحوم آية الله السيّد مهدي الحيدريّ صاحب كتاب «جنگ إنگليس و عراق»۱ ابن المرحوم السيّد أحمد الحيدريّ باني الحسينيّة الحيدريّة في الكاظميّة.

  • و كانت ابنة المرحوم السيّد علي النقي الحيدريّ قد تزوّجت قبل عشرة سنوات تقريباً فلم تنجب أطفالًا، فقدمت يوماً مع جمع من أرحامها و بدون زوجها مسافرة من الكاظميّة نحو أرض مشهد المقدّسة لزيارة القبر المطهّر للإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام.

  • ثمّ جاءت يوماً إلى بيتنا لزيارة الأهل، و كان لهم مع بعضهم علاقة ممتدّة، فرحّب بهم أهلنا؛ لكنّهم رأوا الهمّ و الغمّ يكتنفهم، فسألوهم عن السبب فقالوا: لقد تزوّجت هذه الفتاة منذ سنين طويلة فلم تنجب حتّى الآن، و قد صمّم زوجها على الزواج باخرى، و حين علمت الفتاة بهذا النبأ تنكّد عيشها و صار مُرّاً، و صارت لا تميّز ليلًا من نهار؛ فهي قلقة مضطربة يغمرها الذبول و الذهول.

  • فقال لهم أهل بيتنا: إنّ مَن يأتي لزيارة الإمام الرضا عليه السلام فيطلب ثلاث حاجات فإنّ تلك الحوائج أو أحدها (الشكّ من الناقل) ستُقضى. فانهضي الآن و توضّأي و تشرّفي بالذهاب إلى الضريح المطهّر و اطلبي من الإمام أطفالًا!

  • فنهضت الفتاة فتوضّأت و تشرّفت بالذهاب إلى الضريح المطهّر و ابتهلت بالدعاء، ثمّ عادت هذه العائلة بعد زيارة مشهد المقدّسة إلى الكاظميّة.

  • يقول آية الله الحاجّ السيّد علي اللواسانيّ: اعتدنا على التشرّف‌

    1. «الحرب الإنجليزيّة العراقيّة».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

281
  • بالذهاب لزيارة العتبات المقدّسة مرّة كلّ عام، و كنّا نقضي فصل الشتاء هناك. و حين تشرّفنا بالذهاب إلى الكاظميّة و ذهبنا إلى منزل المرحوم الحيدريّ، سمعنا صراخ طفل رضيع و شاهدنا أهل البيت لا يتمالكون أنفسهم فرحاً و ابتهاجاً، و قالوا لنا: حالما عدنا من أرض مشهد المقدّسة و قام زوج هذه المخدّرة بمضاجعتها فإنّها حملت منه على الفور، و ها قد انقضت أشهرٌ تسع فولد لها طفل هو أفضل و أحلى مواهب و عطايا ثامن الأئمّة عليه السلام التي وصلتنا.

  • استضافة آية الله العظمى الميلانيّ لسماحة السيّد الحدّاد

  • ضيافة آية الله العظمى‌ الحاجّ السيّد محمّد هادي الميلانيّ‌ لسماحة الحدّاد

  •  

  • كانت الليلة الأخيرة لتوقّف الحاجّ السيّد هاشم الموسويّ الحدّاد في مشهد المقدّسة في ضيافة أعدّها له سماحة آية الله العظمى الحاجّ السيّد محمّد هادي الميلانيّ في مدرسته، دامت من بعد صلاتي المغرب و العشاء إلى قدر من الليل.

  • و قد حازت تلك الضيافة أهمّيّة كبيرة؛ فقد حضرها أوّلًا جميع رفقاء سفره و معارفه من طهران و همدان و إصفهان و شيراز، يقرب عددهم من سبعين إلى ثمانين نفراً، كان من بينهم آية الله الحاجّ الشيخ حسن علي نجابت الشيرازيّ مع جميع تلامذته في السلوك و مرافقيه، و كان حضور هذه الجماعة بهذا العدد من الامور المهمّة.

  • و ثانياً فقد حفلت المائدة التي بُسطت في ساحة المدرسة وقت العشاء بأنواع الأغذية على أحسن وجه و أكمله، يصدق في شأنها: ﴿وَ فِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَ تَلَذُّ الْأَعْيُنُ﴾‌.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

282
  • و كان ذلك في الأوقات التي كان سماحته فيها مراقباً من قبل جهاز الأمن (السافاك) أشدّ رقابة، فكان أحد مأموريهم يقف دائماً في وسط الزقاق و الآخر في رأس الزقاق، يراقبان الواردين و يستفسران عن هويّة الداخلين عليه، فلم يكن ارتياد بيته من قِبَل عامّة الناس ممكناً، بل كان ذلك منحصراً بخصوص أفراد عائلته و أمثالهم. و كانت الصلاة -التي يقيمها في الصحن الواقع جهة قدمَي الإمام عليه السلام- تحت المراقبة، و كان طريق عبوره للصلاة منحصراً عن طريق صحن المتحف، لئلّا يقابل أحداً من الناس.

  • و لهذا فقد كانت استضافته لسماحة السيّد الحدّاد بهذه الخصوصيّات مثيرة لأسئلة جهاز الأمن: مَنْ يكون هذا السيّد؟ و لما ذا حلّ في ضيافته؟ و من هم هؤلاء الأفراد من أهل العلم و غيرهم؟ أ يجوز أن يكون لديهم خطّة للتآمر على أمرٍ ما؟

  • و لذا، فقد قامت مديريّة الأمن بمحاصرة المدرسة بمأموريها وقت تناول العشاء و بمراقبة جماعته عند خروجهم من المدرسة. حتّى قيل إنّ مسير سماحة السيّد الحدّاد من المدرسة إلى الفندق الواقع في سوق «حاجّ آقا جان» كان يمرّ من الصحن المطهّر، لذا فقد قام مأمور و الأمن -بمجرّد دخول السيّد إلى الصحن- بامتطاء درّاجاتهم و أسرعوا بالتوجّه إلى أبواب الصحن المختلفة لمعرفة خروجه و محلّ إقامته، ثمّ جاءوا إلى الفندق بعد خروجه من باب سوق «سنگ‌تراشها» المعاكس لجهة القِبلة، و ظلّوا حتّى الصباح يتردّدون على الفندق و باقي منازل المعروفين من مرافقيه.

  • و في الصباح، كان السيّد يقف مع رفقائه الطهرانيّين و مَن لحق بهم، و كان عددهم يقارب عدد ركّاب سيّارة ركّاب كبيرة (حافلة)، و كان عليهم أن يتحرّكوا للسفر من موقف السيّارات السابق في مشهد، و قد تواجد

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

283
  • مأمور و الأمن هناك أيضاً، حتّى أنّ رئيس دائرة الأمن في مشهد جاء بنفسه إلى موقف السيّارات و استفسر من الشباب الشيرازيّين الذين جاءوا للتوديع: مَن هذا السيّد؟ فكانوا يقفون صامتين في أدب دون أن يجيبوا على سؤاله، لذا فقد كان هائجاً و عصبيّاً جدّاً.

  • ثمّ تحرّكت سيّارتنا من مشهد إلى طهران، فوردت محطّة توقّف شركة نقليات «ميهن تور» في شارع ناصر خسرو بطهران، و بمجرّد أن هبطتُ من السيّارة شاهدتُ شخصاً مجهولًا يقترب منّي من جنب ساحة المحمولات و يسأل: مَنْ هذا السيّد؟ قلت: إنّ اسمه الحاجّ السيّد هاشم الحدّاد، من الزوّار الكربلائيّين، و قد جاء للتشرّف بزيارة مشهد، و ها هو يعود مع مصاحبيه.

  • نعم! كان السيّد يقول: كان بلاء عجيب يلاحقنا تلك الليلة، و قد أزاله الله عنّا ببركة الإمام الرضا عليه السلام.۱

    1. كان السيّد يقف في محطّة السيّارات في مشهد ينتظر ركوب السيّارة و التحرّك إلى طهران، و لم يكن أحد ليعلم ما كان يدور في ضميره و باطنه في وداعه للإمام الرضا عليه السلام. و كان الحقير يقف إلى جانبه فسمعته يتمتم بهذا البيت عدّة مرّات:
      فَأنْتُمُ المَلَا الأعْلَى وَ عِنْدَكُمُ‌***عِلْمُ الكِتَابِ وَ مَا جَاءَتْ بِهِ السُّوَرُ
      و هو من جملة أبيات أنشدها أبو نواس في مدح الإمام عليّ بن موسى الرضا، و هي موجودة في تأريخ «وفيّات الأعيان» لابن خلّكان، ج ٣، ص ٢۷۱؛ و تمام الأبيات:
      مُطَهَّرُونَ نَقِيَّاتٌ جُيُوبُهُمُ‌***تَجْرِي الصَّلَاةُ عَلَيهِمْ أيْنَمَا ذُكِرُوا
      مَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَويَّاً حِينَ تَنْسِبُهُ‌***فَمَا لَهُ في قَدِيم الدَّهْرِ مُفْتَخَرُ
      اللهُ لَمَّا بَرَا خَلْقاً فَأتْقَنَهُ***صَفَّاكُمُ وَ اصْطَفَاكُمْ أيُّهَا البَشَرُ
      فَأنْتُمُ المَلَا الأعْلَى وَ عِنْدَكُمُ***عِلْمُ الكِتَابِ وَ مَا جَاءَتْ بِهِ السُّوَرُ
      و كذلك فقد أنشد في مدحه عليه السلام هذه الأبيات حسب رواية كتاب «النقض» ص ٢٤٥، و «وفيّات الأعيان» في أحوال الإمام الرضا عليه السلام، ج ٣، ص ٢۷۰:
      قِيلَ لِي أنْتَ أشْعَرُ النَّاسِ طُرَّاً***إذْ تَفَوَّهْتَ بِالكَلَامِ البَدِيهِ
      لَكَ مِنْ جَوْهَرِ الكَلَامِ قَرِيضٌ***يُثْمِرُ الدُّرَّ في يَدَيْ مُجْتَنِيهِ‌
      فَلمَا ذَا تَرَكْتَ مَدْحَ ابْنِ مُوسَى***وَ الخِصَالَ التي تَجَمَّعْنَ فِيهِ
      قُلْتُ: لَا أهْتَدِي لِمَدْحِ إمَامٍ***كَانَ جِبْرِيلُ خَادِماً لأبِيهِ

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

284
  • سفر سماحة الحدّاد لزيارة المرقد المطهّر للمعصومة سلام الله عليها و سفره لمدينة إصفهان‌

  • سفر سماحة الحدّاد لزيارة 

  • المرقد المطهّر للمعصومة سلام الله عليها 

  • و سفره لمدينة إصفهان‌

  •  

  • تشرّف سماحة الاستاذ الفقيد المرحوم الحاجّ السيّد هاشم الموسويّ خلال مدّة توقّفه في طهران و لعدّة مرّات بزيارة السيّد عبد العظيم الحسنيّ سلام الله عليه، و السيّد حمزة و هو أحد أبناء الأئمّة، و الشيخ الصدوق (ابن بابويه)، و كانت حركته من طهران صوبَ تلك البقاع المقدّسة بعد صلاة الصبح، و كان يقضي هناك الفترة بين الطلوعين و قدراً من الوقت بعد طلوع الشمس، ثمّ يعود إلى طهران بعد ساعة من بدء النهار تقريباً.

  • هذا و قد عزم بعد عودته من مشهد المقدّسة على زيارة السيّدة فاطمة المعصومة بنت الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام في مدينة قم، و منها إلى إصفهان بناءً على دعوة الأحبّة و الأعزّاء من الأصدقاء الإصفهانيّين، و من بينهم الحاجّ محمّد حسن شركت الإصفهانيّ، و كانوا قد دعوه لزيارتها و لزيارة مساجد و قبور العظماء في مقبرة «تخت فولاد».

  • و هكذا فقد كنّا في خدمته ابتداءً في قم لمدّة ثلاث ليالٍ، و من ثمّ في إصفهان لليالٍ أربع، ثمّ لليلةٍ واحدة في قم أيضاً.

  • و كانت زيارته لقبر السيّدة المعصومة سلام الله عليها في قم بعد طلوع بياض الفجر، أي أنّه كان يتشرّف بالذهاب للحضرة المطهّرة بعد طلوع‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

285
  • الفجر الصادق بقليل، فيصلّي عدّة ركعات للنافلة و صلاة التحيّة و صلاة الصبح. و بعد قدر من التفكّر و التأمّل يزور في زاوية الرواق فيما بين الطلوعين، ثمّ كان يأتي إلى بعض المقابر مثل مقبرة عليّ بن جعفر أو مقبرة «شيخان» أو مقبرة المرحوم الحاجّ الشيخ. و لم يكن ليدور بين القبور، بل كان يقف في زاوية فيتطلع إلى المقبرة، بعمق ثمّ يقرأ الفاتحة و يستغفر لهم، ثمّ يعود إلى المنزل بعد طلوع الشمس بساعة تقريباً.

  • و لمّا كان الفصل صيفاً و الحوزة قد عطّلت دروسها، فلم يكن الكثير من أعاظم الحوزة و فضلائها موجودين آنذاك، لكن البعض -و قد علم بوجودهـ جاءَ لملاقاته. و كان سماحة استاذنا العلّامة الحاجّ السيّد محمّد حسين الطباطبائيّ نوّر الله مرقده موجوداً لم يسافر وقتها، فقلتُ للسيّد الحدّاد: أ تحبّون أن اعلمه ليأتي للقائكم؟!

  • أجاب: لي رغبة شديدة في لقائه، و لكنّنا سنتشرّف بالذهاب إليه، فلا تدعه يتكلّف بالقدوم بنفسه.

  • لذا فقد قام الحقير بأخذ موعد من سماحة الاستاذ، و تشرّفنا بالذهاب إليه قبل الظهر بساعتين تقريباً (عند الضُّحى). و بعد السلام و المعانقة و الاستفسار عن أحوال بعضهما البعض و القيام بواجبات الاستقبال، فقد دام المجلس حدود ساعة واحدة لم يجر فيها تبادل الحديث، بل كان هذان الشخصان الجليلان يجلسان صامتَين. و كان هذا بالطبع ظاهر الأمر، أمّا حديثهما المتبادل في باطنهما و ما حصلا عليه من التطلّع إلى سيماء أحدهما الآخر، فهي حقائق تفوق مستوى أفكارنا و علومنا، لا يطّلع عليها إلا الله المتعالي و رسوله و أولياؤه الحقيقيّون.

  • ﴿وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ﴾‌.۱

    1. صدر الآية ۱۰٥، من السورة ٩: التوبة.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

286
  • عظمة و نورانيّة قبر السيّدة المعصومة سلام الله عليها والقبور الواقعة في مقبرة «شيخان» قم‌

  • و كان سماحة الحاجّ السيّد هاشم مبتهجاً كثيراً من المقبرة المعروفة بـ «شيخان» و كان يقول: إنّها تفيض بالنور و البركة، و الله وحده يعلم ما هي النفوس الزكيّة و الطيّبة التي دُفنت هنا. و ليس هناك من مكان يماثل هذه المقبرة نورانيّة و رحمة -بعد القبر المطهّر للمعصومة- الذي جعل فضاء قم و أطرافها رحباً و واسعاً و نورانيّاً يبعث على النشاط، حتّى كأنّ بركاتها قد أزالت التعب و الكآبة من أرض قم و ترابها. يماثل هذه المقبرة نورانيّة و رحمة.

  • و من الجدير بالطلّاب و سائر الناس أن يهتمّوا بهذا المكان أكثر، و يستفيدوا من فضائله و فواضله المعنويّة و الملكوتيّة، و أن لا يَدَعوا هذه الآثار تمّحي و تنالها يد النسيان و الاندثار - انتهى كلام الحدّاد.

  • أعاظم قدماء المحدِّثين المدفونين في مقبرة قم‌

  • و تضمّ هذه المقبرة رفات الكثير من أعلام التشيّع كزكريّا بن إدريس و زكريّا بن آدم، و محمّد بن قولويه، و أخيراً قبر المرحوم هيدجي السالك الواله المتحرِّر، و قبر المرحوم الحاجّ الميرزا جواد آقا الملكيّ التبريزيّ، و قبر المرحوم الحاجّ الميرزا علي آقا الشيرازيّ و أمثالهم، الذين كانوا يمثِّلون أساطين العظمة و الجلال الراسخة.

  • و لقد قال المرحوم الصديق العزيز آية الله الشيخ مرتضى المطهّريّ رحمة الله عليه للحقير: سمعتُ بنفسي القائد العظيم للثورة: آية الله الخمينيّ أعلى الله تعالى مقامه يقول: يرقد في مقبرة قم رجل و هو الحاجّ الميرزا جواد آقا التبريزيّ.۱ و سمعته أيضاً يقول: كان القاضي جبلًا في‌

    1. المرحوم الحاجّ الميرزا جواد آقا التبريزيّ من أعاظم تلامذة المرحوم آية الحقّ و سند التوحيد، المعلّم الربّانيّ الحاجّ الشيخ حسين قلي الهمدانيّ رضوان الله عليهما. و كتبه هي: «لقاء الله»، «أسرار الصلاة»، «المراقبات» و «أعمال السنة». و هي حقّاً غنيّة عن التعريف، و خاصّة كتاب «لقاء الله» الذي يتميّز بحرقة خاصّة، و يمثّل مفتاحاً و دليلًا للموفقيّة في فتح الباب للسالكين إلى الله.
      و نكتفى هنا بذكر واحد من الإرشادات من كتابه «أسرار الصلاة» ص ٤٦، الطبعة الحجريّة؛ يقول:
      ثمّ إنّي سألتُ بعض مشايخي الأجلّة الذي لم أرَ مثله حكيماً عارفاً و معلّماً للخير حاذقاً و طبيباً كاملًا: أيّ عمل من أعمال الجوارح جرّبتم أثره في تأثّر القلب؟ قال: سجدة طويلة في كلّ يوم يديمها و يطيلها جدّاً ساعة أو ثلاثة أرباعها، يقول فيها: ﴿لآ إلَهَ إلَّا أنتَ سُبْحَانَكَ إنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾؛ مشاهداً نفسه مسجوناً في سجن الطبيعة، و مقيّداً بقيود الأخلاق الرذيلة، و منزّهاً للّه تعالى بأنّك لم تفعل بي ظلماً، و أنا ظلمتُ نفسي و أوقعتها في هذه المهلكة العظيمة؛ و قراءة القدر في ليالي الجمعات و عصرها مائة مرّة.
      قال قُدِّس سرّه: ما وجدتُ شيئاً من الأعمال المستحبّة يؤثّر تأثير هذه الثلاثة. و قد ورد في الأخبار ما حاصله أنّه ينزل يوم الجمعة مائة نفحة أو رحمة؛ تسع و تسعين منها لمن قرأها مائة مرّة في عصرها، و له نصيب في الواحدة أيضاً انتهى.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

287
  • العظمة و مقام التوحيد.

  • كلام المحدِّث القمّيّ في ذكر عدّة نفر من العلماء المدفونين في قم‌

  • أجل، و بما أنّ الكلام قد وصل إلى هنا، فيجدر أن نذكر للإخوان في الدين و الأخلّاء الروحانيّين مطالب عن المرحوم ثقة المحدِّثين المحدِّث القمّيّ لتكون دافعاً لزيادة الاهتمام و إدراك هذه القبور الشريفة، و ليستفيض المقيمون في مدينة قم المقدّسة من الطلبة و الزوّار و غيرهم من بركاتها. يقول المحدِّث القمّيّ في كتابه «هديّة الزائرين»۱:

  • نعم، و باعتبار امتلاء مقبرة بلدة قم الطيّبة بالعلماء و المحدِّثين، كما أشار العلّامة المجلسيّ، فإنّ من الأجدر تزيين هذا المقام بذكر عدّة نفر من مشاهيرهم ممّن لهم مزار معروف و وُصفوا بكثرة الفضيلة و علوّ الشأن؛ مثل الشيخ الجليل أبي جرير زكريا بن إدريس الذي صرّح علماء الرجال بجلالته و وثاقته و الذي أدرك عدّة من الأئمّة و روى عن الإمام الصادق‌

    1. الكتاب بالفارسيّة، و قد أوردنا الفقرات المنقولة عنه مترجمة. (م)

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

288
  • و الإمام موسى بن جعفر و الإمام الرضا عليهم السلام.

  • روى الشيخ الكشّيّ بسند صحيح عن زكريّا بن آدم القمّيّ قال: دخلتُ على الرضا عليه السلام أوّل الليل في حدثان موت أبي جرير زكريا ابن إدريس، فسألني عنه و ترحّم عليه، و لم يزل يحدّثني و احدِّثه حتّى طلع الفجر، ثمّ قام فصلّى صلاة الفجر.

  • و على كلّ حال، فإنّ، جلالة شأن ذلك العظيم كبيرة، و قبره الشريف في وسط مقبرة المدينة: «شيخان بزرگ» مشهور و معروف، و إلى جانبه قبور جملة من العلماء.

  • و مثل الشيخ المعظّم النبيل الثقة الجليل القدر زكريّا بن آدم بن عبد الله بن سعد الأشعريّ القمّيّ من خواصّ أصحاب الإمام الرضا عليه السلام، أدرك عدّة من الأئمّة عليهم السلام و روى عنهم الأحاديث. و قد رُويت الأخبار الكثيرة في فضله. و كان يجلس مع الإمام الرضا عليه السلام في السفر إلى مكّة في محملٍ واحد، و ورد في حقّه حديث‌ المَأمُونُ على الدِّينِ وَ الدُّنْيَا.

  • روى الشيخ الكشّيّ بسند صحيح عن زكريّا بن آدم قال: قلت للرضا عليه السلام: إنّي اريد الخروج عن أهل بيتي، أي أخرج من قم؛ فقد كثر السفهاءُ فيهم. فقال: لا تفعل! فإنّ أهل بيتك يُدفع البلاء عنهم بك كما يُدفع البلاء عن أهل بغداد بأبي الحسن الكاظم عليه السلام.

  • و روى كذلك عن عليّ بن المُسَيِّبِ الهمدانيّ قال: قلت للرضا عليه السلام: شقّتي بعيدة و لست أصلُ إليك في كلّ وقت، فممّن آخذ معالم ديني؟

  • فقال: من زكريّا بن آدم القمّيّ، المأمون على الدِّين و الدنيا!

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

289
  • و غيرها من الأخبار الدالّة على سموّ فخامة شأن ذلك المعظّم. و قبره الشريف معروف في المكان المشهور بـ شيخان بزرگ و له بقعة كبيرة، و قد دفن إلى جنبه جماعة من العلماء من بينهم العالم الفاضل الخبير الماهر الآخوند الملّا محمّد طاهر القمّيّ مؤلّف كتاب «الأربعين» و كتاب «حكمة العين»۱ و غيرهما.

  • و مثل الشيخ المعظّم الجليل النبيه عليّ بن بابويه القمّيّ الصدوق الأوّل، والد رئيس المحدِّثين الشيخ أبي جعفر محمّد الذي يُطلق عليه اسم الصدوق، و جلالة و عظمة هذين العالمَينِ الجليلَينِ معلومة و ظاهرة للجميع.

  • و قد ذكر في «احتجاج» الطبرسيّ أنّ الإمام العسكريّ عليه السلام كتب رسالة إلى عليّ بن بابويه؛ ورد فيها بعد الحمد و الصلاة:

  • أمَّا بَعْدُ! يَا شَيْخِي وَ مُعْتَمَدِي، يَا أبَا الحَسَنِ عَلِيّ بْنِ الحُسَيْنِ القُمِّيّ! وَفَّقَكَ اللهُ لِمَرْضَاتِهِ وَ جَعَلَ مِنْ صُلْبِكَ أوْلَاداً صَالِحِينَ بِرَحْمَتِهِ - إلى آخر التوقيع الشريف الذي حوى في فقراته الأخيرة عبارة:

  • يَا شَيْخِي! وَ أمُرْ جَمِيعَ شِيعَتِي بِالصَّبْرِ.

  • فما أحسن شرف العلم الذي يوصل صاحبه للدرجة التي يخاطبه الإمام عليه السلام فيها بهذه الألفاظ! و قبره الشريف في مقبرة قم معروف، و له بقعة كبيرة و قُبَّة عالية. و مزار نجله الشريف رئيس المحدِّثين في الريّ قرب بلد السيّد عبد العظيم وسط حديقة نضرة، و له بقعة و قبّة عالية و مزار يقصده عامّة الناس، رضوان الله عليهما.

    1. ضبط المرحوم الشيخ آقا بزرگ اسم الكتاب بـ «حكمة العارفين» في «الذريعة» ج ۷، ص ٥۸؛ و كذا ضبطه المرحوم المحدِّث القمّيّ بنفس ما ذكره صاحب «الذريعة» في «الفوائد الرضويّة» ص ٥٤۸.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

290
  • و مثل الشيخ الجليل المحدِّث محمّد بن قولَوَيه القمّيّ، الذي يقع قبره الشريف في مقبرة قم المعروفة وسط المنطقة المسيّجة المعروفة بـ شيخان صغير و هذا الشيخ المعظّم هو والد الشيخ أبي القاسم جعفر بن قولويه‌۱ استاذ الشيخ المفيد و المدفون في الكاظميّة كما مرّ بيانه سابقاً.

  • و مثل الشيخ الفاضل السديد قطب الدين سعيد بن هبة الله الراونديّ، و هو من مشاهير العلماء، و هو مؤلّف كتاب «الخرائج» و كتاب «قصص الأنبياء»، و مزاره الشريف معروف في الصحن الجديد للسيّدة المعصومة في قم.

  • و مثل خاتم الفقهاء و المجتهدين و أفضل المدقّقين و المحقّقين، حاوي المكارم و المفاخر، سماحة الآقا الميرزا أبي القاسم المعروف بالمحقّق القمّيّ صاحب كتاب «القوانين» و غيره الذي يعدّ فعلًا مصدراً لدراسة الفضلاء. يقع قبره الشريف قرب قبر زكريّا بن آدم وسط بقعة عليها قبّة عالية، و في جوانبه و أطرافه قبور الكثير من العلماء و الفضلاء لا يتّسع المجال لعدّهم.

  • قبر أحمد بن إسحاق الاشعريّ، في حلوان: سر بل ذهاب‌

  • و هناك قبر يقع قرب بوّابة «معصومه شهر» في السوق، مقابل مسجد الإمام‌٢، في بقعة عالية و معروفة يقال إنّه قبر أحمد بن إسحاق الأشعريّ وكيل الإمام العسكريّ عليه السلام. و هو أمر مُستبعد، إذ إنّ موته حسبما

    1. صاحب الكتاب المعتبر النفيس: «كامل الزيارات» الذي طبع بالمساعي الجميلة للعلّامة الأمينيّ رحمه الله و مع تعليقته.
    2. ورد في كتاب «مرآت البلدان ناصري» أنّ المسجد المعروف بمسجد الإمام عليه السلام و الواقع في قم، قد بناه أحمد بن إسحاق الأشعريّ، وكيل موقوفات الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام بأمر من الإمام منه عُفي عنه. (أي التعليقة من المحدِّث القمّيّ رضوان الله عليه).

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

291
  • يستفاد من الروايات قد وقع في حُلْوان، و قد ذكر كيفيّته في كتاب «النجم الثاقب».

  • و قال الشيخ أبو جعفر محمّد بن جرير [الطَبَرسيّ‌] في كتاب دلائله: و كان أحمد بن إسحاق القمّيّ الأشعريّ شيخ الصدوق وكيل أبي محمّد عليه السلام، فلمّا مضى أبو محمّد إلى كرامة الله عزّ و جلّ، أقام على وكالته مع مولانا صاحب الزمان، تخرج إليه توقيعاته، و تُحمل إليه الأموال من سائر النواحي التي فيها موالي مولانا فيتسلّمها، إلى أن استأذن في المسير إلى قم، فخرج الإذن بالمضي، و ذكر أنّه لا يبلغ إلى قم و أنّه يمرض و يموت في الطريق، فمرض بحُلْوان و مات و دُفن بها. و أقام مولانا عليه السلام بعد مضيّ أحمد بن إسحاق الأشعريّ بسُرّ مَن رَآهُ مدّة ثمّ غاب - إلى آخره.

  • ثمّ يقول الشيخ المرحوم ثقة الإسلام النوريّ طاب ثراه في كتابه ذلك بعد هذه الفقرة۱: أحمد بن إسحاق الأشعريّ من كبار أصحاب الأئمّة عليهم السلام و صاحب الدرجات العالية عندهم، و كان من الوكلاء المعروفين.

  • و قد ذُكرت وفاته على نحو آخر في حياة الإمام العسكريّ فأرسل الإمام عليه السلام خادمه كافور و معه كفن إلى حُلْوان، فغسّله كافور (أو من يشابهه) و كفّنه بغير علم من كان معه، كما في الخبر الطويل لسعد بن عبد الله القمّيّ الذي كان معه في سفر وفاته، لكنّ النجاشيّ نقل عن البعض تضعيف هذا الخبر.

  • و حُلْوان هي ذهاب المعروفة الواقعة في طريق كرمانشاهان إلى بغداد، و يقع قبر ذلك المعظّم قرب نهر تلك القرية المعروفة بـ سَرْ پُل‌

    1. الكتاب بالفارسيّة، و قد أوردنا فقراته مترجمة. (م)

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

292
  • بمسافة ألف قدم تقريباً إلى الجنوب، و على ذلك القبر بناءٌ محقّر صار كالخربة، و بقي بلا اسم و عنوان بسبب نقص همّة و معرفة الأثرياء من أهالي تلك المنطقة، بل و أهالي كرمانشاهان و المتردّدين هناك، إذ لا يزوره شخص واحد من كلّ ألف من الزوّار؛ مع أنّ من الأولى أن يُعَامَل هذا الشخص الذي بعث الإمام عليه السلام خادمه إليه بطيّ الأرض ليكفّنه و يجهّزه، و الذي بُنِيَ مسجد قم المعروف بأمره، و الذي كان وكيلًا للإمام سنين عديدة في تلك النواحي، أفضل من هذه المعاملة و أجمل، و أن يُجعل قبره مزاراً معتبراً لينالوا من بركة صاحب القبر و بوساطته من الفيوضات الإلهيّة - انتهى كلام الحاجّ النوريّ.۱

  • نعم، لقد ذهبنا في معيّة الحاجّ السيّد هاشم الحدّاد قدّس الله نفسه أحد أيّام توقّفه لأداء الصلاة في مسجد جَمْكَران المعروف قبل الغروب بساعة، و قد أدّى سماحة السيّد في ذلك المحلّ الخاصّ صلاة تحيّة المسجد و صلاة التوسّل بصاحب الزمان عجّل الله تعالى فرجه طبق الرواية التي أوردها الحاجّ النوريّ في «النجم الثاقب» و المحدِّث القمّيّ في «هديّة الزائرين٢»؛

    1. «هديّة الزائرين» للمحدِّث القمّيّ، ص ٣٥٩ إلي ٣٦٢، الطبعة الحجريّة.
    2. ذكر المرحوم النوريّ في كتاب «النجم الثاقب» ص ٥ إلى ۷ الطبعة الحجريّة الرحليّة، سنة ۱٣۰۸ هجريّة قمريّة، الباب السابع، في ذكر اولئك الذين تشرّفوا برؤية الإمام في الغيبة الكبرى، في الحكاية الاولى بشأن بناء مسجد جمكران؛ و كذلك في كتاب «هديّة الزائرين» ص ٣٦٣؛ و ذكر في حاشية «مفاتيح الجنان» طبعة الإسلاميّة، بخطّ طاهر خوشنويس، سنة ۱٣۷٩ هـ. ق، كتاب «الباقيات الصالحات» ص ٢٥٤ فما بعد، الباب الثاني، ضمن صلاة الاستغاثة، كيفيّة صلاة المسجد في جمكران الواقع على بعد فرسخ واحد من بلدة قم الطيّبة بأمر إمام الزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف بهذه الكيفيّة:
      لِيصَلُّوا فيه أربع، ركعتان منها لتحيّة المسجد، يقرأ في كلّ ركعة منها الحمد مرّة [تابع في الصفحة التالية...]

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

293
  • ...۱

    1. [...تابع التعليقة السابقة] و قُلْ هُوَ اللهُ أحَدٌ سبع مرّات، و يسبح سبعاً في كلّ ركوع و سجود؛ و ركعتان منها صلاة الحجّة عليه السلام، يقرأ المُصَلِّى في الاولى سورة الفاتحة، فإذا بلغ الآية: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾‌ كررها مائة مرة، ثمّ أتمّ الفاتحة، و يفعل مثل ذلك في الركعة الثانية، و يُسَبِّح سبعاً في كلّ ركوع و سجود؛ فإذا أتمّ الصلاة هلّل و سبّح تسبيح الزهراء صلوات الله و سلامه عليها، فإذا فرغ من التسبيح سجد و صلّى على النبيّ و آله مائة مرّة. و هذه الكلمة مرويّة بنصّها عنه عليه السلام قال: فَمَنْ صَلَّاهُمَا فَكَأنَّمَا صلّى في البَيْتِ العَتِيقِ - انتهى.
      أقول: يلزم هنا ذكر نكات ثلاثة، الاولى: إنّ المرحوم الحاجّ النوريّ رحمة الله عليه نقل في كتاب «نجم ثاقب» قصّة إحضار حسن مُثلة الجمكرانيّ عند صاحب الزمان أرواحنا فداه عن الشيخ الفاضل حسن بن محمّد بن حسن القمّيّ المعاصر للصدوق في كتاب «تأريخ قم» عن كتاب «مؤنس الحزين في معرفة الحقّ و اليقين» و هو من مصنّفات الشيخ أبي جعفر محمّد بن بابويه القمّيّ، ثمّ يذكر شرح القضيّة مفصّلًا، و لا يبدو في السند و لا في المتن إشكال مخالف للُاصول.
      و الثانية: إنّ قصّة تشرّفه طبق متن الكتاب كانت ليلة الثلاثاء السابع عشر من شهر رمضان المبارك لسنة ثلاث و تسعين و مائتين (٢٩٣ هـ. ق). و باعتبار أنّ بقيّة الله سلام الله عليه قد ولد سنة ٢٥٥ هـ. ق، فإنّه كان له آنذاك ٣۸ سنة. و لأنّنا نعلم أنّ وقوع الغيبة الكبرى كان في سنة ٣٢٩ هـ. ق، لذا ينبغي اعتبار تشرّف حسن مُثلة في زمرة الذين تشرّفوا برؤية الإمام و لقائه في الغيبة الصغرى.
      و الثالثة: إنّ المرحوم النوريّ قدّس الله سرّه قال في ذيل القصّة: و في النسخة الفارسيّة لـ «تأريخ قم» و في نسخته العربيّة التي نقل العالم الجليل محمّد عليّ الكرمانشاهيّ مختصر هذه القصّة عنها، فإنّ المير مصطفى قد ذكر في «حواشي الرجال» في باب حَسَن أنّ تأريخ القصّة سنة ثلاث و تسعين، أي سنة ثلاث و تسعين و مائتين، و يبدو أنّه قد اشتبه على الناسخ، و كان أصله سبعين، لأنّ وفاة الصدوق كانت قبل سنة تسعين.
      أقول: صحيح إنّ وفاة الصدوق كانت قبل سنة تسعين، لكنّها كانت قبل القرن الرابع لا القرن الثالث، فقد توفّي المرحوم الصدوق سنة ٣۸۱ هجريّة قمريّة، و هو من مسلّمات التأريخ و ليس سنة ٢۸۱ هـ. ق، أي قبل قرن من وفاته. لذا فإنّ نقله لقضيّة حسن مُثلة الجمكرانيّ كان بعد وقوع القصّة بعشرات السنين -لا قبلها- ليحتاج إلى تصحيح التسعين إلى سبعين. و بصرف النظر عن ذلك، فقد ورد في متن الحكاية أنّ حسن مُثلة قال: كان هناك شابّ يجلس على أريكة (إمام الزمان عليه السلام) في سنّ الثلاثين، و هذا السنّ يناسب السنّ الحقيقيّ للإمام حيث كان عمره الشريف آنذاك ٣۸ عاماً، في حين أنّنا لو اعتبرنا تأريخ ذلك في السبعين، أي ٢۷٣ هـ. ق فإن عمره الشريف سيكون آنذاك ۱۸ عاماً، فلا يشبه عندئذٍ رجلًا في الثلاثين.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

294
  • ثمّ عاد إلى قم بعد صلاتي المغرب و العشاء.

  • سفر سماحة الحدّاد من قم إلى إصفهان‌

  • و بعد أن توقّف السيّد الحدّاد في مدينة قم المقدّسة ثلاثة أيّام للزيارة، اتّجه نحو مدينة إصفهان و ورد على منزل الحاجّ محمّد حسن شركت دام توفيقه. و كان غالباً ما يبقى في المنزل لملاقاة بعض المعارف و الأصدقاء و للإجابة على بعض أسئلة الواردين. ثمّ أشار لي يوماً -و قد اجتمعت جماعة هناك- لُابَيِّن تفسير القسم الأخير من سورة التوحيد، و قد نُفِّذ ذلك بحمد الله.

  • و كان الرفقاء و الأصدقاء قد امتدحوا كثيراً في محضر السيّد شخصيّة و كمالات المرحومة المخدّرة السيّدة العلويّة هاشميّ الإصفهانيّ، و نقلوا قصصاً عن مكاشفاتها العرفانيّة و درجاتها التوحيديّة بوجه خاصّ، لذا فقد رغب في رؤيتها و التحدّث معها. و قد قام الحاجّ شركت بإخبارها بذلك و عُيِّن لذلك وقت للِّقاء. و هكذا فقد ذهب الحقير في معيّة السيّد و الحاجّ شركت و الحاجّ محمّد علي خلف زاده و هو من الرفقاء و الأصدقاء و كان قد جاء من كربلاء للزيارة، فدخلنا منزل تلك المخدّرة الجليلة قبل الظهر بساعتين، و ادخلنا في غرفة الاستقبال، ثمّ جاءت مخدّرة عفيفة محترمة ترتدي إزاراً أبيضاً فدخلت الغرفة، و كان لها آنذاك ثمانون سنة، فرحّبت بنا، ثمّ استفسرت بعد مراسم الاستقبال عن هويّة السيّد الحدّاد و محلّ سكناه.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

295
  • ثمّ قال السيّد الحدّاد لي: فليكن الحديث مع هذه العلويّة المجلّلة حول التوحيد و ليس حول العلوم و المسائل الفقهيّة و الاصوليّة و التفسيريّة أو المكاشفات المثاليّة و الحالات النفسانيّة و التقارير عمّا سبق و ما سيأتي. و كان يقصد بذلك عدم إتلاف وقت المجلس عبثاً بالكلام و المجاملات العاديّة، و أن يُشخّص في هذا المجلس مقدار درجاتها و سيرها التوحيديّ و العرفان العمليّ.

  • لذا فقد فتح الحقير باب البحث حول التوحيد، فوجهتُ أسئلة أجابت عنها تلك المخدّرة بأجوبة مقبولة و مناسبة.

  • ثمّ أشار السيّد لي: ادخل في البحث بدقّة أكثر!

  • فبسط الحقير الكلام في كيفيّة اضمحلال السالك و فنائه بعد فناء الاسم في فناء الذات و أصل الوجود، و أخيراً عن حقيقة و واقعيّة نُقْطَة الوَحْدَةِ بَيْنَ قَوْسَيّ الأحَدِيَّةِ وَ الوَاحِدَيَّةِ، و سألتُ عن كيفيّة و حقيقة وحدة مقام الولاية الكلّيّة للأئمّة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين مع الذات القدسيّة الإلهيّة و كيفيّة هو هويّتها؛ فتلجلجت تلك المخدّرة هنا و بدا اضطرابها في جوابها بشكل جليّ، فأشار السيّد لي أن: أقْصِرْ! و هكذا فلم اتابع البحث الذي انقطع إلى هذا الحدّ.

  • و باعتبار أنّ المخدّرة عَلِمَتْ بأن سماحة السيّد جاء للزيارة و أنّه سيعود إلى العتبات المقدّسة، فقد سألته الدعاء لها هناك. ثمّ دعا لها السيّد بالتوفيق و التأييد و حسن العاقبة و الترقّي في معارج الكمال و مدارجه، ثمّ وُدِّعنا بعد مرور ساعة تقريباً و انصرفنا.

  • الصلاة في المساجد المعروفة، و زيارة أهل القبور في «تخت فولاد»

  • و كان السيّد يصلّي صلاتي الظهر و العصر في المنزل، أمّا صلاتي المغرب و العشاء فكان يصلّيهما في أحد المساجد المعروفة؛ و هكذا فقد صلّى ليلة في مسجد المرحوم السيّد، و ليلة في المسجد الجامع، و اخرى في‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

296
  • مسجد الشاه سابقاً (الخمينيّ)، و ليلة في مسجد الشيخ لطف الله. و قد حضر بعد أداء الصلاة في المسجدين الأوّلين عند مزار المرحوم السيّد و المرحومين المجلسيَّينِ و دعا إلى الله المتعالي لعلوِّ أرواحهم.

  • و كان يذهب صباحاً بعد أداء صلاة الصبح و عند أوّل طلوع الفجر الصادق لزيارة أهل القبور في مقبرة «تخت فولاد»، فيبقى مدّة بين الطلوعين بأكملها هناك. و كانت المقبرة واسعة جدّاً فكان يذهب كلّ يوم إلى إحدى نواحيها فقط، فذهب يوماً إلى أطراف قبر المرحوم مير فندرسك، و يوماً عند قبر المرحوم الحاجّ آقا محمّد البيدآباديّ ۱

  • رسالة موجزة في السير و السلوك للمرحوم البيدآبادي

    1. آقا محمّد البيدآباديّ من العرفاء المشهورين، و له مقامات و درجات، و كانت رحلته سنة ۱۱٩۷ هجريّة قمريّة، و قد ذهب الحقير لزيارة قبره مراراً. و المراد من البيدآباديّ مطلقاً هو هذا الشيخ، أمّا آقا محمّد جواد البيدآباديّ فهو من عرفاء العصر المتأخّر و استاذ والد الصديق المكرّم الحاجّ محمّد حسن شركت. و قد قال الحاجّ محمّد حسن دام توفيقه: كان المرحوم أبي يقول: إنّ أحداً لم يعرف آقا محمّد جواد البيدآباديّ. و كان المرحوم البيدآباديّ قد أنشد بيتاً دوّنه عنه أبي:
      صد گنج نهان بود مرا در دل و ياران***ناديده گرفتند كه اين خانه خراب است‌
      يقول: «إنّ لديّ مائة كنز مخبوء في القلب، لكنّ أصحابي أهملوها فزعموا أنّ هذا البيت خَرِب».و للمرحوم آقا محمّد البيدآباديّ المعروف بالبيدآباديّ الكبير مطالب شيّقة كان الحقير قد استنسخها لنفسه حين كنتُ في النجف الأشرف، ثمّ تبيّن أنّ المرحوم العلّامة الطهرانيّ الشيخ آقا بزرگ استاذ الحقير في فنّ الدراية و الحديث و الإجازات قد ذكرها في كتاب «الذريعة» ج ۱٢، ص ٢۸٣، الطبعة الاولى، مطبعة الجامعة، سنة ۱٣۸۰ هـ. ق، تحت عنوان «رسالة في السير و السلوك *** فارسيّة لآغا محمّد البيدآباديّ أيضاً كتبها مراسلة إلى بعض تلاميذه». و باعتبار أنّها مختصرة من جهة، و حاوية لمطالب عميقة من جهة اخرى، لذا نوردها بعينها هنا للمزيد من الفائدة للمطالعين الكرام: *** [تابع في الصفحه التاليه...]

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

297
  • ...۱

    1. [...تابع التعليقة السابقة] بسم الله الرحمن الرحيم و به نستعينيقول البيدآباديّ:يَا أخِي وَ حَبِيبِي! إنْ كُنتَ عَبْدَ اللهِ فَأرْفَعْ هِمِّتَكَ، وَ كِلْ على اللهِ أمْرَ مَا يُهِمُّكَ! اجعل همّتك عالية ما أمكنك لأنَّ المَرْءَ يَطِيرُ بِهِمَّتِهِ كَمَا أنَّ الطَّيْرَ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ.
      غلام همت آنم كه زير چرخ كبود***ز هر چه رنگ تعلق پذيرد آزاد است‌
      يقول: «تسترقّني همّةُ مَن يعيش تحت فلك السماء الزرقاء حرّاً لا يعلق به أيّ لون و اعتبار».
      هر چه در اين خانه نشانت دهند***گر نستانى به از آنت دهند
      يقول: «كلّ ما أروك في هذه الدنيا، إن لم تأخذه فستُعطى خيراً منه».يعني: أخلِ قلبك عن غير الحقّ تعالى بالتأمّلات الصحيحة و كثرة ذكر الموت. أنّ لك قلباً واحداً فليكْفك حبيبٌ واحد! أ لَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ. ﴿مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِن قَلْبَيْنِ في جَوْفِهِ﴾.
      در دو عالم گر تو آگاهى از او***از چه بد ديدى كه در خواهى از او
      يقول: «إن كنتَ تعيه في كلا العالمَينِ، فأيّ شي‌ء ساءك كى تطلب منه غيره؟!».
      إلهى زاهد از تو حور مى‌خواهد قصورش بين***به جنت مى‌گريزد از درت يا رب شعورش بين‌
      يقول: «إلهي! انظر قصور الزاهد حين يطلب منك الحور! و انظر إلى فهمه و شعوره حين يهرب من بابك إلى الجنة».ما عَبَدْتُكَ خَوْفاً مِنْ نارِكَ وَ لَا طَمَعاً في جَنَّتِكَ، بَلْ وَجَدْتُكَ أهْلًا لِلْعِبادَةِ فَعَبَدْتُكَ. أخلينا القلب الضيّق بالمرّة من كلا العالَمَينِ ليصبح مكاناً لك.و لا يمكن تحصيل هذا العمل بالهوس، بل إنّك إنْ لم تتخطّ الهوس لما أمكنك تحصيل ذلك.أبَى اللهُ أنْ يُجْرِي الامُورَ إلَّا بِأسْبَابِهَا. وَ الأسْبَابُ لَا بُدَّ مِنْ اتِّصَالِهَا بِمُسَبِّبَاتِهَا، وَ الامُورُ العِظَامُ لَا تُنَالُ بِالمُنَى وَ لَا تُدْرَكُ بِالهَوَى. وَ اسْتَعِينُوا في كُلِّ صَنْعَةٍ بِأرْبَابِهَا، وَ أتُوا البُيُوتَ [تابع في الصفحة التالية…]

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

298
  • ...۱

    1. […تابع التعليقة السابقة] مِنْ أبْوَابِهَا. فَإنَّ التَّمَنِّي بِضَاعَةُ الهَلْكَى.
      آئينه شو جمال پرى طلعتان طلب***جاروب كن خانه و پس ميهمان طلب‌
      يقول: «كن مرآةً ثمّ ابحث عن جمال الوجوه الملائكيّة، اكنس بيتك ثمّ ابحث عن الضيف».
      چو مستعدّ نظر نيستى وصال مجوى***كه جام جم نكند سود وقت بى بصرى‌
      يقول: «إن لم تكن مؤهّلًا للنظر فلا تبحث عن الوصال، فالمرآة التي تبدو فيها الدنيا لا تُجدي مع العمى».لا بدّ لك أوّلًا أن تطلب الهداية من المرشد العامّ و الهادي إلى السبل، و أن تتمسّك بأذيال المتابعة لأئمّة الهدى عليهم السلام. و أعرِضْ عن الدنيا و حصِّل العشق. ﴿قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ﴾.
      عشق مولى كى كم از ليلى بود***محو گشتن بهر او أولى بود
      يقول: «متى كان عشق المولى أدنى من عشق ليلى؟! و لقد كان المحو فيه أجمل و أولي».
      حاصل عشق همان بس كه اسير غم او***دل به جائى ندهد ميل به جائى نكند
      يقول: «يكفي في عشقه أن يصبح المرء أسير غمّه و حبّه، فلا يهب قلبه لأحد و لا يرغب في مكان».فاجعل همومك همّاً واحداً، وضع قدمك بجدٍّ و اجتهاد على جادّة الشريعة، و اطلب مَلَكة التقوى!أي ينبغي اجتناب الحرام و الشبهة و المباحات قولًا و فعلًا و حالًا و خيالًا و اعتقاداً لنيل الطهارة الصوريّة و المعنويّة التي هي شرط للعبادة، كي يكون هناك أثر للعبادة، فلا تكون صورةً محضة. ﴿إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾. وَ لَن تُقْبَلَ نَفَقَاتُكْم إن كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ. وَ مَا مَنَعَهُ عَن قَبُولِ صَدَقَاتِهِمْ إلَّا كَوْنُهُمْ فَاسِقِينَ. لَن يُقْبَلَ عَمَلُ رَجُلٍ عَلَيهِ جِلْبَابٌ مِنْ حَرَامٍ. مَنْ أكَلَ حَرَاماً لَن يَقْبَلَ اللهُ مِنْهُ صَرْفاً وَ لَا عَدْلًا. وَ تَرْكُ لُقْمَةٍ حَرَامٍ أحَبُّ إلى اللهِ مِنْ ألْفَيْ [تابع في الصفحة التالية…]

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

299
  • ...۱

    1. […تابع التعليقة السابقة] رَكْعَةٍ تَطَوَّعاً، وَ رَدُّ دَانِقٍ مِنْ حَرَامٍ تَعْدِلُ سَبْعِينَ حِجَّةٍ مَبْرُوَرةٍ.و هكذا فإنّ سعة الفهم ستزداد تدريجيّاً. وَ مَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهْ فُرْقَاناً *** . وَ اتَّقُوا اللهَ وَ يُعَلِّمُكُمُ اللهُ.و ينبغي أن لا يقصّر دقيقةً واحدة من هذا الوقت عن الواجبات و الطاعات المقرّرة الواجبة و المندوبة من أجل تقوية السرّ و الروح القدسيّة. وَ نَحْنُ نُؤَيِّدُ رُوحَ القُدْسِ بِالعَمَلِ الصَّالِحِ؛ وَ العَمَلُ الصَّالِحُ بَعْضُهُ مَنْ بَعْضٍ. و كي ينال شرح الصدر، و كي يتبادل نور العبادات البدنيّة و نور الملكات النفسيّة تقوية بعضهما البعض فيصبحان نُوراً على نُورٍ؛ الطَّاعَةُ تَجُرُّ الطَّاعَةَ، فتصل الأحوال السابقة بأقلّ زمن إلى درجة المقام، و تُنال الملكات الحسنة و الأخلاق الجميلة، و تصل العقائد الحقّة إلى الرسوخ الكامل، و تنبع ينابيع الحكمة من القلب فتجري على اللسان، و يُعرض بشكل كامل عن غير الحقّ تعالى.فإن كان آنذاك من زمرة السابقين فإن جذبة العناية ستستقبله فتسلب منه ذاته، و يُعوَّض عنها بـ مَا لَا عَيْنٌ رَأتْ وَ لَا اذْنٌ سَمِعَتْ وَ لَا خَطَرَ على قَلْبِ بَشَرٍ. و يشاهد بعينه حقيقة إنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَ إنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى، و سينجذب السالك و يُشاهد إذَا أرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْراً فَتَحَ عَيْنَ قَلْبِهِ.إلَهي تَرَدُّدِي في الآثَارِ يُوجِبُ بُعْدَ المَزَارِ؛ فَاجْذِبْنِي بِجَذْبَةٍ تُوصِلُنِي إلى قُرْبِكَ، وَ اسْلُكْنِي مَسَالِكَ أهْلِ الجَذْبِ، وَ خُذْ لِنَفْسِكَ مِنْ نَفْسِي مَا يُصْلِحُها. جَذْبَةٌ مِنْ جَذَبَاتِ الرَّبِّ تُوَازِي عَمَلَ الثَّقَلَيْنِ. إن أحداً لم يخسر في المعاملة مع الكبار.
      طالع اگر مدد كند دامنش آورم به كف***ار بكشم زهى طرب ور بكشد زهى شرف‌
      يقول: «إن حالفني الطالع لتعلّقت بذيل ردائه، فإن جذبتُ كفاني طرباً، و إن جذبَ كفاني شرفاً».
      ما بدان مقصد عالى نتوانيم رسيد***هم مگر لطف شما پيش نهد گامى چند
      يقول: «لقد كنّا عاجزين عن الوصول إلى ذلك الهدف الرفيع، لو لا أنّ فضلك خطى إلينا أوّلًا خطواتٍ عدة».
      تا به دنيا فكر اسب و زين بود***بعد از آنت مركب چوبين بود 
      [تابع في الصفحة التالية…]

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

300
  • ...۱

    1. [...تابع التعليقة السابقة] يقول: «ما دام تفكيرك في هذه الدنيا بالجواد و السرج، فسيكون مركبك بعد ذلك تابوتاً خشبياً».حتّى يوصله هبوب نسمات الرحمة إلى إحدى الجزائر الخالدات في بحرَي الجلال وا لجمال التي تليق باستعداده و حسن سعيه و همّته. إنَّ لِلَّهِ تعالى في أيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ، ألَا فَتَعَرَّضُوا لَها.و هذه المراتب المذكورة هي منازل السير إلى الله و المجاهدة في سبيل الله تعالى؛ ﴿يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى‌ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ﴾.و بعدها: ﴿إنَّ الَّذِينَ جَاهَدُوا فِينا﴾ الذي سيكون سفر السير في الله تعالى؛ و لا ضرورة لذكر ذلك بل هو مضرّ.
      درِ دير مى‌زدم من ز درون صدا بر آمد***كه تو در برون چه كردى كه درون خانه آئى‌
      يقول: «كنت أقرع باب الدير فجاء النداء من الداخل: ما الذي فعلته خارجاً حتّى تدخل هذا البيت؟!».الإيمَانُ مَرَاتِبُ وَ مَنَازِلُ لَوْ حُمِّلَتْ على صَاحِبِ الاثنَيْنِ ثَلَاثَةٌ لَتَقَطَّعَ كَمَا تَقَطَّعَ البَيْضُ على الصَّفَا. رَحِمَ اللهُ امْرُؤٌ [امْرَأ] عَرَفَ قَدْرَهُ وَ لَمْ يَتَعَدَّ طَوْرَهُ.
      چون نديدى شبى سليمان را***تو چه دانى زبان مرغان را
      يقول: «ما ذا تعلم من لسان الطيور و لغتها، و أنت لم ترَ سليمان و لو لليلة؟!».﴿فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَ كُن مِنَ الشَّاكِرِينَ. و لَئِن شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ﴾.
      با كه گويم اندرين ره زنده كو***بهر آب زندگى پوينده كو
      آنچه من گفتم به قدر فهم توست***مُردم اندر حسرت فهم درست‌
      يقول: «هل مِن حيّ فأتحدّث له عن طريق السرّ و الباطن؟! أين الباحث عن ماء الحياة؟!إنّ ما قلتُه هو بقدر فهمك و إدراكك، و لقد متُّ في حسرة الفهم الصحيح».رَحِمَ اللهُ امْرَءاً سَمِعَ قَوْلِي وَ عَمِلَ فَاهْتَدَى بِهِ.و اعلم يقيناً أنّ من شرع في السلوك بالنحو المذكور فأدركه الأجل الموعود في مرحلة من المراحل فسيُحشر ﴿في زمرة وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَ‌ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ‌﴾.فإن كنت رجل السفر فقد دللتُك على الدرب. ﴿وَ اللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾. دوّنتُ بقلمي ما كان بخاطري لعلّ من ينتفع!
      هر كس كه ز شهر آشنائى است***داند كه متاع ما كجائى است‌
      يقول: «إنّ كلّ من له معرفة بالمدينة، يعلم أين نحطّ الرحال!».يا حاجّ! إنّ درب الهدى -و اللهـ ليس إلّا العشق.و قد قلنا: و أنت لا تعلم مدى نشوة هذه الخمرة حتّى تذوقها.وَ السَّلَامُ على مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى. *** ذكر صاحب «الذريعة» هذه الرسالة برقم ۱٩۰٥، و أورد في الرسالة التي سبقتها برقم ۱٩۰٤ هذه العبارة: «رِسَالةٌ في السَّيْرِ وَ السُّلُوكِ» لِجَمَالِ السَّالِكِينَ العَالِمِ العَارِفِ المُتَشَرِّعِ الحَكِيمِ الآغَا مُحَمَّدٍ الِبيْدآبَادِيّ الإصْفَهَّانِيّ بْنِ مُحَمَّدٍ رَفِيعِ الجِيلانِيّ الأصْلِ، المَوْلُودِ بِأصْفَهَانَ وَ المُتَوَفَّى بِهَا ۱۱٩۷ هـ. ق، كَتَبَهَا جَوَاباً عَمَّا كَتَبَهُ إلَيْهِ المُحَقِّقُ القُمِّيّ صَاحِبُ «القَوَانِين» يَسْألُهُ فِيهِ عَنْ بَيَانِ مَا هُوَ لَازِمٌ لَهُ في السُّلُوكِ. أوَّلُها: «الحَمْدُ لِلَّهِ الذي خَمَّرِ بِيَدَيْ جَلَالِهِ وَ جَمَالِهِ أرْبَعِينَ صَبَاحاً طِينَةَ الإنسانِ، وَ أوْدَعَ فِيه أسْرَارَ الأسْمَاءِ كُلِّهَا وَ عَلَّمَهُ المَعَانِي وَ البَيَانَ. *** مقتبس من الآية ٢٩، من السورة ۸: الأنفال: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً﴾؛ و الآية ٢، من من السورة ٦٥: الطلاق: ﴿وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً﴾.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

301
  • و يوماً عند قبر المرحوم الآخوند الكاشيّ و المرحوم جهانگيرخان.

  • و كان يقول: إنّ هناك شيئَينِ حَفَظَا فضاء إصفهان صافياً: وجود الموحّدين و العارفين و حكماء الإسلام من أعاظم العلماء الذين يرقدون في هذه المقبرة منذ قرون متمادية، و وجود الفتيات الشابّات المعصومات و المتديّنات اللاتي يبسطن سجّاداتهنّ ليلًا و خاصّة قرب الصبح فيقفن عليها لعبادة الله في قيامهن و ركوعهن و سجودهن.

  • و كان يقول: لم اشاهد في أيّ مكان آخر كثرة الفتيات المتعبّدات و المتهجّدات كما في إصفهان؛ إنّ نفوسهن الطاهرة تحيل فضاء إصفهان‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

302
  • ليلًا إلى شكل آخر.

  • حفظ قبور العلماء بالله و توسّل الناس بها، من الواجبات الحتميّة

  • و لكن و يا للأسف! فهم يقومون بتخريب هذه المقابر. ليس في إصفهان وحدها، بل في شيراز و قم و سائر الأماكن الاخرى، أي أنّهم يسقون الأرض و يزرعون الأشجار فيحوّلونها إلى حديقة شعبيّة و متنزّهات بالرغم من أنّ هناك نفوس طيّبة و طاهرة من العلماء الكبار و الحكماء العظام و العرفاء ذوي القدر و الاعتبار ترقد في هذه الأماكن، فذكر هؤلاء و أسمائهم و آثار قبورهم و زيارتهم و التردّد على قبورهم ممّا يوجب الرحمة و نزول النعمة.

  • صيانة روح العلم و التقوى تتمثّل في رعاية آثار العلماء و تعاهد قبورهم‌

  • إنّ هؤلاء يمثّلون ذخائر علميّة و حياتيّة و كنوز معنويّة و روحيّة، و لقد كان هؤلاء ثرواتنا الحياتيّة و الواقعيّة، فهم أساطين العلم و الأدب و التوحيد و المعرفة. فلو دُمّرت قبورهم، و مُحيت آثارهم و ضاعت، و انقطع تردّد الناس على مزارهم للتوسّل و الاستفادة من نفوسهم، فلن يبقى هناك بيننا من روح و معنويّة أو طهارة و صفاء.

  • إنّ زيارة القبور ينبغي أن تذكِّر الإنسان بالآخرة و بانعدام عالم الطبيعة، من أجل أن لا يكون الإنسان مطلق العنان في هذه الدنيا في حين أنّ الحديقة و الخضرة و الماء و الفَوَّارات هي من الحظوظ الدنيويّة و متعها. و لو قام هؤلاء بتبديل الصحاري الواسعة الممتدّة إلى أماكن خضراء لما اعترض عليهم أحد، أمّا زراعة قبور الآباء و الامّهات بالأشجار فلا يمثّل إلّا غفلة عن الواقع و الحقيقة.

  • ما الضرر في أن تكون المقبرة داخل المدينة؟ و أن تكون هناك مقبرة خاصّة لكلّ محلّة؟ كي لا ينسى الناس ذِكر الموت فيبقى مجسّماً في ذهنهم على الدوام. إنّ ذلك الموت يمثّل حقيقةً و أمراً واقعاً، و سيأتي إلينا شئنا أم أبينا.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

303
  • إنّنا سنقترب من الإسلام الحقيقيّ حين يقترب كلّ وجودنا منه، كما أن سياستنا ستصبح عين ديننا حين تكون العلاقة بين جسمنا و روحنا، دنيانا و آخرتنا، ظاهرنا و باطننا، حياتنا و موتنا؛ و أخيراً جميع جهاتنا واحدةً غير مجزّأة.

  • إنّ علينا أن ننظر بصواب إلى اصول الإسلام و سنّته و نهجه، لنرى أنّ زيارة أهل القبور و تذكّر الموت هو عين تعاليمنا العمليّة و الإسلاميّة، فذلك سيحدّ من شدّة طغيان نفوسنا الأمّارة، و يقلّل بنسبة كبيرة من الجنايات و الجرائم في المجتمع. أمّا لو تابعنا عبدة الدنيا، و تأبّيْنا أن نورد لأبينا المتوفّى ذِكراً، فجعلنا قبره في نقطة بعيدة يتوجّب علينا طيّ الفراسخ للوصول إليها. و في النتيجة فلو فصلناهم عنّا و فصلنا أنفسنا عنهم فجعلناهم نسياً منسياً و أودعناهم تراب النسيان، فسنواجه آنذاك خطراً عظيماً و ضرراً كبيراً. و ذلك لأنّنا قد نسينا نصفَ، بل مُعظمَ، بل أصل وجودنا و حياتنا، أعني الروح، و تجاهلنا النظرة الواقعيّة و التفكير الواقعيّ، في حين أنّ مسلكنا في الإسلام شي‌ء آخر.

  • إنّ الإسلام يعلّمنا و يربّي فينا روح النظرة الواقعيّة و رفض الوهميّات و التخيّلات و الامور الاعتباريّة الواهية، و يجعل حياتنا توأماً مع الصلاة و الصيام و العبادة و العبوديّة.

  • و من ثمّ فإنّنا سنكون قد اقتربنا من الإسلام الحقيقيّ حين تكون ثقافتنا قد اقتربتْ منه، و حين تكون روح النظر إلى الواقع و الأصالة و رفض الباطل فينا قد اقتربت منه. و بغير ذلك، فلو اعتبرنا أنفسنا مسلمين، و كان سلوكنا و مسلكنا سلوك و مسلك الغافلين و عبدة الدنيا، و نهجنا و منهجنا تابعاً لسيرة الكفار و اسلوبهم؛ فلن نستفيد من الإسلام إلّا الألفاظ و العبارات.

  • نعم، إن المحافظة على روح العلم و التقوى، و حراسة حقيقة الحكمة

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

304
  • و العرفان، تتمثّل في رعاية آثار و قبور العلماء المتّقين و المحافظة على قبور و أسماء و علائم الحكماء و العرفاء بالله. و لو اهمل هذا الأمر المهم -لا سمح اللهـ فإنّ علينا انتظار عذاب الله.

  • إنّ الله سبحانه حين يريد إنزال نقمته بقوم فإنّه يرفع آثار رحمته و اسم أوليائه من بينهم؛ و لقد رأينا أخيراً في تعاليم الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام‌ لزكريّا بن آدم‌ أنّه قال له حين استأذنه بالخروج من قم:

  • لا تفعل! فإنّ أهل بيتك يُدفع البلاءُ عنهم بك كما يُدفع البلاءُ عن أهل بغداد بأبي الحسن الكاظم عليه السلام.۱

  • إنّ هناك بيننا الكثير من هذه الأرواح الطيّبة و المجاهدة في سبيل الله بالجهاد الأكبر، و الأحرار في عالم التوحيد لا نفطن لقدْرهم و قيمتهم، و لا نسعى لحفظ آثارهم و تعاهد قبورهم؛ في حين أنّ كلًّا منهم دُرّة و جوهرة ثمينة لا نظير لها، بل هم أعلى من أن يُقيَّموا بشي‌ء، يزيد قدْرهم و قيمتهم على الدنيا و الآخرة معاً.

  • و هكذا فإنّ القحط و الشحّة، و السيول المفاجئة، و الزلازل المدمّرة، و الحروب بلا داع و بلا أساس، و الإسراف و الترف و الإفراط بلا سبب الذي يجرّ الإنسان إلى الطغيان، هي كلّها نتيجة و ردّ فعل لنكران الجميل هذا، و لهذا الاسلوب من إهانة المقدّسات العلميّة و الدينيّة و الآثار المذهبيّة و الإسلاميّة - للتشيّع‌٢؛ هذه المصائب التي يتحيّر لها الإنسان عند حلولها

    1. مرّ ذكره، نقلًا عن كتاب «هديّة الزائرين» للمرحوم الحاجّ الشيخ عبّاس المحدِّث القمّيّ أعلى الله مقامه.
    2. يقول أمير المؤمنين عليه السلام كما ورد في «نهج البلاغة»: لَا يَتْرُكُ النَّاسُ شَيْئاً مِنْ أمْرِ دِينِهِمْ لِاسْتِصْلَاحِ دُنْيَاهُمْ إلَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيهِمْ مَا هُوَ أضَرُّ مِنْهُ. (الحكمة ۱۰٦، و في طبعة مصر و تعليق الشيخ محمّد عبده: ج ٢، ص ۱٦۱). و يقول محيي الدين بن عربي في كتابه «محاضرة الأبرار و مسامرة الأخيار» ج ٢، ص ۱٦٦، الطبعة الاولى، مطبعة السعادة، مصر، سنة ۱٣٢٤ هـ. ق.
      قال الشاطبيّ: كان سبب موت هذا السيّد [عليم بن هاني العمريّ‌] أنّه اضطرّ إلى الاجتماع بالسلطان في نازلة نزلت به فسار إليه. فلمّا جاء البلد الذي فيه السلطان، خلا بنفسه في ليلة جمعة فصلّى بسورة فيها سجدة، فلمّا سجد سأل ربّه الموت و أن لا يجتمع بالسلطان فانقطع كلامه و هو ساجد فرفع و هو كذلك فلبث يومين و هو لا يتكلّم و مات.
      و كان هذا الشيخ قد نهبت داره فجعل يبكي، فاجتمع إليه الفقهاء و الادباء يصبّرونه و يهوّنون عليه ما جرى، فقال لهم: ما أبكي لما جرى من ذهاب الدنيا لكن فيما روي عن النبيّ صلّى الله عليه‌ [و آله‌] و سلم أنّه قال: مَا اسْتَخَفَّ قَوْمٌ بِعالِمِهِمْ وَ انْتَهَكُوا حُرْمَتَهُ إلَّا سُلِّطَ عَلَيهِمُ العَدُوُّ. و تُوفّي الشيخ من عامه كما ذكرنا و سُلّط العدوّ على البلد في العام الذي بعده فأخذهم شرّ أخذة و بقوا حديثاً شنيعاً على وجه الدهور، على أنّه كان لهم عدد عظيم و مدد جسيم فلم يغن عنهم ذلك الاشياء و ظهر فيهم ما ذكره الشيخ رضي الله عنه.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

305
  • و ورودها، فيبحث هذا المسكين عن العلل الطبيعيّة و الفيزيائيّة و يحاول أن يقف بهذه التجارب أمام المقدّرات السماويّة، لكنّه لم يقرأ هذه الآية: ﴿وَ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾‌.۱

  • لقد سافر المرحوم آية الحقّ و العرفان آية الله الشيخ محمّد جواد الأنصاريّ الهمدانيّ أواخر عمره إلى باكستان بالرغم من توارد الضعف الشديد و وهن القلب، و كان ذلك أمراً شاقّاً و عسيراً لعدم توفّر و سائل النقل آنذاك كما هي عليه اليوم. و لم يذكر المرحوم علّة سفره لأحد، فجرى الحديث عن سبب سفره في محافل الأصدقاء و مجالسهم، فكان كلٌّ يتكلّم بحدسه و ظنّه، حتّى سألتُ عن ذلك يوماً من سماحة السيّد الحدّاد بعد مرور سنين طويلة و بعد وفاة ذلك المرحوم فقال: إنّ سفر أمثال هؤلاء الأجلّاء لا يخلو من أحد أمرَينِ:

    1. ذيل الآية ۷٦، من السورة ۱٢: يوسف.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

306
  • الأوّل: أن يكون هناك في تلك النواحي و الديار عاشق واله و متحمّس و متحرّر، فيكون علاج داء هجرانه في عالم التوحيد على يدي هذا الرجل، فيأمره الله تعالى بالذهاب إلى ذلك العاشق للأخذ بيده و مساعدته و معالجة دائه.

  • و الثاني: أن يكون الله قد قدّر، وفق المقدّرات العامّة و الكلّيّة، إنزال عذاب على تلك النواحي، فيأمر الله عبده هذا بالعبور إلى جميع تلك النواحي، ليرفع الله بأثر بركة و رحمة النفس الرحمانيّة لهذا العبد عذابَه عن اولئك القوم.

  • لقاء الحاجّ السيّد هاشم مع الارحام و الاصدقاء الذين وجّهوا إليه الدعوة

  • و على كلّ حال، فقد دعى المضيِّف المحترم السيّد و بعض الأصدقاء الآخرين من إصفهان للاطّلاع على الآثار القديمة لمدينة إصفهان فأجاب: ليس لديّ الرغبة و لا الاستعداد لذلك. ثمّ قال بعد قدرٍ من التأمّل:

  • هر كه در خانه‌اش صنم دارد***گر نيايد برون چه غم دارد؟۱ 
  • لكنّه قال يوماً بشأن لقاء و ردّ زيارة أحد الطلّاب السالكين و المحبّين ممّن يعرفه: فلنذهب إلى غرفته! و كان ذلك الشخص هو حجّة الإسلام الشيخ أسد الله طيّارة، و كان يقطن آنذاك في غرفة في مدرسة الصدر في سوق إصفهان.

  • و كان الجوّ حارّاً ذلك اليوم، فتوقّف السيّد ساعات عديدة في المدرسة استضاف الشيخ طيّارة خلالها السيّد و جميع الحاضرين و قدّم لهم عصيراً بارداً قد أعدّه سلفاً.

  • ثمّ عاد السيّد إلى قم بعد توقّفه في إصفهان لأيّام أربعة، و بقي ليلة في قم عند السيّدة المعصومة سلام الله عليها و عاد في اليوم التالي إلى طهران.

    1. يقول: «ما ضرّ مَنْ كان في بيته صَنَم، لو لَزِم بيته لا يبرحه؟!».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

307
  • هذا و قد وجّه إليه الدعوة بعض الأحبّة و الأعزّة من الرفقاء و الأرحام لزيارتهم في منازلهم، و من بينهم صهرنا المكرّم الحاجّ السيّد جواد الحسينيّ، و هو أبو ابن الاخت المحترم حجّة الإسلام و المسلمين الحاجّ السيّد عبد الصاحب (السيّد علي أكبر) الحسينيّ أدام الله توفيقهما.

  • و حين وفد السيّد عليه و دخل الغرفة وقع نظره على صورة كبيرة نسبيّاً و ذات إطار موضوعة على رفّ يعلو المدفأة، فتطلع إليها بدقّة ثمّ سأل الحقير: أيّها السيّد محمّد الحسين! لمن هذه الصورة؟!

  • قلتُ: إنّها صورة أبي!

  • قال: ما أعجبه من عالِم! استنسخْ عليها صورة اخرى لآخذها معي إلى كربلاء. قلت: أمرك مُطاع!

  • و هكذا قام الحقير بإعطاء الصورة إلى مصوّر فوتوغرافيّ فاستنسخ عليها صورة اخرى وضعتُها في إطار و جعلتُها مع أمتعة السيّد عند سفره.

  • ثمّ ذهب الحقير إلى كربلاء في سفره التالي، فلم اشاهد الصورة في غرفته، و قال السيّد: لقد حدث تغيير في ملامح الصورة عند الاستنساخ، و لقد كانت تلك الصورة الاولى شيئاً آخر، و لقد وضعتُ هذه الصورة في الغرفة السفلى.

  • و لقد كنّا ذاهبين يوماً إلى مكان مع أحد الأصدقاء في سيّارته، و كان يريد الذهاب إلى الجامعة لعمل ما، فأوقف سيّارته قرب سياجها لينجز عمله و يعود، و تأخّر ذلك لبعض الوقت، و كان السيّد مبتهجاً جدّاً آنذاك و كان يقول: عجباً لقابليّة هذه النفوس المستعدّة لهؤلاء الشباب الموجودين في هذا المحيط! و يا للحيف و الأسى من أن لا يتمكّن الإنسان من البوح بشي‌ء و الكشف عن الأسرار و الخفايا.

  • عودة الحاجّ السيّد هاشم من إيران إلى العتبات المقدّسة

  • لقد دامت إقامة السيّد في طهران و مشهد و قم و إصفهان و همدان‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

308
  • شهرين كاملين، ثمّ عزم على العودة. و قد رغَّب إليه الرفقاء الهمدانيّون البقاء ليلتين في همدان باعتبار أنّ مسيره كان يمرّ بهمدان، فوافق على ذلك و تحرّك من طهران إلى همدان فبقي هناك ليلتين.

  • و لقد بقي السيّد ينتظر ساعةً في شركة السفر في همدان للتحرّك قرب الغروب نحو الكاظميّة، فقال له الرفقاء: من الأفضل أن نقضي هذه الساعة في مزار «شاهزاده حسين» و هو من أبناء الأئمّة و نسلهم، و كانت الفاصلة بين شركة السفر و بينه هي عبور الشارع الواقع عند «سبزه ميدان».

  • يقول سماحة الحاجّ محمّد حسن البياتيّ أدام الله توفيقه: كنتُ في معيّة السيّد حين تحرّكنا من شركة السفر إلى مزار «شاهزاده حسين»، و حين أردنا عبور الشارع قال لي السيّد: كان المرحوم آية الله الأنصاريّ يوصل سالكي طريق الله عبر طريق واحد، لكنّي أوصلهم عبر طُرق ثلاث.

  • و هكذا و بعد تأخير بسيط في ذلك المكان، و إذا بالشمس على و شكّ الغروب، ركب السيّد مع أهل بيته و آقا خلف زاده سيّارة السفر (الحافلة) و تحرّكوا نحو الكاظميّة بين توديع الأحبّة و الأصدقاء من همدان و طهران و شيراز و إصفهان. لقد تحرّك السيّد نحو العتبات المشرّفة غانماً موفّقاً في كمال العزّ و الحسن و الفخر، تتبعه و تلاحقه عيون الحقير و الرفقاء الولهين الذين ابتلوا بمحنة الفراق، حتّى غابت السيّارة عن أبصارنا.

  • و كم هو مناسب لمقام العزّ و التمكّن ذلك، و لمقام المسكنة و الفاقة منّا في تلك الحال، ما ورد في غزل حافظ أعلى الله درجته:

  • اى آفتاب آينه‌دار جمال تو***مشگ سياه مجمره گردان خال تو۱
    1. «ديوان حافظ الشيرازيّ» ص ۱۸٩ و ۱٩۰، الغزل ٤۱٦، طبعة پژمان.
      يقول: «يا من تحمل الشمس المرآة لجمالك و المسكُ الأسود المجمرة لخالك».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

309
  • صحن سراى ديده بشستم ولى چه سود***كاين گوشه نيست در خور خيل خيال تو
  • در اوج ناز و نعمتى اى آفتاب حسن‌***يا رب مباد تا به قيامت زوال تو
  • مطبوع‌تر ز نقش تو صورت نبست باز***طغرا نويس ابروى همچون هلال تو
  • در چين زلفش اى دل مسكين چگونه‌اى‌***كآشفته گفت باد صبا شرح حال تو
  • برخاست بوى گل ز در آشتى درآى‌***اى نوبهار ما رخ فرخنده فال تو
  • تا آسمان ز حلقه بگوشان ما شود***كو عشوه‌اى ز ابروى همچون هلال تو۱
    1. يقول: «لقد غسلتُ فِناء عيني بدموعي و لكن ما الفائدة، فهذا الركن الأعزل لا يليق لخيل خيالك.
      و يا مليك الحسن! أنت في أوج النعمة و الدلال، و إنّي أدعو الله ألّا يسمح إلي يوم القيامة بزوالك.
      لم يصوّر كاتب طغراء حاجبك الأسود، صورة أبدع من مثال طلعتك.
      و يا قلبي المسكين! كيف حالك في طيّات ذؤابته، فقد حكي نسيم الصبا في اضطراب شرح أحوالك.
      لقد هبّ أريج الورد فأقبل إلينا في صلحٍ و وئام، فطلعتك السعيدة يا ربيعنا النضير موجودة في فالك.
      و أين هذه النظرة التي تصدر من حاجبك الشبيه بالهلال، حتّى تصبح السماوات خاضعة لنا؟».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

310
  • تا پيش بخت باز روم تهنيت كنان‌***كو مژده‌اى ز مقدم عيد وصال تو
  • اين نقطة سياه كه آمد مدار نور***عكسى است در حديقة بينش ز خال تو
  • در پيش شاه عرض كدامين جفا كنم‌***شرح نيازمندى خود يا ملال تو
  • حافظ درين كمند سرِ سركشان بسى است‌***سوداى كج مپز كه نباشد مجال تو۱
    1. يقول: «و لكي أعود إلي حظّي و أحمل إليه التهنئة، أين البشري التي تنبئ بمقدم عيد وصالك؟
      و هذه النقطة السوداء التي صارت مدار النور و الضياء، ما هي إلّا صورة انعكست في حديقة الرؤية من خالك.
      و أيّ الجفاءين أعرضها علي مسمع المليك، أ أعرض شرح ضراعتي أم أحوال ملالك؟
      و يا «حافظ» ما أكثر رؤوس المتمرّدين التي وقعت في هذا الحبل، فلا تحاول الأماني المعوجّة فليس فيها مجالك».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

312
  •  

  •  

  • القِسْمُ السَّادِسُ: السَّفَرُ الرَّابِعُ لِلْحَقِيرِ لِزيَارَةِ العَتَبَاتِ المُقدَّسَةِ سَنَةَ ۱٣۸۷ هِجْرِيَّة قَمَرِيَّة

  •  

  •  

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

314
  •  

  • السفر الرابع للحقير إلى العتبات المقدّسة

  • سنة ۱٣۸۷ هجريّة قمريّة

  •  

  • جرى هذا السفر أيضاً في أواخر شهر ذي القعدة الحرام، و استمرّ إلى ما بعد العشرة الثانية من محرّم، قدّر الباري المنّان فيه زيارة أبي عبد الله الحسين سيّد الشهداء عليه السلام في عرفة و في الأيّام العشرة من محرّم و يوم عاشوراء، و زيارة والده العظيم أمير المؤمنين عليه السلام يوم العيد السعيد لغدير خمّ، ثمّ زيارة الكاظمين عليهما السلام و أئمّة سامرّاء عليهم السلام.

  • و خلال أيّام توقّف الحقير في كربلاء، لقد قدم إليها، سماحة آية الله الحاجّ السيّد مصطفى الخمينيّ رحمة الله عليه عدّة مرّات قادماً من النجف للتشرّف بالزيارة، و كان يأتي إلى منزل سماحة السيّد. و كان للحقير مع ذلك المرحوم سابق المودّة، لذا فقد كانت لي معه في هذا المنزل لقاءات عديدة و محادثات طويلة و مفيدة نسبيّاً.

  • و كان من جملة الذين تشرّفوا بالمجي‌ء من النجف إلى كربلاء و قدموا إلى بيت السيّد عدّة مرّات و كانت لديهم أسئلة و مذاكرات، سماحة آية الله الصديق العزيز الحاجّ السيّد عبد الكريم الكشميريّ دامت معاليه، و كانت تلك المجالس غنيمة للحقير هي الاخرى.

  • و من بين الذين تردّدوا في هذا السفر عدّة مرّات، بل تكراراً و مراراً، على منزل السيّد: رفيقنا الصديق الحميم و صاحبنا الشفيق القديم العزيز سماحة آية الله المرحوم الشهيد السيّد عبد الحسين دستغيب الشيرازيّ‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

315
  • رحمة الله تعالى عليه، و كان قد تشرّف بالقدوم من شيراز لزيارة العتبات المقدّسة تلك الأيّام. و قد رافقت سماحة السيّد الحدّاد مرّة إلى فندق كربلاء، حيث ذهبنا إلى زيارته، و كانت علاقته مع سماحة السيّد قد توطّدت منذ زمن طويل، و استمرّت علاقات المودّة و الصفاء بينهما على الدوام.

  • و كانت حالات السيّد في هذا السفر قويّة جدّاً، أي إنّ مقامات التوحيد و مراتبه كانت مستقرّة في باطنه، متمكّنة في نفسه، فنادراً ما تظهر لها بروزات و ظهورات خارجيّة.

  • «الفتوحات المكّيّة» لمحيي الدين بن عربي‌

  • و كان في هذا السفر كثير الاشتغال في مطالعة كتاب «الفتوحات المكّيّة» لمحيي الدين بن عربي، لا للاستفادة منه، بل لمطابقة محتوياته مع حالاته؛ فكان يمرّ على بعضه مرّ الكرام، و حين كان لا يرى في موضوع ما إشكالًا فقد كان يتعدّاه إلى غيره، و كان ذلك هو الغالب.

  • لكنّه لوحظ و هو يعترض عليه أحياناً حين يكون الأمر غير مقبول لديه، و لم يكن آنذاك ليتعدّى هذا المطلب بسهولة، بل كان يتأخّر أيّاماً لمقارنة مطلب الكتاب مع وارداته الحاليّة، قبل اتّخاذ قرار برفض ذلك المطلب أو إمضائه و إقراره.

  • و كان من بين المطالب التي كانت مقبولة لديه تلك الأيّام و التي كان يمتدحها -التي كانت مكشوفة لديه هو الآخر حقيقة- و هي أنّ حقيقة جميع القوى نور، و أنّ النور أمر واحد قد اتّخذ لنفسه أسماء مختلفة بحسب الموارد و العوالم؛ و كما أورد محيي الدين:

  • وَ اعْلَمْ أيَّدَكَ اللهُ أنَّ الأمْرَ يُعْطَى أنَّه لَوْ لَا النُّورُ مَا ادْرِكَ شَي‌ءٌ، لَا مَعْلُومٌ وَ لَا مَحْسُوسٌ وَ لَا مُتَخَيَّلٌ أصْلًا. وَ تَخْتَلِفُ على النُّورِ الأسْمَاءُ المَوْضُوعَةُ لِلْقُوَى. فَهِيَ عِنْدَ العَامَّةِ أسْمَاءٌ لِلْقُوَى. وَ عِنْدَ العَارِفِينَ أسْمَاءٌ

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

316
  • لِلنُّورِ المُدْرِكِ بِهِ.

  • فَإذَا أدْرَكْتَ المَسْمُوعَاتِ سَمَّيْتَ ذَلِكَ النّورَ سَمْعاً، وَ إذَا أدْرَكْتَ المُبْصَرَاتِ سَمَّيْتَ ذَلِكَ النُّورَ بَصَراً، وَ إذَا أدْرَكْتَ المَلْمُوسَاتِ سَمَّيْتَ ذَلِكَ المُدْرَكَ بِهِ لَمْساً؛ وَ هَكَذَا المُتَخَيَّلَاتُ.

  • فَهُوَ القُوَّةُ اللَّامِسَةُ لَيْسَ غَيْرَهُ، وَ الشَّامَّةُ وَ الذَّائِقَةُ وَ المُتَخَيِّلَةُ وَ الحَافِظَةُ وَ العَاقِلَةُ وَ المُفَكِّرَةُ وَ المُصَوِّرَةُ. وَ كُلُّ مَا يَقَعُ بِهِ إدْرَاكٌ فَلَيْسَ إلَّا النُّورَ» - إلى آخِرُ مَا أفَادَهُ.۱

  • و يمكن لمس هذا المطلب أيضاً من هذه الفقرة في دعاء كميل: وَ بِنُورِ وَجْهِكَ الذي أضَاءَ لَهُ كُلُّ شَي‌ءٍ. الذي بُيّنت فيه قاعدة الوحدة في كثرة الأسماء و الصفات الإلهيّة.

  • و نقرأ في دعاء الجوشن الكبير، الفقرة ٤۷:

  • يَا نُورَ النُّورِ! يَا مُنَوِّرَ النُّورِ! يَا خَالِقَ النُّورِ! يَا مُدَبِّرَ النُّورِ! يَا مُقَدِّرَ النُّورِ! يَا نُورَ كُلِّ نُورٍ! يَا نُوراً قَبْلَ كُلِّ نُورٍ! يَا نُوراً بَعْدَ كُلِّ نُورٍ! يَا نُوراً فَوقَ كُلِّ نُورٍ! يَا نُوراً لَيْسَ كَمِثْلِهِ نُورٌ!

  • و في آية النور المباركة:

  • ﴿اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ﴾‌، حتّى يصل إلى قوله: ﴿نُورٌ عَلى‌ نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ﴾٢، حيث يمكن منها استفادة جميع مراحل النور في شبكات عالم الإمكان باختلاف درجاتها، وصولًا إلى النور القاهر لتجلّي الجلال، الذي إذا ظهر قضى على وجود السالك و جعله في الفَناء و الاندكاك المحض:

    1. «الفتوحات المكّيّة» ج ٣، ص ٢۷٦ و ٢۷۷ الباب ٣٦۰، الوصل الأوّل.
    2. مقطع من الآية ٣٥، من السورة ٢٤: النور.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

317
  • وَ بِنُورِكَ الذي قَدْ خَرَّ مِنْ فَزَعِهِ طُورُ سَيْنَاءَ...۱ وَ بِنُورِ وَجْهِكَ الذي تَجَلَّيْتَ بِهِ لِلْجَبَلِ فَجَعَلْتَهُ دَكّاً وَ خَرَّ مُوسَى صَعِقاً.

  • و عليه، فإنّ مقام التوحيد المحض هذا هو أعلى درجات النور و أسمى رُتبه، كما قد كتب المرحوم الحاجّ السيّد هاشم في رسالة صغيرة لأحد أصدقائه هذه العبارة فقط:

  • بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‌

  • التَّوحِيدُ نُورٌ، وَ الشِّرْكُ نَارٌ. التَّوحِيدُ يُحْرِقُ جَمِيعَ سَيِّئَاتِ المُوَحِّدِينَ؛ وَ الشِّرْكُ نَارٌ يُحْرِقُ جَمِيعَ حَسَنَاتِ المُشْرِكِينَ. وَ السَّلَامُ.٢

  • و من بين المطالب الواردة في «الفتوحات» و التي أعجبت سماحة الحاجّ السيّد هاشم، عبارته في الباب ٣٦٦، في شأن إمام الزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف. فكان السيّد يقرأ هذه العبارة مراراً، و يورد من كلّ فقرة من فقراتها دليلًا على سلامة طويّة الشيخ. و لمزيد من الاطّلاع نورد هنا تلك العبارة، حسب نقل شيخ الفقهاء و المتكلِّمين بهاء الملّة و الدين الشيخ بهاء الدين العامليّ أعلى الله مقامه في كتابه «الأربعين» في خاتمة الحديث السادس و الثلاثين، ذلك لأنّه هو أيضاً قد تفطّن من كنايات تلك العبارة إلى تشيّعه. و عين عبارة الشيخ بهاء الدين هي:

  • نقل الشيخ البهائيّ لعبارة محيي الدين في «الفتوحات المكّيّة»

  • خَاتِمَةٌ: إنَّهُ لَيُعْجِبُنِي كَلَامٌ في هَذَا المَقَامِ لِلشَّيْخِ العَارِفِ الكَامِلِ الشَّيْخِ مُحْيِي الدِّينِ بْنِ عَرَبِيّ أوْرَدَهُ في كِتَابِهِ: «الفُتُوحَاتِ المَكِّيَّةِ».

    1. فقرتان من دعاء السمات.
    2. أورد في «تذكرة الأولياء» ص ٣٢۰، الباب ٣٥، طبعة صفي علي شاه، في ترجمة أحوال يحيى معاذ الرازيّ حكاية عنه أنّه قال (بالفارسيّة):
      التوحيد نور، و الشرك نار. نور التوحيد يحرق جملة سيّئات الموحّدين؛ و نار الشرك تحيل جملة حسنات المشركين رماداً.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

318
  • قَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيهِ في البَابِ الثَّلاثْمِائَةِ وَ السِّتِّ وَ السِّتِّينَ مِنَ الكِتَابِ المَذْكُور:

  • إنَّ لِلَّهِ خَلِيفَةً يَخْرُجُ، مِنْ عِتْرَةِ رَسُولِ اللهِ صلّى اللهُ عَلَيهِ [وَ آلِهِ‌] وَ سَلَّمَ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ [عَلَيهَا السَّلَامُ‌]، يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمَ رَسُولِ اللهِ صلّى اللهُ عَلَيهِ [وَ آلِهِ‌] وَ سَلَّمَ جَدُّهُ الحُسَيْنُ بْنُ عَلِيّ [عَلَيهِ السَّلَامُ‌]، يُبَايَعُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَ المَقَامِ. يُشْبِهُ رَسُولَ اللهِ صلّى اللهُ عَلَيهِ [وَ آلِهِ‌] وَ سَلَّمَ في الخَلْقِ -بِفَتْحِ الخَاءِ- وَ يَنْزِلُ عَنْهُ في الخُلْقِ -بِضَمِّ الخَاءِ-.

  • أسْعَدُ النَّاسِ بِهِ أهْلُ الكُوفَةِ. يَعِيشُ خَمْساً أوْ سَبْعاً أوْ تِسْعاً.

  • يَضَعُ الجِزْيَةُ، وَ يَدْعُو إلى اللهِ بِالسَّيْفِ. وَ يَرْفَعُ المَذَاهِبَ عَنِ الأرْضِ. فَلَا يَبْقَى إلَّا الدِّينُ الخَالِصُ.

  • أعْدَاؤُهُ مُقَلِّدَةُ العُلَمَاءِ أهْلِ الاجْتِهَادِ، وَ لِمَا يَرَوْنَهُ يَحْكُمُ بِخِلَافِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أئِمَّتُهُمْ؛ فَيَدْخُلُونَ كُرْهاً تَحْتَ حُكْمِهِ خَوْفاً مِنْ سَيْفِهِ.

  • يَفْرَحُ بِهِ عَامَّةُ المُسْلِمِينَ أكْثَرَ مِنْ خَوَاصِّهِمْ. يُبَايِعُهُ العَارِفُونَ مِنْ أهْلِ الحَقَائِق عَنْ شُهُودٍ و كَشْفٍ بِتَعْرِيفٍ إلَهيّ.

  • لَهُ رِجَالٌ إلَهِيُّونَ يُقِيمُونَ دَعْوَتَهُ وَ يَنْصُرُونَهُ. وَ لَوْ لَا أنَّ السَّيْفَ بِيَدِهِ لأفَتْى الفُقَهَاءُ بقَتْلِهِ. وَ لَكِنَّ اللهَ يُظْهِرُهُ بِالسَّيْفِ وَ الكَرَمِ. فَيَطْمَعُونَ وَ يَخَافُونَ. وَ يَقْبَلُونَ حُكْمَهُ مِنْ غَيْرِ إيمَانٍ وَ يُضْمِرُونَ خِلَافَهُ، وَ يَعْتَقِدُونَ فِيه إذَا حَكَمَ فِيهِمْ بِغَيْرِ مَذْهَبِ أئِمَّتِهِمْ أنَّهُ على ضَلَالٍ في ذَلِك. لأنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أنَّ أهْلَ الاجْتِهَادِ وَ زَمَانِهِ قَدِ انْقَطَعَ وَ مَا بَقِيَ مُجْتَهِدٌ في العَالَمِ؛ وَ أنَّ اللهَ لَا يُوجِدُ بَعْدَ أئِمَّتِهِمْ أحَداً لَهُ دَرَجَةُ الاجْتِهَادِ.

  • وَ أمَّا مَن يَدَّعِي التَّعْرِيفَ الإلَهِيّ بِالأحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَهُوَ عِنْدَهُمْ‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

319
  • مَجْنُونٌ فَاسِدُ الخَيَالِ - انْتَهَى كَلَامُهُ.۱

  • فَتَأمَّلْهُ بِعَيْنِ البَصِيَرةِ، وَ تَنَاوَلْهُ بِيَدٍ غَيْرِ قَصِيرَةٍ؛ خُصُوصاً قَوْلَهُ: «إنَّ لِلَّهِ خَلِيفَةً»، وَ قَوْلَهُ: «أسْعَدُ النَّاسِ بِهِ أهْلُ الكُوفَةِ»، وَ قَوْلَهُ: «أعْداؤُهُ مُقَلِّدَةُ العُلَمَاءِ أهْلِ الاجْتِهَادِ»، وَ قَوْلَهُ: «لأنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أنَّ أهْلَ الاجْتِهَادِ وَ زَمَانَهُ قَدِ انْقَطَعَ» - إلى آخِرِ كَلَامِهِ؛ عَسَى أنْ تَطَّلِعَ على مَرَامِهِ، وَ اللهَ وَلِيّ التَّوفِيقِ.٢

  • عبارة محيي الدين في شأن إمام العصر كعقيدة الشيعة الإماميّة

    1. أورد المرحوم الشهيد القاضي نور الله التستريّ عين هذه العبارة في «مجالس المؤمنين» ج ٢، ص ٢۸۱، المجلس السادس، الطبعة الحجريّة في ترجمة محيي الدين.
    2. «الأربعين» للشيخ البهائيّ، ص ٣۱٢ و ٣۱٣، في ذيل الحديث ٣٦، الطبعة الحجريّة. و قد ذكر عبد الوهّاب الشعرانيّ في كتاب «اليواقيت و الجواهر» ج ٢، ص ۱٤٣، المبحث الخامس و الستّون، طبعة مكتبة مصطفى البابي الحلبيّ، سنة ۱٣۷۸، في بيان أنّ جميع أشراط الساعة التي أخبرنا بها الشارع حقّ لا بدّ أن تقع كلّها قبل قيام الساعة. و نقل قصّة المهديّ مفصّلة من ص ۱٤٢ إلى ۱٤٥، و ذكر أنّه الابن بلا فصل للإمام الحسن العسكريّ مع عدّ أجداده واحداً بعد واحد إلى أمير المؤمنين و فاطمة الزهراء سلام الله عليهم أجمعين، و ذكر زمن ولادته في سنة ٢٥٥ هـ. ق و مقدار عمره إلى زمن كتابة «اليواقيت» و وزرائه و خصائصه. و هذه المطالب مقتبسة من مطالب الشيخ محيي الدين بن عربي في «الفتوحات».
      يقول شارح «مناقب محيي الدين»، ص ٣٤ إلى ٣٦ الطبعة الحجريّة: حاصل القصد إظهار العقيدة الصحيحة في وجود الإمام القائم عجّل الله تعالى فرجه. و وجه دلالة هذه العبارة على تشيّعه كما عرض شيخنا البهائيّ قدّس سرّه، عدّة وجوه:
      أوّلها: قوله في أوّل العبارة: إنَّ لِلَّهِ خَليفَةً يَخْرُج - انتهى؛ و هذه العقيدة خلافاً للكفّار و السنّة، فهؤلاء مع اعترافهم بظهور المهديّ الموعود إلّا أنّ الاعتقاد بحياة و وجود المهديّ هو من مختصّات جماعة الإماميّة.
      و الآخر: قوله: وَ أسْعَدُ النَّاسِ بِهِ أهْلُ الكُوفَة؛ و هذه العقيدة أيضاً من مختصّات الطائفة الاثنى عشريّة الذين يقولون إنّ شمس إمامة القائم عليه السلام تطلع من مكّة ثمّ يقدم الكوفة مباشرة فيرسل - بعد السيطرة على الكوفة و طاعة أهلها لهـ الجيوش إلى سائر البلاد الاخرى.
      و الآخر: إنّ جميع التشنيعات التي أوردها في هذه العبارة منحصرة بفقهاء الجماعة و أتباعهم، فهو يصرِّح بقوله: لأنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أنَّ أهْلَ الاجْتِهَادِ وَ زَمَانَهُ قَدِ انْقَطَعَ؛ أي إنّ فقهاء الجماعة لن يؤمنوا به بعد ظهوره إيماناً واقعيّاً، بل يلتزمون طريق المعارضة و المخاصمة، و ذلك لأنّهم يقولون: إنّ طرق الاجتهاد مسدودة تماماً بعد الأئمّة الأربعة: محمّد بن النعمان أبو حنيفة، و مالك بن أنس، و أحمد بن حنبل، و محمّد بن إدريس الشافعيّ؛ و إنّ أيّة فتوى خلافاً لآراء هؤلاء الفقهاء الأربعة تُعدّ مرفوضة؛ لذا فإنّهم يعدّون الأحكام الإلهيّة للإمام الحجّة و التي تخالف تلك المجعولات، أمراً غير مشروع و يتخيّلون التعريفات الإلهيّة محالة بغير طريق الاجتهاد الظاهريّ.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

320
  • أقول: ما ذكره المرحوم الشيخ بهاء الدين العامليّ هنا، موجود في «الفتوحات المكّيّة» ج ٣، ص ٣٢۷ الباب ٣٦٦، طبعة دار الكتب العربيّة الكبرى، مصر، في أربعة أجزاء؛ و ذلك إلى عبارة: يُقِيمُونَ دَعْوَتَهُ وَ يَنْصُرُونَهُ و قد ذُكرت باقي العبارات في ص ٣٣٦، في نفس الباب، من السطر ۷ إلى ۱٣ بشكل متفرّق؛ و عليه فإنّ مطالب الشيخ بهاء الدين بهذه الصورة الكاملة هي ملتقطات من كلام محيي الدين في جميع هذا الباب.

  • و النكتة الاخرى هي أنّه ذكر اسم الإمام المهديّ حيثما ورد في «الفتوحات» (طبعة بولاق، في ستّة أجزاء) و كذلك في «اليواقيت» للشعرانيّ فعدّه من أولاد الحسين بن عليّ بن أبي طالب و قال: «وَ جَدُّهُ الحُسَيْن». لكنّ الطبعة التي طبعتها دار الكتب العربيّة (في أربعة أجزاء) أوردت اسم أبيه: الحسن بن عليّ بن أبي طالب؛ و من الجليّ أنّ هذا خطأ مطبعيّ.

  • و قد عدّ الكثير من أعلام الشيعة عبارة الشيخ محيي الدين هذه دليلًا على تشيّعه، لأنّها نفس معتقدات الشيعة.

  • أضف إلى ذلك المطالب الاخرى الواردة في «الفتوحات» بشأن‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

321
  • القياس، و قوله: «و أما القياس فلا أقول به».

  • أقول: لا يوجد أبداً بين العامّة من لا يعمل بالقياس، و أبو حنيفة غاطس في القياس من رأسه إلى أخمص قدميه. و لقد كان محيي الدين بن عربي حسب الظاهر مالكيّ المذهب‌۱، و مالك هو الآخر يعمل بالقياس، و لكن بدرجة أقلّ من أبي حنيفة.

  • بَيدَ أنّ هناك بين العامّة من يقترب من الشيعة في عدم العمل بالقياس، و هو الشافعيّ. فإنّه يكاد يعتبر: تنقيح المناط القطعيّ حجّة، كما نعدّه حجّة، و لا يعمل بالقياس مع أنّه يختلف في مبانيه الفقهيّة مع الشيعة.

  • و كان سماحة الحاجّ السيّد هاشم يمتدح أيضاً هذه الجملة الواردة عن محيي الدين في قوله: وَ أمَّا القِيَاسُ فَلَا أقُولُ بِهِ، وَ لَا اقَلِّدُ فِيهِ جُمْلَةً وَاحِدَةً.

  • دليل المحدِّث النيسابوريّ على تشيّع محيي الدين‌

  • و قد أورد الملّا السيّد صالح الخلخاليّ الموسويّ، و هو من التلامذة البارزين للسيّد الميرزا أبي الحسن جلوه الأصفهانيّ في كتابه باسم «شرح مناقب محيي الدين بن عربي» بياناً عن المحدِّث النيسابوريّ في تشيّع محيي الدين، حيث ذكر من بين الأدلّة على تشيّعه مخالفته للقياس؛ و عبارة الشارح هي:

  • و من بين الدلائل التي أوردها المحدِّث النيسابوريّ و الحاكية عن صراحة تشيّعه هذه العبارة:

    1. عدّه المرحوم الحاجّ النوريّ قدّس سرّه في كتاب «النجم الثاقب» ص ۱٢۸، السطر الأخير، الباب ۷؛ مالكيّاً، و اعتبره المرحوم الحاجّ الشيخ آقا بزرگ الطهرانيّ قدّس سرّه شاميّاً دون أن يذكر مذهبه، و ذلك في «الذريعة إلي تصانيف الشيعة» ج ۸، ص ٢٦٩، الطبعة الأولى، مطبعة الجامعة، سنة ۱٣۸۰.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

322
  • قوله في الباب الثامن عشر و ثلاثمائة ما لفظه:... فَمَا ثَمَّةَ شَارِعٌ إلَّا اللهُ. قَالَ اللهُ تعالى لِنَبِيِّهِ: ﴿لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ﴾۱، وَ لَمْ يَقْلُ لَهُ بِمَا رَأيْتَ. بَلْ عَاتَبَهُ سُبْحَانَهُ لِمَا حَرَّمَ على نَفْسِهِ بِاليَمِينِ في قِصَّةِ عَائِشَةَ وَ حَفْصَةَ بِقَوْلِهِ جَلَّ وَ علَا: ﴿يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ﴾.٢

  • وَ كَانَ هَذَا مِمَّا أرَتْهُ نَفْسُهُ فَلَوْ كَانَ هَذَا الدِّينُ بِالرَّأيِ لَكَانَ رَأيُ النَّبِيّ أوْلَى مِنْ رَأيِ مَنْ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ - إلى أنْ قَالَ في بَابٍ آخَرَ مِنْهُ:٣

    1. مقطع من الآية ۱۰٥، من السورة ٤: النساء: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً﴾.
    2. صدر الآية ۱، من السورة ٦٦: التحريم.
    3. «الفتوحات المكّيّة» ج ٣، ص ٦۸ إلى ص ۷٢، طبعة دار الكتب العربيّة، الباب ٣۱۸، و عنوان الباب هو: في مَعْرِفَةِ مَنْزِلِ نَسْخِ الشَّرِيعَةِ المُحَمَّدِيَّةِ وَ غَيْرِ المُحَمَّدِيَّةِ بِالأغْرَاضِ النَّفْسِيَّةِ عَافَانَا اللهُ وَ إيَّاكُمْ مِنْ ذَلِكَ بِمَنِّهِ.
      و ندعو القرّاء الأعزّاء و خاصّة الطلّاب إلى مطالعة هذا الباب، لاحتوائه على مطالب مفيدة جدّاً وُفق آراء الشيعة و المذهب الجعفريّ في عدم صحّة العمل بالرأي؛ فهو يثبت بشكل عامّ أنّ علّة ظهور العمل بالرأي متابعة فقهاء العامّة من عبدة الدنيا لأهواء الخلفاء و الحكّام في عصرهم. من بينها قوله:
      وَ اعْلَمْ أنَّهُ لَمَّا غَلَبَتِ الأهْوَاءُ على النُّفُوسِ وَ طَلَبَتِ العُلَمَاءُ المَرَاتِبَ عِنْدَ المُلُوكِ تَرَكُوا المَحَجَّةَ البَيْضَاءَ وَ جَنَحُوا إلى التَّأوِيلَاتِ البَعِيدَةِ لِيَمْشُوا أغْرَاضَ المُلُوكِ فِيمَا لَهُمْ فِيهِ هَوَى نَفْسٍ لِيَسْتَنِدُوا في ذَلِكَ إلى أمْرٍ شَرْعِيّ، مَعَ كَوْنِ الفَقِيهِ رُبَّمَا لَا يَعْتَقِدُ ذَلِكَ وَ يُفْتِي بِهِ.
      وَ قَدْ رَأيْنَا مِنْهُمْ جَمَاعَةً على هَذَا مِنْ قُضَاتِهِمْ وَ فُقَهَائِهِمْ. وَ لَقَدْ أخْبَرَنِي المَلِكُ الظَّاهِرُ غَازِي بْنُ المَلِكِ النَّاصِرِ صَلَاحِ الدِّينِ يُوسُفَ بْنِ أيُّوبَ وَ قَدْ وَقَعَ بَيْنِي وَ بَيْنَهُ في مِثْلِ هَذَا كَلَامٌ، فَنَادَى بِمَمْلُوكٍ وَ قَالَ: جِئْنِي بِالحَرْمَدَانِ. فَقُلْتُ لَهُ: مَا شَأنُ الحَرْمَدَانِ؟! قَالَ: أنْتَ تُنْكُرُ عَلَيّ مَا يَجْرِي في بَلَدِي وَ مَمْلَكَتِي مِنَ المُنْكَرَاتِ وَ الظُّلْمِ، وَ أنَا وَ اللهِ أعْتَقِدُ مِثْلَ مَا تَعْتَقِدُ أنْتَ فِيهِ مِنْ أنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مُنْكَرٌ وَ لكِنْ وَ اللهِ يَا سَيِّدِي، مَا مِنْهُ مُنْكَرٌ إلَّا بِفَتْوَى فَقِيهٍ وَ خَطِّ يَدِهِ عِنْدِي بِجَوَازِ ذَلِكَ، فَعَلَيهِمْ لَعْنَةُ اللهِ. وَ لَقَدْ أفْتَانِي فَقِيهٌ هُوَ فُلَانٌ -وَ عَيَّنَ لِي أفْضَلَ فَقِيهٍ عِنْدَهُ في بَلَدِهِ في الدِّينِ وَ التَّقَشُّفِ- بِأنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيّ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ هَذَا بِعَيْنِهِ، بَلِ الوَاجِبُ عَلَيّ شَهْرٌ في السَّنَةِ وَ الاخْتِيَارُ لِي فِيهِ أيّ شَهْرٍ شِئْتُ مِنْ شُهُورِ السَّنَةِ. قَالَ السُّلْطَانُ: فَلَعَنْتُهُ في بَاطِنِي وَ لَمْ أُظهِرْ لَهُ ذَلِكَ وَ هُوَ فُلَانٌ، وَ سَمَّاهُ لِي رَحِمَ اللهُ جَمِيعَهُمْ.
      فَلْتَعْلَمْ أنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ مَكَّنَهُ اللهُ مِنْ حَضْرَةِ الخَيَالِ وَ جَعَلَ لَهُ سُلْطَاناً فِيهَا، فَإذَا رَأى الفَقِيهَ يَمِيلُ إلى هَوَى يَعْرِفُ أنَّهُ يَرْدَى عِنْدَ اللهِ زَيَّنَ لَهُ سُوءَ عَمَلِهِ بِتَأوِيلِ غَرِيبٍ يُمَهِّدُ لَهُ فِيهِ وَجْهاً يُحَسِّنُهُ في نَظَرِهِ وَ يَقُولُ لَهُ: إنَّ الصَّدْرَ الأوَّلَ قَدْ دَانُوا اللهَ بِالرَّأي وَ قَاسَ العُلَمَاءُ في الأحْكَامِ وَ اسْتَنْبَطُوا العِلَلَ لِلأشْيَاءِ وَ طَرَّدُوهَا وَ حَكَمُوا في المَسْكُوتِ عَنْهُ بِمَا حَكَمُوا بِهِ في المَنْصُوصِ عَلَيهِ لِلْعِلَّةِ الجَامِعَةِ بَيْنَهُمَا؛ وَ العِلَّةُ مِنِ اسْتِنْبَاطِهِ. فَإذَا مَهَّدَ لَهُ هَذِهِ السَّبِيلَ جَنَحَ إلى نَيْلِ هَوَاهُ وَ شَهْوَتِهِ بِوَجْهٍ شَرْعِيّ في زَعْمِهِ، فَلَا يَزَالُ هَكَذَا فِعْلُهُ في كُلِّ مَا لَهُ أوْ لِسُلْطَانِهِ فِيهِ هَوَى نَفْسٍ وَ يَرُدُّ الأحَادِيثَ النَّبَوِيَّة. إلى آخر ما أفاده؛ و الحقّ أنّه أجاد فيما قال.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

323
  • لَا يَجُوزُ أن يُدَانَ اللهُ بِالرَّأي. وَ هُوَ القَوْلُ بِغَيرِ حُجَّةٍ وَ بُرْهَانٍ مِنْ كِتَابٍ وَ لَا سُنَّةٍ وَ لَا إجْمَاعٍ. وَ أمَّا القِيَاسُ فَلَا أقُولُ بِهِ وَ لَا اقَلِّدُ فِيهِ جُمْلَةً وَاحِدَةً. فَمَا أوْجَبَ اللهُ عَلَينَا الأخْذَ بِقَوْلِ أحَدٍ غَيْرِ رَسْولِ اللهِ صلّى اللهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ.۱

  • ثمّ يقول الشارح هنا: و أمّا دلالة هذه العبارة على تشيّعه كما تصوّر المحدِّث النيسابوريّ فهي أنّ علماء السنّة اعتبروا في إجراء الأحكام الشرعيّة، دليل القياس برهاناً مستقلًّا مقابل الكتاب و السنّة، و عدّوا العمل بمقتضاه متّبعاً.

  • و باعتبار مخالفة عقيدة الشيخ لاعتقاد علماء الجماعة، فقد أنكر هذا المعنى بشدّة، بقوله: «فلو كان هذا الدِّين بالرأي لكان رأي النبيّ أولى، لأنّ له مقام و منزلة العصمة... و من المؤكّد أنّ رأيه الشريف معصوم من‌

    1. «روضات الجنّات» ج ٤، ص ۱٩٥، الطبعة الحجريّة، نقلًا عن المحدِّث النيسابوريّ في رجاله الكبير.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

324
  • الزلّة، و مع ذلك عاتبه سبحانه على اتّباعه رأيه بقوله جلّ و علا: ﴿يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ﴾، إذاً في هذه الحالة لا يجوز لأحد العمل بالقياس الذي هو في الواقع رأي بلا دليل».۱

  • و عموماً فقد قال الكثير من العلماء الأعلام بتشيّع محيي الدين، و أثبتوا هذا الأمر بطرق عديدة.

  • بيان الملّا السيّد صالح الموسويّ الخلخاليّ بشأن محيي الدين‌

  • و للملّا السيّد صالح الموسويّ الخلخاليّ قدّس الله سرّه بيان جميل و مفصّل في مقدِّمة كتابه «شرح مناقب» التي خصّصها تقريباً لهذا الأمر، يقول فيها: ولد محيي الدين في شهر رمضان المبارك لسنة ٥٦۰ هـ. ق في مدينة مُرْسِيَة، و هي من المدن الشرقيّة لجزر الأندلس‌٢، و ارتحل في العاشر من شهر رمضان المبارك لسنة ٦٣۸ هـ. ق‌٣، و دُفن في ظاهر دمشق‌٤ في المحلّ المعروف بالصالحيّة. ثمّ يحكي الملّا صالح عن استاذه المرحوم الحكيم جلوه أنّه قال: لقد قال الملّا الروميّ هذا البيت من الشعر حين كان مشغولًا عند قبر الشيخ بالرياضة و الاستفاضات الروحيّة:

  • اندر جبل صالحه كانى است ز گوهر***زان است كه ما غرقه درياى دمشقيم‌٥
    1. «شرح مناقب محيي الدين» ص ٢٩ إلي ص ٣۱، الطبعة الحجريّة.
    2. «شرح مناقب محيي الدين» ص ۱٢ الطبعة الحجريّة؛ و «روضات الجنّات» ج ٤، ص ۱٩٣ إلي ۱٩٥، الطبعة الحجريّة.
    3. يقول القاضي نور الله التستريّ في كتاب «مجالس المؤمنين» ص ٢۸٤، المجلس السادس، في شرح أحوال محيي الدين، الطبعة الحجريّة: كانت ولادة الشيخ محيي الدين في الثامن عشر من شهر رمضان لسنة ستّين و خمسمائة، و وفاته ليلة الجمعة الثاني و العشرين من ربيع الآخر لسنة ثمان و ثلاثين و ستمائة.
    4. أي خارج مدينة دمشق؛ ظاهر البلد: خارجه.
    5. «شرح مناقب محيي الدين» ص ٦۱. يقول: «تحت جبل «صالحة» معدن من الجوهر، غرقنا بسببه في بحر دمشق».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

325
  • و لقد كتب محيي الدين «الفتوحات المكّيّة» في مكّة، ثمّ قَدِم إلى دمشق؛ و كان جمع من رؤساء مشايخ الطريقة آنذاك قد جعلوا مدينة دمشق مقرّاً لإقامتهم، مثل الشيخ سعد الدين الحمويّ و الشيخ عثمان الروميّ و أوحد الدين الكرمانيّ و جلال الدين محمّد الروميّ صاحب «المثنويّ»، فكانوا جليسي خلوة الشيخ الكامل و أنيسي وحدته.

  • و قد ألَّف الشيخ كتاب «فصوص الحكم» و هو من كتبه النفيسة أيّام إقامته في دمشق حسب أمر خاتم الأنبياء صلوات الله و سلامه عليه.۱

  • و يصرّ على إثبات تشيّع الشيخ أشخاص أمثال ابن فَهْد الحلّيّ و الشيخ البهائيّ و المحقّق الفيض الكاشانيّ و المرحوم المجلسيّ الأوّل و القاضي نور الله التستريّ، و المحدِّث النيسابوريّ و غيرهم.

  • الدلائل التي ذكرها العلماء على تشيّع محيي الدين بن عربي‌

  • يقول الفاضل المعاصر في كتاب «الروضات»:

  • مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيّ المَغْرِبِيّ الحَاتِمِيّ الإشْبِيلِيّ الأنْدُلُسِيّ ثُمَّ المَكِّيّ ثُمَّ الدِّمَشْقِيّ المُلَقَّبُ مُحْيِي الدِّينِ بْنِ العَرَبِيّ؛ كَانَ مِنْ أرْكَانِ سِلْسِلَةِ العُرَفَاءِ وَ أقْطَابِ أرْبَابِ المُكَاشَفَةِ وَ الصَّفَاءِ مُمَاثِلًا وَ مُعَاصِراً لِلشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ الحَسَنِيّ الجِيلانِيّ المُشْتَهِرِ قَبْرُهُ بِبَغْدَادَ، بَلْ جَمَاعَةٍ اخْرَى مِنْ كِبَارِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ المُنْتَشِرِ ذِكْرُهُمْ في البِلَادِ؛ إلَّا أنَّ القَائِلَ بِكَوْنِهِ مِنْ جُمْلَةِ الشِّيعَةِ الإمَامِيَّةِ بَيْنَ هَذِهِ الطَّائِفَةِ مَوْجُودٌ بِخِلَافِ اولئِكَ الجُنُودِ.٢

  • و يقول المحدِّث النيسابوريّ في كتاب رجاله الكبير:... ظَاهِرُ تَصَانِيفِهِ على مَذْهَبِ العَامَّةِ لأنهُ كَانَ في زَمَنٍ شَدِيدٍ، وَ قَدْ أخْرَجْنَا عِبَارَاتِهِ‌

    1. «شرح مناقب محيي الدين» ص ۱۷، الطبعة الحجريّة.
    2. «شرح مناقب محيي الدين» ص ٢٥.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

326
  • النَّاصَّةَ على خَصَائِصِ مَذْهَبِ الإمَامِيَّةِ الاثْنَى عَشَرِيَّةِ في كِتَابِ «مِيزَانِ التَّمْيِيزِ في العِلْمِ العَزِيزِ» - انتهى.۱

  • و يقول المحدِّث السيّد الجزائريّ بعد نقل عبارته المذكورة في «الفتوحات» بشأن صاحب الزمان: وَ هُوَ كَلَامٌ أنِيقٌ، بَلْ رُبَّمَا لَاحَ مِنْهُ حُسْنُ الاعْتِقَادِ وَ الرَّدُّ على أهْلِ الرَّأي وَ القِيَاسِ كَأبِي حَنِيفَةَ وَ أضْرَابِهِ، وَ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أنَّهُ كَلَامُ خَالٍ عَنِ التَّعَصُّبِ وَ إنْ كَانَ صَاحِبُهُ مِنْ أهْلِ السُّنَّةِ بِلَا كَلَام.٢

  • و قد روى صاحب «الروضات» هذه الأشعار عن كتاب وصاياه و أسندها إليه:

  • وَصَّى الإلَهُ وَ وَصَّتْ رُسْلُهُ فَلِذَا***كَانَ التَّأسِّي بِهِمْ مِنْ أفْضَلِ العَمَلِ‌
  • لَوْ لَا الوَصِيَّةُ كَانَ الخَلْقُ في عَمَهٍ‌***وَ بِالوَصِيَّةِ دَامَ المُلْكُ في الدُّوَلِ‌
  • فاعْمِدْ إلَيْهَا وَ لَا تُهْمِلْ طَرِيقَتَهَا***إنَّ الوَصِيَّةَ حُكْمُ اللهِ في الأزَلِ‌٣
    1. «شرح مناقب محيي الدين» ص ٢٦؛ و «روضات الجنّات» ج ٢، ص ۱٩٣ إلي ۱٩٥، الطبعة الحجريّة.
    2. «شرح مناقب»، ص ٣٦ و ٣۷ الطبعة الحجريّة؛ و «روضات الجنّات» ج ٤، ص ۱٩٥
    3. وردت هذه الأبيات مع أبيات اخرى مجموعها ٢۱ بيتاً في صدر الباب ٥٦۰ من «الفتوحات» و هو آخر باب في هذا الكتاب، يقول في عنوانه: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، «البَابُ المُوفِى سِتِّينَ وَ خَمسمِائَةٍ، في وَصِيَّةٍ حِكَمِيَّةٍ يَنْتَفِعُ بِهَا المُرِيدُ السَّالِكُ وَ الوَاصِلُ وَ مَنْ وَقَفَ عَلَيهَا إنْ شَاءَ اللهُ تعالى. و قد جاءت وصيّته هذه في طبعة دار الكتب العربيّة، مصر: ج ٤، ص ٤٤٤؛ و شغلت بقيّة الباب وصاياه النافعة و كثيرة الفائدة التي تستوعب الكتاب إلى ص ٥٦۱.
      و قد بُذلت همّة كبيرة في إخراج هذا الباب و طباعته بشكل كتاب مستقلّ، و طبع للمرّة الثانية في مكتبة قصيباتي في دمشق، سنة ۱٣۷٦ هجريّة قمريّة باسم «الوَصَايَا لِلشَّيْخِ مُحْيِي الدِّين بْنِ عَرَبِي الحَاتِمِيّ الطَّائِيّ» و طُبعت هذه الأبيات في الصفحة الاولى للكتاب (الصفحة الرابعة حسب الترقيم). و كذلك وردت هذه الوصيّة في «الروضات» ج ٤، ص ۱٩٣، حكاية عنه.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

327
  • و حاصل القصد: إنّ الله تعالى شأنه قد عيّن الخلافة في عالم الناسوت لإجراء النواميس الإلهيّة، و ذلك بقوله تعالى: ﴿إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾.۱

  • و قد عيّن لكلِّ من سائر الأنبياء المرسلين وصيّاً يخلف النبيّ لتكميل الشريعة و حفظها؛ و لو لم تكن التوصية هي طريقة الأنبياء منذ القدَم، لآلَ أمر جميع الناس إلى الحيرة و الضلال.

  • و هذه الأشعار الناضجة التي كانت من نسج خاطره، قد كشفت عن حسن ضميره و صفاء نيّته؛ و ذلك لأنّ عقيدة علماء السنّة هي عدم وجوب تعيين وصيّ للّه و نبيّه. فقد أظهر تلويحاً بحسن طويّته و صفاء عقيدته في هذه الأشعار النضرة، و عرّض بمخالفة طريقة الجماعة.

  • أورد القاضي نور الله التستريّ في كتاب «المجالس» في ترجمته:

  • أوْحَدُ المُوَحِّدِينَ مُحْيِي الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيّ العَرَبِيّ الطَّائِيّ الحَاتِمِيّ الأنْدُلُسِيّ، انحدر من عائلة الفضل و الجود، و ارتقى من حضيض التعلّقات و القيود إلى أوج الإطلاق و الشهود. تصل نسبة خرقته بواسطة واحدة إلى الخضر على نبيّنا و عليه السلام. و الخضر حسب تصريح مولانا

    1. مقطع من الآية ٣۰، من السورة ٢: البقرة.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

328
  • قطب الدين الأنصاريّ صاحب «المكاتيب» هو خليفة الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام.

  • روى الشيخ أبو الفتوح الرازيّ في تفسير هذه الآية: ﴿قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ﴾‌۱، أنّ الخضر قال لبعض العرفاء الواصلين: أنا من موالي عليّ و من جملة الموكّلين بشيعته.

  • و قد سمع من بعض الدراويش من سلسلة النوربخشيّة أنّ كلّ مَن أظهر ملاقاته للخضر من مشايخ الصوفيّة أو نسب خرقته إليه فقد أخبر في الحقيقة عن التزامه مذهب الشيعة، و لوّح بعقيدته في باب الإمامة.

  • و كلام الشيخ في «الفتوحات» على الوجه الذي ذُكر، صريح في اعتقاده بإمامة و وصاية الأئمّة الاثني عشر لسيّد البشر صلوات الله عليهم.

  • دلالة «فصّ حكمة إماميّة في كلمة هارونيّة» على تشيّع محيي الدين‌

  • و لقد أومأ بدقّة إلى حديث المنزلة تحت عنوان فَصّ هارونيّ من كتاب «الفصوص». و قد أعرض في رسالته المشهودة عن ذكر إيمانه بإمامة الخلفاء، و نوّه بلطف إلى وجوب الاعتقاد بالامور الواقعة في يوم الغدير و من جملتها تعيين خلافة الأمير عليه السلام، حتى يصل إلى قوله:

  • وَ وَقَفَ في حِجَّةِ وَدَاعِهِ على كُلِّ مَنْ حَضَرَ مِنْ أتْبَاعِهِ، فَخَطَبَ وَ ذَكَرَ وَ خَوَّفَ وَ حَذَّرَ وَ وَعَدَ وَ أوْعَدَ - إلى أن قال: هَلْ بَلَّغْتُ؟! فَقَالُوا: بَلَّغْتَ يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَالَ: اللهُمَّ اشْهَدْ!

  • و يقول كذلك: إنّ جناب غوث المتأخِّرين السيّد محمّد نوربخش نوّر الله مرقده، الذي كان جامعاً للعلوم الظاهريّة و الباطنيّة، قد أكّد صحّة عقيدة الشيخ على أكمل وجه و أتمّه؛ كما أسند إليه القاضي التستريّ هذه الأشعار:

    1. صدر الآية ٢٦، من السورة ٥: المائدة.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

329
  • رَأيتُ وَلَائِي آل طَه وَسِيلَةً***لُارْغِمَ أهْلَ البُعْدِ يُورِثُنِي القُرْبَى‌
  • فَمَا طَلَبَ المَبْعُوثُ أجْراً على الهُدَى‌***بِتَبْلِيغِهِ إلَّا المَوَدَّةَ في القُرْبى‌۱
  • يقول مُطَرِّزُ الأوراق: إنّ عبارة الفصّ الهارونيّ التي بشّر القاضي التستريّ من إشارتها بتشيّعه هي: فَصُّ حِكْمَةٍ إمَامِيَّةٍ في كَلِمَةٍ هَارُوِنيَّةٍ.

  • دلالة عبارة محيي الدين في الفصّ الهارونيّ على حديث المنزلة

  • و يلزم لبيان إشعار هذه العبارة بحديث المنزلة أن نورد شرحاً مبسوطاً لذلك. ينبغي العلم أنّ: حديث المنزلة من الأحاديث المستفيضة، و هو عند البعض من الأحاديث المتواترة؛ فقد روى كلّ من جماعة الشيعة و السنّة ذلك الحديث الشريف على وجه خاصّ.

  • فقد رواه جمال الدين يوسف سبط أبي الفرج الجوزيّ، و هو من فضلاء أهل السنّة و الجماعة، عن أحمد بن حنبل أحد الأئمّة الأربعة لتلك الجماعة بهذه الكيفيّة:

  • قَالَ: آخَى رَسُولُ اللهِ بَيْنَ المُهَاجِرِينَ وَ الأنْصَارِ. فَبَكَى عَلِيّ عَلَيهِ السَّلَامُ. قَالَ رَسُولُ اللهِ: مَا يُبْكِيكَ؟!

  • فَقَالَ: لَمْ تُوَاخِ بَيْنِي وَ بَيْنَ أحَدٍ! فَقَالَ: إنَّمَا ادَّخَرْتُكَ لِنَفْسِي؛ ثُمَّ قَالَ لِعَلِيّ: أنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى!

  • و روى محمّد بن [محمّد بن‌] النعمان المعروف بالشيخ المفيد أعلى‌

    1. وردت جميع المطالب المنقولة عن القاضي نور الله في كتاب «روضات الجنّات» ج ٤، ص ۱٩٥ و ۱٩٦، الطبعة الحجريّة؛ و يقول المرحوم القاضي نور الله في خصوص هذين البيتين في المجلس السادس من «مجالس المؤمنين» ج ٢، ص ٢۸۱: و من أشعار جناب الشيخ في مدائح آل طه هذان البيتان المذكوران في كتاب «الإحياء».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

330
  • الله مقامه و المشهور بابن المعلم، هذا الحديث الشريف في كتابه «الإرشاد» بهذا النحو:

  • لمّا أراد رسول الله صلّى الله عليه و آله الخروج إلى غزوة تبوك استخلف أمير المؤمنين عليه السلام مكانه على المدينة المنوّرة، فأرجف منافقو المدينة به عليه السلام. فلما بلغه إرجافهم به لحق بالنبيّ حتى التحق بموكبه الميمون، و قال له:

  • يَا رَسُولَ اللهِ! إنَّ المُنَافِقِينَ يَزْعَمُونَ أنَّكَ إنَّمَا خَلَّفْتَنِي مَقْتاً وَ اسْتِثْقَالًا!

  • فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ: ارْجِعْ يَا أخِي إلى مَكَانِكَ! فَإنَّ المَدِينَةَ لَا تَصْلَحُ إلَّا بِي أوْ بِكَ. فَأنْتَ خَلِيفَتِي في أهْلِ بَيْتِي وَ دَارِ هِجْرَتِي وَ قَوْسِي!۱ أ مَا تَرْضَى أنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إلَّا أنَّهُ لَا نَبِيّ بَعْدِي؟!

  • و عموماً فقد استنبط رؤساء علماء الإماميّة رضوان الله عليهم أجمعين من هذا الحديث الشريف، البرهان القاطع على خلافة أمير المؤمنين عليه السلام؛ فهم يقولون: إنّ جميع المنازل الهارونيّة ثابتة لأمير المؤمنين عليه السلام بمقتضى هذا الحديث المتواتر، بقرينة عموم المنزلة و وجود استثناء النبوّة، و من جملتها منزلة خلافته لموسى عليه السلام. لذا فإنّ لأمير المؤمنين هو الآخر حسب الميزان العامّ لهذا الحديث، الخلافة بلا فصل لمحمّد صلوات الله عليه و آله كما في هَارُونَ لِمُوسَى.

  • حتّى يصل إلى قوله: و بعد اتّضاح هذه المقدِّمات نقول: باعتبار وجود الرغبة في التشيّع في نفس الشيخ، فإنّ له في عبارته هذه نوعين من البشارة من حديث المنزلة:

    1. في نسخة «الإرشاد» للمفيد: قومي.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

331
  • اولاهما: أنّه نصب في ظاهر العبارة إيهاماً، بحيث يمكن الإيهام من ظاهر العبارة بأنّ القصد منها أن: حكمة الطائفة الإماميّة في الكَلِمَةِ الهَارُونِيَّةِ و هي حديث المنزلة و لفظ «اخْلُفْنِي».

  • و ثانيهما: من أجل مخالفة علماء الجماعة في عقيدتهم في إنكارهم الخلافة الهارونيّة، فقد أورد في عبارته المقام الهارونيّ صريحاً بلفظ «الإمامة» و لم يبالِ بمخالفة تلك الجماعة.

  • و كذلك يروي القاضي التستريّ في ترجمة سلمان الفارسيّ هذه العبارة عن «الفتوحات» دليلًا على حسن طويّة الشيخ:

  • هَذَا شَهَادَةٌ مِنَ النَّبِيّ لِسَلْمَانَ الفَارِسِيّ بِالطَّهَارَةِ وَ حِفْظِ الآلِ، حَيْثُ‌ قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ: سَلْمَانُ مِنَّا أهْلَ البَيْتِ‌؛ وَ شَهِدَ اللهُ لَهُمْ بِالتَّطْهِيرِ وَ ذَهَابِ الرِّجْسِ عَنْهُمْ. وَ إذَا كَانَ لَا يُضَافُ إلَيْهِمْ إلَّا مُطَهَّرٌ مُقَدَّسٌ وَ حَصَلَتْ لَهُ العِنَايَةُ الإلَهِيَّةِ بِمُجَرَّدِ الإضَافَةِ، فَمَا ظَنُّكَ بِأهْلِ البَيْتِ في نُفُوسِهِمْ وَ هُمُ المُطَهَّرُونَ بَلْ عَيْنُ الطَّهَارَةِ؟!۱

  • و عموماً فعلى الرغم من صعوبة إثبات تشيّعه بأمثال هذه العبارات مع وجود كلمات متضافرة اخرى ترجّح سنّيّته، و لكن بعد ملاحظة تضاعيف هذه العبارات التي ملئت بها دفاتره و تصانيفه، فإنّ اليقين العاديّ يحصل بأنّ ضميره قد مُلئ سروراً و بهجة بمحبّة تلك الأرواح المقدّسة، و أنّ قلبه السليم قد اكتسب النور من مشكاة أنوارهم الطاهرة؛ حيث اعتبر جماعة أنّ مناقب الأئمّة الاثنى عشريّة هذه كانت من نتائج فكره و خاطره‌٢، و أنّ ذلك‌

    1. «الفتوحات» ج ۱، ص ۱٩٦، الباب ٢٩.
    2. يقول المرحوم العلّامة استاذنا المكرّم: الشيخ آقا بزرگ الطهرانيّ قدّس الله سرّه في «الذريعة إلى تصانيف الشيعة» ج ۱٣، ص ٢٦۱، الطبعة الاولى، مطبعة المجلس، طهران، سنة ۱٣٦٩: «شرح دوازده إمام» من إنشاء محيي الدين بن العربيّ للحكيم المعاصر السيّد صالح الخلخاليّ (المتوفّى في سنة ۱٣۰٦ هـ. ق) تلميذ الحكيم الميرزا أبي الحسن جلوه. ذكر في «المآثر و الآثار» أنّه ألّفه لمحمّد حسن خان صنيع الدولة ثمّ اعتماد السلطنة، و هو فارسيّ كما ذكره في «دانشمندان آذربايجان»، و قد طبع بطهران. و يقول في «الذريعة» ج ۸، ص ٢٦٩، تحت الرقم ۱۱٣٩: «دوازده إمام» يُنسب إلى محيي الدين بن العربيّ أبي عبد الله محمّد بن علي بن محمّد الطائيّ الأندلسيّ المكّيّ الشاميّ المدفون بصالحيّة دمشق في سنة ٦٣۸ هـ. ق. و يقول في «الذريعة» ج ٢٢، ص ٣۱۷ و ٣۱۸: «المناقب» مرّ بعنوان «دوازده إمام» منسوباً إلى محيي الدين بن العربيّ، و لعلّه من إنشاء العَيانيّ الخَفْريّ المذكور في ج ٩، ص ۷۷۷.
      و يقول في «الذريعة» ج ٩، ص ۷۷۷: العَيانيّ الخَفْريّ هُوَ مُحَمَّدُ بْنَ مَحْمُود الشِّيرَازِيّ المتخلّص: عيانيّ، الملقب: دَهدار، صاحب «خلاصة الترجمان» الذي ألّفه ۱۰۱٣، و «جامع الفوائد»، ألّفه بعد الرجوع من الهند.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

332
  • التصنيف الشريف آية محكمة على سلامة طويّته، و عدّوه برهاناً أعظم على قوّة إيمانه۱.

  • مطالب محيي الدين في الفصّين الداوديّ و الإسحاقيّ‌

  • ثمّ يتوسّع شارح «المناقب» هنا في المطلب، فيورد شرحاً مفصّلًا لأحوال السالكين في البدايات و النهايات، حتّى يصل إلى قوله:

  • و كما يقول محيي الدين نفسه في الفصّ الداوديّ:

  • وَ لِلَّهِ في الأرْضِ خَلَائِفُ عَنِ اللهِ هُمُ الرُّسُلُ، وَ أمَّا الخِلافَةُ اليَوْمَ، فَعَنِ الرُّسُلِ لَا عَنِ اللهِ، فَإنَّهُمْ لَا يَحْكِمُونَ إلَّا بِمَا شَرَعَ لَهُمُ الرَّسُولُ وَ لَا يَخْرُجُونَ عَنْ ذَلِكَ. غَيْرَ أنَّ هُنَا دَقِيقَةً لَا يَعْلَمُهَا إلَّا أمْثَالُنَا وَ ذَلِكَ في أخذِ مَا يَحْكِمُونَ بِهِ عَمَّا هُوَ شَرْعٌ لِلرَّسُولِ.

  • فَقَدْ يَظْهَرُ مِنَ الخَلِيفَةِ مَا يُخَالِفُ حَدِيثاً مَا مِنَ الحُكْمِ فَيُتَخَيَّلُ أنَّهُ مِنَ الاجْتِهَادِ وَ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَ إنَّمَا هَذَا الإمَامُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ مِنْ جَهَةِ الكَشْفِ‌

    1. شرح مناقب ص ٣۷ الي ٤۸ الءبعه الحجريه.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

333
  • ذَلِكَ الخَبَرُ عَنِ النَّبِيّ، وَ لَوْ ثَبَتَ لَحَكَمَ بِهِ؛ وَ إنْ كَانَ الطَّرِيقُ فِيهِ العَدْلَ عَنِ العَدْلِ، فَمَا هُوَ بِمَعْصُومٍ مِنَ الوَهْمِ وَ لَا مِنَ النَّقْلِ على المعنى؛ فَمِثْلُ هَذَا يَقَعُ مِنَ الخَلِيفَةِ اليَوْمَ.

  • و يقول أيضاً في الفصّ الإسحاقيّ:

  • فَمَنْ شَهِدَ الأمْرَ الذي قَدْ شَهِدْتُهُ‌***يَقُولُ بِقَولِي في خِفَاءٍ وَ إعْلَانِ‌
  • وَ لَا تَلْتَفِتْ قَوْلًا يُخَالِفُ قَوْلَنَا***وَ لَا تَبْذُرِ السَّمْرَاءَ۱ في أرْضِ عُمْيَانِ‌٢
  • كما ذكر صدر الحكماء و المتألّهين صدر الدين الشيرازيّ حاصل هذا التقرير في موارد متعدّدة، من جملتها قوله في كتاب «المفاتيح»:

  • فَالوَاجِبُ على الطَّالِبِ المُسْتَرْشِدِ اتِّبَاعُ عُلَمَاءِ الظَّاهِرِ في العِبَادَاتِ وَ مُتَابَعَةُ الأوْلِيَاءِ في السَّيْرِ وَ السُّلُوكِ، لِيَفْتَحَ لَهُ أبْوَابُ الغَيْبِ.

  • وَ عِنْدَ هَذَا الفَتْحِ يَجِبُ لَهُ العَمَلُ بِمُقْتَضَى عِلْمِ الظَّاهِرِ وَ البَاطِنِ مَهْمَا أمْكَنَ. وَ إنْ لَمْ يُمْكِنِ الجَمْعُ بَيْنَهُمَا، فَمَا دَامَ لَمْ يَكُنْ مَغْلُوباً لِحُكْمِ الوَارِدَةِ وَ الحَالِ أيْضاً يَجِبُ عَلَيهِ اتِّبَاعُ العِلْمِ الظَّاهِرِ، وَ إنْ كَانَ مَغْلُوباً لِحَالِهِ بِحَيْثُ يَخْرُجُ عَنْ مَقَامِ التَّكْلِيفِ فَيَعْمَلُ بِمُقْتَضَى حَالِهِ، لِكَوْنِهِ في حُكْمِ المَجْذُوبِينَ.٣

  • وَ كَذَلِكَ العُلَمَاءُ الرَّاسِخونَ؛ فَإنَّهُمْ في الظَّاهِرِ مُتابِعونَ لِلْفُقَهَاءِ المُجْتَهِدِينَ، وَ أمَّا في البَاطِنِ فَلَا يَلْزَمُ لَهُمُ الإتِّبَاعُ، لِشُهُودِهِمُ الأمْرَ على مَا

    1. السمراء: الحنطة.
    2. عُميان: الأرض البَوار التي لا تصلح للزراعة.
    3. الذين شملتهم الجذبة الإلهيّة و أخرجتهم من الإرادة و الاختيار.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

334
  • فِي نَفْسِهِ.

  • فَإذَا كَانَ إجْمَاعُ عُلَمَاءِ الظَّاهِرِ في أمْرٍ مُخَالِفَ مُقْتَضَى الكَشْفِ الصَّحِيحِ المُوَافِقِ لِلْكَشْفِ الصَّرِيحِ النَّبَوِيّ وَ الفَتْحِ المُصْطَفَوَيّ، لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَيهِمْ.

  • فَلَوْ خَالَفَ في عَمَلِ نَفْسِهِ مَن لَهُ المُشَاهَدَةُ وَ الكَشْفُ إجْمَاعَ مَن لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مَلُوماً في المُخَالَفَةِ وَ لَا خَارِجاً عَنِ الشَّرِيعَةِ، لأخْذِهِ ذَلِكَ عَنْ بَاطِنِ الرَّسُولِ وَ بَاطِنِ الكِتَابِ وَ السُّنَّةِ - انتَهَى.

  • لكنّ بلوغ هذه المرتبة لا يحصل إلّا للنادر من العرفاء و الأوحديّ من الناس، كما يقول الشيخ الرئيس حسين بن عبد الله بن سينا:

  • ز منزلات هوس گر برون نهى گامى‌***نزول در حرم كبريا توانى كرد
  • وليك اين عمل رهروان چالاك است‌***تو نازنين جهانى كجا توانى كرد۱
  • و على العموم فلأنّ من كانوا بهذه الكيفيّة يعدّون أنفسهم من أصحاب مقامات المكاشفة، فإنّهم يجعلون جميع أحكامهم وفق مشاهداتهم الشخصيّة. لذا فإنّ بعض المتتبّعين لكتبهم، يجد فيها جملة من أحكام هؤلاء الأشخاص توافق قواعد الشيعة فيحكم بتشيّعهم، بينما يجد البعض الآخر أحكاماً اخرى توافق قوانين أهل الجماعة فيعدّهم من أتباع علماء السنّة و جماعتهم؛ كما يرى البعض اختلاف مدارك هذه الأحكام و يجد

    1. يقول: «إن خطوتَ خطوةً خارج منازل الهوي و الهوس، لأمكنك النزول في حرم الكبرياء.
      لكن هذا مسلك السائرين من ذوي الحزم، فأنّي لك ذلك و أنت المنعّم في الدنيا؟!».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

335
  • بعض تلك الأحكام موافقاً لرأى السنّة و بعضها موافقاً لرأى الشيعة، لكنّه لم يطّلع على علّة و منشأ تلك الاختلافات، لذلك نراه ينسب لهؤلاء الأشخاص التجرّد و التردّد في المذهب و عدم الاستقلال في رأي واحد.۱

  • و قد نقل شارح «المناقب» عن السيّد الاستاذ الميرزا أبي الحسن جلوه قوله: إنّ من بين الأشخاص الذين كانت لهم المبادرة البليغة في باب تشيّع الشيخ، القاضي السيّد القمّيّ، فقد أورد في كتابه «شرح الأربعين» كلمات صريحة في تشيّع الشيخ التقطها من كتاب «الفتوحات المكّيّة» فأدرجها هناك.٢

  • أقول: أورد محيي الدين في «فصوص الحكم» الفصّ الداوديّ، عبارة مفادها عدم نصّ رسول الله على خلافة أحد من بعده، يقول:

  • وَ كَذَلِكَ أخْذُ الخَلِيفَةِ عَنِ اللهِ عَيْنُ ما أخَذَهُ مِنْهُ الرَّسُولُ. فَنَقُولُ فِيهِ بِلِسانِ الكَشْفِ: خَلِيفَةُ اللهِ، وَ بِلِسَانِ الظَّاهِرِ: خَلِيفَةُ رَسُولِ اللهِ.

  • وَ لِهَذَا مَاتَ رَسُولُ اللهِ صلّى اللهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ مَا نَصَّ بِخِلَافَتِهِ عَنهُ إلى أحَدٍ وَ لَا عَيَّنَهُ، لِعِلْمِهِ أنَّ في امَّتِهِ مَن يَأخُذُ الخِلافَةَ عَن رَبِّهِ، فَيَكُونُ خَلِيفَةً عَنِ اللهِ مَعَ المُوَافَقَةِ في الحُكْمِ المَشْرُوعِ. فَلَمَّا عَلِمَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صلّى اللهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ لَمْ يَحْجُرِ٣ الأمْرَ.٤

  • ردّ القائد العظيم للثورة على الفصّ الداوديّ من «فصوص الحكم»

  • و يجيب القائد المعظّم للثورة: آية الله الخمينيّ أعلى الله درجته في تعليقاته على «شرح فصوص الحكم» إجابة رائعة و جميلة على هذا الكلام،

    1. «شرح المناقب» ص ٥۷ إلي ٦۱، الطبعة الحجريّة.
    2. «شرح المناقب» ص ٦٢، الطبعة الحجريّة.
    3. حَجَرَه يَحْجُره حجْراً و حجراناً بتثليث الحاء في المصدرَين: مَنَعه، حَجَر علَيه القاضي: مَنَعه من التَّصرُّفِ بِمالِه؛ و حَجْراً و مَحْجَراً علَيه الأمر: حَرّمه.
    4. «شرح فصوص الحكم» قيصري، ص ٣۷٣، الطبعة الحجريّة.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

336
  • فيقول:

  • قَوْلُهُ: «وَ مَا نَصَّ بِخِلَافَتِهِ عَنُهُ»، الخِلافَةُ المَعْنَويَّةُ التي هي عِبَارَةٌ عَنِ المُكَاشَفَةِ المَعْنَوِيَّةِ لِلْحَقَائِقِ بِالاطِّلَاعِ على عَالَمِ الأسْمَاءِ أوِ الأعْيَانِ لَا يَجِبُ النَّصُّ عَلَيهَا، وَ أمَّا الخِلافَةُ الظَّاهِرَةُ التي هي مِن شُئونِ الإنْبَاءِ وَ الرِّسَالَةِ التي هي تَحْتَ الأسْمَاءِ الكَوْنِيَّةِ فَهِيَ وَاجِبٌ إظْهَارُهَا. وَ لِهَذَا نَصَّ رَسُولُ اللهِ صلّى اللهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ على الخُلَفَاءِ الظَّاهِرَةِ.

  • وَ الخِلافَةُ الظَّاهِرَةُ كَالنُّبُوَّةِ تَكُونُ تَحْتَ الأسْمَاءِ الكَوْنِيَّةِ.

  • فَكَمَا يَكُونُ النُّبُوَّةُ مِنَ المَنَاصِبِ الإلَهِيَّةِ التي مِنْ آثَارِهَا الأوْلَوِيَّةِ على الأنْفُسِ وَ الأمْوَالِ، فَكَذَا الخِلافَةُ الظَّاهِرَةُ؛ وَ المَنْصَبُ الإلَهِيّ أمْرٌ خَفيّ على الخَلْقِ لَا بُدَّ مِنْ إظْهَارِهِ بالتَّنْصِيصِ.

  • وَ لَعَمْرُ الحَبِيبِ يَكُونُ التَّنْصِيصُ على الخِلافَةِ مِنْ أعْظَمِ الفَرَائِضِ على رَسُولِ اللهِ صلّى اللهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ. فَإنَّ تَضْيِيعَ هَذَا الأمْرِ الخَطِيرِ الذي بِتَضْيِيعِهِ يَتَشَتَّتُ أمْرُ الامَّةِ وَ يَخْتَلُّ أسَاسُ النُّبُوَّةِ وَ يَضْمَحِلُّ آثَارُ الشَّرِيعَةِ، مِنْ أقْبَحِ القَبَائِحِ التي لَا يَرْضَى أحَدٌ أنْ يَنْسِبَهَا إلى أوْسَطِ النَّاسِ فَضْلًا عَن نَبِيّ مُكَرَّمٍ وَ رَسُولٍ مُعَظَّمٍ. نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرورِ أنْفُسِنَا - تَدَبَّرْ!۱

  • أقول: بالرغم من أنّ كتب محيي الدين مشحونة بمناقب أهل البيت عليهم السلام، ككتاب «محاضرة الأبرار و مسامرة الأخيار»، إلّا أنّ أساس مطالبه على اصول أهل السنّة، كمثل هذا الفصّ الداوديّ الذي ذكر، أمّا في فتوحاته المكّيّة الذي ألّفه في مكّة فليس فيه ما يوافق اصول السنّة، ثمّ هاجر إلى دمشق فألّف كتابه «فصوص الحكم» هناك.

    1. «تعليقات علي شرح فصوص الحكم و مصباح الانس» لسماحة آية الله العظمي الخمينيّ، ص ۱٩٦ و ۱٩۷ نشر مؤسّسة پاسدار إسلام.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

337
  • يقول القاضي نور الله التستريّ: بسبب ظروف التقيّة الشديدة في الشام و التي لم يجرأ أحد بسببها أن يتحدّث عن التشيّع، فقد اجبر الشيخ على كتمان ولائه، و سار في كتبه على نهج العامّة و نحوهم.

  • و قد ذكر القاضي في كتاب «مجالس المؤمنين» ترجمة الشيخ مفصّلًا، حتّى يصل إلى قوله:

  • لقد قام السيّد محمّد نور بخش نوّر الله مرقده -و كان جامعاً للعلوم الظاهريّة و الباطنيّة- بتزكية عقيدة الشيخ على أكمل وجه، و قال في بعض رسائله المشهورة: كان الشيخ محيي الدين معذوراً في كتمان حب آدم الأولياء: عليّ المرتضى عليه السلام، و ذلك لأنّ المملكة كانت مرتع المتعصّبين، و كان للشيخ أعداء كثيرون يقصدون قتله.

  • حتّى يقول: و قد اعترف الشيخ علاء الدولة السمنانيّ مع تصلّبه المعروف في فقاهته بعظمة الشيخ، فخاطبه في كثير من حواشي «الفتوحات» بألفاظ:

  • أيُّهَا الصَّدِيقُ، وَ أيُّهَا المُقَرَّبُ، وَ أيُّهَا الوَلِيّ، وَ أيُّهَا العَارِفُ الحَقَّانِيّ،

  • لكنّه خطّأه في قوله بأنّ الحقّ تعالى وجود مطلق، وَ لَيْسَ هَذَا أوَّلُ قَارُورَةٍ كُسِرَتْ في الإسْلَامِ؛ فقد قام كذلك الكثير من علماء الشام بتكفير الشيخ محيي الدين و تضليله.

  • العامّة يقتلون الشيعة بتهمة الرفض و يدعون الكفّار و الملحدين‌

  • ثمّ يتابع القاضي الشهيد المطلب حتّى يصل إلى القول:

  • و هذه التقيّة و الخوف هي من أهل السنّة، فقد كانوا من شدّة تعصّبهم و ضلالتهم يحمون الكافر المحارب المتظاهر بالفسق و يرعونه و يساندونه، في حين يصل الأمر بهم مع الشيعيّ المتّقي إلى القتل و الإحراق، حتّى وصل الأمر في ولاية الشام و محلّ الحكم المشئوم لبني اميّة و أتباعهم و مقلّديهم و في بلاد ما وراء النهر التي فتحت في زمن اولئك الفراعنة و وصلت‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

338
  • الأحكام المبتدعة و العادات المخترعة لُاولئك القوم؛ بحيث لو قال كافر هناك: إنّ محمّداً ليس رسول الله لما تعرّضوا له بسوء، أمّا لو قال مسلم: عليّ وليّ الله لنسبوه إلى الرفض و لصار في معرض القتل و الإحراق من قِبَلهم، حتّى صاروا يلقِّبون بهاء الدين نَقْشْبَنْد الذي ادّعى كذباً و تلفيقاً أنّه «شيخ» باسم وليّ الله، و صاروا يستمدّون البركات من باطنه القاتم المظلم.

  • و يؤيِّد ذلك ما أورده أبو بكر البيهقيّ في كتابه الذي ألّفه في مناقب الشافعيّ، قال فيه: قيل للإمام الشافعيّ: إنّ الجماعة لا يصبرون على سماع صفة أو فضيلة تذكرها في شأن أهل البيت، فهم كلّما سمعوا شخصاً يذكر من هذه المقولة شيئاً قالوا: دعوا هذا فهو حديث الروافض! فأنشأ الإمام الشافعي آنذاك هذه الأبيات:

  • إذَا مَا في مَجْلِسٍ نَذْكُرْ عَلِيًّا***وَ سِبْطَيْهِ وَ فاطِمَةَ الزَّكِيَّةْ
  • يُقَالُ: تَجَاوَزُوا يَا قَوْمِ هَذَا***فَهَذَا مِنْ حَديثِ الرَّافِضِيَّةْ
  • بَرِئْتُ إلى المُهَيْمِنِ مِنْ انَاسِ‌***يَرَوْنَ الرَّفْضَ حُبَّ الفَاطِمِيَّةْ
  • و يؤيّد ذلك أنّه لو بادر أحد في بلادهم إلى الزنا و اللواط التي لا تحلّها أيّة شريعة لما تعرّضوا له، لكنّه لو أقدم على نكاح المتعة التي أحلّها الله و رسوله، و حكم عمر بحرمتها خِلَافاً على اللهِ وَ رَسُولِهِ لعدّوا فعله ذلك رفضاً لاتّباع الله و رسوله و أهل بيته، و لسعوا في قتله.

  • و قد أورد الشيخ محمّد بن أبي جمهور في بعض مؤلّفاته إنّ شخصاً من أهل السنّة في دمشق كان له جارة أرملة، فكان يرى رجلًا غريباً يتردّد على بيتها كلّ يوم، فسأله: ما علّة مجيئك إلى بيت هذه المرأة؟

  • قال: تزوّجتها بنكاح المتعة. فلمّا سمع ذلك السنّيّ قوله استبدت به عصبيّته، فأمسكه و جرّه من شعر رأسه إلى السوق منادياً:

  • تعالوا أيّها المسلمون! فلقد أمسكت رافضيّاً مستحلًّا للمتعة!

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

339
  • فاجتمع عليه خلق كثير من السنّة من كلّ صوب، و جرّوا ذلك الغريب المسكين إلى القاضي. فسأل القاضي:

  • ما بالكم مع هذا الرجل الغريب؟!

  • قالوا: يقول: تمتّعت بجارة فلان.

  • فنهض أحد نوّاب القاضي -و كان يخفي تشيّعهـ و قال للقاضي: ائذن لي باستجواب هذا الرجل على انفراد! فأذن له القاضي.

  • فخلا به ذلك النائب، و قال له: إن أردت نجاتك فعليك أن تقول أمام القاضي: لقد زنيت.

  • ثمّ عاد إلى القاضي، فقال: هذا الرجل الغريب مظلوم، فهو يقول غير ما يقوله هؤلاء الجماعة.

  • فاستفسر القاضي عن الأمر من الرجل، فاعترف بالزنا كما علّمه النائب، فأطلق القاضي سراحه و كفّ عنه اولئك الذين جاءوا به معتذرين بقولهم: لقد سمعناه يقول: تمتّعت، و لو قال: زنيت، لما تعرّضنا له.

  • ثمّ تفرّق ذلك الجمع و نجا ذلك الرجل الغريب من شرّهم باعترافه بالزنا! و للّه در القائل:

  • زناؤُكُم تَعْفُونَ عَنْهَا وَ مَنْ أتَى‌***إلَيْكُمْ مِنَ المُسْتَمْتِعِينَ قَتَلْتُمُ‌
  • و سمع من بعض الثقات أنّه حدث في بداية حكم الملك الغازيّ السلطان جلال الدين محمّد أكبر أن قام مخدوم الملك الهنديّ، و كان قبل ذلك مخدوماً لابن مروان الحمار، بإصدار فتوى بقتل آحاد الشيعة من ملازمي ذلك الملك، فقتل على إثر ذلك المير حبشي تربتي و الميرزا مقيم الهرويّ. لذا فقد اصيب الملّا غزالي المشهديّ بالخوف و الاضطراب من مشاهدة تلك الحال، فلجأ إلى الملّا قاسم الكاهيّ المشهور و كان صوفيّاً

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

340
  • ملامتيّاً۱، و كانت طائفة جغتاي يتابعونه، فشرح له الأمر و سأله تدبيراً لخلاصه. فقال مولانا قاسم: التدبير أن تتظاهر مثلي بالإلحاد لتكون في أمان من أذى هذه الطائفة!٢

  • كان المرحوم القاضي يعتبر محيي الدين و الملّا الروميّ كاملين و من الشيعة

  • لقد كان سماحة الحاجّ السيّد هاشم الحدّاد قدّس الله روحه يقول: كان للمرحوم السيّد (القاضيّ) اهتمام كبير بمحيي الدين بن عربي و كتابه «الفتوحات المكّيّة»، و كان يقول: إنّ محيي الدين من الكاملين، و هناك في فتوحاته شواهد و أدلّة جمّة على كونه من الشيعة، و هناك مطالب كثيرة فيه تُناقض الاصول المسلّمة لأهل السنّة.

  • لقد كتب محيي الدين كتاب «الفتوحات» في مكّة المكرّمة، ثمّ بسط جميع أوراقه على سقف الكعبة و تركها سنة لتمحا المطالب الباطلة منها -إن وجدت- بهطول الأمطار، فيتشخّص الحقّ منها عن الباطل. و بعد سنة من هطول الأمطار المتعاقبة جمع تلك الأوراق المنشورة فشاهد أنّ كلمة واحدة منها لم تُمحَ و لم تُغسلْ.

  • كما كان يعدّ الملّا الروميّ أيضاً عارفاً رفيع المرتبة، و يستشهد بأشعاره؛ و يعتبره من الشيعة المخلصين لأمير المؤمنين عليه السلام.

  • و كان المرحوم القاضي يقول بأنّ: من المحال أن يصل امرؤ إلى مرحلة الكمال فلا تصبح حقيقة الولاية مشهودة لديه. و كان يقول:

  • إنّ الوصول إلى التوحيد ينحصر بالولاية؛ الولاية و التوحيد هما

    1. الملامتيّة جماعة من الصوفيّة لهم منهج خاصّ في السلوك يتلبّسون ببعض المناهي كي يُعاب عليهم فيرفضهم الناس، و من هنا اطلق علي منهجهم بالمنهج الملامتيّ.
    2. «مجالس المؤمنين» في ترجمة محيي الدين محمّد بن علي العربيّ الطائيّ الحاتميّ الأندلسيّ، ص ٢۸۱ إلي ٢۸٣، المجلس السادس، الطبعة الحجريّة.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

341
  • حقيقة واحدة.

  • و عليه فإنّ العظماء المعروفين و المشهورين من عرفاء أهل السنّة، إمّا أنّهم كانوا يعملون بالتقيّة و يخفون تشيّعهم، أو أنّهم لم يصلوا إلى الكمال.

  • و كان سماحة الحاجّ السيّد هاشم يقول: كان للمرحوم القاضي كذلك دورة من «الفتوحات المكّيّة» باللغة التركيّة يطالعها و ينظر فيها أحياناً.

  • و كان سماحة آية الله الشيخ عبّاس القوجانيّ يقول: كنت أذهب يوميّاً قبل الظهر إلى محضر المرحوم القاضي لساعتين، و هو الوقت الذي يتشرّف فيه جميع تلامذته و المشغوفون به بالحضور عنده. و كنت في هذه السنوات الأخيرة أقرأ له كتاب «الفتوحات» فكان يستمع لي، فإذا ورد علينا شخص غريب فقد كنتُ أقطع قراءتي فيتكلّم المرحوم القاضي عن مواضيع اخرى.

  • مقارنة بين شعر حافظ الشيرازيّ و ابن الفارض المصريّ‌

  • و لقد كان المرحوم القاضي رحمة الله عليه يعتبر حافظ الشيرازيّ عارفاً كاملًا، و يفسّر أشعاره المختلفة على أنّها شرح منازل السلوك و مراحله، لكنّه كان يعتقد أنّ ابن الفارض تلميذ محيي الدين كان أكمل منه. و كان يذكر لهذا الأمر شواهد من «ديوان حافظ» و من أشعار ابن الفارض في «نظم السلوك» (التائيّة الكبرى). و كان يقول في جملتها:

  • يقول حافظ في تمثيل و بيان أصالة عشق و محبّة الله و الوَلَه و التَّيمان به:

  • عشق تو در وجودم و مهر تو در دلم‌***با شير اندرون شد و با جان به در شود۱
    1. «ديوان حافظ» تصحيح الدكتور رشيد عيوضي و الدكتور أكبر بهروز، ص ٢٣٥، طبعة انتشارات أمير كبير، سنة ۱٣٦٣. يقول: «ورد عشقك في وجودي و حبّك في قلبي مع اللبن الذي رضعتُه، و لن يخرج إلّا مع روحي».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

342
  • و يبيّن ابن الفارض هذه المحبّة و العشق بهذا التعبير:

  • وَ عِنْدِي مِنْهَا نَشْوَةٌ قَبْلَ نَشْأتِي‌***مَعِي أبَداً تَبْقَى وَ إنْ بَلِيَ العَظْمُ‌۱
  • أي إنّ عشقي و سكري من شرابه كان قبل خلقي و إيجادي و سيبقى هكذا إلى الأبد و لو بليت عظامي و نخرت.

  • فلقد جعل حافظ بدء العشق مقترناً من بدء الخلقة المادّيّة و الطبيعيّة و قرن نهايته بالموت الطبيعيّ، لكن ابن الفارض يعتبر بدايته قبل الخلقة بآلاف السنين و هو باق و مستمرّ إلى النهاية بعد الخلقة.

  • و حقّاً فقد ضمّن ابن الفارض في هذه النكتة الواردة في هذا البيت معنى التجرّد عن الزمان و المكان للنفس الآدميّة، و عدّ لها الأبديّة و الأزليّة في سير مدارج النزول و الصعود، بينما لم يبلغ شعر حافظ هذه الذروة.

  • يقول ابن الفارض في البيت اللاحق:

  • عَلَيكَ بِهَا صِرْفاً وَ إنْ شِئْتَ مَزْجَهَا***فَعَدْلُكَ عَنْ ظَلْمِ الحَبِيبِ هُوَ الظُّلْمُ‌
  • و الظَّلْم بالظاء المفتوحة هو الريق و ماء الفم، فيكون معنى البيت:

  • عليك بذات المحبوبة و نفسها (و عدم التنازل عنها إلى غيرها) و إن شئتَ أحياناً التنازل عن ذاتها و نفسها فأردت مزج تلك الذات الصرفة و النفس المجرّدة النورانيّة بشي‌ء آخر، فلا تتعدّ ريقها و رحيقها و امزجه بذات المحبوبة؛ و لا تلتفت إلى شي‌ء آخر غير رحيق فمها، لأنّ ذلك ظلم،

    1. «ديوان ابن الفارض» ص ۱٤٣، السطر ٣٥، القصيدة الميميّة، طبعة دار صادر، بيروت، سنة ۱٣۸٢ هـ. ق.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

343
  • بل هو الظلم الأوحد.

  • كان يقول المرحوم القاضي: المراد من «ظَلْم الحَبيب» آل محمّد عليهم السلام، لأنّ في هذا البيت دعوة إلى التوحيد المحض و الاستغراق في الذات الأحديّة و عدم التنازل عنها بأي شي‌ء آخر يمكن فرضه و تصوّره. أمّا آل محمّد عليهم السلام في هذا التعبير العرفانيّ الراقي و الكناية السلوكيّة البديعة، فهم بمنزلة ظَلم الحبيب، أي ريق الحبيب الذي هو أعذب و ألذّ من أيّ شي‌ء آخر، و أكثر بعثاً على الطمأنينة و الراحة، و بغضّ النظر عن نفس الحبيب؛ فليس هناك شي‌ء آخر بحلاوته.

  • و من ثمّ ففي مقام الكثرة و التنزّل عن تلك الوحدة الحقيقيّة، فاعدلْ فقط إلى آل محمّد عليهم السلام و امزجهم معها، فليس في أيّة من نشآت عالم الوجود من الملك و الملكوت بمثابتهم موجود يبعث على الطمأنينة، و لا كمثلهم شي‌ء في سعة الولاية و شمول الآيتيّة و الأقربيّة من الذات الأحديّة.

  • إنّ ارتضاع شفاه الحبيب و ارتشاف رحيق فمه هو -بلحاظ القرب و الفناء و الاندكاك في وجود ذات الحبيب و نفسهـ من أشدّ الأشياء و أكثرها إظهاراً للاتّحاد بنفس الحبيب، و أكثرها حكاية عن نفس الحبيب عند مزجها بشي‌ء آخر. و لقد جعل آل محمّد عليهم السلام في هذا التشبيه و الاستعارة البديعة العرفانيّة، متّحدين و متوحّدين مع الذات الأحديّة و الفناء و الاندكاك في ذات مَا لَا اسْمَ لَهُ وَ لَا رَسْمَ لهُ بالشكل الذي لا يتصوّر أقرب منه.

  • و عليه، فإنّ ظَلم الحبيب اللازم في مقام البقاء بعد الفناء، و الضروريّ للسالك لن يكون شيئاً غير عترة خاتم الأنبياء و غير آل محمّد عليهم السلام.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

344
  • و الشاهد على هذا المدعى ما يقوله هذا العارف الجليل في يائيّته:

  • ذَهَبَ العُمْرُ ضَيَاعاً وَ انْقَضَى‌***بَاطِلًا إذْ لَمْ أفُزْ مِنْكُمْ بِشَي‌
  • غَيْرَ مَا اولِيتُ مِنْ عِقْدِي وَ لَا***عِتْرَةِ المَبْعُوثِ حَقَّاً مِنْ قُصَي‌۱
  • أي إنّ حاصل قضاء عمر في السير و السلوك إلى الله هو الوصول إلى ولاية العترة الطاهرة و عقد الولاء لهم الذي وُهِبَ لي و اوليتُه ففزت بذلك و نلت مناي.

  • و يستفاد من ذلك أوّلًا: إنّ السير و السلوك الصحيح المنزَّه عن الغشّ و الخالص من شوائب النفس الأمّارة، يوصل السالك آخر المطاف إلى العترة الطيّبة، و يمتّعه من أنوارهم الجماليّة و الجلاليّة في مرحلة كشف الحجب. و إنّ ابن الفارض الذي كان من العامّة و متّبعاً لمذهب السنّة بشكل مسلّم، حتّى أنّ كنيته و اسمه هما أبو حفص عمر، قد ارتوى آخر الأمر و العمر من شراب مَعِين الولاية، و أنّه سعد و استفاض من رحيق فم محبوب الأزل.

  • كلام القاضي و الحدّاد: الوصول إلى التوحيد بدون الولاية أمر محال‌

  • و ثانياً: و كما قال المرحوم القاضي قدّس الله نفسه، فإنّ الوصول إلى‌

    1. «ديوان ابن الفارض» القصيدة اليائيّة التي مطلعها، سَائِقُ الأظْعانِ يَطْوِي البَيْدَ طَي، ص ٢٥. و قد كتب العالم العزيز و المحقّق الجليل صديقنا القديم الحاجّ السيّد جلال الدين الآشتيانيّ دامت بركاته في مقدِّمة كتاب «مشارق الدراريّ» لسعيد فرغاني، ص ۱۱:يعتقد ابن الفارض في هذا الأثر حسب نهج التحقيق و الاختيار بأنّ جهة ولاية خاتم الأنبياء لا تنقطع، و أنّ الوليّ الكامل في كل عصر و القائم بمقام النبوّة و وارث هذا المقام هم العترة و أهل بيت النبوّة، لذا فهو يقول:
      بِعِتْرَتِهِ اسْتَغْنَتْ عَنِ الرُّسُلِ الوَرَى***وَ أوْلَادِهِ الطَّاهِرِينَ الأئِمَّةِ
      و قد ورد في بعض النسخ المطبوعة و الخطّيّة للتائيّة عبارة «وَ أصْحَابِهِ الطَّاهِرِينَ»؛ و باعتبار أنّ بعض النسّاخ من أهل السنّة، فقد أبدلوا «أوْلَادِهِ» إلى «أصْحَابِهِ».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

345
  • مقام التوحيد و السير الصحيح إلى اللهِ و عرفان ذات أحديّته عَزَّ اسمه محال بدون ولاية أئمّة الشيعة و الخلفاء الحقيقيّين: عليّ بن أبي طالب و أولاده من البتول العذراء صلوات الله عليهم. و هذا الأمر مشهود لابن الفارض، و قد ثبت و تحقّق لكثير من العرفاء الأجلّاء، كمحيي الدين بن عربي، و الملّا محمّد الروميّ، و فريد الدين العطّار النيسابوريّ و أمثالهم.

  • و حاصل الأمر إنّه بواسطة الارتباط الدقيق لمعاني «الفتوحات» مع أشعار ابن الفارض، و بالأخذ بنظر الاعتبار كون محيي الدين بن عربي استاذ ابن الفارض المصريّ، و تناغم و انسجام أقوالهما في السير و السلوك بل تشابهها و اتّحادها، و باعتبار أنّ نتيجة سلوك ابن الفارض كانت الوصول إلى ولاء أهل بيت العصمة، فإن هذه النتيجة و الثمرة يمكن مشاهدتها في سلوك و سير محيي الدين أيضاً.

  • كان المرحوم القاضي يقول: قال محيي الدين يوماً لابن الفارض: من الأفضل أن تكتبوا شرحاً لديوانكم!

  • فردّ ابن الفارض: أيّها الاستاذ! إنّ فتوحاتكم المكّيّة هي شرح لديواني!

  • ينقل فخر العلماء و المفسِّرين و رأس أهل الرواية و المحدِّثين و عَلَم الحكماء و العارفين المرحوم المحقّق الفيض الكاشانيّ في كتابه «كلمات مكنونة» مطلباً عن محيي الدين يسطع و يتوهّج كالشمس إلى يوم القيامة و يشعّ متلألئاً إلى الأبد كخطوط منقوشة بالأنوار الملكوتيّة على طلعة الافق الزرقاء؛ يقول:

  • وَ قالَ صَاحِبُ «الفُتُوحَاتِ» بَعْدَ ذِكْرِ نَبِيِّنَا صلّى اللهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ أنَّهُ أوَّلُ ظاهِرٍ في الوُجُودِ؛ قَالَ:

  • وَ أقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ عَلِيّ بْنُ أبي طالِبٍ، إمَامُ العَالَمِ وَ سِرُّ الأنْبِيَاءِ

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

346
  • أجْمَعِينَ.۱

  • تحقيق للحقير حول سير و سلوك الافراد من الاديان و المذاهب‌

  • تحقيق من الحقير حول سير و سلوك الأفراد

  • من الأديان و المذاهب المختلفة من العامّة و غيرهم‌

  • و نتيجته السلبيّة أو الإيجابيّة في الوصول للتوحيد

  • و عرفان ذات الحقّ المتعال‌

  •  

  • الحقّ في الخارج واحد لا غير، لأنّه بمعنى أصل الوجود و التحقّق، و معلوم أنّ حقيقة الوجود و الموجود لا تتغيّر و لا تتبدّل؛ و في مقابله الباطل الذي هو بمعنى غير الأصيل و المعدوم غير المتحقّق.

  • و الذين يمتلكون إرادة السير و السلوك إلى الله و حقيقة الحقائق و أصل الوجود و علّة العلل و مبدأ الوجود و مُنتهاه، سواء كانوا مسلمين أم غير مسلمين من يهود و نصارى و مجوس و أتباع بوذا و كونفوشيوس، و سواء كان المسلمون منهم شيعةً أم غيرهم من أنواع المذاهب الحادثة في الإسلام، فهم في ذلك لا يعدون إحدى حالتَينِ:

  • الاولى: اولئك الذين يفتقدون النزاهة و الإخلاص في النيّة، فهم لا يسيرون في طريق السلوك إخلاصاً و تقرّباً، بل يردون في السلوك لدواعٍ نفسانيّة، و هؤلاء لا يبلغون مقصدهم و غايتهم أبداً، و يقنعون خلال طيّ الطريق بكشفٍ أو كرامة، أو بتقوية النفوس و التأثير في موادّ الكائنات، أو الإخبار عن الضمائر و البواطن، أو تحصيل الكيمياء و أمثالها، فيدفنون في النهاية في هذه المراحل المختلفة كلًّا حسب وضعه و نفسه.

    1. «كلمات مكنونة» ص ۱۸۱، الطبعة الحجريّة؛ و «اليواقيت و الجواهر» للشعرانيّ، ج ٢، ص ٢۰، المبحث ٣٢، باختلاف يسير في اللفظ.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

347
  • و الثانية: اولئك الذين يتمثّل هدفهم في الوصول إلى الحقيقة فلا تشوب نيّتهم شائبة. فإن كانوا -و الحال هذهـ مسلمين تابعين لخاتم الأنبياء و المرسلين و من شيعة سيّد الأوصياء أمير المؤمنين عليهما أفضل صلوات الله و ملائكته المقرّبين و من المتابعين له، فإنّهم سيسيرون في هذا الطريق و ينتهون إلى قصدهم و هدفهم، لأنّ هذا الطريق أوحد لا طريق سواه، كما أنّ باقي الطرق سلبيّة و مرفوضة.

  • أمّا لو لم يكونوا مسلمين، أو لم يكونوا من الشيعة فسيكونون من المستضعفين حتماً، و ذلك لأنّهم لا يحملون -حسب الفرض- غلًّا أو غشّاً، فهؤلاء هم الذين لم يصل سعيهم و تحقيقهم بشأن الإسلام و التشيّع إلى نتيجة إيجابيّة، و إلّا عدّوا ضمن المجموعة الاولى مع وضعها المعلوم.

  • و الله جلّ و علا يمدّ يد الإعانة لمثل هؤلاء الأفراد، فيجتازوا بمعونته الدرجات و المراتب عن طريق نفس الولاية التكوينيّة التي يجهلونها، فيردون أخيراً في الحرم الإلهيّ و الحريم الكبريائيّ، و يحصلون على الفناء في ذات الحقّ تعالى.

  • و لأنّنا نعلم أنّ الحقّ واحد، و أنّ صراطه و طريقه مستقيم، و أنّ شريعته صحيحة، فإنّ هؤلاء المستضعفين الذين لا يحملون في قلوبهم غلًّا و لا مرضاً سيصلون بأنفسهم -خلال الطريق أو في نهايتهـ إلى حقيقة التوحيد و الإسلام و التشيّع و سيفهمونها و يدركونها، لأنّ الوصول إلى التوحيد بدون الإسلام أمر محال، و لأنّ الإسلام بدون التشيّع ليس إلّا مفهوماً لا حقيقة له.

  • و من ثمّ فإنّ اولئك الذين يدركون بنور الكشف و الشهود أنّ الولاية تمثّل متن النبوّة و أصلها، و أنّ النبوّة و الولاية هما طريق التوحيد و سبيله، لو اقسم لهم ألف مرّة و لو اقيم لهم ألف دليل على أنّ عليّاً عليه السلام‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

348
  • لم يكن خليفة رسول الله، و أنّ النبيّ لم يعيّن بنفسه الخليفة بعده و لم ينصِّب وصيّاً يخلفه، لما قبلوا بذلك و لما أمكنهم قبوله؛ ذلك لأنّهم يدركون الله و جميع الحقائق نصب أعينهم بِالشُّهُودِ وَ العَيَانِ لَا بِالخَبَرِ وَ السَّمَاعِ، لأنّ الشخص الذي وجد الله وجد معه جميع الأشياء.

  • أ فيمكن -يا ترى- تصوّر أن يصل امرؤٌ ما إلى التوحيد، فلا يجد النبوّة و الولاية اللتين هما حقيقة التوحيد و عينه؟! كلّا، ليس ذلك معقولًا أبداً.

  • العرفاء من غير الشيعة إمّا لم يكونوا عرفاء حقّاً أو كانوا يستترون بالتقيّة

  • و حاصل ذلك إنّ جميع العرفاء الذين دوّن التأريخ أسماءهم، سواء كانوا من غير المسلمين، أم من المسلمين غير الشيعة، فإمّا أن يكونوا في باطن الأمر مسلمين و شيعة، كلّ ما في الأمر أنّهم احترزوا عن إظهار تلك الحقيقة لعدم ملاءمة ظروف البيئة الاجتماعيّة، و خوفاً من الحكومات و القضاة الجائرين و من عوامّ الناس الذين هم كالأنعام؛ إذ تعرّض الكثير من أجلّاء العرفاء لعدم كتمان السرّ و لإظهار المكنونات، إلى الحُكم عليهم بالقتل و الإغارة و النهب و الإحراق و الشنق.

  • و ليس ثمّة من عاقل يتّضح لديه هذا الأمر فيرضى أن يفشي سرّه، ليصبح طعمة للكلاب المفترسة و الذئاب المتعطّشة لدماء البشر.

  • و إمّا أن يكون هؤلاء لم يصلوا قصدهم و هدفهم، فهم يدّعون العرفان و الوصول ثمّ يجعلون أنفسهم فراعنة بمجرّد كشف أمرٍ ما، فيدعون الناس إلى السجود لهم.

  • و لقد كان محيي الدين بن عربي، و ابن الفارض، و الملّا محمّد البلخيّ صاحب «المثنويّ»، و العطّار و أمثالهم ممّن دُوّنت أحوالهم في التراجم في ابتداء أمرهم على مذهب السنّة بلا شكّ، و لقد نشأ هؤلاء و ترعرعوا في ظلّ حكومة سنّيّة المذهب و في مدينة يقطنها السنّة، كما

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

349
  • أنّهم انحدروا من عوائل سنّيّة و عاشوا في مجتمع حاكمه و مفتيه و قاضيه و إمام جماعته و مؤذّنه، وصولًا إلى بقّاله و عطّاره و جامع نفاياته بأجمعهم من السنّة، و كان نهجهم و مذهبهم سنّيّاً، و كانت مكتباتهم مليئة بكتب العامّة، فلم يكن يوجد في جميع مدنهم و لو كتاب شيعيّ واحد.

  • لكنّ هؤلاء خطوا في طريق السير و التعالي يوماً بعد آخر، و تطلّعوا إلى عالم الشريعة بعين منصفة و قلب سليم منزّه، فاكتشفوا الحقائق تدريجيّاً بالشهود و الوجدان، و مزّقوا عنهم ستار العصبيّة و الحميّة الجاهليّة، و صاروا من مخلصي الموحّدين و من الشيعة الذين يفدون أرواحهم في محبّة أمير المؤمنين عليه السلام؛ كلّ ما في الأمر أنّ التسمّي باسم الشيعة و إظهار البغض و العداء للخلفاء الغاصبين كان أمراً محالًا، و لا يختصّ الأمر بذلك الزمان وحده، بل إنّكم ترون أنّه يصدق أيضاً في يومنا هذا بالنسبة للكثير من الدول ذات الغالبيّة السنّيّة.

  • اليوم أيضاً لو وقف امرؤ في أيّة زاوية من المدينة: بيت رسول الله و بيت فاطمة و محلّ انتشار جهاد و علوم أمير المؤمنين عليهم السلام جميعاً، فنادى في الأذان أو غيره: أشْهَدُ أنَّ عَلِيَّاً أمِيرُ المُؤْمِنِينَ وَ وَلِيّ اللهِ! لسفكوا دمه و لتناهبت القبائل و الطوائف دمه و لحمه تبرّكاً، فلا يدعون له جسداً فيدفن؛ لكنّه لو وقف ساعة كاملة يتحدّث في مدح عائشة و يثني عليها مع سوابقها المشئومة تلك و مع تأريخها الأسود الحالك، لتحلّقوا حوله و نثروا عليه الحلوى، و لاستقبلوه بالزغاريد و الأهاليل.

  • و لذلك، فلا ينبغي علينا أن نقبل كلّ ما أورده هؤلاء العظماء في كتبهم بلا مناقشة، بل علينا أن نحكّم فيه العقل و السنّة الصحيحة و أقوال أئمّة الحقّ؛ فما صحّ منه قبلناه و استفدنا منه؛ و إن لاح لنا في كتبهم أمر باطل رفضناه و حملنا صدوره منهم على التقيّة و أمثالها، و هذا هو دأبنا

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

350
  • و ديدننا في جميع الكتب، حتّى في كتب الشيعة نفسها.

  • و هناك في «محاضرات» محيي الدين الكثير من المطالب المخالفة لعقيدتنا و المرفوضة من قبلنا، لكنّنا نقبل منها ما وافق التأريخ الصحيح و لم يتنافَ مع اصولنا. و هذا الأمر ينطبق على كتابه «الفتوحات» و سائر كتبه الاخرى.

  • و المطلب الآخر هو أنّ العرفاء الأجلّاء الذين وصلوا إلى مقام الفَناء في الله، يتبعون -بعد هذا المقام و في مقام البقاء باللهـ سعتهم و أعيانهم الثابتة، فبعضهم نورانيّ و وسيع جدّاً و البعض الآخر في مراحل و درجات مختلفة، في حين يمتلك البعض الآخر من العرفاء نوراً وسعة وجوديّة ضئيلة. و بشكل عامّ فإنّ كلًّا منهم يمتلك نوراً خاصّاً و إحاطة خاصّة به. يقول القاضي نور الله في ترجمة عبد الرزّاق الكاشيّ: «يقول صاحب «جامع الأسرار» قدّس الله سرّه (السيّد حيدر الآمليّ) مع مخالفته للشيخ محيي الدين في عدّة امور، و بعد الاستدلال على مخالفته للشيخ عقلًا و نقلًا و كشفاً: ﴿وَ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾‌.۱

  • كما أثنى على الشيخ عبد الرزّاق في الكثير من المواضع و اعترف بصحّة كشفه و ابتهل إلى الله سبحانه في الوصول إلى مقامه».

  • كلام سعد الدين الحمويّ في شأن محيي الدين و شهاب الدين السهرورديّ‌

  • كما يقول القاضي نور الله أيضاً في ترجمة الشيخ شهاب الدين السهرورديّ: نُقل في الرسالة «الإقباليّة» عن الشيخ علاء الدولة السمنانيّ أنّ الشيخ سعد الدين الحمويّ سُئل: كيف وجدت الشيخ محيي الدين بن عربي؟!

  • قال: بَحْرٌ مَوَّاجٌ لَا نِهَايَةَ لَهُ.

    1. ذيل الآية ۷٦، من السورة ۱٢: يوسف.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

351
  • قيل: و كيف وجدت الشيخ شهاب الدين السهرورديّ؟!

  • أجاب: نُورُ مُتَابَعَةِ النَّبِيّ في جَبِينِ السُّهْرَوَرْدِيّ شَي‌ءٌ آخر.۱

  • و قد ذكر القاضي نور الله نسبه و أوصله إلى القاسم بن محمّد بن أبي بكر، فيقول: و مع أنّ كنيته أبا حَفْص و اسمه عُمَر لكنّه من أحفاد محمّد بن أبي بكر، و سلسلة نسبه إلى محمّد بهذه الكيفيّة:

  • شهاب الدين أبو حفص عمر بن محمّد بن السَّهْرَوَرْدِيّ بن النضير ابن القاسم بن عبد الله بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمّد بن أبي بكر.٢

  • كما أنّ نسب محيي الدين بن عربي يصل إلى عَدِيّ بن حاتم الطائيّ؛ و لعديّ في ولائه لأمير المؤمنين عليه السلام حكايات و قصص.

  • المكاشفات الواردة في «الفتوحات» و التي لا تنطبق على الواقع‌

  • و من الجدير هنا بيان عدّة نكات:

  • الاولى: إنّ الوارد على «الفتوحات المكّيّة» لمحيي الدين بن عربي يجد أنّها -مع احتوائها لنكات دقيقة و عميقة و لأسرار عجيبة و علوم بديعة متنوّعة- تضمّ بعض مكاشفاته التي لا تنطبق مع الواقع و مع عقائد الشيعة. و مثال ذلك قوله في الدعاء عند خاتمة المجلس في آخر كتاب وصاياه، و هو الباب الأخير من «الفتوحات»:

  • اللهُمَّ أسْمِعْنَا خَيْراً، وَ أطْلِعْنَا خَيْراً! وَ رَزَقَنَا اللهُ العَافِيَةَ وَ أدَامَهَا لَنَا، وَ جَمَعَ اللهُ قُلُوبَنَا على التَّقْوَى، وَ وَفَّقَنَا لِمَا يُحِبُّ وَ يَرْضى! ﴿رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَ اعْفُ عَنَّا وَ اغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ﴾‌.٣

    1. «مجالس المؤمنين» ص ٢۸٥، المجلس السادس
    2. المصدر السابق.
    3. قسم من الآية ٢۸٦، من السورة ٢: البقره

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

352
  • ثمّ يقول: هذا الدعاء سمعته من رسول الله صلّى الله عليه [و آله‌] و سلّم في المنام يدعو به بعد فراغ القارئ عليه من كتاب «صحيح البخاريّ»؛ و ذلك سنة تسع و تسعين و خمسمائة بمكّة بين باب الحزورة و باب أجياد، يقرأه الرجل الصالح محمّد بن خالد الصدفيّ التلمسانيّ و هو الذي كان يقرأ علينا كتاب «الإحياء» لأبي حامد الغزّاليّ.

  • و سألت رسول الله صلّى الله عليه [و آله‌] و سلّم في تلك الرؤيا عن المطلّقة بالثلاث في لفظ واحد و هو أن يقول لها: أنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثاً؟

  • فقال لي صلّى الله عليه [و آله‌] و سلّم: «هي‌ ثَلَاثٌ كَمَا قَالَ: [فَـ] لَا تَحِلُّ لَهُ‌ و [مِن بَعْدُ] حتّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ‌».۱

  • فكنت أقول له: يَا رَسُولَ اللهِ! فإنّ قوماً من أهل العلم يجعلون ذلك طلقة واحدة؟

  • فقال رسول الله صلّى الله عليه [و آله‌] و سلّم: اولئك حكموا بما وصل إليهم و أصابوا.

  • ففهمتُ من هذا تقرير حكم كلّ مجتهد، و أنّ كلّ مجتهد مصيب، فكنت أقول له: يا رَسولَ اللهِ؛ فما اريد في هذه المسألة إلّا ما تحكم به أنت إذا استُفتيتَ، و ما لو وقع منك ما كنت تصنع؟

  • فقال: هِي ثَلَاثٌ كَمَا قَالَ: «لَا تَحِلُّ لَهُ‌ و حتّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ‌».

  • فرأيت شخصاً قد قام من آخر الناس و رفع صوته و قال بسوء أدب يخاطب رسول الله صلّى الله عليه [و آله‌] و سلّم يقول له:

  • يَا هَذَا -بِهَذَا اللَفْظِ- لَا نُحَكِّمُكَ بِإمْضَاءِ الثَّلَاثِ وَ لَا بِتَصْوِيبِكَ حُكْمَ اولَئِكَ الَّذِينَ رَدُّوهَا إلى واحِدَةٍ!

    1. مقطع من الآية ٢٣۰، من السورة ٢: البقرة.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

353
  • فاحمرّ وجه رسول الله صلّى الله عليه [و آله‌] و سلّم غضباً على ذلك المتكلّم و رفع صوته يصيح: هي‌ ثَلَاثٌ كَمَا قَالَ [تعالى‌]: «لَا تَحِلُّ لَهُ‌ و حتّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ». تَسْتَحِلُّونَ الفُرُوجَ‌؟!

  • فما زال صلّى الله عليه [و آله‌] و سلّم يصيح بهذه الكلمات حتّى أسمع مَن كان في الطواف من الناس و ذلك المتكلّم يذوب و يضمحل حتّى ما بقي منه على الأرض شي‌ء.

  • فكنت أسأل عنه: من هو هذا الذي أغضب رسول الله صلّى الله عليه [و آله‌] و سلّم؟ فيقال لي: هو إبليس لعنه الله. فاستيقظت.۱

  • و مع وجود هذا النحو من الكشفيّات و المطالب في «الفتوحات»، فإن قال أحد: كيف يصحّ إذاً كلام المرحوم القاضي من أنّ محيي الدين -بعد فراغه من تصنيف كتاب فتوحاته المكّيّة استظهاراً بدون أن يراجع كتاباً- وضعه على سطح الكعبة فيبقى هناك سنة ثمّ أنزله بعد ذلك فكان باقياً كما كتبه لم تبتلّ منه ورقة و لم تتناثر أوراقه بالرياح مع كثرة رياح مكّة و أمطارها، و لم يأذن للناس في استنساخها إلّا بعد ذلك؟!

  • وَ لَمَّا فَرَغَ مِنْهَا وَضَعَها في سَطْحِ الكَعْبَةِ المُعَظَّمَةِ فَأقَامَتْ فِيهِ سَنَةً ثُمَّ أنْزَلَهَا فَوَجَدَهَا كَمَا وَضَعَها لَمْ يَبْتَلَّ مِنهَا وَرَقَةٌ وَ لَا لَعِبَتْ بِهَا الرِّيَاحُ مَعَ كَثْرَةِ أمْطَارِ مَكَّةَ وَ رِيَاحِهَا، وَ مَا أذِنَ لِلنَّاسِ في كِتَابَتِهَا وَ قِرَاءَتِهَا إلَّا بَعْدَ ذلِكَ.٢

  • فالجواب على ذلك لاعتبارين:

    1. «الفتوحات المكّيّة» ج ٤، ص ٥٥٢، طبعة دار الكتب العربيّة.
      و هو مذكور أيضاً في ص ٢۷٤ و ٢۷٥ من كتاب «وصايا» محيي الدين الذي أعادت مكتبة قصيباتي طبعه مجدّداً.
    2. «اليواقيت و الجواهر» لعبد الوهّاب الشعرانيّ، ج ۱، ص ۱۰، ضمن الفصل الأوّل.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

354
  • أوّلهما: إنّ محيي الدين قد كتب بنفسه نسختين من «الفتوحات»، لكلّ واحد من ولديه نسخة منهما، فهذه النسخة الفعليّة من «الفتوحات» التي في أيدينا إنمّا هي النسخة الثانية المكتوبة في دمشق، و التي تشمل مطالب النسخة المكتوبة في مكّة مضافاً إليها الزيادات التي ألحقها بها بنفسه، و كان تأريخ ختم كتابة هذه النسخة قبل وفاته بعامين. فهو يقول في آخر الكتاب بعد كتاب وصاياه:

  • «انتهى الباب بحمد الله بانتهاء الكتاب على أمكن ما يكون من الإيجاز و الاختصار على يدي منشيه، و هو النسخة الثانية من الكتاب بخطّ يدي، و كان الفراغ من هذا الباب الذي هو خاتمة الكتاب بكرة يوم الأربعاء، الرابع و العشرين من شهر ربيع الأوّل سنة ستّ و ثلاثين و ستمائة. و كتب منشيه بخطّه محمّد بن عليّ بن محمّد بن العربيّ الطائيّ الحاتميّ وفّقه الله. هذه النسخة سبعة و ثلاثون مجلداً و فيها زيادات على النسخة الاولى التي وقفتها على ولدي محمّد الكبير الذي امّه فاطمة بنت يونس بن يوسف أمير الحرمين وفّقه الله، و على عقبه و على المسلمين بعد ذلك شرقاً و غرباً، بَرّاً و بحراً، وَ صلّى اللهُ على سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَ على آلِهِ وَ صَحْبِهِ أجْمَعِينَ.۱

  • حصول التحريفات الكثيرة في «الفتوحات المكّيّة»

  • و ثانيهما: إنّ هناك تلاعباً كثيراً قد وقع في هذه النسخة المطبوعة من «الفتوحات» فادخلت فيها إضافات و حذفت منها امور.

  • و قد ذكر عبد الوهّاب الشعرانيّ -و هو من أكثر العلماء اطّلاعاً على كتب محيي الدين- شرحاً مفصّلًا للتحريفات الواردة في كتب‌

    1. «الفتوحات» ج ٤، ص ٥٥٣ و ٥٥٤.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

355
  • محيي الدين.۱

  • كما أورد محمّد قطّة العدويّ ابن الشيخ عبد الرحمن مصحّح دار الطباعة المصريّة في خاتمة «الفتوحات» صورة لترجمة حال محيي الدين و فتوحاته كانت موجودة في الطبعة الاولى، فورد فيها:

  • [و له تآليف‌] و كتب اخرى عديدة كـ «الفصوص» و «الفتوحات المدنيّة» و هي مختصرة في قدر عشر ورقات، و كهذا الكتاب أعني «الفتوحات المكّيّة» الذي اختصره سيّدي عبد الوهّاب بن أحمد الشعرانيّ، المتوفّى سنة ٩۷٣ هـ. ق، و سمّي ذلك المختصر «لَوَاقِحُ الأنْوَارِ القُدْسِيَّةِ المُنْتَقَاةُ مِنَ الفُتُوحَاتِ المَكِّيَّةِ» ثمّ اختصر هذا المختصر و سمّاه «الكِبْرِيتُ الأحْمَرُ مِنْ عُلُومِ الشَّيخِ الأكْبَرِ».

  • و ذكر [الشعرانيّ‌] في «مختصر الفتوحات» ما نصّه:

  • و قد توقّفت حال الاختصار لكتاب «الفتوحات» في مواضع كثيرة منه لم يظهر لي موافقتها لما عليه أهل السنّة و الجماعة فحذفتها من هذا المختصر، و ربما سهوت فتبعت ما في الكتاب كما وقع للبيضاويّ مع الزمخشريّ.٢

    1. «اليواقيت و الجواهر» ج ۱، ص ۷ إلي ۱٣.
    2. يقول الشعرانيّ في مقدِّمة «اليواقيت و الجواهر» ص ٣: ثمّ اعلم يا أخي: أنّني طالعت من كلام أهل الكشف ما لا يحصى من الرسائل، و ما رأيت في عباراتهم أوسع من عبارة الشيخ الكامل المحقّق مربّي العارفين الشيخ محيي الدين بن العربيّ رحمه الله، فلذلك شيّدت هذا الكتاب (اليواقيت و الجواهر) بكلامه من «الفتوحات» و غيرها. لكنّي رأيت في «الفتوحات» مواضع لم أفهمها فذكرتها لينظر فيها علماء الإسلام و يحقّوا الحقّ و يبطلوا الباطل إن وجدوه. فلا تظنّ يا أخي أنّي ذكرتها لكوني أعتقد بصحّتها و أرضاها في عقيدتي كما يقع فيه المتهوّرون في أعراض الناس فيقولون: لو لا أنّه ارتضى ذلك الكلام و اعتقد بصحّته ما ذكره في مؤلّفه؛ مَعاذَ اللهِ أن اخالف جمهور المتكلِّمين و أعتقد صحّة كلام من خالفهم من بعض أهل الكشف غير المعصوم، فإنّ في الحديث: يَدُ اللهِ مَعَ الجَماعَةِ. و لذلك أقول غالباً عقب كلام أهل الكشف: «انتهي» ليشخص كلامه فلا يمتزج مع بياني و عقيدتي.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

356
  • ثمّ لم أزل كذلك أظنّ أنّ المواضع التي حذفت ثابتة عن الشيخ محيي الدين و قد حذفتها لعدم موافقتها مع العامّة، حتّى قدم علينا الأخ العالم الشريف شمس الدين السيّد محمّد بن السيّد أبي الطيب المدنيّ، المتوفّى سنة ٩٥٥، فذاكرته في ذلك، فأخرج إلى نسخة من «الفتوحات» التي قابلها على النسخة التي عليها خطّ الشيخ محيي الدين نفسه بقونية، فلم أر فيها شيئاً ممّا توقّفت فيه و حذفته، فعلمت أنّ النُّسَخَ التي في مصر الآن كلّها كتبت من النسخة التي دسّوا على الشيخ فيها ما يخالف عقائد أهل السنّة و الجماعة كما وقع له ذلك في كتاب «الفصوص» و غيره.۱

  • يشهد على هذا الكلام أنّه قد ذكر في هذه الطبعة من «الفتوحات» أنّ إمام العصر هو من وُلْد الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام. مضافاً إلى ذلك أنّ المحقّق الفيض قد أورد في كتابه «كلمات مكنونة» في شأن أمير المؤمنين عليه السلام نقلًا عن «الفتوحات»: إنَّهُ ذَكَرَ نَبِيَّنا صلّى اللهُ عَلَيهِ و آلِهِ و أنَّهُ أوَّلُ ظَاهِرٍ في الوُجُودِ. قَالَ: وَ أقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ عَلِيّ بْنُ أبي طَالِبٍ إمَامُ العَالَمِ وَ سِرُّ الأنْبِيَاءِ أجْمَعِينَ.٢ بينما لا يوجد هذا المطلب في النسخة الحاليّة من «الفتوحات».

  • بَيدَ أنّ الشعرانيّ قد ذكرها في «اليواقيت» بهذه العبارة:

  • وَ إيضَاحُ ذَلِكَ إنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَ تعالى لَمَّا أرَادَ بَدْءَ ظُهُورِ العَالَمِ على‌

    1. «الفتوحات» ج ٤، ص ٥٥٥.
    2. «الروح المجرّد» ص ٣٣٣ (في الطبعة الأولى، و في هذه الطبعة ص ٣٤٦)، نقلًا عن «كلمات مكنونة» للفيض، ص ۱۸۱، الطبعة الحجريّة.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

357
  • حَدِّ مَا سَبَقَ في عِلْمِهِ، انْفَعَلَ العَالَمُ عَنْ تِلْكَ الإرَادَةِ المُقَدَّسَةِ بِضَرْبٍ مِنْ تَجَلِّيَاتِ التَّنْزِيهِ إلى الحَقِيقَةِ الكُلِّيَّةِ.

  • فَحَدَثَ الهَبَاءُ وَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ طَرْحِ البَنّاءِ الجِصَّ لِيَفْتَتِحَ فِيهِ مِنَ الأشْكَالِ وَ الصُّوَرِ مَا شَاءَ. وَ هَذَا أوَّلُ مَوجُودٍ في العَالَمِ.

  • ثُمَّ إنَّهُ تعالى تَجَلَّى بِنُورِهِ إلى ذَلِكَ الهَبَاءِ وَ العَالَمُ كُلُّهُ فِيهِ بِالقُوَّةِ؛ فَقَبِلَ مِنهُ كُلُّ شَي‌ءٍ في ذَلِكَ الهَبَاءِ على حَسَبِ قُرْبِهِ مِنَ النُّورِ كَقَبُولِ زَوَايَا البَيْتِ نُورَ السِّرَاجِ فَعَلَى حَسَبِ قُرْبِهِ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ يَشْتَدُّ ضَوْءُهُ وَ قَبُولُهُ. وَ لَمْ يَكُنْ أحَدٌ أقْرَبَ إلَيْهِ مِنْ حَقِيقَةِ مُحَمَّدٍ صلّى اللهُ عَلَيهِ (وَ آلِهِ) و سَلَّمَ؛ فَكَانَ أقْرَبَ قَبُولًا مِنْ جَمِيعِ مَا في ذَلِكَ الهَبَاءِ. فَكَانَ صلّى اللهُ عَلَيهِ (وَ آلِهِ) و سَلَّمَ مَبْدَأ ظُهُورِ العَالَمِ وَ أوَّلَ مَوْجُودٍ. قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ: وَ كَانَ أقْرَبَ النَّاسِ إلَيْهِ في ذَلِكَ الهَبَاءِ عَلِيّ ابْنُ أبي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهُ الجَامِعُ لأسْرَارِ الأنْبِيَاءِ أجْمَعِينَ - انتهى.۱

  • تهمة نسبة: «لم يقتل يزيدُ الحسينَ إلّا بسيف جدّه» إلى محيي الدين‌

  • النكتة الثانية:

  • يقول الحاجّ الميرزا أبو الفضل الطهرانيّ في كتاب «شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور»: ليس هناك من علماء الإسلام من يتمسّك بهذا الأمر إلّا عبد المغيث البغداديّ الذي كتب رسالة في منع لعن يزيد، و محيي الدين بن عربي، و عبد القادر الجيلانيّ، و عامّة النواصب الذين ليس أحد منهم من المسلمين.٢

  • و يقول أيضاً: و نقل في «الصواعق» عن محيي الدين بن عربي تصريحه بجميع ما قلناه مجملًا، وَ عِبَارَتُهُ هَكَذَا: لَمْ يَقْتُلْ يَزِيدُ الحُسَيْنَ إلَّا

    1. «اليواقيت و الجواهر» ج ٢، ص ٢۰، المبحث ٣٢.
    2. «شفاء الصدور» ص ٣۰٢، الطبعة الحجريّة.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

358
  • بِسَيْفِ جَدِّهِ، أي بِحَسَبِ اعْتِقادِهِ البَاطِلِ أنَّهُ الخَلِيفَةُ، وَ الحُسَيْنَ بَاغٍ عَلَيهِ، وَ البَيْعَةُ سَبَقَتْ لِيَزِيدَ وَ يَكْفِي فِيهَا بَعْضُ أهْلِ الحَلِّ وَ العَقْدِ. وَ بَيْعَتُهُ كَذَلِكَ، لأنَّ كَثِيرِينَ أقْدَمُوا عَلَيهَا مُخْتَارِينَ لَهَا. هَذَا مَعَ عَدَمِ النَّظَرِ إلى اسْتِخْلَافِ أبِيهِ لَهُ، أمَّا مَعَ النَّظَرِ لِذَلِكَ، فَلَا تُشْتَرَطُ مُوَافَقَةُ أحَدٍ مِنْ أهْلِ الحَلِّ وَ العَقْدِ على ذَلِكَ.۱

  • و قد تفحّص الحقير مرّة بدقّة كاملة كتاب «الصواعق المحرقة» في الأبواب المناسبة لهذا المطلب فلم أعثر فيه على عبارة كهذه عن محيي الدين. ثمّ تفحّص اثنان من أولادي: الحاجّ السيّد محمّد محسن و الحاجّ السيّد علي جميع كتاب «الصواعق» من أوّله إلى آخره كما ورد في طبعتين مختلفتين، فلم يعثرا على شي‌ء من ذلك، حتّى أنّ هذا الفحص شمل كتاب «تطهير الجنان» المطبوع في هامش «الصواعق» فلم يكن هناك أيضاً شي‌ء من ذلك.

  • وَ هَذَا أمْرٌ عَجِيبٌ مِنَ المُؤَلِّفِ، أعْنِي مُؤَلِّفَ «شِفَاءِ الصُّدُورِ»، لأنَّهُ مَعَ دِقّتِهِ و ضَبْطِهِ وَ حُسْنِ كَمَالِهِ كَيْفَ أسْنَدَ هَذَا الكَلَامَ إلى مُحْيِي الدِّينِ عن طَرِيقِ «الصَّوَاعِق»؟!

  • و قد حالفني التوفيق بعد سنتين من ذلك لحلّ هذه المشكلة، و ذلك أنّ تلك العبارة لم تصدر عن محيي الدين أبداً، بل من القاضي أبي بكر ابن عربي المالكيّ، فنسبها صاحب «شفاء الصدور» اشتباهاً و خطأ إلى محيي الدين، و لعلّه رأي في مكان أنّها نُقلت عن ابن عربي، فتخيّل بدون الفحص عن مصدرها أنّها عن محيي الدين. و من جهة اخرى فإنّ عبارة القاضي أبي بكر بن عربي -بدورها- لم ترد في كتاب «الصواعق»؛ فهذا

    1. «شفاء الصدور» ص ٣۱۰ و ٣۱۱، الطبعة الحجريّة.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

359
  • خطأ في خطأ.

  • هذا و قد أورد آية الله السيّد شرف الدين العامليّ عبارته في هامش كتاب «الفصول المهمّة»: وَ نَقَلَ ابْنُ خَلْدُونٍ في صَفٌحةِ ٢٤۱، أثْنَاءَ الفَصْلِ الذي عَقَدَهُ في مُقَدِّمَتِهِ لِوِلَايَةِ العَهْدِ عَنِ القاضي أبي بَكْرِ بْنِ العَرَبِيّ المَالِكيّ؛ أنَّهُ قَالَ في كِتَابِهِ الذي سَمَّاهُ بـ «العَوَاصِمِ وَ القَوَاصِمِ» مَا مَعْنَاهُ: إنَّ الحُسَيْنَ قُتِلَ بِشَرْعِ جَدِّهِ صلّى اللهُ عَلَيٌهِ [وَ آلِهِ‌] و سَلَّمَ.۱

  • و قد حكى صاحب «الروضات» في ترجمة محيي الدين عن المحدِّث النيسابوريّ في كتاب رجاله الكبير أنّه قال: وَ مَا نَسَبَ إلَيهِ بَعْضُ الغَاغَةِ٢ أنَّهُ قَالَ: لَمْ يَقْتُلْ يَزِيدُ الحُسَيْنَ إلَّا بِسَيْفِ جَدِّهِ، فَذَلِكَ قَوْلُ القاضي أبي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ العَرَبيّ المَعَافِرِيّ تِلْمِيذِ الغَزَّالِيّ في شَرحِ قَصيدَتِهِ الهَمْزِيَّةِ، وَ فَسَّرَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَ قَالَ: أيْ لأنَّهُ الخَلِيفَةُ وَ الحُسَيْنَ عَلَيهِ السَّلَامُ بَاغٍ عَلَيهِ.٣

    1. «الفصول المهمّة في تأليف الامّة» ص ۱۱٩، الطبعة الثانية.
    2. السفلة من الناس، تستعمل الغوغاء للجلبة و اللغط. (م)
    3. «روضات الجنّات» ج ٢، ص ۱٩٥، الطبعة الحجريّة. ورد في كتاب «ذخائر الأعلاق في شرح ترجمان الأشواق» الذي متنه و شرحه كلاهما لمحيي الدين بن عربي، في مقدِّمة محقّق الكتاب و المعلِّق عليه: عبد الرحمن كردي، مدرِّس اللغة العربيّة في جامعة الأزهر، في الصفحة «ط» من المقدِّمة:
      «نسبه: أبو بكر محيي الدين محمّد بن عليّ بن محمّد بن أحمد بن عبد الله الحاتميّ الطائيّ، و يقال له في بلاد الأندلس ابن العربيّ بألف و لام؛ أمّا في بلاد الشرق فيُدعى ابن عربي بدون ألف و لام، و ذلك من أجل التفريق بينه و بين القاضي أبي بكر بن العربيّ المعافريّ الذي كان قاضي قضاة إشبيلية، ثمّ هاجر إلى الشرق و توفّي سنة خمسمائة و ثلاث و أربعين (٥٤٣) هـ».
      و اعلم أنّه كان تلميذ الغزّاليّ، و عصره يسبق عصر محيي الدين بما يقرب من قرن واحد، و ذلك لأنّ ولادة محيي الدين في سنة خمسمائة و ستيّن (٥٦۰) هجريّة و وفاته في سنة ستمائة و ثمان و ثلاثين (٦٣۸) هـ. ق. و لذلك فإنّ محيي الدين كان بعد القاضي المعافريّ بمدّة خمس و تسعين سنة، أي قريباً من قرن كامل.
      و قد اشتهر محيي الدين -مضافاً إلى شهرته بابن عربي- بالحاتميّ الطائيّ العدويّ أيضاً؛ الحاتميّ لكونه من أولاد حاتم، و الطائيّ لأنّ حاتم كان من قبيلة طيّ، و العدويّ لأنّه من أولاد عديّ بن حاتم. و جلالة و عظمة مقام عديّ بن حاتم و إخلاصه و ولاؤه لساحة أمير المؤمنين عليه السلام المقدّسة و تشيّعه أمر لا يتطرّق إليه الشكّ، فالصحف و التواريخ و السير مشحونة و حافلة بهذه المعاني التي ازدانت بها صحائف الدهر. و كان انتسابه لعديّ و جوهره و كونه حفيده الوجوديّ قد أوجب بنفسه فناءه و اندكاكه في ولاء أهل البيت.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

360
  • و ينبغي أن يُعلم هنا، مدى الظلم و الحيف الذي لحق بمحيي الدين بن عربي بهذه الاتّهامات الباطلة! فقد عُدّ أوّلًا ممّن منع من لعن يزيد، و عُدّ ثانياً من نواصب العامّة، و اتُّهم ثالثاً بهذا الكلام القبيح، و رابعاً فإنّه لم يُعدّ من المسلمين أصلًا.

  • النكتة الثالثة:

  • أورد السيّد محمّد باقر الخوانساريّ الأصفهانيّ في كتاب «روضات الجنّات» ترجمة حال محيي الدين بن عربي بهذه الكيفيّة: «قُدْوَةُ العارِفِينَ وَ اسْوَةُ العَاسِفِينَ‌۱ أبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيّ بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ المَغْرِبِيّ الحَاتِمِيّ الطَّائِيّ الإشْبِيلِيّ الأنْدُلُسِيّ ثُمَّ المَكِّيّ ثُمَّ الدِّمَشْقِيّ الشَّامِيّ المُلَقَّبُ [ب-] مُحْيِي الدِّينِ ابْنِ العَرَبيّ».

  • و مضافاً إلى أنّه عدّه منحرفاً مخطئاً ضالًّا، فإنّه كذلك قد اعتبر جميع العارفين -بعطفه هذه الجملة على قدوة العارفين ضالّين مثله و متحيّرين‌

    1. عَسَفَ الطريقَ و - عنه (من باب ضرب يضرب) عسفاً: مالَ عنه و عدل. و قيلَ: خَبَطَه علي غير هداية. و - المفازة: قطعها بغير قصد و لا هداية و لا توخّي طريقٍ مسلوك.(«أقرب الموارد» ج ٢، ص ۷۸۱).

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

361
  • و تائهين.

  • حتّى يصل إلى قوله: «وَ في هَذَا الكِتَابِ مَوَاضِعٌ مِنَ الدَّلالَةِ على تَسَنُّنِهِ وَ اعْوِجَاجِهِ أوْ تَحَيُّرِهِ في سَبِيلِهِ وَ مِنْهَاجِهِ أوْ وُقُوعِ تَصَرُّفٍ مِنَ الأبَالِسَةِ في مِزاجِهِ».

  • ثمّ يقول بعد ذكر مكاشفتينِ له:

  • فَهَلْ هَذَا مِنْهُ إلَّا خُرُوجٌ عَنْ دَائِرَةِ الشَّرْعِ وَ الدِّينِ أوْ دُخُولٌ في أهْلِ السَّفْسَطَةِ وَ الخَيْلِ المَجَانِينَ؟!

  • بَلْ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُؤَيِّدُ كَوْنَ نَطَقَاتِ الرَّجُلِ مِنْ بَابِ الوَسْوَسَةِ وَ الخَيَالِ، وَ كَلِمَاتِهِ مِنْ قَبِيلِ كَلِمَاتِ أرْبَابِ الحَيْرَةِ وَ الضَّلَالِ ...».

  • كما يقول بعد نقل قضيّتينِ اخريَين عن الدميريّ في «حياة الحيوان» بشأن نكاح محيي الدين لامرأة جنّيّة: قال الشيخ عزّ الدين بن عبد السلام:

  • ابْنُ عَرَبِيّ شَيْخُ سَوْءٍ كَذَّابٌ. فَقِيلَ لَهُ: وَ كَذَّابٌ أيْضاً؟! قَالَ: نَعَمْ!

  • ثمّ يقول في بيان هذه القضيّة: قال الإمام الذهبيّ: وَ مَا أظُنُّ ابْنَ عَرَبِيّ تَعَمَّدَ هَذِهِ الكِذْبَةَ، وَ إنَّمَا هي مِنْ خُرَافَةِ الرِّيَاضَةِ.

  • كلام آقا محمّد علي البهبهانيّ في شأن القائلين بوحدة الوجود و محيي الدين‌

  • ثمّ ينقل صاحب «الروضات» هنا كلاماً عن آقا محمّد علي البهبهانيّ نجل آية الله آقا محمّد باقر البهبهانيّ في كتابه المسمّى «مقامع الفضل» في جواب مَن سأله عن أدلّة القائلين بوحدة الوجود؛ حيث يقول آقا محمّد علي في هذا الجواب بعد بيان المير سيّد شريف في حواشي «شرح التجريد»:

  • إنّ الشيخ العارف علاء الدين السمنانيّ مع نهاية اعتقاده و غلوّه بشأن الشيخ العارف محيي الدين بن عربي، حتّى أنّه خاطبه في حواشيه على «الفتوحات» بقوله: أيُّهَا الصَّدِيقُ، وَ أيُّهَا المُقَرَّبُ، وَ أيُّهَا الوَلِيّ، وَ أيُّهَا العَارِفُ الحَقَّانيّ؛ قد كتب في حاشيته على قول محيي الدين في أوّل‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

362
  • «الفتوحات»: سُبْحَانَ مَنْ أظْهَرَ الأشْيَاءَ وَ هُوَ عَيْنُهَا! ما لفظه:

  • إنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيي مِنَ الحَقِّ؛ أيُّهَا الشَّيْخُ! لَوْ سَمِعْتَ مِنْ أحَدٍ أنَّهُ يَقُولُ: فَضْلَةُ الشَّيْخِ عَيْنُ وُجُودِ الشَّيْخِ، لَا تُسَامِحُهُ البَتَّةَ بَلْ تَغْضِبُ عَلَيهِ؛ فَكَيْفَ يَسُوغُ لَكَ أنْ تَنْسِبَ هَذَا الهَذَيَانَ إلى المَلِكِ الدَّيَّانِ؟!

  • تُبْ إلى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً لِتَنْجُوَ مِنْ هَذِهِ الوَرْطَةِ الوَعِرَةِ التي يَسْتَنكِفُ مِنْهَا الدَّهْرِيُّونَ وَ الطَّبِيعِيُّونَ وَ اليُونَانِيُّونَ؛ ﴿وَ السَّلامُ عَلى‌ مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى﴾‌!

  • ثمّ قال آقا محمّد علي بالفارسيّة ما معناه: إنّ الشيخ محيي الدين يقول في «الفصوص» و «الفتوحات» بأنّ مَن عبد صنماً فقد عبد الله بذلك، و إنّ السامريّ حين صنع عجلًا و دعا الناس إلى عبادته فإنّ الحقّ تعالى لم يُعن هارون على السامريّ لأنه أراد أن يُعبد على أيّة صورة كانت، و إنّ الحقّ تعالى لم يكفّر النصارى لقولهم بالوهيّة عيسى، بل لاعتبارهم الالوهيّة منحصرة بعيسى، كما قال: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ﴾۱، و قد عدّ نفسه خاتم الأولياء و قال إنّ الولاية قد خُتمت به، و إنّ الأنبياء حضروا عنده لتهنئته بختم الولاية.

  • و قال أيضاً بأنّ جميع الأنبياء يقتبسون العلم من مشكاة خاتم الأنبياء، و إنّ جميع الأولياء يقتبسون العلم من مشكاة خاتم الأولياء.

  • و قال بأنّ خاتم الأولياء أفضل من خاتم الأنبياء في الولاية، كما أنّ خاتم الأنبياء أفضل من سائر الأنبياء في الرسالة.

  • و قال أيضاً بأنّ أهل النار و الجحيم يتنعّمون و يرتاحون إلى النار و يلتذّون بها، و إنّ عذاب الكافر سينقطع، و إنّ «العذاب» مشتقّ من «عذب»

    1. صدر الآية ۱۷ و صدر الآية ۷٢، من السورة ٥: المائدة.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

363
  • أي اللذّة و الحلاوة.

  • و كذلك فقد نسب محيي الدين جميع العرفاء إلى مذهب الجبريّة، و قد قال الشبستريّ أيضاً في «گلشن راز»:

  • هر آن كس را كه مذهب غير جَبر است‌***نبى گفتا كه او مانند گبر است‌۱
  • صاحب «الروضات» يصف بالعَوَر، العلماءَ الذين عدّوا محيي الدين شيعيّاً

  • ثمّ ينقل صاحب «الروضات» هنا عن المحدِّث النيسابوريّ أدلّته على تشيّع محيي الدين، حتّى يصل إلى قول المحدِّث:

  • أشَارَ في الفَصِّ الهَارُونِيّ إلى حَدِيثِ المَنْزِلَةِ وَ قَالَ في «الفُتُوحَاتِ»: إنَّ بَيْنَ الفَلَكِ الثَّامِنِ وَ التَّاسِعِ قَصْراً لَهُ اثْنَا عَشَرَ بُرْجاً على مِثالِ النَّبِيّ وَ الأئِمَّةِ الاثْنَي عَشَرَ. - إلى آخِرِ مَا نَقَلَهُ عَنِ الرَّجُلِ مِنْ عِبَارَاتِ فُصُوصِهِ وَ فُتُوحَاتِهِ الظَّاهِرَةِ في صَفَاءِ طَوِيَّتِهِ وَ حُسْنِ اعْتِقَادَاتِهِ، مَعَ أنَّهَا أعَمُّ مِنَ المُدَّعَى عِنْدَ مَنْ وَجَدَ أضْعَافَ هَذِهِ العِبَارَاتِ في كُتُبِ العَامَّةِ العَمْيَاءِ؛ لِاعْتِرَافِ جَمِيعِ الامَّةِ بِالأئِمَّةِ الاثْنَي عَشَرَ مِن ذَوِي القُرْبَى، وَ كَذَا يَكُونُ المَهْدِيّ المُنْتَظَرُ مِنْ أوْلَادِ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ وَ نَسْلِ عَلِيّ المُرْتَضَى، فَكَيْفَ بِمِثْلِ هَذَا الفَهِمِ العَارِفِ الحَاذِقِ المُدَّعِي لِلْمَرْتَبَةِ العُلْيَا وَ المُتَحَيِّرِ في أمْرِهِ عُقُولُ أبْنَاءِ الدِّينِ وَ الدُّنْيَا؟

  • و يذكر هنا أدلّة المحدِّث ثمّ يقول: و لقد نقل هذا المحدِّث و غيره في الباب الثلاثمائة و الستّة و الستّين من «الفتوحات»: إنَّ لِلَّهِ خَلِيفَةً يَخْرُجُ مِنْ عِتْرَةِ رَسُولِ اللهِ - إلى آخر المطلب الذي ذكرناه سابقاً.

  • و بعد نقله هذا المطلب عن السيّد نعمة الله الجزائريّ يقول:

    1. يقول: «قال النبيّ بأنّ مَن يعتقد بغير مذهب الجبر، فإنّ شأنه شأن الزرادشتيّة (المجوس)».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

364
  • وَ أقُولُ: بَلْ لَوْ ثَبَتَ مِنْهُ هَذَا الكَلَامُ لَدَلَّ على كَوْنِهِ عَلَاوَةً على الفَضِيلَةِ مِنَ الصُّوفِيَّةِ الصَّابِئَةِ۱، النَّابِئَةِ٢ عَنِ الطَّرِيقَةِ، العَائِبَةِ بِمَرَاسِمِ الشَّرِيعَةِ؛ وَ على ذَلِكَ فَهُوَ مَعْذُورٌ فِيمَا يَنْطِقُ وَ يَلُوكُ‌٣، وَ مَخْذُولٌ مِنَ اللهِ وَ رَسُولِهِ في هَذَا السَّيْرِ وَ السُّلُوكَ.

  • ثمّ ينقل صاحب «الروضات» إشكالًا عن المولى إسماعيل الخاجوئيّ رحمة الله عليه في تعليقته على قول محيي الدين، عقب نقل قول عن سيّدنا المعظم عليه‌٤ في كتاب شرحه على أسماء الله الحسنى فيحكي عن قول ذلك السيّد أن:

  • وَ أمَّا الصَّلَاةُ وَ العِبَادَاتُ فَمَشَايِخُهُمْ يَتْرُكُونَهَا اسْتِنَاداً إلى أنَّهَا وَسَائِطُ بَيْنَ الرَّبِّ وَ العَبْدِ، وَ لَيْسَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ العَارِفِينَ حِجَابٌ. وَ يَسْتَدِلُّونَ بِقَوْلِهِ تعالى: «وَ اعْبُدْ رَبَّكَ حتّى يَأتِيَكَ الْيَقِينُ»٥؛ وَ شُيُوخُ الصُّوفِيَّةِ تَرَقَّوْا إلى دَرَجَةِ اليَقِينِ.

  • أقُولُ: و يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أنَّهُمْ أكْمَلُ مِنَ الأنْبِيَاءِ وَ أوْصِيَائِهِمْ، وَ لَعَلَّ الصُّوفِيَّةَ يَلْتَزِمُونَ ذَلِكَ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ مُحْيِي الدِّينِ الأعْرَابِيّ - انتهى.

  • و يقول صاحب «الروضات» أيضاً: وَ لِذَا سَمَّاهُ بَعْضُ مَشَايِخِ عُرَفَائِنَا المُتَأخِّرِينَ بِمُمِيتِ الدِّينِ، وَ عَبَّرَ عَنْهُ مَوْلَانا الوَالِدُ المَرْحُومُ المُحْتَرَمُ أعْلَى‌

    1. صَبَأ: خَرج من دينٍ إلي آخر.
    2. نَبَأ: تَجافي و تَباعد. (نَبَأ بهذا المعني لغةٌ في نَبا من الناقص - م).
    3. لاكَ يَلوكُ اللُّقمةَ: مَضَغَها أهونَ المَضْغِ و أدارَها في فَمِه، أوْ هوَ مَضْغُ صُلبٍ.
    4. المراد: السيّد الجزائريّ، فقد كتب حسب نقل «الذريعة» ج ۱٣، ص ٩۰، كتاباً في شرح الأسماء الحسني و منعه العلّامة المجلسيّ من إتمامه.
    5. الآية ٩٩، من السورة ۱٥: الحجر.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

365
  • اللهُ مَقَامَهُ في عِلِّيِّينَ بِلَقَبٍ أحْسَنَ مِنْ ذَلِكَ اللَقَبِ، هُوَ مَاحِي الدِّينِ.

  • و يتابع صاحب «الروضات» كلامه فيقول:

  • نَعَمْ، في هَذِهِ الطَّائِفَةِ جَمَاعَةٌ على حِدَةٍ يَنْظُرُونَ دَائِماً إلى أمْثَالِ هَؤُلَاءِ المَلَاحِدَةِ بِعَيْنٍ وَاحِدَةٍ؛ مِثْلُ ابْنِ فَهْدٍ الحِلِّيّ، وَ شَيْخِنَا البَهَائِيّ، وَ مَوْلَانَا مُحْسِنِ الكَاشِيّ، وَ المَوْلَى مُحَمَّد تَقِيّ المَجْلِسِيّ، وَ القاضي نُورِ اللهِ التُّسْتَرِيّ، وَ لَا سِيَّمَا المُتَأخِّرِ مِنْهُمُ المُتَلَقِّبِ مِنْ أجْلِ ذَلِكَ بـ «شيعه‌تراش».

  • ثمّ يذكر صاحب «الروضات» تفصيلًا لبيان القاضي نور الله في إثبات تشيّع محيي الدين، ثمّ ينتهي المطلب بإشارته إلى أنّ القاضي نور الله قد أخذ في تأويل كلمات محيي الدين الكفريّة و الإلحاديّة المنبعثة عن الزندقة و أنّى له ذلك؟!۱

  • و لقد أوردنا هنا بشمول نسبيّ، المطالب التي ذكرها صاحب «الروضات» بشأن محيي الدين بن عربي بجميع جهات الضعف و نقاط الإشكال التي أوردها فيها، ليقوم المطالعون الكرام و أصحاب النظر -بدقّة و تفحّص تامّين- بملاحظة جميع جوانبها من المدح و الذمّ، و الاستحسان و الاستقباح، و التسليم و التكفير، و التعديل و التفسيق، و اعتباره من السنّة أو الشيعة، لئلّا نكون قد نظرنا إليه لا سمح الله بعين واحدة كاولئك الذين وصفهم المصنِّف٢.

  • كلام الفيض الكاشاني و المولى إسماعيل الخاجوئي في شأن محيي الدين‌

    1. «روضات الجنّات» ج ٤، ص ۱٩٣ إلي ۱٩٦، الطبعة الحجريّة.
    2. من جملة المعترضين على محيي الدين بن عربي، الملّا محسن الفيض الكاشانيّ؛ فقد قام في كتابه «بشارة الشيعة» «المطبوع بالطبعة الحجريّة مع كتبه الخمسة الاخرى، في مجلّد واحد» بالردّ على محيي الدين بشكل مفصّل في الاصول و الفروع. و هذه الإشكالات بأجمعها واردة عليه فيما لو عددناه شيعيّاً، إذ سترد عليه آنذاك إشكالات [تابع في الصفحة التالية…]

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

366
  • ۱

    1. […تابع التعليقة السابقة] سواء في الاصول أم في الفروع. أمّا على أساس كونه سنيّاً و مالكيّاً فإنّ تلك الإشكالات لن ترد عليه بأيّ وجه؛ و سيبقى الإشكال الوحيد عليه هو أمر تشيّعه هو بدوره يزول لو عددناه من المستضعفين. و قد جاء في ص ۱٥۰ أحد الإشكالات المهمّة الواردة عليه من قبل المرحوم الفيض، و هو إشكال ينبغي مناقشته، و عين عبارته هي:
      وَ هَذَا شَيْخُهُمُ الأكْبَرُ مُحيِي الدِّينِ بْنِ العَرَبِيّ وَ هُوَ مِنْ أئِمَّةِ صُوفِيَّتِهِمْ وَ رُؤسَاءِ أهْلِ مَعْرِفِتِهِمْ يَقُولُ في فُتُوحَاتِهِ: «إنِّي لَمْ أسْألِ اللهَ أنْ يُعَرِّفَنِي إمَامَ زَمَانِي؛ وَ لَو كُنْتُ سَألْتُهُ لَعَرَّفَنِي» فَأعْتَبِرُوا يَا اولِي الأبْصَارِ! فَإنَّهُ لَمَّا اسْتَغْنَى عَنْ هَذِهِ المَعْرِفَةِ مَعَ سَمَاعِهِ حَدِيثَ «مَنْ مَاتَ وَ لَمْ يَعْرِفْ إمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» المَشْهُورَةَ بَيْنَ العُلَمَاءِ كَافَّةً؛ كَيْفَ خَذَلَهُ اللهُ وَ تَرَكَهُ وَ نَفْسَهُ فَاسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ في أرْضِ العُلُومِ حَيْرَانَ، فَصَارَ مَعَ وُفُورِ عِلْمِهِ وَ دِقَّةِ نَظَرِهِ وَ سَيْرِهِ في أرِضِ الحَقَائِقِ وَ فَهْمِهِ لِلأسْرَارِ وَ الدَّقَائِقِ لَمْ يَسْتَقِمْ في شَي‌ءٍ مِنْ عُلُومِ الشَّرَائِعِ وَ لَمْ يَعَضَّ على حُدُودِهَا بِضِرْسٍ قَاطِعٍ - الكلام.
      و قد اقتبس المولى إسماعيل الخاجوئيّ نظير هذا الإشكال من الفيض و أورده على ابن عربي، فقد قال حسب نقل صاحب «الروضات» ج ٢، أواخر ص ۱٩٥، الطبعة الحجريّة: قَوْلُهُ: إنَّ لِلَّهِ خَلِيفَةً - إلى آخره، هَذَا يُنَاقِضُ مَا نُقِلَ عَنْهُ أنَّهُ قَالَ في فُتُوحَاتِهِ:
      «إنِّي لَمْ أسْألِ اللهَ أنْ يُعَرِّفَنِي إمَامَ زَمَانِي؛ وَ لَو كُنْتُ سَألْتُهُ لَعَرَّفَنِي» فَانْظُرْ كَيْفَ خَذَلَهُ اللهُ وَ تَرَكَهُ وَ نَفْسَهُ، فَإنَّهُ مَعَ سَمَاعِهِ حَدِيثَ «مَنْ مَاتَ وَ لَمْ يَعْرِفْ إمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» المَشْهُورَ بَيْنَ العُلَمَاءِ كَافَّةً كَيْفَ يَسَعَهُ الاسْتِغْنَاءُ عَنْ هَذِهِ المَعْرِفَةِ وَ كَيْفَ يَسُوغُهُ عَدَمُ السُّؤَالِ عَنْهَا؟!
      و هذا الإيراد على محيي الدين من هذين الجليلين اللذين كانا من أهل الحكمة و المعقول يستدعي العجب، لأنّ محيي الدين قد صرّح تكراراً في «الفتوحات» بأنّه قد تخطّى مراتب الرغبة و الطلب، فليس لديه وجود لرغبة أو طلب، و أنّ كلّ ما يقوله و يعمله هو إرادة الله عزّ شأنه. و لذا فإنّه فانٍ أمام عظمة الحقّ و ليس له في نفسه كيان و وجود و إرادة و اختيار؛ فما أراده الله هو إرادته و ليس هناك في البين إرادتين و مشيئتين.
      هذا من جهة، و من جهة أخرى فإنّ ابن عربي نفسه قد ادّعى: لقد نلتُ مقام زيارة الأنبياء و الأولياء و أوصيائهم بحقّ المعرفة، و شاهدتهم و أدركتهم بالحقيقة و النورانيّة و الولاية الكلّيّة. و أساس معرفة إمام زمان معرفته بالنورانيّة، لا مجرّد التشرّف الخارجيّ و المعرفة بشخصه، و جميع روايات الشيعة في شأن معرفة تلك الذوات المقدّسة بالنورانيّة ترجع إلى هذه المسألة، و هي أهمّ من جميع الامور بحيث تستحقّ أن يفدي الإنسان نفسه و جميع أقاربه لمشاهدتهم بالنورانيّة و بالولاية المطلقة الكلّيّة. و لمّا حصلت تلك المعرفة -و فرضنا أنّ السالك تخطّى أمر الاختيار- فلم يقدّر الله المتعال لديه في الخارج زيارة الوجود الجسميّ و البدنيّ لإمامه، فأيّة حسرة و ندامة ستبقى لديه؟ هذا هو مراد ابن عربي و مرامه الذي يظهر من كلّ واحدة من جملاته و حالاته، و هذا هو الذي يدفع الملّا صدرا، ذلك الحكيم البصير الحاذق، إلى التواضع أمامه و إلى الخضوع مقابله، فتبدر منه تلك العبارة المتينة الموزونة أمام عظمة ابن عربي، و من هنا ندرك أنّه لا المرحوم الملّا محسن الفيض الذي كان نفسه تلميذاً و صهراً للملّا صدرا، و لا الملّا إسماعيل الخاجوئيّ قد فهم روح كلمات محيي الدين و معانيها، و أنّهما قد مرّا مروراً سطحيّاً على تلك الظرائف و الدقائق، أمّا الحكيم الملّا هادي السبزواريّ فلم يكن كذلك - فتأمّل و افهم لأنّ هذا من مزالّ الأقدام.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

367
  • و لقد استنتجتُ من جميع الإشكالات التي وردت عليه، و التي وجّهها إليه الأعلام و الكبار من أمثال المصنِّف نفسه و والده المحترم و المولى إسماعيل الخاجوئيّ و علاء الدولة السمنانيّ و آقا محمّد علي الكرمانشاهيّ البهبهانيّ و أمثالهم، أنّ منشأ و أساس ذلك كلّه قوله بـ «وحدة الوجود»، ذلك القول الذي إذا اكتفى بلفظه و عبارته دون فهمه و إدراكه حقّ الفهم، فإنّه سيستلزم هذه الإشكالات، بل و أشدّ منها.

  • أمّا و لعمر الحبيب فإنّ قصده و هدفه من الوحدة ليس هذا المعنى البسيط المتهالك، فليست الوحدة بمعنى اتّحاد و حلول ذات الخالق مع المخلوق و حلولها فيه، و ليست بمعنى عينيّة ذات ما لا يتناهى و ما لا اسم له و لا رسم مع هذه الوجودات المتعيّنة الكثيفة المتقيّدة المحدودة بألف عيب و علّة.

  • تحقيق من المصنف بشأن حقيقة وحدة الوجود

  • الوحدة، تعني استقلال ذات الحقّ تعالى شأنه في الوجود، فليس‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

368
  • هناك مع وجود هذا الاستقلال و العِزّة، قدرةُ على الاستقلال لأيّ موجود آخر؛ بل سيكون وجوده وجوداً ظلّيّاً و تبعيّاً كظلّ الشاخص الذي يتبعه.

  • كما أنّ وجود جميع الموجودات من الحقّ تعالى، فهي جميعاً آية و ممثّل له، لذا فإنّها بأجمعها ظهوراته و تجلّيات ذاته القدسيّة. لكن الظاهر ليس منفصلًا عن المظهِر، و المتجلّي لا يمكن أن ينفكّ عن المتجلّى فيه، و إلّا لما كان ظهوراً و تجلّياً، بل لصار ذلك وجوداً منفصلًا و هذا وجود منفصل. و سيزول عنوان المخلوق و الربط و الرابطة في هذه الحال، فتصبح جميع الكائنات مولوداً للّه، في حين أنّه‌ ﴿لَمْ يَلِدْ﴾۱ تعالى شأنه.

  • إنّ عينيّة الحقّ مع الأشياء ليست عينيّة الذات البسيطة -أي ما لا اسم له و لا رسم- مع الأشياء، لأنّ تلك ممّا لا يوصف و هذه الأشياء قابلة للوصف، و تلك لا تعيّن لها و لا حدّ، بينما هذه محدودة بأجمعها و متعيّنة. بل إنّ العينيّة، بمعنى عينيّة العلّة للمعلول و الخالق للفعل و الظاهر للظهور، بمعنى أنّه لو فُرض ارتفاع الحدود و التعيّنات فلن يبقى شي‌ء و لا يمكن أن يبقى هناك شي‌ء غير الوجود البحت البسيط المجرّد.

  • و وحدة الوجود بمعنى التعلّق و الارتباط الحقيقيّ -لا الاعتباريّ و الوهميّ و الخياليّ- لجميع الموجودات مع خالقها، و من ثمّ فإنّ فرض وجود صدأ الاستقلال في الموجودات سيكون أمراً لا معنى له، فالجميع مرتبط بالله سبحانه، بل إنّهم ليسوا إلّا الارتباط المحض و العلاقة المحضة.

  • كما أنّ الخالق المتعال الذي هو حقيقة الوجود و أصل الجود و الوجود له معيّة مع جميع الأشياء، لا معيّة ۱+ ۱ التي تمثّل فرضاً مخطئاً هو عين الشرك، بل هي في المثل كمعيّة النفس الناطقة للبدن، و معيّة العقل‌

    1. صدر الآية ٣، من السورة ۱۱٢: التوحيد.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

369
  • و الإرادة للأفعال الصادرة من الإنسان، فهي -على وجه التحقيق- ليست واحدة في المفهوم و المفاد و المعنى لكنّها لا تنفكّ و لا تتميّز عن بعضها.

  • الآيات القرآنيّة الدالّة على وحدة الوجود

  • أ فلم نقرأ - أيّها العزيز! آيات القرآن القائلة: ﴿وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ﴾‌؟۱

  • أ فهذه المعيّة حقيقيّة أم اعتباريّة و مجازيّة؟ لو قلتَ إنّها اعتباريّة، فلن تكون عند ذلك علاقة بيننا و بينه بأيّ وجه من الوجوه، و ستصبح كلّ ذرّة من ذرّات العالم و كلّ موجود من الملك إلى الملكوت بأجمعها موجودات مستقلّة، و علينا أن نقول بأن هناك قديماً و أزلًا و دائماً بعددها جميعاً؛ و سيصدق بشأننا آنذاك قول النبيّ المحترم يوسف على نبيّنا و آله و عليه السلام لرفيقَيهِ و صاحبَيهِ في السجن:

  • ﴿يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَ أَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ﴾.٢

  • ذلك الله الذي لم يدع بعزّته و استقلاله في الوجود و باسم قهّاريّته الذي هو من لوازم وحدته، مجالًا لربّ أو أرباب آخرين مستقلّين و منفصلين، بل إنّ وحدة ذاته القدسيّة قد أحرقت جميع الوحدات الاعتباريّة و المجازيّة و أزالت هذا الهشيم عن الدرب.

  • أو هل تأمّلنا في هذه الآية القرآنيّة المباركة:

  • ﴿ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى‌ ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَ لا أَدْنى‌ مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا﴾.٣

  • فكيف ترى نتصوّر معيّة الله لنا إن نحن اعتبرناه منفصلًا عنّا و عددنا

    1. مقطع من الآية ٤، من السورة ٥۷: الحديد.
    2. الآية ٣٩، من السورة ۱٢: يوسف.
    3. مقطع من الآية ۷، من السورة ٥۸: المجادلة.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

370
  • أنفسنا منفصلين عنه، كمثل رفيقين يسافران معاً أو كشخصَين لهما معيّة العمل في شركة معيّنة؟ إذ لن تكون المعيّة في هذه الحال معيّةً واقعيّة و حقيقيّة، بل ستكون معيّة اعتباريّة و مجازيّة و كاذبة.

  • إنّ للّه سبحانه معنا معيّة حقيقيّة أي معيّة وجوديّة لكنّه كمثل الشمس و نحن كمثل الشعاع، أو حسب التعبير القرآنيّ الأفضل كمثل الظلّ. فهو الاستقلال و نحن التبعيّة، و هو العزيز و نحن الأذلّاء، و هو الحقيقة و نحن الآية و المرآة.

  • اقسم بالله عليكم! أ يمكن تصوّر أن يقوم القرآن ببيان و إيضاح معنى المعيّة و إيضاحه أفضل ممّا فعل؟!

  • أ وَ هل فكرنا في هذه الآية الكريمة الشريفة:

  • ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ وَ الظَّاهِرُ وَ الْباطِنُ وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْ‌ءٍ عَلِيمٌ‌﴾.۱

  • لكنّ إدراك هذا المعنى بالمشاهدة و الوجدان و العيان ليس ميسوراً لكلّ أحد، فهذا هو مقام التوحيد العالي؛ حيث ينبغي أن يصل المسلم حقيقة إلى درجة يرى الله سبحانه فيها -قلباً و سرّاً- إلهاً واحداً، و يدرك أن جميع الموجودات ليست إلّا موجودات فانية مضمحلّة و مندكّة و معدومة، بلا قدرة و لا حياة أمام ذلك الوجود العزيز المستقلّ و القادر و الحيّ.

  • هنا يصمت أهل التوحيد فلا ينبسون بكلمة، فلو تكلّموا و قالوا إنّ هناك في عالم الوجود وجوداً واحداً مستقلًّا مختاراً مريداً، و أن ليس هناك إلّا وجود عليم سميع قدير بصير حيّ قيّوم، و إنّ جميع الموجودات هي فَناء محض أمام ذلك الوجود؛ لعدّهم الناس زنادقة و كفّاراً و لاستنكروا عليهم بقولهم: كيف تقولون عن هذه القدرات و مراكز العظمة و الحياة و العلم في‌

    1. الآية ٣، من السورة ٥۷: الحديد.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

371
  • الدنيا إنّها بلا أثر و إنّها ليست إلّا فَناءً محضاً؟!

  • و كيف تعتبرون أمثال فرعون و نمرود و الشيطان مقهورين مسخّرين لأمر الحقّ؟ ليس هذا منكم إلّا عين الكفر و نسبة القبح إلى الله تعالى.

  • بَيدَ أنّ هؤلاء يجهلون أنّ هناك فارقاً بين التكوين و التشريع، فعالَم التكوين و الوجود و الإيجاد يتحرّك في طريقٍ له معيّن، كما أنّ مسائل عالم التشريع تمثّل مسائل أخرى مختلفة ينبغي عدم خلطها و مزجها مع بعضها، و إلّا كانت العاقبة ظهور أمثال هذا التكفير و التفسيق.

  • و من العجيب أنّ محيي الدين بن عربي نفسه قد استشهد في مقدِّمة «الفتوحات» بكلام سيّد العابدين و إمام الساجدين عليه السلام و نقل عنه بيتين من الشعر. يقول محيي الدين: لو لم يكن كتمان السرّ واجباً، و كانت أسرار التوحيد قابلة لإدراك جميع الناس، لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِ الرَّضِيّ مِن حَفَدَةِ عَلِيّ بْنِ أبي طَالِبٍ صلّى اللهُ عَلَيهِ وَ سَلَّمَ معنى إذْ قَالَ:

  • يَا رُبَّ جَوْهَرِ عِلْمٍ لَوْ أبُوحُ بِهِ‌***لَقِيلَ لِي أنْتَ مِمَّنْ يَعْبُدُ الوَثَنَا
  • وَ لَاسْتَحَلَّ رِجَالٌ مُسْلِمُونَ دَمِي‌***يَرَوْنَ أقْبَحَ مَا يَأتُونَهُ حَسَنَا۱
    1. «الفتوحات المكّيّة» ج ۱، ص ٣٢، طبعة المطبعة الأميريّة، مصر، في مقدِّمة الكتاب؛ أقول: مجموع هذه الأشعار أبيات أربعة:
      إنّي لأكْتُمُ مِنْ عِلْمِي جَوَاهِرَه***كَيلَا يَرَي الحَقَّ ذُو جَهْلٍ فَيَفْتَنِنَا
      وَ قَدْ تَقَدَّمَ في هَذَا أبُو حَسَنٍ***إلى الحُسَيْنِ وَ أوْصَى قَبْلَهُ الحَسَنَا
      مع البيتين اللذين ذكرهما محيي الدين. و قد نقل صاحب «الغدير» هذه الأبيات في كتابه، ج ۷، ص ٣٥ و ٣٦، الطبعة الأولى، المطبعة الحيدريّة، طهران، سنة ۱٣۷٢، عنه عليه السلام، و يقول في الهامش: أوردها الآلوسيّ في تفسيره، ج ٦، ص ۱٩۰، عنه عليه السلام.و أقول: أوردها المرحوم المحقّق الفيض الكاشانيّ في مقدِّمة كتاب «الوافي» و في «الاصول الأصيلة» ص ۱٦۷، عن الإمام عليه السلام. و يقول المحدِّث الارمويّ في هامشه عليه: إنّ نسبة هذه الأشعار للإمام زين العابدين عليه السلام مشهورة، و هي مأثورة عنه في أغلب كتب المصنّف رحمة الله عليه حتّى أنّ الغزّاليّ قد نقلها في كتبه و نسبها إلى الإمام عليه السلام.و قد أورد عبد الوهّاب الشعرانيّ في مقدِّمة الجزء الأوّل ص ٢۱ من «اليواقيت و الجواهر» طبعة مكتبة الحلبيّ لسنة ۱٣۷۸، الفصل الثالث، في بيان إقامة العذر لأهل الطريق في تكلّمهم في العبارات المغلقة على غيرهم، حكاية عن محيي الدين قَالَ: نَقَل الإمَامُ الغَزَّالِيّ في «الإحْيَاء» وَ غَيْرِهِ عَنِ الإمَامِ زَيْنِ العَابِدِينَ عَلِيّ بْنِ الحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ كَانَ يَقُولُ:... يذكر هنا البيتين الواردين في «الفتوحات» ثمّ يقول بعدها: وَ المُرَادُ بِهَذَا العِلْمِ الذي يَسْتَحِلُّونَ بِهِ دَمَهُ هُوَ العِلْمُ اللدُنِّيّ الذي هُوَ عِلْمُ الأسْرَارِ، لَا مَنْ يَتَوَلَّى مِنَ الخُلَفَاءِ وَ مَنْ يَعْزِلُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ، لأنَّ ذَلِكَ لَا يَسْتَحِلُّ عُلَمَاءُ الشَّرِيعَةِ دَمَ صَاحِبِهِ وَ لَا يَقُولُونَ لَهُ: أنْتَ مِمَّنْ يَعْبُدُ الوَثَنَ - انتهى. فَتَأمَّلْ في هَذَا الفَصْلِ فَإنَّهُ نَافِعٌ لَكَ وَ اللهُ يَتَوَلَّى هُدَاكَ.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

372
  • فتأمّلوا جيّداً! إنّ الإمام يقول هنا: إنّ الحقائق التي فهمتها و أدركتها عن التوحيد هي عند الناس كعبادة الأصنام، اولئك الناس الذين يرون أقبح أعمالهم (التي هي عين الشرك) عملًا حسناً؛ أي إنّ إيماني يغاير و يعاكس كلّ المغايرة و المعاكسة إيمان هؤلاء القوم، و كلّ ما أعرفه عن التوحيد فهو عندهم شرك، و ما يعدّه هؤلاء من الإسلام و سيرة المسلمين فينجزون أعمالهم -على أساسهـ عن نيّة و عقيدة حسنة فيحجّون و يجاهدون و يقومون بسائر الأعمال الحسنة، و يحلّون سفك دمي -من ثمّ- عن عصبيّة إسلاميّة، فإنّ جميع هذه الأعمال باعتبارها غير مقترنة برؤية جمال الحقّ و انكشاف وحدته، و باعتبار أنّهم ينسبونها لأنفسهم، و يتخيّلون أنفسهم أساس الفعل و العمل و الاختيار، هي أقبح الأعمال، و لو بدت جميعها في الظاهر خيراً، و مهما اتّخذت شكل الدرس و البحث و التعليم و التعلّم، ذلك لأنّها لم تصطبغ بصبغة الوحدة و لم يُجلَ عنها صدأ الأنانيّة و الإنّيّة، فهي لذلك من أخبث الأفعال و الأعمال.

  • فَتَأمَّلْ يَا أخِي وَ أرْسِلْ فِكْرَكَ حتّى يَخْطُرَ على بَالِكَ مَا لَمْ يَخْطُرْ قَبْلَ‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

373
  • التَّأمُّلِ في هَذِهِ المَعَانِي عَلَيْهَا!

  • و بطبيعة الحال فإنّ مَن ينظر إلى جميع الموجودات بالنظر التوحيديّ سيراها بشكل آخر، و لو لا ذلك لما قال عليه السلام إنّه يتكتّم على علمه فلا يظهره و لا يجريه على لسانه. و حيث إنّ السبيل الوحيد للعلاج منحصر في أن نخطو بقدم صدق على صراط التوحيد من أجل نيل مشاهدة الإمام السجّاد عليه السلام، و حينذاك ستصدق مسألة إمامته لنا و مأموميّتنا له؛ لا أن نصرّ على هذه الدرجة من إدراكنا و نتخبّط في مكاننا دون حركة للأمام و لا نزيل عن قلوبنا صدأ الشرك الذي هو أقْبَحُ مَا نَأتِي، و لا نعالج رمد عيوننا كي نشاهد إشراق الشمس التي تسطع على العالم كلّه، ثمّ نعدّ أنفسنا على حقّ و نعدّ مدركاتنا الفعليّة حقّاً.

  • و لأنّنا نقصر عن تكفير أو تفسيق الإمام السجّاد، كما ليس في وسعنا في زمننا هذا أن نريق دمه، فإنّنا نقوم بتكفير و تفسيق العرفاء بالله و أولياء الحقّ أمثال محيي الدين بن عربي؛ و نقتل كلّ بائس عاجز و والهٍ منقلب، بحجّة التصوّف و القول بوحدة الوجود، فيصبح قتل الدراويش سنّتنا معنى و ظاهراً.

  • إنّ كلامنا هنا بشأن القول بوحدة الوجود يختلف عن الردود التي قدّمها المرحوم شهيد الفضل و الولاية و العلم و الدراية القاضي السيّد نور الله التستريّ في «مجالس المؤمنين»۱ فإجابتنا أكثر وضوحاً و صراحة. و لقد اتّضح بهذا البيان الذي سبق أنّ إنكار وحدة الوجود يعني إنكار الاستقلال في ربوبيّة و خلّاقيّة الباري تعالى شأنه العزيز، فمنكر وحدة الوجود منكر للتوحيد، و محارب و معارض و مخاصم للآيات المباركة

    1. «مجالس المؤمنين»، ص ٢۸٣، المجلس السادس، الطبعة الحجريّة.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

374
  • المذكورة.

  • دفاع القاضي نور الله عن محيي الدين في معنى وحدة الوجود

  • لقد بذل القاضي نور الله (حشره ربّه مع شهداء الطفّ) جهوداً كبيرة، و كان كتابه النفيس «إحقاق الحقّ» تاج فخر يزهو على مفرق رأس الشيعة إلى يوم القيامة، و لكن و للأسف فلم يطبع متنه الكامل و لا ملحقاته حتّى الآن. و لقد تطرّق في «مجالس المؤمنين» في دفاعه عن محيي الدين حيث يقول:

  • فيظهر أنّ منشأ الإشكال هو عدم فهم مراد الشيخ، إذ لم تتّضح لديهم معاني كلام الشيخ بكاملها، و كان التفاتهم إلى جانب آخر.

  • صوفي اگر آن روى نبيند بگذارش‌***كان مرغ ندانست كه انجير كدام است‌۱
  • كما إنّ استناد الشيخ في وحدة الوجود عائد إلى الكشف الصحيح و الذوق الصريح لا إلى الدليل العقليّ أو المقدِّمات النقليّة.

  • كلام المير سيّد شريف في حواشي «شرح التجريد» في وحدة الوجود

  • يقول المير السيّد شريف في حواشي «شرح التجريد»: إنْ قُلْتَ: مَا ذَا تَقُولُ في مَن يَرَى أنَّ الوُجُودَ مَعَ كَوْنِهِ عَيْنَ الوَاجِبِ وَ غَيْرَ قَابِلٍ لِلتَّجَزِءَةِ وَ الانْقِسَامِ قَدِ انْبَسَطَ على هَيَاكِلِ المَوْجُودَاتِ، يَظْهَرُ فِيهَا فَلَا يَخْلُو عَنْهُ شَي‌ءٌ مِنَ الأشْيَاءِ بَلْ هُوَ حَقِيقَتُهَا وَ عَيْنُهَا؛ وَ إنَّمَا امْتَازَتْ وَ تَعَدَّدَتْ بِتَقَيُّداتٍ وَ تَعَيُّنَاتٍ اعْتِبَارِيَّةٍ، وَ يُمَثَّلُ ذَلِكَ بِالبَحْرِ وَ ظُهُورِهِ في صُورَةِ الأمْوَاجِ المُتَكَثِّرَةِ مَعَ أنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ إلَّا حَقِيقَةُ البَحْرِ فَقَطْ؟

  • قُلْتُ: هَذَا طَوْرٌ وَرَاءَ طَوْرِ العَقْلِ لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِالمُشَاهَدَاتِ الكَشْفِيَّةِ دُونَ المُنَاظَرَاتِ العَقْلِيَّةِ، وَ كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ.٢

    1. يقول: «دع الصوفيّ الذي لا يري الباطن و الوجه الآخر لحقيقة الامور، فهو كالطائر الذي لا يميّز التين عن غيره (إذ لم يره و لم يعرفه قبلًا).
    2. كلام المير السيّد شريف منقول في «الروضات»، ج ٤، ص ۱٩٤، الطبعة الحجريّة عن «مقامع الفضل».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

375
  • و أمّا قول الشيخ علاء الدولة أخيراً من أنّه إذا قال أحد بأنّ فضلة الشيخ هي عين وجود الشيخ فإنّه سيغضب و لا يسامحه، فهو تمثيل قبيح جدّاً، ملوَّث بفضلة غير الدراويش؛ و ذلك لأنّ أصحاب التوحيد لو اعتبروا معيّة الحقّ للأشياء كمعيّة جسم لجسم لاستلزم ذلك الفساد.

  • أمّا المعيّة بزعمهم فهي كمعيّة الوجود للماهيّات، و الماهيّات غير ملوَّثة، بخلاف معيّة الشخص للفضلة التي هي من قبيل معيّة جسم لجسم و التي يمكن التلوّث بها.

  • و كان الكلام كذلك في نفي وجود الممكنات التي هي آثار وجود الحقّ، فأثر الشي‌ء ليس فضلة ذلك الشي‌ء ليصحّ التمثيل و التشبيه الذي أورده. و لهذا فلو قال أحد للشيخ علاء الدولة: إنّ كتاب «العروة» هو فضلتك! لغضب و لما سامحه و تجاوز عنه.

  • و عموماً فإنّ أمثال هذه الكلمات المضطربة لا تليق بعلوّ شأنه، فما الذي سيقوله و يكتبه -بعدُ- درويش الدراويش؟!۱

  • أقول: حقّاً لقد أحسن المرحوم الشيخ القاضي الإجابة عن الشيخ، و لقد أوفى المطلب حقّه كما ينبغي.

  • يقول الحقير: إنّ إشكال علاء الدولة على الشيخ محيي الدين ليس إشكالًا برهانيّاً، بل هو خطابة و شعر، بل مغالطة؛ و هو أمر مستبعد من شخص يعدّ نفسه حكيماً. و لقد كان إشكاله أشبه بافتعال الضجّة و الصخب بلا داعٍ و إثارة للشغب و القلاقل و الاضطرابات. و سيقول الشيخ محيي الدين‌

    1. «مجالس المؤمنين» ص ٢۸٣، المجلس السادس في أحوال محيي الدين بن عربي.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

376
  • في جوابه: إن كان المراد بعينيّة الفضلة، العينيّة مع النفس الناطقة و الروح فهو مثال مع الفارق؛ و إن كان العينيّة مع الجسم و البدن، فنعم، نحن نلتزم بهذه العينيّة.

  • أ فلستم تقومون في المختبر بتحليل مقدار من هذه الفضلة أو البول أو الدم النجس و المتلوّث، فتدركون بتحليلها جميع أحوال بدن الإنسان من السلامة و المرض و العنصر و أقسام جهات اختلاف الأنواع؟! فإن كانت الفضلة لا تمتلك بأيّة حال نسبة إلى البدن فمن أين تكشف هذه العجائب؟!

  • أزيلوا العنوان القبيح عن الفضلة و نجاسة الدم و البول، و عندئذٍ أيّ تفاوت سيكون بينها و بين سائر أجزاء و أعضاء و آثار البدن؟!

  • لكنّ نجل آية الله البهبهانيّ: الشيخ محمّد علي الكرمانشاهيّ لم يُجب في «مقامع الفضل» عن وحدة الوجود بهذه الأجوبة التي شاهدتموها، لكنّه أضاف إلى محيي الدين البائس -مضافاً إلى التكفير- ألف عيب و عيب آخر ينبغي له أن يجيب عنها في المواقف القادمة.

  • فلقد اكتفى بذكر مقولة المير السيّد شريف في «حاشية التجريد» ثمّ شرع بانتقاد العرفاء و محيي الدين بن عربي.

  • و لقد كان قتل الدراويش شائعاً في زمنه، و كان العوامّ آنذاك كالأنعام أينما رأوا مسكيناً والهاً يرفع شعار الدراويش أغاروا على بيته و نهبوه ثمّ قتلوه.

  • و لقد تفضّل آية الله الحاجّ الشيخ محمّد جواد الأنصاريّ بالقول ضمن نصائحه و مواعظه و قضايا أخرى ذكرها، ليلة الجمعة، الليلة الثانية عشرة من شهر جمادي الآخرة لسنة ألف و ثلاثمائة و سبع و سبعين هجريّة قمريّة حين كان الحقير في همدان في منزل و محضر سماحته؛ قال:

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

377
  • أمر محمّد علي كرمانشاهيّ بقتل ثلاثة من الدراويش‌

  • لقد قام محمّد علي البهبهانيّ‌۱ بقتل السيّد معصوم علي شاه‌٢ في‌

    1. ذكر آية الله الحاجّ السيّد محسن العامليّ ترجمته في «أعيان الشيعة» ج ٤٦، ص ۱٥٦، برقم ٢٥۸٦، الطبعة الثانية، سنة ۱٣۷۸، بهذه الكيفيّة: الآقا محمّد علي ابن الآقا محمّد باقر البهبهانيّ ولد سنة ۱۱٤٤ و توفي سنة ۱٢۱٦ في كرمانشاه. هو ولد الوحيد البهبهانيّ المشهور؛ أصله من إصفهان ثمّ بهبهان، و سكن والده كربلاء و ولد هو بها، و هو أفضل ولدي الوحيد البهبهانيّ. قرأ على أبيه مدّة إقامته في بهبهان ثمّ بكربلاء ثمّ انتقل إلى الكاظميّة ثمّ إلى إيران.
      في «تكملة أمل الآمل»: كان من جبال العلم و أركان الدين و أعلام علماء المذهب، لم يكن في عصره أفضل منه و لا أطول باعاً؛ كان أعلم الناس باصول المذاهب الأربعة و فروعها فضلًا عن علوم مذهب الإماميّة.
    2. تفضّل سماحة الحاجّ الشيخ محمّد جواد بالقول في نفس الليلة: كان السيّد معصوم علي شاه تلميذ السيّد علي رضا الدكنيّ، و كان يعيش في دكن من بلاد الهند. ثمّ جاء من الهند إلى إيران و لم يكن يملك إلّا ما يستر به عورته. و كان الحاجّ محمّد جعفر البروجرديّ و الحاجّ محمّد رضا التبريزيّ من تلامذة السيّد علي رضا الدكنيّ، إلّا أنّهم كانوا يعدّون في نفس الوقت من المشغوفين بالسيّد معصوم علي شاه. و كان الحاجّ محمّد رضا و الحاجّ محمّد جعفر رجلين جليلين لكنّهما ينتهجان نهج الدراويش. و كان للحاجّ محمّد رضا مقام علميّ، و له كتاب «الدرّ النظيم» و «مفاتيح الأبواب» و الكثير من الكتب الاخرى، و كان يسكن بروجرد فقام أهلها بنهب جميع أمواله و أخرجوه من بروجرد وحيداً بتهمة التصوّف.
      و قد ذهب الحاجّ محمّد رضا إلى مدينة تبريز فأصبح هناك محطّ اهتمام الناس و تقديرهم و صار يحضر عند منبره جمع كثير منهم، و كان يوماً يتكلّم على المنبر و الناس مجتمعون بأجمعهم يُنصتون و كان لذلك منظر عجيب، فخطر في قلبه أنّ استقبال أهل تبريز هو تعويض عن أذى أهل بروجرد. و فجأة دخل الباب درويش قد شدّ قدميه، فجاء من فوره إلى المنبر و همس في اذن الحاجّ محمّد رضا شيئاً. و يظهر أنّه قال له: أ أفعل ما ينبغي عَلَيّ فعله أم لا؟ فقال الحاجّ محمّد رضا: افعل!
      فألقى الدرويش عمامة الحاجّ محمّد رضا في عنقه و جرّه من المنبر إلى الأسفل، و أخرجه من المسجد تَلَافِياً لهذا الخُطُورِ النفسانيّ. و كان السيّد علي رضا الدكنيّ قد أرسل هذا الدرويش من دكن و قال له: اذهب إلى تبريز فوراً و أنقِذْ أحد محبّي الله المشرفين على الهلاك. و هكذا فقد نجى الحاجّ محمّد رضا.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

378
  • كرمانشاه، و قتل محمّد علي ثلاثة من أولياء الله، و كان اسم ثالثهم بُدَلا، فأصدر أمره بقتله، فقال له بُدلا: إن قتلتني دفنت قبلي!

  • فردّ عليه محمّد علي: أنّ مظفّر علي شاه و السيّد معصوم علي شاه الذين كانوا أهمّ منك لم تصدر منهم معجزة كهذه، أ فتريد أن يصدر منك أنت ذلك؟! فقال بُدَلا: الأمر كذلك، فاولئك كانا كاملين لا فرق لديهما بين الموت و الحياة، لكنّي لم أصبح كاملًا حتّى الآن و كوني غير واصل، فإن قتلتني ظلمتني!

  • فلم يُلقِ إليه آقا محمّد علي بالًا و قتله، و كانت جنازة بُدَلا لا تزال موضوعة على الأرض حين انهار سقف الممرّ على آقا محمّد علي بينما كان يجتازه ففارق الحياة. و باعتبار كونه العالم المعروف و المشهور لكرمانشاه، و للاحترام الذي كان يحظى به لدى الناس، فقد شُيِّعت جنازته و دفنت، بينما لم يُلقِ أحد آنذاك بالًا إلى جنازة بُدَلا المطروحة في إحدى الزوايا التي لم تدفن.

  • كما قال المرحوم آية الله الأنصاريّ: بالرغم من أنّ مظفّر علي شاه و السيّد معصوم علي شاه و بُدَلا كان لهم مسلك الدراويش و هو مسلك غير مقبول، إلّا أنّ إصدار أمر بقتل أولياء الله ليس بالأمر الهيّن.

  • و كان سماحة الاستاذ آية الله العلّامة الطباطبائيّ قدّس الله نفسه يقول:

  • إنّ هذه النهضة الدستوريّة و الحرّيّة و النزعة التقليديّة للغرب و الإلحاديّة و اللااباليّة التي جاءت هديّة لنا من الكفّار، قد أثمرت نسخ قتل‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

379
  • الدراويش، و وجدت عندها الأقوال العرفانيّة و التوحيديّة حرّيّة نسبيّة، و لو لا ذلك لرأيتم اليوم أيضاً نفس تلك الاتّهامات و القتل و النهب و الشنق لسالكي طريق الله.

  • و إجمالًا فقد تابع المرحوم الشهيد السيّد القاضي نور الله دفاعه عن محيي الدين في صواب قوله بوحدة الوجود و في الردّ على علاء الدولة السمنانيّ، فأورد هذه العبارات:

  • أورد صاحب «النفحات» أنّ بعض المعاصرين ممّن له تتبُّع زائد لكِلَا كلمات الشيخَين، و ممّن له اعتقاد بهما و إخلاص تامّ لهما قد كتب في بعض رسائله: أنّه لا خلاف في حقيقة التوحيد بينهما، و لقد كانت تخطئة و تكفير الشيخ علاء الدولة للشيخ (ابن عربي) قدّس سرّه ترجع إلى المعنى الذي فهمه من كلامه، لا إلى المعنى الذي أراده الشيخ و رمى إليه. حيث إنّ للوجود اعتبارات ثلاثةً:

  • أوّلها: اعتباره بشرط شي‌ء و هو المقيّد. و الثاني: بشرط لا شي‌ء و هو الوجود العامّ. و الثالث: لا بشرط و هو الوجود المطلق.

  • فقول الشيخ قدّس سرّه بأن ذات الحقّ سبحانه وجود مطلق إنّما هو بالمعنى الأخير، لكنّ الشيخ علاء الدولة حمله على الوجود العامّ فبالغ في نفيه و إنكاره. مع أنّه قد أشار بنفسه إلى إطلاق الوجود على الذات بالمعنى الأخير، فقد قال في بعض رسائله: الحَمْدُ لِلَّهِ على الإيمَانِ بِوُجُوبِ وُجُودِهِ و نَزَاهَتِهِ عَنْ أنْ يَكُونَ مُقَيَّداً مَحْدُوداً وَ مُطْلَقاً لَا يَكُونُ بِلَا مُقَيَّدَاتِهِ.

  • و الوجود إن لم يكن مقيّداً محدوداً، و لا مطلقاً يتوقّف وجوده على مقيّدات، فسيكون بلا ريب مطلقاً لا بشرط شي‌ء، أي غير مشروط بأيّ من التقيّدات، إذ القيود و التعيّنات شرط ظهوره في المراتب، لا شرط وجوده في حدّ ذاته. و يمكن أن يكون النزاع بين الشيخ علاء الدولة و الشيخ‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

380
  • عبد الرزّاق الكاشانيّ من هذا القبيل.

  • أدلّة القاضي نور الله، على حقيقة التوحيد من كلمات الاعلام و أشعارهم‌

  • و بصورة مجملة فإنّ الطائفة الصوفيّة الموحِّدة حين يحكمون بعينيّة الأشياء فيسمّون الجميع بالوجود الحقّ و الوجود المطلق، يحكمون كذلك بغيريّة الأشياء فيقولون بأنّ الأشياء هي غير الحقّ، لا عينه و لا غيره.

  • كما قد وردت الإشارة في «الفصوص» إلى هذه العبارة و الإطلاقات. و كذلك فقد قال الثمل بالشراب القيّوميّ: الملّا الروميّ:

  • گاه كوه قاف و گه عنقا شوى‌***گاه خورشيد و گهى دريا شوى‌
  • تو نه اين باشى نه آن در ذات خويش‌***اى برون از وهمها در پيش پيش‌۱
  • كما أنّهم يقولون إنّ طريقة الاعتدال في التوحيد هي:

  • كه جهان پرتوى است از رخ دوست‌***جملة كائنات ساية اوست‌٢
  •  

  • هر آن چيزى كه در عالم عيان است‌***چو عكسى ز آفتاب آن جهان است‌٣
    1. يقول: «تصبح أحياناً جبل القاف و أحياناً العنقاء نفسها، تصير الشمس تارةً و البحر تارةً اخرى.
      لكنّك في حقيقة الذات لا هذا و لا ذاك، يا من تخطّيتَ حدَّ الأوهام و الوصف».
    2. يقول: «إنّما هذا العالم أشعّة من وجه الله، و كلّ الكائنات ظلّ و خيال له».
    3. يقول: «كلّ الأشياء التي تُري في هذا العالم بالعيان، ليست إلّا صورة شمس ذلك العالم».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

381
  • اى جلوه‌گر از جمال جانان همه تو***مقصود دل و آرزوى جان همه تو
  • اعيان همه آئينه و عكس رخ خويش‌***بنموده در آئينه اعيان همه تو۱
  • «ليس في الكائنات غيرك شي‌ء»

  • على أنّ كلًّا من هذه الإطلاقات هو باعتبار معيّن من التشبيه و التنزيه و الجمع و التفصيل، و النظر إلى بعض الحيثيّات لا إلى جميعها، و لذلك يظهر في كلامهم ما يوهم التهافت كثيراً، كَمَا لَا يَخْفَى على المُتَتَبِّعِ لِكَلَامِهِمْ وَ المُتَفَطِّنِ لِمَرَامِهِمْ. و من جملة ذلك هذا النظم الجميل المنسوب لبعض الموحِّدين الأجلّاء: شعر:

  • يَا جَلِيّ الظُّهُورِ وَ الإشْرَاقْ***كيست جز تو در أنفس و آفاق‌
  • لَيْسَ في الكَائِنَاتِ غَيْرَكَ شَي‌ء***أنْتَ شَمْسُ الضُّحَى وَ غَيْرُكَ فَيْ‌ء
  • دو جهان سايه است و نور توئى‌***سايه را مايه ظهور توئى‌
  • حرف ما و من از دلم بتراش‌***محو كن غير را و جمله تو باش‌
  • خود چه غير و كدام غير اينجا***هم ز تو سوى توست سير اينجا
  • در بدايت ز توست سير رجال‌***در نهايت به سوى توست آمال‌٢
    1. يقول: «يا مَن تتجلّي الأرواح كلّها من جمالك، أنتَ -لا سواك- الجمال المطلق، و أنت وحدك مقصود القلوب و محطّ آمال الأرواح.
      ليست الأعيان و الموجودات إلّا مَرايا، يا مَن أظهرتَ حقيقةَ وجودك للعالمين في مرايا الأعيان».
    2. يقول: «يا جليّ الظهور و الإشراق، مَن -ترى- سواك في الأنفس و الآفاق؟
      ليس في الكائنات غيرك شي‌ء، أنت شمس الضحي و غيرك في‌ء.
      كِلا العالَمَينِ ظلّ، و النور أنت، فأنت السبب لظهور الظلّ.
      أزِلْ عن قلبي كلمات «أنا» و «نحن»، و امح ما سواك ليصبح الكلّ أنت. ليس غيرك مِن شي‌ء، بل أيّ شي‌ء سواك؟ كما أنّ السير يبدأ منك و إليك.
      منك في البدء كان سير الرجال، و إليك في الختام تطمح الآمال».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

382
  • اللهُمَّ أنْتَ السَّلَامُ وَ مِنْكَ السَّلَامُ وَ إلَيْكَ يَرْجِعُ السَّلَامُ!

  • يقول اليافعيّ في «الإرشاد»: قال الشيخ عز الدين عبد السلام الدمشقيّ: إنّ الشيخ زنديق. ثمّ قال له بعض أصحابه يوماً: نريد أن نرى القُطب. فأشار إلى الشيخ. فقالوا: إنك تطعن فيه!

  • فقال: إنّ ذلك لحفظ ظاهر الشرع.

  • گر پير مغان مُرشد من شد چه تفاوت‌***در هيچ سرى نيست كه سِرِّى ز خدا نيست‌
  • در صومعة زاهد و در خلوت صوفى‌***جز گوشه ابروى تو محراب دعا نيست‌۱
  • أقول: إنّ محيي الدين نفسه يجيب على جميع هذه الإشكالات و جميع هذه الأقوال المتعارضة فقط بتلك العبارة التي صارت مورداً للإشكال عليه: سُبْحَانَ مَنْ أظْهَرَ الأشْيَاءَ مِنَ العَدَمِ وَ هُوَ عَيْنُهَا.

  • «سُبحان» أي أنّني انزّه تلك الذات العالية الراقية، العظيمة الرتبة، الجليلة المقام، التي لا توصف، عن شوائب الثنويّة و الغيريّة و الامتزاج بالأشياء التي أوجدتها من العدم و خلعت عليها خلعة الحياة، في حين أنّها عينها. أي تلك الذات التي تفوق تصوّرنا و خيالنا، و التي هي أسمى من‌

    1. «مجالس المؤمنين» ص ٢۸٣ و ٢۸٤، المجلس السادس، الطبعة الحجريّة، ضمن ترجمة أحوال الشيخ العارف بالله محيي الدين بن عربي.
      يقول: «ما الفرق لو صار شيخ المجوس (المُرشد الكامل) مرشدي، فليس هناك من رأسٍ يخلو من سرّ الله.
      فلا محراب للدعاء في صومعة الزاهد، و في خلوة الصوفي، غير زاوية حاجبك».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

383
  • الوهم و الوصف و أعلى من الاسم و الرسم؛ و حقيقة الوجود و أصالته؛ فالأشياء التي أظهرتها ليست إلا ظلًّا لها و تبعاً، و عينيّة و ارتباطها بالذات في عين حفظ مقام الكثرة -اندكاكها و فناؤها- لن يستوجب التركيب و الحدوث و التجزئة و الانقسام.

  • دائماً او پادشاه مطلق است‌***در كمال عزّ خود مستغرق است‌
  • او به سَر نايد ز خود آنجا كه اوست‌***كى رسد عقل وجود آنجا كه اوست‌۱
  • صاحب «الروضات» يعتبر الاحسائيّ من «بعض مشايخ عرفائنا المتأخّرين»

  • هذا و قد استظهر أيضاً صاحب «الروضات» لتحطيم و دحر صولة محيي الدين بكلمات الشيخ أحمد الأحسائيّ الذي كان يلقّبه بدل محيي الدين بـ «مُميت الدين» و يدعوه في كتبه و دروسه بمميت الدين؛ مُشيراً إلى الشيخ أحمد الأحسائيّ بعبارة بَعْضُ مَشَايِخِ عُرَفَائَنِا المُتَأخِّرِيَنَ!٢

  • و الشيخ أحمد الأحسائيّ لا تخفى ترجمة حاله اليوم على أحد؛ فهو رجل زاهد عابد يمتاز بقدرة جيّدة على الحفظ و الاستظهار، لكنّه سعى إلى فهم مطالب الحكماء بدون الاستعانة باستاذ، و شرع بمطالعة كتب الحكمة فلم يُدرك حقيقة مطلبها فتحيّر. و بما عنده من اطّلاع كافٍ بالأخبار، فقد حاول موافقة حقائق المعاني الحكميّة مع ظواهر عبارات الأحاديث، فلم يوفّق في ذلك. ثمّ صار يعتقد بأصالة الوجود و كذلك بأصالة الماهيّة في‌

    1. من أشعار الشيخ العارف: فريد الدين العطّار النيسابوريّ في كتابه المشهور «منطق الطير»؛ يقول: «هو الملك المطلق دائماً، المستغرق في كمال عزّه.
      لم يزل قائماً بذاته حيثُ كان و لا يزال، فكيف يُدركه عقلُ الوجود حيثُ هو».
    2. «روضات الجنّات» ج ٤، ص ۱٩٦، الطبعة الحجريّة.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

384
  • مسألة توحيد الوجود و الأصل القديم للعالم، و هو خطأ فادح يمثل عين الثنويّة و مذهب المجوس قد سجّله له التأريخ.

  • و حين عجز عن إدراك مسائل الحكمة و لم يصل إلى مغزى و مفاد آراء الحكماء، فقد دعا جميع الحكماء زنادقة و مُلحدين، و أيضاً سمّى جميع أهل العرفان زنادقة و ملحدين، لأنّه عدّ ظواهر كلامهم غير منطبقة -كما هي الحال لدى الأخباريّين- مع ظواهر الكلمات الواردة في الأحاديث.

  • و من هنا فقد جرّد سيف الكلام القاطع في وجههم و أنكر أصل العرفان و المعرفة الإلهيّة فقال: إنّ طريق الوصول و عرفان الذات الأحديّة مسدود، و إنّ غاية سير البشر هي معرفة الواسطة و الإمام.

  • و قد بلغت خصومته و معاندته لمحيي الدين أقصاها، فلقّبه بـ «مُميت الدين»، كما نصب الخصومة مع فخر الشيعة و فخر العلماء و المفسّرين و المحدِّثين و الحكماء و عرفاء الإسلام: المحقّق الفيض الكاشانيّ، و كان اسمه الملّا محسن فدعاه بـ «الملّا مُسي‌ء»، و كان يذكره بهذا اللقب في كتبه و دروسه.۱

  • أمّا تلامذته المتأخّرون الذين ربّاهم و الذين دعاهم صاحب «الروضات» عرفاءنا المتأخّرين، فهم عبارة عن السيّد كاظم الرشتيّ و ربيبه و تلميذ مدرسته السيّد علي محمّد الشيرازيّ مؤسّس مذهب البابيّة الذي ادّعى بابيّة إمام العصر، ثمّ ادّعى الإمامة؛ فهؤلاء هم الذين كانوا على رأس مخالفي العرفان الإلهيّ، اولئك الذين أفسدوا الأرض و النسل البشريّ.

    1. أوردنا مطالب عديدة عن الشيخ أحمد الأحسائيّ في الجزء الخامس من سلسلة «معرفة الإمام» من «دورة العلوم و المعارف الإسلاميّة» الدرس ٦۸ إلي ۷۱.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

385
  • مبالغة صاحب «الروضات» في تعظيم الاحسائيّ و السيّد كاظم الرشتيّ‌

  • يكتب صاحب «الروضات» في ترجمة الشيخ أحمد الأحسائيّ فيمتدحه بهذه العبارات:

  • تَرْجُمَانُ الحُكَمَاءِ المُتَألِّهِينَ، وَ لِسَانُ العُرَفَاءِ وَ المُتَكَلِّمِينَ، غُرَّةُ الدَّهْرِ، و فَيْلَسُوفُ العَصْرِ، العَالِمُ بِأسْرَارِ المَبَانِي وَ المَعَانِي، شَيْخُنَا أحْمَدُ ابْنُ الشَّيْخِ زَيْنُ الدِّينِ بْنِ الشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ الأحْسَائِيّ البَحْرَانِيّ، لَمْ يُعْهَدْ في هَذِهِ الأوَاخِرِ مِثْلُهُ في المَعْرِفَةِ وَ الفَهْمِ وَ المَكْرَمَةِ وَ الحَزْمِ، وَ جَوْدَةِ السَّلِيقَةِ و حُسْنِ الطَّرِيقَةِ وَ صَفَاءِ الحَقِيقَةِ وَ كَثْرَةِ المَعْنَوِيَّةِ وَ العِلْمِ بِالعَرَبِيَّةِ و الأخْلَاقِ السَّنِيَّةِ وَ الشِّيَمِ المَرْضِيَّةِ وَ الحِكَمِ العِلْمِيَّةِ وَ العَمَلِيَّةِ وَ حُسْنِ التَّعْبِيرِ وَ الفَصَاحَةِ وَ لُطْفِ التَّقْرِيرِ وَ المَلَاحَةِ وَ خُلُوصِ المَحَبَّةِ وَ الوَدَادِ لأهْلِ بَيْتِ الرَّسُولِ الأمْجَادِ؛ بِحَيْثُ يُرْمَى عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ الظَّاهِرِ مِنْ عُلَمَائِنَا بِالإفْرَاطِ وَ الغُلُوِّ، مَعَ أنَّهُ لَا شَكَّ مِنْ أهْلِ الجَلَالَةِ وَ العُلُوِّ، وَ قَدْ رَأيْتُ صُورَةَ إجَازَةِ سَيِّدِنَا صَاحِبِ «الدُّرَّةِ» أجْزَلَ اللهُ تعالى بِرَّهُ، لأجْلِهِ مُفْصِحَةً عَنْ غَايَةِ جَلَالَتِهِ وَ فَضْلِهِ وَ نُبْلِه.

  • ثمّ يبيّن صاحب «الروضات» كتبه المصنَّفة فيقول:

  • وَ كَانَ رَحِمَهُ اللهُ شَدِيدَ الإنْكَارِ على طَرِيقَةِ المُتَصَوِّفَةِ المَوْهُونَةِ، بَلْ على طَرِيقَةِ الفَيْضِ في العِرْفَانِ، بِحَيْثُ قَدْ يُنْسَبُ إلَيْهِ أنَّهُ يُكَفِّرُهُ.

  • حتّى يصل إلى قوله: و كان للشيخ أحمد ولدان فاضلان مجتهدان سُمّيا محمّداً و عليّاً، إلّا أنّ الشيخ محمّد ولده الأكبر كان ينكر على طريقة أبيه أشدّ الإنكار، و يقول عند ذكر ما كان لأبيه: كَذَا فَهِمَ عَفَى اللهُ تعالى عَنْهُ.

  • وَ قَدْ يُحْكَى أيْضاً أنَّ الحَكِيمَ المُتَألِّهَ المُحَقِّقَ النُّورِيّ المُعَاصِرَ أيضاً كَانَ يُنْكِرُ فَضْلَهُ بَلْ كَوْنَهُ في عِدَادِ الفُضَلَاءِ.

  • إلَّا أنَّ تِلْمِيذَهُ العَزِيزَ، وَ قُدْوَةَ أرْبَابِ الفَهْمِ وَ التَّمْيِيزِ، بَلْ قُرَّةَ عَيْنِهِ‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

386
  • الزَّاهِرَةِ و قُوَّةَ قَلْبِهِ البَاهِرَةَ الفَاخِرَةَ بَلْ حَلِيفُهُ في شَدَائِدِهِ وَ مِحَنِهِ وَ مَنْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ القَمِيصِ على بَدَنِهِ؛ أعْنِي السَّيِّدَ الفَاضِلَ الجَامِعَ البَارِعَ الجَلِيلَ الحَازِمَ سَلِيلَ الأجِلَّةِ السَّادَةِ القَادَةِ الأفَاخِمِ الأعَاظِمِ، ابْنَ الأمِيرِ سَيِّد قَاسِمِ الحُسَيْنِيّ الجِيلانِيّ الحاجّ، سَيِّد كَاظِمَ؛ النَّائِبَ في الامُورِ مَنَابَهُ وَ إمَامَ أصْحَابِهِ المُقْتَدِينَ بِهِ بِالحَائِرِ المُطَهَّرِ الشَّرِيفِ إلى زَمَانِنَا هَذَا!

  • ثمّ يقول صاحب «الروضات» بعد ذكر مصنَّفاته بالتفصيل:

  • لَقَدْ أطْرَأ وَ أفْرَطَ في الثَّنَاءِ على هَذَا الشَّيخِ وَ تَفْضِيلِهِ على مَنْ كَانَ في عَصْرِهِ مِنَ الأفَاضِلِ المَشْهُورِينَ، وَ ادِّعَائِهِ الإجْمَاعَ مِنهُمْ على ثِقَتِهِ وَ فَضلِهِ وَ جَلَالَةِ قَدْرِهِ وَ نُبْلِهِ تَعْرِيضاً على مَنْ أنْكَرَ طَرِيقَتَهُ مِنَ القَوْمِ وَ إلْحَاقاً لَهُ بِالمَعْدُوم.

  • وَ قَدْ ذَكَرَ في وَصْفِهِ إنَّهُ كَانَ في جَمِيعِ مَا يُتَخَيَّلُ مِنَ المَرَاتِبِ وَ الأفَانِينِ حتّى الفِقْهِ وَ الاصُولِ وَ الرِّجَالِ وَ الحَدِيثِ وَ العُلُومِ الغَرِيبَةِ بِأسْرِهَا وَ العَرَبِيَّةِ بِرُمَّتِهَا، مِنْ أعْلَمِهِمْ بِالجَمِيعِ وَ أبْدَعِهِمْ لِكُلِّ بَدِيعٍ.

  • وَ مِنْ جُمْلَةِ مَا ذَكَرَهُ فِيهِ إنَّهُ: لَمَّا وَصَلَ الشَّيْخُ المَرْحُومُ إلى بَلْدَةِ إصْفَهَانَ وَ خُصَّ بِأفَاضِلِ التَّحِيَّةِ وَ التَّكْرِيمِ مِنْ عُلَمَائِهَا الأعْيَانِ، وَ كُنْتُ إذْ ذَاكَ بِحَضْرَتِهِ العَالِيَةِ، سُئِلَ المَوْلَى الأعْلَى المُلَّا عَلِيّ النُّورِيّ عَنْ نِسْبَةِ مَقَامِهِ مَعَ مَقَامِ المَرْحُومِ الآقَا مُحَمَّدٍ البِيدْآبَادِيّ، فَأجَابَ المَرْحُومُ بِأنَّ التَّمْيِيزَ بَيْنَهُمَا لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ بُلُوغِ المُمَيِّزِ مَقَامَهُمَا، وَ أيْنَ أنَا مِنْ ذَاكَ؟!

  • ثمّ يشرع السيّد الرشتيّ ببيان مخالفة علماء كربلاء و العتبات المقدّسة معه و سعايتهم عليه عند وزير بغداد: أنّه غير مسلم، و إراءتهم له ورقة مزوّرة بأنّه يعتقد أنّ مولانا و سيّدنا أمير المؤمنين عليّاً عليه السلام هو وحده الخالق و الرازق و المُحيي و المميت؛ فتصاعدت الفتنة لذلك، لذا فقد سافر خوفاً من كربلاء إلى الحجاز مع أهله و عياله في سنٍّ تقرب على‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

387
  • التسعين عاماً مع ضعف بنيته، فلمّا بلغ منزل هَديّة و هي تبعد عن المدينة المنوّرة بثلاث مراحل، توفّي هناك و دُفنت جثّته في البقيع.

  • يقول صاحب «الروضات»: و قد كان وقوع تلك الداهية العظمى و الواقعة الكبرى في أوائل سنة ثلاث و أربعين و مائتين بعد ألف هجريّة.۱

  • و يستلفتنا هنا مدح صاحب «الروضات» للشيخ أحمد الأحسائيّ و كَيله له أنواع الثناء و التكريم، و وضعه له -حسب نقل السيّد كاظم الرشتيّ- في مصافّ آقا محمّد البيدآباديّ، و الحقّ أنّ ذلك ممّا يستدعي عجب المرء.

  • و لم ينقضِ وقت طويل حتّى ظهرت آثار عداوة الشيخ أحمد الأحسائيّ و السيّد كاظم الرشتيّ على يد ربيبه السيّد على محمّد باب الشيرازيّ، و ظهرت جليّةً فيه نتائج عدم وجود استاذ للشيخ أحمد في الحكمة و السير و السلوك، و ذلك في هالة من التخبّطات العقليّة و الأفكار الخاطئة و الشيطانيّة، فظهرت منه ادّعاءات باطلة مخالفة للواقع -سواء كانت توافق معتقداته أم لا- بالقدر الذي جعل في مدّة قصيرة أرضيّة التشيّع و بلاد إيران ملوّثة بالفساد، فعمّت الفتنة و تصاعد الاضطراب و سُفكت الدماء، فتبيّن بجلاء أنّ العرفان الحقيقيّ و التوحيد الواقعيّ هو غير الخيالات و الخواطر النفسيّة و الشيطانيّة، و أنّه ينبغي عدم الانخداع بظواهر الرياضة و الزهد و الورع.

  • فالعرفان الحقيقيّ يختلف عن تخيّل العرفان، كاختلاف الثريّا عن الثرى، كما أنّ أمثال محيي الدين و الملّا محسن لم يقولوا جزافاً، بل كان الجزاف هو أقوال «مشايخ عرفائنا المتأخّرين» هؤلاء الذين عملوا مع‌

    1. «روضات الجنّات» الطبعة الحجريّة: ج ۱، ص ٢٥ و ٢٦؛ و في الطبعة البيروتيّة (اوفسيت طبعة إسماعيليّان - سنة ۱٣٩۰ هـ. ق): ج ۱، ص ۸۸ إلي ٩٤.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

388
  • عرفائنا المتأخّرين» بآرائهم و أفكارهم على سدّ طريق وصول البشر إلي الله و قاموا بإنكار المعرفة، اولئك الذين لم تمثّل علومهم غير الخيالات و الأوهام و التصوّرات، اولئك الذين لم يرد العلم في قلوبهم و لم يرتووا من مَعِين حقيقة التوحيد و الولاية، على أنّ ادّعاء محبّة أهل البيت غير حقيقة الولاء لهم، كما أنّ التزهّد غير الزهد.

  • لقد كان صاحب «الروضات» لا يزال بعدُ على قيد الحياة حين ظهرت آثار عرفان الشيخ أحمد الأحسائيّ و عمّت في إيران فتنة البابيّة و البهائيّة، بحيث صرنا نرى أنّ ذلك المدح و الثناء قد تبدّل إلى تكذيب؛ فلقد وصف بنفسه عند ترجمته للشيخ حافظ رجب البُرسيّ، الشيخَ أحمد الأحسائيّ بأنّه كان كالعُلوج الثلاثة الذين قاموا بعد عيسى عليه السلام بتبديل مذهبه و تغييره.

  • ترجمة صاحب «الروضات» للحافظ رجب البرسي‌

  • و ينبغي أن ننظر الآن إلى قدر مختصر من ترجمة الحافظ البُرسيّ في كتاب «روضات الجنّات» لتصبح الحقيقة مشهودة جليّة؛ إذ يقول عنه:

  • المَوْلَى العَالِمُ، وَ الشَّيْخُ المُرْشِدُ الكَامِلُ، وَ القُطْبُ الوَاقِفُ الإنْسِيّ وَ الإنْسُ العَارِفُ القُدْسِيّ، رَضِيّ الدِّينِ رَجَبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَجَبٍ المَعْرُوفُ بِالحَافِظِ البُرْسِيّ.۱

    1. يقول في «روضات الجنّات»: سكن الحلّة، و أصله من قرية بُرس الواقعة بينها و بين الكوفة كما في «القاموس»، و ضبطه بضمّ الباء الموحّدة و إسكان الراء و السين المهملة، و هي قرية معروفة بالعراق، كما ذكره في «مجمع البحرين» في ذيل قوله في الخبر: أحْلَى مِنْ مَاءِ بُرْسٍ - إلى أن قال: و يريد بمائها ماء الفرات لأنّها واقعة على شفيره. و حافظ رجب البُرسيّ من علماء أواخر المائة الثامنة للهجرة أو أوائل المائة بعدها، معاصراً لأمثال صاحب «المطوّل» و السيّد شريف من علماء العامّة، و لأشباه الشيخ مقداد السيوريّ و ابن المتوّج البحرانيّ من فقهاء أصحابنا المعروفين. و من جملة ما ذكره صاحب «رياض العلماء» في ترجمته: أنّه البُرسي مولداً و الحلّيّ محتداً، الفقيه المحدِّث الصوفيّ المعروف، صاحب كتاب «مشارق الأنوار» و غيره من المصنّفات الكثيرة على ما يظهر من نقل الكفعميّ عنها. و منها كتاب «مشارق الأمان و لباب حقائق الإيمان» رأيتُه بمازندران و غيرها، و هو غير «مشارق الأنوار» المذكور و أخصر منه و تأريخ تأليفه سنة إحدى و ثمانمائة. و له أيضاً صورة زيارة معروفة طويلة الذيل لسيّدنا أمير المؤمنين عليه السلام في نهاية اللطف و الفصاحة، و رسالة «اللمعة» كشف فيها أسرار الأسماء و الصفات و الحروف و الآيات و ما يناسبها من الدعوات أو يقاربها من الكلمات، رتّبها على ترتيب الساعات و تعاقب الأوقات في الليالي و الأيّام، لاختلاف الامور و الأحكام، و كتاب «الدرّ الثمين» في ذكر خمسمائة آية نزلت في شأن أمير المؤمنين عليه السلام، و كتاب «لوامع أنوار التمجيد و جوامع أسرار التوحيد» و رسالة في «تفسير سورة الإخلاص» و رسالة أخرى في كيفيّة «إنشاء التوحيد و الصلوات على النبيّ و آله» مختصرة.
      («روضات الجنّات» الطبعة الحجريّة: ص ٢۸٤ و ٢۸٥؛ و في الطبعة الحروفيّة البيروتيّة: ج ٣، ص ٣٣۷ و ٣٣۸).

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

389
  • حتّى يصل إلى القول: و من جملة ما ذكره صاحب «رياض العلماء» في ترجمة أحوال حافظ رجب البرسيّ:

  • و قال استاذ استنادنا في مقدّمة كتاب «بحار الأنوار» عند عدّه الكتب التي نقل عنها في «البحار» يقول ضمنها: و كتاب «مشارق الأنوار» و كتاب «الألفين» للحافظ رجب البُرسيّ، و لا أعتمد على ما يتفرّد بنقله لاشتمال كتابَيهِ على ما يُوهم الخبط و الخلط و الغلو. و المحتمل عندي لكون لفظ «الحافظ» تخلصّاً له لا بمعانيه المعروفة عند أهل القراءة و الحديث و التجويد.

  • و قال الشيخ المعاصر في «أمل الآمل»: الشيخ رجب الحافظ البرسيّ، كان فاضلًا محدِّثاً شاعراً منشياً أديباً، له كتاب «مشارق أنوار اليقين في حقائق أسرار أمير المؤمنين عليه السلام» و رسائل في التوحيد و غيره. و في‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

390
  • كتابه إفراط و ربّما نسب إلى الغلوّ، و أورد لنفسه فيه أشعاراً جيّدة و ذكر فيه أنّ بين ولادة المهديّ عليه السلام و بين تأليف ذلك الكتاب خمسمائة و ثمانية عشر سنة. و من شعره المذكور فيه:

  • فَرْضِي وَ نَفْلِي وَ حَدِيثِي أنْتُمُ‌***وَ كُلُّ كُلِّي مِنْكُمُ وَ عَنْكُمُ‌
  • وَ أنتُمُ عِندَ الصَّلَاةِ قِبْلَتِي‌***إذَا وَقَفْتُ عِنْدَكُمُ ايَمِّمُ‌
  • خَيَالُكُمْ نَصْبٌ لِعَيْنِي أبَداً***وَ حُبّكُمْ في خَاطِرِي مُخَيَّمُ‌
  • يَا سَادَتِي وَ قَادَتِي أعْتَابُكُمْ‌***بِجَفْنِ عَيْنِي لِثَرَاهَا ألْثَمُ‌
  • وَقْفاً على حَدِيثِكُمْ وَ مَدْحِكُمْ‌***جَعَلْتُ عُمْرِي فَاقْبَلُوهُ وَ ارْحَمُوا
  • مِنُّوا على الحَافِظِ مِنْ فَضْلِكُمُ‌***وَ اسْتَنْقِذُوهُ في غَدٍ وَ أنْعِمُوا۱
  • ثمّ يقول: و من جملة أشعاره الفاخرة في مدح سيّدنا أمير المؤمنين‌

    1. هذه الأبيات نظير أبيات ابن الفارض، و لربّما أنشدها بعد قراءة أشعار ابن الفارض، فلقد أنشد ابن الفارض (المولود سنة ٥۷٦ و المتوفّى سنة ٦٣٢ هـ. ق) أشعاره بهذه الكلمات:
      أنتُم فُروضي و نَفْلي***أنتُم حَديثي و شُغْلي‌
      يا قِبْلَتي في صَلاتي‌***إذا وَقَفْتُ اصَلّي‌
      جَمالُكُم نَصْبُ عَيْني‌***إليه وَجَّهتُ كُلّي‌
      و سِرُّكم في ضَميري‌***و القَلبُ طورُ التَّجلّي‌
      آنَستُ في الحيّ ناراً***لَيلًا فَبَشَّرتُ أهلي‌
      قُلتُ امْكُثوا فلَعَلّى‌***أجِدْ هُدايَ لَعَلّي‌
      دَنَوتُ مِنها فَكانَتْ‌***نارُ المُكَلَّمِ قبلي‌
      نوديتُ مِنها جِهاراً:***رُدّوا لَياليَ وَصلي‌
      حتَّي إذا ما تَدانَي ال***ميقات في جَمْع شَمْلي‌
      صارَتْ جِباليَ دَكّاً***مِن هَيْبَةِ المُتَجَلّي‌
      وَ لاحَ سِرٌّ خَفيٌ‌***يَدْريهِ مَن كانَ مِثْلي‌
      فالموتُ فيه حَياتي و في حَياتيَ قَتلي(«ديوان ابن الفارض» ص ۱۷٥ و ۱۷٦، طبعة بيروت، سنة ۱٣۸٢ هجريّة قمريّة).

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

391
  • عليه السلام حسب نقل السيّد نعمة الله الجزائريّ قدّس سرّه:

  • العَقْلُ نُورٌ وَ أنْتَ مَعْنَاهُ‌***وَ الكَوْنُ سِرٌّ وَ أنْتَ مَبْدَاهُ‌
  • وَ الخَلْقُ في جَمْعِهِمْ إذَا جُمِعُوا***الكُلُّ عَبْدٌ وَ أنْتَ مَوْلَاهُ‌
  • أنْتَ الوَلِيّ الذي مَنَاقِبُهُ‌***مَا لِعُلَاهَا في الخَلْقِ أشْبَاهُ‌
  • يَا آيَةَ اللهِ في العِبَادِ وَ يَا***سِرَّ الذي لَا إلَه إلَّا هُو
  • فَقَالَ قَوْمٌ بِأنَّهُ بَشَرٌ***وَ قَالَ قَوْمٌ: لَا بَلْ هُوَ اللهُ‌
  • يَا صَاحِبَ الحَشْرِ وَ المَعَادِ وَ مَنْ‌***مَوْلَاهُ حُكْمَ العِبَادِ وَلَّاهُ‌
  • يَا قَاسِمَ النَّارِ وَ الجِنَانِ غَداً***أنْتَ مَلَاذُ الرَّاجِي وَ مَنْجَاهُ‌
  • كَيْفَ يَخَافُ «البُرْسِيُّ» حَرَّ لَظى‌***وَ أنْتَ عِنْدَ الحِسَابِ غَوْثَاهُ‌
  • لَا يَخْتَشِى النَّارَ عَبْدُ حَيْدَرَةٍ***إذْ لَيْسَ في النَّارِ مَنْ تَوَلَّاهُ‌
  • انتقاد صاحب «الروضات» لعلماء الشيعة الذين نقلوا فضائل أهل البيت‌

  • ثمّ يشتطّ القلم في يد صاحب «الروضات» و يفلت زمامه فيشرع بانتقاد البُرسيّ و مؤاخذته و نسبة الغلوّ و الارتفاع له و عدّه من المجدّدين لمراسم المبتدعين و أهل الضلالة. و اعتبره صراحةً من مخالفي الشريعة و طريقة الفقهاء و المجتهدين؛ و أدناه نصّ كلامه:

  • وَ أقُولُ: بَلْ أمْرُ الرَّجُلِ في تَشْيِيدِهِ لِدَعَائِمِ المُرْتَفِعِينَ، وَ تَجْدِيدِهِ لِمَرَاسِمِ المُبْتَدِعِينَ، وَ خُرُوجِهِ عَنْ دَائِرَةِ ظَوَاهِرِ الشَّرِيعَةِ المُحْكَمَةِ اصُولُهَا بِالفُرُوعِ، وَ عُرُوجِهِ على قَوَاعِدِ الغَالِينَ وَ المُفَوِّضَةِ المُلْتَزِمِ وُصُولُهَا إلى غَيْرِ المَشْرُوعِ، وَ الْتِزَامِهِ لِتَخْطِئَةِ كُبَرَاءِ أهْلِ المِلَّةِ وَ الدِّينِ، وَ تَزكِيَةِ مَنْ يُخَالِفُ طَرِيقَةَ الفُقَهَاءِ وَ المُجْتَهِدِينَ، وَ فَتْحِهِ بِكَلِمَاتِهِ الخِطَابِيَّةِ التي تُشْبِهُ مَقَالاتِ المُغيرِيَّةِ وَ الخَطَّابِيَّةِ أبْوابَ المُسَامَحَةِ في امُورِ التَّكَالِيفِ العَظِيمَةِ على وُجُوهِ العَوَامِّ الَّذِينَ هُمْ أضَلُّ مِنَ الأنْعَامِ، وَ اعْتِقَادِهِ لِعَدَمِ مُؤاخَذَةِ أحَدٍ مِنْ أحِبَّةِ أهْلِ البَيْتِ المَعْصُومِينَ عَلَيِهُمُ السَّلَامُ بِشَي‌ءٍ مِنَ الجَرَائِمِ وَ الآثَامِ، و بَنَائِهِ المَذْهَبَ على التَّأوِيلَاتِ الهَوَائِيَّةِ الفَاسِدَةِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، مَعَ أنَّ أوَّلَ‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

392
  • مَرَاتِبِ الإلْحَادِ -كَمَا اسْتَفَاضَتْ عَلَيهِ الكَلِمَةُ- فَتْحُ بَابِ التَّأوِيلِ؛ مِمَّا لَيْسَ لأحَدٍ مِنَ المُتَدَرِّبِينَ لِكَلِمَاتِهِ عَلَيهِ نِقَابٌ وَ لَا لأحَدٍ مِنَ المُتَأمِّلِينَ في تَصْنِيفَاتِهِ مَوْضِعُ تَأمُّلٍ وَ ارْتِيَابٍ.

  • ثمّ يقول:

  • إلّا أنّه سامحه الله تبارك و تعالى فيما أفاد، لمّا كان أوّل من جلب قلبه إلى تمشية هذا المراد، و سلب لبّه على محبّة أهل بيت نبيّه الأمجاد، و لم يكن من المقلّدة الذين يمشون على أثر ما يسمعونه و يقبلون من المشايخ كلّما يدعونه، و لا يستكشفون عن حقيقة ما يشرعونه و يكونون بمنزلة عبدة الأصنام الذين اتّبعوا أسلافهم المستقبلين إليها في عبادتهم من غير بصيرة لهم بأنّ ذلك العمل من اولئك إنّما كان لتذكّر عبادات مَن كان على صور تلك الأصنام من قدمائهم المتعبّدين، كما ورد عليه نصّ المعصوم عليه السلام.

  • من المحتمل الراجح إذاً في نظر مَن تأمّل أن يكون هو الناجي المهديّ إلى سبيل المعرفة بحقوق أهل البيت عليهم السلام؛ و مقلّدوه مقلّدون بسلاسل النقمة على كلّ ما لهجوا به عليه في حقّ اولئك من كيت و كيت.

  • ثمّ يشتطّ الأمر بصاحب «الروضات» فيوسّع كلامه ليشمل المُفَضّل ابن عمر، و جابر بن يزيد الجعفيّ، و الصفّار، و الشيخ الطوسيّ، و عليّ بن عيسى الأربليّ، و الراونديّ، و شاذان و ولده، و سائر الأفراد الذين صنّفوا كتباً في هذا الشأن و رووا حديثاً فيه:

  • وَ إنِ احْتُمِلَ إن يَكُونَ بُرُوزُ نَائِرَةِ هَذِهِ الفِتْنَةِ النَّائِمَةِ مِنْ لَدُنْ تَعَرُّضِ رَاوِيَي «التَّفْسِيرِ المَنْسُوبِ إلى الإمَامِ عَلَيهِ السَّلَامُ» لِوَضْعِ ذَلِكَ مِنَ البَدْوِ

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

393
  • إلَى الخِتَامِ على حَسَبِ المَرَامِ، أوْ مِنْ زَمَنِ شُيُوعِ «تَفْسِيرِ فُرَاتِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الكُوفِيِّ»، أمْ وُقُوعِ «تَفْصِيلِ» [تَفْضِيلِ‌] فَارِسِ بْنِ حَاتِمِ القَزْوِينِيّ الصُّوفِيّ على أيْدِي الأنَامِ، بَلْ مِنْ آوِنَةِ انْتِشَارِ أخْبَارِ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ وَ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الجُعفِيَّيْنِ بَيْنَ هَذِهِ الطَّائِفَةِ، وَ تَدْوِينِ طَائِفَةٍ مِنْهَا في «بَصَائِرِ الدَّرَجَاتِ» وَ «مَجَالِسِ» الشَّيْخِ وَ «كَشْفِ الغُمَّةِ» وَ «خَرَائِجِ» الرَّاوَنْدِيّ وَ «فَضَائِلِ» شَاذَانَ وَ وُلْدِهِ وَ سَائِرِ كُتُبِ المَنَاقِبِ وَ الفَضَائِلِ العَرَبِيَّةِ وَ الفَارِسِيَّةِ وَ تَفَاسِيرِ المُرْتَفِعِينَ وَ الأخْبَارِيَّةِ.

  • وَ أنْ يَكُونَ أوَّلُ مَن تَكَلَّمَ بِهَذِهِ الخِطَابِيَّاتِ المُنْطَبِعَةِ في قُلُوبِ العَوَامِّ بِالنِّسْبَةِ إلى أهْلِ البَيْتِ عَلَيِهمُ السَّلَامُ أيْضاً هُمْ أمْثَالُ اولَئِكَ، أوْ مَنْ كَانَ مِنْ نَظَائِرِ أبي الحُسَيْنِ بْنِ البِطْرِيقِ الأسَدِيّ في كِتَابِ عُمْدَتِهِ وَ خَصَائِصِهِ وَ السَّيِّدِ الرَّضِيّ وَ رَضِيّ الدِّينِ بْنِ طَاوُوسٍ وَ بَعْضِ فُضَلَاءِ البَحْرَيْنِ وَ قُمَّ المُطَهَّرِ في جُمْلَةِ مِنَ كُتُبِهِمْ.

  • ثمّ أنْ يَكُونَ كُلُّ مَنْ جَاءَ على أثَرِ هَذَا المَذْهَبِ وَ اشْرِبَ في قُلُوبِهِمُ المُلَاءَمَةُ لِهَذَا المَشْرَبِ، زَادَ في الطُّنْبُورِ نَغْمَةً وَ هَتَكَ عِصْمَةً، وَ رَفَعَ وَقْعاً وَ أبْدَعَ وَضْعاً وَ جَمَعَ جَمْعاً وَ أسْمَعَ سَمْعاً وَ أرَاقَ عَاراً وَ أظْهَرَ شَنَاراً وَ رَدَّ على فَقِيهٍ مِنْ فُقَهَاءِ الشِّيعَةِ وَ هَدَّ سَدّاً مِنْ سنُّونِ‌۱ الشَّرِيعَةِ.

  • إلَى أنِ انْتَهَتِ النَّوْبَةُ إلى هَذَا الرَّجُلِ فَكَتَبَ في ذَلِكَ كِتَاباً وَ فَتَحَ أبْوَاباً وَ كَشَفَ نِقَاباً وَ خَلَّفَ أصْحَاباً فَسُمِّى أتْبَاعُهُمُ المُقَلِّدَةُ لَهُ في ذَلِكَ بِالكَشْفِيَّةِ لِزَعْمِهِمُ الاطِّلَاعَ على الأسَارِيرِ المَخْفِيَّةِ.

    1. لم نجد معني مناسباً لكلمة «سنّون» التي وردت بهذا اللفظ في الطبعتين الحجريّة و الحروفيّة لـ «الروضات»؛ و من المحتمل أن يكون «ستّون» بالتاء، و لكنّ «ستّون» لم تأت بهذا المعني و الوزن.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

394
  • انتقاد صاحب «الروضات» لاتباع الاحسائيّ و علي محمّد باب‌

  • ثُمَّ أتْبَاعُ أتْبَاعِهِمُ الَّذِينَ آلَتْ مُعَامَلَةُ التَّأوِيلِ إلَيْهِمْ في هَذِهِ الأوَاخِرِ وَ هُمْ في الحَقِيقَةِ أعْمَهُونَ بِكَثِيرٍ مِنْ غُلَاةِ زَمَنِ الصَّدُوقَيْنِ في قُمَّ، الَّذِينَ كَانُوا يَنْسِبُونَ الفُقَهَاءَ الأجِلَّةَ إلى التَّقْصِيرِ، بِسِمَةِ الشَّيْخِيَّةِ وَ (الپُشْتِ‌سَرِيَّة) وَ هي مِنَ اللُغَاتِ الفَارِسِيَّةِ، لِنِسْبَتِهِمْ إلى الشَّيْخِ أحْمَدَ بْنِ زَيْنِ الدِّينِ الأحْسَائِيّ المُتَقَدَّم ذِكْرُهُ وَ تَرْجَمَتُهُ.

  • وَ كَانَ هُوَ يُصَلِّي الجَمَاعَةَ بِقَوْمِهِ خَلْفَ الحَضْرَةِ المُقَدَّسَةِ الحُسَيْنِيَّةِ في الحَائِرِ الشَّرِيفِ؛ بِخِلَافِ المُنْكِرِينَ على طَرِيقَتِهِ مِنْ فُقَهَاءِ تِلْكَ البُقْعَةِ المبَارَكَةِ فَإنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَهَا مِنْ قِبَلِ رَأسِ الإمَامِ عَلَيهِ السَّلَامُ، وَ لِهَذَا يُسَمُّونَ عِنْدَ اولَئِكَ بِال - (بَالا سَرِيَّة).

  • وَ لَا يَذْهَبْ عَلَيك غِبَّ مَا ذَكَرْتُهُ لَكَ كُلَّهُ أنَّ مَنْزِلَةَ ذَلِكَ الشَّيْخِ المُقَدَّمِ مِنْ هَذِهِ المُقَلِّدَةِ الغَاوِيَةِ المُغْويَةِ، إنَّمَا هي مَنْزِلَةُ العُلُوجِ‌۱ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ ادَّعَوُا النَّصْرَانِيَّةَ وَ أفْسَدُوهَا بِإظْهَارِهِمُ البِدَعَ الثَّلَاثَ مِنْ بَعْدِ أنْ عُرِجَ بِنَبِيِّهِمُ المَسِيحِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيهِ السَّلَامُ.

  • كَيْفَ لَا، وَ قَدِ ارْتَفَعَ بِهَذِهِ المُقَلِّدَةِ المُتَمَرِّدَةِ -وَ اللهـ الأمَانُ في هَذِهِ الأزْمَانِ وَ وَهَنَتْ بِقُوَّتِهِمْ أرْكَانُ الشَّرِيعَةِ وَ الإيمَانِ، بَلْ حَدَاهُمْ خِذْلَانُ اللهِ و ضَعْفُ سِلْسِلَةِ العُلَمَاءِ إلى أنِ ادَّعَوُا البَابِيَّةَ وَ النِّيَابَةَ الخَاصَّةَ عَنْ مَوْلَانَا الحجّةِ صَاحِبِ العَصْرِ وَ الزَّمَانِ عَلَيهِ السَّلَامُ، و ظَهَرَ فِيهِمْ مَنْ أظْهَرَ التَّحَدِّيَ فِيمَا أتَى بِهِ مِنَ الكَلِمَاتِ المَلْحُونَةِ على أهْلِ البَيَانِ، وَ وَسَمَ أقَاوِيلَهُ الكَاذِبَةَ

    1. الِعلْج بالكسر: العَيْر، و-: الحمار، و-: حمار الوحش السمين القويّ، و-: الرغيف، و قيل الرغيف الغليظ الحرف، و-: الرجل القويّ الضخم من كفّار العجم؛ و بعض العرب يطلق العِلج علي الكافر مطلقاً، ج: عُلُوج و أعلاج و عِلجَة و اسم الجمع: مَعْلوجاء، و كلّ ذي لحية عِلجٌ و لا يُقال للأمرد عِلْجٌ.(«أقرب الموارد» ج ٢، مادّة علج).

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

395
  • وَ مُزَخْرَفَاتِهِ البَاطِلَةَ -وَ العَيَاذُ بِاللهِ تَبَارَكَ وَ تعالى- بِوَسْمَةِ الصَّحِيفَةِ وَ القُرْآنِ، بَلْ لَمْ يَكْتَفِ بِكُلِّ ذَلِكَ حتّى أنَّهُ طَالَبَ المُجْتَهِدِينَ الأجِلَّةَ بِأنْ يَتَعَرَّضُوا لِمِثْلِ هَذَا الإتْيَانِ، وَ يَظْهَرُوا مِنْ نَظَائِرِ ذَلِكَ التِّبْيَانِ، وَ يُبَارِزُوا مَعَهُ مَيْدَانَ المُبَارَزَةِ لَدَى جَمَاعَةِ الأجَامِرَةِ وَ النِّسْوَانِ.

  • مَعَ أنَّ على كُلِّ مَا انْتَحَلَهُ مِنَ البَاطِلِ، أمْ أوْلَعَهُ مِنَ الفَاسِدِ العَاطِلِ، وَصْمَةٌ مِنْ وَصَمَاتِ المَلْعَنَةِ وَ الخُرُوجِ عَنِ الإسْلَامِ إلى دِينٍ جَدِيدٍ، مُضَافاً إلى مَا انْكَشَفَ مِنْ تَعَوُّمِهِ وَ سَفَهِهِ عَنِ الحَقِّ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أوْ ألْقَى السَّمْعَ وَ هُوَ شَهِيدٌ، وَ مَا انْحَسَرَ عَنْهُ مِنْ أكَاذِيبِهِ الوَاضِحَةِ فِيمَا أخْبَرَ بِهِ مِنْ ظُهُورِ نُورِ الحَقِّ فِيمَا سَلَفَ عَنَّا مِنْ قُرْبِ هَذَا الزَّمَانِ.

  • ثُمَّ اعْتَذَرَ عَنْهُ لَمَّا أنْ ظَهَرَ كِذْبُهُ الصَّرِيحُ بِإمْكَانِ وُقُوعِ البَدَا فِيمَا اوحِيَ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الشَّيْطَانِ.۱

  • اتّباع الطريق المعاكس للعرفان يستلزم طمس الآثار العظيمة للمذهب‌

  • كانت هذه نظريّات أبداها صاحب «الروضات» عبّر فيها عن وجهة نظره، و هكذا فقد كان فساد طريقة و اسلوب الشيخ أحمد الأحسائيّ في عدم إمكان الوصول إلى العرفان الإلهيّ و حقيقة معرفة أصل الجود و مبدأ الوجود، و اعتبار الأئمّة المعصومين عليهم السلام مستقلّين في الفيض، و قطع رابطة المخلوقات مع خالقها، و إغلاق باب معرفة الله في وجه الأنام و جعله منحصراً بالأئمّة، و لزوم الركن الرابع الذي تمثّل معرفته غاية سير البشر غير المعصوم؛ قد أثمر و أنتج كلّ هذه الامور التي أجبرت صاحب «الروضات» و اضطرّته في النهاية -بعد كلّ المدح و الثناء- ليطلق عنان قلمه في تقبيح الشيخيّة و أتباعهم و التشنيع عليهم، ثمّ عاد إلى الشيخ الأحسائيّ‌

    1. «روضات الجنّات»: ج ۱، ص ٢۸٤ إلي ٢۸٦؛ و في الطبعة الحروفيّة - بيروت: ج ٣، ص ٣٣۷ إلي ٣٤٣.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

396
  • فوصفه بأنّه كالعلوج الثلاثة الذين قاموا بعد عروج المسيح بإفساد مذهبه و هدمه.

  • هذه هي نتيجة محاربة العرفان و الوقوف بوجهه، و عاقبة قطع علاقة البشر عن ذات الحقّ سبحانه و تعالى و النظر إلى الأسماء و الصفات الكلّيّة و الجزئيّة بصورة مستقلّة؛ و بشكل عامّ النظر إلى كلّ واحد من المخلوقات في مقامه و منزلته بصورة مستقلّة.

  • و لقد شاهدنا كيف يصبح المرء في طيّه مسيرة معاداة العرفان، أسير الأوهام و التخيّلات، حتّى يضطرّه ذلك التحيّر و الضياع إلى الجسارة على أعيان المذهب، كالمفضّل بن عمر، و جابر بن يزيد، و الفضل بن شاذان، و الشيخ الطوسيّ، و السيّد بن طاووس و أمثالهم، و إلى الطعن في الروايات الواردة في كتبهم بشأن فضائل أهل البيت عليهم السلام؛ و هكذا يهاجم بهذه الكلمات الوجيزة المختصرة أصل التشيّع و أساس بنائه بحيث ينتاب الإنسان الشكّ: أ صَدَرَ هذا الكلام حقيقةً عن صديق أم عن أمثال ابن تيميّة الذي كان قد عقد العزم على هدم اصول التشيّع و فروعه، فكان يشير في كتابه «منهاج السنّة» إلى الروافض بلفظ «لعنهم الله» و يذكر رئيسَهم آية الله العلّامة الحلّيّ بلفظ قَالَ الرَّافِضِيّ خَذَلَهُ اللهُ؟!

  • لكنّنا سعداء بأنّ اليراع المقتدر لمحيي أساس المذهب: العلّامة الأمينيّ لم يَعْبُر في كتابه القيّم الثمين عن هذا الأمر و يتجاوزه، بل توقّف عنده فأدّى المطلب حقّه في ترجمة الحافظ رجب البُرسيّ، جَزَاهُ اللهُ عَنِ الإسْلَامِ وَ القُرْآنِ وَ النَّبِيّ وَ العِتَرةِ خَيْراً.

  • كلام العلّامة الامينيّ في ترجمة شاعر الغدير: الحافظ رجب البرسيّ‌

  • يقول الامينيّ بعد ذكر قصيدة غديريّة له في مقام التعريف به و ترجمة أحواله:

  • شاعرنا: الحافظ الشيخ رضي الدين رجب بن محمّد بن رجب‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

397
  • البُرسيّ الحلّيّ، من عرفاء علماء الإماميّة و فقهائها المشاركين في العلوم، على فضله الواضح في فنّ الحديث، و تقدّمه في الأدب و قرض الشعر و إجادته، و تضلّعه في علوم الحروف و أسرارها و استخراج فوائدها.

  • و بذلك كلّه تجد كتبه طافحة بالتحقيق و دقّة النظر، و له في علم العرفان و علم الحروف مسالك خاصّة، كما أنّ له في ولاء أئمّة الدين عليهم السلام آراء و نظريّات لا يرتضيها صنف من الناس، و لذلك رموه بالغلوّ و الارتفاع؛ غير أنّ الحقّ أنّ جميع ما يثبته المترجَم لهم عليهم السلام من الشؤون هي دون مرتبة الغلوّ و غير درجة النبوّة، و قد جاء عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام قوله: إيَّاكُمْ وَ الغُلُوَّ فِينَا؛ قُولُوا: إنَّا عَبِيدٌ مَرْبُوبُونَ، وَ قُولُوا في فَضْلِنَا مَا شِئْتُمْ.۱

  • و قال الإمام الصادق عليه السلام:

  • اجْعَلْ لَنَا رَبّاً نَئُوبُ إلَيْهِ، وَ قُولُوا فِينَا مَا شِئْتُمْ.

  • وَ قَالَ عَلَيهِ السَّلَامُ: اجْعَلُونَا مَخْلُوقِينَ وَ قُولُوا فِينَا مَا شِئْتُمْ، فَلَنْ تَبْلُغُوا.٢

  • و أنّى لنا البلاغ مدى ما منحهم المولى سبحانه من فضائل و مآثر؟ و أنّى لنا الوقوف على غاية ما شرّفهم الله به من ملكات فاضلة و نفسيّات نفيسة و روحيّات قدسيّة و خلائق كريمة و مكارم و محامد؟

  • فَمَنْ ذَا الذي يَبْلُغُ مَعْرِفَةَ الإمَامِ؟ أوْ يُمْكِنُهُ اخْتِيَارُهُ؟

  • هَيْهَاتَ! هَيْهَاتَ! ضَلَّتِ العُقُولُ، وَ تَاهَتِ الحُلُومُ، وَ حَارَتِ الألْبَابُ وَ خَسَأتِ‌٣ العُيُونُ، وَ تَصَاغَرَتِ العُظَمَاءُ، وَ تَحَيَّرَتِ الحُكَمَاءُ، وَ تَقَاصَرَتِ‌

    1. «الخصال» للشيخ الصدوق.
    2. «بصائر الدرجات» للصفّار.
    3. خَسَأ البصرُ (ع) خَسْأ و خُسُوءاً: كَلَّ و أعْيا، و منه في القرآن: يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَ هُوَ حَسِيرٌ.(«أقرب الموارد» ج ۱، مادّة خَسَأ).

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

398
  • الحُلَمَاءُ، وَ حَصَرَتِ الخُطَبَاءُ، وَ جَهِلَتِ الألِبَّاءُ، وَ كَلَّتِ الشُّعَرَاءُ، وَ عَجَزَتِ الادَبَاءُ، وَ عَيِيَتِ البُلَغَاءُ عَنْ وَصْفِ شَأنٍ مِنْ شَأنِهِ، وَ فَضِيلَةٍ مِنْ فَضَائِلِهِ، وَ أقَرَّتْ بِالعَجْزِ وَ التَّقْصِيرِ.

  • وَ كَيْفَ يُوصَفُ بِكُلِّهِ؟ أوْ يُنْعَتُ بِكُنْهِهِ؟ أوْ يُفْهَمُ شَي‌ءٌ مِنْ أمْرِهِ؟ أوْ يُوجَدُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ وَ يُغْنِي غِنَاهُ؟ لَا.

  • كَيْفَ؟ وَ أنَّى؟ فَهُوَ بِحَيْثُ النَّجْمُ مِنْ يَدِ المُتَنَاوِلِينَ وَ وَصْفِ الوَاصِفِينَ، فَأيْنَ الاخْتِيَارُ مِنْ هَذَا؟ وَ أيْنَ العُقُولُ عَنْ هَذَا؟ وَ أيْنَ يُوجَدُ مِثْلُ هَذَا؟۱

  • و لذلك تجد كثيراً من علمائنا المحقّقين في المعرفة بالاسرار يُثبتون لأئمّة الهدى صلوات الله عليهم كلّ هاتيك الشؤون و غيرها ممّا لا يتحمّله غيرهم. و كان في علماء قُم مَن يرمي بالغلوّ كلّ مَن روى شيئاً من تلكم الأسرار، حتّى قال قائلهم:

  • إنَّ أوَّلَ مَرَاتِبِ الغُلُوِّ نَفْيُ السَّهْوِ عَنِ النَّبيّ صلّى اللهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ. إلى أن جاء بعدهم المحقّقون و عرفوا الحقيقة، فلم يقيموا لكثير من تلكم التضعيفات وزناً.

  • و هذه بليّة مُنِيَ بها كثيرون من أهل الحقائق و العرفان و منهم المترجَم، و لم تزل الفئتان على طرَفَي نقيض، و قد تقوم الحرب بينهما على أشدّها؛ ﴿وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ﴾.٢

    1. يقول العلّامة الأمينيّ: من قولنا: «فمن ذا الذي يبلغ» إلي هنا مأخوذ من حديث رواه شيخنا الكلينيّ ثقة الإسلام في «اصول الكافي» ص ٩٩، عن الإمام الرضا صلوات الله عليه.
    2. الآية ۱٢۸، من السورة ٤: النساء: ﴿وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ وَ أُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَ إِنْ تُحْسِنُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً﴾.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

399
  • اختلاف العرفاء مع أهل الظاهر، ناشئ من اختلاف النفوس‌

  • و فذلكة المقام إنّ النفوس تتفاوت على حسب جبلّاتها و استعداداتها في تلقّي الحقائق الراهنة؛ فمنها ما تبهظه المعضلات و الأسرار، و منها ما ينبسط لها فيبسط لها ذراعاً و يمدّ لها باعا۱. و بطبع الحال فإن الفئة الأولى لا يسعها الرضوخ لما لا يعلمون، كما أنّ الآخرين لا تبيح لهم المعرفة أن يذروا ما حقّقوه في مِدْحرة البطلان؛ فهنالك تثور المنافرة و تحتدم الضغائن، و نحن نقدّر للفريقَينِ مسعاهم لما نعلم من نواياهم الحسنة و سلوكهم جدد السبيل في طلب الحقّ، و نقول:

  • عَلَى المَرْءِ أنْ يَسْعَى بِمِقْدَارِ جُهْدِهِ‌***وَ لَيْسَ عَلَيهِ أنْ يَكُونَ مُوَفَّقَا
  • و نعلم: إنَّ النَّاسَ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَ الفِضَّةِ.٢

  • و قد تواتر عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام:

  • إنَّ أمْرَنَا -أوْ حَدِيثَنَا- صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ؛ لَا يَتَحَمَّلُهُ إلَّا نَبِيّ مُرْسَلٌ أوْ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، أوْ مُؤْمِنٌ امْتَحَنَ اللهُ قَلْبَهُ بِالإيمَانِ‌.٣

  • إذاً فلا نتحرّى وقيعةً في علماء الدين و لا نمسّ كرامة العارفين و لا ننقم من أحد عدم بلوغه إلى مرتبة من هو أرقى منه، إذ:

  • ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها﴾.٤

    1. الباع: مسافة ما بين الكفّين إذا انبسطت الذراعان يميناً و شمالًا، أي المسافة بين رؤوس الأصابع في تلك الحال.
    2. حديثٌ ثابت عند الفريقين.
    3. «بصائر الدرجات» للصفّار، ص ٦؛ «اصول الكافي» ص ٢۱٦، «التعليقة».
    4. صدر الآية ٢۸٦، من السورة ٢: البقرة.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

400
  • و قال مولانا أميرُ المؤمنين عليه السلام:

  • لَوْ جَلَسْتُ احَدِّثُكُمْ مَا سَمِعْتُ مِنْ فَمِ أبي القَاسِمِ صلّى اللهُ عَلَيهِ و آلِهِ لَخَرَجْتُمْ مِنْ عِنْدِي وَ أنْتُمْ تَقُولُونَ: إنَّ عَلِيَّاً مِنْ أكْذَبِ الكَاذِبِينَ.۱

  • و قال إمامنا السجّاد:

  • لَوْ عَلِمَ أبُو ذَرٍّ مَا في قَلْبِ سَلْمَانَ لَقَتَلَهُ، وَ لَقَدْ آخَى رَسُولُ اللهِ صلّى اللهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بَيْنَهُمَا؛ فَمَا ظَنُّكَ بِسَائِرِ الخَلْقِ؟٢

  • ﴿وَ كُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى‌ وَ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً﴾.٣

  • و إلى هذا يشير سيّدنا الإمام السجّاد زين العابدين عليه السلام بقوله:

  • إنِّي لأكْتُمُ مِنْ عِلْمِي جَوَاهِرَهُ‌***كَيْلَا يَرَى الحَقَّ ذُو جَهْلٍ فَيُفْتَنَنَا
  • و يورد العلّامة الأمينيّ هنا الأبيات الأربعة التي أوردناها عنه عليه السلام في هذا الكتاب (الروح المجرّد).

  • ردّ الامينيّ على صاحب «أعيان الشيعة» في نسبة الغلوّ إلى الحافظ رجب‌

  • ثمّ يقول: لسيّدنا الأمين في «أعيان الشيعة» ج ٣۱، ص ۱٩٣ إلى ٢۰٥، في ترجمة الرجل (الحافظ رجب البرسيّ) كلمات لا تخرج عن حدود ما ذكرناه، و ممّا نَقَمَ عليه به اعتماده على علم الحروف و الأعداد الذي لا تتمّ به برهنة و لا تقوم به حجّة.

  • و نحن و إن صافقناه‌٤ على ذلك، إلا أن للمترجَم و من حذا حذوه من العلماء كابن شهرآشوب و من بعده عذراً في سرد هاتيك المسائل، فإنّها

    1. «منح المنّة» للشعرانيّ، ص ۱٤، (هامش «الغدير»).
    2. «بصائر الدرجات» للصفّار، ص ۷، آخر الباب الحادي عشر من الجزء الأوّل؛ «اصول الكافي» لثقة الإسلام الكلينيّ، ص ٢۱٦.
    3. ذيل الآية ٩٥، من السورة ٤: النساء.
    4. صافقناه: أي بايعناه.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

401
  • أشبه شي‌ء بالجدل تجاه من ارتكن إلى أمثالها في أبواب أخرى من علماء الحروف من العامّة، كقول العبيديّ المالكيّ في «عمدة التحقيق» ص ۱٥٥: يؤخذ دوام ناموس آل الصدّيق (أبو بكر) و قيام عزّته إلى انتهاء الدنيا أي ألف و أربعمائة و عشر سنوات، من سرّ قوله تعالى: في‌ ذُرِّيَّتِي. ثمّ يذكر المرحوم الأمينيّ طريق حسابها، ثمّ يقول:

  • و نحن لا ندري ما ذا يعني سيّدنا الأمين بقوله: «و في طبعه شذوذ و في مؤلّفاته خبط و خلط و شي‌ء من المغالاة لا موجب له و لا داعي إليه، و فيه شي‌ء من الضرر و إن أمكن أن يكون له محلّ صحيح»؟!

  • ليت السيّد يوعز إلى شي‌ء من شذوذ طبع شاعرنا الفحل، حتّى لا يبقى قوله دعوى مجرّدة. و بعد اعترافه بإمكان محمل صحيح لما أتى به المترجَم، فأيّ داع إلى حمله على الخبط و الخلط؛ و نسيان حديث: ضَعْ أمْرَ أخِيكَ على أحْسَنِهِ‌! و أيّ ضرر فيه على ذلك التقدير؟ على أنّا سبرنا غير واحد من مؤلّفات البُرسيّ فلم نجد فيه شاهداً على ما يقول، و ستوافيك نُبذ ممتعة من شعره الرائق في مدائح أهل البيت عليهم السلام و مراثيهم و ليس فيها إلّا إشارة إلى فضائلهم المسلّمة بين الفريقين أو ثناء جميل عليهم هو دون مقامهم الأسمى، فأين يقع الارتفاع الذي رماه به بعضهم؟ و أين المغالاة التي رآها السيّد؟ و البرسيّ لا يحذو في كتبه إلّا حذو شعره المقبول، فأين مقيل الخبط و الضرر و الغلوّ التي حسبها سيّد الأعيان؟!

  • و أمّا ما نقم به عليه من اختراع الصلوات و الزيارة بقوله: «و اختراع صلاة عليهم و زيارة لهم لا حاجة إليه بعد ما ورد ما يغني عنه»، و لو سلّم أنّه في غاية الفصاحة كما يقول صاحب «الرياض»، فإنّه لا مانع منه إلّا ما يوهم المخترع أنّها مأثورة، و أيّ وازع من إبداء كلّ أحد تحيّته بما يجريه الله تعالى على لسانه و هو لا يقصد وروداً و لا يريد تشريعاً؟ و قد فعله فطاحل‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

402
  • العلماء من الفريقين ممّن هو قبل المترجَم و بعده، و لا تسمع اذن الدنيا الغمز عليهم بذلك من أيّ أحد من أعلام الامّة.

  • وَ أمَّا قَوْلُ سَيِّدِنَا: «وَ إنَّ مُؤَلَّفاتِهِ لَيْسَ فِيهَا كَثِيرُ نَفْعٍ وَ في بَعْضِهَا ضَرَرٌ وَ لِلَّهِ في خَلْقِهِ شُئونٌ؛ سَامَحَهُ اللهُ وَ إيَّانَا» فَإنَّهُ مِنْ شَطْفَةِ۱ القَلَمِ صَدَرَ عَنِ المِشْظَفِ‌٢؛ سامَحَهُ اللهُ وَ إيَّانَا.

  • أشعار البرسيّ في مدائح الرسول الاكرم و أهل البيت عليهم السلام‌

  • ثمّ يعدِّد العلّامة الأمينيّ ثلاثة عشر كتاباً من مصنَّفاته، و يقول بعدها:

  • شِعْرُهُ الرَّائِقُ:

  • للحافظ البرسيّ شعر رائق، و جلّه بل كلّه في مدائح النبيّ الأقدس و أهل بيته الطاهرين صلوات الله عليهم، و يتخلّص في شعره بالحافظ، و من شعره يمدح به النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله و سلّم قوله:

  • أضَاءَ بِكَ الافُقُ المُشْرِقُ‌***وَ دَانَ لِمَنْطِقِكَ المَنْطِقُ‌
  • وَ كُنْتَ وَ لَا آدَم كَائناً***لأنَّكَ مِنْ كَونِهِ أسْبَقُ‌
  • أشار بهذا البيت الأخير إلى ما جاء عنه صلّى الله عليه و آله من قوله: كُنْتُ أوَّلَ النَّاسِ في الخَلْقِ وَ آخِرَهُمْ في البَعْثِ.

  • أخرجه ابن سعد في «الطبقات» و الطبريّ في تفسيره ج ٢۱، ص ۷٩، و أبو نعيم في «الدلائل» ج ۱، ص ٦، و ذكره ابن كثير في تأريخه، ج ٢، ص ٣۰۷، و الغزّاليّ في «المضنون الصغير» هامش «الإنسان الكامل» ج ٢، ص ٩۷، و السيوطيّ في «الخصائص الكبرى» ج ۱، ص ٣، و الزرقانيّ في «شرح المواهب» ج ٣، ص ۱٦٤.

  • و في حديث الإسراء: إنَّكَ عَبْدِي وَ رَسُولِي، وَ جَعَلْتُكَ أوَّلَ النَّبِيِّينَ‌

    1. رَمْيَةٌ شاطِفَةٌ: أي زَلَّتْ عَن المَقْتَل، نيَّةٌ شَطوفٌ: أي بعيدةٌ «أقرب الموارد».
    2. المِشْظَف كَمِنبر: مَن يُعَرِّض بالكلامِ علي غير القَصد. (التعليقة).

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

403
  • خَلْقاً وَ آخِرَهُمْ بَعْثاً.۱

  • و جاء عنه صلّى الله عليه و آله: أوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ نُورِي.٢

  • و تواتر عنه صلّى الله عليه و آله من طرق صحيحة:

  • كُنْتُ نَبِيَّاً وَ آدَمُ بَيْنَ المَاءِ وَ الطِّينِ. أو: بَيْنَ الرُّوحِ وَ الجَسَدِ. أو: بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ وَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ.

  • وَ لَوْلَاكَ لَمْ تُخْلَقِ الكَائِنَاتُ‌***وَ لَا بَانَ غَرْبٌ وَ لَا مَشْرِقُ‌
  • أشار بهذا البيت إلى ما أخرجه الحاكم في «المستدرك» ج ٢، ص ٦۱٥، و البيهقيّ، و الطبرانيّ، و السبكيّ، و القسطلانيّ، و العزاميّ، و البُلْقينيّ، و الزرقانيّ و غيرهم من طريق ابن عبّاس؛ قال:

  • أوْحَى اللهُ إلى عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ: يَا عِيسَى! آمِنْ بِمُحَمَّدٍ وَ أمُرْ مَنْ أدْرَكَهُ مِنْ امَّتِكَ أنْ يُؤْمِنُوا بِهِ؛ فَلَوْ لَا مُحَمَّدٌ مَا خَلَقْتُ آدَمَ، وَ لَوْ لَا مُحَمَّدٌ مَا خَلَقْتُ الجَنَّةَ وَ لَا النَّارَ.

  • و من طريق عمر بن الخطّاب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه و آله:

  • لَمَّا اقْتَرَفَ آدَمُ الخَطِيئَةَ قَالَ: يَا رَبِّ أسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ لَمَّا غَفَرْتَ لِي! فَقَالَ اللهُ: يَا آدَمُ! وَ كَيْفَ عَرَفْتَ مُحَمَّداً وَ لَمْ أخْلُقْهُ؟

  • قَالَ: يَا رَبِّ لأنَّكَ لَمَّا خَلَقْتَنِي بِيَدِكَ وَ نَفَخْتَ في مِنْ رُوحِكَ رَفَعْتُ رَأسِي فَرَأيْتُ على قَوَائِمِ العَرْشِ مَكْتُوباً: لَا إلَهَ إلَّا اللهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ فَعَلِمْتُ أنَّكَ لَمْ تُضِفْ إلى اسْمِكَ إلَّا أحَبَّ الخَلْقِ إلَيْكَ!

  • فَقَالَ اللهُ: صَدَقْتَ يَا آدَمُ! إنَّهُ لأحَبُّ الخَلْقِ إلَيّ، ادْعُنِي بِحَقِّهِ قَدْ

    1. «مجمع الزوائد» ج ۱، ص ۷۱، (التعليقة).
    2. «السيرة الحلبيّة» ج ۱، ص ۱٥٩، (التعليقة).

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

404
  • غَفَرْتُ لَكَ. وَ لَوْ لَا مُحَمَّدٌ مَا خَلَقْتُكَ!

  • فَمِيمُكَ مِفْتَاحُ كُلِّ الوُجُودِ***وَ مِيمُكَ بِالمُنْتَهَى يُغْلَقُ‌
  • تَجَلَّيْتَ يَا خَاتَمَ المُرْسَلِينَ‌***بِشَأوٍ۱ مِنَ الفَضْلِ لَا يُلْحَقُ‌
  • فَأَنْتَ لَنَا أوَّلٌ آخِرٌ***وَ باطِنُ ظاهِرِكَ الأسْبَقُ‌
  • في هذه الأبيات إشارة إلى أسمائه الشريفة: الفاتح، الخاتم، الأوّل، الآخر، الظاهر، الباطن. راجع «المواهب» للزرقانيّ ج ٣، ص ۱٦٣ و ۱٦٤.

  • تَعَالَيْتَ عَنْ صِفَةِ المَادِحِينَ‌***وَ إنْ أطْنَبُوا فِيكَ أوْ أعْمَقُوا
  • فَمَعْنَاكَ حَوْلَ الوَرَى دَارَةٌ***على غَيْبِ أسْرَارِهَا تَحْدِقُ‌
  • وَ رُوحُكَ مِنْ مَلَكُوتِ السَّمَاءِ***تَنَزَّلُ بِالأمْرِ مَا يُخْلَقُ‌
  • وَ نَشْرُكَ يَسْرِي على الكَائِنَاتِ‌***فَكُلٌّ على قَدْرِهِ يَعْبَقُ‌
  • إلَيْكَ قُلُوبُ جَمِيعِ الأنَامِ‌***تَحِنُّ وَ أعْنَاقُهَا تَعْنَقُ‌
  • وَ فَيْضُ أيَادِيكَ في العَالَمِينَ‌***بِأنهَارِ أسْرَارِهَا يَدْفُقُ‌
  • وَ آثَارُ آيَاتِكَ البَيِّنَاتِ‌***على جَبَهَاتِ الوَرَى تَشْرُقُ‌
  • فَمُوسَى الكَلِيمُ وَ تَوْرَاتُهُ‌***يَدُلَّانِ عَنْكَ إذَا اسْتُنْطِقُوا
  • وَ عِيسَى وَ إنْجِيلُهُ بَشَّرَا***بِأَنَّكَ أحْمَدُ مَنْ يُخْلَقُ‌
  • فَيَا رَحْمَةَ اللهِ في العَالَمِينَ‌***وَ مَنْ كَانَ لَوْلَاهُ لَمْ يُخْلَقُوا
  • لأنَّكَ وَجْهُ الجَلَالِ المُنِيرِ***وَ وَجْهُ الجَمَالِ الذي يَشْرُقُ‌
  • وَ أنْتَ الأمِينُ وَ أنْتَ الأمَانُ‌***وَ أنتَ تُرَتقُ مَا يُفْتَقُ‌
  • أتَى رَجَبٌ لَكَ في عَاتِقٍ‌***ثَقِيلُ الذُّنوبِ فَهَلْ تَعْتِقُ‌
  • ثمّ ينقل العلّامة الأمينيّ عدّة قصائد جميلة له في مدح المولى‌

    1. شأي القَومَ (من باب نَصَرَ يَنْصُرُ) يَشئُوهم شَأواً: سَبَقَهُم، كشاءَهم يَشوءُهم علَي القَلب. و الترابَ مِن البِئْر: نزَعَه.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

405
  • أمير المؤمنين عليه السلام، يمكن عدّها لسلاستها و عذوبة ألفاظها و عمق معانيها و نظمها البديع و قوافيها الرائعة من الأشعار الممتازة الراقية الواردة بالعربيّة، كان من جملتها أبياته التي أوردناها في هذا الكتاب عن «الروضات» و مطلعها:

  • ، فَرْضِي وَ نَفْلِي وَ حَدِيثِي أنْتُمُ،

  • و ينقل أيضاً مرثيّةً لسيّد الشهداء عليه السلام و غزلًا جميلًا و هي بأجمعها أشعار جميلة و بديعة. ثمّ يقول في الخاتمة:

  • هذه جملة ما وقفنا عليه من شعر شيخنا الحافظ البرسيّ و هي ٥٤۰ بيتاً، و لا يوجد فيها -كما ترى- شي‌ء ممّا يُرمى به من الارتفاع و الغلوّ، أمّا حقيقة الأمر، كما قال هو:

  • وَ ظَنُّوا وَ بَعْضُ الظَّنِّ إثْمٌ وَ شَنَّعُوا***بِأَنَّ امْتِدَاحِي جَاوَزَ الحَدَّ وَ العَدَّا
  • فَوَ اللهِ مَا وَصْفِي لَهَا جَازَ حَدَّهُ‌***وَ لَكِنَّهَا في الحُسْنِ قَدْ جَازَتِ الحَدَّا
  • توجد ترجمته في «أمل الآمل» و «رياض العلماء» و «رياض الجنّة» في الروضة الرابعة و «روضات الجنّات» و «تتميم أمل الآمل» للسيّد ابن أبي شبانة، و «الكنى و الألقاب» و «أعيان الشيعة» و «الطليعة» و «البابليّات».

  • و لم نقف على تأريخ ولادة شاعرنا الحافظ و وفاته، غير أنّه أرّخ بعض تآليفه بقوله: إنّ بين ولادة المهديّ عليه السلام و بين تأليف هذا الكتاب خمسمائة و ثمانية عشر سنة، فيوافق ۷۷٣ هـ. ق، أخذاً برواية ٢٥٥ هـ. ق في ولادة الإمام المنصور صلوات الله عليه، و مرّ في تأريخ بعض كتبه أنّه أرّخه بسنة ۸۱٣، و لعلّه توفّي في حدود هذا التأريخ؛ و الله العالم.۱

    1. «الغدير» ج ۷، ص ٣٣ إلي ص ٦۸، الطبعة الأولى، الحيدريّة - طهران، سنة ۱٣۷٢ هـ. ق.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

406
  • الشيخيّة و الحشويّة يقفون في قطب معاكس لمحيي الدين و العرفاء

  • محيي الدين بن عربي و جميع العرفاء

  • يقفون في قطب معاكس لقطب الشيخيّة و الحشويّة

  • و بعض الأخباريّين‌

  •  

  • يقول محيي الدين بن عربي و العرفاء بالله: إنّ معرفة الله ممكنة للإنسان، و إنّ مقام الإنسان و درجته و شخصيّته هي التي تستطيع طيّ هذا الدرب و نيل لقاء المحبوب. كما أنّ لقاءه تعالى هو الفناء في ذاته، لأنّ عدم الفناء و المحو فيه يعني عدم حصول معرفته؛ أمّا في حال تحقّق الفناء فليس هناك -غير اللهـ من شي‌ء باقٍ ليعرف الله، و من ثمّ فإنّ الله سبحانه هو الذي يعرف نفسه.

  • قول الشيخيّة: «إنّ معرفة الحقّ تعالى أمر محال» و الإشكالات الواردة

  • و يقول الشيخيّة: إنّ معرفة الحقّ تعالى أمر محال، فالممكن هو معرفة أسمائه و صفاته، و ذاك أمر لا يشمل عامّة الناس، بل يختصّ بالكاملين منهم فحسب، لذا فإنّ اسم الرازق، و الخالق، و المحيي و المميت، و السميع، و البصير، و العليم، و القادر، و الحي، و ما ينشأ منها يمثّل حقيقة الأئمة المعصومين عليهم السلام و الذين هم في مقام غير مقام الذات. كما أنّ غاية سير كلّ فرد من أفراد البشر هو الفناء في ذلك الاسم الذي يفضّله و يسمو عليه. و من هنا، فإنّ مقام و درجات الناس تختلف بحسب اختلاف استعدادهم في الفناء في الأسماء الكلّيّة أو الجزئيّة، فهم في النهاية فانون بأجمعهم في الأسماء و الصفات، كما أنّ حقيقة الأسماء و الصفات الإلهيّة في المراتب العالية تتجسّد في تلك الولاية الكلّيّة المتحقّقة في المعصومين، و الإنسان الكامل هو الذي يستطيع أن يجد الطريق إليها و يكتسب‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

407
  • معرفتها.

  • و توجد في هذه النظريّة إشكالات مهمّة هي:

  • أوّلًا: أنّها توصد سبيل المعرفة بالخالق، حيث إنّ الله تعالى خلق السماء و الأرض و الأفلاك تمهيداً لمعرفة البشر.

  • و ثانياً: إنّ هذه النظريّة تجسّد حقيقة معنى التفويض‌۱، أي أنّها تمثّل‌

    1. ما أجمل أن ننقل هنا نصّ عبارة مجلّي المعضلات و المبهمات استاذنا المحقّق العلّامة آية الله الطباطبائيّ قدّس الله سرّه، فقد ذكر مطالب بشأن القضاء و القدر و الأمر بين الأمرين في تعليقاته على «اصول الكافي» ج ۱، ص ۱٥٥ فما بعد، الطبعة الأولى، مكتبة الصدوق، سنة ۱٣۸۱، نكتفي بذكر عدّة جملات منها:
      «المُجبِّرةُ أثْبتوا تعلُّقَ الإرادةِ الحَتْميَّة الإلَهيّةِ بالأفعال كسائرِ الأشياءِ؛ و هُو القَدَر، و قالوا: بكَونِ الإنسان مَجبوراً غَيرَ مُختارٍ في أفعالِهِ، و الأفعالُ مخلوقةٌ للَّه تعالى و كذا أفعالُ سائر الأسباب التكوينيَّةِ مخلوقةٌ له.
      و المُفوِّضةُ أثْبتوا اخْتياريّةَ الأفعالِ، و نَفَوْا تعلُّقَ الإرادة الإلهيّةِ بالأفعالِ الإنسانيّةِ فَاسْتَنتجوا كَونَها مَخلوقةً للإنسان». حتّى يصل إلى قوله:
      «و اعْلَمْ أنّ البَحثَ عَن القضاءِ و القَدَر كانتْ في أوّل الأمر مَسألةً واحِدةٌ، ثمّ تحوَّلَت ثلاثَ مسائلَ أصليّةِ، الأولى: مَسألةُ القَضاء، و هو تعلُّقُ الإرادةِ الإلهيّةِ الحَتميَّةِ بكلِّ شي‌ءٍ، وَ الأخبارُ تَقضي فيها بالإثباتِ كما مرَّ في الأبوابِ السَّابقةِ.
      الثانية: مَسألَةُ القَدَر وَ هُو ثُبوتُ تأثيرِ ما لَهُ تعالى في الأفعال، و الأخبارُ تدلُّ فيها أيضاً على الإثباتِ.
      الثالثة: مَسألةُ الجَبر و التَّفويضِ، و الأخبار تُشيرُ فيها إلى نَفْي كِلا القَولين و تُثْبِتُ قَولًا ثالثاً و هو الأمر بَين الأمرَين: لا مِلكاً للّه فقط مِن غَير مِلْكِ الإنسان و لا بِالعكْس، بل مِلكاً في طولِ مِلكٍ، و سَلطنَةً في طُولِ سَلطنةٍ.
      و اعْلمَ أيضاً أنّ تسميةَ هَؤلَاءِ بالقَدَريّةِ مأخوذةٌ ممّا صَحَّ عنِ النبيّ صلّى الله عليه و آله و سلَّم: إنَّ القَدَرِيَّةَ مَجُوسُ هَذِهِ الامَّةِ (الحديث). فَأخذتِ المُجبِّرةُ تُسَمّى المُفَوِّضةَ بِالقدريَّةِ لأنَّهُم يُنكرونَ القَدَرَ و يتكلَّمون علَيها، و المُفَوِّضةُ تُسَمِّى المُجَبِّرةَ بالقَدَريَّةِ لأنَّهم يُثبتونَ القَدَر. و الذي يتَحصَّلُ مِن أخبارِ أئمَّةِ أهل البَيتِ عليهمُ السلام أنَّهم يُسَمُّون كِلتا الفرقتَين بالقدريَّةِ و يُطَبِّقونَ الحديث النَّبَوِيّ علَيهما:
      أمّا المُجبِّرةُ فلأنّهم يَنسِبون الخير و الشَّرَّ و الطاعةَ و المَعصيةَ جميعاً إلى غَير الإنسان، كما أنَّ المَجوسَ قائلونَ بكَون فاعلِ الخير و الشَّرِّ جميعاً غَيرَ الإنسان؛ و قولُه عليه السَّلام في هذا الخبرِ مبنيّ على هذا النَّظَرِ.
      و أمّا المفوِّضةُ فلأنّهم قائلونَ بخالقَين في العالَم: هما الإنسان بالنِّسْبَةِ إلى أفعالهِ و اللهُ سبحانَه بالنسبةِ إلى غيرها؛ كما أنَّ المجوسَ قائلونَ بإلهِ الخير و إلهِ الشَّرِّ؛ و قولُه عليه السَّلام في الرواياتِ التاليةِ: لا جَبْر وَ لا قَدَر، ناظِرٌ إلى هذا الاعْتبارِ».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

408
  • أجلى صوره. فالمفوّضة يعتقدون بأنّ الله سبحانه خلق العالم فأوكل تدبيره إلى الأئمّة، أمّا هؤلاء الشيخيّة فيقولون: ليس تدبير العالم وحده في يدهم فحسب، بل إنّ خلق العالم و ابتداعه و الرزق و الإحياء و الإماتة و السلامة و المرض هي بأجمعها في أيديهم.

  • و هذا الوجه هو أقبح ما يمكن تصوّره في التفويض، حيث إنّه يمثّل عزلًا للّه سبحانه من جميع الامور و الجهات و تخليته في زاوية من العالم بدون أثر و لا مسمّى، و إبطالًا لفعله و هيمنته. وَ تعالى اللهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوَّاً كَبِيراً.۱

  • و ثالثاً: إنّه من أجلى أقسام الشرك و أظهرها، فقد اعتبر أنّ هناك مؤثّراً غير الله في جميع الموجودات.

  • و رابعاً: إنّه من أظهر أقسام الارتفاع و الغلوّ، لأنّه لا يكتفي باعتبار المعصومين المصدر الوحيد للُامور، بل إنّه لم يشرك الله معهم في ذلك، فقد أوكل هؤلاء أمر العالم بشكل مطلق إلى الأئمّة و اكتفوا بذكر الله على ألسنتهم؛ فهم في الحقيقة يعدّون الله سبحانه أجوفَ بلا معنى و لا مغزى.

    1. اقتباس من الآية ٤٣، من السورة ۱۷: الإسراء: ﴿سُبْحانَهُ وَ تَعالى‌ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً﴾.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

409
  • و خامساً: إنّ عبادتهم انصبّت على هذه الذوات المقدّسة فقط، فهم يسألون منهم حاجاتهم و يتوسّلون إليهم و يأملون بهم وحدهم، غافلين بل متناسين و رافضين الله الواحد القهّار الذي خلقهم و الآخرين، و الذي له الولاية عليهم كلّ آن.

  • و سادساً: أيّ دليل قائم على أنّ معرفة الله مختصّة بالأئمّة المعصومين لا تتعدّاهم؟ فهؤلاء بشر و سائر الناس بشر أيضاً، و ما أمكن لهؤلاء عقلًا فهو ممكن لغيرهم أيضاً؛ كما ينبغي شرعاً -باعتبارهم أئمّة- تمكّن المأموم من إدراكهم في العمل و الوصول، و إلّا لما كان للإمامة من معنى.

  • كلام القاضي: الشيخ الاحسائيّ يعرّف الله على أنّه أجوف و لا أثر له‌

  • و كان سماحة وصيّ المرحوم القاضي: المرحوم آية الله الحاجّ الشيخ عبّاس القوجانيّ أعلى الله درجته يقول: قلتُ يوماً لسماحة السيّد (الاستاذ القاضيّ): ما هو الإشكال في عقيدة الشيخيّة؟! فهم من أهل العبادة و أهل الولاية أيضاً، ناهيك عن أمر إظهارهم المحبّة و الإخلاص للأئمّة عليهم السلام كما نفعل، كما أنّ فقههم فقه الشيعة؛ يضاف إلى ذلك عدّهم كتب الأخبار معتبرة و عملهم برواياتنا، و إجمالًا فإنّنا مهما بحثنا عن إشكال في نهجهم الأخلاقيّ و العمليّ لم نجد ما يقدح فيهم.

  • أجاب المرحوم القاضي: اجلب «شرح الزيارة» للشيخ أحمد الأحسائيّ غداً!

  • فأحضرتُ له «شرح الزيارة» للشيخ الأحسائيّ في اليوم التالي، فقال: اقرأ! فقرأتُ فيها ما يقرب من ساعة كاملة. ثمّ قال: يكفي هذا! أ تَبَيَّنَ لك الآن ما هو الإشكال فيهم؟ إنّ الإشكال يكمن في عقيدتهم.

  • إنّ هذا الشيخ يحاول في كتابه هذا إثبات أنّ ذات الله سبحانه ليس لها اسم و لا رسم، فهي فوق صفاته و أسمائه، و أنّ ما يتحقّق في العالم إنّما

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

410
  • يتحقّق بالأسماء و الصفات، و أنّها هي المبدِئة لخلق العالم و خلق آدم و المؤثِّرة في تدبير شئون هذا العالم في بقاء الحياة و دوامها.

  • فذلك الله ليس له اتّحاد مع الصفات و الأسماء، بل إنّها تعمل بصورة مستقلّة، لذا فإن عبادة الإنسان ستكون موجّهة لأسماء الله و صفاته، لا إلى ذاته التي لا توصف و لا يتّسع لها الوهم و الخيال.

  • و من ثمّ فإنّ الشيخ الأحسائيّ يعتبر الله سبحانه مفهوماً فارغاً بلا تأثير و خارجاً عن الأسماء و الصفات، و هذا عين الشرك.

  • أمّا العارف فيقول بأنّ ذات الله أسمى من الوصف و أعلى من الخيال و الوهم، و إنّ لها السيطرة و الهيمنة على الأسماء و الصفات؛ و إنّ جميع الأسماء و الصفات موجودة في ذاته القدسيّة دون أن يكون لها حدود وجوديّة و لا تعيّنات و تقيّدات، كما أنّ جميع الصفات و الأسماء ترجع إلى الذات، و أنّ المقصد و المبدأ و المنتهى هي ذاته، كلّ ما في الأمر أنّ ذلك يتمّ عن طريق الأسماء و الصفات.

  • و لذا فإنّنا نشير إلى تلك الذات بقولنا: ﴿وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ﴾‌۱، و لو لم يكن ذلك معلوماً لدينا - انتهى كلام سماحة السيّد القاضي.

  • و من هنا، فإنّ الشيخيّة و الحشويّة الذين يرأسهم الشيخ أحمد الأحسائيّ يقفون في قطب مخالف للعرفاء، لذا نراهم يكِنّون للعرفاء كلّ هذا العداء و يقسون في معاملتهم، باعتبارهم يسيرون في نهجين مختلفين.

  • ارتاض الشيخ أحمد الاحسائيّ بغير أُستاذ فابتلي بالسقوط في وادٍ خطير

  • و يلزم هنا ذكر نكتة مهمّة، و هي أنّ على سالكي طريق الله أن يطووا

    1. الآية ۷٩، من السورة ٦: الأنعام: ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

411
  • طريقهم تحت تربية و إشراف استاذ كامل يمتلك مقام التوحيد و العرفان الإلهيّ؛ و ممّن وصل بعد الفناء في الله إلى مرحلة البقاء بالله، و ممّن انتهت أسفاره الأربعة؛ و إلّا ابتلوا بهذا المرض الذي ابتُلي به الشيخ أحمد الأحسائيّ.

  • و فائدة الاستاذ هي أن يجتاز بهم المراحل و المنازل الخطرة في هذا الوادي، و هي عبارة عن الأبالسة و طغيان النفس الأمّارة، و أخيراً الاستقلال الوجوديّ و الذاتيّ لنفس السالك، و النظر إلى الأسماء و الصفات على أنّها مستقلّة.

  • إنّ الأسماء و الصفات الكلّيّة لذات الحقّ تعالى ستتجلّى لسالك الطريق بعد عبوره لمراحل المثال و الملكوت الأسفل و التحقّق بالمعاني الكلّيّة العقليّة، أي إنّه سيشاهد عياناً العلمُ المحيط و القدرة المحيطة و الحياة المحيطة بالعوالم، التي تمثّل في الحقيقة ذلك الوجود الباطنيّ و الحقيقيّ للأئمّة عليهم السلام. و يتحتّم على السالك أن يعبر هذه المرحلة من أجل الكمال و الوصول لمنبع الحقائق و لذات الحضرة الأحديّة، و إلّا تسمّر فيها إلى الأبد.

  • كما إنّ عبور هذه المرحلة و تخطّيها غير ممكن بدون فداء حقيقة الوجود و بدون الجهاد الأكبر بجميع مراتبه، إذ ما دامت هناك شائبة من الوجود و لو بقدر ذرّة واحدة، فإنّ تجلّي تلك الحقيقة أمر محال و الفناء الذاتيّ أمر غير ممكن.

  • إنّ سالكي طريق الله الذين فازوا بهذه المرحلة بَيدَ أنّهم لم يصلوا إلى الفناء الذاتيّ إنّما يعبرون هذه المرحلة على أثر تعليم الاستاذ و سيطرته و إشرافه باعتباره خبيراً بهذه المرتفعات و القمم الخطرة المنيعة، و نظراً لاطّلاعه على حال التلميذ، فإنّه يقوم بذبح نفس تلميذه و التضحية به‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

412
  • للاجتياز به من هذه المرحلة؛ و ينبغي أن تكون عمليّة التضحية و تقديم القربان على يد الغير، إذ من غير المعقول أن يكون تقديم القربان على يد الشخص نفسه.

  • أما اولئك الذين وضعوا أقدامهم بتهوّر على طريق الرياضة بلا قائد و لا دليل فاتّخذوا سبيل النوافل و الصيام المستمرّ و الاعتزال و الانشغال بالأذكار و الأوراد و الأفكار الطائشة، اعتماداً على مطالعة الكتب أو متابعة استاذ غير كامل أو وفق هواهم و اختيارهم الشخصيّ؛ فإنّهم سيعجزون عن الارتحال عن هذا المنزل إلى الأبد.

  • و ذلك لأنّه أوّلًا منزل جميل و رائع جدّاً يصعب تزهيد النفس فيه و يعسر تخطّيه، و لأنّ العبور منه -ثانياً- يستلزم تقديم النفس قرباناً في سبيله؛ و أنّى للنفس أن تقبل التضحية بنفسها؟!

  • هذه النفس التي اكتسبت حتّى الآن هذه الكمالات و الحالات، يتوجّب عليها الآن التضحية بها جميعاً، ناهيك عن أنّها ينبغي أن تضحّي بنفسها هي الاخرى. و من هنا، فإنّ هذا الطلب سيتعذّر على النفس و سيبقى السالك -لأجل ذلك- في هذا المنزل إلى الأبد، و ستكون فيه مقبرته الأبديّة و من هنا سيُقرع طبل الأنانيّة و الفرعونيّة التي هي التجلّي الأعظم للنفس، و من هنا سيصبح له استقلال الأسماء و الصفات مشهوداً، و سينشأ الغلوّ و الارتفاع و ادّعاء الالوهيّة و اعتبار الذوات المقدّسة رازقة و خالقة. و لأنّه يدرك ذلك و يراه بالحسّ و العيان و بالمشاهدة و الوجدان، فلن يكون أمامه من سبيل لتغيير الفكر و التعقّل و المشاهدة.

  • و سواء كان السالك عالماً بالأخبار و الروايات متضلّعاً بالعلوم المتداولة أم لا، فذلك لن يأخذ بيده أو يعينه في أمره، شأنه كشأن الشيخ أحمد الأحسائيّ الذي تردّى في هذا الوادي العميق مع تضلّعه في العربيّة

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

413
  • و الأدب، و مهارته في مجال الأخبار و الروايات، حيث قام بتكفير اولئك الذين تخطّوا هذه المرحلة و وصلوا إلى مرحلة الفناء في الذات التي يُصطلح على تسمية صاحبها بالعارف. كما كفّر الذين اعتبروا اسلوبه و نهجه خاطئاً، ثمّ تجلّت روح عظمة النفس و سيطرة وحدانيّتها في كلمات من ربّاهم، فعدّ أحدهم نفسه إمام العصر و الزمان، و جاء بكتاب «البيان» لدحر القرآن، و فعلوا ما فعلوا...

  • اختلاف أقوال المؤلّفين في شأن محيي الدين بن عربي‌

  • و لقد كان مؤرِّخونا و كتّاب السير و التراجم لدينا بعيدين عن حقيقة العرفان، يدعون كلّ من تكلّم عن الحكمة حكيماً، باطلًا كان قوله أم حقّاً، و يسمّون كلّ من ادّعى الشهود و سمّى نفسه صاحب مكاشفة عارفاً و وليّاً، فلم يفرّقوا عند ذلك بين الأحسائيّ و بين الآقا محمّد البيدآباديّ في العرفان، أو بينه و بين الملّا عليّ النوريّ في الحكمة، و لم يسعهم أن يفرّقوا بينهم، لأنّ ذلك ممّا يتعدّى دائرة علومهم و شئونهم.

  • و لهذا السبب فقد اغلقوا طريق العرفان أمام الناس، و دعوا أمثال محيي الدين كافراً و زنديقاً و كالوا للفيض الكاشانيّ الشتائم و جاوزوا في التراجم الحدّ فخلطوا الحقائق بأوهامهم و تصوّراتهم، و بدلًا من أن يقدّموا محيي الدين و يعرّفونه على أنّه عارف سنّيّ على المذهب المالكيّ، فإنّهم لم يتورّعوا عن كيل آلاف التهم له.

  • لقد كان المرحوم جدّنا العلّامة المجلسيّ، في أغلب الموارد يرفض جميع العرفاء على حدّ سواء، المُحقّ منهم و المُبطل، و كان -باختصار- يتّهمهم جميعاً، و هكذا كان شأن المرحوم الحاجّ النوريّ و صاحب «الروضات».

  • بَيدَ أنّ المرحوم استاذنا الأكرم الحاجّ الشيخ آقا بزرگ الطهرانيّ أعلى الله مقامه كان لا يحيد عن سبيل الإنصاف في كتاباته، و لا يتطرّف‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

414
  • في الذمّ أو المدح، و هكذا كان ديدنه في المطالب التي يذكرها شفاهاً، و أشبهه في ذلك المرحوم المحدِّث القمّيّ: الحاجّ الشيخ عبّاس.

  • كما سلك المرحوم الميرزا محمّد علي المدرّس سبيل الإنصاف في «ريحانة الأدب» فكان يدوّن ما ثبت لديه لا يتعدّى ذلك النهج خطوة واحدة. و قد ضمّن الجزء الخامس من كتابه هذا شرحاً جيّداً عن محيي الدين و عرّفه بمذهبه اللمالكيّ؛ فقال بعد شرح أحواله: إنّ مسألة كون ابن العربيّ شيعيّاً أو سنّيّاً و انتمائه إلى مذهب العدليّة أو الجبريّة، و عقائده الاخرى محلّ خلاف بين أصحاب السير. فقد كفّره الملّا سعد التفتازانيّ و العلّامة السخاويّ و جمع آخر لمحض مخالفة ظاهر بعض كلماته للشرع، و كان الشيخ أحمد الأحسائيّ يلقّبه بـ مميت الدين بدلًا من محيي الدين، بينما عدّه عبد الوهّاب الشعرانيّ و صاحب «القاموس» و جماعة آخرون من أكابر العرفاء و الأولياء. و قد حرّم جلال الدين السيوطيّ و بعض آخر شرعاً مطالعةَ كتبه مع إذعانهم لمقام ولايته. و الحكم في هذه الامور خارج عن موضوع الكتاب، و موكول إلى الكتب المبسوطة.۱

  • تعظيم الملّا صدرا و عبد الوهّاب الشعرانيّ لمحيي الدين بن عربي‌

  • و لقد دأب حكيمنا العظيم الشأن و فيلسوفنا المفكِّر المتعبِّد: الملّا صدر الدين الشيرازيّ أعلى الله درجته كلّما نقل في كتبه مطلباً عن محيي الدين، و خاصّة في «الأسفار الأربعة» على ذكر اسمه بمنتهى الإعظام و الإجلال، أمّا إذا نقل مطلباً عن ابن سينا فكأنّه كان لا يعدّه فيلسوفاً، و يذكره بتعبير: قال بعض الفلاسفة و أمثالها.٢

    1. «ريحانه الأدب» ج ٥، ص ٢٥٥ إلي ٢٥٩.
    2. فيقول مثلًا في باب الوجود الذهنيّ من «الأسفار» ج ۱، ص ٢٦٦، الطبعة الحروفيّة، المطبعة الحيدريّة، سنة ۱٣۷٩ هـ. ق: وَ يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ الجَلِيلُ مُحْيِي الدِّينِ العَرَبِيّ الأنْدَلُسِيّ قَدَّسَ اللهُ سِرَّهُ في كِتَابِ «فُصُوصُ الحِكَم» - إلى آخره. و يقول في مبحث كيفيّة علمه تعالى، ج ٦، ص ٢۸٦:
      قَالَ العَارِفُ المُحَقِّقُ مُحْيِي الدِّينِ العَرَبِيّ في البَابِ السَّابِعِ وَ السَّبْعِينَ وَ ثَلَاث مِائَةٍ مِنَ «الفُتُوحَات المَكِّيَّةِ» اعْلَمْ - إلى آخره. و يقول في بحث أصالة الوجود، ج ۱، ص ٤۸: وَ مَا أكْثَرَ مَا زَلَّتْ أقْدَامُ المُتَأخِّرِينَ حَيْثُ حَمَلُوا هَذِهِ العِبَارَاتِ وَ أمْثَالَهَا المَوْرُوثَة مِنَ الشَّيْخِ الرَّئِيسِ وَ أتَرَابِهِ وَ أتْبَاعِهِ على اعْتِبَارِيَّةِ الوُجُودِ - إلى آخره. و في بحث ثبوت البرزخين للأرواح، ج ٩، ص ٤٥، يقول: هُوَ مَا قَالَهُ قُدْوَةُ المُكَاشِفِينَ مُحْيِي الدِّينِ العَرَبِيّ: عَلَيك أنْ تَعْلَمَ أنَّ البَرْزَخَ...
      ثمّ يختم الملّا صدرا كتابه «الأسفار» بكلام من محيي الدين، و باعتبار روعة هذا المطلب و إجماله فنحن نورده هنا. يقول في ج ٩، ص ٣۸٢، في نهاية بحث المعاد:
      قَالَ العَارِفُ المُحَقِّقُ في «الفُتُوحَاتِ المَكِّيَّةِ» في البَابِ السَّابِعِ وَ الأرْبَعِينَ مِنْهَا: فَلَا تَزَالُ الآخِرَةُ دَائِمَةَ التَّكْوِينِ فَإنَّهُمْ يَقُولُونَ في الجِنَانِ لِلشَّي‌ءِ الذي يُرِيدُونُهُ: كُنْ فَيَكُونُ، فَلَا يَتَمَنَّونَ فِيهَا أمْراً وَ لَا يَخْطُرُ لَهُمْ خَاطِرٌ في تَكْوِينِ أمْرٍ إلَّا وَ يَتَكَوَّنُ بَيْنَ أيْدِيِهِمْ، وَ كَذَلِكَ أهْلُ النَّارِ لَا يَخْطُرُ لَهُمْ خَاطِرٌ خُوْفاً مِنْ عَذَابٍ أكْبَر مِمَّا هُمْ عَلَيهِ إلَّا وَ يَكُونُ فِيهِمْ ذَلِكَ العَذَابُ وَ هُوَ خُطُورُ الخَاطِر. فَإنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ تَقْتَضِي تَكْوِينَ الأشْيَاءِ حِسَّاً بِمُجَرَّدِ حُصُولِ الخَاطِرِ وَ الهَمِّ وَ الإرَادَةِ وَ الشَّهْوَةِ كُلُّ ذَلِكَ مَحْسُوسٌ، وَ لَيْسَ ذَلِكَ في الدُّنْيَا أعْنِي الفِعْلَ بِمُجَرَّدِ الهِمَّةِ لِكُلِّ أحَدٍ. - انتهى كلامه. ثمّ يقول الملّا صدرا: وَ مَنْ عَرَفَ كَيْفِيَّةَ قُدْرَةِ اللهِ في صُنْعِ الخَيَالِ وَ مَا تَجِدُهُ النَّفْسُ بَلْ تُوجِدُهُ بِإذْنِ اللهِ مِنْ صُوَرِ الأجْرَامِ العَظِيمَةِ وَ الأفْلَاكِ الجِسْمِيَّةِ السَّاكِنَةِ وَ المُتَحَرِّكَةِ وَ البِلَادِ الكَثِيرَةِ وَ خَلَائِقِهَا وَ أحْوَالِهَا وَ صِفَاتِهَا في طَرْفَةِ عَيْنٍ، هَانَ عَلَيهِ التَّصْدِيقُ.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

415
  • لقد كان عبد الوهّاب الشعرانيّ من العامّة، لكنّ علمه و وثاقته لا يشكّ بهما أحد من الخاصّة و العامّة، و كتابه النفيس «اليواقيت و الجواهر» هو جوهرة «الفتوحات المكّيّة»، و كتاب طبقاته المسمّى «لواقح الأنوار في طبقات الأخيار» هو مختصر و جوهرة «الفتوحات» أيضاً، و مختصر مختصره المسمّى «الأنوار القدسيّة في بيان آداب العبوديّة» و كتاب «الكبريت الأحمر» تضمّ بأجمعها مطالبَ شيّقة و عالية قائمة على مطالب‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

416
  • محيي الدين؛ و قد امتدح الشعرانيّ في طبقاته محيي الدين امتداحاً يستدعي العجب حقّاً، بالرغم من أنّ الفاصلة بينه و بين محيي الدين تزيد على ثلاثمائة سنة، حيث يقول: الشَّيْخُ العَارِفُ الكَامِلُ المُحَقِّقُ المدقِّقُ، أحَدُ أكَابِرِ العَارِفِينَ بِاللهِ، سَيِّدِي مُحْيِي الدِّينِ ابْنِ العَرَبِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أجمع المحقّقون من أهل الله على جلالته في جميع العلوم، يشهد لهذا المدعي كتبه المصنّفة. و علّة إنكار من أنكر عليه أمر واحد و هو دقّة كلامه، لذا فقد منعوا من لم يسلك طريق الرياضة من مطالعة كتبه خوفاً من أن تحصل لديه شبهة في معتقداته قبل موته، فلا يكون لديه سبيل لتأويل مراد الشيخ و فهمه.

  • أورد ترجمته الشيخ صفيّ الدين بن أبي المنصور و غيره، و ذكره بالولاية الكبرى و الصلاح و العرفان، و قال: هُوَ الشَّيْخُ الإمَامُ المُحَقِّقُ، رَأسُ أجِلَّاءِ العَارِفِينَ وَ المُقَرَّبِينَ، صَاحِبُ الإشَارَاتِ المَلَكُوتِيَّةِ، وَ النَّفَحَاتِ القُدْسِيَّةِ، وَ الأنْفَاسِ الرَّوْحَانِيَّةِ، وَ الفَتْحِ المُونِقِ، وَ الكَشْفِ المُشْرِقِ، وَ البَصَائِرِ الخَارِقَةِ، وَ السَّرَائِرِ الصَّادِقَةِ، وَ المَعَارِفِ البَاهِرَةِ، وَ الحَقَائِقِ الزَّاهِرَةِ، لَهُ المَحَلُّ الأرْفَعُ مِنْ مَرَاتِبِ القُرْبِ في مَنَازِلِ الانْسِ، وَ المَوْرِدُ العَذْبُ في مَنَاهِلِ الوَصْلِ، وَ الطَّوْلُ الأعْلَى مِنْ مَعَارِجِ الدُّنُوِّ، وَ القَدَمُ الرَّاسِخُ في التَّمْكِينِ مِنْ أحْوَالِ النِّهَايَةِ، وَ البَاعُ الطَّوِيلُ في التَّصَرُّفِ في أحْكَامِ الآيَةِ، وَ هُوَ أحَدُ أرْكَانِ هَذِهِ الطَّرِيقِ؛ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

  • كما وصفه الشيخ العارف بالله محمّد بن أسعد اليافعيّ رضي الله عنه، و ذكره بالعرفان و الولاية. و أطلق عليه الشيخ أبو مَدْيَن رضي الله عنه لقب سلطان العارفين۱

  • إشكال و اعتراض الفيض الكاشاني و المحدّث نوري على ابن عربي‌

    1. «الطبقات الكبرى» ج ۱، ص ۱۸۸، تحت الرقم ٢۸۸، طبعة دار العلم [تابع في الصفحة التالية...]

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

417
  • ...۱

    1. [...تابع التعليقة السابقة] للجميع.
      من بين مخالفي محيي الدين، المرحوم الملّا محسن الفيض الكاشانيّ، فقد ذكر في ص ۱٢٤ و ۱٢٥ من كتابه «بشارة الشيعة» المطبوع بالطبعة الحجريّة في مجلّد يتضمّن خمسة كتب اخرى، أسماؤها: «منهاج النجاة»، «خلاصة الأذكار»، «مرآة الآخرة»، «ضياء القلب» و «الإنصاف»، ضمن ردّ مسألة عدالة الصحابة قوله:
      قالوا: و قد نصّ رسول الله صلّى الله عليه و آله على عشرة منهم بأنّهم من أهل الجنّة و ذكرهم بأسمائهم، و عدّوا منهم العُمرين و الطلحتين و عثمان و راوي النصّ من ذويهم و من هو فيهم، و عدّوا من جملتهم أمير المؤمنين عليه السلام مع اعترافهم و علمهم بأنّه كان هو المقاتل للطلحتين في وقعة الجمل فقتلا باغيين عليه. و ذكر ابن العربيّ الذي قلنا إنّه كان من عظمائهم، في الباب الثالث و السبعين من فتوحاته الذي يذكر فيه رجال الله و أهله بزعمه، قال: و منهم من يكون له ظاهر الحكم و يحوز الخلافة الباطنة من جهة المقام كأبي بكر و عمر و عثمان و عليّ و الحسن و معاوية بن يزيد و عمر بن عبد العزيز و المتوكِّل. و قال ابن العربيّ، و منهم الحواريّون و هم واحد في كلّ زمان لا يكون فيه اثنان، فإذا مات ذلك الواحد اقيم غيره. و كان في زمان رسول الله صلّى الله عليه‌ [و آله‌] الزبير بن العوّام، كان هو صاحب هذا المقام، لأنّه جمع بين نصرة الدين بالسيف و الحجّة فاعطي العِلم و العبادة و الحجّة، و اعطي السيف و الشجاعة و الإقدام - انتهى كلامه.
      يقول الفيض: و ليت شعري كيف يجوز للخليفة الحقّ الذي له الخلافة الظاهرة و الباطنة، الذي بشّره رسول الله بالجنّة قتل هذا الحواري الذي بشّره أيضاً بالجنّة؟ و كيف يجوز لهذا الحواري أن يقاتل ذلك الخليفة مع أنّهم رووا عن النبيّ صلّى الله عليه و آله أنّه قال: إذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفِهِمَا فَالقَاتِلُ وَ المَقْتُولُ في النَّارِ. قيل: فما بال المقتول؟ قال: لأنّه أراد قتل صاحبه.
      و قد أورد هذا الاعتراض أيضاً على محيي الدين المحدِّث النوريّ في خاتمة «المستدرك» ج ٣، ص ٤٢٢، الفائدة الثالثة من الخاتمة، الطبعة الرحليّة ضمن اعتراضاته عليه فقال: كيف قال في فتوحاته عند ذكر بعض حالات الأقطاب: وَ مِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ ظَاهِرَ الحُكْمِ وَ يَحُوزُ الخِلافَةَ الظَّاهِرَةَ كَمَا حَازَ الخِلافَةَ البَاطِنَةَ مِنْ جِهَةِ المَقَامِ؛ كَأبِي بَكْرٍ وَ عُمَرَ وَ عُثْمَانَ وَ عَلِيّ وَ الحَسَنِ وَ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَزِيدَ وَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ وَ المُتَوَكِّلِ. و هذا المتوكّل [تابع في الصفحة التالية...].

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

418
  • ...۱

    1. [...تابع التعليقة السابقة] الذي عدّه من الأقطاب و من الحائزين للخلافة الظاهرة و الباطنة هو الذي ذكره السيوطيّ -الذي هو من المتعصّبين أيضاً- في كتاب «تاريخ الخلفاء» أنّه أمر في سنة ٢٣٦ هـ. ق بهدم قبر الحسين عليه السلام و هدم البيوت في أطرافه و أمر بزراعتها و منع الناس عن زيارته، فخُرِّبت و صارت أرضاً يباباً. و قد عُرِفَ المتوكّل بالتعصّب، و كان قد آلم المسلمين عملُه هذا فكان أهل بغداد يكتبون شتمه على الجدران و الشعراء يهجونه. و ممّا قيل فيه:
      بِالله إنْ كانت امَيَّةُ قد أتَتْ***قتلَ ابنِ بنتِ نَبيِّها مَظلوماً
      فلَقد أتاهُ بنو أبيهِ بِمثلِها***هذا لَعَمري قبرُه مَهْدوماً
      أسَفوا على أن لا يكونوا شارَكوا***في قَتْلهِ فَتَتَبَّعُوهُ رَمِيمَا
      و يقول المرحوم الفيض أيضاً في كتابه المذكور «بشارة الشيعة» ص ۱٥۰: و هذا شيخهم الأكبر محيي الدين بن العربيّ و هو من أئمّة صوفيّتهم و رؤساء أهل معرفتهم يقول في فتوحاته: «إنّي لم أسأل الله أن يعرّفني إمام زماني و لو كنتُ سألته لعرّفني». ﴿فَاعْتَبِرُوا يَا اولِي الأبْصَارِ﴾، فإنه لما استغنى عن هذه المعرفة مع سماعه حديث مَنْ مَاتَ وَ لَمْ يَعْرِفْ إمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً. المشهور بين العلماء كافّة، كيف خذله الله و تركه و نفسه فاستهوته الشياطين في أرض العلوم حيران، فصار مع وفور علمه و دقّة نظره و سيره في أرض الحقائق و فهمه للأسرار و الدقائق، لم يستقم في شي‌ء من علوم الشرائع و لم يعضّ على حدودها بضرس قاطع، و في كلماته من مخالفات الشرع الفاضحة و مناقضات العقل الواضحة ما يضحك منه الصبيان و تستهزئ به النسوان. ثمّ يذكر المرحوم الفيض فرعين فقهيّينِ من فتوحاته فيردّ عليها.نعم، لقد كان ما نُقل عنه بشأن الأقطاب الحائزين للخلافة الظاهرة و الباطنة و من ضمنهم المتوكّل و هذا النقل هو عين الحقّ، فلقد ذكره محيي الدين في ص ٦، من الجزء الثاني، طبعة دار الكتب العربيّة الكبرى - مصر، الباب ۷٣ من «الفتوحات»، و أورد مسألة كون الزبير من الحواريّين في ص ۸، لكنّ الكلام هنا في الأمر الآتي: هل يُنتظر أكثر من هذا الدين من عالم سنّيّ المذهب مالكيّ النزعة، عاش و ترعرع منذ بداية أمره في بيئة العامّة و مدارسهم و مكتباتهم لا في الكوفة و المدينة، و لم يكن له لقاء و لا مكاتبة مع علماء الشيعة؟! لقد تميّز هذا الرجل بالإنصاف بالقدر الذي عُرف من آرائه و أفكاره الخاصّة المخالفة للعامّة بأنّه من الشيعة، و كان البعض يصرّ على إثبات أمر تشيّعه. و مع أنّ هذا [تابع في الصفحة التالية...]

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

419
  • ...۱

    1. [...تابع التعليقة السابقة] الأمر لدينا غير تامّ لكنّنا نسأل: لما ذا تدعونه ناصبيّاً؟! و لِم تعدّونه من أعداء أهل البيت؟! إنّ عليكم أن تشكروا له رفضه لمعاوية و عدم قبوله لخلفاء بني اميّة و الحكّام الجائرين من بني العبّاس، و على الأقلّ وضعه لمعاوية بن يزيد و عمر بن عبد العزيز في مصاف أمير المؤمنين و الإمام الحسن المجتبى عليهما السلام. و عليكم أن تدعوا له ليتمزّق عنه ستار جهله كلّيّاً، ليعلم أنّ الشيخين من الخلفاء الغاصبين، و أنّ الطلحتينِ ظالمان متعدّيان على حقّ الإمام المفترض الطاعة. لقد افترضتموه كالشيخ المفيد من الشيعة الخالصين و العلماء المتربّين في مدرسة التشيّع، ثمّ بدأتم بالاعتراض و الإشكال عليه، فلِمَ هذا؟ و لِمَ ذاك؟ أمّا الحقير فيعتبر كلامه بشأن المتوكّل الملعون الخبيث ناشئاً من عدم وصوله إلى الحقيقة، و لو وصل إليها كما ينبغي لما حكم بمثل هذا.
      لقد انجرّ بحثنا يوماً مع سماحة استاذنا الأكرم العلّامة الفقيد الطباطبائيّ إلى نفس هذا الأمر، فتفضّل بالقول: كيف يمكن عدّ محيي الدين من أهل الطريقة مع أنّه يعدّ المتوكّل من أولياء الله؟
      قلتُ: إن ثبت هذا الكلام عنه دون تحريف في نقله -لأنّ الشعرانيّ يدّعي أنّ هناك تحريفات كثيرة حصلت في «فتوحات» ابن العربيّ- و مع افتراض علمنا بأنّه كان شخصاً منصفاً لا ينكر الحقّ إن ثبت لديه، فإنّ علينا في أمثال هذا النمط من المطالب أن نعدّه في زمرة المستضعفين. فضحك العلّامة مستنكراً و قال: أ محيي الدين من المستضعفين؟!
      قلتُ: ما المانع من ذلك؟ فحين يكون مناط الاستضعاف عدم الوصول إلى متن الحقيقة و واقع الأمر مع كون الطالب في صدد الوصول إليها، فلا فرق بين عالم كبير كمحيي الدين و عامِّيّ صغير كأحد أفراد الجيش السنّيّ، فهؤلاء جميعاً مستضعفون ما لم ينطووا على الإنكار و الجحود، كما أنّ أبا بكر و عمر و عثمان لم يكونوا أقلّ من المتوكّل في تحريف سير التأريخ الحقيقيّ، فلقد خرّب اولئكم الأساس ليقوم المتوكّل و أمثال المتوكّل بالتسلّط ظلماً على رقاب المسلمين. و إذا شئتم أن تعتبروا جميع السنّة القائلين بحقّانيّة الشيخين من زمرة الجاحدين و المنكرين فلن يكون من وجود حينئذٍ لفئة مستضعفة، مع أنّنا نعلم أنّ الكثير منهم من اولي الإنصاف، لكن الحقّ لم يصلهم، و لو وصلهم لقبلوه، كالشيخ سليم البشريّ الرئيس الأكبر لجامع الأزهر و الشخصيّة العلميّة الأولى في عالم العامّة الذي تنصّل من الباطل و التحق بالحقّ بعد مكاتباته مع المرحوم آية الله العامليّ: السيّد [تابع في الصفحة التالية...]

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

420
  • ...۱

    1. [...تابع التعليقة السابقة]عبد الحسين شرف الدين أعلى الله مقامه. (و كان هذا هو البحث الذي حصل يوماً مع سماحة الاستاذ).
      و باعتبار أنّ المرحوم المحدِّث النوريّ قد عدّ الملّا جلال الدين السيوطيّ من المتعصّبين المعاندين -كما رأينا- فإنّ من المناسب أن نضيف: أوّلًا: أنّ السيوطيّ ليس من المعاندين بل من المنصفين، فكتابه تفسير «الدرّ المنثور» و سائر كتبه طافحة بولاء أهل البيت. غاية الأمر أنّه رجل سنّيّ شافعيّ، فبيّنوا لنا أين تخطّى مذهبه و نهجه فنسب إلى أهل البيت أو إلى شيعتهم التهَم و الامور غير المقبولة؟ و هذه هي علامة استضعافه، فقد ثبت لديه أواخر عمره أنّ الحقّ مع عليّ بن أبي طالب عليه السلام فعدل عن المذهب الشافعيّ إلى مذهب أهل البيت.
      يقول المرحوم المحدِّث القمّيّ في كتاب «هديّة الأحباب» ص ۱٥۷ و ۱٥۸، الطبعة الحجريّة: و قد نقل عن الأمير بهاء الدين المختاريّ أنّه نقل عن السيّد علي خان الشيرازيّ إنّ السيوطيّ قد انتقل من المذهب الشافعيّ إلى مذهب الإماميّة، و قال: لقد رأيت كتاباً للسيوطيّ يذكر فيه عدوله إلى الحقّ و يستدلّ فيه على خلافة أمير المؤمنين عليه السلام بلا فصل. ثمّ ذكر ذلك بشكل أكثر تفصيلًا في «الكنى و الألقاب» ج ٢، ص ٣۰٩ و ٣۱۰، طبعة مطبعة العرفان، صيدا، فيقول:
      أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن ناصر الدين محمّد السيوطيّ الشافعيّ، الفاضل المعروف صاحب المصنّفات المشهورة في فنون شتّى، قيل إنّها تزيد على خمسمائة مصنَّف. حتّى يصل إلى القول: و أمّا دينه و مذهبه، فالظاهر أنّه في الاصول سنّيّ أشعريّ، و في الفروع على نحلة الشافعيّ المطّلبيّ. إلّا أنّ المنقول عن السيّد الفقيه العالم المحدِّث الأمير بهاء الدين محمّد الحسينيّ المختاريّ في حاشيته على كتاب «الأشباه و النظائر» للسيوطيّ، قال: و سمعت عن السيّد السند الفاضل الكامل العالم العامل الإمام العلّامة السيّد علي خان المدنيّ أطال الله بقاءه سنة ۱۱۱٦ بإصفهان أنّ السيوطيّ مصنِّف الكتاب كان شافعيّاً لكنّه رجع عن التسنّن و استبصر و قال بإمامة الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام، فصار شيعيّاً إماميّاً و ختم الله أمره بالحسنى.
      و قال السيّد طوّل الله عمره: رأيت كتاباً من مصنّفات السيوطيّ ذكر فيه رجوعه إلى الحقّ و استدلّ على إمامة عليّ بن أبي طالب عليه السلام بعد رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلم رَزَقَنِي اللهُ الفَوْزَ بِهِ. (انتهى كلام الناقل و المنقول عنه).
      و لا يبعد كون تأليفه في مناقب اولي القربى مشعراً بصحّة هذه النسبة الجليلة إليه، مضافاً إلى ما نقلناه من كلامه المتين في تقوية حديث ردّ الشمس لأمير المؤمنين عليه السلام. (انتهى ما نقلناه من «روضات الجنّات» و ذلك لأنّ المرحوم المحدِّث القمّيّ أورد جميع هذه المطالب في كتابه «الكني» نقلًا عن كتاب «روضات الجنّات». و يقول صاحب «الروضات»: و من جملة كتبه كتاب: «ذخائر العقبى في مناقب اولي القربى»).

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

421
  • وصف المحدِّث النوريّ لجلالة الشعرانيّ نقلًا عن لسان المير حامد حسين‌

  • أمّا في جلالة و وثاقة الشعرانيّ الذي نقلنا هذه المطالب بشأن محيي الدين عن طبقاته، فيكفي ما وصفه به المحدِّث النوريّ أعلى الله مقامه، حيث قال: إنّ سماحة سيف الشيعة و برهان الشريعة، حامي الدين، و قامع بدع الملحدين، العالم المؤيَّد المسدَّد، المولويّ مير حامد حسين، ساكن «لكنهو» من بلاد الهند أيَّده الله تعالى، لم يُعرف له مثيل في تَتبّعه و اطّلاعه على كتب المخالفين و نقض شبهاتهم و دفع هفواتهم، خاصّة في مبحث الإمامة، و قد نقل الحقير في هذا المقام كثيراً من كتابه «استقصاء الإفحام»، حيث قال في حاشية ذلك الكتاب:

  • مدح أكابر علماء السنّة للشعرانيّ‌

  • ينبغي العلم أنّ أكابر علماء السنّة من الحنفيّة و الشافعيّة و الحنبليّة من معاصري الشعرانيّ قد امتدحوا و أطروا كتاب «اليواقيت و الجواهر» و أكثروا الثناء عليه. فقد صرّح شهاب الدين بن شلبي الحنفيّ: لقد رأيت حلقات كثيرة من أهل الطريق، لكنّ أحداً لم يتطرّق إلي معاني هذا المؤلَّف، و ينبغي على كلّ مسلم الاعتقاد بها و ترك التعصُّب و اللداد.

  • و قال شهاب الدين الرمليّ الشافعيّ: هذا كتاب لا يمكن إنكار فضله، و لا يختلف اثنان في أنّه لم يُصنّف مثله.

  • و يقول شهاب الدين عميرة الشافعيّ بعد مدحه لهذا الكتاب: لا أظنّ أنّ مثيلًا لهذا التأليف العظيم الشأن سيظهر في هذا العصر - إلى آخره.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

422
  • و قال شيخ الإسلام فتوحي الحنبليّ: لا يقدح في معاني هذا الكتاب إلّا عدوٌّ مرتاب أو جاحد كذّاب.

  • كما أغرق الشيخ محمّد البرهمتوشيّ الحنفيّ و بالغ في مدح هذا الكتاب بعبارات بليغة، فقال بعد الحمد و الصلاة:

  • وَ بَعْدُ، فَقَدْ وَقَفَ العَبْدُ الفَقِيرُ إلى اللهِ تعالى مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ البَرَهْمُتوشِيّ الحَنَفِيّ على «اليَوَاقِيتِ وَ الجَوَاهِرِ في عَقَائِدِ الأكابِرِ» لِسَيِّدِنَا وَ مَوْلَانَا الإمَامِ العَالِمِ العَامِلِ العَلَّامَةِ المُحَقِّقِ المُدَقِّقِ الفَهَّامَةِ، خَاتِمَةِ المُحَقِّقِينَ، وَارِثِ عُلُومِ الأنْبِيَاءِ وَ المُرْسَلِينَ، شَيْخِ الحَقِيقَةِ وَ الشَّرِيعَةِ، مَعْدِنِ السُّلُوكِ وَ الطَّرِيقَةِ، مَنْ تَوَّجَهُ اللهُ تَاجَ العِرْفَانِ، وَ رَفَعَهُ على أهْلِ الزَّمَانِ، مَوْلَانَا الشَّيْخِ عَبْدِ الوَهَّابِ، أدَامَ اللهُ النَّفْعَ بِهِ على الأنَامِ، وَ أبْقَاهُ اللهُ تعالى لِنَفْعِ العِبَادِ مَدَى الأيَّامِ؛ فَإذَا هُوَ كِتَابٌ جَلَّ مِقْدَارُهُ، وَ لَمَحَتْ أسْرَارُهُ، وَ سَمَحَتْ مِنْ سُحُبِ الفَضْلِ أمْطَارُهُ، وَ تَاحَتْ في رِيَاضِ الفَضْلِ أزْهارُهُ.۱

  • و مع أنّ هذا الثناء الذي كالوه كان لكتاب يواقيته، إلّا أنّ له دلالة على عظمة المؤلّف و سائر كتبه التي من جملتها كتاب «الطبقات».

  • و بالجملة ينبغي العلم: أنّ الصلح الذي أقرّه العلّامة الأمينيّ بين الطائفتينِ المختلفتين مستشهداً بآية ﴿وَ كُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى﴾‌٢ سيصحّ لو كان غير أهل التوحيد الشهوديّ و العرفان الوجدانيّ في صدد البحث عن المطلوب، و لو كانوا في مقام تهذيب النفس و تزكيتها، و قد خطوا خطوات‌

    1. «النجم الثاقب في أحوال الإمام الغائب عليه السلام» ص ۱٢۷، الباب ۷، الطبعة الحجريّة.
    2. مقطع من الآية ٩٥، من السورة ٤: النساء.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

423
  • على طريق السلوك بصدق و استقامة و خضعوا للتربية الصحيحة في الجهاد الأكبر (و هو مجاهدة النفس) و نجحوا في تحمّل هذه المسئوليّة؛ كلّ ما في الأمر أنّ التوحيد لم ينكشف بعدُ لديهم؛ شأنهم في ذلك شأن أبي ذرّ الغفاريّ الذي تخطّى الدرجات و المقامات التوحيديّة لكنّه لم يرقَ إلى مستوى سلمان و درجته.

  • أمّا لو لم يكن اولئكم في مقام تزكية النفس و لم يضعوا أقدامهم في طريق لقاء الله، و لم يكن الفناء في ذات الله هو الهدف الرئيسيّ لهم في حياتهم الدنيويّة و الطبيعيّة، و لم يكونوا قد جعلوا الجهاد الأكبر في برنامج حياتهم، و أخيراً لو اكتفوا و اقتنعوا من الله باللفظ، و من الإيمان بالعبارة، و من اللقاء و العرفان بمفهوم ما -مهما كانوا من أهل العلم و التقوى- فإنّ أمرهم سيكون معلّقاً، و سيُستوقَفون في المواقف و المراحل التي تلي الموت، فيُهاب بهم بخطاب: ﴿وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ، ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ ، بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ‌﴾.۱

  • فقد سُبقت هذه الآيات باخرى تقول:

  • ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ أَزْواجَهُمْ وَ ما كانُوا يَعْبُدُونَ ، مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى‌ صِراطِ الْجَحِيمِ‌﴾.

  • و نسأل: ألا يشمل إطلاق و عموم هذه الآيات الكريمة المباركة اولئك الذين لا يمثّل لقاء الله و رضاه في السرّ و العلن هدفهم الأساس، و الذين اتّخذوا الدين ملهاة الدنيا، و الذين طغى حبّ الرئاسة على نفوسهم و تملّكتهم الرغبة في الازدياد في الجاه و المقام، و لو في لباس الدين و صورته؟!

    1. الآيات ٢٤ إلي ٢٦، من السورة ٣۷: الصافّات.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

424
  • نعم! إنّ موقف اولئك صعب و شاقّ، و حسابهم عسير، لأنّ الله العادل لا يجامل أحداً و ليس بينه و بين أحد قرابة!.

  • و أنّى للظَّلَمة المعتدين أن يدخلوا الجنّة، و لو لم يعتدوا في الخارج على أموال الناس و نواميسهم و لو أنّهم -إذ ظلموا- ظلموا أنفسهم و عرّضوها للهجر و الحجب و لم يتخطّوا النفس الأمّارة خارجاً! و أين وُعِدوا الحسنى؟!

  • على الجميع أن يضعوا أقدامهم على الطريق و السير و السلوك إلى الله‌

  • إنّ مجالسنا و محافلنا ينبغي أن تدور على أساس التوحيد، و أن يُتلى فيها القرآن، و أن يجري فيها ذكر الأئمّة عليهم السلام و تبيان فضائلهم في مسيرة التوحيد و العرفان الإلهيّ؛ لا أن ينحصر الأمر بذكر الأئمّة مع تناسي الله سبحانه، لأنّ ذكر الأئمّة بدون عنوان المرآتيّة سيتّخذ لنفسه شكلًا استقلاليّاً و سينتهي إلى الغلوّ و الارتفاع، و سنكون قد عبدنا الإمام إن نحن طلبنا منه غافلين في تلك الحال عن الله سبحانه فالإمام طريق و وسيلة، و الله سبحانه هو المقصد و المطلب؛ و ينبغي ألّا يختلط الطريق و الوسيلة مع الهدف و القصد فيخرج الأمر إذ ذاك عن صبغة التوحيد.

  • و حين نواجه الضريح المقدّس (للإمام) فإنّ كلّ ما ندعو به و نطلبه يجب أن يكون من الله سبحانه، و ينبغي أن يكون ما نطلبه من الإمام بعنوان الوساطة و الوكالة، ليتوسّط الإمام في نيلنا حاجاتنا من الله سبحانه. فإن طلبنا من الإمام شيئاً و نسينا الله سبحانه فإنّنا سنكون قد سلكنا سبيل الضلال الذي لا يرتضيه الإمام نفسه، و لن يستجاب لنا دعاءنا، إذ سنكون قد وضعنا صنماً أمام الله، ذلك المعنى الذي نفاه أئمّتنا و ينفونه.

  • لكنّنا لو رغبنا إلى الله في شي‌ءٍ بوسيلتهم، عارفين بأن الله تعالى هو المعطي و هو المؤثِّر الحقيقيّ، فإنّ دعاءنا سيستجاب و حاجتنا ستقضى، و سنكون قد سرنا على صراط التوحيد فلم نتخطّاه بقدم واحدة، و لم نلوّث‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

425
  • أنفسنا بالغلوّ و الشرك.

  • إنّ كلّ ما نطلبه من نفس الإمام غلوّ و شرك، و كلّ ما نطلبه من الله بواسطة الإمام توحيد و معرفة.

  • و لقد نشأ الإشكال في أمر الشيخ أحمد الأحسائيّ و أتباعه من هذا الجانب، كما أنّ عرفان عرفائنا الحقيقيّين كان منصبّاً على هذه النكتة الدقيقة، و علينا لذلك أن نتسلّح باليقظة التامّة لئلّا تصبح عبادتنا و دعاؤنا و توسّلنا و زيارتنا تابعة لمذهب الشيخيّة، و حتّى لا تكون في صورتها العقائديّة الصحيحة منسجمة في باطنها لذلك النسق من الآداب التي لا تمثِّل في حقيقتها إلّا الغلوّ و الارتفاع المنهيّ عنه في الروايات. علينا أن لا نغفل لئلّا نكون قد قضينا عمراً في البحث عن صحّة و متانة أمْرٌ بَيْنَ الأمْرَينِ لكنّنا تردّينا -عملًا- في فخّ المفوّضة!

  • كلام المحدِّث النوريّ و نقل خبر «الرجبيّون» عن محيي الدين‌

  • النكتة الرابعة:

  • قال المحدِّث النوريّ رحمة الله عليه:

  • ابن العربيّ المالكيّ مع غاية نصبه و عداوته للإماميّة، حتّى أنّه يقول في مسامرته: الرجبيّون جمع من أهل الرياضة في شهر رجب، أكثر كشفهم أن يرون الرافضة في صورة الخنازير.۱

    1. «النجم الثاقب» ص ۱٢۸ و ۱٢٩ الباب ۷، الطبعة الحجريّة؛ و نظير هذا النقل ما ذكره المحدِّث النوريّ في خاتمة «المستدرك»، ج ٣، ص ٤٢٢، في الفائدة الثالثة، الطبعة الرحليّة حيث يتصدّى بحزم للردّ على الحكيم الإلهيّ صدر المتألّهين الشيرازيّ فيُثير ضجّة فارغة بلا محتوى، فيقول:
      لما ذا يمتدح الملّا صدرا محيي الدين مَعَ أنَّهُ لَمْ يَرَ في عُلَمَاءِ العَامَّةِ وَ نَوَاصِبِهِمْ أشَدَّ نَصْباً مِنْهُ؟ حتّى يصل إلى القول:
      و قد صرّح محيي الدين أيضاً بأنّ أصل الضلالات من الشيعة، و صرّح في كتاب «مسامرة الأبرار» بأنّ الرجبيّين جماعة مشغولون برياضةٍ من آثارها أنّهم يرون الروافض بصورة الخنزير.
      و سيتّضح بما نورد من مسامراته في هذا الباب أنّ هذه النسبة له غير صحيحة و أنّ تغييراً قد حصل في كلامه في جهات خمس.
      فلقد أورد محيي الدين في فتوحاته، ج ٢، ص ۸، ضمن الباب ۷٣، عين كلامه الذي أورده في «المسامرات» مع فارق أنّ شخصاً من أهل الكشف صادفه فقال له: إنّني أرى الروافض من أهل الشيعة في جميع السنة على صورة الخنازير. و مع أنّنا ذكرنا بأنّ المراد بالروافض هم الخوارج، و خاصّة أنّه لا يقول هنا «الشيعة و الروافض» فيعطف الروافض على الشيعة، بل يقول: «الروافض من الشيعة»، فيتّضح أنّ مراده بالروافض من الشيعة طائفة انفصلت من الشيعة و اتّبعت مذهب النصب و الانحراف، و هو ممّا ينطبق بشكل تامّ على الخوارج الذين يعيشون في مناطق المغرب.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

426
  • يقول محيي الدين بن عربي في «المحاضرات و المسامرات»: خبر الأربعين الرجبيّين و الأبدال:

  • اعلم أنّ للّه أربعين رجلًا من خلقه، ينظر إليهم فيأخذهم عن حركاتهم فيقعدهم لا يستطيعون حراكاً في شهر رجب كلّه، من أوّله إلى آخره. و ما عندهم خبر من حالهم و لا ممّا يرد عليهم غير ما عرّفهم الحقّ به في تلك الأخذة، و ذلك في كلّ سنة. فإذا انقضى الشهر لم يبق عند الرجل منهم خبر من حال غير ما كان عرفه، و لا يبقى له كشف و لا اطّلاع و لا نداء من ذلك العالم و لا شي‌ء، إلى أن يستهلّ رجب فيرجع عليهم تلك الحال. فلا يزال بهم إلى انقضاء الشهر، فيرون من العجائب في تلك الحال من الكوائن إلى ما شاء الله. غير أنّ بعضهم قد يبقى معه في طوال السنة علامة مقصورة على إدراك أمرٍ ما، لا غير.

  • وَ قَدِ اجْتَمَعْنا بِرَجُلٍ مِنهُمْ في شَهْرِ رَجَبٍ وَ هُوَ مَحْبُوسٌ في بَيْتِهِ قَدْ حَبِسَتْهُ هَذِهِ الحَالَةُ وَ هُوَ بَائِعٌ لِلْجَزَرِ وَ الخُضَرِ العَامَّةِ، غَيْرَ أنِّي سَألْتُهُ عَنْ‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

427
  • حَالَتِهِ فَأخْبَرَنِي بِكَيْفِيَّتِهَا على مَا كَانَ عِلْمِي فِيهَا؛ وَ كَانَ يُخْبِرُ بِعَجَائِبَ.

  • فَسَألْتُهُ: هَلْ يَبْقَى لَكَ عَلَامَةٌ في شَي‌ءٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ! لِي عَلَامَةٌ مِنَ اللهِ في الرَّافِضَةِ خَاصَّةً؛ أرَاهُمْ في صُورَةِ الكِلَابِ لَا يَسْتَتِرُونَ عَنِّي أبَداً». وَ قَدْ رَجَعَ مِنْهُمْ على يَدِهِ جَمَاعَةٌ مَسْتُورُونَ لَا يَعْرِفُهُمْ أهْلُ السُّنَّةِ إلَّا أنَّهُمْ مِنْهُمْ عُدُولٌ فَدَخَلُوا عَلَيهِ فَأعْرَضَ عَنْهُمْ وَ أخْبَرَهُمْ بِأمْرِهِمْ فَرَجَعُوا وَ تَابُوا وَ شَهِدُوا على أنْفُسِهِمْ بِمَا أخْبَرَ عَنْهُمْ مِمَّا لَيْسَ عِنْدَ أحَدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ خَبَرُهُ.۱

  • و حريّ بنا قبل خوض البحث في أنّ المراد بالروافض في هذه الحكاية هم الخوارج لا الشيعة الإماميّة أن نبحث في عبارة المحدِّث النوريّ التي ظهر في عباراتها القصار خمسة أخطاء و اشتباهات.

  • الاولى: إنّه عدّ محيي الدين من أهل النصب، و النصب بمعنى العداء لأهل البيت و ذرّيّة رسول الله و الأئمّة المعصومين عليهم الصلاة و السلام. فالناصبيّ يقال لمن نصب العداوة للآل، كمروان بن الحكم، و عبد الله بن الزبير، و أغلب بني اميّة، و جميع الخوارج.

  • أ فليست هذه التهمة لمحيي الدين ظالمة و غير مُستساغة مع درجته تلك من الودّ و الحبّ للأئمّة المعصومين و أهل بيت الرسول الأكرم صلّى الله عليه و آله و سلم؟! هذه الحقيقة المشهودة في جميع كتبه إلى الدرجة التي عدّه معها الكثير من أعاظم المذهب و أساطينه فرداً شيعيّاً. و كما مرّ سابقاً فقد أنشد هذين البيتين في الولاء لآل طه:

  • رَأيْتُ وَلَائِي آلَ طَه وَسِيلَةً***لُارْغِمَ أهْلَ البُعْدِ يُورِثُنِي القُرْبَى‌
    1. «محاضرة الأبرار و مسامرة الأخيار» ج ۱، ص ٢٤٥ و ٢٤٦، الطبعة الأولى، سنة ۱٣٢٤ هجريّة، مطبعة السعادة، مصر.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

428
  • فَمَا طَلَبَ المَبْعُوثُ أجْراً على الهُدَى‌***بِتَبْلِيغِهِ إلَّا المَودَّةَ في القُرْبَى‌۱
  • فأيّة عبارة أو إشارة شاهدها المرحوم النوريّ في كتبه فجعلها دلالة أو إشارة على نصبه؟!

  • الثانية: إنّه عدّه من أهل العداء للإماميّة، و هو أمر لا يتعدّى بدوره كونه اتّهاماً فحسب. فقد كان الإماميّة و هم أتباع و شيعة الأئمّة الاثني عشر موضع احترامه و تقديره، و لقد نوّه كثيراً بأئمّة الشيعة في الموارد المختلفة، سواء في «الفتوحات» أو في «المحاضرات»؛ و من هنا فإنّ نسبة العداء للإماميّة إليه نسبة غير مستساغة، و على المحدِّث النوريّ أن يورد أدلّة و شواهد عليها من تلك الكتب، وَ أنَّى لَهُ ذَلِكَ!٢

  • بیان محيي الدين في آية التطهير

    1. و قد مرّ البيتان، نقلًا عن «روضات الجنّات» ج ٤، ص ۱٩٥، و أصلها في «مجالس المؤمنين» المجلس السادس، ج ٢، ص ٢۸۱؛ حيث أوردها القاضي نور الله و قال:
      و من أشعار الشيخ في مدائح آل طه، هذان البيتان المسطوران في «الإحياء».
      قال بعض الأصدقاء: أذكر أنّ هناك قصيدة كانت موضوعة في إطار زجاجيّ و مثبّتة علي الحائط المجاور لقبر محيي الدين، و كان هذان البيتان من ضمن تلك القصيدة.
    2. نورد هنا - دفاعاً عن محيي الدين لكثرة مودّته و ولائه لأهل البيت مختصراً ممّا ذكره في الباب التاسع و العشرين من «الفتوحات» ج ۱، ص ۱٩٥ إلى ۱٩٩، طبعة دار الكتب العربيّة، مصر، لتتّضح درجة عشقه و ولهه بأهل البيت. و كان هذا المطلب بالشكل الذي قال عنه الملّا محسن الفيض الكاشانيّ في كتاب «بشارة الشيعة» ص ۱٥٢، الطبعة الحجريّة، في معرض ردّه و تخطئته لابن العربيّ في تفسير آية التطهير لأهل البيت بأنّه ممّا لَا يَجُوزُ أنْ يُحْكَى، بَلْ يَجِبُ أنْ يُطْوَى وَ لَا يُرْوَى. أمّا خلاصة و إجمال مطلب محيي الدين فهو: في معرفة سرّ سلمان الذي ألحقه النبيّ بأهل البيت، يقول:
      اعلم أيّدك الله أنّا روينا من حديث جعفر بن محمّد الصادق، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ، عن أبيه عليّ بن أبي طالب، عن رسول الله صلّى الله عليه‌ [و آله‌] و سلّم أنّه قال: مَوْلَي القَوْمِ مِنْهُمْ. و خرّج الترمذيّ عن [تابع في الصفحة التالية...]

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

429
  • ...۱

    1. [...تابع التعليقة السابقة] رسول الله صلّى الله عليه‌ [و آله‌] و سلّم أنّه قال: أهْلُ القُرْآنِ هُمْ أهْلُ اللهِ وَ خَاصَّتُهُ. حتّى يصل إلى قوله:
      و لمّا كان رسول الله صلّى الله عليه‌ [و آله‌] و سلّم عبداً محضاً، قد طهّره الله و أهل بيته تطهيراً و أذهب عنهم الرجس -و هو كلّ ما يُشينهم- فإنّ الرجس هو القذر عند العرب، هكذا حكى الفرّاء؛ قال الله تعالى: ﴿إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾. فلا يُضاف إليهم إلا مطهّر و لا بدّ، فإنّ المضاف إليهم هو الذي يشبههم، فما يضيفون لأنفسهم إلّا من له حكم الطهارة و التقديس.
      فهذه الشهادة من النبيّ صلّى الله عليه‌ [و آله‌] و سلّم لسلمان الفارسيّ بالطهارة و الحفظ الإلهيّ و العصمة، حيث قال فيه رسول الله: سَلْمَانُ مِنَّا أهْلَ البَيْتِ. و شهد الله لهم بالتطهير و ذهاب الرجس عنهم. و إذا كان لا يضاف لهم إلّا مطهّر مقدّس و حصلت له العناية الربّانيّة الإلهيّة بمجرّد الإضافة، فما ظنّك بأهل البيت في نفوسهم! فهم المطهّرون، بل هم عين الطهارة، فهذه الآية تدلّ على أنّ الله تعالى قد شرك أهل البيت مع رسول الله صلّى الله عليه‌ [و آله‌] و سلّم في قوله تعالى: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَ مَا تَأخَّرَ﴾. و أيّ وسخٍ و قذر أقذر من الذنوب و أوسخ؟! فطهّر الله سبحانه نبيّه بالمغفرة ممّا هو ذنب بالنسبة إلينا.
      حتّى يقول: فدخل الشرفاءُ أولادُ فاطمة كلّهم و من هو من أهل البيت مثل سلمان الفارسيّ إلى يوم القيامة في حكم هذه الآية من الغفران، فهم المطهّرون اختصاصاً من الله و عناية بهم لشرف محمّد صلّى الله عليه‌ [و آله‌] و سلّم و عناية الله به. و لا يظهر حكم هذا الشرف لأهل البيت إلّا في الدار الآخرة فإنّهم يُحشرون مغفوراً لهم، و أمّا في الدنيا فمن أتى منهم حدّاً اقيم عليه، كالتائب إذا بلغ الحاكم أمره و قد زنى أو سرق أو شرب اقيم عليه الحدّ مع تحقّق المغفرة، كما عز [هو ماعز بن مالك الأسلميّ: و قد تواتر عن المسلمين أنّ النبيّ صليّ الله عليه و آله رجمه - م‌] و أمثاله و لا يجوز ذمّه.
      و ينبغي لكلّ مسلم يؤمن بالله و ما أنزله أن يصدِّق الله تعالى في قوله: ﴿لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾، فيعتقد في جميع ما يصدر من أهل البيت أنّ الله تعالى قد عفا عنهم فيه. فلا ينبغي لمسلم أن يلحق المذمّة بهم، و لا ما يشنأ أعراض مَن قد شهد الله بتطهيرهم و ذهاب الرجس عنهم؛ لا بعملٍ عملوه و لا بخيرٍ قدّموه، بل بسابق عنايةٍ من الله بهم. ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَ اللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾.! [تابع في الصفحة التالية...]

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

430
  • ...۱

    1. [...تابع التعليقة السابقة] و إذا صحّ الخبر الوارد في سلمان الفارسيّ فله هذه الدرجة. فإنّه لو كان سلمان على أمر يشنؤه ظاهر الشرع و تلحق المذمّة بعامله، لكان مضافاً إلى أهل البيت مَنْ لم يذهب عنه الرجس، فيكون لأهل البيت من ذلك بقدر ما اضيف لهم و هم المطهّرون بالنصّ. فسلمان منهم بلا شكّ فأرجو أن يكون عقب عليّ و سلمان تلحقهم هذه العناية كما لحقت أولاد الحسن و الحسين و عقبهم و موالي أهل البيت، فإنّ رحمة الله واسعة يا وليّ.
      و إذا كانت منزلة مخلوق عند الله بهذه المثابة، هي أن يشرّف المضاف إليهم بشرفهم، و شرفهم ليس لأنفسهم و إنّما الله تعالى هو الذي اجتباهم و كساهم حلّة الشرف. فكيف يا وليّ الله بمن اضيف إلى من له العناية و المجد و الشرف لنفسه و ذاته، فهو المجيد سبحانه و تعالى، فالمضاف إليه من عباده الذين هم عباده و هم الذين لا سلطان لمخلوق عليهم في الآخرة. قال تعالى لإبليس: إنَّ عِبَادِي فأضافهم لنفسه، لَيْسَ لَكَ عَلَيهِمْ سُلْطَانٌ. و ما نجد في القرآن عباداً مضافين إليه سبحانه إلا السُّعداء خاصّة، و جاء اللفظ في غيرهم بالعباد، فما ظنّك بالمعصومين المحفوظين منهم القائمين بحدود سيّدهم، الواقفين عند مراسمه؛ فشرفهم أعلى و أتمّ، و هؤلاء هم أقطاب هذا المقام، و من هؤلاء الأقطاب ورث سلمان شرف مقام أهل البيت، فكان رضي الله عنه من أعلم الناس بما للّه على عباده من الحقوق، و ما لأنفسهم و الخلق عليهم من الحقوق، و أقواهم على أدائها. و فيه قال رسول الله صلّى الله عليه‌ [و آله‌] و سلّم: لَوْ كَانَ الإيمَانُ بِالثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ فارْسٍ. (و أشار إلى سلمان الفارسيّ).
      حتّى يصل إلى قوله: و بعد أن تبيّن لك منزلة أهل البيت عند الله و أنّه لا ينبغي لمسلم أن يذمّهم بما يقع منهم أصلًا فإنّ الله طهّرهم، فليعلم الذامّ لهم أنّ ذلك راجع إليه، و لو ظلموه، فذلك الظلم هو في زعمه ظلم لا في نفس الأمر و إنْ حكم عليه ظاهر الشرع بأدائه، بل حكم ظلمهم إيّانا في نفس الأمر يشبه جري المقادير علينا و على من جرت عليه في ماله و نفسه بغرق أو بحرق أو غير ذلك من الامور المهلكة، فيحترق أو يموت له أحد أحبّائه أو يصاب في نفسه، و هذا كلّه ممّا لا يوافق غرضه و لا يجوز له أن يذمّ قدر الله و لا قضاءه، بل ينبغي له أن يقابل ذلك كلّه بالتسليم و الرضا؛ و إن نزل عن هذه المرتبة فبالصبر، و إن ارتفع عن تلك المرتبة فبالشكر، فإنّ في طيّ ذلك نعماً من الله لهذا المصاب، و ليس وراء ما ذكرناه خير فإنّ ما وراءه ليس إلّا الضجر و السخط و عدم الرضا و سوء الأدب مع الله. فكذا ينبغي [تابع في الصفحة التالية...]

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

431
  • ...۱

  • مودة و ولاء محيي الدين لأهل البيت عليهم السلام في «الفتوحات»

    1. [...تابع التعليقة السابقة] أن يقابل المسلم جميع ما يطرأ عليه من أهل البيت في ماله و نفسه و عرضه و ذويه، فيقابل ذلك كلّه بالرضا و التسليم و الصبر و لا يلحق المذمّة بهم أصلًا و إن توجّهت عليه الأحكام المقرّرة شرعاً، فذلك لا يقدح في هذا بل يجريه مجرى القدر.حتّى يصل إلى القول: قال المحبّ الصادق: و كلّ ما يفعله المحبوب محبوب؛ و جاء باسم الحبّ فكيف حال المودّة! و من البشرى ورود اسم الودود للّه تعالى و لا معنى لثبوته إلّا حصول أثره بالفعل في الدار الآخرة و في النار لكلّ طائفة بما تقتضيه حكمة الله فيهم.و قال الآخر في هذا المعنى:
      احِبُّ لِحُبِّها السُّودانَ حتّى***احِبُّ لِحُبِّها سودَ الكِلابِ‌
      و قال:
      احِبُّ لِحبِّك الحُبْشانَ طُرَّاً***و أعْشِقُ لِاسْمك البَدْرَ المُنيرا
      حتّى يقول: و إذا رأيناك على ضدّ هذه الحالة مع أهل البيت الذين أنت محتاج إليهم و لرسول الله صلّى الله عليه‌ [و آله‌] و سلّم حيث هداك الله به، فكيف أثق أنا بودّك الذي تزعم أنّك شديد الحبّ في و في رعايتي لحقوقي أو جانبي، و أنت في حقّ أهل بيت نبيّك بهذه المثابة من الوقوع فيهم؟ و الله ما ذاك إلّا من نقص إيمانك و من مكر الله بك و استدراجه إيّاك من حيث لا تعلم! و صورة المكر أن تقول و تعتقد أنّك في ذلك تذبّ عن دين الله و شرعه و تقول في طلب حقّك إنّك ما طلبتَ إلّا ما أباح الله لك طلبه، و يندرج الذمّ في ذلك الطلب المشروع و البغض و المقت و إيثارك لنفسك على أهل البيت و أنت لا تشعر بذلك.و الدواء الشافي من هذا الداء العضال أن لا ترى لنفسك معهم حقّاً و تنزل عن حقك لئلّا يندرج في طلبه ما ذكرتُه لك، و ما أنت من حكّام المسلمين حتّى يتعيّن عليك إقامة حدّ أو إنصاف مظلوم أو ردّ حقّ إلى أهله، و إن كنت حاكماً و لا بدّ فاسعَ في استنزال صاحب الحقّ عن حقّه إذا كان المحكوم عليه من أهل البيت، فإن أبي فحينئذٍ يتعيّن عليك إمضاء الشرع فيه. فلو كشف الله لك يا وليّ عن منازلهم عند الله في الدار الآخرة لوددت أن تكون مولى من مواليهم. فالله يلهمنا رشد أنفسنا فانظر ما أشرف منزلة سلمان رضي الله عنه و على جميع الصحابة!حتّى يصل إلى قوله: و من أسرار الأقطاب علم المكر الذي مكر الله بعباده في بعضهم مع دعواهم حبّ رسول الله صلّى الله عليه‌ [و آله‌] و سلّم و فرض سؤاله المودّة في القربى، و هو صلّى الله عليه‌ [و آله‌] و سلّم من جملة أهل البيت، فما فعل أكثر الناس ما سألهم فيه رسول الله صلّى الله عليه‌ [و آله‌] و سلّم عن أمر الله، فعصوا الله و رسوله، و ما أحبّوا من قرابته إلّا من رأوا منه الإحسان؛ فبأغراضهم أحبّوا و بأنفسهم تعشّقوا. (و هذا من جملة المكر الذي ابتلي به الناس).نعم! إنّ عقيدتنا هي أنّ المراد بأهل البيت خصوص المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام الذين نزلت آية التطهير في شأنهم؛ و من هنا فلا داعي لهذه التفصيلات الواردة في كلام محيي الدين، و لكن نظراً لأنّه يعتبر مصطلح «أهل البيت» شاملًا لجميع أولاد و نسل الحسنين و أمير المؤمنين عليهم السلام إلى يوم القيامة، فقد اجبر على إيراد بحث مفصّل كهذا.فانظروا الآن: أ مِنَ اللائق أن تُلصق التهمة بالنصب و العداء لأهل البيت بمن يدّعي وجوب مراعاة جميع الامّة إلى يوم القيامة لحقوق السادات إلى هذه الدرجة، و أنّ عليهم التنازل عن حقوقهم بشكل كامل أمامهم، و أن يكون فخرهم أن يعدّوا أنفسهم موالي و أرقّاء للسادات؟! سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ!

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

432
  • و من الواضح أنّ نسبة النصب و معاداة الإماميّة هذه لا شأن لها بعبارته بشأن الرجبيّين و رؤية ذلك الرجل الرجبيّ لهم بصورة الكلاب، و ذلك لأنّه يقول: محيي الدين العربيّ المالكيّ مع غاية نصبه و عداوته للإماميّة، حتّى أنّه يقول في مسامرته:... و نُعرض الآن عن عبارة «المسامرة» على أن نناقشها فيما بعد.

  • ففي أيّة عبارة، و في أيّ بيت من الشِّعر، و في أيّ كتاب من كتب محيي الدين العديدة يلوح العداء للإماميّة؟ و من ثمّ فإنّ هذه النسبة -بدورها- غير صحيحة.

  • الثالثة و الرابعة: قوله: «الرجبيّون جماعة من أهل الرياضة في شهر رجب، أكثر كشفهم أن يرون الرافضة في صورة الخنازير».

  • و مشهود في هذه العبارة تعبير «أكثر كشفهم»، و ثانياً تعبير «كشفهم»

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

433
  • بالجمع، مع أنّنا رأينا في العبارة المنقولة عن محيي الدين قوله:

  • «و قد اجتمعنا برجل منهم... و هو بائع للجزر و الخُضر العامّة...»، أي أنّه قد رأى لمرّة واحدة من بين الرجبيّين الأربعين واحداً منهم فقط؛ فحُرّف ذلك في عبارة المحدِّث النوريّ فتبدّل لفظ «الرؤية الواحدة» إلى لفظ «أكثر»، و «ذلك الرجل الواحد» إلى «جماعة».

  • الخامسة: إنّ عبارة ذلك الرجل الرجبيّ في مكاشفته كانت مشاهدة الروافض في صورة الكلاب، فغيّرها المحدِّث النوريّ في نقله إلى صورة الخنازير. و معلوم أنّ الخنزير أسوأ و أقبح، لأنّ الكلب يمتلك صفة الافتراس بينما يمتلك الخنزير صفة عدم الغيرة و عبادة الشهوة، و لم نجد أحداً سبق أن ترجم الكلاب إلى الخنازير.۱

  • الخوارج هم المقصودون بالروافض في المكاشفة المنقولة عن «المسامرات»

  • و ها قد حانت النوبة لأصل مكاشفة ذلك الرجل الرجبيّ الذي رأى الرافضة مرّة واحدة في صورة الكلاب، فتلك المكاشفة صحيحة و ليست مخطئة، بَيدَ أنّ المراد من الروافض كان الخوارج لا طائفة الإماميّة.

  • و من المعلوم أنّ الخوارج يمتلكون -كالكلب- صفة السبُعيّة و الوحشيّة فظهروا لذلك الرجل في المكاشفة المعنويّة على هيئتهم الحقيقيّة.

    1. جاء في «الفتوحات» أنّ ذلك الرجل قد شاهد الروافض في رجب على هيئة الخنازير، و أنّ هذا الحال قد ظلّ باقياً له طيلة السنة. و بين هذا الكلام و الكلام الذي حكيناه عن «المحاضرات» اختلاف. و محطّ إشكالنا على الحاجّ النوريّ رحمة الله عليه عبارته المنقولة عن «المحاضرات»، لأنّه لم ينقل عبارته عن «الفتوحات». و هذا الإشكال لا يرد على عبارة «الفتوحات» التي ورد التعبير فيها بالخنازير و التي لم تكن لدفعة واحدة. و لكن بناء على نقله من «المسامرات» -مع كونه خرِّيت فنّ الحديث و النقل و التأريخ- فإنّ الإشكالات الخمسة ترد عليه.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

434
  • و دليلنا على أنّ المراد بالروافض في هذه العبارة هم الخوارج، ثلاثة امور:

  • الأوّل: إنّه يشاهد في الكثير من عبارات العامّة استخدامهم عبارة الروافض في خصوص الخوارج، لا في خصوص الشيعة؛ و هي حقيقة مشهودة لكلّ من يمتلك اطّلاعاً على كتبهم في التأريخ و السير.

  • الثاني: إنّ محيي الدين كان من أهل المغرب، فقد كانت ولادته في إشبيلية و الأندلس، أي في أسبانيا، و هناك جماعة من الخوارج، بل الكثير منهم يتركّزون في الجزائر و مراكش بواسطة السفر و الإقامة هناك، و كذلك على أثر دعوة عِكْرَمَة مولى عبد الله بن عبّاس، الذي كان ينسب عبد الله ابن عبّاس و عبد الله بن مسعود إلى الكذب على رسول الله، و كان رجلًا كاذباً و متباهياً يمتلك ممارسة و اطّلاعاً و إلماماً كافياً في التأريخ و الحديث و كان متضلّعاً في التفسير كذلك، لكنّه كان من الخصوم الألدّاء لأمير المؤمنين عليه السلام، و كانت له يد كبيرة في حرف الناس عن مقام الولاية و في تبديل الولاية الحقّة إلى الشجرة الملعونة، و كان يسوق -بتحريف الروايات و التحريف في تفسير الآيات- جمعاً كثيراً من أهل المغرب إلى عقيدة الخوارج، بحيث صار الخوارج المتواجدون اليوم في تلك النواحي يعدّون من الآثار المشئومة المنحوسة و القبيحة لتربية عِكْرَمَة.۱

  • أمّا التشيّع فلم يكن قد وضع قدمه أوّل الأمر في تلك النواحي، مضافاً إلى ذلك أنّ فتح الأندلس كان على يد بني اميّة، و كان الحفاظ عليه على يد

    1. جاء تأريخ و هويّة عكرمة بشكل مختصر في الدرس ٤۰ إلي ٤٥، في الجزء الثالث من «معرفة الإمام»، دورة العلوم و المعارف الإسلاميّة، ص ٢۱۰ إلي ص ٢۱٤.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

435
  • آخر اسرهم، كما استمرّ أعقاب مروان الحمار في الحكم هناك أعواماً متمادية.

  • و لقد كان أهل المغرب من أتباع المذهب المالكيّ و كان الشيخ محيي الدين مالكيّاً أيضاً، و ولد و ترعرع في عائلة مالكيّة، لذا فإنّ التعبير عن الخوارج بلفظ الروافض في تلك البلاد غير الشيعيّة أمرٌ قريب من الواقع، بل إنّه أمر متعيّن من هذه القرائن.

  • المطالب الواردة في «المحاظرات» و الدالّة على خلوص محيي الدين‌

  • الثالث: إنّنا لو غضضنا الطرف عن جميع كتب محيي الدين، فإنّ في نفس كتاب «المحاضرات» الذي نقل عنه المحدِّث النوريّ هذه القصّة، الكثير من الروايات و الحكايات و الشواهد التأريخيّة للقدر الذي يستحيل به معها احتمال حمل لفظ الروافض على الشيعة.

  • أي إنّ من يطالع «المسامرات» يصل إلى هذا الموضع فيدور في خياله تصوّر معنى الروافض لطائفة الشيعة فإنّه سيتسمّر في مكانه مذهولًا. فما الذي يعني هذا؟ لقد قال بنفسه قبل عدّة أوراق فقط:

  • وَ لَا كَرِيمَ أكْرَمُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ؛ كُلُّهُمْ كَبِيرٌ لَيْسَ فِيهِمْ صَغِيرٌ.

  • و قد ذكر محيي الدين نفسه هذه العبارة ضمن قصّة بهذا النحو:

  • خَلِيفَةُ عَدْلٍ، قَضَاءُ وَاجِبٍ حَقٍّ وَ فَصْلٍ:

  • كان هناك قبل رسول الله صلّى الله عليه [و آله‌] و سلّم نبيّ يقال له خالد بن سنان‌۱، جاءت ابنته إلى رسول الله فانتسبت له، فقال لها: مَرْحَباً بِابْنَةِ نَبِيّ أضَاعَهُ قَوْمُهُ. ثمّ قام نبيّنا ببيان قصّة ذلك النبيّ.

    1. يعتقد محيي الدين أنّ خالد بن سنان العبسيّ كان من الأنبياء، و قال عنه: كان من وُلد إسماعيل، و قد أدركت ابنته النبيّ. و قد أورد محيي الدين قصّته في «محاضرة الأبرار و مسامرة الأخيار»، ج ۱، ص ۷۷.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

436
  • و كان من عادة رسول الله أن يقول: إذَا أتَاكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ فَأكْرِمُوهُ.۱ وَ لَا كَرِيمَ أكْرَمُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ؛ كُلُّهُمْ كَبِيرٌ لَيْسَ فِيهِمْ صَغِيرٌ.

  • رُوي لنا عن عمران قال: حدّثنا عيسى عن ضُمَرة أنّه قال:

  • قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ لِبَعْضِ وُلْدِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أبي طَالِبٍ: لَا تَقِفْ على بَابِي سَاعَةً وَاحِدَةً إلَّا سَاعَةً تَعْلَمُ أنِّي فِيهَا جَالِسٌ فَيُؤْذَنُ لَكَ عَلَيّ وَقْتٌ تَأتِي فَافْعَلْ، فَإنِّي أسْتَحِي مِنَ اللهِ أنْ تَقِفَ على بَابِي فَلَا يُؤْذَنُ لَكَ!٢

  • و سؤال معاوية ضراراً كي يصف له عليّاً عليه السلام، قال: أ وَ تعفيني؟ قال: لا اعفيك!

  • قال: أمَّا إذْ لَا بُدَّ، إنَّهُ وَ اللهِ كَانَ بَعِيدَ المَدَى، شَدِيدَ القُوَى... ثمّ يسرد قدر صفحة من حالات الإمام عليه السلام و يقول في آخرها: آهِ مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ وَ بُعْدِ السَّفَرِ وَ وَحْشَةِ الطَّرِيقِ‌. فذرفت دموع معاوية، فما ملكها و هو ينشّفها بكمّه، و قد اختنق القوم بالبكاءِ - إلى آخر القصّة التي يذكرها.٣

    1. ورد في «مستدرك الحاكم» [المستدرك للصحيحين‌] ج ٤، ص ٢٩۱ و ٢٩٢، طبعة دائرة المعارف النظاميّة، حيدرآباد، سنة ۱٣٤٢: روي جابر قال:
      دخل جرير علي رسول الله صلّى الله عليه‌ [و آله‌] و سلّم و عنده أصحابه، و ضنّ كلّ رجل بمجلسه، فأخذ رسول الله صلّى الله عليه‌ [و آله‌] و سلّم رداءَه فألقاه إليه فتلقّاه بنحره و وجهه و قبّله و وضعه علي عينيه و قال: أكْرَمَكَ اللهُ كَمَا أكْرَمْتَنِي! ثمّ وضعه علي ظهر رسول الله صلّى الله عليه‌ [و آله‌] و سلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه‌ [و آله‌] و سلّم: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَ اليَوْمِ الآخِرِ فَإذَا أتَاهُ كَرِيمُ قَوْمٍ فَلْيُكْرِمْهُ. (هذا حديثٌ صحيح الإسناد و لم يُخرِجاه بهذه السياقة).
    2. «المحاضرات» ج ۱، ص ٢٣۸.
    3. «المحاضرات» ج ٢، ص ۱٣۷؛ و الذين نقلوا هذه القصّة عن ضرار و أثبتوها [...تابع في الصفحة التالية]

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

437
  • ...۱

    1. [...تابع التعليقة السابقة] في كتبهم كثيرون، و من جملتهم السيّد هاشم البحرانيّ في «غاية المرام» ص ٦۷٣، الطبعة الحجريّة، الباب ۱٣۱، الحديث السادس، عن «نهج البلاغة» عن ضرار بن ضمرة الضبابيّ؛ و عن ابن أبي الحديد في «الشرح» عن كتاب عبد الله بن إسماعيل في التذييل على «نهج البلاغة» عن ضرار؛ و كذلك في الحديث السابع عن ابن أبي الحديد عن ابن عبد البرّ في كتاب «الاستيعاب» الباب ۱٣٢. و أوردها أيضاً في ص ٦۷٤ عن طريق الخاصّة عن ابن شهرآشوب في الحديث الثاني. و نقلها كذلك محمّد بن طلحة الشافعيّ في كتاب «مطالب السئول» ص ٣٣، الطبعة الحجريّة؛ و الزرنديّ في كتاب «نظم درر السمطين» في القسم الأوّل من السمط الأوّل ص ۱٣٤ و ۱٣٥ عن أبي صالح؛ و أبو نعيم في «حلية الأولياء» ج ۱، ص ۸٤، بإسناده عن محمّد بن السائب الكلبيّ، عن أبي صالح؛ و الشيخ سليمان القندوزيّ الحنفيّ في كتاب «ينابيع المودّة» الباب ٥۰، ص ۱۱٤، طبعة مطبعة اختر، إسلامبول، سنة ۱٣۰۱، و في الباب ٥٦، ص ٢۱٦؛ و الشيخ الصدوق في كتاب «الأمالي» ص ٣۷۱، الطبعة الحجريّة؛ و المجلسيّ في «بحارالأنوار» ج ٤۱، ص ۱٢۰ الطبعة الحروفيّة الحيدريّة، عن «إرشاد القلوب» للديلميّ؛ و ابن حجر الهيتميّ في كتاب «الصواعق المحرقة» طبعة مكتبة الهدى، النجف، و مكتبة المرتضويّ، طهران، الفصل ٣، من الباب ٩، ص ۷۸، و ابن عبد البرّ في كتاب «الاستيعاب» ج ٣، ص ۱۱۰۷ و ۱۱۰۸ طبعة مطبعة و مكتبة النهضة، مصر، في ذكر أمير المؤمنين عليه السلام، تحت الرقم ۱۸٥٥، يروون جميعاً عن ضرار.و لكنّ المحدِّث القمّيّ تفرّد برواية هذه القصّة في «سفينة البحار» ص ۱۷۰، الطبعة الحجريّة، عن كتاب «المحاسن و المساوئ» لإبراهيم بن محمّد البيهقيّ، أحد أعلام القرن الثالث -و هذا الكتاب الِّف أيّام المقتدر العبّاسيّ و ذلك عن عدي بن حاتم الطائيّ بهذا النحو:رُوِيَ أنَّ عَدِيّ بْنَ حَاتِمٍ دَخَلَ على مُعَاوِيَةَ بْنِ أبي سُفْيَانَ. فَقَالَ: يَا عَدِيّ! أيْنَ الطَّرَفَاتُ؟!- يَعْنِي بَنِيهِ طَرِيفاً وَ طَارِفاً وَ طَرْفَةً قَالَ: قُتِلُوا يَوْمَ صِفِّينَ بَيْنَ يَدَيْ عَلِيّ بْنِ أبي طَالِبٍ عَلَيهِ السَّلَامُ. فَقَالَ: مَا أنْصَفَكَ ابْنُ أبي طَالِبٍ إذْ قَدَّمَ بَنِيكَ وَ أخَّرَ بَنِيهِ! قَالَ: بَلْ مَا نَصَفْتُ عَلِيَّاً إذْ قُتِلَ وَ بَقِيتُ.
      دور از حريم كوى تو شرمنده مانده‌ام***شرمنده مانده‌ام كه چرا زنده مانده‌ام‌
      يقول: «بقيتُ خَجِلًا بعيداً عن حريم حيّك، خجلًا إذ كيف بقيتُ بعدك حيّاً». قال: صِفْ لِي عَلِيَّاً... حيث نقل الرواية من هذا الموضع إلى آخرها بنفس العبارات التي نقلها الآخرون عن ضمرة.و قد أورد البيهقيّ هذا الخبر بتمامه كما حكاه المحدِّث القمّيّ، و ذلك في كتابه «المحاسن و المساوي» ج ۱، ص ۷٢ و ۷٣: طبعة مصر، مطبعة النهضة. و يقول محقّق الكتاب محمّد أبو الفضل إبراهيم في تعليقته عليه: أورد هذا الخبر في كتاب «الرياض النضرة» ج ٢، ص ٢۱٢، و أورده المسعوديّ في «مروج الذهب» ج ٢، ص ٤٣٣.و قد نقل في نفس الكتاب، ص ۷۰ و ۷۱ هذا المضمون بشكل أكثر اختصاراً عن ابن عبّاس: أنّه دخل على معاوية - إلى آخره.و قد بيّن الحقير ذلك مفصّلًا في مواعظ اليوم السادس و العشرين من شهر رمضان المبارك لسنة ۱٣٩۰ هجريّة قمريّة، في مسجد القائم بطهران، ضمن بحوث قرآنيّة جاءت في ص ٣٤۸ و ٣٤٩ من النسخة الخطّيّة، و لكن لم نوفّق لطباعتها حتّى الآن؛ آمل أن تُذكر فيما بعد في موضع مناسب إن شاء الله تعالى.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

438
  • و بيانه الانتقاد لمعاوية على لسان الواردين عليه، فيروي مثلًا بسنده عن أبي بكرة أنّه ورد عليه فقال له:

  • اتَّقِ اللهَ يَا مُعَاوِيَةُ! وَ اعْلَمْ! أنَّكَ في كُلِّ يَوْمٍ يَخْرُجُ عَنْكَ وَ في كُلِّ لَيْلَةٍ تَأتِي عَلَيك، لَا تَزْدَادُ مِنَ الدُّنْيَا إلَّا بُعْداً وَ مِنَ الآخِرَةِ إلَّا قُرْباً، وَ إنَّ على أثَرِكَ طَالِباً لَا تَفُوتُهُ، وَ قَدْ نَصَبَ لَكَ عَلَماً لَا تَجُوزُهُ. فَمَا أسْرَعَ مَا تَبْلُغُ وَ مَا أوْشَكَ أنْ يَلْحَقَكَ الطَّالِبُ! وَ أنَا وَ مَنْ نَحْنُ فِيهِ وَ أنْتَ زَائِلٌ؛ وَ الذي نَحْنُ إلَيْهِ صَائِرُونَ بَاقٍ. إنْ خَيْراً فَخَيْرٌ وَ إنْ شَرّاً فَشَرٌّ!۱

  • محيي الدين يروي في «المحاضرات» عن الإمام الصادق عليه السلام‌

  • كما يروي محيي الدين في «المحاضرات» عن الإمام الصادق عليه السلام فيقول تحت عنوان:

  • مَنْ عَمِلَ على قَوْلِهِ صلّى اللهُ عَلَيهِ [وَ آلِهِ‌] وَ سَلَّمَ‌: كُلُّ أمْرٍ لَا يُبْدَا فِيهِ بِذِكْرِ اللهِ فَهُوَ أجْذَمُ:

    1. «المحاضرات» ج ٢، ص ۱٣۸.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

439
  • روينا من حديث الدينوريّ أنّه قال: أخبرنا محمّد بن موسى عن أبيه أنّه قال: سَمِعْتُ الأصْمَعِيّ يَقُولُ: قال حميد الطويل: ما صحبت ثابت البنانيّ في حاجة إلّا و ابتدأ بقول: سُبْحَانَ اللهِ وَ الحَمْدُ لِلَّهِ وَ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَ اللهُ أكْبَرُ، ثمّ يذكر حاجته.

  • و روينا من حديثه أيضاً، عن يزيد بن إسماعيل، عن قبيصة، عن سفيان الثوريّ:

  • إنَّ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ قَالَ لَهُ: إذَا جَاءَكَ مَا تُحِبُّ فَأكْثِرْ مِنَ الحَمْدِ لِلَّهِ، وَ إذَا جَاءَكَ مَا تَكْرَهُ فَأكْثِرْ مِنْ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاللهِ، وَ إذَا اسْتَبْطَأتَ الرِّزْقَ فَأكْثِرْ مِنَ الإسْتِغْفَارِ!

  • قَالَ سُفْيَانُ: فَانْتَفَعْتُ بِهَذِهِ المَوَاعِظِ.

  • و أما مُسلم بن الحجّاج فقد أورد في صحيحه أنّ رسول الله صلّى الله عليه [و آله‌] و سلّم‌ كَانَ يَقُولُ في السَّرَّاءِ: الحَمْدُ لِلَّهِ المُنْعِمِ المُتَفَضِّلِ، وَ كَانَ يَقُولُ في الضَّرَّاءِ: الحَمْدُ لِلَّهِ على كُلِّ حَالٍ‌.۱

  • و بصورة عامّة فإنّ علينا الابتعاد عن التعصّب في غير محلّه في القول و العمل؛ فقد عبّر القرآن عنه بـ «الحميّة الجاهليّة»٢. و كما أنّ الشيعة يبرمون و يسأمون من تهم العامّة و بهتانهم لهم الذي يفتعلونه بلا دليل، فإنّ السنّة يبرمون -بدورهم- و يسأمون من افتعال الخصومة و من إلصاق التهم المستهجنة بهم.

  • إنّ الشيعة سيقتربون من نهج أمير المؤمنين عليه السلام و مدرسته‌

    1. «المحاضرات» ج ٢، ص ٢۸۰ و ٢۸۱.
    2. جاء في صدر الآية ٢٦، من السورة ٤۸: الفتح: ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ﴾.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

440
  • بالقدر الذي يبتعدون فيه عن العصبيّة الجاهليّة، فذلك النهج هو نهج الحقّ و بعيدٌ عن الإفراط و التفريط كليهما. فإن قبلنا لا سمح الله أن نكيل التهم و الشتم لهم بقدر معيّن من أجل إثبات حقّانيّة نهجنا و مذهبنا، فإنّنا سنكون قد صرنا من السنّة بنفس ذلك القدر؛ و لو أنّهم كفّوا عن بُهتانهم لنا فصرّحوا بعين الحقّ و أثبتوه في كتبهم بقدر معيّن، لصاروا من الشيعة بنفس ذلك القدر أيضاً.

  • و لو شئنا -من أجل صاحب الولاية- أن نفتري شيئاً و نُلصقه بهم، فإنّ صاحب الولاية بنفسه سيستوقفنا في أوّل مواقف عرصة القيامة فيؤاخذنا؛ ناهيك عن ذلك الشخص الذي نسبنا إليه تلك الفرية.

  • نعم، لقد طال بنا الكلام حول هويّة محيي الدين و شخصيّته، لكنّها كانت إطالة ممتدحة و مقبولة؛ و ذلك لأنّ هذا الرجل صاحب الفضيلة قد ظُلمِ فيما بيننا، و ستصبح هذه المطالب مفاتح لما استغلق على المطالعين الكرام الأجلّاء و خاصّة الطلبة ذوي العزّة و الاحترام، أرجو أن ينظروا إليها بعين الرضا و الإكرام و أن لا ينتقدوا الحقير في شأنها:

  • وَ عَيْنُ الرِّضَا عَنْ كُلِّ عَيْبٍ كَلِيلَةٌ***وَ لَكِنَّ عَيْنَ السُّخْطِ تُبْدِي المَسَاوِيَا
  • تفسير سماحة الحدّاد لعبارة محيي الدين: «وَ لِكُلِّ عَصْرٍ وَاحِدٌ يَسْمُو بِهِ»

  • لقد تكرّر الحديث عن محيي الدين بن عربي كثيراً في السفر الذي لازمت فيه محضر الحاجّ السيّد هاشم الحدّاد أعلى الله درجته، و قد توسّع الحقير لهذا السبب في الكلام هنا عن شخصيّة محيي الدين. و صادف يوماً أن عاد أحد الزوّار الهمدانيّين و هو المغفور له المرحوم الحاجّ غلام حسين السبزواريّ -و كان من مريدي السيّد الحدّاد و من أسبق تلامذة المرحوم آية الله الأنصاريّ- من زيارة الحرم المطهّر، فجلس و قال: لقد عدتُ من زيارة أبي الفضل عليه السلام فخطر ببالي في شارع العبّاسيّة البيت الذي‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

441
  • كُتب على باب مدخل سرداب قبر محيي الدين، و هو من أبيات محيي الدين نفسه:

  • وَ لِكُلِّ عَصْرٍ واحِدٌ يَسْمُو بِهِ‌***وَ أنَا لِبَاقِي العَصْرِ ذَاكَ الوَاحِدُ
  • و كان يقول: لقد قرأتُ هذا البيت هناك، فما أعظمه من ادّعاء ادّعاه محيي الدين!

  • قال سماحة السيّد: لا عجب في الأمر مطلقاً، فقوله هذا قول عاديّ و معهود و لا اختصاص له بمحيي الدين وحده؛ بل إنّ كلّ من وصل إلى عرفان الله و فَنِي فيه صارت هذه نغمته. ذلك لأنّه لا وجود لمحيي الدين في عالم الفناء بل الله هو الذي يتكلّم، و جليّ أنّ الله سبحانه لا اختصاص له بزمن دون زمن، فقد كان موجوداً دوماً و سيبقى دوماً - انتهى كلامه.

  • و نظير هذا المعنى، معنى بيت ابن الفارض و هو آخر بيت من تائيّته الكبرى، لكنّ محيي الدين يعد نفسه الفارس الأوحد في ميدان التوحيد لجميع العصور اللاحقة، في حين أنّ تلميذه ابن الفارض يعد نفسه كذلك لجميع العصور السابقة؛ فيقول:

  • وَ مِنْ فَضْلِ مَا أسْأرْتُ شُرْبُ مُعَاصِرِي‌***وَ مَنْ كَانَ قَبْلِي فَالفَضَائِلُ فَضْلَتِي‌۱
  • أقوال أهل التوحيد في حال الفَناء هي كلام الله‌

  • و أقول: و يحمل على هذا الأساس كلام الكثيرين الذين صدرت منهم و عبارات كمثل أنَا الحَقُّ، أو لَيْسَ في جُبَّتِي سِوَى اللهِ، أو ما جاء في خطبة

    1. «ديوان ابن الفارض» ص ۱۱٦، السطر ۷٦۱، طبعة بيروت، دار صادر، سنة ۱٣۸٢، من التائيّة الكبرى المعروفة بنظم السلوك.
      و يقول في «أقرب الموارد»: أسأرَ الشَّاربُ في الإناء إسئاراً: أبقي فيه بقيّةً مثل سَأرَ. و منه أسأرتِ الإبلُ في الحوض؛ و يقال: إذا شَرِبْتَ فأسْئِرْ.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

442
  • البيان و التُّتُنْجِيَّة عن أمير المؤمنين عليه السلام؛ على افتراض صحّة الخطبة و صحّة أسانيدها و إسنادها إلى أمير المؤمنين عليه السلام، و مع أنّ التفوّه بهذا الكلام يمثّل قول الحقّ، و لكن لم يُعهد من الذين رقوا إلى الكمال تعبيرات كهذه تُدعى بالشطحات و الطامّات.

  • و لقد كان رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم العارف الأكبر، لكنّه لم يتفوّه بمثل هذه التعبيرات، و إلّا لقال عبارة قُلْ أنَا اللهُ أحَدٌ بدلًا من قول‌ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾.

  • كما كان أمير المؤمنين عليه السلام تلميذه الأوّل في نهجه و مدرسته، فلا يصحّ أن يتفوّه بكذا و كذا في خطبة عامّة أمام الناس؛ و من هنا فإنّ سند هذا النحو من الروايات مخدوش و مرفوض لهذا الدليل.

  • أجل، لا إشكال في هذا النحو من التعبيرات في المجالس الخاصّة مع بعض الأحبّة و الأعزّة من الأولاد أو الأصحاب لتعريف ذات الحقّ و وصول عبد الله إلى مقام الفناء في الله؛ بالرغم من أنّ أسانيد الخطبة يجب أن تصحّ و إسنادها يجب أن يثبت، لأنّ مجرّد الإمكان لا يصحّ دليلًا على الوقوع و التحقّق. كما أنّ المطالب التي وردت بهذا الشأن عن بايزيد البسطاميّ و منصور الحلّاج دليل على عدم كمالهما.

  • إنّ أعلى ثمرات الاستاذ هي أن لا يدع تلميذه متهوّراً مطلق العنان، كما أنّ من المحال أن تبدر من التلميذ مثل هذه الكلمات مع تحقّق المعاني العرفانيّة السامية فيه. و لم يكن الحسين بن منصور الحلّاج يمتلك استاذاً، و كان ذلك باعثاً على تعرّضه للأخطار. و كان بابا طاهر العريان يقول بنظير هذا المعنى:

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

443
  • به هر ألْفى ألِفْ قَدّى برآيُو***ألِف قَدُّم كه در ألْف آمَدُسْتُمْ‌۱
  • كما يقول سعدي الشيرازيّ، ليس عن طريق التوحيد و العرفان بل من جهة ادِّعاء الرفعة في الأدب و البلاغة:

  • هر كس به زمانِ خويشتن بود***من سعدى آخرالزمانم‌٢
  • كان ذنب الحسين بن منصور الحلّاج و جُرمه كشف الاسرار

  • و كان سماحة الحاجّ السيّد هاشم يرفض طريقة الحلّاج و يقول: إنّ هناك مطالب فيما نقل عنه تدلّ على نقصانه؛ و لم يرد من صدر الإسلام إلي الآن شخص له جامعيّة و شمول المرحوم السيّد (القاضيّ)، و لم يعهد عنه أبداً أو عن أحد من تلاميذه مثل هذه الامور.

  • و لقد قال المرحوم السيّد (القاضيّ) لي يوماً: أيّها السيّد هاشم! لا تُفش السرَّ فتُبتلى! سيأتي يوم يقصدونك فيه من الأطراف و الأكناف فيقبّلونَ عتبة بابك. و كان يقول: لقد قمتُ خلال عمري كلّه بإفشاء سرّ ما لمرة واحدة فقط، و كان ذلك في الحقيقة نابعاً من الحياء، و لا أزال حتّى الآن أعاني من ذلك بعد مرور عشرات السنين.

  • إنّ أساس مطالب منصور الحلّاج هي نفس مطالب سائر العرفاء، و ليس لديه شي‌ء آخر دونهم، لكنّه كان مفشياً للأسرار الإلهيّة، فأوقع جمعاً من الناس في الفتنة و الفساد، فرُقي برأسه إلى المِشنقة.

  • و كان (السيّد الحدّاد) يقول: لقد نقل العطّار مطالب عن الحلّاج لو رآها أيّ عارف أو سمعها فلن يمتدح اسلوبه و نهجه فيها، فهو يقول في جملتها: أنكر أغلب المشايخ الكبار طريقته و قالوا: لا قدمَ له في التصوّف؛ عدا عبد الله الخفيف و الشبليّ و أبو القاسم القُشَيريّ و جملة

    1. يقول: «يظهر في كلّ ألف عام عارف فريد، و أنا في هذا الألف ذلك العارف!».
    2. يقول: «لقد كان لكلٍّ زمانه و عصره، لكنّني سعديّ آخر الزمان!».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

444
  • المتأخّرين الذين قبلوه إلّا ما شاء الله منهم. و كان لأبي سعيد أبي الخير قدّس الله روحه العزيزة، و الشيخ أبي القاسم الجرجانيّ، و الشيخ أبي علي الفارمديّ، و الإمام يوسف الهمدانيّ رحمة الله عليهم أجمعين؛ سيرٌ في طريقته و نهجه، إلّا أنّ البعض توقّف في أمره و طريقته.

  • و يقول من جملتها: و قال الشبليّ: أنا و الحلّاج شي‌ء واحد، لكنّهم نسبوني إلى الجنون فنجوتُ، و نسبوا الحسين (الحلّاج) إلى العقل فهلك.۱

  • و يقول من جملتها: و كان دوماً مشغولًا في الرياضة و العبادة، و في بيان المعرفة و التوحيد، و كان في زيّ أهل الصلاح، و في الشرع و السنّة حين ظهر منه هذا القول. لكنّ بعض المشايخ هجروه و قاطعوه، لا من جهة المذهب و الدين، بل لامتعاض الشيوخ من غطرسته و غروره.

  • فقد جاء أوّلًا إلى تُسْتَر، فكان في صحبة الشيخ سهل بن عبد الله لمدّة سنتين، ثمّ سافر إلى بغداد، و كان عمره في أوّل أسفاره ثمانية عشر عاماً. ثمّ ذهب إلى البصرة و التحق بعمرو بن عثمان و صحبه ثمانية عشر شهراً، و زوّجه يعقوب الأقطع ابنته. ثمّ تأذّى منه عمرو بن عثمان فجاء من هناك إلى بغداد عند الجنيد، فدعاه الجنيد إلى السكوت و العُزلة، فصبر معه مدّة، ثمّ قصد الحجاز و قضى هناك سنة. ثمّ عاد إلى بغداد و قصد الجُنيد مع عدّة من الصوفيّين و سأله عن عدّة مسائل، فلم يجبه الجنيد، و قال له: سرعان ما ستخضّب قمّة خشبة الإعدام!

  • فقال: سترتدي لباس أهل الهيئة في ذلك اليوم الذي سأخضّب فيه قمّة خشبة الإعدام!

    1. «تذكرة الأولياء» ج ٢، ص ۱٣٥ و ۱٣٦، للشيخ العطّار (بالفارسيّة)، طبعة مطبعة بريل في ليدن، سنة ۱٣٢٢ هـ. ق، في ذكر الحسين بن منصور الحلّاج.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

445
  • و هكذا كان، فارتدى الجنيد لباس التصوّف في اليوم الذي أصدر فيه الأئمّة الفتوى بوجوب قتل الحلّاج فلم يكتب شيئاً. فقال الخليفة: لا بدّ من خطّ الجنيد! فلبس الجنيد الشال و الدرّاعة و ذهب إلى المدرسة و كتب في جواب الفتوى: نَحْنُ نَحْكُمُ بِالظَّاهِر. أي أنّه ينبغي قتله حسب ظاهر الحال، و أنّ الفتوى على الظاهر، أمّا الباطن فالله أعلم به.

  • و لمّا لم يجد الحسين (الحلّاج) جواب المسائل عند الجنيد تغيّر و ذهب إلى تُسْتَر بلا استئذان و بقي هناك سنة فنال هناك قبولًا عظيماً، لكنّه لم يلقِ بالًا و لا احتراماً إلى كلام أهل زمانه حتّى أصبحوا يحسدونه، و كتب عمرو بن عثمان في شأنه رسائل إلى خوزستان فقبّح أحواله و شأنه في أعين أهلها.۱

  • و يقول في جملتها: و بقي سنتين مجاوراً للحرم، و حين عاد تغيّرت أحواله و تبدّل حاله إلى لون آخر، فصار يعدّ الخلق معنى لا يقف عليه أحد، حتّى نُقل أنّه طُرِدَ من خمسين مدينة.٢

  • و يقول في جملتها: و نُقل أنّه حين تبرّأ الحسين بن منصور الحلّاج في غلبة الحال، من عمرو بن عثمان المكّيّ، جاء إلى الجُنيد، فقال له الجُنيد:

  • بما ذا جئت؟ لا تكرّر ما فعلته مع سهل التستريّ و عمرو بن عثمان المكّيّ.

  • فقال الحسين: إنّ الصحو و السكر صفتان للعبد، فهو محجوب عن ربّه دوماً حتّى تفنى صفاته.

    1. «تذكرة الأولياء» ج ٢، ص ۱٣٦، في ذكر الحسين بن منصور الحلّاج.
    2. «تذكرة الأولياء» ج ٢، ص ۱٣۷، في ذكر الحسين بن منصور الحلّاج.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

446
  • قال الجُنيد: يا بن منصور! أخطأتَ في الصحو و السكر. فلا خلاف في أنّ الصحو عبارة عن صلاح الحال مع الحقّ، و هذا لا يندرج تحت صفة و اكتساب الخلق؛ و إنّي لأرى -يا بن منصور- في كلامك فضولًا زائداً و عبارات بلا معنى!۱

  • و لقد قال سماحة السيّد: إنّ الجنيد من أساتذة العرفان، لذا فحين قام بتخطئة الحسين (الحلّاج) اتّضح أنّ هناك خللًا في عمل الحلّاج.

  • الجنيد يقول: شيخنا في الاصول و الفروع و تحمّل البلوى عليّ المرتضى‌

  • يقول الجُنيد: إن شيخنا في الاصول و الفروع و تحمّل البلوى، عَلِيّ المُرْتَضَى رضي الله عنه؛ فقد حكوا عن المرتضى في مباشرته الحروب أشياء لا طاقة لأحد على سماعها، لذا فقد أكرمه الله تعالى بالعلم و الحكمة.

  • و قال: لو لم يتكرّم المرتضى فيفوّه بهذا الكلام، فما كان سيعمل أصحاب الطريقة؟!

  • و ذلك الكلام هو: سئل المرتضى: بم عرفت ربّك؟

  • فقال: بما عرّفني نفسه. [قيل: و كيف عرّفك نفسه؟ فقال:]

  • لا تشبهه صورة، و لا يحسّ بالحواسّ، و لا يقاس بالناس، قريب في بُعده، بَعيد في قُربه، فوق كلِّ شي‌ء و لا يقال شي‌ء فوقه [أمام كلِّ شي‌ءٍ و لا يقال له أمام‌]، داخل في الأشياء لا كشي‌ء في شي‌ء داخل، و خارج من الأشياء لا كشي‌ء من شي‌ء خارج، سبحان من هو هكذا و لا هكذا غيره.٢

  • و لو شاء أحد شرح هذا الكلام و بيانه لصار مجلّداً. فَهِمَ مَن فَهِم.٣

    1. «تذكرة الأولياء» ج ٢، ص ۱٢، في ذكر الجنيد البغداديّ.
    2. أوردنا أصل كلام أمير المؤمنين عليه السلام من «التوحيد» للشيخ الصدوق، ص ٢۸٥، و وضعنا الفقرات التي اختصرها الجنيد من كلام الإمام بين الأقواس المعقوفة. (م)
    3. «تذكرة الأولياء» ج ٢، ص ۱٢، في ذكر الجنيد البغداديّ.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

447
  • نعم، لكأنّ الجميع يتّفقون على أنّ جرم الحسين بن منصور الحلّاج كان كشف الأسرار الإلهيّة، و هو جرم عظيم، و كما يقول حافظ:

  • گفت: آن يار كزو گشت سرِ دار بلند***جرمش آن بود كه أسرار هويدا مى‌كرد۱
    1. «ديوان حافظ» ص ٥۱، الغزل رقم ۱۱۱، طبعة پژمان، انتشارات بروخيم، سنة ۱٣۱۸، و تمام الغزل:
      سالها دل طلب جام جم از ما مى‌كرد***و آنچه خود داشت ز بيگانه تمنّى مى‌كرد
      گوهرى را كه به برداشت صدف در همه عمر***طلب از گمشدگان لب دريا مى‌كرد
      مشكل خويش بر پير مغان بردم دوش***كو به تأييد نظر حلّ معمّا مى‌كرد
      ديدمش خرم و خندان قدح باده به دست***و اندر آن آينه صد گونه تماشا مى‌كرد
      گفت آن يار كزو گشت سرِ دار بلند***جرمش آن بود كه اسرار هويدا مى‌كرد
      آن كه چون غنچه لبش راز حقيقت بنهفت***ورق دفتر از آن نسخه محشّا مى‌كرد
      گفتم اين جام جهان‌بين به تو كى داد حكيم***گفت آن روز كه اين گنبد مينا مى‌كرد
      آن همه شعبدة عقل كه مى‌كرد آنجا***سامرى پيش عصا و يد بيضا مى‌كرد
      فيض روح القدس ار باز مدد فرمايد***ديگران هم بكنند آنچه مسيحا مى‌كرد
      بيدلى در همه احوال خدا با او بود***و او نمي‌ديدش و از درد خدايا مى‌كرد
      گفتمش سلسله زلف بتان از پى چيست***گفت حافظ گله از دل شيدا مى‌كرد
      يقول: «منذ سنوات و القلب يطلب منّا كأس جمشيد (أي قلب ذلك العارف الكامل الملي‌ء بالمعرفة) و يتمنّى من الغرباء ما يمتلكه بنفسه.و كثيراً ما طلب الجوهرة التي لا يمكن العثور عليها في صدف عالم الكون و المكان، من الضالّين الباحثين عنها على شاطئ البحر.حملت مشكلتي إلى المرشد العارف (و هو الإنسان الكامل) البارحة، ليحلّ اللغز بالنظرة الإلهيّة.فرأيته جذلان باسماً في يده قدح الشراب (أي الفيوضات)، و كان يتفرّج في مرآتها على مئات الأشكال من التجلّيات الكامنة فيها.قال: إنّ ذاك الصديق الذي ارتفعت به قمّة المشنقة، كان جرمه الوحيد أنّه أذاع الأسرار.ذاك الذي كانت شفاهه تتكتّم على الأسرار كالبُرعم في أكمامه، قد حشّى ورق الدفاتر من نسخة الحقيقة و الأسرار.فقلت له: متى أعطاك الحكيم هذه الكأس التي ترى فيها الدنيا؟ فقال: يومَ صنع القبّة الزرقاء.و كلّ هذه الشعوذة التي أحكمها العقل هناك قد عملها السامريّ أمام عصا موسى عليه السلام و يده البيضاء.و إذا أعانتْ روح القدس من فيضها بالمدد مرّة ثانية، فإنّ الآخرين أيضاً يفعلون ما فعله المسيح بإذن الله.و الله مع الموله الواجد في كلّ حالٍ من الأحوال، و لكنّه لم يره فظلّ يناديه بفزع و ألم من البعيد بقوله «يا الله».قلت له: و ما الفائدة من هذه السلاسل من جدائل الحسان؟ فأجاب: لأنّ حافظاً يشكو من قلبه الولهان».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

448
  • الشطحات كلمات تبدر من السالك المجذوب فيها رائحة رعونة و دعوى‌

  • و قد فسّر الملّا صالح الموسويّ الخلخالي في مقدِّمة كتاب «شرح مناقب محيي الدين بن عربي» الشطحات بهذه الكيفيّة: أنّ كلًّا من محقّقي‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

449
  • الطريقة قد فسّر كلمة الشطح و بيّنها.

  • فالمحقّق الجُرجانيّ يقول: الشَّطْحُ‌۱ عِبَارَةٌ عَنْ كَلِمَةٍ عَلَيْهَا رَائِحَةٍ رُعُونَةٍ٢ وَ دَعْوَى، وَ هُوَ مِنْ زَلَّاتِ المُحَقِّقِينَ؛ فَإنَّهُ دَعْوَى بِحَقٍّ يُفْصِحُ بِهَا العَارِفُ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ إلَهيّ، بِطَرِيقٍ يُشْعِرُ بِالنَّبَاهَةِ.٣

  • و الشيخ محيي الدين نفسه يقول: الشَّطْحُ عِبارَةٌ عَنْ كَلِمَةٍ عَلَيْهَا رَائِحَةُ رُعُونَةٍ وَ دَعْوَى؛ وَ هي نَادِرَةٌ أنْ تُوجَدَ مِنَ المُحَقِّقِينَ.

  • و يُقال في اصطلاح متأخّري هذه الجماعة أنّ الشطحات هي كلمات تصدر من السالك المجذوب حال استغراقه في السُّكر و الوجد و غلبة الشوق لا طاقة للآخرين على سماعها؛ كما أنّه نفسه لو صحا من حالة المحو هذه فإنّه سيُظهِر كراهته و إنكاره لمثل هذه الأقوال المستهجنة.

  • و قد نظم جلال الدين محمّد الروميّ في كتاب «المثنويّ» أبياتاً فيها شمّة من تمثيل هذه الحال في شرح حال طيفور بن عيسى بن آدم المعروف بأبي يزيد البسطاميّ الذي كان من فرائد عصره، فيقول في تغيّر حالاته:

  • با مريدان آن فقير محتشم‌***بايزيد آمد كه يزدان نك منم‌
    1. شَطَحَ - شَطْحاً في السَّير أو في القَول: تباعَد و استرسَل‌ [مَقلوبُ شَحَطَ] (لاروس).
    2. رَعَنَ - رَعْناً و رَعِنَ - رَعَناً و رَعُنَ - رُعونَةً: حَمِقَ؛ استَرخَى، كان أهْوجِ في كَلامهِ فهو أرْعَن (المنجد). هَوِجَ يَهْوَجُ هَوَجاً: كان طويلًا في حُمقٍ و طَيشٍ و تَسرُّعٍ، فهو أهْوَج (المنجد).
    3. نَبِهَ - نُبْهاً من نَومِه: استَيقَظ. نَبَهَ - و نَبِهَ - و نَبُهَ - نَبَاهَةً: شَرُف، اشتَهر و كان ذا نَباهةٍ، و هي ضِدُّ الخُمولِ؛ فهو نَابِهٌ و نَبَهٌ و نَبِهٌ و نَبِيهٌ.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

450
  • چون گذشت آن حال گفتندش صباح‌***تو چنين گفتى و اين نبود صلاح‌۱
  • فيظهر -بدوره - ندمه و استغفاره من ذلك النحو من التصرّف، فيقول:

  • حقّ منزه از تن و من با تنم‌***چون چنين گويم ببايد كشتنم‌٢
  • ثمّ انتابه مجدّداً تغيّر الحالات الثانويّة، فيقول:

  • مست گشت او باز از آن سغراق رفت‌***آن وصيّتهاش از خاطر برفت‌
  • عشق آمد عقل او آواره شد***صبح آمد شمع او بيچاره شد
  • چون هماى بيخودى پرواز كرد***آن سخن را بايزيد آغار كرد
  • عقل را سيل تحيّر در ربود***زان قوى‌تر گفت كاوّل گفته بود٣
  • و يُقال: إنّ صدور مثل هذا الكلام باعتباره غير ناشى عن عقيدة

    1. يقول: «قال ذلك الفقير الحييّ بايزيد لمريديه يوماً: إنّي أنا الله!
      فلما أصبح و انقضت تلك الحال عاتبوه و قالوا له: لقد قلتَ البارحة كذا و كذا و لم يكن صلاحاً ما قلته!».
    2. يقول: «إنّ الحقّ منزّه عن الجسم و الجسمانيّات و أنا بشر ذو جسم، فإن عدتُ لمثلها توجّب قتلي».
    3. يقول: «ثمّ ثمّل مرّة اخرى بنفس الكأس، فنسي ما كان قد أوصي به.
      بلي! لقد جاء العشق فتغرّب العقل و تشرّد كما يخبو الشمع و يستكين حين يجي‌ء الصباح.
      حين حلّقت عنقاء التحيّر و نسيان الذات، شرعَ بايزيد في ذلك الكلام.
      و لقد سلب سيلُ التحيّر العقلَ، فقال قولًا أعظم من قوله الأوّل».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

451
  • راسخة بل عن التغيّر في الحالات الذي لا يد للسالك فيه، فإنّه لا يستوجب قدحاً أو طعناً؛ و ذلك لأنّ مثل هذه الواردات من عوارض الحالات التي تخرج عن حدود و قيد الإرادة و حكم الاختيار. نعم، عند استمرار تلك الحال الذي يُنبئ عن عقيدة راسخة فإنّه سيوجب الكفر و استحقاق القتل؛ نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَ نَسْتَجِيرُ إلَيْهِ.

  • إجمالًا، فعلى الرغم من عدم وجود أمثال هذه الشطحات في كلمات محيي الدين، لكنّ هناك كلمات كثيرة أخرى مخالفة لظواهر الشريعة، و هي بأجمعها تدعى بالشطحات؛ كما يقول القاضي شمس الدين بن خلّكان في خاتمة ترجمته: وَ لَوْ لَا شَطَحِيَّاتٌ في كَلَامِهِ لَكَانَ كُلُّهُ إجْمَاعاً.

  • و قد نقل القاضي التستريّ تفصيل هذه الشطحات و شرح هذه الكلمات بشكل مختصر، و قام بتأويل كلّ منها على سبيل الإجمال بما يناسب المقام.۱

    1. «شرح مناقب محيي الدين» ص ٤۸ إلي ٥٢، الطبعة الحجريّة.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

452
  •  

  •  

  • القِسْمُ السَّابِعُ: السَّفَرُ الخَامِسُ لِلْحَقِيرِ لِزِيَارَةِ العَتَبَاتِ المُقَدَّسَةِ سَنَةَ ۱٣٩۸ هِجْرِيَّة قَمَرِيَّة

  •  

  •  

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

454
  •  

  • السفر الخامس للحقير إلى العتبات المقدّسة

  • سنة ۱٣۸٩ هجريّة قمريّة

  •  

  • مَنّ الباري تعالى عَلَيّ بالتشرّف بزيارة الإمام الحسين عليه السلام في العشر الأوائل من محرّم الحرام حتّى يوم الأربعين، و بزيارة أمير المؤمنين عليه السلام في السابع عشر من ربيع الأوّل، حيث دام هذا السفر ثمانين يوماً.

  • و لقد كنت أرسل للسيّد الكثير من الرسائل، لكنّه -مع ذلك- كان يؤكّد باستمرار أنِ ابعَث الرسائل و لا تقطعها بالرغم من أنّ وضعي و حالي لا يسمحان لي بالإجابة، و من ثمّ فلا تنتظر منّي جواباً.

  • بعضٌ من رسائل الحاجّ السيّد هاشم للحقير بخطّ يده‌

  • و كانت رسائله الجوابيّة غالباً بإملائه و خطّ يد بعض الرفقاء، و كان يندر أن يقوم بكتابتها بخطّ يده أو أن يرسل بنفسه رسالة مستقلّة، و لربّما لم يزد عدد الرسائل التي أرسلها لي طيلة السنين الثمان و العشرين من محبّة و إخلاص الحقير حتّى رحيله على عشرين رسالة، و مع ذلك فهي محفوظة بأجمعها، كما أنّ جميع الرسائل و الردود التي كانت بخطّ يد الرفقاء محفوظة هي الاخرى. على أنّ رسائله كانت موجزة و مختصرة جدّاً، و نورد هنا بعض الرسائل التي تفضّل بإرسالها قبل هذا السفر:

  • ۱- بسمه تعالي‌

  • إلَى جَنَابِ سَيِّدِي المُحْتَرم السَّيِّد مُحَمَّد حُسَيْن العَالِمِ الرَّبَّانِيّ،

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

455
  • أسْألُ اللهَ أنْ يَزِيدَ في دَرَجَاتِكَ. السَّلَامُ عَلَيك وَ على أهْلِ بَيْتِكَ جَمِيعاً وَ رَحْمَةُ اللهِ وَ بَرَكَاتُهُ ثُمَّ على جَمِيعِ الرُّفَقَاءِ فَرْداً فَرْداً.

  • من به هر جمعيّتى نالان شدم‌***جفت بد حالان و خوش حالان شدم‌
  • هر كسى از ظنّ خود شد يار من‌***وز درون من نجست أسرار من‌۱
  • ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ﴾. لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاللهِ. مَا شَاءَ اللهُ كَانَ، وَ مَا لَمْ يَشَأ لَمْ يَكُنْ. ﴿الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً. قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ. فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ﴾.

  • * أخيك المخلص سيّد هاشم‌

  • ٢- بسمه تعالي‌

  • إلى جناب أخي و روحي و مولاي، السيّد محمّد حسين سلام الله عليك!

  • خَيَالُكَ في عَيْنِي وَ اسْمُكَ في فَمِي‌***وَ ذِكْرُكَ في قَلْبِي فَأيْنَ تَغِيبُ‌
  • نوشته بوديد كه: دستور. گفت: اى دستور! دستور خواهى. اى قيامت تا قيامت راه چند؟ از پيغمبر مى‌پرسيدند: تا قيامت؟ هر جا كه باشى و در هر

    1. يقول: «كنتُ أئنّ مع كلّ جماعة، و اقترنتُ بالسعداء و التعساء معاً.
      فخُيّل لكلٍّ منهم أنّه صار رفيقي و صاحبي، لكنّ أحداً لم يطّلع علي سرّي و مكنون ضميري».
       *** نقلنا الرسائل دونما تصرّف. (م)

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

456
  • حال كه باشى جَهد كن تا محبّ باشى و عاشق باشى؛ و چون ملكه شود هميشه محبّ باشى در هر زمان. وَ سَلَامٌ على جَمِيعِ الرُّفَقَاءِ فَرْداً فَرْداً بَعْدُ، وَ نَحْنُ همى نَدْعُو لَكُمْ تَحْتَ القُبَّةِ. يك قدرى قرض پيدا شده از براى بنده خداوند تبارك و تعالى فعّال است.۱

  • أخيك سيّد هاشم‌

  • عَالِي عَدَدَ الحَسَنَاتِ. يَمْحُو مَا يَشَاءُ مِنْ شَوَاهِدِ العُبُودِيَّةِ، وَ يُثْبِتُ مِنْ شَوَاهِدِ الرُّبُوبِيَّة.

  • ٣- كتب يقول في ذيل رسالة صدَّرها بخطِّ شخص آخر:

  • وَ قَضَى رَبُّكَ ألَّا تَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ‌

  • المَعْبودُ اسْمٌ مِن أسْمَائِهِ. حَقِيقَةُ العُبُودِيَّةِ كَوْنُ العَبْدِ بِتَمَامِ لَوَاحِقِهِ مِلْكاً خَالِصاً لِلَّهِ تعالى؛ بِاعْتِبَارِ أنَّ جَمِيعَ المَوْجُودَاتِ مَمْلُوكَاتُهُ بِالاسْتِحْقَاقِ لَا بِالإنْفَاقِ.

  • فَحَقِيقَةُ العِبَادَةِ انْتِبَاهُ النَّفْسِ وَ تَذَكُّرُهَا لِهَذَا العَمَلِ. وَ المعنى أنَّ الإنْسَانَ لَا يَمْلِكُ حَالًا، وَ لَا مَالًا، وَ لَا مَوْتاً، وَ لَا حَيَاةً، وَ لَا، وَ لَا، وَ لَا؛ وَ السَّلَامُ عَلَيكمْ.

  • أخيك المخلص سيّد هاشم‌

    1. يقول: «كتبتَ تطلب برنامجاً. قال: أيّها البرنامج! أ تطلب برنامجاً. أيّتها القيامة متى تحين القيامة؟ يسألون النبيّ: أيّان يوم القيامة؟ اجْهَدْ أنّى كنتَ و في كلّ حال أن تكون محبّاً و عاشقاً، و حين يصبح ذلك ملكةً لك، فَستكون محبّاً في كلّ آن و زمان. و السلام على جميع الرفقاء فرداً فرداً و نحن دائماً ندعو لكم تحت القبّة. اتّفق لي مبلغ من الدَّين، و الله تبارك و تعالى فعّال».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

457
  • ٤- و كتب أيضاً في ذيل رسالة صدَّرها بخطِّ شخص آخر:

  • غم مخور جانم كه غمخوارت منم۱***...
  • وَ تَحَقَّقْتُكَ في سِرِّي فَنَاجَاكَ لِسَانِي‌***فَاجْتَمَعْنَا لِمَعَانِي وَ افْتَرَقْنَا لِمَعَانِي‌
  • إنْ يَكُنْ غَيَّبَكَ التَّعْظِيمُ عَنْ لَحْظِ عَيَانِي‌***فَلَقَدْ صَيَّرَكَ الوَجْدُ مِنَ الأحْشَاءِ دَانِي‌
  • سيّد هاشم حدّاد

  • ٥- بسمه تعالي‌

  • السَّلَامُ عَلَيك يَا سَيِّدِي وَ سَنَدِي السَّيِّد مُحَمَّد حُسَيْن وَ رَحْمَةُ اللهِ وَ بَرَكَاتُهُ.

  • مى در بر و گل در كف و معشوقه به كام است‌٢- إلى آخره.

  • بيا كه كرده‌ام از غير آينه پاك‌٣ - إلى آخره.

  • إذَا تَجَلَّى لَهُمُ الحَقُّ تَلاشَوْا***وَ إذَا سَتَرَ عَلَيهِمْ رُدُّوا إلى الحَضْرِ فَعَاشَوْا 
  • الآن يك قدرى به خود آمديم. فرصت نيست. و گر نسيت‌٤. تَوَكَّلْتُ على اللهِ، وَ افَوِّضُ أمْرِي إلى اللهِ. ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾‌.

  • أمر به شريعت، و أمر به حقيقت.٥

    1. يقول: «لا تغتمّ يا روحي، فأنا من يحمل الهمّ و الغمّ عنك».
    2. «الخمر عندي، و الورد في يدي و نِلتُ مرادي في وصل الحبيب».
    3. «تعالَ فقد جلوتُ المرآة عمّن سواك».
    4. «حصل لدينا الآن بعض الانتباه و الالتفات. ليس هناك من فرصة. و إلّا نَسيتُ».
    5. «الأمر بالشريعة، و الأمر بالحقيقة».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

458
  • الشَّرِيعَةُ مِنْ غَيْرِ حَقِيقَةٍ فَغَيْرُ مَقْبُولٍ‌***وَ الحَقِيقَةُ مِنْ غَيْرِ شَرِيعَةٍ فَغَيْرُ مَحْصُولٍ‌
  •  

  • يعني اى مطرب شده با خاصّ و عام‌***مرده شو چون من كه تا يابى أمان‌۱
  • ٦- بسم الله الرحمن الرحيم‌

  • اى غائب از نظر به خدا مى‌سپارمت‌***جانم بسوختى و به دل دوست دارمت‌
  • تا دامن كفن نكشم زير خاك پاك‌***باور مدار كه دست ز دامن بدارمت‌٢
  •  

  • أخَذْتُمْ فُؤادِي وَ هوَ بَعْضِي فَمَا الذي‌***يَضُرُّكُمُ لَوْ كَانَ عِنْدَكُمُ الكُلُ‌
  • خداوند متعال آن وجود مبارك را از جميع بليّات و به عين عنايت ملحوظ بدارد. رقيمة شريفه رسيد از سلامتى جناب‌عالى با اطّلاع و خوشوقت گشتيم. گر چه جواب دير مى‌شود أما شما به نامه ما را خشنود بفرمائيد، چنانچه شب و روز در ياد شما هستيم.

  • أهل منزل همگى سلام مى‌رسانند. رفقا يك يك عرض سلام دارند و از شما منفكّ نيستيم. اميد است جناب‌عالى نيز ما را فراموش نفرمائيد در

    1. يقول: «يا من طرِب مع الخاصّ و العامّ، مُت مثلي لتلقي الأمان!».
    2. يقول: «أودعتك الله يا حبيباً غائباً عن ناظري، أحرقتني بالهجر لكنّ القلب يهواك».
      هيهات أن أتخلّي عنك حتّى أجرّ أذيال كفني تحت التراب الطاهر!».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

459
  • مواقع دعا، سلام به رفقا برسانيد. مصدّع اوقات شريف نشود.۱

  • سيّد هاشم حدّاد

  • ۷- بسم الله الرحمن الرحيم‌

  • التَّوْحِيدُ هُوَ الحَقُّ؛ وَ إلَيْهِ المَلْجَا لأهْلِهِ؛ وَ بِهِ النَّجَاةُ، هُوَ السِّرُّ الخَفِيّ، بِهِ ظَهَرَتِ الأشْيَاءُ، وَ هُوَ الشَّمْسُ المُشْرِقَةُ؛ وَ مِنْهُ يَنَابِيعُ الأنْوَارِ. وَ هُوَ قُطْبُ العَارِفِينَ، وَ هُوَ الدَّلِيلُ، وَ مُبْرئُ الأسْقَامِ، وَ شِفَاءُ كُلِّ عَلِيلٍ، هُوَ الظَّاهِرُ فَمَا سِوَاهُ حِجَابُهُ.

  • فَمَنْ كَانَ ذَا بَصَرٍ جَاوَزَ أبْوَابَهُ، كَشَفَ لَهُ عَنْ مُلْكِهِ، فَعَايَنَ سُلْطَانَهُ وَ غَيَّبَهُ بِهِ عَنْهُ؛ فَعَظَّمَ شَأنَهُ.

  • فَبَيْنَ العَارِفِ وَ بَيْنَ رَبِّهِ سِرٌّ وِقْرٌ في صَدْرِهِ، وَ حُكْمٌ يَمُدُّهُ بِمَيَامِنِ غَيْبِهِ. فَهِيَ غِذَاؤُهُ وَ شَرَابُهُ؛ مُظْهِرٌ لَهُ حَقِيقَةَ التَّوْحِيدِ وَ لُبَابَهُ؛ وَ امْتَازَ بِهَا عَنْ سَائِرِ الخَلْقِ؛ فَوَاصَلَتْهُ وَ أجْلَسَتْهُ في حَضْرَةِ الحَقِّ، وَ اخْتَصَّهُ بِالعُلُومِ الأزَلِيَّةِ العَجِيبَةِ.

  • فَحَقِيقَتُهُ مِنَ الحَقِّ ذَاتِيَّةٌ قَرِيبَةٌ، بِلَا حَرَكَةٍ مِنْ معنى إلى معنى وَ لَا انْتِقَالٍ، وَ لَا مَاضٍ وَ لَا مُسْتَقْبَلٍ وَ لَا حَالٍ. وَ هُوَ بِسِرِّ العَارِفِ مَكْشوفٌ؛ أمَدَّهُ بِهِ مِنْ خَفيّ سِرِّهِ؛ فَسَتْرُهُ مِنْ سِرِّهِ؛ مَعْرُوفٌ.

    1. «رعي الله ذلك الوجود المبارك بعين رعايته من جميع البليّات.
      وصلت رسالتكم الشريفة فاطّلعنا علي سلامتكم و سعدنا بذلك، و مع أنّ الردّ يتأخّر عليكم و لكن تفضّلوا بإسعادنا برسالتكم لأنّنا في ذكراكم ليلًا و نهاراً.
      العائلة جميعاً يرسلون سلامهم، و الرفقاء يبعثون سلامهم واحداً واحداً. و لسنا منفكّين و لا بعيدين عنكم. و الرجاء أن لا تنسونا أنتم كذلك في مواقع الدعاء. بلِّغوا السلام إلي جميع الرفقاء. و أرجو أن لا نكون قد سبَّبنا تصديع أوقاتكم الشريفة».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

460
  • و جُمْلَةُ المَحْسُوسَاتِ عَدَمٌ وَ هَبَاءٌ؛ فَحَقِّقْ بِبَصِيرَتِكَ، تَنْظُرْ عَجَباً! تَجِدِ القَائِمَ بِهِ في كُلِّ الخَطَرَاتِ وَ اللحَظَاتِ مُشَاهِداً؛ إذْ هي أغْطِيَةٌ يَسْتُرُ بِهَا؛ إذْ هُوَ الوُجُودُ، وَ الوُجُودُ وَاحِدٌ.

  • فَالمَعْرِفَةُ في حَقِّ كُلِّ مَصْنُوعٍ وَضْعُهُ. فَكُلُّ مُفْتَرِقٍ هُوَ أصْلُهُ و جَمْعُهُ، بِذَلِكَ شَهِدَتِ الظَّوَاهِرُ على غَيْبِهَا.

  • فَهُوَ المُبْدِئُ لِكُلِّ شَي‌ءٍ وَ المُعِيدُ، وَ الفَعَّالُ في مُلْكِهِ؛ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ؛ وَ الفَعَّالُ لِمَا يَشَاءُ. عَرَفَهَا العَارِفُونَ.

  • ۸- بسم الله الرحمن الرحيم‌

  • التَّوْحِيدُ هُوَ الأصْلُ وَ إلَيْهِ الطَّرِيقُ؛ وَ هُوَ القُطْبُ وَ عَلَيهِ التَّحْلِيقُ، وَ هُوَ تَاجُ العَارِفِينَ وَ بِهِ سَادُوا؛ وَ بِأخْلَاقِهِ تَخَلَّقُوا وَ لَهُ انْقَادُوا. هُوَ بِهِمْ بَرٌّ وَصُولٌ؛ مِنْهُ البِدَايَةُ وَ إلَيْهِ الوُصُولُ.

  • نَوَّرَ قُلُوبَهُمْ بِالحِكْمَةِ وَ الإيمَانِ؛ وَ شَرَحَ صُدورَهُمْ فَتَخَلَّقوا بِالقُرْآنِ. فَفَهِمُوا مَعَانِيَهُ وَ بَانَ لَهُمُ المُرَادُ؛ فَدَامَتْ فِكْرَتُهُمْ فِيهِ فَمَنَحَهُمُ السُّهَادُ؛ وَ مَا عَرَّجُوا على أهْلٍ وَ لَا أوْلَادٍ؛ وَ لَمْ يُشْرِكُوا بِعِبَادَةِ رَبِّهِمْ أحَداً.

  • هُوَ الضِّيَاءُ بِمِشْكَاةِ قَلْبِ العَارِفِ؛ عَنْهُ يَنْطِقُ وَ بِهِ يُكَاشِفُ. وَ لَمْ يَلْتَفِتْ إلى مَا هُوَ سِوَاهُ؛ وَ لَمْ يَدَّخِرْ سِوَى مَوْلَاهُ. وَ هُوَ حَيَاتُهُ وَ نُشُورُهُ؛ وَ بِهِ أشْرَقَتْ شَمْسُهُ وَ نُورُهُ. يَمُدُّهُ بِدَقَائِقِ المَعَانِي؛ فَيُمَيِّزُ بَيْنَ البَاقِي مِنْهُ وَ الفَانِي.

  • فَيُعَبِّرُ عَنْهُ بِمَعَانِي رَوْحَانِيَّةٍ، تَقْصُرُ عَنْ إدَرَاكِهَا الصِّفَاتُ البَشَرِيَّةُ. وَ يَعِيهَا مَنْ هُوَ بِالتَّوْحِيدِ حَيّ ذُو عِيَانٍ؛ وَ يَعْجُزُ عَنْهَا مَنْ رَضِيَ بِنَعِيمِ الجِنَانِ. فَالعَارِفُ لَذَّتُهُ ذِكْرُهُ مَوْلَاهُ، وَ هُوَ كُلِّيَّتُهُ، وَ الظَّاهِرُ بِعِبَادَتِهِ. مُفْصِحُهُ بِالعِلْمِ، وَ هَادِيهِ لِلْبَيَانِ. امِدَّ سِرُّهُ مِنْ سِرِّهِ.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

461
  • فَأنْطَقَ لِسَانَهُ بِالحِكْمَةِ؛ فَجَذَبَ الخَلْقَ إلَيْهِ، وَ هَدَى بِهِ الامَّةَ. فَكَشَفَ لَهُ الغِطَاءَ عَنْ أسْرَارِ التَّوْحِيدِ؛ وَ تَجَلَّى لِقَلْبِهِ مَنْ هُوَ أقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ.

  • فَتَألَّفَتْ مُتَفَرِّقَاتُهُ، فَفَنِيَ عَنْ رُسُومِهِ؛ وَ كَاشَفَ بِهِ وَ شَرَّفَهُ بِعُلُومِهِ، فَاهْتَزَّتْ أرْضُهُ وَ نَبَعَ مَاؤُهُ؛ فَوَسَّعَ قَلْبَهُ، وَ مَا وَسِعَهُ أرْضُهُ وَ لَا سَمَاؤُهُ.

  • السَّلَامُ على سَيِّدِنَا وَ مَوْلَانَا السَّيِّد مُحَمَّد حُسَيْن، وَ على السَّيِّد مُحَمَّد صَادِق، وَ على السَّيِّد مُحْسِن، وَ على السَّيِّدِ أبي الحَسَنِ، وَ على السَّيِّدِ عَلِيّ، وَ فَاطِمَةَ وَ الزَّهْرَاءِ وَ الصِّدِّيقَةِ وَ البَتُولِ وَ العَلَوِيَّةِ، وَ جَمِيعِ الرُّفَقَاءِ فَرْداً فَرْداً؛ و نَحْنُ لَكُمْ مِنَ الدَّاعِينَ تَحْتَ قُبَّةِ الحُسَيْنِ.

  • ***
  • لقد كان الجوّ حارّاً أيّام العشرة الأولى من محرّم الحرام لهذه السنة أيضاً، و كان البعض يأتي إلى محضر السيّد من النجف الأشرف و من الكاظميّة كما كان يحضر لديه بعض الأصدقاء من الزوّار الإيرانيّين. و قد شاهد أحد الرفقاء يوماً في عالم الرؤيا أنّهم كانوا مجتمعين في منزل السيّد، و كان الجوّ لاهباً من شدّة الحرارة و الجميع عطاشى يتلظّون من شدّة العطش. و في هذه الأثناء دخل الحاجّ السيّد هاشم (بدشداشته العربيّة الطويلة) حاسراً يحمل بيديه قالباً كاملًا من الثلج و ينادي: تعالوا و اشربوا من هذا الماء العذب البارد! بَيدَ أنّ أحداً لم يصغ إليه، كأنّهم لا يسمعون نداءه أبداً.

  • محالٌ سلوك الطريق بدون الإنفاق و الإيثار و تجلّي الجلال‌

  • و كان السيّد يقول تكراراً: إنّ هذا النهج و السبيل يستلزم الإيثار و التضحية، بينما البعض من رفقائنا كسالي و غير مستعدّين للإنفاق و الإيثار، لذا فهم يتوقّفون لا يريمون حراكاً. و بالرغم من أنّني كثيراً ما أذهب إلى الكاظميّة للقائهم و أبقى هناك الأيّام و الليالي لكنّ ذلك ليس‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

462
  • كافياً، لأنّ مجالس الانس و المذاكرات تتضمّن دوماً ذكر الجمال، فيحصل من ذلك الوجد و النشاط؛ و لكن ما إن أحاول عرك اذن أحدهم فإنّ الجميع يفرّون فلا يبقى منهم أحد، و في النهاية فإنّ الأمر لن يتمّ بدون الجلال.

  • و هكذا فإنّ الحيرة تنتابني في عمل الكثير منهم، و عَلَيّ عند ذلك أن أقوم أحياناً -بمختلف لطائف الحيل و الإيماءات- بإجبارهم و دفعهم إلى القيام بأمر مخالف لطبيعتهم و رغباتهم؛ تماماً كمن يحمل كأساً حارّاً جدّاً في يده، فعليه أن لا يتركه حتّى لا يتحطّم و أن لا يسمح ليده أن تحترق، لذلك أتصرّف بلباقة، إلى حين حصولهم على التمكين و الثبات في النهج و السبيل.

  • و لقد كانت رؤيا قالب الثلج صحيحة، لكنّ إحساس العطش من قِبَل الرفقاء يستلزم الإعراض عن العلائق الدنيويّة و إنفاق المال و الوقت و العرض و الاعتبار في سبيل الله، و هو ما لم يرضوا به، لذا فإنّهم لم يكونوا ليحسّوا بالعطش مع وجوده، كما لم يدركوا ضرورة شرب الماء البارد و المعين الهانئ. و هذه المسألة من الوضوح و الدقّة في جانبيها بحيث تستدعي عجب المرء.

  • و كان الرفقاء من بغداد و الكاظميّة يتشرّفون بالقدوم إلى كربلاء أيّام عاشوراء، و حصل أن قام أحد الرفقاء و اسمه الحاجّ حسن أبو الهوى بجلب صفيحة من السمن كهديّة إلى السيّد، و حين أراد تسليم الصفيحة عند دخوله البيت فقد امتنع أحد أولاد السيّد عن قبولها منه، ثمّ وصل السيّد عائداً من الزيارة أثناء المجادلة و النقاش بينهما أمام باب البيت، و عند مشاهدته إصرار الحاجّ أبي الهوى من جهة و امتناع ولده من استلام الصفيحة من جهة أخرى فأعطي الإذن بقبولها، و هكذا فقد سلّم أبو الهوى صفيحة السمن.

  • و كان أحد الرفقاء قد شاهد في عالم الرؤيا في الليلة التي سبقت ذلك،

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

463
  • مائدة مبسوطة في منزل السيّد عليها أنواع الأطعمة و الأشربة و الفاكهة اللذيذة، يتحلّق حولها جميع الرفقاء و هم منهمكون بالتناول منها. و في هذه الأثناء يصل الحاجّ حسن أبو الهوى فيحاول الجلوس إلى المائدة و الأكل منها فلا يجد له مكاناً، فيدور حولها و يشاهد أنّ الرفقاء جالسون بشكل متّصل متراصّ، و أن ليس من مكان خالٍ ليجلس فيه و لا من أحد يفسح له مجالًا ليجلس، و في هذه الحال يمسك السيّد الحدّاد يد أبي الهوى فيحشره في زمرة الجالسين ليتناول من الطعام بدوره.

  • و تفسير هذه الرؤيا واضح جليّ، فجلوسه على المائدة بهذه الصورة يمثّل قبول صفيحة السمن ذلك، فقد قام بالإيثار بهذا القدر فوجد مكاناً لتناول الطعام بنفس القدر. و هكذا استلزم تناول الطعام الملكوتيّ استلزام إهداء صفيحة السمن، كما كانت إجازة السيّد الحدّاد في ذلك النقاش بقبول صفيحة السمن عبارة عن حشره إيّاه في زمرة الجالسين على المائدة، فلو لم يأذن السيّد بقبولها لما استطاع الحاجّ الجلوس على المائدة، و كثيراً ما كانت أمثال هذه الرؤيا مفتاح درب للسالكين.

  • و بالطبع فإن هذا الظهور و الرؤيا مثاليّان، أمّا في العوالم العليا فإنّ التعبير يكتسب دقّة أكثر و يتضمّن تجرّداً أكثر، مع أنّ هذا التعبير المثاليّ محفوظ في حدّ ذاته، و ليس هناك من يطّلع على أسرار العوالم العلويّة إلّا اولئك الذين يجانسون تلك العوالم و يُشاكلونها، و على ضوء هذا المبدأ فإنّ تعبير الأحلام و تفسيرها يماثل تفسير القرآن الكريم في أنّ له ظاهراً و باطناً، و في أنّ ذلك الباطن له مراتب و درجات مختلفة - انتهى.

  • و كشاهد على المطلب فإنّ القصّة التالية شيّقة للتأويل و التفسير، و للعلاقة مع الأرواح و تجرّد العالم العلويّ:

  • الحاجّ السيّد ضياء الدين الدرّيّ و رؤيا عجيبة في تفسير بيت شِعر لحافظ

  • لقد كان المرحوم السيد ضياء الدين الدُّرِّيّ أحد الوعّاظ و خطباء

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

464
  • المنبر الطهرانيّين من الطراز الأوّل، و كان استاذاً لعلوم المعقول. حيث مضى على رحيله حتّى الآن أكثر من ثلاثين سنة، و قد حضر الحقير مجالسه تكراراً، فكان يمتلك نهجاً حكيماً و عرفانيّاً في الخطابة، و كان بيانه شيّقاً و خطابته موثّقة محقّقة.

  • و جاء أخو زوجة الحقير: حجّة الإسلام الحاجّ السيّد حسن معين الشيرازيّ دامت معاليه إلى منزلي في مشهد المقدّسة ليلة الثالث من ربيع الثاني لسنة ألف و أربعمائة و اثني عشر هجريّة قمريّة فنقل رؤيا شيّقة عنه لا يخلو ذكرها من اللطف:

  • من المتعارف في طهران حين يُدعى واعظ ما للخطابة على المنبر في مجلس معيّن للعزاء خلال فترة عشرة أيّام، فإنّهم يدعونه أيضاً للخطابة في الليلة الأخيرة من تلك الأيّام العشرة من السنة التالية.

  • و حصل في السنوات الأخيرة التي كان المرحوم الدرّيّ فيها على قيد الحياة أن سأله شابّ في إحدى الليالي (الليلة الثامنة أو التاسعة من المحرّم) قبل صعوده المنبر للوعظ، عن المراد بهذا البيت من الشعر:

  • مريد پير مغانم زمن مرنج اى شيخ‌***چرا كه وعده تو كردى و او بجا آورد۱
  • فأجابه المرحوم الدرّيّ: سأجيب على هذا السؤال على المنبر ليستفيد منه الجميع. ثمّ يبيّن على المنبر قضيّة نهي آدم أبي البشر عن‌

    1. «ديوان الخواجة حافظ الشيرازيّ» عليه الرحمة و الرضوان، ص ۷٣، الغزل ۱٦۰، طبعة پژمان، انتشارات بروخيم، سنة ۱٣۱۸ هـ، و في طبعة محمّد قزويني و الدكتور قاسم غني، طبعة سينا، طهران: ص ٩٩، الغزل ۱٤٥.
      يقول: «أنا مريد المرشد فلا تنزعج منّي أيّها الشيخ، فقد اكتفيتَ بالوعد أمّا هو فقد نفّذ وعده».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

465
  • تناول القمح، و قصّة اكتفاء أمير المؤمنين عليه السلام بخبز الشعير طيلة حياته، حتّى أنّه عليه السلام لم يأكل خبز القمح طيلة حياته و لم يشبع حتّى من خبز الشعير۱. ثمّ يقول:

  • إنّ المراد بالشيخ في هذا البيت هو آدم على نبيّنا و آله و عليه السلام الذي وعد بعدم الأكل من شجرة القمح في الجنّة فلم يفِ بوعده، و عصى أمر ربّه و تناول منها، و المراد من «پير مغان»٢ أمير المؤمنين عليه السلام الذي لم يطعم خبز البرّ طيلة حياته، و الذي و في بشكل كامل بوعد عدم التناول من شجرة الحنطة.

  • كان هذا مجمل تفسير هذا البيت الذي بيّنه على المنبر و ختم به موعظته.

  • ثمّ توفّي المرحوم الدرّيّ قبل نهاية تلك السنة، لذا فلم يكن لمدعوٍّ ما أن يشارك في الحضور في ذلك المجلس تلك الليلة من السنة المقبلة.

  • و حصل في السنة التالية، و في تلك الليلة من ليالي العشرة الأولى من محرّم الحرام التي طرح فيها ذلك الشابّ سؤاله على المرحوم الدرّيّ أن شاهد ذلك الشابّ في عالم الرؤيا، أنّ المرحوم الدرّيّ قد جاءه فقال له:

  • أيّها الشابّ! لقد سألتني السنة الماضية في مثل هذه الليلة عن معنى هذا البيت فأجبتك هكذا، لكنّي قَدِمْتُ إلى هذا العالم فانكشف لي معناه‌

    1. رواية عدم الأكل من خبز البرّ طوال العمر مختصّة برسول الله، فقد سُئل أمير المؤمنين عليه السلام عن رواية عائشة أنّ رسول الله ما شبع من خبز البرّ حتّى مات فقال: كذبت عائشة، ما أكل رسول الله خبز بُرّ قطّ و لا شبع من خبز شعير قط - انتهي. و بطبيعة الحال فلا شكّ في أنّ أمير المؤمنين عليه السلام تأسّي برسول الله صلّى الله عليه و آله فما أكل من خبز البُرّ، كما يستفاد من الأخبار، لكنّ ذلك غير مضمون الرواية السابقة.
    2. «المرشد».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

466
  • بشكل آخر: فالمراد من الشيخ هو إبراهيم عليه السلام، و المراد بالمرشد: سيّد الشهداء عليه السلام، و المراد بالوعد ذبح ولده؛ فقد و في إبراهيم عليه السلام بأمر الله له بالذبح، لكنّ حقيقة الوفاء هي التي قام بها أبو عبد الله الحسين عليه السلام في كربلاء حين قدّم للذبح ولده عليّ الأكبر عليه السلام.

  • و هكذا يجي‌ء ذلك الشابّ في الليلة التالية إلى ذلك المجلس الذي اعتاد المرحوم الدرّيّ على المشاركة فيه كلّ عام، فيشرح رؤياه هذه، و من الجليّ مدى الهيجان و التأثّر الذي حصل في ذلك المجلس عند بيان هذه الرؤيا.

  • المعاني المختلفة للاشعار العرفانيّة ليست متضادّة بل متداخلة في بعضها عمقاً

  • لقد كان المعنى الأوّل لشعر حافظ معنى عامّاً، أي أنّ المراد من الشيخ هم علماء الظاهر الذين لا علم لهم بالباطن، و معنى المرشد في الشعر هو استاذ الأخلاق و العرفان الذي يمسك بيده خيوط التربية النفسيّة. و المراد بعدم إنجاز الشيخ وعده و بوفاء المرشد بوعده، عدم التزام بعض الجماعة الأولى باصول الأعمال و بالزهد في الدنيا، و التزام الجماعة الثانية باصول تزكية النفس و بالإعراض عن الزخارف.

  • أمّا المعنى الثاني و هو الذي بيّنه المرحوم الدرّيّ فهو لطيفة استنباطيّة و أدقّ من المعنى الأوّل، و يمكنه احتلال موقعه بجلاء مع حفظ المعنى الأوّل.

  • و أمّا المعنى الثالث الذي رآه في عالم الرؤيا فهو أدقّ من الثاني، و يظهر معناه بشكل جميل و شيّق مع حفظ المعنى الأوّل و الثاني اللذين يصحّان في موضعهما.

  • و من هنا فليس في الشعر معانٍ متضادّة، بل إنّ هذه المعاني متداخلة في بعضها عمقاً، فهي باطن في باطن؛ و جميع أشعار حافظ متشكّلة من‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

467
  • رموز و إشارات خاصّة حاكية عن كنايات بديعة و أسرار خفيّة و معان عميقة.

  • كان سلوك سماحة الحدّاد مبنيّاً على ضرورة وجود الاستاذ

  • و على كلّ حال، فقد جرى الحديث في هذا السفر عن الاستاذ و ضرورته، و كان للسيّد إصرار تامّ منذ البدء على ضرورة وجود الاستاذ. و كان يبيّن الأخطار الشديدة التي يواجهها التلميذ في طريقه، و يذكّر بمطالب من الآيات القرآنيّة و الأخبار و القصص و الحكايات العربيّة و الفارسيّة في الأشعار و غيرها في تأكيده على ضرورة هذا الأمر، بَيدَ أنّه لم يُلاحَظ عنه أبداً الإشارة إلى نفسه كاستاذ في هذا الأمر، فقد كان يقول باستمرار:

  • إنّ الرفيق ضروريّ عند طيّ الطريق، فالمرء يحتاج في سفره في طريق المعنى و المنازل السلوكيّة إلى رفيق يصحبه في هذا السفر، أكثر منه في سفره في طريق الظاهر و الطريق الصحراويّ، لأنّ منتهى الخطر الذي يتهدّده من الانفراد في ذلك السفر هو هلاك بدنه و جسمه، أمّا خطر الانفراد في هذا السفر فيتضمّن هلاك نفسه و روحه الآدميّة و انضمامه إلى زمرة الأشقياء و الأبالسة.

  • كان السيّد يقول في صراحة لا تشوبها مواربة: من شاء المجي‌ء فليأت فلن يضير ذلك شيئاً؛ ثمّ يشير إلى صدره و يقول: ألقوا ما تحملونه هنا فأنا حمّال للأثقال. إنّ هناك أفراداً لا يطيقون حمل الأثقال؛ فهم ينوؤون بأثقالهم، بَيدَ أنّهم يجرّون وراءهم آخرين. إنّهم يتصدّرون المسيرة مستتبعين وراءهم الكثير من الأتباع بينما تفوقهم -بلحاظ القوّة و اللطف- نفوس الكثير من تلامذتم!

  • و كان يقول: إنّ مسكيناً كهذا لم يوصل نفسه إلى المقصد و يتوجّب عليه أن يلقي بأحماله في أعتاب أخرى، فقد جاء و أضاف أثقالًا إلى‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

468
  • أثقاله، لذا فهو يجي‌ء و يشكو تلامذته لي أن كذا و كذا.

  • و لقد قلتُ له: ليس العيب في تلامذتك، بل العيب فيك حين أريتهم باب جنّة خضراء يانعة و دعوتهم إليك؛ و حين دخلوها عجزتَ أن توفّر لهم الطعام و الغذاء، و ها أنت قد تركتهم عطاشى و جياعاً تعلّلهم بالآمال و الوعود، ثمّ تنتظر منهم الطاعة المحضة! و هو أمر محال. على الاستاذ أن يحرّر نفسه أوّلًا و يعتقها، في حين أنّك الآن أسير مقيّد، فكيف يمكنك أن تحرّر إمرءاً ما؟

  • ينبغي للحوائج في طريق السير و السلوك أن تحطّ في ساحة الله سبحانه، و الإنسان الكامل هو الذي قد تحرّر من قيد نفسه و ارتبط بالله تعالى؛ أمّا الأفراد الذين لم يصلوا إلى مقام التوحيد، و الذين تمسك دغدغة النفس الأمّارة بتلابيبهم باستمرار، فأنّى يتأتّى لهم إعانة غيرهم في الوصول إلى المقصد و المقصود، و لهذا السبب ترى هذا الفساد الذي استشرى في العالم و تفاقم.

  • و حصل يوماً أن جاء الحاجّ حبيب السماويّ بشابّ معه من السماوة يتمتّع بلياقة و استعداد رفيعين، و قد ظهرت لديه حالات عرفانيّة و مشاهدات سلوكيّة بواسطة علاقته بالحاجّ حبيب، و كان الحاجّ قد قال له: ليس في وسعي أن أفعل لك شيئاً بعد الآن، سآخذك معي إلى استاذي حين أتشرّف هذه المرّة بالسفر لزيارة كربلاء لتكون -من ثمّ- تحت إشرافه و في تبعيّته.

  • و من هذا المنطلق فقد جاء به الحاجّ حبيب إلى كربلاء ليمثل في محضر السيّد، و كان ذلك الشابّ يذكر مكاشفاته القويّة و حالاته فيقول: إنّهم يرقون بي في مراحل الصعود بحيث يشقّ عَلَيّ تحمّلها من شدّة الجلال، لذا فإنّ الخوف يكتنفني؛ هذا الخوف الذي غالباً ما يؤدّي إلى‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

469
  • الوقوف و عدم الحركة.

  • فقال له سماحة السيّد: لا تخف! فأينما شاءوا أخذك فسأكون معك!

  • و كان السيّد يقول: ينبغي أن يكون الاستاذ ممتلكاً لمقام التوحيد. كما أن الإنسان لا يمكنه اتّخاذ أكثر من استاذ واحد في زمن واحد، أمّا عند موت الاستاذ فيمكنه الرجوع إلى غيره، على أن يكون الاستاذ الجديد -بدورهـ ممتلكاً لمقام التوحيد.

  • على أنّ شأن الذين ينتخبون استاذين فيأخذون التعليمات من هذا و ذاك، أو أن يرتبطوا بهما سويّاً؛ كشأن مريض يراجع طبيبين معاً و في عرض أحدهما الآخر، و هو عمل لن يعقب إلّا الهلاك كما أنّه أمر مذموم شرعاً و عقلًا و شهوداً.

  • إنّ مَثَل الأفراد الذين يختارون استاذين، كمثل طيور الحمام التي لها عشّان؛ فهذه الطيور مهما امتازت بطيران سريع و قويّ و مهما طارت في الجوّ ساعات متمادية عطشى و جائعة، إلّا أنّها لا تمتلك أبداً أيّة قيمة، لأن أحداً لا يشتريها لعلمه أنّه مهما اشتراها بثمن بخس فإنّه هو المغبون في الصفقة، لأنّها ستعود إلى عشّها الآخر بمجرّد طيرانها فتذهب معها جميع أتعاب و مشقّات صاحبها أدراج الرياح.

  • أمّا طيور الحمام التي تمتلك عشّاً واحداً فإنّها تمتلك قيمة و ثمناً، يطمئنّ صاحبها إلى أنّها مهما حلّقت و أينما صوّبت، فهي عائدة لا بدّ إلى عشّها هذا، باقية في ملكه و حيازته. و إذا ما ألجأها أحياناً الجوع و العطش أو الانس بالطيور الاخرى إلى الهبوط في مكان ما، أو إذا وقعت أسيرة بِيَدِ شخص ما من محترفي اللعب بالطيور، فإنّها ستعود إلى عشّها ذلك بمجرّد تحليقها و لو مرّت عليها أيّام عديدة. و مثل هذه الطيور تمتلك قيمة و ثمناً، و إذا ما رُبِّيت و دُرِّبت على أن تطير في الجوّ مثلًا يوماً كاملًا بشكل متواصل‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

470
  • فلربّما بلغت قيمتها مائة دينار أو أكثر.

  • و يُشاهد أحياناً أنّ بعض محترفي اللعب بالطيور يحتاجون مبلغاً بسيطاً من المال، فيخرجون طيورهم هذه و يعرضونها للبيع بثمن بخس، كمائة فلس مثلًا فيبيعونها لمن لا خبرة لهم و لا اطّلاع، فيأخذها هؤُلاء إلى بيوتهم باطمئنان كامل؛ فيشاهدون أنّها تتّجه مباشرة إلى عشّها المعهود الأوّل بمجرّد أن يضعها المشتري إلى جنب طيوره الاخرى، أو بمجرّد أن يدعها تحلّق في الجوّ.

  • أمّا ذوي الخبرة فلا يشترون مثل هذه الطيور، لعلمهم أنّها مهما كانت زهيدة الثمن فإنّهم سيكونون هم المغبونين و أنّ هذا المبلغ البسيط الذي دفعوه بإزائها سيضيع منهم.

  • يعمد الاستاذ أحياناً -لسببٍ- لوضع تلميذه تحت إشراف و تربية أُستاذ آخر

  • و على ضوء هذا المبدأ يعمد أساتذة العرفان إلى تربية تلميذ ما سنين طوالًا و إلى إطلاعه على الأسرار و الرموز، ثمّ يرسلونه -لغرض ما- مدّة معيّنة للتلمذة على استاذ معروف في ذلك الزمن؛ و يحصل هذا لعدّة أسباب:

  • الأوّل: امتلاك ذلك الاستاذ لُاسلوب خاصّ في التربية أو لكمالات خاصّة، فيضع هؤُلاء تلميذهم تحت إشرافه و تربيته مدّة معيّنة أو إلى الأبد ليتمرّس على ذلك الاسلوب و ليتكامل بتلك الكمالات. و في حال أعلميّة و أكمليّة الاستاذ الثاني، فمن الجليّ أنّ هذا التلميذ ينبغي أن يبقى هناك، أمّا في حال كونه غير أعلم فإنّ التلميذ يكتسب كمالات الاستاذ الثاني ثمّ يعود إلى الاستاذ الأوّل.

  • الثاني: أن يكون للُاستاذ الثاني كمالات خاصّة أو طريقة خاصّة في التربية لا يعلم عنها هذا الاستاذ شيئاً، لذا فإنّه يضع التلميذ مدّة تحت إشرافه و تربيته، حتّى إذا ما اكتسب التلميذ تلك الطريقة أو اطّلع على ذلك الكمال‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

471
  • فإنّه يعود إلى استاذه الأوّل فيشرح له الأمر، فيطّلع -من ثمّ- على تلك الطريقة في التربية و التعليم.

  • الثالث: أن يكون للُاستاذ الثاني تلامذة لديهم قصور و أخطاء في نحو سلوكهم، أو أن يكون للُاستاذ نفسه قصور و خطأ، فيرسل الاستاذ الأوّل تلميذاً بعنوان التلمذة إليه، ليقوم بإصلاح أخطاء اولئك الطلبة أو ذلك الاستاذ من حيث لا يشعرون، ثمّ يعود تلقائيّاً إلى استاذه من جديد.

  • و إذا ما لوحظ أحياناً أنّ بعض الأفراد لهم استاذان أو أكثر في زمن واحد، فهو أمر صائب إن كان من قبيل هذه الاحتمالات.

  • و في الحقيقة فإنّ للتلميذ استاذاً واحداً، و هو الاستاذ الذي خضع ذلك التلميذ لولايته الأصليّة و الأوليّة؛ و من هنا فإنّ ولاية الأساتذة الآخرين ستكون طوليّة لا عرضيّة، و فرعيّة و ثانويّة لا أصليّة. و على هذا الأساس فإنّ عمل التلميذ بتعاليم الاستاذ الثاني امتثال في الحقيقة لأمر الاستاذ الأوّل و تعاليمه، و من ثمّ فلا تنافي و لا تنافر و لا اختلاف في الأمر.

  • يمكن أن يكون للُاستاذ وصيّ ظاهريّ و آخر باطنيّ‌

  • و قد سئل السيّد مرّات عديدة: ما السبب في عدم اختياركم وصيّاً للمرحوم القاضي أعلى الله مقامه في الامور العرفانيّة و السلوكيّة و التوحيديّة و اختياره سماحة آية الله الحاجّ الشيخ عبّاس القوجانيّ هاتف ليكون وصيّه في ذلك؟

  • فكان يجيب: الوصاية قسمان: ظاهريّة و باطنيّة.

  • فالوصيّ الظاهر هو الذي يجعله الاستاذ وصيّه أمام الملأ العامّ، فيكتب بذلك و يمُضيه و يعلنه. و حسب ذوق المرحوم القاضي الذي كان عالماً جامعاً و مجتهداً و حائزاً للرياستين في العلوم الظاهريّة و الباطنيّة، فإنّ على الوصيّ حتماً أن يحوز العلوم الظاهريّة من الفقه و الاصول و التفسير و الحديث و الحكمة و العرفان النظريّ؛ منعاً لانكسار سدّ الشريعة و لئلّا

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

472
  • يكون هناك خطّان و منهجان.

  • و هذا هو المبدأ الذي كان المرحوم القاضي يعتمد عليه كثيراً؛ فكان يحسب للشريعة الغرّاء حسابها بدقّة كبيرة، و كان بنفسه رجلًا متشرّعاً بتمام المعنى، و معتقداً بأنّ الشريعة هي السبيل لإدراك الحقائق العرفانيّة و التوحيديّة. و كان جادّاً في هذا الأمر، بحيث لم يكن ليفوته أبسط سُنّة و عمل مستحبّ، حتّى قال بعض المعاندين: إنّ هذه الدرجة من الزهد و الإتيان بالأعمال المستحبّة التي يقوم بها القاضي لا تنبع من الإخلاص، بل إنّه يحاول إظهار نفسه بهذا الشكل و بهذه الشمائل و الأوصاف؛ فهو رجل صوفيّ محض لا يعير لمثل هذه الامور اهتماماً!

  • و على هذا الأساس فقد كان للمرحوم القاضي التفات إلى العلوم الظاهريّة، أمّا الأمر الآخر فهو أنّ العالِم الدارس لا يمكن لأحد خداعه.

  • و لو صار أساس تعيين الوصيّ من غير العلماء أمراً رائجاً و معهوداً، فما أحرى أن يدّعي المعرفة كثيرٌ من الشياطين فيجرّون الخلق إلى اتّباعهم و يسقطون البسطاء السذّج في حبائلهم بحيث يستحيل إقناعهم بعد ذلك بخطئهم بأيّ دليلٍ أو منطق.

  • و من ثمّ فقد اختار المرحوم القاضي من بين تلامذته الحاجّ الشيخ عبّاس، الذي كان رجلًا عالماً مجرّداً عن هوى النفس، و قد عانى الآلام و المشاقّ و المحن؛ فحفظ جلالَ و مقام و مكانة المرحوم الاستاذ القاضي على أكمل وجهٍ و أتمّه.

  • أمّا وصيّ الباطن فهو الذي أكمل باطنه بكمالات الاستاذ، فصار يمتلك معرفة شهوديّة و قدرة قياديّة، باطنيّة و سرّيّة، على الرغم من أنّ الاستاذ لم يقدّمه للآخرين و لم يُذع أمره، لأنّه يمتلك في الباطن السيطرة على النفوس -شاءت أم أبت- فهو يهدي التلامذة إلى أمر الله، و يراقب‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

473
  • طريقهم و سلوكهم و يتولّى رعايتهم.

  • وصيّ الظاهر يعمل في الظاهر بمقتضى وصايته، أمّا وصيّ الباطن فيعمل في الباطن؛ فإن عملا سويّاً كالتوأم، ظهرت منافع لا تعدّ و لا تحصى و تفتّحت ورود بديعة رائعة من براعم بستان التوحيد.

  • إنّ وصيّ الظاهر يقبل الأفراد الطالبين للسلوك، و وصيّ الباطن ينتقي منهم و ينتخب؛ لذا فلو انكشف نفاق الأفراد الذين خضعوا لتربية وصيّ الظاهر مدّة، فإنّ وصيّ الباطن لن يقبلهم منذ البداية، و من ثمّ فإنّهم سيفقدون رغبتهم و حماسهم بعد حين فيرجعون، أو أنّهم يلجؤون إلى العناد لا سمح الله.

  • أمّا التلامذة الحقيقيّون فسيقوم بأمر هدايتهم و إرشادهم عن طريق الباطن، فيتعرّفون -باعتبارهم أهل رغبة صادقة و نيّة حسنة- على وصيّ الباطن و ينهلون من تعاليمه.

  • و عليه، و بهذا البيان فإنّ استاذ الظاهر و استاذ الباطن موجودان معاً، يؤيِّد أحدهما الآخر و يدعمه. و هما يتحمّلان جزءاً كبيراً من مسؤوليّة تقدّم التلاميذ و إيصالهم إلى المقصد الأصليّ. و ينبغي حتماً في هذه الحال أن لا يقع خلاف بين استاذَي الظاهر و الباطن، لأنّ الاختلاف دليل على عدم صحة الطريق - انتهى كلامه مجملًا.

  • و من المناسب هنا أن ننقل مطلبينِ عن محيي الدين بن عربي يمكن أن تُستخرج منهما أسرار خفيّة:

  • الأوّل:

  • وَ الحَادِي عَشَرَ سُورَةُ طَه، وَ هَذَا القُطْبُ هُوَ نَائِبُ الحقّ تعالى كَمَا كَانَ عَلِيّ بْنُ أبي طَالِبٍ نَائِبَ مُحَمَّدٍ صلّى اللهُ عَلَيهِ [وَ آلِهِ‌] وَ سَلَّمَ في تِلَاوَةِ سُورَةِ بَرَاءَةَ على أهْلِ مَكَّةَ. وَ قَدْ كَانَ بَعَثَ بِهَا أبَا بَكْرٍ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

474
  • فَقَالَ: لَا يُبَلِّغُ عَنِّي القُرْآنَ إلَّا رَجُلٌ مِنْ أهْلِ بَيْتِي.

  • فَدَعَا بِعَلِيّ فَأمَرَهُ فَلَحِقَ أبَا بَكْرٍ. فَلَمَّا وَصَلَ إلى مَكَّةَ حَجَّ أبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ وَ بَلَّغَ عَلِيّ إلى النَّاسِ سُورَةَ بَرَاءَةَ وَ تَلَاهَا عَلَيهِمْ نِيَابَةً عَنْ رَسُولِ اللهِ صلّى اللهُ عَلَيهِ [وَ آلِهِ‌] وَ سَلَّم.۱

  • أقول: خبر حجّ أبي بكر بالناس وفق روايات العامّة، و لكن وفق الروايات الخاصّة أنّ أبا بكر عاد إلى المدينة و أنّ عليّاً عليه السلام قام بإبلاغ سورة براءة و حجّ بالناس أيضاً.

  • حكم محيي الدين على فقهاء العامّة الذين لا يجيزون الانتقال من مذهب لآخر

  • الثاني:

  • وَ مَنِ انتَمَى إلى قَوْلِ إمَامٍ لَا يُوَافِقُهَا في الحُكْمِ هَذَا القُطْبَ‌٢ وَ هُوَ

    1. «الفتوحات المكّيّة»، ج ٤، ص ۷۷ و ۷۸، الباب ٤٦٣، طبعة دار الكتب العربيّة الكبرى، مصر: في معرفة الأقطاب الاثني عشر الذين يدور عليهم عالم زمانهم. ثمّ يقول محيي الدين بعد بيان و تفصيل:
      فَأقْطَابُ هَذِهِ الامَّةِ اثْنَا عَشَرَ قُطْباً عَلَيهِمْ مَدَارُ هَذِهِ الامَّةِ كَمَا أنَّ مَدَارَ العَالَمِ الجِسْمِيّ وَ الجِسْمَانِيّ في الدُّنْيَا وَ الآخِرَةِ على اثَنَي عَشَرَ بُرْجاً، قَدْ وَكَّلَهُمُ اللهُ بِظُهورِ مَا يَكُونُ في الدَّارَيْنِ مِنَ الكَوْنِ وَ الفَسَادِ المُعْتَادِ وَ غَيْرِ المُعْتَادِ.
      ثمّ خصّص محيي الدين بعد ذلك سورة لكلّ واحد من الأقطاب الاثني عشر، و عيّن سورة طه للقطب الحادي عشر منهم.
    2. في هذه العبارة تعقيد لا ينحلّ، فإنّ علينا إمّا أن نحذف ضمير التأنيث في لَا يُوافِقُهَا؛ و ستتحقّق في هذه الحال علاقة لفظ إمام مع جملته الوصفيّة، و يصبح لفظ هَذَا القُطْبَ مفعولًا إلى لَا يُوَافِقُهَا كما قد أوردناه في الترجمة الفارسيّة.
      أو أن نُرجع ضمير التأنيث إلى الأئمّة الأربعة للجماعة الذين ورد ذكرهم في الجملة السابقة: (و ربَّما يَقَعُ فيه مَن خالفَ حكمُه مِن أهلِ المَذاهبِ مثلَ الشَّافِعيَّةِ و المالِكيَّةِ و الحنَفيَّةِ و الحَنابلَة)، و في هذه الحال يجب أن نعتبر لفظ هذا القطب فاعلًا إلى لا يوافقها، أي: قول الإمام الذي هو هذا القطب لا يوافق في الحكم أقوال أئمّة المذاهب الأربعة؛ و في هذه الحالة ستفقد رابطة الصفة و الموصوف في جملة إمام لا يوافقها لفقدان ضمير رابط بينهما.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

475
  • الخَلِيفَةُ في الظَّاهِرِ، فَإذَا حَكَمَ بِخِلَافِ مَا يَقْتَضِيهِ أدِلَّةُ هَؤُلَاءِ الأئِمَّةِ؛ قَالَ أتْبَاعُهُمْ بِتَخْطِئَتِهِ في حُكْمِهِ ذَلِكَ وَ أثِمُوا عِنْدَ اللهِ بِلَا شَكٍّ وَ هُمْ لَا يَشْعُرُونَ.

  • فَإنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ أنْ يُخَطِّئُوا مُجْتَهِداً لأنَّ المُصِيبَ عِنْدَهُمْ وَاحِدٌ لَا بِعَيْنِهِ، وَ مَنْ هَذِهِ حَالُهُ فَلَا يُقْدِمْ على تَخْطِئَةِ عَالِمٍ مِنْ عُلَمَاءِ المُسْلِمِينَ؛ كَمَا تَكَلَّمَ مَنْ تَكَلَّمَ في إمَارَةِ اسَامَةَ وَ أبِيهِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، حتّى قَالَ في ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صلّى اللهِ عَلَيهِ [وَ آلِهِ‌] وَ سَلَّمَ مَا قَالَ.

  • فَإذَا طُعِنَ في مَنْ قَدَّمَهُ رَسُولُ اللهِ صلّى اللهُ عَلَيهِ [وَ آلِهِ‌] وَ سَلَّمَ وَ أمْرِهِ، وَ رَجَّحُوا نَظَرَهُمْ على نَظَرِ رَسُولِ اللهِ صلّى اللهِ عَلَيهِ [وَ آلِهِ‌] وَ سَلَّمَ فَمَا ظَنُّكَ بِأحْوَالِهِمْ مَعَ القُطْبِ؟! وَ أيْنَ الشُّهْرَةُ مِنَ الشُّهْرَةِ؟! هَيْهَاتَ! فُزْنَا وَ خَسِرَ المُبْطِلُونَ.

  • فَوَ اللهِ لَا يَكُونُ دَاعِياً إلى اللهِ إلَّا مَنْ دَعَا على بَصِيرَةٍ، لَا مَنْ دَعَا على ظَنٍّ وَ حَكَمَ بِهِ.

  • لَا جَرَمَ أنَّ مَنْ هَذِهِ حَالُهُ حَجَرَ على امَّةِ مُحَمَّدٍ صلّى اللهُ عَلَيهِ [وَ آلِهِ‌] وَ سَلَّمَ مَا وَسَّعَ اللهُ بِهِ عَلَيهِمْ.

  • فَضَيَّقَ اللهُ عَلَيهِمْ أمْرَهُمْ في الآخِرَةِ وَ شَدَّدَ اللهُ عَلَيهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ المُطَالَبَةَ وَ المُحَاسَبَةَ؛ لِكَوْنِهِمْ شَدَّدُوا على عِبَادِ اللهِ أنْ لَا يَنْتَقِلُوا مِنْ مَذْهَبٍ إلى مَذْهَبٍ في نَازِلَةٍ طَلَباً لِرَفْعِ الحَرَجِ، وَ اعْتَقَدُوا أنَّ ذَلِكَ تَلَاعُبْ بِالدِّينِ؛ وَ مَا عَرَفُوا أنَّهُمْ بِهَذَا القَوْلِ قَدْ مَرَقُوا مِنَ الدِّينِ.

  • بَلْ شَرْعُ اللهِ أوْسَعُ، وَ حُكْمُهُ أجْمَعُ وَ أنْفَعُ ﴿وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ،

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

476
  • ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ ، بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ﴾۱ هَذَا حَالُ هَؤُلَاءِ يَوْمَ القِيَامِةِ؛ ﴿وَ لا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾‌.٢

    1. الآيات ٢٤ إلي ٢٦، من السورة ٣۷: الصافّات.
    2. «الفتوحات المكّيّة» ج ٤، ص ۷٩، الباب ٤٦٣: في معرفة أحوال الأقطاب.
      و الآية ٣٦، من السورة ۷۷: المرسلات، هي: ﴿وَ لا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾‌. (م)

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

478
  •  

  •  

  • القِسْمُ الثَّامِنُ: السَّفَرُ السَّادِسُ لِلْحَقِيرِ إلى العَتَبَاتِ الْمُقَدَّسَةِ، أوَاخِرَ سَنَةَ ۱٣٩۰ وَ أوَائِلَ سَنَة ۱٣٩۱ هِجْرِيَّة قَمَرِيَّة

  •  

  •  

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

480
  •  

  • السفر السادس للحقير إلى العتبات المقدّسة

  • أواخر سنة ۱٣٩۰ و أوائل سنة ۱٣٩۱ هجريّة قمريّة

  •  

  • السفر السادس للحقير إلى العتبات المشرّفة بعد أداء الحجّ مع وَلَديّ‌

  • لقد منّ الله سبحانه عَلَيّ بالتوفيق في أواخر سنة ۱٣٩۰ هجريّة قمريّة في موسم الحجّ للتشرّف بالسفر لأداء مناسك الحجّ و زيارة بيت الله الحرام و زيارة قبر رسول الله و فاطمة الزهراء و أئمّة البقيع صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين بصحبة اثنين من أولادي و هما الحاجّ السيّد محمّد صادق و كان عمره آنذاك سبع عشرة سنة، و الحاجّ السيّد محمّد محسن و كان يزيد على خمس عشرة سنة بقليل. حيث سافرنا من طهران إلى الكويت و من هناك إلى مكّة المكرّمة، ثمّ عدنا من جدّة إلى بغداد أوائل العشرة الثانية من ذي الحجّة و بقينا في العتبات المقدّسة لمدّة شهر تقريباً، ثمّ عدنا من النجف و كربلاء إلى الكاظميّة برفقة سماحة السيّد الحدّاد، ثمّ قمنا بزيارة الإمامين العسكريّينِ عليهما السلام و عدنا بعد ذلك إلى طهران أوائل العشرة الثالثة من محرّم الحرام.

  • و لقد كنّا طيلة هذا السفر عند العتبات المقدّسة في معيّة سماحة السيّد فقد كنّا -بعد قيامنا بالزيارة الأولى للكاظميّة- في معيّته الكريمة طوال أوقات مكثنا في كربلاء و النجف ثمّ في الكاظميّة و سامرّاء.

  • و كان لهذا التشرّف بزيارة العتبات المباركة بعد أداء الحجّ التأثير البالغ العجيب بالنسبة إلى أولادي إذ بعد القيام بالحجّ، و وُفّق هذان البرعمان اليافعان من طلبة العلوم الدينيّة لزيارة المراقد المطهّرة للأئمّة

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

481
  • عليهم السلام بعد مشاهدة تلك الأماكن المباركة المشرّفة و زيارتها، و بعد الانهماك بأداء مناسك الحجّ الجميلة المحبّبة التي لا تزال ذكرياتها تموج في ذهنيهما؛ مضافاً إلى أنّ مضيّفهما في كربلاء و سائر الأماكن الاخرى كان وليّاً من أولياء الله كسماحة السيّد هاشم، و كان ذلك بالنسبة لهما أمراً رائعاً و محبّباً جدّاً يأخذ بمجامع القلوب.

  • و أساساً فإنّني أعتقد بأنّ الأولاد ينبغي إرسالهم إلى الحجّ في أوائل سنّ بلوغهم بأيّ طريق ممكن، من أجل أن تكتسب أرواحهم الطاهرة و نفوسهم النقيّة غير الملوّثة تلك الحقائق و تجذبها إليها كالمغناطيس، فتبقى تلك المطالب إلى آخر العمر الشغل الشاغل الذي لا يفارق أذهانهم، حيث إنّها ستقوم شيئاً فشيئاً بإظهار تلك المكتسبات و إبرازها إلى النور و إخراجها إلى حيّز الفعليّة؛ و لو استلزم أمر إرسالهم المشاقّ، أو استدعى بيع بعض أثاث البيت و متاعه، فليس ذلك بالأمر المهمّ، سواءً عُوّض هذا الأثاث و المتاع فيما بعد أم لم يعوّض، إذ إنّ المهمّ هو زيارة هذه النفوس القابلة و المستعدّة و غير الملوّثة بالآثام و الكثرات، ممّا سيؤدّي إلى تثبيت الإيمان و الطهارة و التقوى لديهم إلى آخر أعمارهم.

  • و على الإنسان أن لا ينتظر الوجوب الشرعيّ كما هي الحال في الحجّ الذي يحصل هذه الأيّام في أواسط العمر بعد اللتيا و اللتي، أو كما كان يحصل في قديم الأيّام في أواخر عمر الإنسان. إذ ستنحصر استفادة النفس الإنسانيّة من الحجّ و الآثار الناجمة منه في مثل هذه الحالات ببقيّة عمر الفرد، التي غالباً ما تكون ضئيلة و قليلة. أمّا الحجّ في سنّ البلوغ فإنّ آثاره ستصاحب الإنسان من أوّل منزل و محطّة للتكليف و التشرّف بالخطاب الربوبيّ إلى آخر عمره، و ستبعث -من ثمّ- النشاط في الروح و تحافظ على النفس حيّة بالإيمان و الإيقان. و بالرغم من أنّ هذا التوفيق لم يحصل‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

482
  • للحقير نفسه إلّا في سنّ الثالثة و الثلاثين، بَيدَ أنّ المساعي قد بُذلت بالنسبة إلى هذين الولدين و إلى و لدَيّ الآخرينِ أيضاً، كي يكون حجّهم في أوّل فرصة ممكنة بعد البلوغ.

  • و إنصافاً، فقد قام المضيّفون الحقيقيّون: الله سبحانه نفسه، و الوجود المقدّس لرسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم و فاطمة الزهراء عليها السلام و أئمّة البقيع و أئمّة العتبات المقدّسة عليهم السلام بإضافتنا، كما استقبل السيّد الحدّاد هذين الولدين و عاملهما كما لو كانا ولديه، بل أكثر من ذلك. و كان هذا الشيخ العارف ذو السنين التي تربو على السبعين يقوم بنفسه بمهام الضيافة؛ يشتري الخبز و الخضروات و يهيِّئ المستلزمات المختلفة و يبسط المائدة على الأرض. و باعتبار ورودنا عليه بعد عيد الغدير، فقد أعطى لكلٍّ من و لدَيّ هديّة العيد خمسة دنانير. و قام بنفسه بإلباس ولدِي الأكبر الحاجّ السيّد محمّد صادق بيده المباركة لباس العلم و المعرفة و الأدب و كسوة رجال الدين و خلعة رسول الله، و عقد العمامة على رأسه، و لم يدّخر وسعاً في بيان شروط و مستلزمات الهداية و الإرشاد له، بل قام بذلك على أكمل وجه و أتمّه، و أوصاه كثيراً -من أجل أن يصبح عالماً عاملًا جامعاً- بتعاهد دروسه و التمعّن و التحقيق في قراءته، و الاستفسار عمّا يبهم عليه، فلا يتعدّى درساً إلى غيره حتّى يفهمه.

  • نصائح سماحة الحدّاد و قراءته الاشعار لولدَيّ‌

  • و كان يقول: إنّ قيمة العالِم العامل تزيد على الدنيا و الآخرة كليهما، و تفوق كلّ ما يتصوّر.

  • و يقول: لقد كان المرحوم السيّد (القاضيّ) عالماً لا مثيل له في الفقاهة، و لا مثيل له في فهم الرواية و الحديث، و لا مثيل له في التفسير و العلوم القرآنيّة، و في الأدب العربيّ و اللغة و الفصاحة، و حتّى في التجويد و القراءات القرآنيّة، و كان يحضر أحياناً مجالس الفاتحة فلا يجرُؤ إلّا

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

483
  • القليل من قرّاء القرآن على القراءة في حضوره، لأنّه كان يبيِّن الإشكالات في تجويدهم و اسلوب قراءتهم.

  • و كان المرحوم القاضي يتشرّف بالمجي‌ء إلى كربلاء و يتفضّل -مجلّلًا- بالنزول في المنزل المتواضع للحقير. و بالرغم من كونه غارقاً إلى حدّ كبير في بحر المعارف الزاخر، إلا أنّه -مع ذلك- كان يقرأ لي أحياناً من الأشعار الفصيحة و البليغة، من جملتها هذه الأشعار الواردة في استعمال الكلمات المشتركة لفظاً المتعدّدة معنى:

  • يَا خَلِيّ البَالِ قَدْ بَلْبَلْتَ بِالبِلْبَالِ بَالْ‌***بِالنَّوَى زَلْزَلْتَنِي وَ العَقْلُ في الزِّلْزَالِ زَالْ‌
  • يَا رَشِيقَ القَدِّ قَدْ قَوَّسْتَ قَدِّي فَاسْتَقِمْ‌***في الهَوَى فَافْرُغْ فَقَلْبِي شَاغِلُ الأشْغَالِ غَالْ‌
  • يَا أسِيلَ الخَدِّ خَدَّ الدَّمْعُ خَدِّي في النَّوَى‌***عَبْرَتِي وَدْقٌ وَ عَيْنِي مِنْكَ يَا ذَا الخَالِ خَالْ‌
  • كَمْ تُسَقِّي زُمْرَةَ العُشَّاقِ غَسَّاقَ الجَوَى‌***كَمْ تَسُوقُ الحَتْفَ مِنْ سَاقٍ عَنِ الخَلْخالِ خَالْ‌
  • إلى آخر الأبيات‌۱. و يتّضح من ذلك أنّ المرحوم القاضي كان يحفظ جميع هذه القصيدة الرائعة.

  • و من جملتها هذه الأشعار:

  • يَا مَنْ بِمُحَيَّاهُ جَلَى الكَوْنَ وَ زَانَه‌***العَالَمُ في الحَيْرَةِ لَا يُدْرِكُ شَانَهُ‌
    1. من القصيدة المعروفة بالطيطرانيّة، أنشدها رشيد الوطواط في مدح الصدر، و هي موجودة في مجلّد ضمن مجموعة طبعت بالطباعة الحجريّة مع المعلّقات السبع و أشعار اخرى.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

484
  • أخْفَاكَ ظُهُورٌ لَكَ عَنْهُمْ وَ أبَانَهْ‌***اى تير غمت را دل عشّاق نشانه‌۱
  • عالم به تو مشغول و تو غايب ز ميانه‌٢

  • إيَّاكَ تَطَلَّبْتُ وَ ذِكْرَاكَ هَوَيْتُ‌***مِنْ كُلِّ حَدِيثٍ بِأسَانِيدَ رَوَيْتُ
  • إنْ كَانَ إلى الكَعْبَةِ وَ البَيْتِ أتَيْتُ‌‌***مقصود من از كعبه و بت‌خانه توئى تو٣
  • مقصود توئى كعبه و بتخانه بهانه‌٤

  • إنْ في عَرَفَاتٍ وَ مِنَاهَا جَسَدِي دَار***أوْ مَشْعَرِهَا مَا لِسِوَاكَ خَلَدِي دَار
  • مَنْ مِثْليَ مَنْ حَجَّ إلى الكَعْبَةِ وَ الدَّارْ***حاجى به ره كعبه و من طالب ديدار٥
  • او خانه همى جويد و من صاحب خانه‌٦

  • قَدْ كَلَّ لِسَانِي صِفَةُ الدَّارِ بِتَجْرِيدْ***في فَضْلِ صِفَاتٍ وَ لَقَدْ طَالَ بِتَحْمِيدْ
  • مِنْ مُقْلَةِ قَلْبِي فَأرَى نُورَكَ تَوْحِيدْ***چون در همه جا عكس رخ يار توان ديد۷
  • ديوانه منم من كه روم خانه به خانه‌۸

    1. يقول: «يا من أصاب حبّك قلوب العشاق بسهم الحزن».
    2. يقول: «كلّ العالم مشغول بك و أنت غائب عنهم».
    3. يقول: «مقصودي من الكعبة و معبد الأصنام أنت، أنت».
    4. يقول: «المقصود أنت، و الكعبة و معبد الأصنام ليست إلّا عُذراً».
    5. يقول: «الحاجّ يقصد الكعبة، و أنا أقصد اللقاء».
    6. يقول: «فهو يبحث عن الدار، أمّا أنا فعن صاحبها أبحث».
    7. يقول: «لأنّ طلعة الحبيب يمكن رؤيتها في كلّ مكان».
    8. يقول: «فقد كنت مجنوناً حين أطوف لأجله من بيتٍ لآخر».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

485
  • لَا مَطْلَبَ إلَّا وَ بِأيْدِيكَ مُشَيَّدْ***لَا مُفْضِلَ إلَّا وَ بِنُعْمَاكَ مُقَيَّدْ
  • لَا مُفْضِلَ إيَّاكَ وَ لَا غَيْرَكَ ذُو اليَدْ***هر كس به زبانى صفت حمد تو گويد۱
  • بلبل به نوا خوانى و قمرى به ترانه‌٢

  • لَا مَطْلَبَ لِي غَيْرُكَ لَا وَ الذي يُوجِدْ***إنْ اتهِمُ أوْ اشْئِمُ أوْ اعْرِقُ انجِدْ
  • لِلْفَوْزِ إلى وَصْلِكَ يَا مَنْ هُوَ مُنْجِدْ***گه معتكف ديرم و گه ساكن مسجد٣
  • يعني كه تو را مى‌طلبم خانه به خانه‌٤

  • كما كان يقرأ من جملتها هذا الرباعي:

  • أقُول زَيْدٌ وَ زيدٌ لَسْتُ أعْرِفُهُ‌***وَ إنَّمَا هُوَ قَوْلٌ أنْتَ مَعْنَاهُ‌
  • وَ كَمْ ذَكَرْتُ حَدِيثاً لَا اكْتِرَاثَ بِهِ‌***حتّى يَجُرُّ إلى ذِكْرَاكَ ذِكْرَاهُ‌
  • و من جملتها هذا البيت:

  • كَبُرَتْ هِمَّةُ عَبْدٍ طَمَعَتْ في أنْ يَرَاكَا***أ وَ مَا حَسْبُ لِعَيْنِ أنْ تَرَى مَنْ قَدْ رَآكَا
  • و كان يقول: هذا البيت في المعنى و المفاد نظير بيت ابن الفارض الذي يقول:

    1. يقول: «الكلّ يذكر بلغته صفة حمدك و مدحك».
    2. يقول: «البلبل في لحنه و القمريّة في شَدْوها».
    3. يقول: «أعتكف في الدير أحياناً، و أحياناً أسكن في المسجد».
    4. يقول: «أي إنّني أبحث عنك بيتاً بيتاً».
      و ما تقدّم هو من جملة أشعار الهلاليّ في استقباله لقصيدة للشيخ بهاء الدين العامليّ المشهورة.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

486
  • أبْقِ لِي مُقْلَةً لَعَلِّيَ يَوْماً***قَبْلَ مَوْتِي أرَى بِهَا مَنْ رَآكَا۱
  • و من جملتها هذه الأبيات:

  • وَ مَا في الخَلْقِ أشْقَى مِنْ مُحِبٍ‌***وَ إنْ وَجَدَ الهَوَى حُلْوَ المَذَاقِ‌
  • تَرَاهُ بَاكِياً في كُلِّ حِينٍ‌***مَخَافَةَ فُرْقَةٍ أوْ لِاشْتِيَاقِ‌
  • وَ يَبْكِي إنْ نَأوْا شَوْقاً إلَيْهِ‌***وَ يَبْكِي إنْ دَنَوْا خَوْفَ الفِرَاقِ‌
  • هذه هي مجموعة الأشعار التي حكاها عن المرحوم القاضي رحمة الله عليه طيلة هذا السفر، و أمّا الأشعار و المطالب التي كان يوردها بنفسه في تعريف العشق فهي:

  • جَلِيسٌ مُمَنِّعٌ، وَ صَاحِبٌ مَالِكٌ، مَذَاهِبُهُ غَامِضَةٌ، وَ أحْكَامُهُ جَارِيَةٌ. يَمْلِكُ الأبْدَانَ وَ أرْوَاحَهَا، وَ القُلُوبَ وَ خَوَاطِرَهَا، وَ العُقُولَ وَ ألْبَابَهَا؛ قَدْ اعْطِيَ عِنَانَ طَاعَتِهَا، وَ قُوَّةَ تَصْريِفِهَا.

  • و يقول أيضاً: جَلَّ أنْ يَخْفَى، وَ دَقَّ أنْ يُرَى، فَهُوَ كَامِنٌ كَكُمُونِ النَّارِ في الحَجَرِ؛ إنْ قَدَحْتَهُ أوْرَى، وَ إنْ تَرَكْتَهُ تُوَارَى.

  • بعض الاشعار التي كان الحاجّ السيّد هاشم يردّدها

  • روزى كه شود إذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ‌***و آنگه كه شود إذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ‌
  • من دامن تو بگيرم اندر سُئِلَتْ‌***گويم صنما بِأيّ ذَنبٍ قُتِلَت؟٢
    1. و هذا البيت ضمن غزل لابن الفارض، مطلعه:
      تِهْ دَلَالًا فَأنْتَ أهْلٌ لِذَاكَا***وَ تَحَكَّمْ فَالحُسْنُ قَدْ أعْطَاكَا
      «ديوان ابن الفارض» ص ۱٥٦ إلي ۱٦۱، طبعة بيروت، دار صادر، سنة ۱٣۸٢ هجريّة.
    2. يقول: «في يوم يتحقّق فيه إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ و عند ما يحدث إِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ. سأتعلّق بأذيالك بدعوي سُئِلَتْ، فأقول: يا معبودي بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ؟».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

487
  • عشق تو مرا أ لَسْتُ مِنكُمْ بِبَعيدْ***هجر تو مرا إنَّ عَذَابي لَشَدِيدْ
  • بر كنج لبت نوشته يُحْيي وَ يُميتْ‌***مَنْ مَاتَ مِنَ العِشْقِ فَقَدْ مَاتَ شَهِيدْ۱
  •  

  • با هيچ كَس نشانى ز آن دلستان نديدم‌***يا من خبر ندارم يا او نشان ندارد٢
  •  

  • به عقل نازى حكيم تا كى؟***به فكرت اين ره نمي‌شود طِيّ‌
  • به كنه ذاتش خرد برد پى‌***اگر رسد خَس به قَعرِ دريا
  • چو نيست بينش به ديدة دل‌***رخ ار نمايد تو را چه حاصل؟
  • كه هست يكسان به چشم كوران‌***چه نقش پنهان چه آشكارا٣
  • الادعية المنقولة عن سماحة الحدّاد في الصلوات و سجدات الصلاة

  • و كان سماحة السيّد الحدّاد يقنت في خلال هذا السفر بهذا الدعاء:

  • يَا مَنْ أظْهَرَ الجَمِيلَ، وَ سَتَرَ القَبِيحَ، يَا مَنْ لَمْ يُؤَاخِذْ بِالجَرِيرَةِ، يَا مَنْ‌

    1. يقول: «قد دلّني علي عشقك أ لَسْتُ مِنكُم بِبَعِيدْ، و علي هجرك إنَّ عَذَابِي لَشَدِيدْ.
      مكتوبٌ علي زاوية شفتك يُحْيي وَ يُمِيت، من مات من العشق فقد مات شهيد».
    2. يقول: «لم أر عنواناً لذلك المعشوق عند أحد، فإمّا أنّني لا أعلم أو أنّه بلا عنوان».
    3. يقول: «إلي متى تتباهي بعقلك أيّها الحكيم؟ فهذا الدرب لا يمكن طيّه بفكرك.
      و سيصل العقل إلي إدراك كنه ذاته، إذا ما وصلت قشّةٌ من التبن قعرَ البحر.
      و حين تنعدم البصيرة في القلب، فما ذا ستكون الفائدة لو تجلّت الطلعة عياناً؟
      فسيّان في أعين العميان، إن كان الأمر خافياً أو جليّاً».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

488
  • لَمْ يَهْتِكِ السِّتْرَ، يَا عَظِيمَ العَفْوِ، يَا حَسَنَ التَّجَاوُزِ، يَا وَاسِعَ المَغْفِرَةِ، يَا بَاسِطَ اليَدَيْنِ بِالرَّحْمَةِ.

  • ارْحَمْنِي يَا صَاحِبَ كُلِّ نَجْوَى، يَا مُنْتَهَى كُلِّ شَكْوَى، يَا مُفَرِّجَ كُلِّ كُرْبَةٍ، يَا مُقِيلَ العَثَرَاتِ، يَا كَرِيمَ الصَّفْحِ، يَا عَظِيمَ العَفْوِ، يَا مُبْتَدِئاً بِالنِّعَمِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهَا.

  • يَا رَبَّاهُ! يَا سَيِّدَاهُ! يَا غَايَةَ رَغْبَتَاهُ! أسْألُكَ بِكَ وَ بِمُحَمَّدٍ وَ عَلِيّ وَ فَاطِمَةَ وَ الحَسَنِ وَ الحُسَيْنِ وَ الأئِمَّةِ المَعْصُومِينَ عَلَيهِمُ السَّلَامُ أنْ تُصَلِّيَ على مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ أسْألُكَ يَا اللهُ أنْ لَا تُشَوِّهَ خَلْقِي بِالنَّارِ، وَ أنْ تَفْعَلَ بِي مَا أنْتَ أهْلُهُ.۱

  • لكنّ سماحة الحاجّ السيّد هاشم كان يقول بدل عبارة وَ الأئِمَّةِ المَعْصُومِينَ: وَ عَلِيّ بْنِ الحُسَيْنِ، وَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيّ، وَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، وَ عَلِيّ بْنِ مُوسَى، وَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيّ، وَ عَلِيّ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَ الحَسَنِ بْنِ عَلِيّ، و المَهْدِيّ صَاحِبِ الزَّمَانِ؛ ثمّ يقرأ بقيّة الدعاء.

  • و كان يقرأ في السجدة الأخيرة من صلواته الدعاء التالي:

  • يَا اللهُ يَا اللهُ يَا اللهُ، أنْتَ اللهُ الذي لَا إلَهَ إلَّا أنْتَ لَا شَرِيكَ لَكَ.

  • تَجَبَّرْتَ أنْ يَكُونَ لَكَ وَلَدٌ، وَ تَعَالَيْتَ أنْ يَكُونَ لَكَ شَرِيكٌ، وَ تَعَظَّمْتَ أنْ يَكُوَنَ لَكَ مُشِيرٌ، وَ تَقَهَّرْتَ أنْ يَكُونَ لَكَ ضِدٌّ، وَ تَكَبَّرْتَ أنْ يَكُونَ لَكَ وَزِيرٌ.

  • يَا اللهُ يَا اللهُ يَا اللهُ، بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ إلَّا فَرَّجْتَ عَنِّي.

  • و كان يُشاهَد و هو يُسَبِّح التسبيحات التالية في المواقع المختلفة:

  • سُبْحَانَ الدَّائِمِ القَائِمِ، سُبْحَانَ القَائِمِ الدَّائِمُ، سُبْحَانَ الحَيّ القَيُّومِ،

    1. ورد هذا الدعاء بهذه الكيفيّة في ص ٣۱٩، من كتاب «ضياء الصالحين».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

489
  • سُبْحَانَ المَلِكِ القُدُّوسِ، سُبْحَانَ رَبِّ المَلَائِكَةِ وَ الرُّوحِ، سُبْحَانَ اللهِ وَ بِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ العَلِيّ الأعْلَى، سُبْحَانَهُ وَ تعالى.

  • و كان يهوي إلى السجود بين الأذان و الإقامة فيقرأ هذا الدعاء:

  • سَجَدْتُ لَكَ يَا رَبِّ خَاضِعاً خَاشِعاً ذَلِيلًا.

  • و كان يقرأ الدعاء التالي في الأوقات المختلفة:

  • اللهُمَّ يَا مُسَبِّبَ الأسْبَابِ، يَا سَبَبَ كُلِّ ذِي سَبَبٍ، يَا مُسَبِّبَ الأسْبَابِ مِنْ غَيرِ سَبَبٍ، سَبِّبْ لِي سَبَباً لَنْ أسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً. صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ، وَ أغْنِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَ بِطَاعَتِكَ عَنْ مَعْصِيَتِكَ، وَ بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ، يَا حَيّ يَا قَيُّومُ!

  • و قال السيّد: قيل في شأن أحد الرجال الإلهيّين (شمس التبريزيّ): إنّه قال طيلة مدّة عمره بيتاً واحداً من الشعر:

  • من گُنگ خواب ديده و عالم تمام كَر***من عاجزم ز گفتن و خلق از شنيدنش‌۱
  • كانت هذه مجموعة الأدعية و الأشعار التي كان السيّد يقرأها خلال هذا السفر، أ ما أدعيته المعهودة التي سمعتها منه و دوّنتها فهي عدّة:

  • فقد كان يقرأ في السجدة الأخيرة من صلاته:

  • إلَهِي عُبَيْدُكَ بِفِنَائِكَ، مِسْكِينُكَ بِفِنَائِكَ، فَقِيرُكَ بِفِنَائِكَ‌٢، سَائِلُكَ‌

    1. يقول: «أنا أخرس رأي حلماً و الناس كلّهم صمّ، فلا أنا قادر علي بيانه و لا هُم قادرون علي سماعه».
    2. يقول في «منتهى الآمال» ج ٢، ص ۸، طبعة العلميّة الإسلاميّة، القطع الرحليّ، في أحوال الإمام السجّاد عليه السلام، الفصل الثالث: في عبادته عليه السلام، و في كتاب «حديقة الشيعة»: قال طاووس اليمانيّ:
      دخلتُ حجر إسماعيل منتصف الليل فرأيت عليّ بن الحسين عليهما السلام ساجداً

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

490
  • بِفِنَائِكَ.

  • و كان الحقير أيضاً يقرأ هذا الدعاء في السجدات الأخيرة من الصلاة متابعة له منذ ذلك الوقت، و لكن كان يخطر ببالي أنّ عبارة: سَائِلُكَ بِفِنَائِكَ، لم تكن موجودة في تلك العبارة الأخيرة؛ فسجدت يوماً فسمعني لا أقولها، فآخذني عليها بعد الصلاة فقال: لِم لَم تقل سَائِلُكَ بِفِنَائِكَ؟ فقلت: سأقول ذلك. و من ثمّ داومتُ على قولها.

  • ثمّ اتَّضح ضمن المراجعة أنّ لفظ سَائِلُكَ بِفِنَائِكَ‌ موجود أيضاً في بعض الروايات.۱

    1. يقول في «كشف الغمّة» ص ٢۰۰، الطبعة الحجريّة، ضمن بيان أحوال الإمام السجّاد عليه السلام:
      وَ قَالَ طَاوُوسُ: رَأيْتُ عَلِيّ بْنَ الحُسَيْنِ عَلَيهِ السَّلَامُ سَاجِداً في الحِجْرِ، فَقُلْتُ: رَجُلٌ صَالِحٌ مِنْ أهْلِ بَيْتٍ طَيِّبٍ، لأسْمَعَنَّ مَا يَقُولُ، فَأصْغَيْتُ إلَيْهِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: عَبْدُكَ‌ [عُبَيْدُكَ - خ ل‌] بِفِنَائِكَ، مِسْكِينُكَ بِفِنَائِكَ، سَائِلُكَ بِفِنَائِكَ، فَقِيرُكَ بِفِنَائِكَ. فَوَ اللهِ مَا دَعَوْتُ بِهِنَّ في كَرْبٍ إلَّا كَشَفَ عَنِّي.
      و يقول آية الله السيّد محسن العامليّ في الصحيفة الخامسة السجّاديّة، ص ٣٣۰ و ٣٣۱، طبعة مطبعة الفيحاء، دمشق، بعد بيان المطالب السابقة من «كشف الغمّة» و «مطالب السئول» مرسلًا: و روى في «الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة» مرسلًا عن طاووس اليمانيّ أنّه قال: دخلت الحجر في الليل فإذا عليّ بن الحسين رضي الله عنه قد دخل فقام يصلّي ما شاء الله، ثمّ سجد سجدة فأطال فيها، فقلت: رجل صالح من بيت النبوّة لأصغينّ إليه، فسمعته يقول... و ذكر الدعاء بعينه. ثمّ قال طاووس: فو الله ما صلّيت و دعوت بهنّ في كرب إلّا فُرِّج به عنّي. و في «تذكرة الخواصّ» مرسلًا عن الزهريّ عن عائشة قالت:
      رأيت عليّ بن الحسين ساجداً في الحجر و هو يقول... و ذكر الدعاء إلا أنّه قال: عُبَيْدُكَ بالتصغير، و لم يذكر فَقِيرُكَ بِفِنَائِكَ. قالت عائشة: فما دعوت بها في كرب إلّا و فُرِّج عنّي.
      و في «الإرشاد» للمفيد: أخبرني أبو محمّد الحسن بن محمّد، عن جدّه، عن سَلَمة بن شبيب، عن عبيد الله بن محمّد التيميّ‌ [التميميّ - خ ل‌] قال: سمعت شيخاً من عبد القيس يقول: قال طاووس: دخلتُ الحجر في الليل فإذا عليّ بن الحسين عليهما السلام قد دخل فقام يصلّي فصلّى ما شاء الله ثمّ سجد. فقلتُ: رجل صالح من أهل بيت لأستمعنّ إلى دعائه، فسمعته يقول في سجوده: عُبَيْدُكَ بِفِنَائِكَ مِسْكِينُكَ بِفِنَائِكَ فَقِيرُكَ بِفِنَائِكَ سَائِلُكَ بِفِنَائِكَ. (إلى آخر ص ٣٣٢، التي أوردها المرحوم الأمين في هذا الموضوع).
      أمّا في النسخة الخطّيّة للحقير التي يرجع تأريخ كتابتها إلى سنة ۱۰٩۱ و المشتملة على حواشي المحقّق الفيض رضوان الله عليه، فقد ورد في ملحقاتها؛ من تأليف الملّا تقي الصوفيّ الزياباديّ القزوينيّ -و هو من تلامذة الشيخ البهائيّ- و قد قرأ الصحيفة عليه و استجازه في روايتها عنه، ضمن الدعاء الثاني من تلك الملحقات، و الذي مطلعه: الحَمْدُ لِلَّهِ الذي تَجَلَّى لِلْقُلُوبِ بِالعَظَمَةِ، وَ احْتَجَبَ عَنِ الأبْصَارِ بِالعِزَّةِ، ثمّ يذكر الدعاء حتّى يصل إلى الفقرات التالية: هُوَ الإلَهُ الحَيّ القَيُّومُ الدَّائِمُ القَدِيمُ القَادِرُ الحَكِيمُ، ثمّ أورد هنا: إلَهِي! عُبَيْدُكَ بِفِنَائِكَ، سَائِلُكَ بِفِنَائِكَ، فَقِيرُكَ بِفِنَائِكَ، ثلاثاً، ثمّ يذكر بقيّة الدعاء: إلَهِي! لَكَ يَرْهَبُ المُتَرَهِّبُونَ، وَ إلَيْكَ أخْلَصَ المُبْتَهِلُونَ، مع عدّة فقرات مشابهة.
      لكنّ الميرزا عبد الله الإصفهانيّ الأفندي لم يورد عبارة عُبَيْدُكَ بِفِنَائِكَ في صحيفته الثالثة، طبعة مطبعة الثقلين، حين أورد هذا الدعاء تحت عنوان الدعاء الثاني من الملحقات، ص ٢۸ إلى ٣۰، و لا أوردها السيّد محسن الأمين العامليّ في صحيفته الخامسة تحت عنوان الدعاء الأوّل من الملحقات و ممّا اسقط من الصحيفة، ص ٢۰ إلى ٢٢.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

491
  • و كان كثيراً ما يقرأ الدعاء التالي في قنوت صلاته:

  • أعْدَدْتُ لِكُلِّ هَوْلٍ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ، وَ لِكُلِّ هَمٍّ وَ غَمٍّ مَا شَاءَ اللهُ، وَ لِكُلِّ نِعْمَةٍ الحَمْدُ لِلَّهِ، وَ لِكُلِّ رَخَاءٍ وَ شِدَّةٍ الشُّكْرُ لِلَّهِ، وَ لِكُلِّ اعْجُوبَةٍ سُبْحَانَ الله، وَ لِكُلِّ ذَنْبٍ أسْتَغْفِرُ اللهَ، وَ لِكُلِّ مُصِيبَةٍ إنَّا لِلَّهِ وَ إنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَ لِكُلِّ ضِيقٍ حَسْبِيَ اللهُ، وَ لِكُلِّ قَضَاءٍ وَ قَدَرٍ تَوَكَّلْتُ على اللهِ، وَ لِكُلِّ عَدُوٍّ

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

492
  • اعْتَصَمْتُ بِاللهِ، وَ لِكُلِّ طَاعَةٍ وَ مَعْصِيَةٍ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاللهِ العَلِيّ العَظِيمِ.۱

  • و شوهد كثيراً و هو يقرأ في قنوت صلاة الليل هذا الدعاء من أوّله إلى آخره:

  • اللهُمَّ إنِّي أسْألُكَ مِنْ بَهَائِكَ بِأبْهَاهُ وَ كُلُّ بَهَائِكَ بَهِيّ، اللهُمَّ إنِّي أسْألُكَ بِبَهَائِكَ كُلِّهِ‌...٢

  • دعاء الاحتجاب كما نقله الحاجّ السيّد هاشم الحدّاد قدّس الله روحه‌

  • و كان يقرأ هذا الدعاء عند الرقود، كما كان يكثر قراءته في قنوت صلاته:

  • اللهُمَّ يَا مَنِ احْتَجَبَ بِشُعَاعِ نُورِهِ عَنْ نَوَاظِرِ خَلْقِهِ، يَا مَنْ تَسَربَلَ بِالجَلَالِ وَ العَظَمَةِ وَ اشْتَهَرَ بِالتَّجَبُّرِ في قُدْسِهِ، يَا مَنْ تعالى بِالجَلَالِ وَ الكِبْرِيَاءِ وَ العَظَمَةِ في تَفَرُّدِ مَجْدِهِ، يَا مَنِ انْقَادَتْ لَهُ الامُورُ بِأزِمَّتِهَا طَوْعاً لأمْرِهِ، يَا مَنْ قَامَتِ السَّمَاوَاتُ و الأرَضُونَ مُجِيبَاتٍ لِدَعْوَتِهِ، يَا مَنْ زَيَّنَ السَّمَاءَ بِالنُّجُومِ الطَّالِعَةِ وَ جَعَلَهَا هَادِيَةً لِخَلْقِهِ، يَا مَنْ أنَارَ القَمَرَ المُنِيرَ في سَوَادِ اللَيْلِ المُظْلِمِ بِلُطْفِهِ، يَا مَنْ أنَارَ الشَّمْسَ المُنِيرَةَ وَ جَعَلَهَا مَعَاشاً لِخَلْقِهِ وَ جَعَلَهَا مُفَرِّقَةً بَيْنَ اللَيْلِ و النَّهَارِ، يَا مَنِ اسْتَوْجَبَ الشُّكْرَ بِنَشْرِ سَحَائِبِ نِعَمِهِ!

    1. كان السيّد يقرأ هذا الدعاء علي هذا النحو، لكنّ المرحوم المحدِّث القمّيّ نقله في كتاب «الباقيات الصالحات» المطبوع في هامش «مفاتيح الجنان» ص ۱٩۷، الباب الأوّل، طبعة الإسلاميّة بخطّ طاهر خوشنويس، سنة ۱٣۷٩، عن كتاب دعاء «البلد الأمين» للكفعميّ، و لم يورد فيه لفظ وَ شِدَّةٍ فقط.
    2. هذا دعاء مفصّل أورد فيه بعض أسماء الله تعالي، و قد رواه في «مفاتيح الجنان» ص ۱۸٤، ضمن أدعية أسحار شهر رمضان المبارك، عن الإمام الرضا عليه السلام: أنّ الإمام محمّد الباقر عليه السلام كان يقرأه.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

493
  • أسْألُكَ بِمَعَاقِدِ العِزِّ مِنْ عَرْشِكَ وَ مُنْتَهَى الرَّحْمَةِ مِنْ كِتَابِكَ، وَ بِكُلِّ اسْمٍ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ وَ اسْتَأثَرْتَ بِهِ في عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ، وَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ أنْزَلْتَهُ في كِتَابِكَ أوْ أبْثَثْتَهُ في قُلُوبِ الصَّافِّينَ الْحَافِّينَ حَوْلَ عَرْشِكَ، فَتَرَاجَعَتِ القُلُوبُ إلى الصُّدُورِ عَنِ البَيَانِ بِإخْلَاصِ الوَحْدَانِيَّةِ، وَ تَحْقِيقِ الفَرْدَانِيَّةِ، مُقِرَّةً لَكَ بِالعُبُودِيَّةِ، وَ إنَّكَ أنْتَ اللهُ لَا إلَهَ إلَّا أنْتَ.

  • وَ أسْألُكَ بِاسْمِكَ الذي تَجَلَّيْتَ بِهِ لِلْكَلِيمِ على الجَبَلِ العَظِيمِ، فَلَمَّا بَدَا شُعَاعُ نُورِ الحُجُبِ مِنْ بَهَاءِ العَظَمَةِ خَرَّتِ الجِبَال مُتَدَكْدِكَةً لِعَظَمَتِكَ وَ جَلَالِكَ وَ هَيْبَتِكَ وَ خَوْفاً مِن سَطْوَتِكَ رَاهِبَةً مِنْكَ. فَلَا إلَهَ إلَّا أنْتَ، فَلَا إلَهَ إلَّا أنْتَ، فَلَا إلَهَ إلَّا أنْتَ.

  • وَ أسْألُكَ بِاسْمِكَ الذي فَتَقْتَ بِهِ رَتْقَ عَظِيمِ جُفُونِ عُيُونِ النَّاظِرِينَ، الذي بِهِ تَدْبِيرُ حِكْمَتِكَ، وَ شَوَاهِدُ حُجَجِ أنْبِيَائِكَ، يَعْرِفُونَكَ بِفِطَنِ القُلُوبِ، وَ أنْتَ في غَوَامِضِ مَسَرَّاتِ سَرِيرَاتِ الغُيُوبِ.

  • أسْألُكَ بِعِزَّةِ ذَلِكَ الاسْمِ أنْ تُصَلِّيَ على مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ، وَ أنْ تَصْرِفَ عَنِّي جَمِيعَ الآفَاتِ وَ العَاهَاتِ وَ الأعْرَاضِ وَ الأمْرَاضِ و الخَطَايَا وَ الذُّنُوبِ وَ الشَّكِّ وَ الشِّرْكِ وَ الكُفْرِ وَ الشِّقَاقِ وَ النِّفَاقِ وَ الغَضَبِ وَ الجَهْلِ وَ المَقْتِ وَ الضَّلَالَةِ وَ العُسْرِ وَ الضِّيقِ وَ الفَسَادِ وَ حُلُولِ النِّقْمَةِ وَ شَمَاتَةِ الأعْدَاءِ وَ غَلَبَةِ الرِّجَالِ؛ إنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ، لَطِيفٌ لِمَا تَشَاءُ، وَ صلّى اللهُ على مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ‌.۱

    1. هذا الدعاء موجود باختلاف يسير في اللفظ في «مهج الدعوات» للمرحوم السيّد ابن طاووس، ص ۱۰۸، الطبعة الحجريّة، رواه عن محمّد ابن الحنفيّة عن رسول الله صلّى الله عليه و آله، و نقل له آثاراً و خواصّاً عجيبة. و رواه كذلك في «بحار الأنوار» ج ۱٩، ص ۱۸٣، طبعة الكمبانيّ، عن محمّد ابن الحنفيّة، عن الرسول الأكرم صلوات الله و سلامه عليه. و أورده كذلك الشيخ بهاء الدين العامليّ في «الكشكول» ص ٣۰٣ و ٣۰٤، الطبعة الحجريّة.
      و دعاء علّمه إيّاه المرحوم آية الله الأنصاريّ قدّس الله تربته، أنّ الإنسان إذا شاء الاستيقاظ ساعة يشاء فقرأه قبل النوم لاستيقظ تلك الساعة:
      اللهُمَّ نَبِّهْنِي لأحَبِّ السَّاعَاتِ إلَيْكَ أدْعُوكَ فَتُجِيبَنِي، وَ أسْألُكَ فَتُعْطِيَنِي، وَ أسْتَغْفِرُكَ فَتَغْفِرَ لِي؛ اللهُمَّ أقِمْنِي عَنْ مَضْجَعِي لِذِكْرِكَ وَ شُكْرِكَ وَ صَلَاتِكَ وَ تَسْبِيحِكَ وَ تِلَاوَةِ كِتابِكَ وَ حُسْنِ عِبَادَتِكَ يَا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

494
  • و لقد سجّل الحقير في شريط صوتيّ هذا الدعاء بعين هذه الألفاظ على اللسان المبارك للمرحوم الحاجّ السيّد هاشم؛ و باعتبار أنّه قد سُمع أيضاً من التلامذة الآخرين للمرحوم القاضي، فيتّضح أنّ أصله كان من المرحوم القاضي.

  • و كان يقول: إنّ قراءة الدعاء التالي لما يقرب من أربعين ليلة مرّة واحدة إلى مائة مرّة، مؤثِّر في قضاء حوائج السالكين:

  • إلَهِي! كَيْفَ أدْعُوكَ وَ أنَا أنَا، وَ كَيْفَ أقْطَعُ رَجَائِي مِنْكَ وَ أنْتَ أنْتَ؟!

  • إلَهِي! إذَا لَمْ أسْألُكَ فَتُعْطِينِي، فَمَنْ ذَا الذي أسْألُهُ فَيُعْطِينِي؟!

  • إلَهِي! إذَا لَمْ أدْعُوكَ [أدْعُكَ - خ ل‌] فَتَسْتَجِيبَ لِي، فَمَنْ ذَا الذي أدْعُوهُ فَيَسْتَجِيبَ لِي؟!

  • إلَهِي! إذَا لَمْ أتَضَرَّعْ إلَيْكَ فَتَرْحَمَنِي، فَمَنْ ذَا الذي أتَضَرَّعُ إلَيْهِ فَيَرْحَمَنِي؟!

  • إلَهِي! فَكَمَا فَلَقْتَ البَحْرَ لِمُوسَى عَلَيهِ السَّلَامُ وَ نَجَّيْتَهُ، أسْألُكَ أنْ تُصَلِّيَ على مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ، وَ أن تُنَجِّيَنِي مِمَّا أنَا فِيهِ وَ تُفَرِّجَ عَنِّي فَرَجاً عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ، بِفَضْلِكَ وَ رَحْمَتِكَ يَا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ‌.۱

    1. يقول في «مفاتيح الجنان» ص ۱۱٣، الفصل السابع من الباب الأوّل، في ذكر بعض الآيات و الأدعية النافعة المختصرة: روى الشيخ الكفعميّ في كتاب «البلد الأمين» دعاء عن الإمام زين العابدين عليه السلام، و قال: روى عنه عليه السلام هذا الدعاء مقاتل بن سليمان و قال: من دعا به مائة مرّة فلم يجب له فليلعن مقاتلًا.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

495
  • آثار بعض الآيات القرآنيّة و الادعية

  • و كان يقول: إنّ تكرار الاستغفار التالي عند السحر مفيد لطريق السالك، و الإكثار من تكراره زيادة في فضله و فائدته:

  • أسْتَغْفِرُ اللهَ الذي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الحَيّ القَيُّومُ، الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَ الأرْضِ؛ مِنْ جَمِيعِ ظُلْمِي وَ جُرْمِي وَ إسْرَافِي على نَفْسِي وَ أتُوبُ إلَيْهِ.

  • فمن داوم على هذا الاستغفار وفق رغبته و قابليّته فإنّه سينال غايته، و لا ضيرَ في قوله حال الحركة و العمل.

  • و كان يقول: قال المرحوم السيّد (القاضيّ): إنّ قراءة ﴿كهيعص‌۱، حم عسق‌٢، وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَ قَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً٣ مفيد لدفع الأعداء.

  • و كان يقول: من الحسن أن يُنقش على عقيق: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌، وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَ قَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً، كهيعص‌، حم عسق‌﴾، ثمّ يُصاغ منه خاتم فيُتختّم به.

  • و كان يقول: لو نُقش على عقيق: ﴿إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌﴾، و نقش على وجهه الآخر: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌، وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَ قَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً، كهيعص‌، حم عسق‌﴾، ثمّ صيغ منه خاتم فتختم به لكان حسناً.

  • و يقول: قال المرحوم السيّد (القاضيّ): من عقد أصابعه واحداً بعد

    1. الآية ۱، من السورة ۱٩: مريم.
    2. الآيتان ۱ و ٢، من السورة ٤٢: الشوري.
    3. الآية ۱۱۱، من السورة ٢۰: طه.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

496
  • الآخر أمام عدوّه، بحيث يقرأ عند عقد كلّ إصبع حرفاً من حروف «كهيعص‌ حم عسق﴾ بحيث يتمّ القراءة عند ما يتمّ عقد أصابعه، ثمّ يفتحها أمام عدوّه فإنّ شرّ عدوّه سيُدفع عنه.

  • و كان السيّد يجري على لسانه كثيراً قول «يَا صَاحِبَ الزَّمَانِ» بشكل خاصّ، و ذلك في قيامه و قعوده، و بشكل عامّ عند تغيير حاله إلى حالة أخرى؛ سأله أحدهم يوماً: هل تشرّفتم برؤية وليّ العصر أرواحنا فداه؟

  • فقال: عَمِيَتْ عينٌ تُفتح صباحاً من نومها فلا يكون أوّل نظرها إليه!

  • أقول: ما أشبه هذه الجملة بكلام المرحوم آية الله الحاجّ الشيخ محمّد جواد الأنصاريّ الهمدانيّ قدّس الله تربته حين سُئل: متى يلاقي الإنسان صاحب العصر و الزمان؟

  • قال: حين لا يختلف تأثير حضوره و غيبته لدى الإنسان.۱

  • و كان السيّد يقول: هناك خواصّ و آثار و رموز عجيبة لا يعلمها إلّا الله في هذه الحروف المقطّعة في أوائل سور القرآن، فهي ليست إلّا رموزاً و أسراراً بين المحبّ و المحبوب، بين النفس المقدّسة لرسول الله و بين‌

    1. و من قبيل هذا المعنى ما رواه النعمانيّ في كتاب «الغيبة» ص ٣٢٩ و ٣٣۰، الباب ٢٥، في الحديث الأوّل و الثاني، طبعة مكتبة الصدوق: مَا جَاءَ في أنَّ مَنْ عَرَفَ إمَامَهُ لَمْ يَضُرُّهُ تَقَدُّمُ هَذَا الأمْرِ أوْ تَأخُّرُهُ، بسند صحيح أو كالصحيح عن زرارة قال: قَالَ أبُو عَبْدِ اللهِ عَلَيهِ السَّلَامُ: اعْرِفْ إمَامَكَ، فَإنَّكَ إذَا عَرَفْتَهُ لَمْ يَضُرُّكَ تَقَدَّمَ هَذَا الأمْرُ أوْ تَخَّرَ.
      و بسند آخر عن الفضيل بن يسار قال:
      سَألْتُ أبَا عَبْدِ اللهِ عَلَيهِ السَّلَامُ عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَ جَلَ‌ ﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ﴾ (صدر الآية ۷۱، من السورة ۱۷: الإسراء). فَقَالَ: يَا فُضَيْلُ! اعْرِفْ إمَامَكَ، فَإنَّكَ إذَا عَرَفْتَ إمَامَكَ لَمْ يَضُرُّكَ تَقَدَّمَ هَذَا الأمْرُ أوْ تَأخَّرَ؛ وَ مَنْ عَرَفَ إمَامَهُ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أنْ يَقُومَ صَاحِبُ هَذَا الأمْرِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ كَانَ قَاعِداً في عَسْكَرِهِ، لَا بَلْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَعَدَ تَحْتَ لِوَائِهِ. قَالَ: وَ رَوَاهُ بَعْضُ أصْحَابِنَا: بِمَنْزِلَةِ مَنْ اسْتُشْهِدَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلّى اللهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

497
  • الذات الأحديّة للّه جلّ شأنه و اسمه؛ و هناك رموز خاصّة بين كلّ حبيب و حبيبه و كلّ عاشق و معشوقه لا يدركها و لا يفهمها أحد آخر.

  • بَيْنَ المُحِبِّينَ سِرٌّ لَيْسَ يُفْشِيهِ‌***قَوْلٌ، وَ لَا قَلَمٌ لِلْخَلْقِ يَحْكِيهِ‌
  • أقول: لقد ذكر كثير من العلماء الحقيقيّين الصادقين مطالب مدهشة تثير العجب في باب أسرار الحروف، و قاموا و باستخراجات بديعة منها، و بالإخبار عن الغيب و الاطّلاع على الضمائر. و كان المرحوم القاضي المقدّم و البارز في هذا الفنّ في زمانه، كما كان ابنه الأكبر المرحوم السيّد مهدي القاضي رحمة الله عليه (الذي حطّ رحاله أخيراً في بلدة قم الطيّبة و انتقل هناك إلى الرحمة الأبديّة) في هذا العلم استاذاً لا نظير له، كما كان استاذاً عزّ مثيله في خطّ النسخ أيضاً، حيث إنّ الكتابات على الحجر في أطراف محلّ إيداع الأحذية في حرم أمير المؤمنين عليه السلام و في مدرسة آية الله البروجرديّ و غيرهما كانت بخطّه. و قد ذهب الحقير مرّات عديدة للقائه بعد إبعاده من العراق و توطّنه في قم، حيث ربطت بيننا علاقات المودّة و الصفاء. و كانت لديه حكايات شيّقة عن اكتشافات الحروف و أسرار الأعداد، حتّى أنّه قال:

  • إنّ لديّ ابتكارات في هذا الفنّ، و أبي المرحوم القاضي أعلم منّي، فقد كنت أعجز عن بعض الاستخراجات العسيرة ثمّ اوفّق إلى حلّها بالتوسّل بأمير المؤمنين عليه السلام و بالأوراد و الأدعية، فأتشرّف بالمثول في محضر أبي راغباً في إعلامه بهذه الاكتشافات و طريقة حلّها، فيتّضح أنّ أبي قد بحث هذه المشكلة قبلي و توصّل إلى حلّها.

  • و لقد كان هذا المرحوم مستعدّاً لتعليم الحقير ما لديه من هذه العلوم، لكنّني لم أرَ فيها نفعاً، فامتنعتُ عن قبولها و عن صرف الوقت في مثل هذه الامور. و على الرغم من احتمال كونها علوماً حقيقيّة و واقعيّة، لكنّ انتفاء

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

498
  • الضرورة لتعلّمها و المَحمَدة فيها، تجعل صرف الوقت من قِبل الإنسان في تعلّمها مجانبةً للصواب. و سيمنع قضاء الوقت في هذه الامور من تفريغ الفكر و النفس للُامور الأهمّ، فنحن نحتاج قدراً كثيراً من المعارف الإلهيّة -سواء في القرآن و التفسير و نهج توحيد الحقّ المتعال- مهما جهدنا في اكتسابه فإنّنا لن نصل فيه إلى ما ينبغي، فضلًا عن قضاء الوقت في اكتساب أمر معيّن، مع أنّ هناك الكثير من الامور التي تفوقه أهمّيّة لم تنلها أيدينا بعد.

  • و لقد اجبر الحقير بعد وفاة المرحوم الوالد و قبل تشرّفي بالذهاب إلى النجف الأشرف على المكث في طهران مدّة يسيرة عند أحد الأقارب من جهة السبب (المرحوم آقا ميرزا أبو تراب عرفان) من أجل إصلاح اموري و تنظيمها. و كان رجلًا عالماً محقّقاً في الجفر و الرمل و له تأليفات، و كان يقول: كتبت في الجفر كتاباً بقدر شرح اللمعة، و قرأت علم الرمل لما يقرب من شهر و كتبت فيه كرّاسات.

  • و قد توثّقت العلاقة الحميمة بين ذلك المرحوم و بين الحقير، و بصفة أنّه كان في آخر العمر و لم يمتلك أولاداً ذكوراً، فقد كان يلحّ عَلَيّ ليقوم بتعليمي علومه، لكنّي أحسست أنّ ذلك سيؤدّي -مضافاً إلى إضاعة الوقت- إلى ايجاد كدورة روحيّة لي، لذا فقد تركت ذلك الدرس، و أسرعت بإصلاح ما تبقّى من الامور و تشرّفت بالذهاب للثم أعتاب باب العلم في النجف الأشرف.

  • و كان لُاستاذنا العلّامة الطباطبائيّ اطّلاع على هذه العلوم، لكنّي لم اشاهد أنّه كان يستخدمها في مورد ما.

  • و كان لسماحة الحاجّ السيّد هاشم مهارة بالغة في ترتيب الجداول، خاصّة كيفيّة ترتيب جدول مائة في مائة، أو سائر الجداول التي ابتداؤها

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

499
  • خمسة في خمسة، فضلًا عن جداول أربعة في أربعة؛ و قد قام بتعليم الحقير كيفيّة مل‌ء المربّعات و أضاف: أنّ هذه المربّعات مؤثِّرة، و لكن ينبغي في كلّ حال أن يعتبر الأثر من الله سبحانه غير منقطع عنه، و غاية المطلوب هو إيكال الأمر في كلّ حال بِيَدِ الحقّ تعالى، بحيث يصبح مدير أمر الإنسان و مدبّره و غاية مطلوبه.

  • اكتشافات محيي الدين بعض الامور الغيبيّة بواسطة علم الحروف‌

  • و من الجدير بالذكر أنّ محيي الدين بن عربي و المحقّق الفيض الكاشانيّ و الشيخ بهاء الدين العامليّ كانوا البارزين في زمانهم في هذا الفنّ.

  • يقول المحدِّث النيسابوريّ في ترجمة محيي الدين: و كانت له يد طولى في علم الحروف، و من جملة استخراجاته أنّه: إذَا دَخَلَ السِّينُ في الشِّينِ، ظَهَرَ قَبْرُ مُحْيِي الدِّينِ. و قد ظلّ قبر محيي الدين مخفيّاً مجهولًا حتّى دخل السلطان سليم العثمانيّ الشامَ ففتّش عن قبره و عمّره بعد اندراسه فانكشف سرّ كلمة السين أنّها تعني السلطان سليم، و كلمة الشين أنّها تعني الشام.

  • و من جملة اكتشافاته و استخراجاته في شأن ظهور القائم عليه السلام:

  • إذَا دَارَ الزَّمَانُ على حُرُوفٍ‌***بِبِسْمِ اللهِ فَالمَهْديّ قَامَا
  • وَ إذْ دَارَ الحُرُوفُ عَقِيبَ صَوْمٍ‌***فَاقْرَءوا الفَاطِمِيّ مِنِّي سَلَامَا۱
  • و بطبيعة الحال ينبغي العلم أنّ معنى هذا الشعر لا يمكن فهمه إلّا للراسخين في العلم و إلّا كان حلّه ممكناً للجميع بشروط خاصّة و لم يعدّ رمزاً، كما هي الحال لمعنى السين و الشين الذي لم يكن لأحد -عدا

    1. «روضات الجنّات» ج ٤، ص ۱٩٥، الطبعة الحجريّة؛ و «شرح مناقب محيي الدين» للملّا صالح الخلخاليّ، ص ٢٦ و ٢۷، الطبعة الحجريّة.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

500
  • الراسخين في العلم- من الاطّلاع عليه.

  • يقول في تفسير «الصافي» في باب الحروف المقطّعة لفواتح السور:

  • التَّخَاطُبُ بِالحُرُوفِ المُفْرَدَةِ سُنَّةُ الأحْبَابِ في سُنَنِ المُحَابِّ. فَهُوَ سِرُّ الحَبِيبِ مَعَ الحَبِيبِ بِحَيْثُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيهِ الرَّقِيبُ.

  • بَيْنَ المُحِبِّينَ سِرٌّ لَيْسَ يُفْشِيهِ‌***قَوْلٌ، وَ لَا قَلَمٌ لِلْخَلْقِ يَحْكِيهِ‌۱
  • و عموماً، فإنّ كلمات أولياء الله و العرفاء بالله تتضمّن رموزاً و إشارات و كنايات يختصّ فهمها بهم و بأمثالهم، فإشارات و رموز العارف الإسلاميّ و الجليل الخواجة حافظ الشيرازيّ يمكن أن يطّلع عليها من هو في مقام حافظ و درجته.

  • و لكن و يا للأسف الشديد فإنّنا لا نعرف قدر هؤلاء الأجلّاء و نجهل قيمتهم، و نحمل معاني أشعارهم على الامور المبتذلة، و إذا ما شئنا كتابة ترجمة لهم فإنّنا نعجز عن إيفائها حقّها و عن بيان تلك المعاني و الأسرار و تجليتها؛ حتّى جاء الكفّار و الأجانب و وضعوا لهم عرفاناً و تخيّلوا أنّ العرفان منفصل عن الإسلام، و عدّوا المقام العظيم الشامخ للعرفان و العرفاء الذي يمثّل مخّ و اس الإسلام و أساسه، أمراً مغايراً للتعاليم الدينيّة، و صاغوا لنا عرفاناً إيرانيّاً و هنديّاً و روميّاً، و جعلوه بأجمعه خطّاً يقابل الخطّ الإسلاميّ و سبيلًا غير سبيل الدين، و هكذا فقد عدّوا اصول عرفان المولويّ و حافظ الشيرازيّ و المغربيّ و أمثالهم عرفاناً إيرانيّاً لا ينسجم و روح الإسلام.

  • لقد كانت هذه الامور بأجمعها وليدة الجمود و التحجّر و النظر بعين واحدة إلى مسائل الدين، و فصل مسألة التوحيد عن عالم الأمر و الخلق،

    1. «شرح مناقب محيي الدين» ص ٢۸، الطبعة الحجريّة؛ و «النجم الثاقب» ص ۱٤۷، الباب ۷، الطبعة الحجريّة الرحليّة.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

501
  • و النظر إلى أئمّة العرفان و حاملي ألويته بوصفهم موجودات ابتدعت فلم يعهد لها تكليف و لم يسند إليها أيّة مهمّة، حتّى اصبنا بهذه المصيبة العظمى إلى الحدّ الذي صار لزاماً علينا -كي لا نتخلّف فنخسر في هذه اللعبة و نخزى- أن نُبرهن بألف دليل و دليل أنّ عرفان حافظ و مولانا مستنبط من روح القرآن و روح النبوّة و الولاية.

  • عرفان حافظ الشيرازيّ و الملّا محمّد المولويّ هو مخّ الإسلام‌

  • تمعّنوا في أشعار حافظ الغزليّة واحداً واحداً و شاهدوا كيف عبّأ تلك اللطائف و الحقائق المعنويّة في أردية العبارات، و بأيّة دقائق و إيماءات كان يريد تجلية حقيقة مراده و قصده ذاك، رضوان الله عليه رضواناً شاملًا.

  • فهذا الغزل -مثلًا- أنشده في وصف الإمام صاحب الزمان عليه السلام و تحدّث عن غيبته و انتظاره، و قدّم نفسه كأحد المشتاقين للقائه و المشغوفين به؛ و لكن بأيّة عبارات مليحة، و إشارات بديعة، و كنايات و استعارات تجعل هذه العبارة تجري على لسان الإنسان بلا شعور: حقاً، أنّه لسان الغيب:

  • سَلَامُ اللهِ مَا كَرَّ اللَيَالِي‌***وَ جَاوَبَتِ المَثَانِي وَ المَثَالِي‌
  • على وَادِي الأرَاكِ وَ مَنْ عَلَيهَا***وَ دَارٍ بِاللِّوَى‌۱ فَوْقَ الرِّمَالِ‌
  • دعا گوى غريبان جهانم‌***وَ أدْعُو بِالتَّوَاتُرِ وَ التَّوَالِي‌
  • به هر منزل كه رو آرد خدا را***نگه دارش به لطف لا يزالى‌
    1. اللِوي علي وزن إلي بالكسر و القصر: منقطع الرمل، و هو ما التوى من الرمل. و ألْوَي القومُ: صاروا إلي لِوي الرمل.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

502
  • منال اى دل كه در زنجير زلفش‌***همه جمعيت است آشفته حالى‌
  • ز خطّت صد جمال ديگر افزود***كه عمرت باد صد سال جلالى‌
  • تو مى‌بايد كه باشى ورنه سهل است‌***زيان مايه جانيّ و مالى‌
  • بدان نقّاش قدرت‌آفرين باد***كه گِرد مَه كشد خطّ هلالى‌
  • فَحُبُّكَ رَاحَتِي في كُلِّ حِينٍ‌***وَ ذِكْرُكَ مُونِسِي في كُلِّ حَالِ‌
  • سويداى دل من تا قيامت‌***مباد از شور سوداى تو خالى‌
  • كجا يابم وصال چون تو شاهى‌***من بد نام رند لا ابالى‌
  • خدا داند كه حافظ را غرض چيست‌***وَ عِلْمُ اللهِ حَسْبِى مِنْ سُؤَالِي‌
  • و يقول في الهامش: و هذا البيت أيضاً ضمن ذلك الغزل، و يبدو أنّه للخواجة أيضاً:

  • أمُوتُ صَبَابَةً يَا لَيْتَ شِعْرِى‌***متى نَطَقَ البَشِيرُ عَنِ الوِصَالِ‌۱
  • تفسير الغزل الرائع لحافظ الشيرازيّ في شأن صاحب العصر أرواحنا فداه‌

  • يقول في البيت الأوّل و الثانى: سلام الله الدائم المتواصل ما دامت‌

    1. «ديوان حافظ الشيرازيّ» ص ٢۱٢، الغزل ٤٦٣، طبعة پژمان، انتشارات بروخيم، سنة ۱٣۱۸.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

503
  • الليالى تأتى و تتوالى، و ما دام الطلوع و الغروب يواليها، و ما دامت الأرض و الشمس و القمر و النجوم باقية، و ما تجاوبت و تردّدت أنغام الأوتار و أطاقت عزف هذا النشيد. فالمثانى هي تردّد أصوات أوتار الكنّارة مرّتين، و المثالى (المثالث في الأصل) هي أصوات تردّدها مرّات ثلاث.

  • على وادى الأراك، أى منزل الحجّة عليه السلام، لأنّ أرض الأراك هي أرض الحجاز التي تتفرّد بوجود شجر الأراك فيها؛ و على مَن على وادي الأراك يسكن في دار بُنيت على أعالي الرمال.

  • ثمّ يقول في البيت الثالث: أنا الداعي لغُرباء العالم، أدعو بالتواتر و التوالي دعاء غير منقطع. و من الجليّ أنّ غريب العالم الذي لا يظهر من شدّة الغربة و الوحدة ليس إلّا الحجّة عليه السلام.

  • و يقول في البيت الرابع: فهو لا يمتلك مكاناً ثابتاً بالرغم من أنّ أصله من مكّة و من وادي الأراك، فهو في حال تنقّلٍ دائم في العالم. فأسألك أيّها الربّ العطوف أن تحفظه بلطفك الذي لم يزل و لا يزال في كلّ منزل حطّ رحاله فيه و اختاره لسكناه.

  • و يقول في البيت الخامس: لا تئنّ أيّها القلب لفراقه! فمع أنّه في غيبة تخفى فيها طلعته المشرقة عن الأنظار، و لكن بواسطة ذؤابتيه السوداوين (كناية عن الهجران و الغَيبة) يمكن للمحزونين أن يكتسبوا مقام الجمع و ينالوا مقصودهم.

  • ثمّ يقول في البيت السادس: الآن و قد زاد الرشد و ظهور الجمال فيك أضعافاً، مدّ اللهُ في عمرك و صانك من نوائب الحدثان.

  • و يقول في السابع: أنت ولى الولاية الذي يقوم بك قوام الكون و المكان، أنت الذي ينبغي أن تبقى و تعافى و تسلم لأنّك رأس الامور و الحاكم علينا جميعاً؛ و ما أتفه و أسهل الخسائر في الأموال و الأرواح التي‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

504
  • تصيبني و العالَم من أجل هذا الأمر الجليل الخطير.

  • ثمّ يقول في البيت الثامن: تباركت يد قدرة الخلّاق التي حفظتك و رعتك طوال القرون، تلك القدرة التي رسمت حول القمر في قمّة السماء خطّاً هلاليّاً، لكي لا يرى الناس تمام القمر و مع أنّه موجود بلا ريب، فهو في غَيبة و خفاء، و ما يظهر من هذه الكرة السماويّة بقدر هلال يخال الناظر إليه أنّه هلالٌ في السماء و ليس كرة.

  • فإمام العصر و الزمان موجود هو الآخر، كالبدر التامّ الكامل، لكنّ أحداً لا يراه و لا يدركه، و ما هو مشهود من آثاره في العالم و ما ينتفع الناس منه إنّما هو بقدر سُمك الهلال، لكنّه ينبغي أن يظهر فيزيل أستار الخفاء و يسطع على العالم فينيره بأجمعه كالبدر في ليلة تمامه.

  • فلاحظوا جيّداً: إن لم نفسِّر هذا البيت على هذا النحو، فما ذا سيكون معناه إذاً؟ ما الذي يتضمّنه تعريف القمر بالغَيبة و الخطّ الهلاليّ الذي يُرسم حوله في أوّل ليالي طلوعه من مدح و ثناء؟!

  • و حتّى إذا افترضنا أنّ المراد بالقمر طلعة الحبيب، و اعتبرنا الخطّ الهلاليّ كريمته التي نمت حول طلعته -مع أنّ هذه الاستعارة تتضمّن مفاداً يخالف مفاد استعارة قرص القمر السماويّ و اختفائه في الليالي الأولى إلّا بقدر هلال ظاهر- فإنّ هذه الاستعارة أيضاً لا تنافي وجود صاحب العصر عليه السلام، ذلك الإنسان في الخارج الذي نمت كريمته حول طلعته الشبيهة بالقمر مع أوصاف الغربة و الولاية و الملك و الصدارة و سائر الأوصاف الواردة في هذا الغزل الذي لا يمكن أن يكون قد قُصد به غير الإمام عليه السلام.

  • و يقول في البيت التاسع: أنا دائماً معك، في حبّك طمأنينة قلبي في كلّ حال، و ذكرك مؤنسي دوماً.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

505
  • و بالرغم من وجود نظير هذا المضمون في سائر أشعار حافظ الغزليّة، و عودته هناك إلى الذات القدسيّة للحقّ تعالى، لكن الخطاب في هذا الغزل -بقرينة سائر الأبيات- لا يمكن أن يكون لغير الحجّة سلام الله عليه، و من ثمّ فإنّ ضمير المخاطب في ذِكْرُكَ و حُبُّكَ عائد إليه عليه السلام.

  • و البيت العاشر بهذا المعنى أيضاً، حيث يقول في دعائه: ينبغي ألّا يخلو سويداء قلبي المملوء بدماء حياتي الفوّارة المتدفّقة باستمرار من العلاقة بك و الكون معك دائماً و السعي لنيل حبّك و رضاك.

  • ثمّ يخاطب في البيت الحادي عشر، المَلِك نفسه، عادّاً نفسه مستهتراً و شحّاذاً لا اباليّاً؛ معتبراً أنّ وصال أحد بهذه الدرجة من الدناءة و الوضاعة مع ذلك الملك في عظمته و تقواه و عصمته و طهارته أمر بعيد المنال. و يتّضح في هذا البيت أيضاً أنّ مراده من «چون تو شاهى»: (مَلكاً مثلك) ليس غير صاحب الولاية الكلّيّة الإلهيّة.

  • ثمّ يزيح الستار في البيت الثاني عشر عن كلامه و خطابه الرمزيّ السابق فيقول: إنّ كلّ ما قلتُه كان إشارة و كناية و استعارة و رمزاً لما اريد قوله و ليس صريحاً في ذلك، فلم أكن اريد أو لأقدر أن أصف ذلك الوجود المقدّس كما هو أهله، لذا فقد صببتُ عشقي اللاهب للقائه و النظر إليه في قالب الغزل، لكنّ الله العليم الخبير يعلم ما كان مرادي في قلبي، و هو حسبي من سؤالي و كلامي الذي اريد إجراءه على لساني.

  • و يقول في البيت الملحق: سأموت صبابة و وجداً و عشقاً، و سألفظ أنفاسي في انتظار فرجه، و ستبيضّ عيناي كيعقوب في فراق يوسف. فأنا أتطلّع دوماً متى سيرد البشير فينطق ببشارة الوصول و يبشّرني بلقاء يوسف المفقود في الصحراء، الملقى في بئر الغربة، الوحيد الغريب المتحيّر، فيرتدّ بفرج لقائه بصري، و ابعث حيّاً من جديد كميّت يُنشر من قبره.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

506
  • كيفيّة تهجّد سماحة الحاجّ السيّد هاشم مدّة عمره‌

  • لقد كان للمرحوم الحاجّ السيّد هاشم شغف كبير بقراءة القرآن بصوت حزين، و كان لحن قراءته جذّاباً يستهوي الأفئدة، و كأنّ ذاته تمّحي وقت القراءة، كما كان من يسمعه يجد تغييراً يطرأ على حاله و جذبة تعتريه. و أشرطة التسجيل التي بقيت منه في قراءته القرآن و بعض الأشعار العرفانيّة بتلك اللهجة و الصوت الجذّاب تحكي جميعاً هذا المعنى.

  • و كان السيّد يقرأ السور الطوال في صلاة نافلة الليل فيُعنى بقراءتها بصوت و لحن جميل و حزين، و كثيراً ما كانت صلاة الليل تمتدّ عنده بهذه الكيفيّة عدّة ساعات. و كان يديم استعمال العطر، و يشعل غالباً عوداً من البخور في غرفته، فإذا ما ورد أحد تلك الغرفة بعد يوم أو يومين من ذهاب السيّد أدركَ من رائحة عطره الخاصّ و رائحة العود أنّ السيّد هاشم كان هناك.

  • و لم يكن السيّد لينام من الليل إلّا قليلًا، دام ذلك منه إلى آخر عمره، و كان يستريح أوّل الليل قدراً، ثمّ يستيقظ فيتوضّأ و يصلّي أربع ركعات بتلك الكيفيّة، ثمّ يجلس مدّة تجاه القبلة في حالة الخلسة و الانتباه و الاستغراق و التفكير التامّ. ثمّ إنّه كان يستريح قليلًا ليستيقظ بعد ذلك فيصلّي أربع ركعات بنفس الكيفيّة، يستغرق ذلك منه مدّة طويلة، ثمّ إنّه كان يجلس متوجّهاً إلى القبلة في حال خلسة و انتباه تامَّين إلى قرب أذان الفجر.

  • و قال ليلة و هو في تلك الحال: إنّ رفقاءنا و الحمد للّه هم جميعاً من أهل التهجّد و التعبّد، لكنّنا نشتغل مع الرفقاء؛ نحن نشتغل معهم و نبدي لهم وجهات نظرنا.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

507
  • چنان با نيك و بد سَركن كه بعد از مردنت عُرْفي‌***مسلمانت به زمزم شويد و هندو بسوزاند۱
  • و كان السيّد يقرأ أحياناً من أشعار المغربيّ و أشعار المثنويّ و أشعار ابن الفارض، و لكن بأيّ وضعٍ و حال! كان حين تشتدّ به اللوعة يقرأ بلحن و صوت جميل حزين بعض أشعار المغربيّ و التائيّة الكبرى لابن الفارض و بعض أشعاره من غير التائيّة، حيث إنّ قراءته مسجّلة على أشرطة التسجيل، أما أشعار «المثنويّ» فلم يُسجّل شي‌ءٌ منها، و قد كان يقرأها حين يأخذه الوجد، حيث يقع مغشيّاً عليه أحياناً في ممرّ البيت و هو يقرأ هذه الأشعار، و لم يكن هناك أحد ليقوم بتسجيلها.

  • كما كان يقرأ أحياناً من أشعار بابا طاهر، لكن انشغاله الدائم كان بأشعار ابن الفارض.

  • و كان له حبّ زائد لأشعار «المثنويّ» في شأن أمير المؤمنين عليه السلام و قتاله لعمرو بن عبد ودّ حتّى مقتله على يد الملعون ابن ملجم المراديّ و قد شاهده الحقير مراراً في أسفاره المتعدّدة و هو يقرأها بصوت‌

    1. روي في «الخصال» للشيخ الصدوق، ص ۷٢ و ۷٣، طبعة مكتبة الصدوق، سنة ۱٣۸٩، باب الاثنين، عن أمير المؤمنين عليه السلام مرفوعاً أنّه قال لبنيه:يَا بَنِيّ إيَّاكُمْ وَ مُعَادَاةَ الرِّجالِ! فَإنَّهُمْ لَا يَخْلُونَ مِنْ ضَرْبَيْنِ: مِنْ عَاقِلٍ يَمْكُرُ بِكُمْ أوْ جَاهِلٍ يَعْجَلُ عَلَيكُمْ! وَ الكَلَامُ ذَكَرٌ وَ الجَوَابُ انْثَى فَإذَا اجْتَمَعَ الزَّوْجَانِ فَلَا بُدَّ مِنَ النِّتَاجِ. ثُمَّ أنْشَأ يَقُولُ:
      سَلِيمُ العِرْضِ مَنْ حَذَرَ الجَوَابَا***وَ مَنْ دَارَي الرِّجَالَ فَقَدْ أصَابَا
      وَ مَنْ هَابَ الرِّجَالَ تَهَيَّبُوهُ‌***وَ مَنْ حَقَرَ الرِّجَالَ فَلَنْ يُهَابَا
      و يقول في البيت الفارسي في المتن: «عاشر يا عرفي (عرفي هو اسم الشاعر) الحَسن و الردي‌ء معاشرةً إن متّ بعدها، غسّلك المسلمُ بماء زمزم و أحرقك الهندوسيّ بالنار».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

508
  • جذّاب، و كان مشهوداً لدرجة كبيرة على نفسه انطباق تلك الحالة التي يصف بها الإمام عليه السلام، لذا فقد كان يبتهج لكأنّ هذه الأشعار تحكي حاله عيناً.

  • أبيات «المثنويّ» في فتوّة و إخلاص أمير المؤمنين عليه السلام‌

  • و قد جاءت هذه الأبيات الرائعة النضرة في «المثنويّ» بهذه الكيفيّة:

  • خدو انداختن خصم بر روى أمير المؤمنين عليه السلام‌

  • و انداختن آن حضرت شمشير را از دست‌۱

  • از على آموز إخلاص عمل‌***شير حق را دان منزّه از دَغَل‌
  • در غزا بر پهلوانى دست يافت‌***زود شمشيرى برآورد و شتافت‌
  • او خدو انداخت بر روى عليّ‌***افتخار هر نبيّ و هر وليّ‌
  • او خدو انداخت بر روئى كه ماه‌***سجده آرد پيش او در سجده‌گاه‌٢
    1. بصاق خصم أمير المؤمنين عليه السلام في وجهه
      و إلقاؤه عليه السلام سيفه من يده
    2. يقول: «تعلّم الإخلاص في العمل من عليّ، أسد الله المبرّأ عن كلّ رجس و دغل.
      حين تغلّب في ساحة الحرب علي بطل صنديد، فسلّ سيفه و قصد قتله.
      فبصق الخصم في وجه عليّ، ذلك الوجه الذي كان فخراً لكلّ نبيّ و وليّ.
      بصق علي وجهٍ خرّ له القمر ساجداً، في موضع السجود».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

509
  • در زمان انداخت شمشير آن على‌***كرد او اندر غزايش كاهلى‌
  • گشت حيران آن مبارز زين عمل‌***و از نمودن عفو و رحم بى محلّ‌
  • گفت بر من تيغ تيز افراشتى‌***از چه افكندى مرا بگذاشتى؟!
  • آن چه ديدى بهتر از پيكار من‌***تا شدى تو سست در اشكار من‌
  • آن چه ديدى كه چنان خشمت نشست‌***تا چنين برقى نمود و باز جست‌
  • آن چه ديدى كه مرا زان عكسِ ديد***در دل و جان شعله‌اى آمد پديد
  • آن چه ديدى بهتر از كون و مكان‌***كه به از جان بود و بخشيديم جان‌
  • در شجاعت شير ربّانيستى‌***در مُروّت خود كه داند كيستى؟!۱
    1. يقول: «فأغمد عليّ سيفه علي الفور، و أعرض عن قتله.
      فحار ذلك المحارب من عمل الإمام هذا و من عفوه بلا مبرّر.
      و قال: قد سللتَ عَلَيّ سيفاً صارماً، فما الذي حداك لإلقائه و الإعراض عنّي؟
      و ما الذي رأيتَ أفضل من قتالي، ففلَّ ذلك من عزمك علي قتلي؟
      ما الذي رأيتَ فانطفأ كالبرق عزمك، الذي كان للحظة قبلُ متوهّجاً متّقداً؟
      ما الذي رأيتَ فأوري انعكاسُه في ناظريك شعلةً في روحي و قلبي؟
      ما الذي رأيتَ أفضل من الكون و المكان، و أفضل من الحياة فوهبتني حياتي؟ أنت أسد الله في الشجاعة، و لكن مَن يعلم مَن تكون في المروءة و الرجولة؟».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

510
  • و يستمرّ مولانا في الشعر مفصّلًا حتّى يصل إلى قوله:

  • سؤال كردن آن كافر از آن حضرت كه چون بر من ظفر يافتي‌

  • چرا از قتل من إعراض فرمودى و مرا نكشتى؟!۱

  • پس بگفت آن نو مسلمان وَليّ‌***از سر مستيّ و لذّت با عليّ‌
  • كه بفرما يا أمير المؤمنين‌***تا بجنبد جان به تن همچون جنين‌
  • هفت اختر هر جنين را مدّتى‌***مى‌كند اى جان به نوبت خدمتي‌٢
  • حتّى يصل إلى قوله:

  • باز گو اى باز پر افروخته‌***با شه و با ساعدش آموخته‌
  • باز گو اى باز عنقا گير شاه‌***اى سپاه اشكن به خود نى با سپاه‌٣
    1. سؤال ذلك الكافر عليّاً عليه السلام: لما ذا أعرضت عن قتلي و لم تقتلني؟!
    2. يقول: «قال ذلك المسلم الجديد لعليّ عليه السلام في حال من الطرب و النشوة و السكر.
      تكلّم يا أمير المؤمنين، لتهتزّ لكلامك روحي كجنين يخفق في بطن امه.
      فكلّ جنين تخدمه أفلاك سبعة، تتناوب علي خدمته مدّة معيّنة».
    3. يقول: «قل أيها الصقر الإلهيّ المنقض، الصقر الذى أنس بالمِلك و ساعده.
      قل أيها الصقر الإلهيّ الصائد للعنقاء، يا من تحطّم الجيوش لا تستعين عليها بأحده».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

511
  • امّت وَحْدى يكيّ و صد هزار***باز گو اى بنده بازت را شكار
  • در محل قهر اين رحمت ز چيست؟***اژدها را دست دادن كار كيست؟۱
  • جواب گفتن على عليه السلام كه سبب شمشير افكندن‌

  • چه بوده است در آن حال‌٢

  • گفت: من تيغ از پى حق مى‌زنم‌***بندة حقّم نه مأمور تنم‌
  • شير حقّم نيستم شير هوى‌***فعل من بر دين من باشد گوا
  • من چو تيغم وان زننده آفتاب‌***ما رمَيْتُ إذْ رمَيْتُ در حِرَابْ‌٣
    1. يقول: «يا امّة في رجل، يا من تعادل آلافاً مائة. قل يا مَن صرتُ صيداً لصقرك.
      ما معني الرحمة و العطف في موقع السطوة و الغضب؟ و مَن -ترى- أطلق قبلك سراحَ التنين؟».
    2. جواب أمير المؤمنين علي عليه السلام عن علّة
      رميه السيف في تلك الحال
    3. يقول «قال: حين أضرب بالسيف قُدماً فللحق أفعل ذلك، لأنّي عبدُ الحقّ لا عبد نفسي و هواي.
      أنا أسد الله لا أسد الهوي، يشهد فِعلي علي ديني و مذهبي.
      أنا كالسيف، و الحقّ هو الضارب به، و مَا رَمَيْتُ إذْ رَمَيْتُ في الحرب».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

512
  • رخت خود را من زره برداشتم‌***غير حقّ را من عدم انگاشتم‌
  • من چو تيغم پر گهرهاى وصال‌***زنده گردانم نه كشته در قتال‌
  • سايه‌ام من، كدخدايم آفتاب‌***حاجبم من، نيستم او را حجاب‌
  • خون نپوشد گوهر تيغ مرا***باد از جا كى برد ميغ مرا
  • كَه نِيم كُوهم ز صبر و حلم و داد***كوه را كى در ربايد تند باد
  • آن كه از بادى رود از جا خسى است‌***زانكه بادِ ناموافق خود بسى است‌
  • بادِ خشم و بادِ شهوت باد آز***برد او را كه نبود اهل نياز
  • بادِ كِبر و باد عُجْب و باد خِلم‌***برد او را كه نبود از اهل علم‌۱
    1. يقول: «اتّخذت من ثيابي درعاً، لأنّ سوي الحقّ ليس عندي إلّا خيال و عدم.
      أنا كالسيف المرصّع بجواهر الوصال، أضرب في الحرب لُاحيي النفوس لا لُاميتها.
      لستُ إلّا ظلًّا، و مولاي شمس، لست حجاباً عنه إنّما أنا حاجبٌ له.
      لا يغطّي الدمُ جوهرَ سيفي، و لا تزعزع العواصفُ سحابَ هيبتي.
      لست ورقةَ تبن بل جبلٌ من الصبر و الحلم و العدل، فأنّي للعاصفة أن تقتلع الجبل.
      و ما تذروه الرياح ليس إلّا تبناً و هشيماً، و ما أكثر العواصف المعاكسة في الدرب!
      إنّ من تعصف به رياح الغضب و الشهوة و الطمع ليس من أهل الفاقة و العبوديّة.
      و من تكتسحه رياح الكبر و العجب و الغضب، ليس من أهل العلم و المعرفة».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

513
  • كوهم و هستيّ من بنياد اوست‌***ور شوم چون كاه بادم باد اوست‌
  • جز به باد او نجنبد ميل من‌***نيست جز عشق أحد سر خيل من‌
  • خشم بر شاهان شه و ما را غلام‌***خشم را من بسته‌ام زير لگام‌
  • تيغ حلمم گردن خشمم زده است‌***خشم حقّ بر من چو رحمت آمده است‌۱
  • غرق نورم گرچه سقفم شد خراب‌***روضه گشتم گر چه هستم بو تراب‌
  • تا أحَبَّ لِلَّهْ آيد نام من‌***تا كه أبْغَضْ لِلَّه آيد كام من‌
  • تا كه أعْطا للّه آيد جود من‌***تا كه أمْسكْ للّه آيد بود من‌٢
    1. و في نسخة اخرى: «خشم حق بر من همه رحمت شده است».
    2. يقول: «أنا جبل و هو أصل وجودي، و حين أصبح خفيفاً كالتبن فبهبوب رياحه هو.
      لأنّ رغبتي لا تتحرّك إلّا بهبوب رياحه، و لأنّ رغبتي لا مُنتهي لها إلّا عشق ذلك الأحد.
      للغضب أن يسود الملوكَ و يتسلّط عليهم، لكنّه لدينا عبدنا المطيع الذي ألجمناه و طوّعناه.
      لقد قطع سيفُ حلمي رقبةَ غضبي و سطوتي فظهر لي غضبُ الحقّ علي هيئة الرحمة.
      غارقٌ في فيض النور أنا و لو تداعي سقفُ بيتي، و مستحيلٌ جنّة نضرة و لو كُنّيت أبا تراب.
      و حين لحظتُ في الحرب نقصاً يريد الإخلال بخلوص نيّتي، فقد آثرتُ إغمادَ سيفي.
      من أجل أن يكون حبّي ما أحبَّ الله، و بُغضي ما أبغضَ الله.
      مُنتهي ما يقال لجودي «أعطي للّه»، و غاية ما يقال لإمساكي «أمسكَ للّه».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

514
  • بخل من لِلّه، عطا لِلّه و بس‌***جمله لِلّه أمْ نِيَم من آنِ كس‌
  • و آنچه لِلَّهْ مى‌كنم تقليد نيست‌***نيست تخييل و گمان، جز ديد نيست‌۱
  • ثمّ يصل مولانا بعد الشرح و التفصيل إلى قوله:

  • گفتن پيغمبر صلّى الله عليه و آله و سلّم‌

  • به گوش ركابدار أمير المؤمنين عليه السلام‌

  • كه هر آينه كشتن أمير به دست تو خواهد بود٢

  • گفت پيغمبر به گوش چاكرم‌***كو بُرَد روزى ز گردن اين سرم‌
  • كرد آگه آن رسول از وحى دوست‌***كه هلاكم عاقبت بر دست اوست‌
  • او همى گويد بكش پيشين مرا***تا نيايد از من اين منكَر خطا٣
    1. يقول «بُخلي للّه و عطائي للّه فقط، أنا للّه بكلّي، و لست لغيره.
      و كلّ ما أفعله للّه أفعله شهوداً و عياناً، لا تقليداً و لا ظنّاً و لا تخيّلًا».
    2. همس النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم
      في اذن ماسك عنان جواد أمير المؤمنين عليه السلام
      أنّ قتل أمير المؤمنين سيكون علي يدك
    3. يقول: «همس النبيّ في اذن غلامي: أنّه سيهوي علي رأسي بضربته يوماً ما.
      لقد أخبره الرسول بما جاءه من وحي الحبيب، أنّ هلاكي سيكون في النهاية علي يده.
      فتوسل إليّ أن اقتلني قبل أن يصدر منّي هذا الخطأ الفاحش».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

515
  • من همى گويم چو مرگ من ز توست‌***با قضا من چون توانم حيله جست؟
  • او همى افتد به پيشم كاى كريم‌***مر مرا كن از براى حق دو نيم‌
  • تا نيايد بر من اين انجام بد***تا نسوزد جان من بر جان خود
  • من همى گويم برو جَفَّ الْقَلَمْ‌***زين قلم بس سرنگون گردد علم‌
  • هيچ بغضى نيست در جانم ز تو***زانكه اين را من نمي‌دانم ز تو
  • آلت حقّى تو، فاعل دست حقّ‌***چون زنم بر آلت حقّ طَعْن و دقّ‌۱
  • ثمّ يصل مولانا بعد شرح مفصّل إلى قوله:

  • غير تو هرچه خوش است و ناخوش است‌***آدمى سوز است و عين آتش است‌٢
    1. يقول: «فقلت له: حين يكون موتي علي يدك، فأيّة حيلة في يدي أمام القدر المقدور؟
      فتداعي أمامي متوسّلًا: أيّها الكريم! تعال فقدّني بسيفك في سبيل الله!
      كي لا أبتلي بهذه العاقبة السيّئة، و كي لا تُعذّب روحي بنار هوي نفسي و بما جنته يدي.
      فكنت أقول له: اذهب فقد جفّ القلم و لا مفرّ، و قد نُكِّست أعلام بقلم التقدير هذا.
      و ليس في نفسي حقد عليك، لأنّي لا أعدّ هذا الفعل فعلك.
      فلستَ إلّا آلة للحقّ، و الفاعل يد الحقّ، فكيف يمكن الاعتراض علي آلة الحقّ؟».
    2. يقول: «كلّ شي‌ء سواك، الحسن و القبيح، هو عين النار و مُحرق للإنسان. (الخطاب للّه عزّ و جلّ)».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

516
  • هر كه را آتش پناه و پشت شد***هم مجوسى گشت و هم زردشت شد
  • كُلُّ شَي‌ءٍ ما خَلَا اللهْ بَاطِلُ‌۱***إنَّ فَضْلَ اللهِ غَيْمٌ هَاطِلُ‌
  • باز رو سوى عليّ و خونيش‌***و ان كرم با خونى و افزونيش‌٢
  • بقية قصة أمير المؤمنين على عليه السلام‌

  • و مسامحت و إغماض او با خونى و ركابدار خويش‌٣

  • گفت: دشمن را همى بينم به چشم‌***روز و شب بر وى ندارم هيچ خشم‌
  • زانكه مرگم همچو جان خوش آمده است‌***مرگ من در بعث چنگ اندر زده است‌٤
    1. اقتباس من شعر لبيد الذي قال عنه النبيّ المرسل: أصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا العَرَبُ كَلِمَةُلُبَيْدٍ:
      ألَا كُلُّ شَي‌ءٍ مَا خَلَا اللهِ بَاطِلُ***وَ كُلُّ نَعِيمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلُ
    2. يقول: «فمن كانت النار حماه و ملجأه، فقد أصبح مجوسيّاً و زردشتيّاً معاً.كلّ شي‌ء ما خلا الله باطل، إنّ فضل الله غيم هاطل.نعود إلي حكاية عليّ عليه السلام و قاتله، و كرمه الذي عامله به».
    3. بقيّة قصّة أمير المؤمنين عليّ عليه السلامو عفوه و إغضائه عن قاتله و ممسك عنان جواده
    4. يقول: «قال عليّ عليه السلام: لقد رأيتُ قاتلي بامّ عيني ليلًا نهاراً، فلست أحمل له بين جوانحي غيظاً.ذلك لأنّي أستأنس بالموت فهو في ناظري كالحياة و الروح، و في موتي بعثي و حياتي».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

517
  • مرگ بى مرگى بود ما را حلال‌***برگ بى برگى بود ما را نوال‌
  • برگ بى برگى تو را چون برگ شد***جان باقى يافتيّ و مرگ شد
  • ظاهرش مرگ و به باطن زندگى‌***ظاهرش أبتر نهان پايندگى‌
  • از رحم زادن جنين را رفتن است‌***در جهان او را ز نو بشكفتن است‌
  • آنكه مردن پيش جانش تهلكه است‌***حكم لَا تُلْقُوا نگيرد او به دست‌
  • چون مرا سوى أجل عشق و هواست‌***نَهْى لَا تُلْقُوا بِأيْدِيكُمْ‌۱ مراست‌٢
    1. علي من يعدّ الموت هلاكاً له أن لا يعتبر نفسه مخاطباً بخطاب: ﴿لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾، لأنّ هذا النهي موجّه لُاولئك الذين يسعون إلي الموت و يلقون بأنفسهم فيه عشقاً و شوقاً كالفراشة التي تهوي في النار. و هذا معني قوله في البيت اللاحق: «زانكه نهي از دانة شيرين بود»: (و لهذا فقد كان النهي عن الطعام الحلو اللذيذ، لأنّ المرّ تكفي مرارته في النهي عنه) (المعلّق علي «المثنويّ»: فرج الله الحسينيّ).
    2. يقول: «احلّ لنا الموت حينَ لا موت (إذ فنت أنفسنا، فلا نفس لنا لتموت)، و اكرمنا بالزاد حينَ لا زاد.
      و حين يصبح انعدام الزاد لك زاداً، فإنّك ستجد خلود الروح في الموت.
      ظاهره الموت و باطنه الحياة، ظاهره أبتر و باطنه البقاء و الخلود.
      إنّ خروج الجنين من الرحم ظاهره كالموت، لكنّه ليس إلّا تفتّح حياة جديدة في العالم.
      علي من كان في الموت هلاك روحه ألّا يعدّ نفسه مخاطباً بخطاب: لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ .... 
      لأنّ هذا النهي موجّه إليّ، أنا الذي أعشق الموت و آنس به، فقيل لي: لَا تُلْقُوا ...».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

518
  • زانكه نهى از دانة شيرين بود‌***تلخ را خود نهى حاجت كى شود
  • دانه‌اى كَشْ تلخ باشد مغز و پوست‌‌***تلخى و مكروهيش خود نهى اوست‌
  • دانة مردن مرا شيرين شده است‌‌***بَلْ هُمْ أحْيَاءٌ پى من آمده است‌۱
  • اقْتُلُونِي يَا ثِقَاتِي لَائِماً‌***إنَّ في قَتْلِى حَيَاتِي دَائِماً
  • إنَّ في مَوْتِي حَيَاتِي يَا فَتَى‌‌***كَمْ افَارِقْ مَوْطِنِي حتّى متى؟
  • فُرْقَتِي‌٢ لَوْ لَمْ تَكُنْ في ذِي السُّكُونْ‌‌***لَمْ يَقُلْ إنَّآ إلَيْهِ رَاجِعُونَ‌
  • راجع آن باشد كه باز آيد به شهر‌***سوى وحدت آيد از تفريق دهر٣
    1. يقول: «فالنهي يكون دوماً عن الشي‌ء اللذيذ الحلو، أمّا الأشياء المرّة فلا حاجة للنهي عنها.
      و الشي‌ء الذي قشره و لبّه مُرّ، فإنّ مرارته و كراهته في نفسها نهيٌ عن تناوله.
      و لقد صارت بذرة الموت لديّ لذيذة هانئة، و نزلت آية، بَلْ هُمْ أحْيَآءٌ في حقّي».
    2. أي أنّنا لو لم نكن قد جئنا من عالم آخر فتوطّنّا في هذا العالم، لما قال الله تعالي قولوا: ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ﴾ (ذيل الآية ۱٥٦، من السورة ٢: البقرة، لأنّ الرجوع يكون عادة إلي المكان الأوّل الذي جاء المرء منه. (المعلّق علي المثنويّ: فرج الله الحسينيّ).
    3. يقول: «نعم، العائد هو الذي يرجع إلي وطنه، و يعود من تفريق الدهر و اختلافه إلي الوحدة و التوحّد».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

519
  • اين سخن پايان ندارد چاكرم‌***چون شنيد اين سِر ز سيّد گشت خَم‌۱
  • افتادن ركابدار بر پاى أمير المؤمنين عليه السلام‌

  • كه اى امير مرا بكش و از اين بليّه برهان!٢

  • باز آمد٣ كاى عليّ زودم بكش‌***تا نبينم آن دم وقت ترش‌
  • من حلالت مى‌كنم خونم بريز***تا نبيند چشم من آن رستخيز
  • گفتم ار هر ذره‌اى خوني شود***خنجر اندر كف به قصد تو بود٤
    1. يقول: «و لا خاتمة لهذا الكلام يا غلامي. و لقد انحني ظهر الغلام حين سمع بهذا الكلام».
    2. ممسك عنان جواد أمير المؤمنين عليه السلام يتهاوي علي قدميه متوسّلًا:اقتلني يا أمير المؤمنين و نجّني من هذه البليّة!
    3. و جاء في نسخة اخرى:
      آمد و در خاك پيشم اوفتاد***دم به دم در پاي من سر مى‌نهاد
      يقول: «لقد جاء و تهاوي علي الأرض إلي جانبي، يمرّغ رأسه علي قدمي لحظة بعد اخرى».
    4. يقول: «قال ممسك عنان الجواد: يا عليّ! عجِّل بقتلي كي لا أرى ذلك اليوم التعس المهول.ها أنا احلّك سفك دمي، فاقتلني كي لا ترى عيني ذلك الموقف في يوم القيامة.فقلتُ: لو استحالت كلّ ذرّة في العالم قاتلًا يمسك بخنجر و يسعي لقتلك».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

520
  • يكسر مو از تو نتواند بريد***چون قلم بر تو چنين خطى كشيد
  • ليك بى غم شو شفيع تو منم‌***خواجة روحم نه مملوك تنم‌
  • پيش من اين تن ندارد قيمتى‌***بى تن خويشم فَتى إبْنُ الْفَتى‌
  • خنجر و شمشير شد ريحان من‌***مرگ من شد بزم و نرگسدان من‌
  • آن كه او تن را بدين سان پى كند***حرص ميرىّ و خلافت كى كند؟
  • زان به ظاهر كوشد اندر جاه و حكم‌***تا اميران را نمايد راه و حكم‌
  • تا بيارايد به هر تن جامه‌اى‌***تا نويسد او به هر كس نامه‌اى‌
  • تا اميرى را دهد جان دگر***تا دهد نخل خلافت را ثمر۱
    1. يقول: «لما استطاعوا نيل شعرة منك، لأنّ قلم التقدير قد خطّ عليك ذلك.
      فلا تغتمّ و لا تحزن فسأشفع لك، فأنا سيّد الروح لا عبد الجسد.
      و لا قيمة لهذا الجسد المادّيّ عندي، فأنا بدونه فتي ابن الفتى.
      ليس هذا السيف و الخنجر في نظري إلّا ريحاناً، و ليس الموتُ إلّا بستاناً لزهور النرجس.
      فكيف يحرص علي الرئاسة و الخلافة من عَقَرَ الجسدَ هكذا؟
      لقد تسنّم الحكمَ و الجاه في الظاهر من أجل أن يلقّن الحكّامَ درساً في عدالة الحكم و الإمارة.
      و ليكسو الأجساد، و ليكتب تعاليمه و رسائله للجميع.
      جاء ليزيّن الخلافةَ و الحكومة و يهبها روحاً جديداً، و لتزهوَ نخيلُ الخلافة في زمنه مثقلة بالثمار».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

521
  • ميرى او بينى اندر آن جهان‌***فكرت پنهانيت گردد عيان‌
  • هين گمان بد مبر اى ذو لباب‌***با خود آ و الله أعلم بالصواب‌۱
  • ثمّ يقوم مولانا هنا بشرح مفصّل عن فتح مكّة، و أنّ رسول الله صلّى الله عليه و آله لم يكن قصده فتح العالم و السيطرة عليه، و يعود إلى قصّة أمير المؤمنين عليه السلام و قيام خصمه المشرك بالبصاق في وجهه الشريف:

  • گفتن أمير المؤمنين عليه السلام با قرين خود

  • كه سبب ناكشتن تو چه بود، و مسلمان شدن او به دست او٢

  • گفت أمير المؤمنين با آن جوان‌***كه به هنگام نبرد اى پهلوان‌
  • چون خدو انداختى بر روى من‌***نفس جنبيد و تبه شد خوى من‌٣
    1. يقول: «ستنظر سلطانه في ذلك العالم، و سيتّضح لك عياناً ما تصوّرته و فكّرت فيه خفية.
      فلا تظنّنّ ظنّ السوء أيّها اللبيب ذا العقل الراجح، و ارجع إلي نفسك، و الله أعلم بالصواب».
    2. إخبار أمير المؤمنين عليه السلام لقرينه في الحرب
      عن علّة عدم قتله إياه، و إسلامه علي يد الإمام عليه السلام
    3. يقول: «قال أمير المؤمنين في الحرب لذلك الشابّ: أيّها البطل!
      حين بصقت علي وجهي جاشت نفسي فتكدّر خلقي و غضبت».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

522
  • نيم بهر حق شد و نيمى هوى‌***شركت اندر كار حق نبود روا
  • تو نگاريده كف موليستى‌***آنِ حقّى كردة من نيستى‌
  • نقش حق را هم به امر حق شكن‌***بر زُجاجة دوست سنگ دوست زن‌
  • گبر اين بشنيد و نورى شد پديد***در دل او تا كه زُنّارش بريد
  • گفت: من تخم جفا مى‌كاشتم‌***من تو را نوعى دگر پنداشتم‌
  • تو ترازوى أحد خو بوده‌اى‌***بل زبانة هر ترازو بوده‌اى‌
  • تو تبار و أصل خويشم بوده‌اى‌***تو فروغ شمع كيشم بوده‌اى‌۱
    1. يقول: «فصار قتلُك نصفه للحقّ و نصفه لهوي النفس، و ليس بالسائغ إشراك شي‌ء في عمل الحقّ.
      لقد صاغتك يدُ المولي، فأنت مِلكُه و لستَ ملك يميني.
      و ما صاغه الحقّ ينبغي كسره بأمر الحقّ فقط، و ينبغي ألّا تُرمي زجاجة الحبيب إلّا بحجارة الحبيب.
      فأشرق النور في قلب ذلك المجوسيّ حين سمع كلامه، فبادر إلي زنّار كفره فقطّعه.
      و قال: لقد كنت أزرع في قلبي بذور جفائك، فقد ظننتك شيئاً آخر.
      فلستَ إلّا ميزان الخُلق التوحيديّ، بل عدل كلّ ميزان.
      لم تكن غريباً، بل أنت أصلي و عشيرتي و أهلي، أنت شعاع شمع ديني و مذهبي».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

523
  • من غلام آن چراغ شمع خو***كه چراغت روشنى پذرفت از او
  • من غلام موج آن درياى نور***كو چنين گوهر در آرد در ظهور
  • عرضه كن بر من شهادت را كه من‌***مر تو را ديدم سرافراز زَمَن‌
  • قرب پنجَه كس ز خويش و قوم او***عارفانه سوى دين كردند رو
  • او به تيغ حلم چندين خلق را***وا خريد از تيغ چندين خلق را
  • تيغ حلم از تيغ آهن تيزتر***بل ز صد لشكر ظفر انگيزتر ۱
    1. يقول: «فأنا عبد ذلك المصباح المنير بسجيّته كالشمع، و الذي يضي‌ء مصباحك منه.
      و أنا عبد موج ذلك البحر من النور الذي أظهر لؤلؤة مثلك.
      إعرضْ عَلَيّ الشهادتَين، فأنت أفضل مَن رأته عيني في زمني.
      و هكذا فقد التحق بدين الإسلام عن معرفة و بصيرة ما يقرب من خمسين نفراً من أقاربه.
      لقد أعفى عليّ عليه السلام بسيف الحلم و الأناة اولئك النفر الخمسين من السيف و القتل. [تابع في الصفحة التالية...]

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

524
  • ...۱

    1. [...تابع التعليقة السابقة] بلى، إنّ حدّ سيف الحلم أمضى من سيف الحديد، بل يفوق في ظفره مائة من الجيوش».
      و قد أورد المولويّ هذه القصّة آخر الدفتر الأوّل من كتاب «مثنوي» ص ٩٦ إلى ۱۰٣، طبعة الميرزا محمود، و في طبعة ميرخاني: ص ٩۷ إلى ۱۰٤؛ و ينبغي العلم أنّ قصّة البصاق على أمير المؤمنين عليه السلام في حال الحرب قد رويت من غير طريق الملّا الروميّ في «المثنويّ»، و كلّ ما في الأمر أنّ الملّا الروميّ يعتبر هذه القصّة -كما رأينا- قد حصلت في الحرب مع رجل مجوسيّ أسلم فيما بعد على يد الأمير عليه السلام؛ في حين ذكر غير الملّا الروميّ هذه القصّة مع عمرو بن عبد ودّ. و قد روى ابن شهرآشوب في «المناقب» ص ۱۱٤ و ۱۱٥، الطبعة الحروفيّة، مؤسّسة التراث العربيّ، بيروت، سنة ۱٩٥٩ م، فصل في حلمه و شفقته، عن الطبريّ قال:
      لَمَّا ضَرَبَ عَلِيّ طَلْحَةَ العَبْدَرِيّ بَرَكَهُ فَكَبَّرَ رَسُولُ اللهِ صلّى اللهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ قَالَ لِعَلِيّ: مَا مَنَعَكَ أنْ تُجْهِزَ عَلَيهِ؟! قَالَ: إنَّ ابْنَ عَمِّي نَاشَدَنِي اللهَ وَ الرَّحِمَ حِينَ انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ فَاسْتَحْيَيْتُهُ. وَ لَمَّا أدْرَكَ عَمْرَو بْنَ عَبْدَ وَدٍّ لَمْ يَضْرِبْهُ، فَوَقَعُوا في عَلِيّ عَلَيهِ السَّلَامُ فَرَدَّ عَنْهُ حُذَيْفَةُ. فَقَالَ النَّبِيّ صلّى اللهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ: مَهْ يَا حُذَيْفَةُ! فَإنَّ عَلِيَّاً سَيَذْكُرُ سَبَبَ وَقْفَتِهِ. ثُمَّ إنَّهُ ضَرَبَهُ، فَلَمَّا جَاءَ سَألَهُ النَّبِيّ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: قَدْ كَانَ شَتَمَ امِّي وَ تَفَلَ في وَجْهِي فَخَشِيتُ أنْ أضْرِبَهُ لِحَظِّ نَفْسِي. فَتَرَكْتُهُ حتّى سَكَنَ مَا بِي ثُمَّ قَتَلْتُهُ في اللهِ.
      و يقول الشيخ هادي كاشف الغطاء في «مستدرك نهج البلاغة» ص ۱٦۷، الباب الثالث، مختار في حكمه عليه السلام، طبعة مكتبة الأندلس، بيروت:
      وَ صَرَعَ في بَعْضِ حُرُوبِهِ رَجُلًا ثُمَّ جَلَسَ على صَدْرِهِ لِيَحْتَزَّ رَأسَهُ، فَبَصَقَ ذَلِكَ الرَّجُلُ في وَجْهِهِ؛ فَقَامَ عَنْهُ وَ تَرَكَهُ. وَ لَمَّا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ قَالَ عَلَيهِ السَّلَامُ: اغْتَظْتُ مِنْهُ فَخِفْتُ إنْ قَتَلْتُهُ أنْ يَكُونَ لِلْغَضَبِ وَ الغَيْظِ نَصِيْبٌ في قَتْلِهِ، وَ مَا كُنْتُ احِبُّ أنْ أقْتُلَهُ إلَّا خَالِصاً لِوَجْهِ اللهِ تعالى.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

526
  •  

  •  

  • القِسْمُ التَّاسِعُ: السَّفَرُ السَّابِعُ لِلْحَقِيرِ إلى العَتَبَاتِ المُقَدَّسَةِ سَنَةَ ۱٣٩٢ هِجْرِيَّة قَمَرِيَّة

  •  

  •  

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

528
  •  

  • السفر السابع للحقير إلى العتبات المقدّسة

  • سنة ۱٣٩٢ هجريّة قمريّة

  •  

  • بعد انقضاء سنتين على سفري مع و لدَيّ إلى بيت الله الحرام، لقد منّ الباري بالتوفيق للسفر مجدّداً للزيارة في أيّام ذي الحجّة و محرّم الحرام، و من ثمّ فقد تشرّفت أواخر سنة ۱٣٩٢ و أوائل سنة ۱٣٩٣ هـ. ق بالسفر لتقبيل أعتاب الأئمّة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين. حيث توقّفت قبل حلول شهر ذي الحجّة في الكاظميّة لأيّام عدّة للزيارة، ثمّ يمّمت صوب كربلاء المشرّفة.

  • و كانت قد وصلتني قبل سفري هذا عدّة رسائل بالخطّ المبارك لسماحة الحاجّ السيّد هاشم، اوردها قبل الشروع في بيان ما وقع في هذا السفر:

  • بعض رسائل الحاجّ السيّد هاشم للحقير بخطّ يده‌

  • ۱- بسم الله الرحمن الرحيم‌

  • مِنَ اللهِ وَ إلى اللهِ وَ في اللهِ وَ بِاللهِ، وَ إلَيْهِ المَرْجَعُ وَ المَآب.

  • شما نامه‌تان را از من قطع نكنيد، أقلّا هفته‌اى يك نامه بنويس. مرتب بنويس تا جمع شود تا إن شاء الله فرصتي پيدا شود يك جوابى بنويسم تا اين يكى همه را ببرد.۱

    1. يقول: «لا تقطع رسائلك عنّي. اكتب رسالة واحدة علي الأقلّ كلّ اسبوع. اكتب باستمرار حتّى إذا ما اجتمعت الرسائل و سنحت الفرصة إن شاء الله، كتبتُ جواباً عنها بأجمعها».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

529
  • قَالَ: اطْعِمْنِى فَإنِّي جَائِعُ‌***فَاعْتَجِلْ فَالوَقْتُ سَيْفٌ قَاطِعُ‌
  • عارِف ابْنُ الوَقْت باشد اى رفيق‌***نيست فردا گفتن از شرط طريق‌۱
  •  

  • من چه گويم يك رگم هشيار نيست‌***شرح آن يارى كه او را يار نيست‌٢
  • أخيك المخلص سيّد هاشم‌

  • ٢- آقاى سيّد محمّد حسين! شما سلام مرا بر آقا منصور شركت بفرست و بگو: حدّاد سلام مى‌كند و مى‌گويد: سَألْتُ اللهَ أنْ يَنْصُرَكَ على نَفْسِكَ، و بگو: شما در فرمان پدر و مادر باش و إن شاء الله كارت خوب خواهد شد. از خود نمي‌گويم.٣

  • ٣- بسم الله الرحمن الرحيم‌

  • السَّلَامُ على سَيِّدِي وَ مَوْلَايَ السَّيِّدِ السَّنَد السَّيِّد مُحَمَّد حُسَيْن!

  • اللهُمَّ أنْتَ السَّلَامُ وَ مِنْكَ السَّلَامُ وَ إلَيْكَ السَّلَامُ!

    1. يقول: «يا رفيقي كن عارفاً و كن ابن يومك، فإنّ من شروط الطريق ترك التسويف إلي غد».
    2. يقول: «ما ذا أقول حين لا أمتلك عِرقاً واحداً صاحياً، في وصف ذلك الحبيب الذي لا حبيب له».
    3. يقول: «أيّها السيّد محمّد الحسين! أبلغ سلامي للسيّد منصور شركت، و قل له: الحدّاد يسلّم عليك و يقول: سألتُ الله أن ينصرك علي نفسك. و قل له: كن مطيعاً لأبويك و سينتظم أمرك إن شاء الله. لا أقول ذلك من تلقاء نفسي».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

530
  • قَالَ...: يَا مَنْ هُوَ أنَا، وَ أنَا هُوَ؛ لَا فَرْقَ بَيْنَ إنِّيَّتِي وَ هُوِيَّتِكَ إلَّا الحُدُوثُ وَ القِدَمُ. وَ قَالَ: أ مَا تَرَى أنَّ رَبِّي ضَرَبَ قَدَمَهُ في حَدَثِي أيْ حُدُوثِي حتّى اسْتَهْلَكَ حُدُوثِي فَلَمْ يَبْقَ إلَّا صِفَةُ القِدَمِ، فَلَمْ يَبْقَ لِي إلَّا صِفَةُ القَدِيمِ، وَ نَطَقَنِي في تِلْكَ الصِّفَةِ وَ الخَلْقُ كُلُّهُمْ أحْدَاثٌ يَنْطِقُونَ عَنِ الحُدُوثِ. وَ قالَ:

  • فَلَا بَابَ لِي يُغْشَى وَ لَا جَاهَ يُرْتَجَى‌***وَ لَا جَارَ لِي يَحْمِي لِفَقْدِ حَمِيَّتِي‌
  • أوَّلًا كُنْتَ تَكْتُبُ مَكَاتِيبَ. مُدَّةً عَيْنِي على الطَّريقِ. قَالَ: نَسَانِي، مَا نَسِيتُهُ. السَّلَامُ على جَمِيعِ الرُّفَقَاءِ فَرْداً بَعْدَ فَرْدٍ.

  • خادمكم سيِّد هاشم الحدّاد

  • ٤- السَّلَامُ على السَّيِّد مُحَمَّد حُسَيْن المُحْتَرَمِ وَ رَحْمَةُ اللهِ وَ بَرَكَاتُهُ.

  • السَّلَامُ على السَّيِّد مُحَمَّد صَادِق وَ السَّيِّد مُحْسِن وَ السَّيِّد أبي الحَسَنِ وَ السَّيِّد عَلِيّ وَ... وَ على جَمِيعِ الرُّفَقَاءِ فَرْداً فَرْداً وَ رَحْمَةُ اللهِ وَ بَرَكَاتُهُ. وَ إنْ شَاءَ اللهُ عَنْ قَرِيبٍ أتَوَجَّهُ إلى طَرَفِكُمْ.

  • كه عشق آسان نمود أول‌۱، و إن شاء الله مشكل حل خواهد شد٢.

  • وَ السَّلَامُ عَلَيكمْ جَمِيعاً وَ رَحْمَةُ اللهِ وَ بَرَكَاتُهُ‌

  • ٥- بسم الله الرحمن الرحيم‌

  • إلَى جَنَابِ السَّيّدِ الجَلِيلِ حَبِيبِي وَ مَكَانِ الرُّوحِ مِنْ جَسَدِي، السَّيِّد

    1. يقول: «فقد ظهر لي العشق سهلًا في البداية»؛ و هو صدر المصرع الثاني لبيت شعر لحافظ الشيرازيّ و تمامه: «ولى افتاد مشكل‌ها» (و لكنّ المحن واجهتني).
    2. يقول: «سيحلّ الأمر المشكل إن شاء الله تعالي».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

531
  • مُحَمَّد حُسَيْن حَفَظَهُ اللهُ.

  • لَيْسَ لِعَارِفٍ عَلَاقَةٌ، وَ لَا لِمُحِبٍّ شَكْوى، وَ لَا لِعَبْدٍ دَعْوى، وَ لَا لِخَائِفٍ قَرَارٌ، وَ لَا لأحَدٍ مِنَ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ الفِرَارُ.

  • چرا دلت از من گرفته؟! وقتى دلت از من گرفته مى‌شود قبض بر بنده حاصل مى‌شود.۱

  • اگر زلفت ندارد قصد آزار من‌***چرا پيوسته در مهتاب مى‌گردد٢
  • وَ السَّلَامُ على امِّ مُحَمَّد صَادِق وَ الحَاجِّ السَّيِّدِ مُحَمَّد صَادِق وَ الحَاجِّ السَّيِّد مُحَمَّد مُحْسِن وَ السَّيِّدِ أبي الحَسَنِ وَ السَّيِّدِ علي وَ... وَ على جَمِيعِ الرُّفَقَاءِ فَرْداً فَرْداً.

  • وَ إن شَاءَ اللهُ عَنْ قَرِيبٍ أتَوَجَّهُ إلى طَرَفِكُمْ، وَ السَّلَامُ عَلَيكُمْ جَمِيعاً و رَحْمَةُ اللهِ وَ بَرَكَاتُهُ.

  • سيّد هاشم الحدّاد

  • ٦- باسمه تعالى شأنه‌

  • أفْضَلُ البُكَاءِ بُكَاءُ العَبْدِ على مَا فَاتَهُ على غَيْرِ المُوَافَقَةِ. إذَا رَأيْتَ المُرِيدَ يُرِيدُ السَّمَاعَ فَاعْلَمْ أنَّ فِيهِ بَقِيَّةً مِنَ البَطَالَةِ.

  • وَ قَالَ: الفُتُوَّةُ أدَاءُ الإنْصَافِ وَ تَرْكُ مُطَالَبَةِ الإنْصَافِ.

  • وَ قَالَ: مَنْ لَمْ يَزِنْ أفْعَالَهُ وَ أحْوَالَهُ في كُلِّ وَقْتٍ بِالكِتَابِ وَ السُّنَّةِ وَ لَمْ يَتَّهِمْ خَوَاطِرَهُ، فَلَا تَعُدَّهُ في دِيوَانِ الرِّجَالِ.

    1. يقول: «لما ذا انقباض قلبك منّي؟! حين ينقبض قلبك منّي أحسّ بانقباض يعتريني».
    2. يقول: «إن لم يكن لذؤابتك قصد إيذائي؛ فلِمَ تتطوّح دوماً تحت أشعّة القمر؟».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

532
  • وَ قَالَ: لَوْ أقْبَلَ على اللهِ العَبْدُ ألْفَ ألْفِ سَنَةٍ ثُمَّ أعْرَضَ عَنْهُ لَحْظَةً، كَانَ مَا فَاتَهُ أكْثَرَ مِمَّا نَالَهُ.

  • اسْتَعْمِلِ الرِّضَا جُهْدَكَ، وَ لَا تَدَعِ الرِّضَا يَسْتَعْمِلُكَ فَتَكُونَ مَحْجُوباً بِلَذَّتِهِ عَنْ حَقِيقَةِ مَا تُطَالِعُهُ.

  • أفْضَلُ الطَّاعَاتِ حِفْظُ الأوْقَاتِ؛ وَ هُوَ أنْ لَا يُطَالِعَ العَبْدُ غَيْرَ حَدِّهِ وَ لَا يُرَاقِبَ غَيْرَ رَبِّهِ، وَ لَا يُقَارِنَ غَيْرَ وَقْتِهِ.

  • وَ قَالَ: أنْ تَكُونَ عَبْدَهُ في كُلِّ حَالٍ كَمَا أنَّهُ رَبُّكَ في كُلِّ حَالٍ.

  • وَ قَالَ: الإخْلَاصُ سِرٌّ بَيْنَ اللهِ وَ بَيْنَ العَبْدِ لَا يَعْلَمُهُ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ فَيَكْتُبَهُ، وَ لَا شَيْطَانٌ فَيُفْسِدَ عَلَيهِ، وَ لَا هَوَى فَيَمِيلَهُ.

  • الحاجّ سيّد هاشم‌

  • ۷- باسمه تعالي‌

  • مِنَ اللهِ وَ إلى اللهِ وَ بِاللهِ وَ في اللهِ.

  • وَ بَعْدُ يَا أخِي! أرْجُو المَعْذِرَةَ مِنْ جَنَابِكُمْ، وَ [ال-] سَمَاحَ مِنْ وُجُودِكُمْ! انْسَلَبَ مِنْ عِنْدِي تَعَامُلٌ مَعَ النَّاسِ مُدَّةً ارِيدُ أكْتُبُ لَكُمْ كِتَاباً، مَا عِنْدِي وَقْتٌ.

  • وَ مِنْ دَرَجَاتِ العِزِّ أصْبَحْتُ مُخْلَداً***إلى دَرَكَاتِ الذُّلِّ مِنْ بَعْدِ نَخْوَتِي‌
  • فَلَا بَابَ لِي يُغْشَى وَ لَا جَاهَ يُرْتَجَى‌***وَ لَا جَارَ لِي يَحْمِي لِفَقْدِ حَمِيَّتِي‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

533
  • گفتم به چشم كز عقب گلرخان مرو نشنيد***و رفت عاقبت از گريه كور شد۱
  • عَلَى كُلِّ حَالٍ شَاكِراً لِنِعَمِهِ.

  • سَلَامٌ على جِيرَانِ لَيْلَى فَإنْ‌***نَ لَيْلَى أعَزُّ مِنْ أنْ تُسَلَّمَا
  • يَا أخِي يَا سَيِّدِي! أرْجُوكَ أنْ تُسَامِحَنِي وَ تَرْحَمَنِي، شِنْسَوِّي‌٢ مَا بِيَدِي شَي‌ءٌ. سَابِقاً مَا كَانَ عِنْدِي شَي‌ءٌ، بَعْدَهَا أعْطُونِي فَدْ٣ شَي‌ءٍ قَلِيلٍ وَ بَعْداً اتْنَدْمَوْا وَ أخذُوه‌٤.

  • أرْجُو السَّمَاحَ مِنْ عِنْدِكَ وَ لَا تَقْطَعْ مَكَاتِيبَكَ مِنْ عِنْدِي. وَ تَدْعُو لِي في جَمِيعِ الأحْوَالِ، فَإنِّي في دَوْرِ شِدَّةٍ. أرْجوكَ أنْ تَدْعُوَ لِي وَ جَمِيعِ الأصْدِقَاءِ وَ بَلِّغْ سَلَامِي على الدُّولابِيّ وَ أخِي مُحْسِن شِرْكَتْ وَ عَمِّهِ هَادِي شِرْكَت وَ گُمْرُكْپُور وَ جَمِيعِ الرُّفَقَاءِ. وَ السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَ رَحْمَةُ اللهِ و بَرَكَاتُهُ.

  • سيّد هاشم‌

  • ۸- هذه الرسالة بإملائه و إمضائه و بخطّ الحاجّ محمّد علي خلف زاده:

  • بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَ بِهِ نَسْتَعِين‌

  • اللهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ، وَ صَلِّ على جَمِيعِ الأنبِيَاءِ

    1. يقول: «قلتُ لعيني لا تتعقّبي ذوي الوجوه الصبيحة كالورد، فلم تصغ و كانت عاقبتها العمي من بكائها».
    2. كلمة عامّيّة عراقيّة، و هي اختصار: «أيّ شي‌ء نسوّي» (أي: ماذا نعمل، أو ما في اليد من حيلة). (م)
    3. كلمة عامّيّة عراقيّة، و صحيحها «فرد» (أي: واحد). (م)
    4. اتندموا و...: (نَدِمُوا وَ أخَذُوهُ)؛ و لا تخفي علي القارئ اللبيب كلمات و تعابير عامّيّة لم نغيّرها حفاظاً علي نصّ كلمات المرحوم الحدّاد. (م)

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

534
  • وَ المُرْسَلِينَ وَ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ وَ رَحْمَةُ اللهِ وَ بَرَكَاتُهُ. صَلَوَاتُ اللهِ العَظِيمِ عَلَيك يَا حَبِيبِي يَا سَيِّد مُحَمَّد حُسَيْن وَ رَحْمَةُ اللهِ وَ بَرَكَاتُهُ.

  • بَعْدُ، إنْ كُنْتَ تَسْألُ عَنَّا فَلِلَّهِ الحَمْدُ سَالِمِينَ، وَ في ألْطَافِهِ مُنَعَّمِينَ وَ لَكُمْ مِنَ الدَّاعِينَ.

  • يَا أخِي! وَ اللهِ الدَّاعِي في خَجِلٍ مِنْ عِنْدِكُمْ لأنَّهُ كَمْ مَكْتُوبٍ جَنَابُكُمْ تَفَضَّلْتُمْ وَ أنَا مَا تَوَفَّقْتُ لِلْجَوَابِ، هَذَا مِنْ عَدَمِ تَوْفِيقِي، أسْألُ اللهَ أنْ يُوَفِّقَكُمْ لِمَا يُحِبُّ وَ يَرْضَاهُ.

  • يَا أخِي وَ نُورَ قَلْبِي! لَقَدْ شَغَلَنِي حُبُّكَ عَنْكَ. وَ الحَمْدُ لِلَّهِ أنَا في كَمَالِ الصِّحَّةِ وَ العَافِيَةِ وَ مَشْغُولِينَ بِالدُّعَاءِ لَكُمْ عِنْدَ الحُسَيْنِ وَ أخِيهِ أبي الفَضْلِ العَبَّاسِ عَلَيهِمَا السَّلَامُ. الحاصل، يقول الشاعر:

  • گفتم به چشم كز عقب گلرخان مرو***نشنيد و رفت و عاقبت از گريه كور شد۱
  • هُوَ الحُبُّ فَاسْلَمْ بِالحَشَا مَا الهَوَى سَهْلُ‌***فَمَا اخْتَارَهُ مُضْنى بِهِ وَ لَهُ عَقْلُ‌
  • چه كنم دگر فائده ندارد و بعد از رسوخش بايد مرد يا اينكه به جستجويش نرفته بود.٢ گفت:

  • مرا روز أزل كارى به جز رندى نفرمودند***هرآن قسمت كه آنجا شد كم و افزون نخواهد شد٣
    1. يقول: «قلتُ لعيني لا تتعقّبي ذوي الوجوه الصبيحة كالورد، فلم تصغِ و كانت عاقبتها العمي من بكائها».
    2. يقول: «ما ذا أفعل، فلن يضير ذلك شيئاً. و ينبغي الموت بعد رسوخه، أو أن لا يذهب المرء في البحث عنه بادئ ذي بدء».
    3. يقول: «قال: لم يكلّفوني منذ الأزل بغير المهارة في البحث عن الحقيقة، و لن ينقص أو يزيد النصيب المقدّر هناك».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

535
  • غرض آن را اختيار كرديم بايد سوخت و ساخت. پس بكُش جانم بقربانت!۱

  • فَعَلَى كُلِّ حَالَةٍ أنْتَ مِنِّي‌***بِيَ أوْلَى إذْ لَمْ أكُنْ لَوْلَاكَا
  • وَ بِمَا شِئْتَ في هَوَاكَ اخْتَبِرْنِي‌***فَاخْتِيَارِي مَا كَانَ فِيهِ رِضَاكَا
  • از اين جانب به حضرت حاج آغا معين و آغاى ابهرى و آغاى دولابى و آغاى حاج هادى شركت و آغاى حاج محمود گمرك پور و آغاى سيد حسن معين و ساير رفقا و أحياناً اگر تشريف برديد به همدان يا اينكه نامه مرقوم داشتيد از اين جانب سلام رسان و أحوال‌پرس باشيد.

  • آغاى حاج عبد الزهراء و آغاى حاج عبد الجليل و آغاى حاج حبيب سماوى و غلام جناب‌عالى محمد علي خلف زاده -به فرمايش آغاى حداد: كاشكى قبول كند به غلامى- سلام مى‌رسانند و به دعاگوئى مشغولند و از جناب عالى ملتمس دعا هستند.٢

  • جَمَعَنَا اللهُ وَ إيَّاكُمْ في مُسْتَقَرِّ رَحْمَتِهِ، آمِّينَ.

  • محبّكم سيِّد هاشم حدَّاد

    1. يقول: «و الغرض أنّنا اخترناه، و ينبغي الصبر و التحمّل على الشدائد، فاقتلني إذن فدتك روحي!».
    2. يقول: «أبلغوا سلامي للحاجّ آغا معين و آغاي الأبهريّ و آغاي الدولابيّ و الحاجّ هادي شركت و الحاجّ محمود گمرك پور و السيّد حسن معين و سائر الرفقاء، و إذا ما ذهبتم أحياناً إلى همدان أو كتبتم (للرفقاء) رسالة فأبلغوهم سلامي و استفسروا عن أحوالهم نيابة عنّي.
      الحاجّ عبد الزهراء، و الحاجّ عبد الجليل، و الحاجّ حبيب السماويّ، و خادمكم محمّد علي خلف زاده -و يقول السيّد الحدّاد: ليته يقبلك للخدمة- يسلّمون عليكم و هم مشغولون بالدعاء لكم و يسألونكم الدعاء لهم».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

536
  • آغا سيد مهدى و آغا سيد قاسم و آغاى سيد صالح و آغاى سيد برهان الدين و آغاى سيد عبد الأمير و علويه و والدة ايشان سلام رسان و أحوال پرسند.۱

  • إمتحان إلهي و فتنة شديدة بين أصحاب الحاجّ السيّد هاشم الحداد و مريديه‌

  • امتحان إلهيّ و فتنة شديدة بين أصحاب و محبّي‌

  • الحاجّ السيّد هاشم الحدّاد أعلى الله درجته‌

  •  

  • كما اشير سابقاً فقد أصبح لبعض الفضلاء و الدارسين من النجف الأشرف علاقة بالسيّد، فكانوا يأتون إلى محضره أحياناً، و كان يستقبلهم في صفاء و بساطة لا يشوبهما شي‌ء. كما أنّ بعض كسبة النجف و الكاظميّة و بغداد صاروا من مريديه، فكان يستقبلهم كذلك؛ حتّى صاروا تدريجيّاً ما يقرب من عشرين نفراً يجتمعون في مجلسه أوقات الزيارة. و كان يقوم بنفسه بتأمين ما يحتاجونه ظاهراً و باطناً. و ما أكثر ما شوهد هذا السيّد الكريم السخيّ الحَيِيّ و هو يشتري بنفسه الخبز من الخبّاز فيجلبه إلى البيت، أو يأتي حاملًا قالباً من الثلج في يده. و لم يكن ليتوقّف عن تنظيف المنزل و تطهيره، بل كان سعيداً -كاستاذه المرحوم القاضي- بخدمة الزوّار و أولياء الله و سالكي الطريق، حتّى صار اجتماع الرفقاء في بيته ليالي الجُمَعِ أمراً مشهوراً، فإذا ما رغب بعض الرفقاء في لقاء بعضهم لأمر ما فإنّهم يعلمون أنّ ذلك ميسور في ليلة الجمعة.

  • و دام ذلك الحال حتّى انضمّ إليهم رجلان من الطلبة الشيوخ المعمّمين النجفيّين، و كانوا قد اعتادوا على هذه المجالس مدّة في النجف؛ و سرعان‌

    1. يقول: «السيّد مهدي، و السيّد قاسم، و السيّد صالح، و السيّد برهان الدين، و السيّد عبد الأمير، و العلويّة، و والدتهم يرسلون سلامهم و يسألون عن أحوالكم».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

537
  • ما تعرّفوا على سماحة السيّد و صاروا يتردّدون عليه كباقي الرفقاء.

  • ثمّ عَنّ لهم أن ينشروا عنه بعض الامور الملفّقة بين الرفقاء المخلصين من الكسبة و التجّار، و عند الدارسين و المحصّلين.

  • نشر الكلمة الشيطانيّة بأنّ أهل التوحيد ليسوا أهل الولاية

  • و كان مجمل ما يقومون بنشره امور عدّة كانوا يوردونها بأجمعها شاهداً و دليلًا على وجوب تنحّي الرفقاء و ابتعادهم عنه، و هو -بطبيعة الحال- ممّا يوجب انصرافهم عن الحدّاد إلى هذين الشخصينِ. و هذه الامور هي:

  • ۱- إنّ السيّد الحدّاد يقول بوحدة الوجود، و القول بوحدة الوجود كفر، لأنّ وحدة الوجود تقول: إنّ جميع الأشياء هي الله.

  • و قد قال أحد هذين الشخصينِ: كنت أسير مع السيّد في الكاظميّة، فشاهدنا كلباً، فقال: هذا الكلب هو الله أيضاً!

  • ٢- إنّ السيّد و رفقاءه ليسوا من أهل الولاية، بل إنّهم يعدّون أنفسهم من أهل التوحيد. فالقرآن يقرأ في مجالسهم و محافلهم فيبكون عند قراءته كما تُقرأ المناجاة الخمسة عشر و دعاء الجوشن الكبير الحاوي لأسماء الله، و أشعار ابن الفارض المصريّ السنّيّ فيبكون لذلك، و هم لا يَدْعُون قارئاً و واعظاً -كسائر مجالس العزاء- لقراءة مجلس تعزية من أجل البكاء على أهل البيت.

  • ٣- إنّ السيّد ينقل أحياناً كثيرة -وفق اسلوب و نهج المرحوم القاضي- مطالباً عن محيي الدين بن عربي، و كفر الأخير و زندقته أمر جليّ قد كتب العلماء عنه مطالب مسطورة في الكتب، حتّى أنّ الشيخ الأحسائيّ لقّبه بلقب «مميت الدين».

  • ٤- قيامه بقراءة أشعار «المثنويّ» للملّا الروميّ الذي كان يقول بوحدة الوجود، مضافاً إلى أنّه كان سنّيّاً مخالفاً لأهل البيت و أمير المؤمنين عليهم‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

538
  • السلام، و قد ذكر عمر و أبا بكر في بعض المواضع من كتابه.

  • ٥- إنّ السيّد يعتبر المرحوم القاضي أعلى من الأئمّة عليهم السلام؛ يشهد على ذلك أنّ أحد محبّيه أراد أخذ عباءة إلى إيران كهديّة، فقام بمسحها على قبر المرحوم القاضي للتبرّك به.

  • ٦- إنّه قد ذهب لزيارة قبر أبي حنيفة و الجُنيد البغداديّ، و ضلالتهما و انحرافهما لا يخفيان على أحد. و بعض المطالب الاخرى من هذا القبيل.

  • و كان خلاصة كلامهم ترجع إلى هذه المسألة: إنّ لدينا نهجين: أحدهما نهج التوحيد، و الآخر نهج الولاية؛ و ما دام أهل التوحيد مخالفين لأهل الولاية، فإنّ من الضروريّ على أهل الولاية أن يخالفوا أهل التوحيد و أن يقاطعوهم و يدعوهم لوحدهم. كما أنّ عليهم أن يروّجوا شعائر أهل البيت عليهم السلام و نهجهم، حيث إنّ كلّ ما لدينا تابع لنهج أهل البيت و كلّ ما عداه باطل و ضلال و كفر و زندقة.

  • و لقد وسّع هذان الشيخان ثغرة أو فتق الأمر، فقاما بأنفسهما بسفرات عديدة إلى الكاظميّة، و عملا على حرف رفقاء سماحة السيّد و إبعادهم عنه. فكان التساؤل يتسرّب إلى نفوس اولئك أيضاً و هم ينظرون إلى هذه المسائل الهامّة فيخيّل إليهم أنّه ربّما الأمر كذلك، ينبغي ترويج مذهب أهل البيت و دعم تلك الشعائر، لأنّ الأمر لا ينقضي بالمجالس التي يتلى فيها القرآن أو بمناجاة الله و البكاء فقط، فالسنّة يفعلون ذلك أيضاً.

  • و قد تفاقم الأمر حتّى صار أحد هذين الشخصين يذهب بعض الليالي من النجف إلى الكاظميّة مباشرة، فيبيت في منزل بعضهم فيقضيان الليل في المسامرة في هذه المسائل التي لا تمثِّل في نظرهما إلّا إحياء للدين و لمذهب التشيّع، ثمّ يبقى ليلة أو ليلتين على الأغلب و يعود إلى النجف.

  • تسرّب الشكّ أثر الافكار الشيطانيّة إلى الكثير من الرفقاء

  • قد حدثت هذه الامور حين كان جمع من الزوّار الإيرانيّين من‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

539
  • محبّي السيّد قد تشرّفوا بالمجي‌ء لزيارة العتبات المقدّسة، فقاما بتشويش أفكار هؤلاء الزوّار ضمن لقاءات عديدة عقداها معهم. و ينبغي ألّا ننسى القول إنّ نفس الشخص الذي نادى بعد رحلة المرحوم آية الله الأنصاريّ بعدم الحاجة إلى استاذ، و الذي كان موطنه الأصليّ لسنوات متمادية في كربلاء، هو الذي يذكّي لهب هذه الفتنة في كربلاء، و يدعم نشاط هذين الشيخين -سرّاً لا علناً-!

  • و لم يكن في وسع سماحة آية الله الحاجّ الشيخ عبّاس القوجانيّ أن يفعل شيئاً في هذا الحيص و البيص‌۱ مع اطّلاعه على حقيقة الأمر و نفوره من هذين الشخصين اللذين تردّدا عليه مدّة، اللهمّ إلّا أن يمنعهما من الحضور في مجلسه، و أن يجمع رفقاءه حوله فيحذّرهم من الخوض في مثل هذه المسائل.

  • و لقد زعّزع إعلام هذين الشخصين الكثير، فوصل بعضهم إلى حيث لا مجال له للعودة، و ظلّ البعض متحيّراً ضالًّا يتخبّط في شكّه إلى آخر عمره؛ أمّا البعض الآخر فقد انكشف لهم أنّها لم تكن إلّا دعايات شيطانيّة، و أنّ الحدّاد هو روح الولاية كما أنّه روح التوحيد، و أنّ التوحيد عين الولاية لا انفكاك بينهما و لا افتراق.

  • هذا و قد حصلت هذه الامور بأجمعها بينما كان الحقير يتواجد في طهران دون أن يكون لديه أدنى علم بها، فقال بعض الأصدقاء لسماحة السيّد في أواخر الأمر و قد صادف أوان تشرّفي للذهاب للزيارة: نخشى أن تسبّب العلاقة و المودّة الشديدة بين السيّد محمّد الحسين مع الحاجّ هادي‌

    1. الحيض و البيص المغالبة و المراوغة و اختلاط لا مخرج منه أو شدّة و ضيق «المنجد».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

540
  • الأبهريّ -و كان من الزوّار ممّن يمتلك ذهناً بسيطاً نورانيّاً غير ملوّث، و كانوا قد أثّروا عليه و شوّشوا فكره بشدّة- في انصراف السيّد محمّد الحسين، الذي سيقدم من طهران، عنك بدوره.

  • فكان جواب سماحة السيّد: السيّد محمّد الحسين! أبداً أبداً؛ فهو كالجبل، و أنّى له أن يتزلزل!

  • ثمّ عقّب على الفور: و افرض أنّه انصرف عنّي هو الآخر، و أنّ أحداً لن يكون معي، فإنّ لي الله، إنّ إلهي معي، و لو خلا جميع العالم من شخص واحد يقبل بكلامي!۱

    1. كم يناسب لسان حالنا و علوّ مقام السيّد في تلك الوهلة هذا الغزل للخواجة أعلى الله درجته:
      هزار دشمنم ار مى‌كنند قصد هلاك***گرم تو دوستى از دشمنان ندارم باك‌
      مرا اميد وصال تو زنده مى‌دارد***و گر نه هر دمم از هجر تُست بيم هلاك‌
      رود به خواب دو چشم از خيال تو هيهات***بود صبور دل اندر فراق تو حاشاك‌
      اگر تو زخم زنى به كه ديگران مرهم‌***و گر تو زهر دهى به كه ديگران ترياك‌
      نفس نفس اگر از باد نشنوم بويت‌***زمان زمان چو گل از غم كنم گريبان چاك‌
      بضرب سيفك قتلى حياتنا أبداً***بأن روحى قد طاب أن يكون فداك‌
      عنان مپيچ كه گر مى‌زنى به شمشيرم***سپر كنم سر و دستت ندارم از فتراك‌
      تو را چنانكه توئى هر نظر كجا بيند***بقدر دانش خود هر كسى كند إدراك‌
      به چشم خلق عزيز آن زمان شود حافظ***كه بر در تو نهد روى مسكنت بر خاك‌
      «ديوان حافظ الشيرازيّ» ص ۱٣۷ و ۱٣۸، الغزل ٣۰٩، طبعة پژمان، انتشارات بروخيم، سنة ۱٣۱۸،يقول: «لو قصد ألف عدوّ هلاكي لما باليتُ عنهم ما دمتَ حبيبي.يُحييني الأمل في وصالك، و إلّا لخفتُ كلّ آن الهلاك من هجرك.هيهات أن تنال عينيّ الكرى من أجل خيالك، و حاشى للقلب أن يصبر على فراقك.جرحك لي خير من مرهم يضعه غيرك، و سمّك خير لي من ترياق سواك.إن لم أنشق نسيم عطرك ساعة فساعة، لَشققت كلّ آن جيبي شقّ الورد للأكمام.بضرب سيفك قتلى حياتنا أبداً، بأنّ روحي قد طاب أن يكون فداك.لا تلوِ عنانك عنّي، فلو أهويت عَلَيّ بالسيف، لجعلتُ درعي رأسي و لم أكفّ عن التعلّق بحزام سرجك.أنيّ يراك -كما أنت- رامق الأبصار، فإنّما يدرك منك كلّ بقدر بصيرته.سيصبح حافظ عزيزاً في الأنظار حين يلقي برأسه عند بابك - من مسكنته على التراب».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

541
  • أما الوحيد من بين جميع الرفقاء الذي صمد و دافع عن نهج السيّد و طريقته، فقد كان الحاجّ محمّد علي خلف زاده الذي كان يسكن كربلاء آنذاك ثمّ انتقل إلى النجف الأشرف. و كان حقّاً و إنصافاً الوحيد الذي صمد و لم يتزعزع أمام هجوم سيل الخواطر و الأفكار الشيطانيّة.

  • و بطبيعة الحال فقد انفضّت تلك المجالس، و لم يعد السيّد يمتلك رغبة في استقبال أحد، و كان يقول: إنّهم يأتون فيستفيدون من مجلسنا، ثمّ يخرجون فينشرون عكسه كفعل المنافقين تماماً.

  • جواب سماحة الحدّاد عن الدعايات غير الصحيحة

  • و لقد عطّلت مجالس ليالي الجمعة تلك، فكان السيّد يعمد إلى‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

542
  • التشرّف بالذهاب إلى الحرم المطهّر فيتأخّر إلى منتصف الليل تقريباً، ثمّ يعود إلى البيت بعد انقضاء وقت ورود الواردين، من أجل أن لا يأتي أحد فيشغل وقته.

  • و كان يقول: ليس لديّ الرغبة في لقاء أحد و لا الحال الملائمة لذلك؛ إنّهم يتخيّلون أنّني فتحت دكّاناً لأجمع الناس حولي، فليسعدوا الآن و لتكن هذه المجالس لهم.

  • و كان يقول: إنّ ذكرنا الدائم هو عن التوحيد، فوحدة الوجود أمر عال وراق لا يمتلك أحد القدرة على إدراكه. أي إنّ الوجود المستقلّ و بالذات هو واحد في العالم، أمّا باقي الوجودات فهي ظلّيّة و تبعيّة و مجازيّة و متعلّقة به.

  • لم أقل قطّ: إنّ هذا الكلب هو الله؛ بل قلتُ: ليس من شي‌ء سوى الله. إنّ مقولة «هذا الكلب هو الله» تعني أنّ هذا الوجود المقيّد المتعيّن بهذا التعيّن و الحدود هو الله! نعوذ بالله من هذا الكلام. أمّا قول «ليس من شي‌ء سوى الله» فمعناه أنّ الوجود بالأصالة، و حقيقة الوجود في جميع العوالم، و الذات المستقلّة و القائمة بالذات هو وجوده تبارك و تعالى، و أنّ باقي الموجودات لا وجود لها و ليست إلّا تمثيلًا للوجود، و أنّ وجودها ربطيّ و تعلّقيّ و ظلّيّ كظلّ الشاخص نسبة إلى نور الشمس، فهو يتحرّك تبعاً للشاخص.

  • و تمثّل هذه المقولة عين الحقيقة، كما أنّ وجود الأئمّة ليس وجوداً استقلاليّاً، فهم أيضاً آيات من الآيات الإلهيّة، كلّ ما في الأمر أنّهم الآيات الكبرى لتلك الذات القدسيّة؛ فإذا اعتبرناهم منشأ الأثر فقد سقطنا في احبولة التفويض.

  • أمّا في قضيّة الولاية، فنحن الذين نعرف الولاية، لا هؤلاء القطيع‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

543
  • من الأغنام الذين يجرونها على ألسنتهم. و نحن الذين نقوم بالعزاء الحقيقيّ، و نحن الذين نؤدّي الزيارة الحقيقيّة. كما أنّ معرفة الأئمّة عليهم السلام وجداناً و شهوداً و عقلًا و علماً مختصّة بنا، لا باولئك الذين يعتبرون الولاية أمراً منفصلًا. الولاية عين التوحيد، و التوحيد عين الولاية.

  • إنّ دموعنا على أبي عبد الله الحسين عليه السلام تجري من أعماق قلوبنا و سويدائها، فنحن نريد إفراغ قوالبنا بتلك الدموع، لأنّ تلك الدموع تنساب خارجاً ممزوجة بنفوسنا و أرواحنا؛ لا هذه الدموع التي تنبع من تخيّلاتهم و تصوّراتهم، فهؤلاء هم الذين يقتلون سيّد الشهداء ثمّ يجلسون فيقيمون عليه العزاء و يلطمون في مأتمه الصدور.

  • متى ذهبتُ إلى زيارة قبر أبي حنيفة؟! لعن الله أبا حنيفة فقد كان منحرفاً عن الولاية. لقد ذهبتُ يوماً مع الرفقاء من أهل الكاظميّة بعد زيارة النوّاب الأربعة في بغداد، لزيارة قبر معروف الكرخيّ، و لم أذهب إلى قبر الجنيد على الرغم من أنّه من أعاظم هذه الطائفة، و هو القائل:

  • «إنّ شيخنا في الاصول و الفروع و تحمّل البلوى عليّ المرتضى» و كان ابن اخت سري السقطيّ و هو من الشيعة على وجه التحقيق و من أعاظم أهل التشيّع و الولاية و من مشايخ هذا النهج.

  • أمّا معروف الكرخيّ فهو -بلا شكّ و لا ريب- من أعاظم الشيعة و كانت له ولاية رفيعة. فمن -ترى- يشكّ في معروف الكرخيّ؟! إنّ جميع العلماء قد ذكروه بالعظمة و الجلال و عدّوه من الشيعة المخلصين ممّن تربّوا على يد الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام‌۱؛ ثمّ جاء هؤلاء

    1. حتّى أنّ آية الله السيّد شرف الدين العامليّ قد ذكره في كتاب «المراجعات» ص ٩٥، برقم ۸٤، الطبعة الأولى، مطبعة العرفان، صيدا، سنة ۱٣٥٥، في المراجعة ۱٦، ضمن مائة نفر من رجالات الشيعة.
      و قد ذكرنا مقام معروف الكرخيّ و منزلته بالتفصيل في رسالة أوردناها في ترجمته، وردت في الكشكول «جُنگ خطّي» رقم ۱۸، ص ٢۰٦ إلى ٢۱٩.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

544
  • المساكين و حرّفوا زيارة قبر معروف الكرخيّ بزيارة قبر أبي حنيفة.

  • أمّا محيي الدين بن عربي فإنّ الكثير من وجهاء الشيعة يذكرون اسمه و يؤيّدون عباراته في نهج العرفان و السلوك، فلا اختصاص في هذا الأمر بي.

  • مدح المولويّ في «المثنويّ» لامير المؤمنين عليه السلام‌

  • و أمّا الملّا الروميّ فقد كان شيعيّاً خالصاً و محضاً. و لما ذا نبتعد كثيراً، فها هو «المثنويّ» في أيدينا، فتأمّلوا الدرجة التي امتدح بها أمير المؤمنين عليه السلام و ذمّ أعداءه؛ كما أنه يذمّ غاصبي الخلافة تلويحاً و كناية و يذمّهم صراحة في بعض المواضع، لكنّه يُدينهم و يهاجمهم بعنوان كلّيّ لا بخصوص اللفظ و العبارة.

  • أمّا المواضع التي ذكرهم فيها فقد أورد قبلها و بعدها مطالبَ مفصّلة في سيّئات الأخلاق و فساد العقيدة و سوء الأدب و أمثالها، بحيث يمكن -بالتأمّل و الدقّة- إدراك أنّ المراد بذلك غاصبو الخلافة أنفسهم.۱

    1. لقد مرّ علينا في هذا الكتاب «الروح المجرّد» كيف يصف أسد الله أمير المؤمنين عليه السلام في بيته هذا:
      غرق نورم گرچه شد سقفم خراب***روضه گشتم گرچه هستم بو تراب‌
      فتأمّلوا كيف يشبّه غَصْب الغاصبين للخلافة بخراب السقف! أجل، لو شئنا هنا إثبات تشيّعه بالبراهين و الدلائل لخرج الأمر عن عهدة هذه الرسالة، لذا نكتفي بما جاء في «روضات الجنّات» ص ۱٩۸، القسم الثاني عن الملّا الروميّ في الباب المسمّى بـ «محمّد»، الطبعة الحجريّة، فيقول:و في «الرسالة الإقباليَّة» أنّه قد سُئِلَ علاءُ الدَّولةِ السِّمنانيّ عَن حالِ هذا الرجلِ فَقالَ: هو نِعمَ الفَتَى، و إنْ لم أرَ في كَلماتِه ما يوجِبُ الاستقامةَ و التَّمكينَ. ثمّ قال: و ممّا [تابع في الصفحة التالية...]

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

545
  • ...۱

    1. [...تابع التعليقة السابقة] يُعجبُني مِن الرَّجلِ أنَّه كانَ إذا سَأل خادمَه: هَل يُوجَدُ عندنا شَي‌ءٌ نَطْعَمُهُ؟ فيقولُ: لا، يُظهَرُ منه بذلكَ الفَرحَ الشَّديدَ و يقولُ: الحمدُ للَّه الذي جَعل في مَنزِلنا شَبَهاً مِن منازلِ أهلِ البيتِ عليهم السلام. و إن كانَ يقولُ: نَعمْ، عِندنا من المَطاعمِ المطبوخِ و غيرِه، انزَعَجَ شديداً و قالَ: يفوحُ اليومَ مِن مَنزِلنا رائِحةُ فرعونَ اللَعين.ثمّ نقل في ص ۱٩۸، عن «مجالس المؤمنين» للقاضي نور الله التستريّ أنّ القاضي عدّه من مخلصي شيعة آل محمّد. ثمّ يقول في ص ٢۰۰:و مِن جُمْلَةِ مَنْ تَعَرَّضَ مِن هذه الطائفة لذكرِ هذا الرَّجلِ أيضاً هو المُحدِّثُ النَّيسابوريّ في دَرجِ رجالهِ الكبيرِ، فقالَ بعد التَّرجمَةِ له بعنوانِ محمّدِ بنِ محمّد بنِ الحسينِ: المولَى جلالِ الدِّينِ البَلخيّ الرُّوميّ نُزُلًا كانَ مُحدِّثاً عالِماً عارِفاً رُمِيَ بالتَّصوُّفِ؛ وَ قد أخْرجْنا مِن كلامِه المَنظومِ ما لا يُريبُ اللَبيبَ في كونِه إماميّاً اثنى عشريّاً وَ لكنَّه كان مُشاقياً في دَولةِ المُخالِفينَ. و قدِ اسْتَوفَينا تحقيقَ مذهبِه في كتابِ «ميزانِ التَّمييزِ في العلم العزيزِ»، وَ لْنَكتفِ هُنا بأبياتٍ مِنه؛ قال في «المثنويّ»:
      هر چه گويم عشق از آن برتر بود***عشق أمير المؤمنين حيدر بود
      يقول: «كلّما قلتُ كان العشق أفضل منه، عشق أمير المؤمنين حيدر عليه السلام».و قال:
      تو به تاريكى على را ديده‌اى***لا جرم غيرى بر او بگزيده‌اى‌
      يقول: «لقد رأيت عليّاً في الظلام، فلا جرم أنّك اخترتَ أحداً سواه».و قال:
      رومى نشد از سرّ على كس آگاه***زيرا كه نشد كس آگه از سرّ إله‌
      يك ممكن و اين همه صفات واجب***لا حول و لا قوة إلا بالله‌
      يقول: «أيّها الروميّ! لم يطّلع أحد على سرّ عليّ، لأنّ أحداً لم يطّلع على سرّ الإله.فهو ممكن مع كلّ صفات الواجب هذه! لا حول و لا قوّة إلا بالله».لَه تصانيفُ أشهَرُها «المثنويّ» المعروفُ، و قَد عبَّر عَنه شيخُنا البَهائيّ قُدّس سرُّه بِالمَولويّ المعنويّ و قال:
      من نمي‌گويم كه آن عالى جناب***هست پيغمبر ولى دارد كتاب‌
      يقول: «لا أقول إنّ ذلك الرجل الجليل كان نبيّاً، بَيدَ أنّه يمتلك كتاباً» انتهى. [تابع في الصفحة التالية...]

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

546
  • ...۱

    1. [...تابع التعليقة السابقة] و مِن جُملة مناظيمِ ديوانِه الذي هُو سِوَى مثنويِّه المعروف، كما نقلَه بعضُهم و جَعَله دليلًا على كونِه من الشيعةِ المُخلصينَ المُتديّنينَ، قولُه:
      هر آن كس را كه مهر أهل بيت است***وِرا نور ولايت در جبين است‌
      غلام حيدر است مولاى رومى‌***همين است و همين است و همين است‌
      يقول: «كلّ من كان في قلبه حبّ أهل البيت، كان له نور الولاية في الجبين.إنّ المولى الروميّ غلام و عبد لحيدر، هكذا هكذا هكذا!».و منها أيضاً:
      آفتاب وجود أهل صفا***آن إمام امم وليّ خدا
      آن امامى كه قائم است الحقّ‌***زو زمين و زمان و أرض و سما
      ذات او هست واجب العصمة***او منزّه ز كفر و شرك و ريا
      عالم وحدت است مسكن او***او برون از صفات ما و شما
      رهروان طالبند، او مطلوب‌***عارفان صامت و عليّ گويا
      سرّ او ديده سيّد المرسل‌***در شب قدر و در مقام دَنا
      از عليّ مى‌شنيد نطق عليّ‌***بُد عليّ جز عليّ نبود آنجا
      ما همه ذرّه‌ايم و او خورشيد***ما همه قطره‌ايم و او دريا
      بى ولاى عليّ به حقّ خدا***ننهد در بهشت آدم پا
      گر نهد بال و پر فرو ريزد***جبرئيل أمين به حقّ خدا
      مؤمنان جمله رو به او دارند***كو امام است و هادى اولى‌
      بندة قنبرش به جان مى‌باش‌***تا برندت به جنت المأوى‌
      شمس تبريز بنده از جان شد***جان فدا كرد نيز مولانا
      يقول: «هو شمس وجود أهل الصفاء، ذاك ولى الله إمام الامم.ذاك إمام قائم حقّاً، و منه الأرض و السماء و الزمان.ذاته واجبة العصمة، و هو المنزّه عن الكفر و الشرك و الرياء.عالَم الوحدة مسكنه، و هو الخارج عن صفاتنا و صفاتكم.السالكون طالبون و هو مطلوب، و العرفاء صامتون و عليّ ناطق.قد رأى سرّه سيّد المرسلين في ليلة القدر في مقام «دَنا» (إشارة إلى قوله تعالى‌ ﴿ثُمَ‌ دَنا فَتَدَلَّى، فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى‌﴾).فسمع من العليّ نطق عليّ، و لقد كان عليّ و لم يكن هناك غيره.نحن بأجمعنا ذرّة و هو شمس، و نحن جميعاً قطرة و هو بحر.فبحقّ الله لم يضع آدم قدمه في الجنّة، بغير ولائه لعليّ.و بحقّ الله لو وضع جبرئيل الأمين جناحه في مقامه، لساخ و تهاوى.المؤمنون جميعاً يتطلّعون إليه، لأنّه الإمام الهادي و الأولى بهم من أنفسهم.فافدِ خادمه قنبراً بروحك لتُقاد إلى جنّة المأوى.و لقد فدى له شمس التبريزيّ نفسه، و فدى مولانا نفسه هو الآخر».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

547
  • على أنّ قراءة كتاب «المثنويّ» لا تنفي ما عداه، فإنّ لدينا في البيت كلّ هذه الكتب في الأخلاق و روايات الأئمّة عليهم السلام نقوم بقراءتها، كما أنّ قراءة القرآن و دعاء الجوشن و أدعية المناجاة الإلهيّة كدعاء عرفة و المناجاة الخمسة عشر لا تنفي الولاية و لا تجعل الإنسان سنّيّاً.

  • البكاء للّه لا يسدّ طريق البكاء على الائمّة عليهم السلام‌

  • أمّا البكاء للّه أو من شدّة الشوق أو خوف الفراق و الهجران فهو من أشدّ الطاعات و المثوبات. إنّ البكاء للّه لا يسدّ طريق البكاء على الأئمّة، فما ذا يضير الإنسان لو بكى للّه و بكى للأئمّة أيضاً؟!

  • أمّا جعل البكاء منحصراً للأئمّة، و الغفلة عن الله و هجرانه، و جمود العين عن ذرف الدموع للّه فليس أمراً مستحسناً.

  • كان السيّد يقول: لقد عشنا كلّ هذه السنين و هرمنا و لم نسمع بمقولة «ولايتيّ» و «توحيديّ»، فلم نتصوّر الولاية في مقابل التوحيد. لكنّ هؤلاء جاءوا فصنعوا فرقتين: توحيديّة و ولايتيّة، تماماً كما جرى قبل قرنين من الزمن في كربلاء حين ابتدعوا جماعة الـ «پشت سريّة» مقابل الـ «بالا سريّة»، فقام الشيخيّة و هم أتباع الأحسائيّ بالاعتزال عن المؤمنين و صاروا فرقة خاصّة منعزلة.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

548
  • لقد قام هؤلاء بفصل الولاية عن التوحيد، و تكتّلوا مقابل صفّ المؤمنين، و إنّه لخطرٌ عظيم أن يعدّ الإنسان الولاية أمراً منفصلًا عن التوحيد.

  • على أنّ هناك في كربلاء اليوم جماعة من بقايا الشيخيّة، كما أنّ هناك عدّة في مشهد المقدّسة على مذهب الشيخيّة يدافعون عن مرام الشيخيّة و عقيدتهم دون إظهار الانتماء إليهم.

  • الفساد و الخلل في عمل أولياء الله يعقب الخسران في الدنيا و الآخرة

  • و كان من بين محبّي السيّد الحدّاد و تلامذته الحاجّ حبيب السماويّ، و هو رجل واعٍ ذو معرفة بالتوحيد و يمتلك حالات حسنة و مكاشفات عالية، و كان رجلًا وقوراً مدركاً و كهلًا خبر الامور و تبصّر بها، فقال حين جاء من السماوة إلى كربلاء للزيارة و اطّلع على الامور: ما أعجب شعوذة الشيطان و مهارته في فنّه و عمله! إنّ هذه جميعاً من دسائسه التي يريد بها إغلاق سبيل الله في وجوه المريدين. و هكذا فلم يدّخر الحاجّ السماويّ وسعاً في هداية الرفقاء و كشف الحقائق لهم. كما قام بعض الرفقاء الآخرين من ذوي الحالات الروحيّة الحسنة و من ذوي السوابق في المكاشفات الإلهيّة بالتباحث مفصّلًا مع هذين الشخصين و أقنعوهما باشتباههما، ففهما أنّهما ضلّا السبيل و أنّ إدانة السيّد بمثل هذه العجلة و الحماس و العنفوان لم يكن عملًا صائباً. و قد اثبت لهما بالشواهد و القرائن الكثيرة أنّ النفس الأمّارة و تسويلات الشيطان كانت قد فعلت فيهما فعلها و جرّتهما إلى كلّ هذا.

  • و لهذا فقد أظهر هذان الشخصان توبتهما مع كمال تأسّفهما على ما حدث، و أرادا التشرّف بالمثول عند السيّد و الاستفادة من محضره كالسابق فسمح السيّد لأحدهما بذلك و منع الآخر الذي نفر منه بشدّة، فكان لا يذكره بخير إلى آخر عمره.

  • أمّا ذلك الشخص الذي قبله السيّد فقد صار يشترك في مجالسه قليلًا

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

549
  • أو كثيراً، و لكن ما الفائدة؟ فلقد كان أشبه بإناء خزفيّ مكسور جرى إصلاحه و ضمّه إلى بعضه، فلا رنين له بعد. و كان يذهب أحياناً إلى الحاجّ محمّد علي خلف زاده في النجف فلا يفسح له الأخير مجالًا في بيته، حتّى أنّه قال يوماً: إنّ فلاناً يتردّد على باب منزلي كثيراً فيسبّب لي الإزعاج، و لقد وضعت في المنزل مسحاة لأنهال بها على رأسه لو جاء مرّة أخرى؛ ﴿وَ ما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾‌.۱

  • و لقد صار الرفقاء المخلصون للسيّد الحدّاد يعاملون هذين الشخصين كما عاملهما السيّد، أي أنّهم قطعوا علاقتهم بأحدهما و لم يفسحوا له مجالًا في مجالسهم، و نهجوا مع الآخر سبيل المداراة.

  • و كان سماحة السيّد يقول: لقد كانت توبة ذلك الشخص صوريّة، و من أجل اجتذاب الرفقاء و الحصول على المتع الدنيويّة، لذا فقد كانت بلا نتيجة.

  • أمّا توبة هذا فعلى الرغم من أنّ لها صبغة حقيقيّة، إلّا أنّها كانت ستصبح تامّة لو عاد إلى البسطاء الذين سبق أن كدّر صفاء قلوبهم البسيطة الصافية و أصابها بالصدأ، فقام بتجليتها و صقلها من جديد، و لو سعى لإخراجهم من الشكّ و الشبهة. لكنّه لم يفعل ذلك لأنّه ليس بالأمر الهيّن، و عليه فستلازمه تبعة هذا الانحراف و الخطأ إلى آخر عمره، أشبه بغلام قتل ابن مولاه ثمّ اعترف بخطيئته فعفى عنه مولاه و أبقاه في بيته، بَيدَ أنّ صورة قتل ولده ستبقى مجسّمة باستمرار أمام ناظريه مع أنّه عفى عنه بكرمه و سامحه بروحه الكبيرة.

    1. اقتباس من الآية ۸٢، من السورة ۱۸: الكهف؛ حيث شرح الخضر لموسي علي نبيّنا و آله و عليهما السلام علّة أفعاله الثلاثة في خرق السفينة و قتل الغلام و إقامة الجدار في الآيات السابقة و أنهاها في هذه الآية بقوله: وَ ما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

550
  • و كان يقول: إنّ توبة اولئك ستكون توبةً نصوحاً حين يكون لديهم الاستعداد ليُعاد صهرهم و قولبتهم من جديد كما يُفعل بالإناء الخزفيّ المكسور، و عند ذاك لن يتبقّى أثر من الجرم و الخيانة في نفوسهم، و سيتقبّل المولى آنذاك غلامه الآبق القاتل لولده كما لو كان ولده و فلذّة كبده.

  • إنفاق الحاجّ السيّد هاشم الحدّاد كان بلا حدود

  • و حصل خلال هذا السفر أن عاد يوماً من حجّ بيت الله الحرام أحد الحجّاج من المنسوبين إلينا بالسبب و ورد على السيّد، و كانت مكواته الكهربائيّة قد تعطّلت عن العمل فأرسلها للتصليح، فجاء بها هذا الحاجّ إلى المنزل و قال في حضور السيّد: أعطيت المكواة لإصلاحها، فقال المُصَلِّح: إنّ فيها خللًا يكلّف إصلاحه ثلاثة أرباع الدينار، فتعال عصراً لأخذها. فذهبتُ إليه عصراً و هو يظنّ أنّي سأدفع له ثلاثة أرباع الدينار، فقلتُ له: لقد خنتَ في المعاملة، فالجزء الفلاني لم يُعَطّل في المكواة كما زعمتَ، بل كان السلك الفلاني مقطوعاً و اجرة إصلاحه عشرة فلوس! ثمّ فتحت المكواة و أريته النقطة التي قام بتلحيمها. فخجل الرجل من اطّلاعي على الأمر، ثمّ أعطيته عشرة فلوس و أخذت المكواة. و كان هذا الشخص يقصّ الأمر و كأنّه دليلًا على فطنته و ذكائه، فلم يعقّب السيّد على كلامه شيئاً، ثمّ قال لنا: لو كنتُ مكانه لدفعت ثلاثة أرباع الدينار و لم أتظاهر أمامه بشي‌ء.

  • و قد نقل نظير هذه السماحة و الكرم الأخلاقيّ عن الآخوند الملّا حسين قلي الهمدانيّ، فقد نقل حفيده‌۱ للحقير في النجف الأشرف أنّ المرحوم الآخوند كان يسافر مع أصحابه إلى كربلاء للزيارة مشياً على‌

    1. و هو المرحوم حجّة الإسلام الحاجّ الشيخ محمّد الهمدانيّ ابن المرحوم حجّة الإسلام الشيخ علي رضوان الله عليهما.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

551
  • الأقدام، فخرج عليهم أعراب البادية في الطريق و قاموا بسلبهم و نهب كلّ ما يملكون. و عند ما عرفوه عادوا و قدّموا إليه ما سلبوه و اعتذروا منه، فقام المرحوم باسترجاع كتب الوقف التي نهبوها منه و لم يسترجع بقيّة الكتب و الأموال، و قال: لقد جعلتهم في حلّ منّي بمجرّد وقوع السرقة، فلستُ أرضى أن يحرق الله لأجلي أحداً بنار جهنّم.

  • و هناك الكثير من الروايات في أمثال هذا العفو و المسامحة عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام و عن سائر الأئمّة، الذين يمثّلون -بطبيعة الحال- النموذج المحتذى و الاسوة الحسنة لجميع الامّة.۱

    1. ذكر المجلسيّ رضوان الله عليه في «بحار الأنوار» ج ۸، ص ۱٤۱، طبعة الكمبانيّ، في الفتن الواقعة بعد الرسول صلّى الله عليه و آله ثلاث روايات في باب العلّة التي من أجلها ترك أمير المؤمنين عليه السلام فَدَك لمّا ولى الناس.
      «علل الشرايع»: الدقّاق بسنده عن أبي بصير عن الصادق عليه السلام، قال:
      قُلْتُ لَهُ: لِمَ لَمْ يَأخُذْ أميرُ المُؤْمِنِينَ عَلَيهِ السَّلَامُ فَدَكَ لَمَّا وَلِيَ النَّاسَ وَ لأيّ عِلَّةٍ تَرَكَهَا؟
      فَقَالَ: لأنَّ الظَّالِمَ وَ المَظْلُومَةَ قَدْ كَانَا قَدِمَا على اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ (و في نسخة: وَ أثَابَ اللهُ المَظْلُومَةَ وَ عَاقَبَ الظَّالِمَ) فَكَرِهَ أنْ يَسْتَرْجِعَ شَيْئاً قَدْ عَاقَبَ اللهُ غاصِبَهُ وَ أثَابَ عَلَيهِ المَغْصُوبَةَ.
      «علل الشرايع»: بسنده عن إبراهيم الكرخيّ، قال: سَألْتُ أبَا عَبْدِ اللهِ عَلَيهِ السَّلَامُ فَقُلْتُ لَهُ: لأيّ عِلَّةٍ تَرَكَ أمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلَيهِ السَّلَامُ فَدَكاً لَمَّا وَلِيَ النَّاسَ؟ فَقَالَ: لِلِاقْتِدَاءِ بِرَسُولِ اللهِ صلّى اللهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ وَ قَدْ بَاعَ عَقِيلُ بْنُ أبي طَالِبٍ دَارَهُ. فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أ لَا تَرْجِعُ إلى دَارِكَ؟ فَقَالَ عَلَيهِ السَّلَامُ: وَ هَلْ تَرَكَ عَقِيلٌ لَنَا دَاراً؟ إنَّا أهْلُ بَيْتٍ لَا نَسْتَرْجِعُ شَيْئاً يُؤْخَذُ مِنَّا ظُلْماً؛ فَلِذَلِكَ لَمْ يَسْتَرجِعْ فَدَكاً لَمَّا وَلِيَ.
      «عيون أخبار الرضا»، «علل الشرايع»: بسنده عن الحسن بن فضّال عن أبي الحسن عليه السلام قال: سَألْتُهُ عَنْ أمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلَيهِ السَّلَامُ لِمَ لَمْ يَسْتَرْجِعْ فَدَكَ لَمَّا وَلِيَ النَّاسَ؟ فَقَالَ: لأنَّا أهْلُ بَيْتٍ وَلِيُّنَا اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ، لَا يَأخُذُ لَنَا حُقُوقَنَا مِمَّنْ يَظْلِمُنَا إلَّا هُوَ، وَ نَحْنُ أوْلِيَاءُ المُؤْمِنِينَ إنَّمَا نَحْكُمُ لَهُمْ وَ نَأخُذُ حُقُوقَهُمْ مِمَّنْ يَظْلِمَهُمْ وَ لَا نَأخُذُ لأنْفُسِنَا.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

552
  • كرم المرحوم الحداد وَ جوده و إنفاقه كان بغير حدود

  • و كان من دأب المرحوم الحدّاد حين يصل إلى فقير و محتاج أن يضع يده في جيبه فيعطيه بلا عدّ أو حساب، و كان يُعطي أحياناً كلّ ما يملك. و لم نشاهده طوال مدّة عمره و هو يعدّ نقوداً.

  • و قد حدث يوماً في كربلاء، أن ذهب إلى منزل والد العروس المراد خطبتها إلى ولده السيّد برهان الدين لطلب يدها، فصحبه إلى ذلك المجلس جمع من الرفقاء من بينهم الحاجّ عبد الجليل و الحاجّ آقا معين و الحاجّ أبو موسى. فجلس السيّد في الزاوية غارقاً في خواطره، و أحسّ فجأة أنّهم يتبادلون بينهم كلمات ما، فسأل: ما ذا تقولون؟

  • قالوا: نتحدّث عن المهر فنحن نقول إنّه سبعون ديناراً و عائلة العروس يقولون: ثمانون ديناراً.

  • فقال: اجعلوه مائة و خمسين ديناراً!

  • فصمت الجميع إذ سمعوا منه هذا الكلام، و عيّنوا المهر مائة و خمسين ديناراً.

  • و قد مرّ سابقاً أنّه لم يكن يعيّن لمعاونه في الدكّان راتباً معيّناً، بل كان معاونه يأخذ من واردات الدكّان ما يحتاجه، فكان يتبقّى للسيّد أحياناً مائة فلس أو مائة و خمسون فلساً أو لا يتبقّى شي‌ء له أبداً، فيعود بهذا المبلغ البسيط إلى المنزل الغاصّ بعائلته الكبيرة.

  • و لقد ذكرنا سابقاً أنّ عمله كان الحدادة و صناعة النعل، فكان يبيع ما لديه إلى المشتري بقيمة أقلّ من جميع الحدّادين الآخرين، و كان يوفي الكيل عند الوزن، ثمّ يضيف قدراً من النعال الحديديّة إلى ما سبق أن وزنه. و لم يكن ليستثني أحداً من بيعه نسيئةً، فكان يبيع بالنسيئة كلّ من شاء، لذلك صارت طريقته هذه في الكسب سبيلًا لارتزاق البعض. فكان بعضهم يجي‌ء أحياناً فيشتري منه بالنسيئة بضاعة بهذه الكيفيّة، ثمّ يُعيده‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

553
  • كلّه أو بعضه بعد مدّة و يقول للسيّد: استرجع هذه البضاعة بقيمة السوق -لا بالقيمة التي بعتَ لنا بها- و كان السيّد يوافق على ذلك. و كان يُشاهد كثيراً أنّه لم يكن ليحصل على شي‌ء مقابل بيعه، فقد كان اختلاف قيمة السوق و القيمة التي باع بها سبباً لربح المشتري في جمع العوض و المعوّض.

  • و العجيب في الأمر أنّ السيّد كان له اطّلاع كامل على نيّة المشتري و اسلوب عمله، لكنّه لم يكن ليرفض له طلباً. و لم يكن المرحوم الحاجّ السيّد هاشم رجلًا بسيطاً و ساذجاً، بل كان ذكيّاً و فطناً فهماً سريع الانتقال، لكنّ معاملته مع الجميع -المحتاجين منهم و غير المحتاجين- كانت على هذه الصورة.

  • و كان السيّد يهب كلّ ما لديه لرفقائه، من السجّادة و المسبحة و الخاتم و الثوب. و كان يشتري من الخواتم القبضة بعد القبضة فيهديها، و كان غالباً ما يذهب إلى باعة الخواتم الفقراء الذين يجلسون إلى جانب الصحن في كربلاء و الكاظميّة فيشتري منهم، فكان هؤلاء يعرفونه جيّداً و ينادونه حالما يرونه يعبر من الصحن: أيّها السيّد هاشم! تعال فقد جئنا بخواتم للبيع.

  • و حصل يوماً أن احتاج الحقير إلى مقصّ لقصّ الأظافر، و كان هناك مقصّ في الغرفة الواقعة في المنزل الآخر الذي يقيم فيه السيّد، فأخرج على الفور ربع دينار من جيبه و أعطاه للحاجّ محمّد علي ليشتري مقصّاً على الفور. و كنتُ أعلم أنّه لم يكن يمتلك آنذاك غير ربع الدينار هذا.

  • أي أنّ ابتياع مقصّ جديد بهذه الكيفيّة كان أسهل لديه من إرساله أحداً إلى المنزل الآخر لجلب مقصّ منه، مع أنّ الفاصلة بين المنزلين لم تكن تزيد عن عدّة أقدام.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

554
  • الحالات التوحيديّة الجيّدة للحاجّ السيّد هاشم و بعض كراماته‌

  • و لقد كان السيّد قادراً -بامتلاكه ثروات معنويّة إلهيّة و بتحقّقه بالولاية- على فعل كلّ شي‌ء، حتّى اجتراح الكرامات العجيبة و الغريبة، لكنّه لم يشاهد عنه طيلة عمره أنّه كان يرتزق عن هذا الطريق أو يسدّ احتياجاته عن سبيله.

  • و كان يقول: إنّ الله تعالى يحبّ أن يكون عبده مسلماً خاضعاً، و أن يختار هو لعبده لا أن يختار العبد لنفسه شيئاً. فاختيار العبد ليس مستحسناً، و مهما استجيب له و يُستجاب، فإنّ ذلك أمر مغاير لنهج المحبّة و العبوديّة، لأنّ الله سبحانه يحبّ أن يتمثّل عبده بالعبوديّة، أي أن يتنصّل و يخرج من دائرة الإرادة و الاختيار.

  • و كان يوصي تلامذته: لا تسعوا وراء الكشف و الكرامات! فأمثال هذه الطلبات تُبعد السالك عن الله و لو تحقّق طلبه و نال غايته؛ أنّ الكرامة و الكشف الذي يأتي به الله هي الكرامة المحمودة لا التي يسعى إليها العبد.

  • و لم نسمع من السيّد طيلة عمره كلاماً يحكي عن مقام ما أو بيان لكشف أو كرامة، فكان كلامه يدور بأجمعه حول المقامات التوحيديّة و السير في عوالم المعنى. بَيدَ أنّه قال يوماً بمناسبة ما: حصل عند ما كنت أمتلك دكّاناً في سوق الخضار أنّ شخصاً كان له عَلَيّ خمسة دنانير، و قد طالبني بها مراراً فلم يكن لديّ ما اعطيه، فوعدته بتسديدها له في أقرب فرصة. و كنتُ يوماً منشغلًا بالعمل خلف الموقد، فشاهدتُ فجأة أنّ ذلك الشخص قد جاءني من الجانب الأيمن ليطالبني بدَيْنه، و أحسستُ بهزّة تعتريني بلا اختيار، ثمّ رأيتُ على الفور شخصاً أتاني من الجانب الأيسر و أعطاني خمسة دنانير، فتسلّمتُها منه بهذه اليد و سلّمتها للدائن بتلك.

  • و قال: كانت حرارة بدني بدرجة يتحتّم عَلَيّ معها أن أشرب الماء

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

555
  • البارد المثلّج‌۱ حتّى في الشتاء القارس، و كنت حينذاك أسكن في منزل والد زوجتي، فحدث في إحدى ليالي الشتاء أن كنت راقداً بالقرب من زوجتي، فنهضتُ للتهجّد فوضعتُ قدمي فجأة على إناء خزفيّ مملوء بالماء البارد فانكسر و اريق ماؤه. فعرتني هزّة آنذاك أيضاً أن: يا للويل! أيّة مصيبة ستصبّها حماتي على رأسي غداً؟!

  • فشاهدت فجأة -بمجرّد هذا الخطور القلبيّ- أنّ الإناء الخزفيّ موضوع في مكانه سالماً مليئاً بمائه.

  • و كان السيّد يعبّر عن الأفراد الذين يمتلكون إمكانية كبيرة على تحمّل المشاقّ و الواردات فيقول: إنّ فلاناً له قدرة كبيرة لتحمّل الطرق بالمطرقة! و هو اصطلاح خاصّ بالحدّادين؛ ذلك لأنّ بعض أقسام الحديد ليّن و مطاوع و خالٍ من الموادّ الفولاذيّة فهو يتبدّد سريعاً بمجرّد صهره في الفرن و يصبح غير قابل للطرق، بَيدَ أنّ البعض الآخر من أقسام الحديد له تركيبات فولاذيّة تجعل استحكامه و متانته عالية، فهم يضعونه في الموقد تكراراً ثمّ يضعونه على السندان فيطرقونه مع احتفاظه باستحكامه و متانته، حتّى يجعلونه أخيراً في أيّ شكل يشاؤون.

  • منّا الاستجداء، و من الله الإحسان و الكرم و العطاء

  • و حصل أن سأله يوماً أحد الرفقاء شيئاً، و كان ذلك الرفيق طافحاً بالوجد و من ذوي الواردات المعنويّة العالية و الممتازة، فتبسّم السيّد تبسّماً مليحاً و قال له:

  • يك كاسه حليمى در دست يك يتيمى‌***مى خورد و ناله مى‌كرد: اى واى روغنش كو؟!٢
    1. كذلك لم يُرَ حتّى أواخر عمره تقريباً أنّه لبس الجوارب حتّى في الشتاء القارس، و كانت أزرار قميصه و ردائه دائماً مفتوحة، و كان يفضّل الماء البارد حتّى في الشتاء.
    2. يقول: «في يد يتيم وعاءٌ من الهريسة، فهو يأكل منه و يئنّ بقوله: أين زيته؟!».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

556
  • و كان يقول: ينبغي لنا ألّا نحرم أحداً من رحمة الله، ذلك لأنّ الأمر ليس في أيدينا بل هو في يده سبحانه و تعالى. فإن سألكم أحد أن تدعوا له فقولوا: سندعو، و لو قال: أ يغفر الله الذنب؟! فقولوا: يغفر، و قس عليه فَعْلَلَ و تَفَعْلَلَ!

  • لما ذا يبخل الإنسان بالدعاء مع أنّ الأمر بيده سبحانه؟! لما ذا لا يلهج لسانه بالخير و السعة؟ لما ذا يُقنِّت الناس من رحمة الله؟

  • على الإنسان أن يكون دوماً كذلك الأب الذي يهب لأطفاله الجياع المحزونين أملًا جديداً، و ليس كتلك الامّ التي تبخل حتّى بالوعد و التأميل.

  • كان لرجل في كربلاء أطفالًا كثيرين و يعيش معهم في شدّة الفقر المدقع و الاضطراب، و لم يكن في غرفتهم غير حصير من سعف النخيل و لم يكن لديهم لحاف أو مخدّة، و لا فراش، فكانوا يقضون أيّامهم في عُسر و فاقة و جوع، و لم يكن بإمكانهم أن يتناولوا الحساء باللحم و لو مرّة كلّ عدّة أشهر.

  • عاد هذا الأب ذات ليلة إلى المنزل فوجد أطفاله جياعاً يتضوّرون، فأخذ يمنّيهم و يؤمّلهم و يعدهم أن: لا تغتمّوا يا أطفالي! اصبروا حتّى يأتي الصيف فيمكنني الذهاب للعمل و الحصول على نقود كثيرة، و آنذاك ساركّبكم في عربة تجرّها الخيول، و سأستأجر لُامّكم و لباقي أهل المنزل عربة على حدة، و سآخذكم أوّلًا لزيارة سيّد الشهداء عليه السلام، ثمّ آخذكم بتلك العربة لزيارة أبي الفضل العبّاس عليه السلام، ثمّ نركب من جديد و نذهب إلى الفندق الفلاني فأشتري لكلّ منكم طبقاً من الرز و الكباب و اوصي لكلٍّ منكم كاسة من المخلّلات. و بعد أن تأكلوا ذلك كلّه فسآخذكم بالعربة أيضاً إلى محلّ بيع البرتقال فأشتري لكم ما شئتم من البرتقال، ثمّ نضع البرتقال في العربة و نعود سويّاً إلى المنزل.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

557
  • و هنا صاحت امرأته به: ما ذا دهاك؟! لقد أنهيتَ نقودك، فلِمَ هذا التبذير؟!

  • فقال الرجل: و ما شأنك أنت؟ دعي أطفالي يأكلون!

  • إنّ أمرنا و إنفاقنا عيناً كمثل إنفاق ذلك الرجل الذي لم يكن في حقيقته شيئاً بل كان أجوفاً فارغاً، لكنّ تلك المرأة كانت تبخل حتّى عن هذا الإنفاق و الوعد، بينما كان الرجل يُبقي أطفاله سعداء مبتهجين بتلك الوعود.

  • حين يصبح من المسلَّم للإنسان أن: لَا نَافِعَ وَ لَا ضَارَّ وَ لَا رَازِقَ إلَّا اللهُ، فلما ذا لا ننفق من جيوبنا؟ و لِمَ نبخل في إنفاق الله و رحمته الواسعة؟ نحن أيضاً نقطع الوعود، و الله رحيم و كريم، و هو المعطي و المحسن.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

558
  •  

  •  

  • الْقِسْمُ الْعَاشِرُ: السَّفَرُ الثَّامِنُ لِلْحَقِيرِ إلى العَتَبَاتِ الْمُقَدَّسَةِ سَنَةَ ۱٣٩٤ هِجْرِيَّة قَمَرِيَّة

  •  

  •  

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

560
  •  

  • السفر الثامن للحقير إلى العتبات المقدّسة،

  • سنة ۱٣٩٤ هـ. ق‌

  •  

  • جرى هذا السفر في أواخر شهر ذي القعدة و استمرّ إلى ما بعد العشرة الأولى من محرّم الحرام لسنة ۱٣٩٥، كلّ ما في الأمر أنّ السيّد كان قد تشرّف بالذهاب إلى الكاظمين عليهما السلام للزيارة، فكان هناك وقت وصول الحقير إليها. و قد بقي الحقير في معيّة السيّد عدّة أيّام في منزل الأخوين العزيزين: الحاجّ أبي أحمد عبد الجليل محيي و الحاجّ أبي موسى جعفر محيي سلّمهما الله تعالى، ثمّ عدتُ بعد زيارة تلك البقعة المباركة و قضاء عدّة ليالٍ في سامرّاء في معيّته و بصحبة ذينك الرفيقين الجليلين، إلى كربلاء المشرّفة في أواسط العشرة الأولى لذي الحجّة و حططت الرحال في مستقرّي الدائميّ في منزل السيّد، و بقيتُ في معيّته إلى حين العودة، حتّى في زيارة النجف الأشرف و عند العودة إلى الكاظميّة، و الحمد للّه و له المنّة على جميع الأحوال.

  • سيّد متحجّر الفكر يدّعي أنّه السيّد الحسني‌

  • و لقد كان الأمر المهمّ الذي اتّفق حدوثه في هذا السفر -و الذي كان سفري إلى هناك مواكباً لنهايته و ختامهـ قصّة رجل أثار فتنة و هرجاً في العتبات المقدّسة بدعوى أنّه السيّد الحسنيّ. و لو لم يكن السيّد الحدّاد موجوداً ليقمع تلك الفتنة، فإنّها لا سمح الله كانت ستصبح نظير قضيّة الشيخيّة و الـ «پشت سريّة» و انتهاءً بالبابيّة و الأزليّة و البهائيّة.

  • و بيان ذلك: أنّ هناك سيّداً شابّاً اسمه ... جاء من مشهد المقدّسة إلى‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

561
  • العراق زاعماً أنّ له مهمّة باطنيّة عن طريق المكاشفة، فسكن في سامرّاء في مدرسة المرحوم المجدِّد آية الله الحاجّ الميرزا محمّد حسن الشيرازيّ قدّس سرّه، و ادّعى أنّه السيّد الحسنيّ، و أنّ على الناس أن يتأهّبوا لظهور الإمام، فصاحب الأمر سيظهر قريباً بعد أشهر معدودات.

  • و قد تقبّل الناس في الكاظميّة و النجف هذا الأمر و على الأخصّ المتديّنون و المتطرّفون منهم، فشرعوا -حسب أمر هذا الشابّ- بجمع الأموال من التجّار و الكسبة المعتبرين لشراء الأسلحة الحربيّة و المعدّات و سائر المستلزمات، و بتحريك الناس و إعدادهم للظهور.

  • و بطبيعة الحال فإنّ حدّة هذه الفتنة كانت أقلّ في كربلاء نظراً لوجود سماحة الحاجّ السيّد هاشم و ممانعته، بَيدَ أنّ رأس الفتنة في كربلاء كان نفس ذلك الشخص الذي قاد عن قريب الفتنة التوحيديّة و الولايتيّة، و الذي عمد بعد ارتحال المرحوم الأنصاريّ إلى الإعلان و الدعوة في مجالس طهران بعدم الحاجة إلى استاذ و بكفاية وجود إمام العصر، الأمر الذي تطرّقنا إلى ذكره أوائل الكتاب.

  • و قد قام هذا الشخص بتوسيع رقعة الأمر من خلال إرسال الرسائل و بعث الأفراد إلى التجّار و المحترمين و جمع الأموال الطائلة؛ و ها هو على قيد الحياة لا يتحدّث إلّا عن إمام العصر و عن الجزيرة الخضراء و أولاد الإمام و أحفاده، و لكن أيّ إمام عصر؟ أ هو الإمام الحقيقيّ و الواقعيّ، أم إمام خياليّ و وهميّ؟!

  • و على أيّة حال فإنّ إمام العصر ليس منفصلًا عن الله سبحانه فهو يعمل بأمره و مشيئته، كما أنّ أوّل من يعلم بتحرّكه، وليّ الله الذي يرتبط بالله و يقيم في حرم الله، لا ذاك الذي لم يتنشّق التوحيد، و الذي يوجّه مسألة ظهور الإمام و فرجه تبعاً لخيالاته و مصالحه و مفاسده الشخصيّة؛

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

562
  • نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ هَؤُلَاءِ وَ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا.

  • و كان سبب انجذاب هذا الرجل إلى ذلك السيّد الحسنيّ المزعوم هو قوله عنه: إنّه رجل صادق يمتلك مكاشفات، و قد صار مسلّماً لنا بالقرائن الحاصلة من مشاهداته الباطنيّة أنّه هو السيّد الحسنيّ، و قد جاء من خراسان إلى العراق ليعبّئ الناس و يحرّكهم لاستقبال ظهور الإمام.

  • و كان ذلك السيّد يقول: لقد شرعتُ في مشهد المقدّسة بالرياضة وفق نظري الشخصيّ، فانفتحت لي نافذة على الغيب، و صار لي علاقة و ارتباط مع الأرواح و إطّلاع على الملكوت. و قد قيل لي من هناك: أنت السيّد الحسنيّ، فتحرّكْ إلى الكوفة و أعدّ الناس لظهور بقيّة الله الذي سيظهر بعد عدّة شهور على رأس... الفلانيّ.

  • و لم يكن مجيئي عاديّاً، فلم آتِ بجواز سفر. و قد اعتُقلتُ ثلاثة أيّام عند عبوري الحدود، فكانت لي فيها حالات حسنة. ثمّ جمعوني مع الشاه و تقرّر أن يكون معنا، فإن تخلّف عنّا حاربناه. ثمّ جئتُ بعد إطلاق سراحي من التوقيف إلى هذه الأماكن و ذلك بطريق غير عاديّ أيضاً.

  • كان سماحة الحاجّ السيّد هاشم يقول: لقد علمتُ قبل أن أرى هذا الرجل أنّ الأمر لا يعدو أن يكون فتنة، و أنّ هذا الأمر لا حقيقة له. فهذا الرجل سيّد متحجّر الفكر يُخبر عمّا يرده من الشياطين و مردة الجنّ، حيث إنّ نفسه تتقبّل ذلك و لو لم يكن بذاته كاذباً.

  • لذا فقد أرسلتُ رفقائي في النجف و كربلاء و الكاظميَّة ليقفوا في وجه هذا الأمر و يجهروا ببطلانه. بَيدَ أنّ هؤلاء كانوا قد جمعوا أموالًا و تاجروا بها، و صرفها بعضهم في اموره الشخصيّة بدلًا من شراء الأسلحة.

  • و مع ذلك فقد جلست معه لوحده في غرفة ساعة كاملة في السفر الذي قمت به لزيارة أئمّة تلك البقاع المباركة، فتحادثنا في عدّة امور.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

563
  • فسأله الحقير: كيف و جدتموه؟ أجاب السيّد: حماراً!

  • و لم يكن الحقير قد سمع من سماحة السيّد تعبيراً كهذا في حقّ أحد قبل ذلك الزمان و بعده؛ فقد كان السيّد هاشم في منتهى الأدب، و كان في حديثه و صدقه و أمانته و حكاياته ميزاناً ينبغي أن توزن به جميع الأقوال.

  • و لقد فهمتُ من تعبيره هذا أنّه يريد القول بأنّ هذا الرجل لا فهم له، و أنّ ذهنه بالنسبة إلى الواردات الشيطانيّة و الخياليّة التي لا حقيقة لها أشبه بذهن الحمار الخالي من المحتوى المعنويّ و القيم التوحيديّة و العلائق الحقيقيّة.

  • و قد صادف يوماً أن شاهد الحقير في سفره هذا خلال انشغاله بالزيارة في الحرم المطهّر لسامرّاء رجلًا يصلّي في الزاوية الغربيّة للحرم المطهّر و قد ألصق نفسه بالجدار من الخلف و اليمين، و كانت سحنته تبدو غاضبة و متجهّمة، و كان هو نفسه ذلك الرجل.

  • نعم، لقد بذل السيّد الحدّاد جميع جهوده و مساعيه الجميلة في إطفاء هذه النائرة، فاقتنع بكلامه أهالي كربلاء و الكاظميّة المحترمون الذين كان لهم معرفة برفقته و سابقته، فوضع حدّاً لتلك القضيّة و بقي ذلك السيّد في سامرّاء وحيداً. ثمّ انقضت الشهور و لم يحدث الظهور، فبدأ الناس بإثارة الضجّة ضدّه. و اعترض التجّار المحترمون الذين قدّموا مبالغ نقديّة فطالبوا بإصرار على استرجاعها، و كانت تلك المبالغ قد انفقت، فأدّى ذلك إلى إهدار سمعة اولئك و كرامتهم. حتّى تجمّع البعض في كربلاء في منزل ذلك الشخص المطالب بإمام العصر و المنادي بعدم الحاجة للُاستاذ، فأعاد إليهم -منعاً لتفاقم الأمر- بعض الصكوك التي لم يحن موعدها بعدُ، و لو لا ذلك فقد كاد الأمر ينجرّ إلى إقامة الشكوى عند الحكومة لاسترداد الأموال التي جُمعت منهم.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

564
  • الحاجّ السيّد هاشم الحدّاد يمنع نشوب فتنة من قِبَلِ المدّعي بأنّه السيّد الحسني‌

  • كان سماحة السيّد يقول: الأمان من أعمال هؤلاء المدّعين أنّهم إمام العصر، و من هؤلاء المتسمّين باسم السيّد الحسنيّ، الذين يظهرون مرّة كلّ فترة من السنين فلا يهدأون حتّى يثيروا الفتنة و الفساد. إنّ هذه الامور بأجمعها تَحدُث إثر التمرّد في السلوك، و الانشغال بالرياضات و الأعمال المستحبّة الكثيرة بدون استاذ ماهر واصل و منتم إلى الحقيقة، و نتيجة سهر الليالي بلا نهج صحيح، و اجتناب الأغذية المحلَّلة بدون إذن الاستاذ و إجازته.

  • و لقد شوهد سماحة السيّد تكراراً و هو يقرأ للرفقاء رواية عبد العزيز القَراطيسيّ في أنّ هذا الطريق ينبغي طيّه بمداراة و رفق، و أنّ الأعمال الشاقّة الثقيلة تقتل السالك و تصيب نفسه بالانكسار فلا يستطيع حراكاً، كمسافر كُسرت رجله فكيف سيمكنه طيّ الصحراء بها؟

  • و قد نقل الكلينيّ هذه الرواية في «اصول الكافي» بهذا النصّ الحرفيّ أنّه روى عبد العزيز القراطيسيّ قال:

  • قَالَ لِي أبُو عَبْدِ اللهِ عَلَيهِ السَّلَامُ: يَا عَبْدَ العَزِيزِ! إنَّ الإيمَانَ عَشْرُ دَرَجَاتٍ بِمَنْزِلَةِ السُّلَّمِ يُصْعَدُ مِنْهُ مِرْقَاةً بَعْدَ مِرْقَاةٍ، وَ لَا يَقُولَنَّ صَاحِبُ الاثْنَيْنِ لِصَاحِبِ الوَاحِدِ: لَسْتَ على شَي‌ءٍ؛ حتّى يَنْتَهِيَ إلى العَاشِرِ.

  • فَلَا تُسْقِطْ مَنْ هُوَ دُونَكَ فَيُسْقِطْكَ مَنْ هُوَ فَوْقَكَ. وَ إذَا رَأيْتَ مَنْ هُوَ أسْفَلَ مِنْكَ بِدَرَجَةٍ فَارْفَعْهُ إلَيْكَ بِرِفْقٍ وَ لَا تَحْمِلَنَّ عَلَيهِ مَا لَا يُطِيقُ فَتَكْسِرَهُ فَإنَّ مَنْ كَسَرَ مُؤمِناً فَعَلَيهِ جَبْرُهُ.۱

  • و الجَبْر هو تضميد الكسور، و يقال لمن يضمد الكسور جابر و جبّار.

    1. «اصول الكافي» ج ٢، ص ٤٥، كتاب الإيمان و الكفر، باب درجات الإيمان، الحديث الثاني، الطبعة الثانية لمكتبة الصدوق، طهران، سنة ۱٣۸۱ هـ. ق.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

565
  • أي أنّ في عهدة و مسؤوليّة من سبَّب إضعاف إيمان مؤمن ما، و أوجب كسره و إلقاء الشكّ و التردّد لديه بواسطة طرح المطالب التوحيديّة و الأسرار الإلهيّة التي لا طاقة لهذا المؤمن بحملها و إدراكها، أن يجبره و أن يتحمّل الكثير من المتاعب و المشاقّ إلى أن يرفع تلك الشبهة، و إلّا فإنّه يؤتى به يوم الجزاء فيُحاسب كقاتل أو جارح و يُطالَب بالدية.

  • كلام الحدّاد: العالم بأرجائه ملي‌ء بالعشق؛ العشق الهابط و العشق الصاعد

  • و قد سأل الحقير يوماً سؤالًا من السيّد على هيئة شكوى:

  • ألسنا نقرأ في الدعاء: بِكُمْ يُجْبَرُ المَهِيضُ وَ يُشْفَى المَرِيضُ‌؟ فحين يصدق هذا الخطاب للأئمّة عليهم السلام، فلِمَ لا يجبر أولياء الله -أعني بذلك السيّد- عظامنا المكسورة و يشفون أمراضنا الروحيّة؟! و خلاصة الأمر:

  • صد ملكِ دل به نيم نظر مى‌توان خريد***خوبان در اين معامله تقصير مى‌كنند۱
  • و كان السيّد آنذاك مُتعباً قد عاد لتوّه من الزيارة، ففوجئ بسؤالي، ثمّ أطرق برأسه مدّة متأمّلًا ثمّ قال:

  • إنّ عمل أولياء الله ليس إلّا جبر الكسور المهيضة و شفاء الأمراض؛ و لكن ينبغي العلم أنّ كسر العظام ذلك و أنّ مرض المريض ذاك بيدهم أيضاً، لأنّها من جانب الله سبحانه؛ و الحقّ جلّ و علا يكسر بنفسه و يجبر بنفسه، و يُمرض بنفسه و يُشفي بنفسه. فهذه بأجمعها تمثّل حالات التعشّق في أطواره و شئونه هو، و كلّها نابعة عن حكمة و مصلحة. و في الحقيقة فإنّ‌

    1. «ديوان حافظ الشيرازيّ» ص ٥٩، الغزل ۱٢٩، طبعة پژمان، انتشارات بروخيم، سنة ۱٣۱۸ هـ. ق؛ يقول: «يمكن أن تشتري مئات القلوب بنصف نظرة واحدة، و لكنّ الحسان يقصرون عادة في هذه المعاملة».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

566
  • الكسر و الجبر و الإمراض وا لشفاء، شكلان و صورتان مختلفتان تحكيان عن مبدأ و منشأ واحد، و كلاهما ليسا إلّا المحبّة؛ إذ لا يأتي من جانب الله عزّ و جلّ إلّا المحبّة.

  • عاشقم بر لطف و بر قهرش به جدّ***اى عجب من عاشقِ اين هر دو ضدّ!۱
  • إنّ العالم بأرجائه عشق، عشق المظاهر للمظاهر، و في الحقيقة عشق النفس للنفس. و قد سمعتُ أنّ ابن سينا قد كتب رسالة في العشق، و قد بحثتُ عنها كثيراً هنا فلم أعثر عليها، و حين تذهب إلى إيران اسعَ في الحصول عليها و ابعث بها إليّ؛ و ينبغي أن تكون رسالة جيّدة إن كان قد بيّن هذا الأمر وفق هذه القاعدة، و إن اعتبر أنّ العشق الإلهيّ لأسمائه و صفاته و أفعاله أوجب خلقة العالم و آدم و الموت و الحياة - انتهى كلام سماحة السيّد.

  • تفسير آية: ﴿وَ ما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَ ما تَزْدادُ﴾

  • روى المحدِّث القمّيّ، عن الشيخ الطوسيّ، عن أبي القاسم الحسين ابن روح رضي الله عنهـ النائب الخاصّ لصاحب الأمر عليه السلام - أنّه قال:

  • زُرْ أيّ المَشَاهِدَ كُنْتَ بِحَضْرَتِهَا في رَجَبٍ ثُمَّ تَقُولُ عِنْدَ مَا تَدْخُلُ:

  • الحَمْدُ لِلَّهِ الذي أشْهَدَنَا مَشْهَدَ أوْلِيَائِهِ في رَجَبٍ وَ أوْجَبَ عَلَينَا مِنْ حَقِّهِمْ مَا قَدْ وَجَبَ. حتّى‌ يصل إلى قوله:

  • أنَا سَائِلُكُمْ وَ آمِلُكُمْ فِيمَا إلَيْكُمُ التَّفْوِيضُ وَ عَلَيكمُ التَّعْوِيضُ؛ فَبِكُمْ‌

    1. «مثنوي» ج ۱، ص ٤٢، السطر ٩، الطبعة الحجريّة، آقا ميرزا محمود.
      يقول: «أعشق غضبه و لطفه و أهيم بهما بجدٍّ، فيا عجباً منّي من عاشق لهذين الضدّين».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

567
  • يُجْبَرُ المَهِيضُ وَ يُشْفَى المَرِيضُ وَ مَا تَزدَادُ الأرْحَامُ وَ مَا تَغِيضُ (الزيارة).۱

  • يقول في الفقرة الأخيرة: وَ مَا تَزْدَادُ الأرْحَامُ وَ مَا تَغِيضُ، و هذه الجملة مُنتزعة من الآية القرآنيّة المباركة:

  • ﴿اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى‌ وَ ما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَ ما تَزْدادُ وَ كُلُّ شَيْ‌ءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ﴾.٢

  • و من هنا نعلم أنّ ما جاء في بعض نسخ القرآن في ترجمة هذه الآية من أنّ: «تنها خدا ميداند كه بار حمل آبستنان عالم چيست و رحمها چه نقصان و چه زيادت خواهد يافت، و مقدار همه چيز در علم ازلى خدا معيّن است» (=الله وحده يعلم حمل الحوامل و ما تزداد الأرحام و ما تنقص و كلّ شي‌ء معيّن و مقدّر في علم الله الأزليّ) ليس صحيحاً؛ لأن زادَ و ازدادَ هنا أجوف واوي، لا أجوف يائيّ. زادَ يَزودُ زَوْداً: جَهَّزَ الزَّادَ وَ اتَّخَذَهُ. إزْدَادَ وَ اسْتَزَادَ الرَّجُلُ: طَلَبَ زَاداً. و معنى ذلك هنا أنّ أرحام النساء تتّخذ من نطفة الرجل زاداً. و مقابل ذلك، غَاضَ يَغِيضُ غَيْضاً وَ مَغَاضاً وَ تَغَيَّضَ وَ انْغَاضَ المَاءُ: نَقَصَ أوْ غَارَ أوْ نَضَبَ؛ أي أنّ النطف تغور في الرحم و تنضب و تفسد.

  • و خلاصة المعنى أنّ الله عالم خبير بالأرحام العقيمة و الأرحام الولودة، لكنّ المفسّر المحترم قد أخذ في هذه الترجمة التفسيريّة «زاد» و «ازداد» من باب الأجوف اليائيّ بمعنى الزيادة. زادَ يَزيدُ زَيْداً وَ زَيَداً وَ زَيَداً و زِيادَةً وَ مَزيداً و زَيْداناً: نَمَا، -الشَّي‌ءَ: أنْمَاهُ؛- فُلَانٌ: اعْطِيَ‌

    1. «مفاتيح الجنان» ص ۱٣٦، بخطّ طاهر خوشنويس، سنة ۱٣۷٩ هـ. ق، في أعمال شهر رجب، طبعة الإسلاميّة.
    2. الآية ۸، من السورة ۱٣: الرعد.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

568
  • الزِّيَادَةَ؛ وَ اسْتَزادَ: طَلَبَ مِنْهُ الزِّيَادَةَ؛ وَ ازْدَادَ بِمَعْنَى زَادَ لَازِماً وَ مُتَعَدِّياً: طَلَبَ الزِّيَادَةَ.

  • و في مقابل هذا المعنى للزيادة فقد أورد معنى النقصان على نحو الإطلاق فقال: «و رحِمها چه نقصان و چه زيادت خواهد يافت» (=و ما تنقص الأرحام و ما تزداد)، و هو معنى غريب و غير صائب.

  • و يلزم هنا بيان نكات ثلاث:

  • الاولى: إنّ المراد من التفويض الوارد في هذه الزيارة الرجبيّة ليس التفويض الاصطلاحيّ مقابل الجبر و مقابل مذهب أمرٌ بينَ أمريْن، بل هو بمعنى كون تلك الذوات المقدّسة آية تامّة و كاملة مقابل أشعّة شمس الذات الأحديّة التي هي فرد لا ثاني له. فهذه الأرواح المطهّرة التي غدت مُخلَصة في طريق توحيده، وصلت إلى مقام الفناء في الله ثمّ تكاملت إلى مقام البقاء بالله و صارت مظهراً تامّاً للصفات و الأسماء الإلهيّة.

  • و من هنا، فإنّ ما يوجد و يصدر من الحيّ القيّوم العليم القدير، إنّما هو من خلال نوافذ و شبكات و مرايا هذه الذوات العالية لا من غيرها. و ليست هذه الذوات إلّا مرايا حاكية عن نور شمس الذات الأحديّة، و ليس لها أساساً نور و وجود على الإطلاق، لا ابتداءً و لا تفويضاً، لأنّها ستكتسب في كِلَا الفرضينِ جانباً استقلاليّاً، بينما نفى الأئمّة أنفسهم بأشدّ الوجوه الجانب الاستقلاليّ المستلزم للشرك.

  • الثانية: لا يظنّنّ أحد أنّه يستفاد من ضميمة هذه الرواية مع الآية الكريمة أنّ مقامهم أعلى من مقام الله العِيَاذُ بِاللهِ، أي لقوله في هذه الزيارة: «إليكم التفويض و عليكم التعويض و ما تزداد الأرحام و ما تغيض»، في حين أنّه يقول في الآية الشريفة: ﴿اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى‌ وَ ما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَ ما تَزْدادُ﴾، فقد يخال المرء أنّ أساس التكوين بيدهم،

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

569
  • و أنّ علم الله إنّما يتعلّق بهذا الأمر التكوينيّ، و هو كلام باطل.

  • ذلك لأنّه بعد أن بُيّن و بُرهن على أنّ تلك الذوات المقدّسة وجودات فانية و مفتقرة و ممكنة الوجود بالذات، فإنّهم على هذا النحو في التكوين و في دائرة العلم أيضاً؛ و الله سبحانه مستقلّ في التكوين و مستقلّ في مرحلة العلم. كلّ ما في الأمر أنّ قسم العلم قد ذكر لوحده في الآية الشريفة بينما ذكر قسما الإيجاد و التكوين في الزيارة، فالاختلاف إنّما هو في البيان لا في حقيقة الأمر و واقعه.

  • الثالثة: لا تعدّد في عالم الولاية، و لا اختلاف في طريقها، إذ ليس هناك من معنى للتعيّن و التقيّد، بل هناك ولاية فقط مختصّة بذات الله فقط لا لسواه؛ ﴿هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِ﴾‌.۱

  • و في هذه الحال فإنّ وجود الرسول الأكرم و الأئمّة الطاهرين الذين هم مبدأ الأثر، ليس بجهات تعيّنهم و افتراقهم و حدود ماهيّتهم و هويّتهم، بل بأساس تحقّق معنى العبوديّة و الفناء المعبّر عنه بالولاية؛ و العبارة القيّمة: أوَّلُنَا مُحَمَّدٌ وَ أوْسَطُنَا مُحَمَّدٌ وَ آخِرُنَا مُحَمَّدٌ٢ إشارة إلى هذا المقام.

    1. صدر الآية ٤٤، من السورة ۱۸: الكهف.
    2. أورد هذا الحديث السيّد عبد الله شبّر في كتاب «مصابيح الأنوار في حلّ مشكلات الأخبار» ج ٢، ص ٣٩٩ و ٤۰۰، طبعة المطبعة العلميّة في النجف، حديث رقم ٢٢٦، تحت عنوان: ما روي عنهم عليهم السلام من قولهم: أوّلنا محمّد، و أوسطنا محمّد، و آخرنا محمّد. و يقول في توجيه الفقرة الأخيرة:
      ما روي أنّهم عليهم السلام إذا أتاهم ولد سمّوه محمّداً و بعد سبعة أيّام يغيّرون اسمه إن شاءوا. و قيل في توجيهه: إنّهم باعتبار نوع النور و الولاية المطلقة و الردّ إليهم و الإفاضة عنهم و احتياج الخلق في البدء و العود إليهم و وجوب الطاعة و غير ذلك هم كمحمّد، بل محمّد؛ ﴿لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

570
  • على أنّ كلّ من يصل إلى مقام الفناء المطلق و يفنى في حرم الله، فيضمحلّ وجوده المستعار و إنّيّته المجازيّة و المعارة، فإنّه -بطبيعة الحال- سيمتلك هذه الولاية حتماً، و لا اختصاص لها بالأئمّة.

  • و هناك في كلّ زمان و مكان أفراد يمكنهم إيصال أنفسهم إلى هذا المقام، كلّ ما في الأمر أنّه يجب أن يحصل أوّلًا بواسطة اتِّباع الإمام المعصوم و اقتفاء أثره، و إلّا تعذّر وصول الفرد. و ثانياً أنّ عنوان الإمامة و القيادة و الهداية باقٍ حتّى الأبد لذوات المعصومين سلام الله عليهم، لأنّ الله سبحانه جعلهم قادة و أئمّة، و أوكل إليهم لواء الهداية بالمجاهدات العالية اختياراً لا جبراً، و هذا المعنى لا ينافي أن يتمكّن أحد آخر من الوصول إلى مقام معرفة الله فيتحقّق في شأنه معنى‌ مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ‌، و يرد في حرم الله بفنائه و اضمحلاله، و لن يكون -و الحال هذهـ ثمّة وجود عندئذٍ، لا له و لا لغيره.

  • كما أنّه ليس في حرم الذات الربوبيّة عنوان محمّد و لا عليّ و لا سائر الأئمّة، و لا وليّ آخر كسلمان الذي امتلك أعلى درجة في العرفان، بل هناك حقيقة واحدة للولاية بلا عناوين خاصّة و لا أشكال متعيّنة، أمّا الأسماء المميّزة لمحمّد و عليّ و الحسن و الحسين إلى القائم صلوات الله عليه و عليهم، فما دون ذلك المقام.

  • هنالك الولاية لا غير، و حقيقة الولاية و كنهها، لها معنى واحدٌ بالصرافة، فَافْهَمْ يَا حَبِيبِي فَإنَّهُ دَقِيقٌ!

  • و على كلّ حال، فقد كانت كيفيّة قراءة القرآن، و صلوات التهجّد، و قيام الليل، و سائر امور سماحة السيّد مشابهة للأسفار السابقة، إلّا أنّه كان يكثر في هذا السفر من قراءته لتائيّة ابن الفارض و يُفسِّر للرفقاء بعض أبياتها.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

571
  • قراءة الحاجّ السيّد هاشم أشعاراً من «ديوان المغربيّ»

  • و كان يقرأ في «ديوان المغربيّ» بعض أشعاره -لا جميعها- التي كانت تثير إعجابه، و كان يقرأها تكراراً بحرقة و نشاط و عشق و وجد، كأنّه كان يقارنها بأحواله الذاتيّة. و من جملتها هذه الأشعار:

  • وراى مطلب هر طالب است مطلب ما***برون ز مشرب هر شارب است مشرب ما
  • به كام دل به كسى هيچ جرعه‌اى نرسيد***از آن شراب كه پيوسته مى‌كشد لب ما
  • سپهر كوكب ما از سپهرهاست برون‌***كه هست ذات مقدس سپهر كوكب ما
  • بتاختند بسى اسب دل ولى نرسيد***سوار هيچ روانى به گَرد مركب ما
  • هنوز روز و شب كائنات هيچ نبود***كه روز ما رخ او بود و زلف او شب ما
  • كسى كه جان و جهان داد و عشق او بخريد***وقوف يافت ز سود و زيان مكسب ما۱
    1. «ديوان شمس المغربيّ» ص ۸ و ٩، طبعة المكتبة الإسلاميّة، طهران، سنة ۱٣٤۸ هجريّة شمسيّة.
      يقول: «تعدّي قصدنا قصّد كلّ قاصد، وفاق نهجُنا نهجَ كلّ ذي نهج.
      لم ينل أحد مذاق جرعة من ذلك الشراب الذي ترشفته دوماً شفاهنا.
      فلك كوكبنا خارج عن مدار الأفلاك، لأنّ الذات القدسيّة فلك كوكبنا.
      ما أكثر ما استبقتْ جياد القلوب، لكنّ راكباً لم يدرك قطّ غبارَ جوادنا.
      لم يكن بعدُ للكائنات نهارٌ و ليل، حين كانت طلعته نهارَنا و ذؤابته ليلنا.
      من جاد بالروح و الدنيا و اشتري عشقه، وقف علي ربح أو خسارة تجارتنا».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

572
  • ز آه و يا رب ما آن كسى خبر دارد***كه سوختست چو ما او ز آه و يا رب ما
  • تو دين و مذهب ما گير در اصول و فروع‌***كه دين و مذهب حق است دين و مذهب ما
  • نخست لوح دل از نقش كائنات بشوى‌***چو مغربيت اگر هست عزم مكتب ما۱
  • و من جملتها هذه الأشعار:

  • چو تافت بر دل من پرتو جمال حبيب‌***بديد ديدة جان، حُسن بر كمال حبيب‌
  • چه التفات به لذّات كائنات كند كسى‌***كه يافت دمى لذّت وصال حبيب‌
  • به دام و دانة عالم كجا فرود آيد***دلى كه گشت گرفتار زلف و خال حبيب‌
  • خيال ملك دو عالم نياورد به خيال‌***سرى كه نيست دمى خالى از خيال حبيب‌٢
    1. يقول: «و لا يعرف عن تأوّهنا و ندائنا: يا ربّ، إلّا من احترق مثلنا من آهنا و ندائنا.
      فخُذ بمذهبنا في الاصول و الفروع، إذ الدين الحقّ ديننا و مذهبنا.
      و اغسل بادي الأمر لوح قلبك من نقوش الكائنات، إن كان لك -كالمغربيّ- العزم علي انتهاج منهجنا».
    2. «ديوان شمس المغربيّ» ص ۱٢ و ۱٣. يقول: «حين أشرق شعاع جمال الحبيب علي قلبي، فقد شاهدت عينُ قلبي حُسنَ كمال الحبيب.
      و ما الالتفات إلي لذّات الكائنات، ممّن نال لحظةً لذّة وصال الحبيب؟
      أنّي أن يتخبّط في حبائل العالم و شراكه، قلبٌ اسر بذؤابة و خال الحبيب؟
      و أنّي أن يتخيّل ملك العالمَين رأسٌ لم يخل لحظةً من خيال الحبيب؟».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

573
  • حبيب را نتوان يافت در دو كون مثال‌***اگرچه هر دو جهان هست بر مثال حبيب‌
  • درون من نه چنان از حبيب مملوّ شد***كه گر حبيب درآيد بود مجال حبيب‌
  • بدان صفت دل و جان از حبيب پرشده است‌***كه از حبيب ندارم نظر به حال حبيب‌
  • چه احتياج بود ديده را به حسن برون‌***چو در درون متجلّى شود جمال حبيب‌
  • ز مشرق دلت اى مغربى چه كرد طلوع‌***هزار بدر برفت از نظر، هلال حبيب‌۱
  • و من جملتها هذه الأشعار:

  • دلى نداشتم آن هم كه بود يار ببرد***كدام دل كه نه آن يار غمگسار ببرد
  • به نيم غمزه روان چو من هزار ربود***به يك كرشمه دل همچو من هزار ببرد٢
    1. يقول: «عزّ للحبيب مثيلٌ في العالمَين، و لو صِيغ كلا العالمَين علي مثال الحبيب.
      امتلأ وجودي بالحبيب، بحيث لا مكان له إن أتي -بنفسهـ الحبيب.
      لقد طفح القلب و الروح بصفة الحبيب تلك، فلم يعد لي بالحبيب نظرٌ لحال الحبيب.
      و ما حاجة البصر إلي الحسن خارجاً، إذا تجلّي في داخلي جمالُ الحبيب؟
      و ما ذا طلع من مشرق قلبك يا «مغربيّ» حين غاب عنه ألف بدر؟ أجاب: هلالُ الحبيب».
    2. «ديوان شمس المغربيّ» ص ٤۸. يقول: «لم أمتلك قلباً بل ما كان عندي خطفه الحبيب، و أيّ قلب لا يخطفه ذاك الحبيب مجلّي الهموم؟ فقد خطف بنصف لحظ من العين كمثلي ألفاً؛ و أخذ بغمزة واحدة كمثلي ألفا».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

574
  • هزار نقش برانگيخت آن نگار ظريف‌***كه تا به نقش دل از دستم آن نگار ببرد
  • به يادگار دلى داشتم ز حضرت دوست‌***ندانم از چه سبب دوست يادگار ببرد
  • دلم كه آينه روى اوست داشت غبار***صفاى چهره او از دلم غبار ببرد
  • چو در ميانه در آمد خرد كنار گرفت‌***چو در كنار درآمد دل از كنار ببرد
  • اگر چه در دل مسكين من قرار گرفت‌***و ليكن از دل مسكين من قرار ببرد
  • به هوش بودم و با اختيار در همه كار***ز من به عشوه‌گرى هوش و اختيار ببرد
  • كنون نه جان و نه دل دارم و نه عقل و نه هوش‌***چو عقل و هوش و دل و جان كه هر چهار ببرد۱
    1. يقول: «لقد كان لذلك الكاتب الماهر ألف حيلة ليخطف بها نقش القلب من يدي.
      كان لي -ذكري من الحبيب- قلب، لست أدري لم استعاد التذكار منّي الحبيب؟
      و كان الغبار قد علا قلبي الذي كان مرآة وجهه، فجلّي صفاءُ طلعته عن قلبيَ الغبار.
      حين جاء الحبيب في القلب تنحّي العقل جانباً، و حين صار إلي الجنب خطف القلب من الجنب.
      و مع أنّه قد استقرّ في قلبي المسكين، إلّا أنّه قد سلب الاستقرار منه.
      كنتُ صاحياً مختاراً في جميع اموري، فسلب بفتنته و غنجه صحوتي و اختياري.
      فصرت لا روح و لا قلب لي و لا عقل و لا شعور، فقد سلب العقل و الشعور و القلب و الروح جميعاً».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

575
  • چو آمد او به ميان رفت مغربى ز ميان‌***چو او به كار در آمد مرا زكار ببرد۱
  • و من جملتها هذه الأشعار:

  • بيا كه كرده‌ام از نقش غير آينه پاك‌***كه تا تو چهره خود را بدو كنى إدراك‌
  • اگر نظر نكنى سوى من در آينه كن‌***تو خود به مثل منى كى نظر كنى حاشاك‌
  • اگر چه آينه روى جانفزاى تواند***همه عقول و نفوس و عناصر و أفلاك‌
  • ولى تو را ننمايد به تو چنانكه توئى‌***مگر دل من مسكين و بى‌دل و غمناك‌
  • تمام چهره خود را بدو توانى ديد***كه هست مظهر تام لطيف و صافى و پاك‌
  • چرا گذر نكنى بر دلى كه از پاكى‌***إذَا مَرَرْتَ بِهِ مَا وَجَدْتَ فِيهِ سِوَاكْ‌٢
    1. يقول: «حين جاء، زال «المغربيّ» عن البين، لأنّه عند ما جاء فقد أزالني».
    2. «ديوان شمس المغربيّ» ص ۷٤ و ۷٥.
      يقول: «تعال فقد جلوتُ المرآة -لتري فيها وجهك- عن رسم ما عداك!
      إن كنت لا تنظر إليّ فانظر إلي المرآة، إذ حاشي لمثلك أن ينظر إلي مثلي.
      و مع أنّ جميع العقول و النفوس و العناصر و الأفلاك بأجمعها مرآة طلعتك المحيية.
      و لكن لا يُظهرك كما أنت إلّا قلبي، أنا المسكين المغموم الذي لا قرار له.
      فيمكنك أن ترى فيه طلعتك كاملة، لأنّه مظهر تام لطيف و صاف و نقي.
      فَلِمَ لا تمرّ علي قلبٍ صار من طهارته، إذا مررتَ به ما وجدتَ فيه سواك».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

576
  • وَ لَوْ جَلَوْتَ على القَلْبِ مَا جَلَوْتَ عَلَيهْ***لأجْلِ قُرْبتِهِ بَلْ لأنَّهُ مَجْلَاكْ‌
  • مرا كه نسخة مجموع كائنات توأم‌***روا مدار به خوارى فكنده بر سر خاك‌
  • به ساحل ار چه فكندى به بحر باز آرم‌***كه موج بحر محيط توام نِيَم خاشاك‌
  • ظهور تو به من است و وجود من از تو***وَ لَسْتَ تَظْهَرُ لَوْلَاي، لَمْ أكُنْ لَوْلَاكْ‌
  • تو آفتاب منيريّ و مغربى سايه‌***ز آفتاب بود سايه را وجود و هلاك‌۱
  • و من جملتها هذه الأشعار:

  • ديده‌اى وام كنم از تو به رويت نگرم‌***زانكه شايسته ديدار تو نبود نظرم‌٢
    1. يقول: «و لو جلوتَ علي القلب ما جلوت عليه، لأجل قربته بل لأنّه مجلاك.لا يليق أن يُلقي بي -و أنا توأم الكائنات جميعاً- ذليلًا علي التراب.و لو ألقيتَ بي إلي الساحل عدتُ إلي البحر، إذ لست زَبَداً بل موج بحرك المحيط.ظهورك منّي و وجودي منك و لستَ تظهر لولاي، لم أكن لولاك.أنت شمسٌ منيرةٌ و المغربيّ ظلّ، و من الشمس يكون للظلّ وجود و هلاك».
    2. ما ألطف و أجمل هذين البيتين اللذين ذكرهما حكيمنا و عارفنا الجليل الحاجّ الملّا هادي السبزواريّ أعلى الله مقامه في تعليقته على كتاب «الأسفار» ج ٦، ص ۷، الطبعة الحروفيّة الحيدريّة، سنة ۱٣٩۸ هـ، في السفر الثالث في العلم الإلهي، و اللذين يماثلان في المعنى و المضمون بيت المغربيّ هذا:
      إ ذَا رَامَ عَاشِقُهَا نَظْرَةً***وَ لَمْ يَسْتَطِعْهَا فَمِنْ لُطْفِهَا
      أعَارَتهُ طَرْفاً رَآهَا بِهِ‌***كَانَ البَصِيرُ بِهَا طَرْفُهَا
      «ديوان شمس المغربيّ» ص ۸٦يقول: «سأستعير عيناً منك لأنظر بها طلعتك، إذ لا تليق لرؤياك عيني».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

577
  • چون تو را هر نفسى جلوه به حسن دگر است‌***هر نفس زان نگران در تو به چشمى دگرم‌
  • توئى از منظر چشمم نگران بر رخ خويش‌***كه تويى مردمك ديده و نور بصرم‌
  • هر كه بى‌رسم و أثر گشت به كويش پى برد***من بى رسم و أثر ناشده پى مى‌نبرم‌
  • تا ز من هست أثر از تو نيابم أثرى‌***كاشكى در دو جهان هيچ نبودى أثرم‌
  • نتوانم به سر كوى تو كردن پرواز***تا ز إقبال تو حاصل نبود بال و پرم‌
  • بوى جانبخش تو همراه نسيم سحر است‌***زان سبب مردة أنفاس نسيم سحرم‌
  • يار هنگام سحر بر دل ما كرد گذر***گفت: چون جلوه‌كنان بر دل تو مى‌گذرم‌۱
    1. يقول: «لأنّك تتجلّي كلّ آن بحسنٍ جديد، فقد صرتُ أراك كلّ نَفَس بعين جديدة.
      ناظرٌ أنتَ من مُقلتي إلي طلعتك، لأنّك إنسان عيني و نور بصري.
      من امّحي رسمه و أثره أدرك نهجه و دربه، لكنّي لستُ بلا اسم و أثر.
      و ما دام موجوداً أثر منّي فلن أجد منك أثراً، فليتني كنت بلا أثر عدماً في العالمين.
      لن أستطيع التحليق في دربك إن لم يسعفني نظرك لي بريش و جناح.
      يأتي عبيرك المنعش مع نسيم السحر، لذا صرتُ أشغف بأنفاس نسيم السحر.
      لقد خطر الحبيب سحراً علي قلبنا و قال: سأمرّ علي قلبك كالمتجلّي».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

578
  • مغربى آينه دل ز غبار دو جهان‌***پاك بزداى كه پيوسته درو مى‌نگرم‌۱
  • و من جملتها هذه الأشعار:

  • منم ز يار نگارين خود جدا مانده‌***به دست هجر گرفتار و بى نوا مانده‌
  • نخست گوهر با قيمت و بها بودى‌***به خاك تيره فرو رفته بى بها مانده‌
  • فتاده دور ز خاصان بارگاه أزل‌***أسير خاك أبد گشته در بلا مانده‌
  • مقرب درِ درگاه كبريا بوده‌***به دست كبر گرفتار و در ريا مانده‌
  • به چارميخ طبيعت بدوخته محكم‌***به حبس شش جهتِ كون مبتلا مانده‌
  • هر آنكه ديد مرا گفت در چنين حالت‌***ببين ببين ز كجا آمده كجا مانده‌٢
    1. يقول: «فاجْل غبار العالمين عن مرآة القلب يا «مغربيّ»، لأنّي أتطلّع فيه دوماً».
    2. «ديوان شمس المغربيّ» ص ۸۷.
      يقول:« -أسرتني يد الهجر- أنا الباقي في منأي عن حبيبي الفاتن و بقيت بائساً.
      كنت في البدء جوهراً غالياً، فصرت غارقاً في التراب القاتم بلا قيمة.
      ملقى بعيداً عن خواصّ بلاط الأزل، أسير التراب الأبديّ مغموراً في البلاء.
      و كنتُ مقرّباً لأعتاب سرادق الكبرياء، فسقطتُ بِيَدِ الكبر و ظللتُ حبيس الرياء.
      سمّرتني مسامير الطبيعة الأربعة، و بقيت ممتحناً بحبس جهات الكون الستّ.
      قال لي من رآني في حالي تلك: أمعن النظر من أين جئت و أين بقيت».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

579
  • شب است و راه بيابان و من ز قافله دور***غريب و عاجز و مسكين، ضعيف و وامانده‌
  • كجاست پرتو حسنت كه رهنما گردد***كه هست جان من از راه و رهنما مانده‌
  • شده ز دورى خورشيد مغربى حقير***به سان ذرة سرگشته در هوا مانده‌۱
  • و كان يقرأ من جملتها هذه الرباعيّات:

  • كس نيست كزو به سوى تو راهى نيست‌***بى هستى او سنگ و گل و كاهى نيست‌
  • يك ذرّه ز ذرّات جهان نتوان يافت‌***كاندر دل او زِ مهر تو ماهى نيست‌٢
  •  

  • تا من ز عدم سوى وجود آمده‌ام‌***از بهر تشهد به شهود آمده‌ام‌
  • تا من ز قيام در قعود آمده‌ام‌***در پيش رخ تو در سجود آمده‌ام‌٣
    1. يقول: «حلّ الليل و بقيت بعيداً عن القافلة في طريق قفر، غريباً عاجزاً ضعيفاً مسكيناً.
      فأين شعاع حُسنك ليضي‌ء الطريق، فقد ظلّت روحي تائهة عن الدرب بلا دليل.
      لقد أشبهَ «المغربيّ» الحقير من بُعد الشمس، ذرّةً تائهة معلّقة في الهواء».
    2. «ديوان شمس المغربيّ» ص ۱۰٦.
      يقول: «ليس يخلو أحدٌ من الدلالة عليك، فليس -بغير وجودك- من حجر و لا طين و لا حشائش.
      و لن يُعثر علي ذرّة من ذرّات العالم، ليس في أعماق قلبها قمر من حبّك».
    3. «ديوان شمس المغربيّ» ص ۱٥۷.
      يقول: «حالما جئت من العدم إلي الوجود، فقد هويت للتشهد ساجداً. و حين جلستُ من قيامي، فقد سجدت عند طلعتك». [تابع في الصفحة التالية...]

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

580
  • تو مست خودىّ و ما همه مست به تو***تو هست خودىّ و ما همه هست به تو
  • تا نسبت ما به تو بود از همه روى‌***داديم ازين سبب همه دست به تو۱
  •  

  • از پيش خدا بهر خدا آمده‌اى‌***نى از پى بازيّ و هوا آمده‌اى‌
  • در معرفت و عبادت ايزد كوش‌***كز بهر همين درين سرا آمده‌اى‌٢
  • از عالم حق بدين سرا آمده‌اى‌***بنگر ز كجا تا به كجا آمده‌اى‌
  • خالى نشوى يك نفس از علم و عمل‌***گر زانكه بدانى كه چرا آمده‌اى‌٣
    1. [...تابع التعليقة السابقة] «ديوان شمس المغربيّ» ص ۱٥۸.
      يقول: «أنت ثمل بوجودك و نحن سكاري بك، أنت موجود بذاتك و نحن موجودون بك.
      و حيث إنّ قيامنا بك من جميع الجهات، لذا فقد أعطيناك أيدينا جميعاً».
    2. «ديوان شمس المغربيّ» ص ۱٥۸.
      يقول: «جئتَ من الله إلي الله، و لم تجئ عبثاً و لعباً.
      فاسعَ في معرفة الله و عبادته، فقد جئت من أجل هذا إلي الدنيا».
    3. «ديوان شمس المغربيّ» ص ۱٥٩.
      يقول: «جئتَ من عالم الحقّ إلي هذه الدنيا، فانظر أين كنتَ و أين صرت.
      و لو كنتَ تعلم علّة مجيئك، فإنّك لن تخلو لحظة من العلم و العمل».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

581
  • بسط الزمان و طيِّه لأحد رفقاء الحاجّ السيّد هاشم الحدّاد

  • و لا يخفى أنّ جميع هذه الأشعار التي قُرئت مسجّلة و محفوظة على أشرطة التسجيل. و إجمالًا فقد حصل في الأوقات التي تشرّفت فيها بالذهاب إلى النجف الأشرف في معيّة السيّد: أن رافقتُ يوماً أحد تلامذة السيّد و مريديه النجفيّين إلى الحرم المطهّر لأمير المؤمنين عليه السلام، فقال للحقير ضمن بيانه لحالاته الخاصّة: لقد حدثت لي قضيّتان خلال حالات التحيّر و شدّة الواردات الروحيّة التي كانت تحصل لي، لم أدرك أنّها كانت غير عاديّة إلّا فيما بعد.

  • الاولى: إنّني عزمت يوماً مع زوجتي و أولادي الذكور و الإناث بأجمعهم على الذهاب إلى المدينة المنوّرة للزيارة لعدّة أيّام عبر الطريق البرّيّ. فتحرّكنا من النجف إلى الحدود السعوديّة المتّصلة بالأراضي العراقيّة عن طريق الصحراء الرمليّة، و استغرق الأمر أيّاماً عديدة لحين وصولنا إلى هناك.

  • و قد اعترضنا حرس الحدود و منعونا من العبور لعدم حملنا جوازات سفر، و قاموا باعتقالنا عدّة أيّام، ثمّ أطلقوا سراحنا فلم نجد بدّاً من العودة للنجف الأشرف. و استغرقت عودتنا عدّة أيّام لحين وصولنا إلى منزلنا في النجف، حيث قارب مجموع هذه الأيّام عدّة أسابيع؛ بَيدَ أنّنا رأينا حين وصلنا إلى النجف أنّه قد مرّ على زمن شروعنا في السفر يوم واحد فقط، كانت حركتنا من النجف في اليوم الفلانيّ و كانت عودتنا -حسب التأريخ و التقويم- في اليوم الذي يليه.

  • و الثانية: إنّ الفاقة و ضيق المعيشة غلبت عَلَيّ مدّة، و كانت الواردات شديدة بحيث لم تدع لي أيّة قدرة على الحركة و تنظيم امور المنزل، و لم يكن في المنزل شي‌ء من اللوازم الضروريّة، و كانت زوجتي في ذلك اليوم تضع ماءً ساخناً على الموقد فتؤمّل الأطفال و تسعى في إسكاتهم.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

582
  • و كنت أحسّ أنّ هذا الأمر يعدّ مشكلة لهم و أنّ استمراره غير محتمل، حتّى حصلت إفاقة من تلك الحال فصحوتُ و خرجت من البيت لتهيئة طعام. فعلمتُ آنذاك أنّ هذه المدّة دامت شهراً كاملًا.

  • و يتّضح من الواقعة الثانية أنّها كانت طيّاً للزمن، أي طيّ و تراكم زمن شهر أو عدّة أسابيع في يوم واحد، و لم يجد الحقير أنّ هذا الأمر قد جرى بحث كيفيّته و خصوصيّته في موضع ما، و لم أبحث بنفسي في مدى انطباقه على موازين القوانين الطبيعيّة أم لا؟

  • أمّا الواقعة الأولى فتتضمّن على العكس من الثانية -بسطاً للزمن- أي بسط و مدّ زمن قصير إلى زمن أطول، كبسط يومٍ واحد إلى عدّة أيّام، و لم يبحث الحقير في هذه المسألة أيضاً، لكن من المسلّم أنّها لا تتّفق و القوانين الطبيعيّة، و ينبغي تأويلها في النهاية بسيطرة تجرّد النفس على الزمان.

  • كلام سعيد الدين الفرغانيّ في «مشارق الدراريّ» في شأن بسط الزمان‌

  • و هناك حكاية شيّقة في هذا الشأن نقلها سعيد الدين الفرغانيّ‌۱ في كتاب «مشارق الدراريّ» و هو شرح «تائيّة ابن الفارض» في شرح أحد الأبيات:

  • وَ في سَاعَةٍ أوْ دُونَ ذَلِكَ مَنْ تَلَا***بِمَجْمُوعِهِ جَمْعِي تَلَا ألْفَ خَتْمَةِ
  • أي إنّ من الأولياء من يتابع حضرة الأحديّة بمجموعه من نفس و قوى و أعضاء، و ذلك بإزالة أحكام الجزئيّة عن كلّ واحد من نفسه و قواه و أعضائه، و عدم إضافة حكم و أثر من أوصاف النفس و القوى و آثارها إلى نفسه، فيقوم في ساعة واحدة أو أقلّ بتلاوة ألف ختمة قرآن، أي تلاوة

    1. سعيد الدين سعيد الفرغانيّ المتوفّى سنة ۷۰۰ هجريّة قمريّة من أعاظم تلامذة الشيخ صدر الدين القونويّ المتوفّى سنة ٦۷٣ هجريّة قمريّة.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

583
  • مجموع القرآن من الفاتحة إلى الخاتمة. فوجود حسن المتابعة و كمالها يحرّر من قيد الزمن، فيصدر منه في زمن قصير ما يصدر من غيره في زمن متطاول.

  • قَالَ العَبْدُ الشَّارِحُ أصْلَحَهُ اللهُ: و أحد نوادر هذه الحال المذكورة ما سمعته أنا كاتب هذه الحروف من الشيخ الجليل طَلْحَةَ اللُّشْتَرِيّ العِرَاقِيّ رحمه الله، قال: سمعتُ من الشيخ: شيخ زاده عماد الدين ابن شيخ الشيوخ جنيد وقته: الشيخ شهاب الدين السُّهْرَوَرْدِيّ رضي الله عنهما قال: شاهدتُ يوماً -حين ذهبتُ للحجّ في خدمة أبي، شيخ الشيوخ رضي الله عنه أثناء الطواف- شيخاً يتقرّب إليه الخلق حال طوافهم و يتبرّكون به و يزورونه.

  • فقدّمني أصحابنا إليه على أنّي ابن شيخ الشيوخ، فرحّب بي ذلك الشيخ و قبّل رأسي قبلة لا أزال أجد أثرها في نفسي حتّى الآن و أعقد عليها عظيم الرجاء في الآخرة. و حين عدنا بعد إتمام السبع و الفراغ من ركعتي الطواف إلى خدمة الشيخ رضي الله عنه، فقال أصحابنا: لقد قدّمنا ابن الشيخ إلى الشيخ عيسى المغربيّ فرحّب به ترحيباً عظيماً و قبّل رأسه. فأظهر شيخ الشيوخ عظيم الاستبشار و البشاشة.

  • ثمّ انشغل جماعة من أصحابنا بذكر شمائل الشيخ عيسى هذا رضي الله عنه و قالوا في جملتها: سمعنا أنّ ورده في اليوم و الليلة سبعون ألف ختمة.

  • فقال أحد أصحاب الشيخ: أجل و الله! لقد سمعتُ هذا الكلام فوقع في قلبي منه ريب حتّى رأيت الشيخ عيسى في الطواف ليلة فشاهدتُ أنّه قرأ ختمة كاملة بالقراءة المعهودة من بعد تقبيله الحجر الأسود إلى وصوله باب الكعبة ملتزماً، سمعتها منه حرفاً حرفاً مبيّنة واضحة، و من الجليّ أنّ المسافة للملتزم ليست أكثر من ثلاث خطوات أو أربع، فتيقّنتُ حينئذٍ أنّ ورد السبعين ألف ختمة أمر صادق و صحيح.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

584
  • فصدَّق شيخ الشيوخ رضي الله عنه و جملة أصحابنا ذلك الناقل في إخباره ذلك -و كان عظيماً صادق القول- و تيقّنوا بوقوعه.

  • ثمّ سألوا شيخ الشيوخ رضي الله عنه: ممّ هذا؟

  • أجاب الشيخ: من باب بسط الزمان. فكما أنّ الحقّ تعالى يقبض المكان لبعض أوليائه من أصحاب الخطوة فيسيرون مسافة سنة بيوم واحد، فإنّه كذلك يبسط الزمان للبعض من أصحاب اللحظة و اللمحة، فيظهر لديهم عين الزمن الذي هو عند الخلق الآخرين ساعة واحدة مبسوطاً في خمس سنين أو عشرة.

  • ثمّ أورد شيخ الشيوخ رضي الله عنه -كشاهد على صدق القضيّة- الحكاية المشهورة للصائغ الصوفيّ و هو من مريدي الشيخ ابن سُكَيْنَة، و قصّة طيّه سجّادات الصوفيّين يوم الجمعة في ميزر ليذهب إلى الجامع، و ذهابه إلى شاطئ دجلة للقيام بغسل الجمعة و وضعه ملابسه على حافّة النهر و سباحته في دجلة و ظهوره في مصر، و خطبته لبنت صائغ في مصر و زواجه منها و إنجابه الأولاد منها، ثمّ سباحته في النيل بعد سبع سنين و ظهوره في بغداد عند ملابسه و عثوره عليها في مكانها، ثمّ ذهابه إلى محلّ عبادة الصوفيّين (الخانقاه) و مشاهداته أنّ السجّادات لا تزال كما طواها بنفسه، و قول الصوفيّة له: أسرع بأخذ السجّادات إلى الجامع و أفرشها، فقد جلسنا في انتظارك.

  • ثمّ قال الشيخ: لقد طرأت هذه الحال على هذا الصائغ، فظهرت الساعة الواحدة لديه ولدي أهل بيته في زمن سبع سنين، ثمّ ظهر بعد الفحص و التدقيق، و بعد نقله أولاده الذين و لدوا له في تلك السنين السبع إلى بغداد، أنّ إشكالًا كان قد وقع في قلب ذلك الصوفيّ الصائغ في معنى آية: ﴿في‌ يَوْمٍ‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

585
  • كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾۱، فأظهر الحقّ تعالى له هذه الحال لرفع ذلك الإشكال ليقوى إيمانه بحقيقة هذه الآية، ﴿وَ اللهُ الهَادِي﴾.٢

  • و على أيّة حال فلم أسمع من السيّد طوال المدة المديدة التي كنتُ فيها من مريديه نظير هذه الامور التي وقعت من تلامذته. كما لم أسمع أحداً ينقل عنه شيئاً منها، أو أنّه قام بعمل خارق للعادة أو إخبار عن الغيب، فقد كان يقول: إنّ أعمالًا كهذه تُشغل العبد عن الله، و هي ممّا يخالف السير و السلوك.

  • أجل، اللهمّ إلّا في موارد ضئيلة و قليلة جدّاً كقوله -مثلًا- بعد انتهاء دراسة الحقير في النجف الأشرف و حين تقرّرت عودتي إلى طهران: ها هو السيّد محمّد الحسين يذهب إلى طهران، فكم من المشكلات سيواجه!

  • و كان يدور في خلدي أنّني سأرتاح بمجيئي إلى طهران من مشكلات النجف في التقيّة -حيث النهج الغالب على الحوزة مخالفة العرفان و السير و السلوك- و أنّه سيمكننا الانشغال بامورنا في محيط منفتح رحب، لكنّ الأمر كان كما قال، فقد كنّا في طهران في حال عسرة و شدّة و اضطراب من جوانب عديدة جعلتنا نتمنّى أحياناً نسائم الجنّة تلك التي كانت تهبّ علينا في النجف. و جعلت التفكير في العودة إلى هناك لا يبرح من ذهننا في جميع الأوقات.

  • و كان يقول مثلًا: لم أنظر طوال مدّة السلوك في خدمة المرحوم السيّد (القاضيّ) أيّة امرأة أجنبيّة، فلم يكن بصري ليسقط على امرأة أجنبيّة. و قد

    1. الآية ٤، من السورة ۷۰: المعارج.
    2. «مشارق الدراريّ» ص ٥۱٣ إلي ٥۱٥، طبعة انتشارات لجنة الفلسفة و العرفان الإسلاميّة، سنة ۱٣٩۸ هـ. ق.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

586
  • قالت لي امِّي يوماً: إنّ زوجتك أجمل من اختها بكثير. فقلت: إنّني لم أر اختها حتّى الآن.

  • فقالت: كيف لم ترها و هي تتردّد على غرفتنا منذ أكثر من سنتين، و نحن نتناول طعامنا غالباً على مائدة واحدة؟! (من الشائع عند العرب الذين لا تمتلك نساؤهم حجاباً صحيحاً، أنّهم غالباً ما يعيشون في المنزل محشورين مع بعضهم البعض في منتهى العصمة و تمام العفّة) فقلت: و الله لم تسقط عيني عليها و لو مرّة واحدة.

  • و لم يكن عدم النظر هذا ناجماً من تحفّظه و غضّه من بصره، بل كانت حاله هكذا طبعاً.

  • و قد نقل المرحوم آية الله الحاجّ الشيخ عبّاس القوجانيّ عن نفسه نظير هذا الأمر، فقد كان المرحوم القاضي قد أعطاه أوراداً و أذكاراً لمدّة أربعين يوماً أو أكثر، كان من جملة آثارها (حسب كلام المرحوم الشيخ): كنت أسير في الشارع أو السوق فإذا وقع بصري على امرأة أجنبيّة، فإنّ أجفان عيني كانت تنطبق بلا اختيار منِّي. و كان مشهوداً أنّ ذلك الأمر يقع بلا تعمّد و اختيار منّي.

  • و قد نقل المرحوم آية الله القوجانيّ يوماً نظير هذا المعنى عن المرحوم آية الله الحاجّ الشيخ محمّد جواد الأنصاريّ أعلى الله درجته، قال:

  • قال لي: لا تصدر من سالك طريق الله معصية. أي أنّ أفعاله هي عين الطاعة.

  • تفسير آية: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ﴾ في حرم سامرّاء

  • و على أيّة حال، فقد جئت في معيّة سماحة السيّد مع بعض الرفقاء النجفيّين إلى الكاظميّة في طريقي للعودة إلى إيران، ثمّ تشرّفت بالذهاب من هناك إلى سامرّاء بصحبة الرفقاء من أهالي الكاظميّة. و حصل يوماً في الصحن المطهّر -بعد إقامة صلاة فريضة الظهر جماعة، و كان السيّد يجلس في‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

587
  • الصف الأخير المتّصل بالضلع الشماليّ للرواق المطهّر و الحقير إلى جانبهـ أن حمل السيّد في يده تربة للصلاة من الأرض و قال لأحد الذين رافقونا في السفر -و كان قد سأله عن التوحيد- ما هذا؟

  • قال: هذه تربة للصلاة.

  • فقال السيّد: لقد وضعتَ اسم التربة عليها، و تخيّلتها وجوداً مستقلًّا ذا أثر، فأزل هذا الاسم جانباً فلن يبق هناك شي‌ء غير أصل الوجود.

  • ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَ ما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَ لَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى﴾‌.۱

  • أنتم تقولون: تربة صلاة، فتعطونها -باسم التربة و تعيّنها- استقلالًا و انفصالًا و تطلبون الأثر منها، لأنّ الطلب إنّما يعتمد على أصل و أساس الاستقلال؛ بينما الاستقلال و العزّة مختصّان بذات الله سبحانه، أي إنّ هذه الأسماء و الرسوم عاطلة لا أثر لها، و أنّ الفعل بيده جلّ و عزّ.

  • و من هنا فإنّ الأمر جليّ في أنّ علّة شرك الناس هذه الازدواجيّة في النظر التي ألبست هذه الاعتبارات الواهية بلا أساس لباس العزّة، و خلطت هذه الحدود و القيود و الماهيّات مع أصل الوجود، و سرقت العزّة من الوجود و نسبتها إلى هذه الأشياء.

  • فإن أنت أزلت اسم التربة عن هذا الشي‌ء فلن يكون إذ ذاك وجود لتربة و لا لتعيّن و لا لفقر و فاقة، فهي تابعة بأجمعها لهذه الحدود العدميّة، فإن ازيلت فإنّ وجوداً بحتاً بسيطاً و وسيعاً سيبقى و هو ما يُدعى بالوجود المنبسط. و سيصبح ذلك الوجود أيضاً -بعد رفع حدوده الماهويّة الإمكانيّة- فانياً في وجود الحيّ القيّوم الأزليّ و الأبديّ. هذه هي حقيقة

    1. الآية ٢٣، من السورة ٥٣: النجم.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

588
  • التوحيد التي تدعونها بوحدة الوجود.

  • إنّك تعقّد الأمر و تجعله معضلة، على الرغم من وضوح الأمر و بساطته، أي أنّك كلّما نظرت إلى شي‌ء فعليك أن ترى الله أوّلًا لا ذلك الشي‌ء. أمّا ذلك الذي تدعوه و تسمّيه، فليس إلّا ما أعمى عينيك فلم يدعك ترى الله. فإن أسقطت اسمه عنه فسيبقى الله وحده لا سواه!

  • هذا و قد عدنا من سامرّاء فبقينا عدّة أيّام في الكاظميّة لإتمام زيارة ذينك الإمامين الهمامين، و حللنا في منزل الحاجّ عبد الزهراء الگرعاويّ الواقع في الگريعات في الجانب الآخر من دجلة.

  • تمرّد أحد تلامذة الحاجّ السيّد هاشم، و عفوه عنه‌

  • و قد اتّفق عصر أحد الأيّام أن حضر أحد تلامذة الحاجّ السيّد هاشم قرب الغروب، و كان على الرغم من علاقته المتينة بالسيّد و وجود المكاشفات الروحيّة لديه يسبّب الأذى و الألم للسيّد لتمرّده و عدم طاعته. فكان كثيراً ما يصحبه في الأسفار بلا إذن منه، و كان يدع زوجته و أطفاله بلا معيل و كافل متعلّلًا بتأويلات واهية، و كان السيّد قد أبعده مرّات عديدة و وبّخه بشدّة، و لكن بلا جدوى. و كان -من جهة أخرى- من المحبّين و أصحاب السابقة و ممّن أبصر مقام السيّد و منزلته بعينيه الملكوتيّتين، لذا فلم يكن لينصرف عنه أو يتخلّى عنه. بَيدَ أنّه كان قد أعرض عن حديث العقل و الطاعة، و كان يصرّح بقوله: هذه أحكام اجراء لا أحكام عشّاق! و في النهاية فإنّ تمرّده هذا قد أنهى أمره فأبعده السيّد عنه إلى الأبد و لم يعد يستقبله في منزله.

  • نعم، لقد كان هذا الرجل موجوداً ذلك اليوم، حيث أدّى بكثير توقّعاته و تمنّياته الفارغة، و بتمرّده و عدم انقياده إلى أن يصبح السيّد منزعجاً جدّاً، و كاد الأمر أن ينجرّ إلى امور لا تحمد عقباها، و إلى أن يحرمه سماحة السيّد كلّيّاً من الرحمة الإلهيّة و الربّانيّة. و كان -بدورهـ في اضطراب و قلق،

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

589
  • فلم يكن لديه مفرّ من جهة، كما كان بعد السيّد و هجرانه -من جهة أخرى- أمراً غير محتمل بالنسبة له.

  • و من ثمّ فقد تدخّل الحقير في ذلك الموقف الدقيق و الخطير و بذل وساطته في الأمر، فقد شقّ عَلَيّ انزعاج السيّد من جهة، و رأيتُ -من جهة أخرى- أنّ حرمان رفيق الطريق و السالك ذي القلب المضنّي هذا سيكون أمراً مشكلًا، لذا فقد طلبتُ من السيّد أن يعفو عنه، و قطعت عهداً عن ذلك الرفيق بعدم التمرّد و بالطاعة في المستقبل. و كانت حالي قد تغيّرت هي الاخرى فانحدرت دموعي غزاراً.

  • و قد قَبِل السيّد بذلك، و سُرّ بهذا النمط من إصلاح الأمر و استغرق فجأة في الوجد و السرور، فأدخل على الفور يده في جيبه فأخرج مبراة للأقلام خضراء اللون و قدّمها هديّة لي، و لا تزال تلك المبراة محفوظة عند الحقير.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

590
  •  

  •  

  • الْقِسْمُ الحادِي عَشَرَ: السَّفَرُ التَّاسِعُ وَ العَاشِرُ لِلْحَقِيرِ إلى العَتَبَاتِ المُقَدَّسَةِ سَنَةَ ۱٣٩٥ و ۱٣٩٦ هِجْرِيَّة قَمَرِيَّة

  •  

  •  

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

592
  •  

  • السفران التاسع و العاشر للحقير إلى العتبات المقدّسة

  • سنة ۱٣٩٥ و سنة ۱٣٩٦ هجريّة قمريّة

  •  

  • كان الحقير يمتلك تصريحاً معتبراً بالإقامة في النجف الأشرف في الدوائر الرسميّة الإيرانيّة و العراقيّة على السواء، فكان أمر عودتي إلى العتبات المقدّسة و إلى النجف الأشرف سهل يسير، و كان لا يتطلّب سوى مراجعة للحصول على تأشيرة جواز السفر. و كانت دولة إيران قد أعلنت مؤخّراً أنّ على المقيمين في العراق أن يغادروا الحدود مرّةً قبل نهاية كلّ سنة، ثمّ رأينا أنّها أعلنت وجوب المغادرة مرّة قبل نهاية كلّ ستّة أشهر، فصار هذا الإعلان سبباً لنيل التوفيق بلثم أعتاب تلك الأماكن المباركة مرّتين كلّ سنة. و من ثمّ فقد ذهبتُ مرّة أواخر سنة ۱٣٩٥ هجريّة قمريّة، ثمّ وُفِّقت للزيارة مرّة أخرى في شهر شعبان لسنة ۱٣٩٦ هـ. ق، لكنّ مدّة السفر استغرقت في كلا السفرين شهراً واحداً و لم يكن في الإمكان التأخير أكثر من ذلك.

  • هذا و كانت حالة السيّد في هذين السفرين في منتهى الطمأنينة و الهدوء، و كانت تلك الحرارة و الحرقة قد تحوّلت إلى سكون. و كانت حكومة البعث قد أخرجت الرفقاء من سكنة الكاظميّة من ذوي الأصل الإيرانيّ فذهبوا إلى الشام و الكويت، أمّا ذلك الرفيق المجدّ و المصرّ المفرط في التمرّد فقد ساقه تمرّده إلى حيث أبعده السيّد عنه و لم يعد يستقبله إلى آخر عمره.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

593
  • و قد اعتلّ مزاج السيّد في غيابي، فصحبه أحد الرفقاء المحبّين (و كان من أهل المزاح) للمعالجة في بغداد عند أحد أطبّاء القلب المعروفين، فقال له ذلك الطبيب بعد فحوصات دقيقة و كثيرة: إنّ قلب هذا السيّد قد خضع لضغط شديد لمدّة طويلة، فما علّة ذلك؟

  • فيقول له ذلك الرفيق الذي صحب السيّد: أيّها الطبيب! إنّ هذا السيّد من التجّار و الملّاكين المعروفين و كانت له أموال و مدّخرات كثيرة بلا حصر، لكنّ هؤلاء الشيوعيّين صادروها منه حين جاءوا إلى السلطة، فآل أمره إلى هذه الحال حزناً و غمّاً على تلك الأموال الضائعة!

  • فيقول الطبيب: لا تغتمّ أيّها السيّد! فليس للدنيا كلّ هذه الأهمّيّة ليعرّض الإنسان سلامته للخطر و يجعل قلبه في مثل هذه الحال من أجل ضياع أمواله، فأنت بحمد الله سيّد و قد أعطاك الله عمراً طويلًا، فإن ضاع مالك أيّاماً فإنّ الأمر لا يستدعي الغمّ و الهمّ!

  • و كان ذلك الشخص الذي رافق السيّد و أخذه إلى الطبيب هو الصديق العزيز الحاجّ عبد الجليل محيي، و قد قال للرفقاء فيما بعد: لقد قلت هذا الكلام و السيّد الحدّاد راقد للمعاينة، فقال الطبيب كذا و كذا، و كان السيّد الحدّاد يسمع ذلك كلّه و لا ينبس ببنت شفة، لكنّه قال للطبيب عند العودة: أشكرك على نصائحك الشفيقة.

  • كلام الحدّاد: الاستدراج هو عذاب إفشاء السرّ

  • لقد كان للحاجّ السيّد هاشم إصرار دائم على كتمان السرّ و عدم إظهار واقعة أو مطلب ما، لكنّه ازداد كتماناً من ذلك في الأسفار الأخيرة و كان يصرِّح: أنّ كشف المطالب الغيبيّة لمن لا خبرة له بالأمر يعدّ من أقبح القبائح عند الله، لأنّها من الأسرار الإلهيّة، و الله سبحانه غيور لا يحب أن يفشي سرّه. فالسرّ الموجود داخل الحرم ينبغي أن يبقى داخل الحرم، و يقبح إخراجه خارج الحرم.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

594
  • و لأجل هذه الغيرة الإلهيّة فإنّ من يفشي سرّ الله يجد الله سبحانه في مقام معارضته و مواجهته ليسقطه و يخرجه من الحرم. و هذا الإخراج من الحرم يمثّل أشدّ عذاب متصوّر للسالك. و هكذا يفقد السالك بهذا الجرم حالاته تدريجيّاً، ثمّ تخبو حالاته المعنويّة و مكاشفاته الروحيّة و تخمد حتّى تزول تماماً، و تبقى صورها العلميّة فقط في دائرة خواطره.

  • و بسبب تدرّج هذا الخمود من جهة، و لبقاء الصور العلميّة لدى السالك من جهة أخرى، فكثيراً ما يحصل أن لا يلتفت السالك إلى هذا السقوط التدريجيّ غير الدفعيّ، فيعدّ نفسه -كما في السابق- صاحب أسرار خفيّة و علوم ملكوتيّة؛ مع أنّ شيئاً لم يبق لهذا المسكين، فهو يبهج نفسه بالخواطر و الصور العلميّة.

  • ﴿وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ، وَ أُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾‌.۱

  • إن إفشاء سرّ الله من جملة التكذيب بالآيات، ذلك لأنّ الله سبحانه يفتح -بإخفاء أسرارهـ طريق السلوك للجميع، في حين أنّ إفشاءها سيغلق الطريق أمام الكثير. لأنّ الذين لا يمتلكون قابليةً لتحمّلها سيرفضونها و سيكذّبونها، فيغلقون بهذا الرفض الطريق على أنفسهم و على الآخرين، و هذا الإغلاق في الحقيقة هو إلّا تكذيب لآيات الله، و سببه إفشاء الأسرار الإلهيّة. خلافاً لأولياء الله الذين يفتحون سبيل الله و طريقه أمام الخلق، و يهدون الناس إلى الحقّ من خلال علاقتهم بعالم الأمر و غيب الملكوت. و يتحتّم على هؤلاء كتمان السرّ ليمكنهم هداية جميع الخلق إلى الحقّ. و من هنا فقد جاء في الآية التي سبقتها:

    1. الآيتان ۱۸٢ و ۱۸٣، من السورة ۷: الأعراف.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

595
  • ﴿وَ مِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ﴾‌.۱

  • و لقد قال الرسول الأكرم صلّى الله عليه و آله في شأن سعد بن عبادة: إنَّهُ لَغَيُورٌ؛ وَ أنَا أغْيَرُ مِنْهُ؛ وَ اللهُ أغْيَرُ مِنِّي.

  • و جاء عنه أيضاً في الحديث‌: لَا أحَدَ أغْيَرُ مِنَ اللهِ؛ مِنْ أجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَ مَا بَطَنَ. وَ لَا أحَبَّ إلَيْهِ العُذْرُ مِنَ اللهِ؛ وَ مِنْ أجْلِ ذَلِكَ أرْسَلَ الرُّسُلَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ. وَ لَا أحَبَّ إلَيْهِ المَدْحُ مِنَ اللهِ؛ وَ مِنْ أجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ الجَنَّةَ لِيُكْثِرَ سُؤَالَ العِبَادِ إيَّاهَا وَ الثَّنَاءَ مِنْهُمْ عَلَيهِ‌.٢

  • و كان السيّد الحدّاد يقول: المراد بـ «مَا بَطَنَ» كشف الأسرار الإلهيّة، أي كلّ حرام و قُبحٍ مُنع بواسطة الغيرة الإلهيّة، سواء ما ظهر من الفواحش أو ما بطن. فالفواحش الظاهرة هي جميع القبائح الظاهريّة؛ أمّا الفواحش الباطنة فعبارة عن جميع القبائح الباطنيّة في الأخلاق و العقائد و ملكات السوء، و من جملتها بل من أعظمها كشف سرّ الله تعالى.

  • نقل الحدّاد قول رسول الله: إنّي أُحِبُّ مِنَ الصِّبْيَانِ خَمْسَةَ خِصَالٍ‌

  • و كان يقول: لشدَّ ما يفرحني كلام رسول الله صلّى الله عليه و آله هذا، فهو يبهجني و يبعث في السرور كلّما تذكّرته، فقد قال:

  • إنِّي احِبُّ مِنَ الصِّبْيَانِ خَمْسَةَ خِصَالٍ: الأوَّلُ أنَّهُمْ البَاكُونَ، الثَّانِي: على التُّرَابِ يَجْتَمِعُونَ، الثَّالِثُ: يَخْتَصِمُونَ مِنْ غَيْرِ حِقْدٍ، الرَّابِعُ: لَا يَدَّخِرُونَ لِغَدٍ، الخَامِسُ: يَعْمُرُونَ ثُمَّ يُخْرِبُونَ‌.٣

  • و المراد بذلك إنّ الأطفال -باعتبار قربهم من الفطرة، أي قربهم من التوحيد- خالون من الأنانيّة الجوفاء و الاستكبار الواهيّ و الشخصيّة

    1. الآية ۱۸۱، من السورة ۷: الأعراف.
    2. «السيرة الحلبيّة» ج ٣، ص ۱٦٩.
    3. كتاب «زهر الربيع» للسيّد نعمة الله الجزائريّ، ص ٢٩٥، الطبعة الحجريّة.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

596
  • المجازيّة؛ لذا فلا يوجد لديهم الضحك الباعث على الغفلة، و العمارة الباعثة على البهجة، و الأحقاد المستحكمة بالرغم من كونها بلا داع، و ينعدم لديهم حبّ اكتناز الأموال و ادّخارها على أساس من الوهم و التخيّل، و الاعتماد على الدنيا و التعلّق بها، أي أنّهم بأجمعهم من أهل التوحيد بالفطرة، كما أنّ فناءهم في ذات الله سبحانه أشدّ، فصاروا بذلك مورد اهتمام النبيّ و حبّه الشديد.

  • أمّا حين يصل هؤلاء إلى فترة غرور الشباب و الكهولة و إلى زمن الهرم فسيكتنفهم غرور الشهوة و الغضب و الأوهام و الاعتباريّات، و سيملأ عقولهم حبّ المال و الجاه و الاعتبار، فيفقدون جميع تلك الغرائز النقيّة و الفطرة السليمة البكر، و يعشقون الباطل في مقابل الحقّ و يبيعون عمرهم و حياتهم و ثروتهم العلميّة و قدرتهم و أمنهم مجّاناً بل مقابل خسائر عظيمة. و هذا ما يوجب البعد عن رحمة الله، و الإقصاء و النأي عن وادي المحبّة، إلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللهُ وَ قَلِيلٌ مَا هُمْ.

  • و كما ذكرنا فقد جرى خلال هذه الأسفار إبعاد بعض الرفقاء و إخراج بعضهم من العراق، و بقي البعض في الكاظميّة، فكانوا يقلّلون تردّدهم على كربلاء حتّى صار مجيئهم إلى محضر السيّد نادراً خوفاً من أن تعتقلهم حكومة البعث أو تخرجهم من العراق. لذا فقد بقي هذا السيّد المحترم يعيش أكثر الأوقات في وحدة و غربة طيلة هذه السنوات؛ و كما قال مراراً: إنّ العالم و سكّانه جميعاً في مقام مخاصمة العرفاء بالله و منازعتهم.

  • معاملة الرفقاء للحدّاد و أدبهم معه لم يكن لائقاً بمقامه‌

  • و على وجه العموم، فإنّ جميع الرفقاء -إلّا القليل منهم- لم يكونوا يعرفون قدر السيّد و مقامه، و لم يكونوا يعرفون عنه شيئاً إلّا أنّه سيّد محترم و منزوٍ عن الدنيا يمتلك أخلاقاً حسنة و سجايا حميدة، و لعلّ له بعض الحالات الروحانيّة و المكاشفات الملكوتيّة، و من ثمّ فقد كانوا يستخدمونه‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

597
  • في الكثير من الامور، كتسيير امور الكسب و حلّ النزاعات و أداء الديون و أمثال ذلك.

  • و كانوا -على سبيل المثال- يأتون من الكاظميّة و بغداد إلى كربلاء، فيأخذونه بسيّارتهم إلى الكاظميّة لإصلاح هذه الامور و يُبقونه هناك اسبوعاً أو اسبوعين، و يضيّفونه -حسب ظنّهم- في بيوتهم فيبسطون الموائد الفاخرة الشهيّة من أنواع الأطعمة من الدجاج و السمك، و يجلسون جميع الرفقاء حول تلك الموائد، مع علمهم أنّ السيّد هاشم لم يتناول طيلة مدّة الرفقة لقمة واحدة من السمك أو الدجاج، و علمهم باجتنابه تناول الأغذية المتعدّدة و أنواع اللذائذ الصوريّة؛ فقد كان يكتفي دوماً من هذه الموائد بتناول ما يحاذيه من الخبز و الخضروات (الفجل) أو الأغذية البسيطة الاخرى. بَيدَ أنّهم كانوا يتصوّرون أنّه لا يمتلك حاسّتي الذوق و الشمّ أبداً، و أنّه لا يدرك ما يقومون بتقديمه في تلك الموائد من أنواع الأغذية اللذيذة، و أنّ تناول الخبز و ورق الفجل قد صار من طبعه الثانويّ.

  • نقل المرحوم الحاجّ آقا معين الشيرازيّ تغمّده الله برحمته أنّه: دعا ذات ليلة أحد التجّار المعروفين و المشهورين في الكاظميّة إلى بيته أمثاله و أضرابه من التجّار لمناسبةٍ ما، و كان من جملة المدعوّين السادة التجّار من أهالي الكاظميّة من رفقاء الحاجّ السيّد هاشم، فلبّى هؤلاء الدعوة و اصطحبوا معهم الحاجّ السيّد هاشم. فلمّا دخلنا البيت شاهدنا مائدة ممدودة حوت كلَّ ما يتصوّر من أنواع الأغذية، و كلّ نوع من أنواع الأشربة المحلّلة، و كانت مائدة مترامية الأطراف بحيث توجّب على الحاجّ السيّد هاشم أن يسير مسافة كي يجلس إلى زاويتها. و كان يسير و نحن خلفه، فلمّا وقع نظره على تلك المائدة قال: ﴿لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ﴾‌.۱

    1. الآية ٦۱، من السورة ٣۷: الصافّات.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

598
  • ثمّ توافد المدعوّون و جلسوا جميعاً و انهمكوا بتناول الطعام، أمّا السيّد هاشم فلم يتعدّ الخبز و الجبن و الفجل الموضوع أمامه ليأكلَ ممّا عداها.

  • و كان ذلك يحصل بينما تقضي عائلته الكبيرة أغلب أيّامها في كربلاء تصارع المشاكل و المحن في أشدّ عسرٍ و ضيق و فاقة. و كان يخيّل للرفقاء أنّ إكرام السيّد يتمثّل في إبقائه في بساتين الكاظميّة و بغداد بتلك الكيفيّة!

  • قضايا شيّقة من فتوّة الحاجّ السيّد هاشم رحمة الله عليه‌

  • و العجيب أنّ هذا السيّد لم يكن لينبس ببنت شفة لئلّا تتسرّب أخبار اموره الداخليّة إلى الخارج فيسبّب ذلك إزعاجه؛ و مع هذه الحال التي وصفناها فقد كان يلبّي دعوتهم باستمرار دون أن يبدي تضايقاً من الذهاب، و ذلك لشدّة المحبّة التي كان يكنّها لسالكي طريق الله. و كان ينظر إلى جميع الأفراد الذين يدّعون السلوك بعين الاحترام، و لو تغافلوا أو غفلوا عن شروط السلوك و واجباته، و كان يسعى بنفسه في قضاء حوائجهم.

  • كان هؤلاء يأتون من الكاظميّة إلى كربلاء للزيارة بسيّاراتهم الشخصيّة فيصطحبونه معهم عند عودتهم بتلك السيّارات، بينما يتوجّب على بعض عائلته من النساء أن تسافر إلى بغداد في نفس الوقت لمراجعة الطبيب بواسطة سيّارات السفر العامّة، على الرغم من أنّها امرأة، و الأعجب أنّه كان يتوجّب على أهله أن تسكن في بيت آخر حتّى انتهاء مهمّتها تلك.

  • فما الذي كان يفعله السيّد في تلك الحالات؟ أ وَ هناك سبيل آخر لأولياء الله غير الكرامة و الصبر الجميل و التحمّل؟

  • و ممّا يثير العجب أنّ هؤلاء الرفقاء كانوا مطّلعين على مرافقة تلك المرأة له، لكنّهم -مع ذلك- لم يكونوا يعدّون عملهم هذا أمراً غير مستحسن.

  • و قد دام ذلك حتّى تشرّف الحقير بالذهاب إلى كربلاء، فأراد صاحب‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

599
  • السيّارة و بصحبته شخصان آخران أن يصطحبا السيّد مع الحقير من كربلاء إلى الحمزة و القاسم ثمّ إلى الكاظميّة. و اتّفق ذلك حين توجّب على زوجته امّ مهدي و زوجة السيّد قاسم الذهاب لمراجعة الطبيب في الكاظميّة و بغداد فقال الحقير للسائق و كان من الرفقاء المخلصين: أ مِنَ الصحيح أن تذهب هؤلاء المخدّرات و العائلة المحترمة في وضع كهذا بدون وليّ أمرهم و نذهب نحن بصحبته؟! من الأفضل أن أجلب سيّارة أخرى و يأتي هؤلاء مع السيّد.

  • فلم يوافقوا على ذلك، ثمّ تقرّر أن يذهب رفيقا السائق في سيّارة أخرى و أن يجلس السيّد مع تلكما المخدّرتين في مؤخّرة السيّارة و يجلس الحقير لوحده في مقدّمتها. و هكذا حصل، و على هذه الصورة تشرّفنا بالذهاب إلى الكاظمين عليهما السلام؛ و مع ذلك فلم يكن هذا الأمر مرضيّاً لذينك الرفيقين اللذين كانا يرغبان في مرافقة السيّد.

  • أ فتصدِّقون أنّ بعض الصحابة كانوا يقومون بمثل هذه الأعمال مع أهل بيت رسول الله و أمير المؤمنين و الأئمّة عليهم السلام فيتصوّرونهم بلا حرمة، بينما يحسب اولئك الصحابة لأنفسهم من الأهمّيّة بحيث ينبغي أن يكونوا مع رسول الله و في ركابه و في معيّة سائر الأئمّة و في ركابهم؛ فكانوا يقومون بأمثال هذه التصرّفات و يحرمون قرّة العين الحقيقيّة للنبوّة و الولاية من التمتّع بأبْدَهِ المواهب الإلهيّة و الضروريّة و الفطريّة.

  • و هذه الصفات الحميدة و الملكوتيّة هي ما يدعونها بالفتوّة، و هي أفضل من الشجاعة و الكرم، و لقد خاطب مولانا، أمير المؤمنين عليه السلام بقوله:

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

600
  • در شجاعت شير ربّانيستى‌***در فتوّت خود كه داند كيستى؟!۱
  • و نقول في خطاب الروح المقدس لهذا السيّد الجليل بعد ثمان سنوات من رحيله:

  • اى آفتاب آينه‌دار جمال تو***مشگ سياه مجمره گردان خال تو
  • صحن سراى ديده بشستم ولى چه سود***كاين گوشه نيست در خور خيل خيال تو
  • در اوج ناز و نعمتى اى پادشاه حسن‌***يا رب مباد تا به قيامت زوال تو
  • مطبوع‌تر ز نقش تو صورت نبست باز***طغرا نويس ابروى مشكين مثال تو
  • در چين زلفش اى دل مسكين چگونه‌اى‌***كاشفته گفت باد صبا شرح حال تو٢
    1. كتاب «مثنوي» الدفتر الأوّل، ص ٩۷، طبعة ميرزا محمود الحجريّة؛ و في طبعة ميرخاني: ص ٩٦.
      يقول: «أنت في الشجاعة أسد الله، و لكن مَن يعلم من تكون في فتوّتك؟».
    2. «ديوان الخواجة حافظ الشيرازيّ» ص ۱۸٩ و ۱٩۰، الغزل ٤۱٦، طبعة پژمان، انتشارات بروخيم، سنة ۱٣۱۸ هـ. ق. يقول: «يا من كانت الشمس مرآة جمالك، و لم يعدُ العنبر الأسود أن يكون إلّا مجمرةً لخالك!
      غسلتُ بالدمع فِناءَ عيني عبثاً، فقد جلّ خيالك أن تكون عيني محطّاً له!
      فيا ملك الحسن الغارق في التَّيه و النعمة، رعاك الله عن الزوال حتّى القيامة.
      لم يصوّر كاتب طغرا حاجبك الأسود أبدع من مثال طلعتك.
      و كيف حالك أيّها القلب المسكين مع طيّات زلفه؟ أجاب نسيم الصبا: مشوشاً كما هي».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

601
  • برخاست بوى گل ز دَرِ آشتى درآى‌***اى نو بهار ما رخ فرخنده فال تو
  • تا آسمان ز حلقه بگوشان ما شود***كو عشوه‌اى ز ابروى همچون هلال تو
  • تا پيش بخت باز روم تهنيت كنان‌***كو مژده‌اى ز مقدم عيد وصال تو
  • اين نقطة سياه كه آمد مدار نور***عكسى است در حديقة بينش ز خال تو
  • در پيش شاه عرض كدامين جفا كنم‌***شرح نيازمندى خود يا ملال تو؟
  • حافظ در اين كمند سرسركشان بسى است‌***سوداى كج مپز كه نباشد مجال تو۱
  •  

  • وَ اللهِ مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ وَ لَا غَرُبَتْ‌***إلَّا وَ ذِكْرُكَ مَقْرِونٌ بِأنفَاسِي‌
    1. يقول: «تضوّع الوَرد فتعال نصطلح يا مَن أطلّ بطلعته الميمونة بشائرُ ربيعنا.
      أين غنج حاجبك الهلاليّ حتّى تصبح السماء خاضعة و عبداً لنا.
      و أين بشارة قدوم عيد وصالك لأهرع مرّة اخرى في استقباله مُهنِّئاً طالعي؟
      هذه النقطة السوداء التي صارت مدار النور، ما هي إلّا صورة من خالك انعكست في حديقة الرؤية.
      فأيّ الجفاءينِ سأشرح للملك: فاقتي أم بَرَمك؟
      يا حافظ! ما أكثر رؤوس المتمرّدين التي وقعت في هذا الحبل، فلا تحاول الأماني المعوجّة فليس فيه مجالك».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

602
  • وَ لَا جَلَسْتُ إلى قَوْمٍ احَدِّثُهُمْ‌***إلَّا وَ أنتَ حَدِيثِي بَيْنَ جُلَّاسِي‌
  • وَ لَا هَمَمْتُ بِشُرْبِ المَاءِ مِنْ عَطَشٍ‌***إلَّا رَأيْتُ خَيَالًا مِنْكَ في كَاسِي‌۱
  • مجي‌ء سماحة الحدّاد إلى سامرّاء و مطار بغداد لتوديعي‌

  • و عموماً فقد تشرّفت في هذين السفرين بعد إتمام مراسم الزيارة بالسفر في معيّة سماحة السيّد من كربلاء إلى الكاظميّة للعودة منها إلي إيران.

  • و كان يندر أن يتردّد الرفقاء من أهالي الكاظميّة (عدا اولئك الذين عادوا منها إلى الشام و الكويت) على منزل السيّد الحدّاد لئلّا يُعرفوا أو يلاحقوا من قبل حكومة البعث لتردّدهم على السيّد أو لمجي‌ء السيّد إلى بيوتهم، (حيث كان منظر السيّد بالعمامة و الجبّة و العباءة ملفتاً للنظر) فتقوم بإخراجهم من العراق، حتّى وصل الأمر في سفري الأخير إلى أنّ واحداً منهم فقط كان قد جاء إلى كربلاء للزيارة فعرّج على منزل السيّد لملاقاته لساعة واحدة فقط في وقت غير عاديّ. كما أنّ هذا الشخص لم يقدم إلى كربلاء عند ما حان موعد رجوع الحقير.

  • و قد انتظر السيّد وروده بصبر إلى اليوم الأخير لحركتي، حيث كان مقرّراً أن أغادر مطار بغداد في الليلة التالية بعد بدء الليل بخمس ساعات متوجّهاً إلى طهران.

  • و من ثمّ فقد تشرّفت بالمجي‌ء إلى الكاظمين عليهما السلام صباح ذلك اليوم في معيّة السيّد مع السيّد برهان الدين و هو أحد أولاد السيّد،

    1. نقل هذه الأبيات في «ريحانة الأدب» في تراجم المعروفين بالكني و اللقب، ج ٢، ص ٦٢، الطبعة الثالثة، مطبعة شفق، تبريز، عن الحسين بن منصور الحلّاج.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

603
  • (و كان يمتلك سيّارة) فأدّيت زيارة مختصرة بصحبة سماحة السيّد و ولده و تشرّفنا بعدها بالذهاب إلى سامرّاء و وفّقنا لزيارة حرم الإمامين العسكريّين عليهما السلام (الإمام عليّ النقيّ و الإمام الحسن العسكريّ) لمرّة واحدة، ثمّ أدّينا صلاتي الظهر و العصر في ذلك المكان المقدّس. زرنا بعدها صاحب الأمر أرواحنا فداه و أدّينا الأعمال المخصوصة بالسرداب المطهّر ثمّ قمنا بتناول الطعام في أحد المطاعم العامّة هناك وعدنا إلى الكاظميّة فوصلناها قبل الغروب بساعة. و قمنا باستئجار غرفة صغيرة في فندق الجواد عليه السلام القريب من الصحن المطهّر، و ذهبنا إلى الحرم المطهّر لزيارة الإمامين الكاظمين عليهما السلام و توديعهما و أداء صلاتي المغرب و العشاء، و ذلك في معيّة سماحة السيّد الحدّاد و ابنه الكريم. ثمّ عدنا إلى الفندق بعد أداء هذه العبادات بعد مرور ساعتين من الليل، فتناولنا طعام العشاء هناك و تحرّكنا بعد ساعة إلى مطار بغداد، و كانوا قد غيّروا موقعه فصار في منطقة أبعد تقع خارج بغداد بأربعة أو خمسة فراسخ، لذا فقد استغرق طيّ المسافة من الفندق إلى المطار أكثر من ساعة كاملة.

  • و كان السيّد قد شرّفنا بالحضور مع كهولة سنّه و ضعفه، و كان راغباً في المجي‌ء بإصرار بحيث لم يتمكّن الحقير من توديعه في نفس الفندق على أن يرجع إلى كربلاء بعد عودة ابنه من المطار.

  • و لهذا فقد تفضّل بالحضور إلى المطار، و بعد التوديع الذي انهمرت فيه دموعه فقد دخل الحقير اليائس ذو القلب القاسي إلى داخل المنطقة المسيّجة، و ظلّ السيّد واقفاً مع ولده العزيز إلى ما بعد إتمام الإجراءات و إلى حين تحليق الطائرة.

  • (سيأتي فيما بعد شرح حالاته عند انفصالي عنه، من التغيير الباطنيّ‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

604
  • العميق، و توهّج الطلعة، و بروز العيون من أحداقها، و الدموع المنهمرة كالميازيب، ثمّ سقوطه مريضاً في الفراش بلا حراك لمدّة اسبوع، ذلك التغيير الذي كان جزءاً من البرنامج الدائميّ و الطبيعيّ عند عودة الحقير من جميع أسفاره).

  • مفاد أشعار الشبستريّ مماثل لحالي مع سماحة السيّد الحدّاد

  • لقد صوّر عارفنا الجليل الشيخ محمود الشبستريّ أعلى الله درجته في خاتمة كتابه «گلشن راز» تحت عنوان «إشاره به تَرْسَا بَچه» شمّة من حالات الحقير الفقير مع سماحة السيّد في تلك الليلة:

  • اشاره به تَرْسَا بَچه‌۱

  • بت و ترسا بچه نور است ظاهر***كه از روى بتان دارد مظاهر
  • كند او جمله دلها را وثاقى‌***گهى گرد مُغنّى گاه ساقى‌
  • زهى مطرب كه از يك نغمة خوش‌***زند در خرمن صد زاهد آتش‌٢
    1. «گلشن راز» بخطّ المرحوم عماد الأردبيليّ، ص ۸۸ إلي ٩۰.
      في الإشارة إلي الصبي الراهب
    2. يقول: «إنّ الصنم المعبود و الصبي الراهب (الإنسان الكامل) نور ظاهر، له مظاهر في طلعة الأصنام (أي الكاملين في كلّ عصر).
      فقد أوثق القلوب جميعاً، فصار له المغنّي (غناء العشق) حيناً و الساقي (شراب المحبّة) حيناً آخر.
      فأكرِمْ به مطرباً أشعل بنغمة رائعة واحدة النار في بيادر مائة زاهد».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

605
  • زهى ساقى كه او از يك پياله‌***كند بيخود دو صد هفتاد ساله‌
  • رود در خانقه مست شبانه‌***كند افسوس صوفى را فسانه‌
  • و گر در مسجد آيد در سحرگاه‌***نبگذارد در او يك مرد آگاه‌
  • رود در مدرسه چون مست مستور***فقيه از وى شود بيچاره مخمور
  • ز عشقش زاهدان بيچاره گشته‌***ز خان‌ومان خود آواره گشته‌
  • يكى مؤمن دگر را كافر او كرد***همه عالم پر از شور و شر او كرد
  • خرابات از لبش معمور گشته‌***مساجد از رخش پر نور گشته‌۱
    1. يقول: «و أكرِمْ به ساقياً أسكر بكأسٍ واحدة مائتي شيخ في السبعين من العمر.
      فهو يذهب إلي معبد السالكين ليلًا ثملًا، فيجعل امنيات الصوفيّة أساطير و خرافات.
      و إذا ما جاء سَحَراً إلي المسجد، فإنّه لا يدع فيه رجلًا صاحياً واحداً.
      يذهب إلي المدرسة ثملًا مستوراً يتخفّي، فيصبح الفقيه منه بائساً مخموراً.
      صار الزهّاد بائسين و عاجزين من عشقه، فهاموا علي وجوههم في طلبه و اغتربوا عن البيت و المال.
      قد جعل أحدهم مؤمناً (بإقراره به) و الآخر كافراً (بإنكاره له)، فملأ العالم بذلك بالحماس و الشرّ.
      لقد عُمّرت معابد العرفاء من شفاهه، و أنارت المساجد من طلعته».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

606
  • همه كار من از وى شد ميسّر***بدو ديدم خلاص از نفس كافر
  • دلم از دانش خود صد حجب داشت‌***ز عُجب و نخوت و تلبيس و پنداشت‌
  • در آمد از درم آن بت سحرگاه‌***مرا از خواب غفلت كرد آگاه‌
  • ز رويش خلوت جان گشت روشن‌***بدو ديدم كه تا خود كيستم من‌
  • چو كردم در رخ خوبش نگاهى‌***بر آمد از ميان جانم آهى‌
  • مرا گفتا كه اى شيّاد سالوس‌***بسر شد عمرت اندر نام و ناموس‌
  • ببين تا علم و كبر و زهد و پنداشت‌***ترا اى نارسيده از كه واداشت‌
  • نظر كردن به رويم نيم ساعت‌***همى ارزد هزاران ساله طاعت‌۱
    1. يقول: «و تيسّر به أمري أجمع، و رأيت فيه نجاتي من النفس الكافرة.
      لقد كان علي قلبي ألف حجاب من العلم، و العُجب و النخوة و التلبيس و التخيّل.
      فدخل بابي ذلك المعبود سَحَراً، فأيقظني من نومة الغافلين.
      و أضاء بطلعته فراغ روحي، و عرفتُ فيه من أكون أنا.
      و حين لاحت نظرة منّي إلي طلعته، تصاعدت من قلبي آه حرّي.
      قال لي: أيّها الماكر الخادع، لقد تصرّم عمرك في طلب الجاه و الشهرة و الشرف.
      فانظر إلي العلم و الكبر، و الزهد و الخيال عمّن حجبتك أنت الجاهل الذي لم ينضج بعد؟
      انظر إلي وجهي نصف ساعة، فإنّها تعدل آلافاً من سنين الطاعة».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

607
  • على الجملة رخ آن عالم‌آرا***مرا با من نمود آن دم سراپا
  • سيه شد روى جانم از خجالت‌***ز فوت عمر و أيّام بطالت‌
  • چو ديد آن ماه كز روى چه خورشيد***كه ببريدم من از جان خود اميّد
  • يكى پيمانه پر كرد و به من داد***كه از آب وى آتش در من افتاد
  • كنون گفت: از مى بى‌رنگ و بى‌بو***نقوش تختة هستى فرو شو
  • چه آشاميدم آن پيمانه را پاك‌***در افتادم ز مستى بر سر خاك‌
  • كنون نه نيستم در خود نه هستم‌***نه هشيارم نه مخمورم نه مستم‌۱
    1. يقول: «و إجمالًا فإنّ الطلعة التي تزيّن العالم، أعادتني تماماً إلي نفسي تلك اللحظة.
      فاسودّ وجهي خجلًا من ضياع العمر و من أيّام البطالة.
      و حين رآني ذلك البدر آيساً من روحي، حين نظرتُ طلعته المضيئة كالشمس.
      فقد أترع لي كأساً و ناولنيها، فاشتعلت من مائها النارُ في كياني.
      و قال اغسل الآن رسومَ لوحة وجودك، بشرابٍ لا لون له و لا ريح.
      و حين شربتُ تلك الكأس حتّى الثمالة، سقطتُ مخموراً علي التراب.
      فصرتُ لا معدوماً في نفسي و لا موجوداً، لا صاحياً و لا ثملًا».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

608
  • گهى چون چشم او دارم سر خوش‌***گهى چون زلف او باشم مشوّش‌
  • گهى از خوى خود در گلخنم من‌***گهى از روى او در گلشنم من‌۱
    1. يقول: «أمتلك -تارة- رأساً نشواناً كعينه، و أغدو -تارة- مضطرباً كخصلات زلفه.
      أكون -تارة- من خلقي و طبيعتي في المزبلة، و أكون -تارة- بطلعته في الروض».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

609
  •  

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

610
  •  

  •  

  • الْقِسْمُ الثَّانِي عَشَرَ: سَفَرُ الحَقِيرِ إلى الشَّامِ وَ زِيَارَةِ السَّيِّدَةِ الْعَقِيلَةِ وَ مُلَاقَاةِ السَّيِّد هَاشِم في عَاشُورَاءَ سَنَةَ ۱٤۰۰ هِجْرِيَّة قَمَرِيَّة

  •  

  •  

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

612
  • سفر الحقير إلى الشام و زيارة السيّدة زينب عليها السلام‌

  • و لقاء الحاجّ السيّد هاشم في عاشوراء

  • سنة ۱٤۰۰ هجريّة قمريّة

  • بعد سفري الأخير إلى العتبات المقدّسة قامت الحكومة العراقيّة بإغلاق الحدود في وجه القادمين، و منعت ورود الإيرانيّين بشكل عامّ حتّى الذين يمتلكون تصريحاً بالإقامة، و ها قد انقضت ستّ عشرة سنة منذ آخر زيارة دون أن يكتب للحقير التوفيق لزيارة قبور الأئمّة عليهم السلام.

  • و بالطبع فقد كان سفر أمثال الحاجّ السيّد هاشم إلى إيران ممنوعاً، فعلى الرغم من أنّ جنسيّته لم تكن إيرانيّة، بل كانت تبعيّته هنديّة و مع ذلك فإنّ الحصول على تأشيرة دخول إلى إيران كان أمراً غير ممكن. بَيدَ أنّ السيّد قام باصطحاب زوجته و أحد أبنائه و سافر إلى الشام لزيارة السيّدة زينب سلام الله عليها، فوردوا دمشق في الثاني و العشرين من شهر ذي الحجّة الحرام لسنة ۱٣٩٩ هجريّة قمريّة، و توجّهوا مباشرة إلى الزينبيّة فحطّوا رحالهم عند صديقه العزيز و تلميذه القديم المحبّ: الحاجّ أبي موسى جعفر محيي دام توفيقه.

  • و كان الحاجّ أبو موسى و هو من الرفقاء القدماء من أهالي الكاظميّة، قد ذهب إلى الشام بعد أن أبعدته حكومة البعث، و بسبب إخلاصه و أمانته فقد اسند إليه من قبل هيئة إدارة الصحن المطهّر مهمّة إدارة الحرم الشريف و تنظيم اموره، و اوكلت إليه إدارة الامور الماليّة و استلام الأموال‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

613
  • و التبرّعات و امور مصارف تلك البقعة الشريفة، فصار يجلس من الصبح إلى الليل في الغرفة اليمنى المجاورة لمدخل الصحن مباشرة، و التي عليها لافتة كبيرة تحمل عنوان: «مكتبُ اسْتِلام النُّذوراتِ و التَّبرُّعاتِ لِلسَّيِّدةِ زينبَ سلامُ الله علَيها»، فيقوم باستلام المبالغ النقديّة و النذورات و غيرها لينفقها في مواردها الضروريّة، كما أنّه يمتلك غرفة خاصّة له في الصحن المطهّر، و كان قد استأجر غرفة لعائلته قريبة من الصحن، فعاش هناك على هذا المنوال سنينَ طوالًا.

  • و حين تشرّف السيّد بالذهاب إلى الزينبيّة فقد جعل محلّ إقامته في الصحن الشريف في غرفة الحاجّ تلك، و كانوا يذهبون إلى منزله أحياناً، و باختصار فقد كان الحاجّ أبو موسى مضيّفه الوحيد طيلة إقامته في دمشق.

  • و عند ورود السيّد فإنّه يقول للحاجّ: أُخْبِر السيّد محمّد الحسين ليتشرّف بالمجي‌ء للزيارة هذه الأيّام إن استطاع ذلك.

  • و باعتبار صعوبة الاتّصال الهاتفيّ في ذلك الوقت، فقد قام الحاجّ بكتابة رسالة للحقير وصلت إلى يدي في اليوم الثاني من محرّم الحرام لسنة الف و أربعمائة هجريّة قمريّة كتب فيها: أخبرنا إن كنت ستأتي أو لا. و قد رأيتُ أنّ إرسال رسالة بريديّة سيستغرق عشرة أيّام على الأقلّ، و أنّني -و قد عزمتُ على الذهاب- سأصل بحول الله و قوّته قبل الرسالة، فقد جعلت نفس ذهابي جواب رسالتهم، و سعيت فوراً لإصدار جواز السفر فاستغرق ذلك ثلاثة أيّام، ثمّ لتهيئة بطاقة سفر بالطائرة و استغرق ذلك ثلاثة أيّام أيضاً، فكان مجموع ذلك ستّة أيّام. و هكذا فقد ورد الحقير الزينبيّة صباح اليوم الثامن من المحرّم ليلة التاسع منه وزرت السيّد في حجرة مكتب الاستلام المذكورة، ثمّ تشرّفنا جميعاً بزيارة السيّدة زينب سلام الله عليها.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

614
  • و لا يخفى أنّني حيث احتملتُ عودة السيّد من الشام إلى العراق قبل وصول نبأ قدومي إليهم (الذي كان نفس وصولي) فقد أرسلتُ ولدي الأكبر الحاجّ السيّد محمّد صادق إلى الشام ليتشرّف بزيارة السيّدة زينب أوّلًا، و ليحظى بزيارة السيّد ثانياً، حيث يُعدّ -بدورهـ من تلامذته المخلصين، و لينبئ بحركتي للسفر باعتبار أنّه يصل قبلي. و قد ورد دمشق صباح اليوم السادس من المحرّم، فالتقى السيّد في نفس اليوم و ظلّ ينهل و يغنم من فيوضاته و بركاته عند السيّدة زينب سلام الله عليها حتّى اليوم الأخير الذي عاد فيه إلى طهران.

  • الاسئلة السلوكيّة للرفقاء و الاجوبة التوحيديّة لسماحة السيّد في الزينبيّة

  • أمّا الفوائد التي اغتنمها من السيّد حين كان في محضره قبل وصول الحقير، و المشكلات التي حلّها له، و ما اجيب له عن استفساراته، فهي ممّا يطول شرحه.

  • و على أيّة حال، فقد قدم أيضاً في الأيّام الأوائل لوصولي، الصديق العزيز الحاجّ أبو أحمد عبد الجليل محيي من الكويت، و الحاجّ محسن شركت من إصفهان. و كان اجتماعنا مع السيّد يحصل بمعيّة هؤلاء الأجلّاء دوماً، فكنّا نلازم بعضنا ليلًا و نهاراً في حركتنا و سكوننا، في أوقات الزيارة و في الذهاب إلى الشام لزيارة قبر السيّدة رقيّة سلام الله عليها و سائر الأماكن المباركة كزيارة أهل القبور في مقبرة بني هاشم، و لم نكن نفترق عن بعضنا أبداً. و كانت أغلب أسئلة الأصدقاء تدور حول مسائل السلوك، بينما كان كلام السيّد يدور حول مسألة توحيد الحقّ جلّ و عزّ.

  • و كانت زوجة السيّد قد صمّمت على العودة إلى العراق بعد حوالي عشرة أيّام من وصول السيّد إلى دمشق، و قبل وصول الحقير إلى هناك، لعدم إمكان ترك العائلة الباقية في كربلاء أكثر من ذلك بدون شخص يرعى امورها، و كان في نيّتها اصطحاب السيّد معها لكنّه امتنع عن العودة

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

615
  • لاحتمال كوني في الطريق إليهم، و من ثمّ فقد تحرّكت امّ مهدي مع ولدها إلى بغداد يوم الرابع من المحرّم، و بقي السيّد لوحده إلى اليوم السادس حيث وصل ولدي.

  • و قد قال السيّد: لو لم يكن السيّد محمّد صادق قد وصل، أو كان وصوله قد تأخّر لنويتُ العودة. و هكذا فقد أخّر السيّد موعد عودته إلى اليوم السابع عشر من المحرّم، حيث أدرك الحقير محضره بعد ورودي إلى الزينبيّة لمدّة تسعة أيّام، بل عشرة أيّام على وجه الدقّة.

  • الحدّاد: غموض معاني الاسرار الإلهيّة و أدعية الائمّة بدون التوحيد

  • و كان السيّد يقول في هذا السفر: لا يمكن إدراك أغلب مسائل المعارف الإلهيّة -بل جميعها- بدون إدراك التوحيد الشهوديّ. فمسألة الجبر و التفويض و الأمر بين الأمرين، مسألة الطينة و الخلقة، مسألة السعادة و الشقاء، مسألة القضاء و القدر، مسألة اللوح و القلم و العرش و الكرسي، مسألة الأزل و الأبد و السرمد، مسألة ربط الحادث بالقديم، مسألة الدعاء و إجابته؛ و أمثال ذلك من المسائل الكثيرة المذكورة في هذا الباب قد حلّت بتوحيد الحقّ جلّ و علا، أمّا بدونه فهي مستعصية مغلقة.

  • كلام الحدّاد في شأن بعض أدعية «الصحيفة السجّاديّة»

  • فمثلًا يقول الإمام زين العابدين عليه السلام في «الصحيفة السجّاديّة»: وَ لَا تَرْفَعْنِي في النَّاسِ دَرَجَةً إلَّا حَطَطْتَنِي عِنْدَ نَفْسِي مِثْلَهَا، وَ لَا تُحْدِثْ لِي عِزَّاً ظَاهِراً إلَّا أحْدَثْتَ لِي ذِلَّةً بَاطِنَةً عِنْدَ نَفْسِي بِقَدْرِهَا.۱

  • فهذا الطلب هو عين تمنّي التوحيد. أي: يا إلهي! افتح عينَيّ للقياك حتّى أراك و لا أرى نفسي و تشخيصي، فأدرك شهوداً و وجداناً أن لا عزّ إلّا لك، و أنّ عِزّي و ذلّي منك لا منّي.

  • و يقول أيضاً في «الصحيفة»:

    1. الدعاء العشرون، و هو دعاء مكارم الأخلاق، الفقرة ٤.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

616
  • وَ ألْهِمْنَا الانْقِيَادَ لِمَا أوْرَدْتَ عَلَينَا مِنْ مَشِيَّتِكَ حتّى لَا نُحِبَّ تَأخِيرَ مَا عَجَّلْتَ، وَ لَا تَعْجِيلَ مَا أخَّرْتَ، وَ لَا نَكْرَهَ مَا أحْبَبْتَ، وَ لَا نَتَخَيَّرَ مَا كَرِهْتَ‌ (الدعاء).۱

  • و من الجليّ أنّ هذه الطلبات لا تتجاوز لقلقة اللسان ما لم يحصل للإنسان الشهود العينيّ للتوحيد؛ كما أنّ هذه الحالات لن ترسخ لدى الإنسان إلّا بانكشاف التوحيد الأفعاليّ و الأسمائيّ الذي سيُظهِر هذه المعاني، و من هنا فإنّ طلب هذه المعاني هو طلب للتوحيد.

  • و يقول كذلك في «الصحيفة»:

  • وَ لَا تَشْغَلْنِي بِمَا لَا ادْرِكُهُ إلَّا بِكَ، عَمَّا لَا يُرْضِيكَ عَنِّي غَيْرُهُ‌.٢

  • أي: عرّفني نفسك بمعونتك و مساعدتك ليمكنني الاشتغال بما يرضيك، و أن لا أشتغل حال الغفلة و النسيان بأعمال أخرى؛ و هو أمر لا يحصل إلّا بانكشاف التوحيد للإنسان.

  • و يخاطب في «الصحيفة» ساحة العزّ الربوبيّ: لَكَ يَا إلَهِي وَحْدَانِيَّةُ العَدَدِ، وَ مَلَكَةُ القُدْرَةِ الصَّمَدِ.٣

    1. الدعاء الثالث و الثلاثون، و هو دعاء الاستخارة، الفقرة ٥.
    2. «الصحيفة الكاملة السجّاديّة» الدعاء ٤۷، الفقرة ۱۰۸.
    3. «الصحيفة الكاملة السجّاديّة» الدعاء ٢۸، صدر الفقرة ۱۰، عدّ السيّد عبد الله شبّر في كتاب «مصابيح الأنوار في حلّ مشكلات الأخبار» ج ۱، ص ۱٩۱ إلى ۱٩٤، طبعة مطبعة الزهراء، بغداد، الحديث رقم ٢۷؛ هذه الفقرة من الأحاديث المشكلة فقال:
      و ظاهر الحديث مناف لما اتّفق عليه أهل التوحيد من نفي الوحدة العدديّة عنه تعالى و دلّ عليه العقل و النقل، لأن حقيقة الوحدة العدديّة و معروضها إنّما هو هويّات عالم الإمكان، فهي قصارى الممكن بالذات، و إنما الذي يطلق عليه تعالى هو الوحدة الحقيقيّة.
      و أما النقل فقول أمير المؤمنين عليه السلام في بعض خطبة: الوَاحِدُ بِلَا تَأوِيلِ عَدَدٍ؛ و في بعضها: وَاحِدٌ لَا بِعَدَدٍ، قَائِمٌ لَا بِعَمَدٍ. و ما رواه الصدوق في «التوحيد» و «الخصال» و «معاني الأخبار» بإسناده عن شريح بن هاني قال: إنّ أعرابيّاً قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين! أ تقول إنّ الله واحد؟ قال: فحمل الناس عليه و قالوا: يا أعرابيّ! أ ما ترى ما فيه أمير المؤمنين عليه السلام من تقسيم القلب؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: دعوه! فإنّ الذي يريده الأعرابيّ هو الذي نريده من القوم. ثمّ قال: يا أعرابيّ! إنّ القول في أنّ الله واحد على أربعة أقسام؛ فوجهان منها لا يجوزان على الله عزّ و جلّ، و وجهان يثبتان فيه.
      فأمّا اللذان لا يجوزان عليه فقول القائل: واحد يقصد به باب الأعداد، فهذا ما لا يجوز لأنّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد؛ أ ما ترى أنّه كفر من قال إنّه ثالث ثلاثة. و قول القائل: هو واحد من الناس يريد به النوع من الجنس، فهذا ما لا يجوز لأنّه تشبيه؛ و جلّ ربُّنا و تعالى عن ذلك.
      و أمّا الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القائل: هو واحد ليس له في الأشياء شبه، كذلك ربّنا عزّ و جلّ. و قول القائل إنّه أحديّ المعنى يعني به أنّه لا ينقسم في وجود و لا عقل و لا وهم، و كذلك ربّنا عزّ و جلّ.
      و المعنى الأوّل الذي نفاه عليه السلام هو الوحدة العدديّة بمعنى أن يكون له ثان من نوعه. و المعنى الثاني أن يكون المراد صنفاً من نوع، فإنّ النوع يطلق في اللغة على الصنف، و كذا الجنس على النوع كما يقال لروميّ مثلًا: هذا واحد من الناس، أي صنف من أصنافهم. و المعنيان المثبتان الأوّل منهما إلى نفى الشريك و الثاني إلى نفي التركيب. و على كلّ حال فقد ذكر علماؤنا وجوهاً في توجيه هذه الفقرة الشريفة؛ ثمّ يذكر المرحوم شبّر هنا وجوهاً ثمانية يصحّ بكلّ منها معنى وحدانيّة العدد. و في نظر الحقير فإنّ أحسن تلك الوجوه هو الوجه السابع الذي نقله عن الفاضل الشريف السيّد علي خان المدنيّ مع توضيح مفصّل من أنّ حاصل المعنى: إنَّهُ لَا كَثْرَةَ فِيكَ، أيْ لَا جُزْءَ لَكَ وَ لَا صِفَةَ لَكَ تَزِيدَانِ على ذَلِكَ.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

617
  • حيث إنّ وحدانيّة الله، و اسم القادر الصمد، و صفة القدرة و الصمدانيّة لا تتّضح للإنسان إلّا بطلوع نور التوحيد.

  • و يقول أيضاً في فناء القدس الإلهيّ:

  • اللهُمَّ يَا ذَا المُلْكِ المُتَأبَّدِ بِالخُلُودِ... حتّى‌ يصل إلى قوله: ضَلَّتْ‌ فِيكَ الصِّفَاتُ، وَ تَفَسَّخَتْ دُونَكَ النُّعُوتُ، وَ حَارَتْ في‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

618
  • كِبْرِيَائِكَ لَطَائِفُ الأوْهَامِ.۱

  • و من الجليّ أنّ وصفاً كهذا للّه سبحانه متعذّر بدون المشاهدة العينيّة و الرؤية القلبيّة.

  • كما يقول أيضاً:

  • أنْتَ الذي لَا تُحَدُّ فَتَكُونَ مَحْدُوداً، وَ لَمْ تُمَثَّلْ فَتَكُونَ مَوْجُوداً.٢

    1. الدعاء ٣٢، الفقرتان ۱ و ۷.
    2. «الصحيفة السجّاديّة» الدعاء ٤۷، في يوم عرفة، صدر الفقرة ۱٩.
      يقول المرحوم آية الله الحاجّ الميرزا أبو الحسن الشعرانيّ في تعليقته ص ۱۷۰ إلى ۱۷٣، في شرح الفقرة ۱٩: وَ لَمْ تُمَثَّلْ فَتَكونَ مَوْجوداً، الدعاء السابع و الأربعين من «الصحيفة السجّاديّة»، طبعة الإسلاميّة، سنة ۱٣۷۸ هـ. ق:
      «موجود» اسم مفعول من وجد يجد بمعنى الإدراك و الإحساس، و إطلاق «موجود» بهذا المعنى على الله تعالى غير جائز. أمّا في الاصطلاح بمعنى الكائن؛ فإنّ الله سبحانه بهذا المعنى موجود و مقابله معدوم. و تعدّ طوائف الإسلام أسماء الله تعالى توقيفيّة، أي أنّهم لا يطلقون كلّ اسم على الله سبحانه بلا رخصة، حتّى لو كانت صفته و مبدؤه في الله سبحانه، كما في: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى‌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ، حيث لا يمكن تسميته في هذه الحال بالمشتري إلا لبيان الفعل لا للتسمية، أي أنّه لا يمكن أن يكون «المشتري» من أسماء الله. و كذلك في قوله‌ ﴿أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾، حيث سمّى الله تعالى نفسه زارعاً في مقام بيان الفعل، لكنّه لا يمكن في مقام التسمية أن يُدعى «زارعاً». و قد قام في هذا الدعاء المبارك بعد عدّة سطور بوصف الله تبارك و تعالى بقوله: ﴿حَكِيمٌ مَا أعْرَفَكَ﴾، لكنّه تعالى لا يمكن أن يُدعى «عارفاً».
      و ذلك لأنّ كلّ لفظ، له دلالة في مقام التسمية على مقام الذات و تعيينها مستقلًّا مع النظر غير المستقلّ إلى الصفة؛ و لكنّه في مقام الوصف و بيان الأفعال يدلّ على الفعل و الصفة بنظر مستقلّ، و يدلّ على الذات بنظر غير مستقلّ. و لهذا فإنّ هناك فارقاً كبيراً بين التسمية و الوصف. كما لو كان هناك وزير أو تاجر ما يغسل يده كثيراً، فيمكن أن نقول عنه: هُوَ يَغسِلُ يَدَهُ كَثِيراً، و لكنّنا لا يمكن أن نقول: هو غَسَّالٌ.
      و قد قال المرحوم الفيض عليه الرحمة بعد عبارة لَمْ تُمَثَّلْ فَتَكُونَ مَوْجُوداً: لأنَّ مَا يَقْبَلُ التَّمَثُّلَ يَقْبَلُ الإيجَادَ، لكأنّه أخذ التمثّل بمعنى الامتلاك. و الموجود بمعنى الموجَد اسم مفعول من باب الإفعال، بمعنى امتلك وجوداً و صار موجوداً. و حاصل المعنى أنّك لا نظير لك فضلًا عن أن تكون موجوداً. و قد أورد السيّد الشارح عليه الرحمة الوجود -كما ذكرنا- بمعنى الإدراك، أمّا التمثّل فقد عدّه -شأنه شأن الفيض رحمه اللهـ بمعنى الامتلاك، و هو عجيب منه؛ وَ الجَوَادُ قَدْ يَكْبُو!
      و المُمَثَّل بمعنى القائم، و التمثال من هذه المادّة؛ يقول ابن الأثير في «النهاية»: في الحديث: فَقَامَ النَّبِيّ صلّى اللهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مُمَثِّلًا، يروى بكسر الثاء و فتحها؛ أي منتصباً قائماً. و فيه: أشَدُّ النَّاسِ عَذَاباً مُمَثِّلٌ، أيْ: مُصَوِّرٌ. وَ يُقَالُ: مَثَّلْتُ -بالتَّثْقِيلِ وَ التَّخْفِيفِ- إذَا صَوَّرْتَ مِثَالًا. وَ التِّمْثَالُ: الاسْمُ مِنْهُ. كما أنّنا لم نجد في حواشي الداماد عليه الرحمة شيئاً في تفسير هذه الكلمة.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

619
  • حتّى يصل إلى قوله:

  • سُبْحَانَكَ لَا تُحَسُّ وَ لَا تُجَسُّ وَ لَا تُمَسُّ، وَ لَا تُكَادُ وَ لَا تُمَاطُ وَ لَا تُنَازَعُ وَ لَا تُجَارَى وَ لَا تُمَارَى وَ لَا تُخَادَعُ وَ لَا تُمَاكَرُ.۱

  • فمثل هذا الخطاب للّه سبحانه بطور الجدّ و اليقين يصدر حين يكون التوحيد قد انكشف للقائل. و قد ورد مثلًا هذا الدعاء في «الصحيفة العلويّة الثانية» عن أمير المؤمنين عليه السلام:

  • يَا مَنْ لَيْسَ مَعَهُ رَبٌّ يُدْعَى، يَا مَنْ لَيْسَ فَوْقَهُ خَالِقٌ يُخْشَى، يَا مَنْ لَيْسَ دُونَهُ إلَهٌ يُتَّقَى، يَا مَنْ لَيْسَ لَهُ وَزِيرٌ يُرْشَى، يَا مَنْ لَيْسَ لَهُ نَدِيمٌ يُغْشَى، يَا مَنْ لَيْسَ لَهُ حَاجِبٌ يُنَادَى، يَا مَنْ لَا يَزْدَادُ على كَثْرَةِ السُّؤَالِ إلَّا كَرَماً وَ جُوداً، يَا مَنْ لَا يَزْدَادُ على عَظِيمِ الذَّنْبِ إلَّا رَحْمَةً وَ عَفْواً، وَ أسَألُهُ مَا أحْبَبْتُ فَإنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ‌.٢

    1. «الصحيفة السجّاديّة» الدعاء ٤۷، في يوم عرفة، الفقرة ۱٩.
    2. «الصحيفة الثانية العلويّة» للمحدِّث النوريّ، ص ۱۱٥ إلي ۱۱۷، الطبعة الحجريّة؛ يقول: هذا دعاءٌ دعا به أمير المؤمنين عليه السلام ليلة المبيت حين بات علي فراش [تابع في الصفحة التالية...]

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

620
  • ...۱

  • الحدّاد: إنّ طلب معرفة التوحيد يمثّل حقيقة مضمون كثير من الأدعية

    1. [...تابع التعليقة السابقة] رسول الله صلّى الله عليه و آله، أرويه عن مجموعة منقولة بأجمعها بخطّ شمس الفقهاء شيخنا الشهيد الأوّل نقلًا عن كتاب «الاستدراك» لبعض أصحابنا القدماء، عن جعفر بن قُوْلَوَيْه.
      يقول الشهيد رحمه الله: رويت بإسناد مؤلّف كتاب «الاستدراك» عن الأعمش أنّ المنصور حيث طلبه، فتطهّر و تكفّن و تحنّط. قال له: حدِّثني بحديثٍ سمعته أنا و أنت من جعفر بن محمّد في بني حمان. قال: قلت له: أيّ الأحاديث؟ قال: حديث أركان جهنّم. قال: قلت: أ وَ تعفيني؟ قال: ليس إلى ذلك سبيل! قال: قلت: حدّثنا جعفر بن محمّدٍ عن آبائه عليهم السلام أنّ رسول الله صلّى الله عليه و آله قال: لِجَهَنَّمَ سَبْعَةُ أبْوَابٍ، وَ هي الأرْكَانُ، لِسَبْعَةِ فَرَاعِنَةٍ. ثُمَّ ذَكَرَ الأعْمَشُ: نَمْرُودَ بْنَ كَنْعَانَ: فِرْعَوْنَ الخَلِيلَ، وَ مُصْعَبَ بْنَ الوَلِيدِ: فِرْعَونَ مُوسَى، وَ أبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، وَ «أ» - «ب» *، وَ السَّادِسَ: يَزِيدَ قَاتِلَ وَلَدِي؛ ثُمَّ سَكَتَ. فَقَالَ لِي، الفِرْعَوْنُ السَّابِعُ؟! قُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ العَبَّاسِ يَلِي الخِلافَةَ، يُلَقَّبُ بِالدَّوَانِيقِي اسْمُهُ المَنْصُورُ. قَالَ: فَقَالَ لِي: صَدَقْتَ هَكَذَا حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَلَيهِ السَّلَامُ.
      قَالَ: فَرَفَعَ رَأسَهُ، وَ إذَا على رَأسِهِ غُلَامٌ أمْرَدُ مَا رَأيْتُ أحْسَنَ وَجْهاً مِنْهُ. فَقَالَ: إنْ كُنْتُ أحَدَ أبْوَابِ جَهَنَّمَ، فَلَم أسْتَبْقِ هَذَا وَ كَانَ الغُلَامُ عَلَوِيَّاً حُسَيْنِيَّاً. فَقَالَ لَهُ الغُلَامُ: سَألْتُكَ يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ بِحَقِّ آبَائِي إلَّا عَفَوْتَ عَنِّي! فَأبَى ذَلِكَ، وَ أمَرَ المَرْزُبَانَ بِهِ؛ فَلَمَّا مَدَّ يَدَهُ، حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِكَلَامٍ لَمْ أعْلَمْهُ، فَإذَا هُوَ كَأنَّهُ طَيْرٌ قَدْ طَارَ مِنْهُ.
      قَالَ الأعْمَشُ: فَمَّرَ عَلَيّ بَعْدَ أيَّامٍ فَقُلْتُ: أقْسَمْتُ عَلَيك بِحَقِّ أمِيرِ المُؤْمِنِينَ لَمَّا عَلَّمْتَنِي الكَلَامَ. فَقَالَ: ذَاكَ دُعَاءُ المِحْنَةِ، لَنَا أهْلَ البَيْتِ، وَ هُوَ الذي دَعَا بِهِ أمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلَيهِ السَّلَامُ لَمَّا نَامَ على فِرَاشِ رَسُولِ اللهِ صلّى اللهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ. وَ هُوَ هَذَا الدُّعَاءُ: يَا مَنْ لَيْسَ مَعَهُ رَبٌّ يُدْعَى - إلى آخر الدعاء.
      و قد نقل الشيخ الطوسيّ في «مصباح المتهجّد» ص ٤۱٥ إلى ٤۱۷، الطبعة الحجريّة، دعاءً لأسحار شهر رمضان المبارك باسم دعاء إدريس عليه السلام، و في آخره الفقرات التالية:
      وَ يَا مَنْ لَيْسَ مَعَهُ رَبٌّ يُدْعَى، وَ يَا مَنْ لَيْسَ فَوْقَهُ خَالِقٌ يُخْشَى، وَ يَا مَنْ لَيْسَ دُونَهُ إلَهٌ يُتَّقَى، وَ يَا مَنْ لَيْسَ لَهُ وَزِيرٌ يُؤْتَى، وَ يَا مَنْ لَيْسَ لَهُ حَاجِبٌ يُرْشَى، وَ يَا مَنْ لَيْسَ لَهُ بَوَّابٌ يُنَادَى، وَ يَا مَنْ لَا يَزْدَادُ على كَثْرَةِ العَطَاءِ إلَّا كَرَماً وَ جُوداً، وَ لَا على تَتَابُعِ الذّنُوبِ إلَّا مَغْفِرَةً وَ عَفْواً؛ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ وَ افْعَلْ بِي مَا أنْتَ أهْلُهُ، إنَّكَ أهْلُ التَّقْوَى وَ أهْلُ المَغْفِرَةِ.
      * نقل العلّامة المجلسيّ رحمة الله عليه هذه الرواية في «بحار الأنوار» ج ٤۷، ص ٣۰٩، الحديث ٢٩، الطبعة الحروفيّة، المطبعة الحيدريّة، عن كتاب «الاستدراك»، و أورد هناك: «الأوّل» و «الثاني» بدلًا من «أ» و «ب».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

621
  • و ليس هناك إمكان أبداً لمثل هذا الوصف إلّا لمن يشاهد اللهَ سبحانه بالوجدان في جميع العوالم‌ وَاحِداً أحَداً فَرْداً صَمَداً ﴿لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ ، وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾، ليس في يد موجود غيره قدرة و لا اختيار و لا علم بقدر ذرّة خردل، ألا هو المَلَكُ الحَيّ القَيُّومُ.

  • و في خاتمة دعاء أبي حمزة الثماليّ المرويّ عن الإمام عليّ بن الحسين سيّد الساجدين عليه السلام من جملة أدعية أسحار شهر رمضان المبارك نرغبُ إلى الله قائلين: اللهُمَّ إنِّي أسْألُكَ إيمَاناً تُبَاشِرُ بِهِ قَلْبِي، وَ يَقِيناً حتّى أعْلَمَ أنَّهُ لَنْ يُصِيبَنِي إلَّا مَا كَتَبْتَ لِي، وَ رَضِّنِي مِنَ العَيْشِ بِمَا قَسَمْتَ لِي؛ يَا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

  • أ يمكن أن يتضمّن ﴿إيمَاناً تُبَاشِرُ بِهِ قَلْبِي﴾ معنى آخر غير التوحيد؟

  • بَاشَرَ يُبَاشِرُ مُبَاشَرَةً أي: مسّه ببشرته، كما في‌ ﴿بَاشِرُوهُنَ﴾‌۱، و هو ملامسة البشرة للبشرة، و هو كناية عن الجماع، و في‌ ﴿لا تُبَاشِرُوهُنَ﴾‌ الذي له‌

    1. مقطع من الآية ۱۸۷، من السورة ٢: البقرة: ﴿فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَ ابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

622
  • هذا المعنى أيضاً.

  • فالإمام السجّاد عليه السلام يقول هنا: يا إلهي! هب لي إيماناً تُدخله قلبي و تجعله يُباشره، فتصير أفكاري و آرائي أفكارك و آراءك! فهل يمكن أن يكون لتصرّف الله في قلب المؤمن بالمباشرة معنى غير انكشاف حقيقة التوحيد في جميع مراحله من التوحيد الذاتيّ و الأسمائيّ و الصفاتيّ و الأفعاليّ؟!۱

  • و العجيب هنا أنّ هذا الدعاء يتكرّر بهذه العبارة عينها في جميع أدعية الليالي العشر الأخيرة من شهر رمضان المبارك، من الليلة الحادية و العشرين إلى الليلة الثلاثين. فالعشرة الثالثة باعتبارها أفضل أوقات شهر رمضان، و باعتبار حصول المؤمن الصائم على الصفاء الروحيّ بتقرّبه إلى الله و من خلال الدعاء و المناجاة و تلاوة القرآن و غيرها؛ فإنّه صار مهيّئاً للاستفاضة من الفيوضات الغيبيّة الإلهيّة، و اكتسب اللياقة لمثل هذا الدعاء في الرغبة إلى ربّه ليرفع عنه جميع الحجب و يوصله إلى مقام التوحيد الكامل و يجلّي ذاته القدسيّة في قلبه، و هو حقّاً فوز عظيم.

  • لاحظوا أنّ عين هذه العبارة مكرّرة في جميع أدعية هذه العشر المباركة التي تزيد في بركتها على العشر الأولى و الثانية:

  • أسْألُكَ أنْ تُصَلِّيَ على مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ، وَ أنْ تَجْعَلَ اسْمِي في هَذِهِ اللَيْلَةِ في السُّعَدَاءِ، وَ رُوحِي مَعَ الشُّهَدَاءِ، وَ إحْسَانِي في عِلِّيِّينَ،

    1. قال في كتاب «أحاديث المثنويّ» ص ٢٦، الطبعة الثانية، دار أمير كبير للنشر:
      أورد السهرورديّ في «عوارف المعارف» المطبوع في حاشية «إحياء العلوم» ج ٢، ص ٢٥۰، حديث لَا يَسَعُنِي أرْضِي وَ لَا سَمَائِي، وَ يَسَعُنِي قَلْبُ عَبْدي المُؤْمِنِ.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

623
  • وَ إسَاءَتِي مَغْفُورَةً، وَ أنْ تَهَبَ لِي يَقِيناً تُبَاشِرُ بِهِ قَلْبِي، وَ إيمَاناً يُذْهِبُ الشَّكَّ عَنِّي، وَ تُرْضِيَنِي بِمَا قَسَمْتَ لِي‌.۱

  • أ وَ فكّرنا حتّى الآن فيما يريد قوله في هذه الفقرة من دعاء أبي حمزة الثماليّ:

  • مَعْرِفَتِي يَا مَوْلَايَ دَلِيلِي عَلَيك، وَ حُبِّي لَكَ شَفِيعِي إلَيْكَ، وَ أنَا وَاثِقٌ مِنْ دَلِيلِي بِدَلَالَتِكَ، وَ سَاكِنٌ مِنْ شَفِيعِي إلى شَفَاعَتِكَ‌!!

  • فهو يقول هنا: إنّ عَلَيّ -كي أصل إلى مقام القرب- أن أعرفك، لكن ما يدلّني عليك هو معرفتي، و ما يشفع لي و يعينني في هذا الوصل هو حبّي لك؛ بَيدَ أنّه لا قيمة لهذه المعرفة و هذه المحبّة، لأنّها من جانبي أنا، أنا الموجود المحدود المتعيّن الضعيف الجاهل، فلا تلك المعرفة تنفعني و لا تلك المحبّة يمكنها الشفاعة لي و إيصالي إلى مرامي.

  • و لكن لعلمي و ثقتي أنّك قد أريتني نفسك لأعرفك، و أنّك قد أحببتني لأكون محبّاً لك؛ فإن لهذه المعرفة و المحبّة قيمة لأنّها تجعلني أصل إلى قصدي، و لأنّها من جانبك أنت لا من جانبي أنا!

  • و في هذه الفقرة تفسير و بيان للفقرة التي وردت في صدر الدعاء:

  • بِكَ عَرَفْتُكَ، وَ أنْتَ دَلَلْتَنِي عَلَيك وَ دَعَوْتَنِي إلَيْكَ، وَ لَو لَا أنْتَ لَمْ أدْرِ مَا أنْتَ!

    1. أورد الشيخ الطوسيّ هذه الأدعية العشرة في «مصباح المتهجّد» ص ٤٣٥ إلى ٤٣٩، تحت عنوان: الدُّعَاءُ المُخْتَصُّ بإلعَشْرِ الأوَاخِرِ. و نقلها المجلسيّ في «زاد المعاد» الورقة ۷٢ إلى ۷٤، و قال: ورد بأسانيد معتبرة عن الإمام الصادق عليه السلام دعاء مخصوص لكلّ ليلة من العشر الأواخر تشتمل على امور الدنيا و الآخرة. و قد أوردها كذلك المحدِّث القمّيّ في «مفاتيح الجنان» ص ٢٢۸ إلى ٢٣٣، و قال: و من جملتها هذه الأدعية التي نقلت مسندةً في «الكافي» و مرسلةً في «المقنعة» و «المصباح»؛ تقول:....

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

624
  • فهذه الفقرات بأجمعها لها دلالة على لزوم التجلّي الذاتيّ لرفع الحجب الإمكانيّة النورانيّة و الظلمانيّة. و بدون تجلّي ذات الحقّ المتعال (الذي يقال له لقاء الله و الشهود الباطنيّ وصولًا إلى آخر درجة من درجات الفناء في الله ثمّ إلى البقاء بالله) فإنّ تحقّق الإيمان الكامل و المعرفة الحقيقيّة للّه تعالى أمر محال. و هذا هو معنى التوحيد، و العرفان و المعرفة، و اللقاء، و الوصول، و كشف وحدة وجود الحقّ؛ و أمثال ذلك من العبارات المتداولة على الألسن و المسطورة في الكتب و المنطبعة في القلوب.

  • علّة إخبار المرتاضين عن الحوادث من حركة ذيل البقرة

  • و قد وجّه أحد مرافقي سماحة الحاجّ السيّد هاشم الحدّاد إليه يوماً هذا السؤال: لقد تحقّق أنّ بعض المرتاضين الهنود من عبدة البقر يقفون مؤدّبين أمام البقرة و يصبّون اهتمامهم على تلك البقرة فيخبرون من حركاتها و سكناتها عن الغيب. فقد حصل مثلًا أن حرّكت البقرة ذيلها مرّة إلى اليمين، فأخبر عن وقوع ثورة و سفك دماء في ذلك الجزء من الكرة الأرضيّة، أو في أقصى نقاط المغرب، ثمّ اتّضح أنّ هذا الإخبار كان صحيحاً و متحقّقاً بشكل كامل. فما العلاقة الموجودة بين حركة ذيل البقرة و تلك الحادثة؟ هل كانت حركة ذيل البقرة سبباً لتلك الحادثة، أو أنّهما كانا مسبّبينِ لسبب ثالث؟ أو أنّ هذه الحركة كانت حاكية عن تلك الواقعة؟

  • فأجاب السيّد: إنّ أيّاً من هذه الافتراضات ليس صحيحاً، بل إنّ ذلك راجع إلى الارتباط و العلاقة القويمة لجميع موجودات العالم ببعضها، و باعتبار وصول ذلك المرتاض إلى درجة كشف وحدة النظام الرابط للعالم، فإنّه يمكنه الإخبار من أيّ حركة و سكون -مهما بدا تافهاً- عن جميع التغييرات و التحوّلات و الحركات و السكنات في العالم. و لا اختصاص في هذا الأمر بذيل البقرة، فبإمكانه أن يخبر بعين ما أخبره من حركات رجليها

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

625
  • و يديها و عينيها و اذنيها و بدنها.

  • كما إنّ الأمر لا يختصّ بعبدة البقر أو بالبقر نفسه، إذ يمكن الإخبار بهذه الامور من أيّة حركة بُلبل، أو اهتزاز وردة و تساقط ماء، و من الريح و المطر، و من الطلوع و الغروب؛ لأنّ نظام إدارة و عالم أمر الكون واحد لا أكثر، فذلك النظام و الأمر الوحدانيّ يوجب كلّ لحظة تغيير و تبديل جميع ذرّات العالم. و ستصبح -و الحال هذهـ جميع الوقائع و الحوادث مشهودة بمشاهدة ذلك النظام و كشفه، كما سيمكن إدراك أيّ تغيير في هذا النظام بمشاهدة أيّ تغيير آخر بواسطة تلك العلاقة المباشرة و غير القابلة للتغيير فيه.

  • كلّ ما في الأمر أنّ المرتاض -عابد البقرة- قد تمكّن برياضاته النفسيّة من الارتباط بالروح الكلّيّة للبقرة، فتمكّنت نفسه من إرساء العلاقة مع ذلك النظام الواحد عن طريق نفوس البقر، و صار يدرك هذه الرموز الخفيّة و الأسرار الغيبيّة عن طريق نافذة البقرة و شبكتها.

  • و لو عبد شخص ما بلبلًا أو طيراً من طيور الحمام أو قطّة أو غراباً -مثلًا- و لو عبد النجوم و الشمس و القمر، لأدرك بوسيلة تلك الطرق نفوسها الكلّيّة، و لاطّلع أخيراً على ذلك النظام الوحدانيّ و أخبر عنه.

  • الفَناء في غير الذات القدسيّة للحقّ المتعال ممنوع في الشريعة الإسلاميّة

  • بَيدَ إنّ الإنسان أشرف المخلوقات، فلا ينبغي له بهذا الاعتبار إفناء نفسه في النفوس الأدنى منه أو التي تشابهه، لأنّ ذلك الفناء يستلزم انحطاط إنسانيّته و سقوطها؛ و من هنا فقد مُنعت و حُرِّمت عبادة البقر و عبادة النجوم و عبادة الحجر و أمثالها في هذه الشريعة الكاملة.

  • كما إنّ الإنسان لا يمكنه عبادة الملائكة، لأنّ وجودها أضعف من وجود الإنسان؛۱ و لا يمكنه عبادة الجانّ بهذا الدليل نفسه.

    1. في الفقرة ۱۱، من الدعاء الرابع و الأربعين من «الصحيفة الكاملة السجّاديّة» كلام يدلّ على أفضليّة الإنسان من الملائكة:
      وَ أنْ نَتَقَرَّبَ إلَيْكَ فِيهِ مِنَ الأعْمَالِ الزَّاكِيَةِ بِمَا تُطَهِّرُنَا بِهِ مِنَ الذُّنُوبِ وَ تَعْصِمُنَا فِيهِ مِمَّا نَسْتَأنِفُ مِنَ العُيُوبِ، حتّى لَا يُورِدَ عَلَيك أحَدٌ مِنْ مَلَائِكَتِكَ إلَّا دُونَ مَا نُورِدُ مِنْ أبْوَابِ الطَّاعَةِ لَكَ وَ أنْوَاعِ القُرْبَةِ إلَيْكَ.
      و قد كتب آية الله الحاجّ الشيخ أبو الحسن الشعرانيّ رضوان الله عليه يقول في شرحه للفقرة ٥٦، من الدعاء الخامس و الأربعين -الهامش الأوّل- من «الصحيفة» ص ۱٥٩ و ۱٦۰: و يمكن العلم من هذا القول أنّ النبيّ صلّى الله عليه و آله أفضل من الملائكة المقرّبين و الأنبياء المرسلين. و لو كان الملائكة أفضل لكانت الصلاة على من هو في مقام أوطأ من الملائكة، بدرجة أكثر منها عليهم أمراً غير جائز و خلافاً للحكمة. و في نظر أهل المعرفة فإنّ مقام الإنسان الكامل أفضل منهم أيضاً و هو مذهب أهل الإسلام قاطبة، و قد طُعن على بعض المعتزلة كالزمخشريّ في اعتبارهم أنّ الملائكة أفضل، و الله العالم - انتهى.
      و قد ذكر الحقير مطالباً في شأن أفضليّة الإنسان على الملائكة في كتاب «معرفة المعاد» ج ۱، ص ۱۰ إلى ۱٢، المجلس الأوّل، دورة العلوم و المعارف الإسلاميّة.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

626
  • كما إنّ الإنسان لا يمكنه عبادة إنسان آخر و الفناء فيه، لأنّ هذا لن يوجب له الكمال. فالكمال يحصل حين يفنى المعلول في العلّة، و الموجود الضعيف في الموجود القويّ؛ و مهما كان الإنسان وضيعاً فهو إنسان، و مهما كان الإنسان الآخر شريفاً كالأنبياء و الأئمّة و أولياء الله فهو إنسان أيضاً، لذا فإنّ الفناء في نفوس هؤلاء ممنوع، و قد عُدّ من الحرام عبادة أيّ إنسان لإنسان آخر، اللهمّ إلّا إذا صارت النفوس المطهّرة الإنسانيّة آية و شبكة لذات الحقّ القدسيّة، فحينذاك فإنّ اتّباعهم سوف لا يمثِّل عبادتهم بل عبادة الله تعالى، و الفناء سوف لا يكون في ذاتهم بل في ذات الله تعالى.

  • إنّ الإنسان باعتباره خليفةً للّه، و نظراً لانعدام حدّ يمكنه تحديده، فإنّه قابل فقط للفناء في الذات القدسيّة الأحديّة دون سواها، لذا صار الفناء في غير تلك الذات المقدّسة و عبادته أمراً محرّماً، أمّا الفناء في ذات الله‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

627
  • فهو غاية المطلوب و منتهاه.

  • و بهذا الدليل فإنّ الأفراد المتعبّدين و المتهجّدين و الصائمين و المؤمنين الحقيقيّين و الشيعة الواقعيّين الذين تخطّوا مراحل الإخلاص و وقعوا في مرحلة الخلوص و وصلوا إلى الفناء في الله، تصبح جميع أشكالهم و شمائلهم الظاهريّة جميلة بدورها، و يصبح اولئكم بأجمعهم نورانيّين ذوي طلعة حسنة جميلة، لأنّهم وصلوا إلى مقام و درجة الإنسان الحقيقيّ و حازوا تلك المرتبة و استعادوا سيماءهم الحقيقيّة.

  • أمّا البشر من عبدة البقر أو النجوم أو الشمس أو باقي الأصناف و الأنواع من الفانين في الذوات، فإنّ وجوههم تصبح قبيحة كريهة المنظر متجهّمة بلا نور و لا نورانيّة مهما انشغلوا بالرياضات في دينهم لتطهير نفوسهم. و علّة ذلك أنّ ذلك التطهير ليس تطهيراً في الحقيقة بل تغييراً للنفوس إلى صورة و شمائل غير إنسانيّة، و من جرّاء ذلك تتبدّل طلعتهم و سيماؤهم من الشمائل الإنسانيّة إلى شمائل أخرى.

  • و هذا هو أحد الاختلافات بين عبدة البقر و النجوم مع الإنسان العابد للّه تعالى، و هو اختلاف مشهود بوضوح بالالتفات إلى ما قيل.

  • و هناك اختلاف آخر و هو أنّ علوم هؤلاء و إحاطتهم و تجرّدهم لا تصبح كلّيّة و لن تسمو على النفوس الحيوانيّة أو الفلكيّة أو الجماديّة التي امّحوا و فنوا فيها و لن تكتسب تجرّداً أكثر، لذا فإنّ علومهم لن تصبح علوماً توحيديّة و معارف إلهيّة أبداً. أمّا الإنسان العابد للّه الفاني فيه فإنّ علومه تصبح كلّيّة بتمام معنى الكلمة، كما أنّ تجرّده يرقى إلى ما لا نهاية، و سينال حقائق التوحيد و العرفان.

  • ***
  • و على أيّة حال فقد كانت الأراضي الواقعة في أطراف الزينبيّة

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

628
  • جميعها بوراً قاحلة أو مزروعة بالخضر، و حدث يوماً أن كنّا في معيّته بعد زيارة أهل القبور قرب الصحن المطهّر، و كان علينا أن نذهب إلى الشام، فسرنا على الأقدام مسافة في انتظار قدوم السيّارة، و شاهدنا جماعة من العمال منهمكين في صناعة الطابوق من الطين، فقال السيّد:

  • لقد انكشف لي مطلب جديد، و هو إنّ تربية الإنسان هي عيناً بمثابة هذا الطابوق الذي يعمل هؤلاء العمال في صناعته. فهذا الطين مهما كان ملائماً لدرجة كبيرة و مهما كان متماسكاً لكنّه لا يصبح طابوقاً بشكل تلقائيّ، بل يحتاج إلى الخلط و المزج بالماء بقدر معيّن، ثمّ إلى تحريكه و تقليبه لتتماسك أجزاؤه، ثمّ إلى صبّه في قوالب معيّنة ليخرج بهذه الأشكال المكعّبة التي تشاهدونها.

  • كلام الحدّاد: اتِّباع الاستاذ الكامل خاصّة، من ضروريّات مسائل الطريق‌

  • و النفوس البشريّة هي الاخرى تحتاج في تكاملها إلى استاذ عليه أن يوصلها من حالة الاستعداد المحض إلى الفعليّة. فالخوف و السرور، القبض و البسط، الوعد و الوعيد، و الاشتغال بالأعمال التي توجب رفع الحجب، أمورٌ ينبغي تحقّقها في هذه النفوس لتصل إلى مرحلة التوحيد الكامل. و هذا ما يمكن الوصول إليه بتدبير و تصرّف و تعليم و تربية الأستاذ الكامل فقط و لمدّة طويلة. و بغير ذلك فإنّ تلك النفوس ستبقى على حالتها الأوليّة أو ستخضع لتغييرات عشوائيّة لا تحكمها اسس و اصول صحيحة حتّى يحين موتها.

  • و هذه التربية تحت إشراف الاستاذ و ولايته لها حكم أعمال تحريك الطين و تقليبه و مزجه ثمّ صبّه في قوالب ليصبح له قيمة و ليمكن الاستفادة منه.

  • و لو انقضت على هذه الأراضي آلاف السنين و لو هطلت عليها الأمطار و سطعت عليها الشمس بأشعّتها، فإنّها ستبقى -مع هذا كلّهـ في‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

629
  • حالتها الخام الأوليّة، و لن يسمح هذا التراب من ذاته لنفسه بالتحوّل إلى طابوق، بل إنّ يد المربّي الخارجيّ هي التي تحدث فيه تغييراً و انقلاباً و تمنحه فعليّته.

  • و عليه فإنّ الاستاذ ينبغي حتماً أن يكون مسلماً شيعيّاً قد وصل إلى التوحيد و امتلك مهارة في فنّ تربية الطلّاب، لأنّه من المحال عليه -بغير ذلك- أن يتمكّن من إخراج الطالب في صورة كماله. و نعني بالشيعيّ: التابع لنهج الولاية و السائر على خطّها، و بالمسلم: التابع لشريعة خاتم المرسلين و منهاجه و سُنّته. فهذان هما الجناحان لتحليق الروح في فضاء عالم القدس. و سيمكن لُاستاذ بهذه المواصفات إيصال طينة الوجود و الفطرة المستعدّة في طريق النبوّة الخاتمة و الولاية الخاتمة إلى قمّة الكمال و منتهاه الذي يمثّل أعظم مراتب الإنسانيّة و درجاتها.

  • فلو كان الاستاذ غير مسلم أو غير شيعيّ، فإنّ بصيرة كهذه ستنعدم لديه، كما إنّه سيفتقد القابليّة لإجراء هذه التغييرات و التبدّلات.

  • و حتّى لو كان الاستاذ مسلماً شيعيّاً لكنّه لم يطوِ بعدُ جميع مراحل السلوك و منازله، فإنّه سيفتقد إمكانيّة التعليم و التربية و الإيصال إلى هدف خاتمة النبوّات و خاتمة الولايات؛ لأنّه هدف لم يطوِ طريقه بنفسه بعدُ و لم يطّلع على أسراره و خفاياه.

  • و كذلك فإنّ النفوس لو حاولت طيّ هذا الطريق بتعقّلها و باتّباع فكرها و إرادتها بالعمل بالمستحبّات و الرياضات المشروعة، فإنّها لن تتمكّن من ذلك، مهما كانت ذات قابليّة فذّة و استعداد كبير؛ لأنّ الطريق إنّما هو طريق العبور من النفس و تخطّيها، فكيف يمكن للنفس أن تتخطّى نفسها و تفنى حين يكون هذا التخطّي و هذا الفناء صادراً عن رغبات النفس؟! و ذلك حين يحصل إنّما يحصل لتقوية النفس لأجل كمالها.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

630
  • و عليه، فإنّ نفس الإنسان مهما سعت جاهدة فإنّها لن تخرج من دائرة رغبة النفس و إرادتها، فهي محتاجة في وصولها إلى مخالفة رغبات النفس و إرادتها، و هذه تضحية لا يمكن أن تحدث إلّا بِيَدِ الغير. و هكذا فإنّ حصول الكمال للإنسان أمر غير ممكن إلّا بحصول الإفناء في الله، و هو أمر لا يمكن حصوله على يد الإنسان نفسه.

  • أمّا الرجوع إلى أيّ استاذ -و لو كان غير كامل و غير ممتلك للتوحيد المحض على نهج خاتم النبيّين و خاتم الوصيّين- فهو أمر خاطي‌ء أيضاً، لأنّ غاية درجة تربية الاستاذ هي تكميل السالك و تربيته ليصير نظيراً له، فكيف يمكن لُاستاذ لم يحز بنفسه ذلك المقام أن يوصل التلميذ إليه بحيث يضعه في ذلك المقام و المنزلة على مذبح التضحية؟

  • الاتِّباع الواقعيّ لجميع الانبياء أمر مرفوض في شريعة خاتم الرسل‌

  • على أنّه من الممكن وجود البعض من المسلمين أو من الشيعة ممّن تميّزوا بتديّنهم و ظهور صلاحهم، و من ذوي النيّة الحسنة و النهج النزيه، و الإعراض الحقيقيّ عن الدنيا و الالتفات إلى عالم العقبى؛ بَيدَ أنّ هؤلاء أنفسهم لم يصلوا إلى التوحيد المحض و لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ وَحْدَهُ. و أمثال هؤلاء ليس لهم الحقّ في إرشاد الآخرين و إعانتهم في السلوك، لأنّهم ليسوا أفضل من الأنبياء عليهم السلام، و لو قُدّر اليوم لنبيّ من أعاظم الأنبياء أن يُبعث حيّاً، كموسى أو عيسى على نبيّنا و آله و عليهما الصلاة و السلام، لما أمكننا أن نرجع إليه و نطلب منه برنامج عمل و نخضع لولايته في طريق السير و السلوك الإلهيّ. إذ مع وجود شريعة و ولاية خاتم المرسلين فقد صار الباقون في مقام أدنى، بينما يتوجّب علينا أن نسير في هذا النهج و المسار لنصل بأنفسنا إلى التوحيد عن هذا الطريق الذي هو أكمل و أفضل مراتب التوحيد.

  • إنّنا لو عملنا بشريعة عيسى الأصليّة -لا بهذا الدين المُحرَّف الموجود

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

631
  • في أيّامنا هذهـ فإنّنا سنصبح مؤمنين موحّدين عيسويّين، بينما يتوجّب علينا أن نكون مؤمنين موحّدين محمّديّين.

  • و على هذا الأساس فقد نُسخت جميع الشرائع عدا الإسلام، أي إنّ ولاية الأنبياء و الأولياء قد نُسخت، و أنّهم لا يمتلكون القدرة و الإمكانيّة على سوق امّة خاتم المرسلين هذه إلى مقام العِزّ الربوبيّ و الفناء في الذات القدسيّة الأحديّة عن طريق اسم و رسم خاتم النبيّين، لأنّ هؤلاء جميعاً في مستوى أدنى و محتاجون لطلوع الوحدة المحمّديّة.

  • و بناءً على هذا فإنّ أيّاً من الأساتذة و المربّين الذين لم يصلوا إلى مقام التوحيد المحض و الفناء الخالص المحمّديّ لا يمتلك الحقّ - وفق هذا البيان في إعانة السالك و إرشاده و الولاية عليه، لأنّ الأنبياء أنفسهم لا يمتلكون مثل هذا الحقّ في عصر الرسالة الخاتمة فضلًا عن أتباعهم و السائرين على نهجهم، و فضلًا عن اولئك الذين ليس لهم علاقة حقيقيّة باولئك الأنبياء، و الذين يتبعون شرائعهم المتخيّلة و مناهجهم الظنّيّة. و لذلك نجد رسول الله صلّى الله عليه و آله يغضب حين يعطيه عُمَر ورقة من التوراة الصحيحة كان قد وجدها، طالباً من النبيّ أن يعمل بها، فيخاطبه النبيّ بخشونة و شدّة: لو كان موسى حيّاً ما وسعه إلّا أن يتّبعني!۱

    1. قام محيي الدين بن عربي في كتاب «الفتوحات المكّيّة» ج ۱، ص ۱٤٣، الطبعة الأولى، مطبعة دار الكتب العربيّة الكبرى، مصر، الفصل الأوّل، الباب الثاني عشر في مَعْرِفَةِ دَوْرَةِ فَلَكِ سيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صلّى اللهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ هي دَوْرَةُ السِّيَادَةِ، وَ أنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَهُ اللهُ تعالى؛ ببحث وافٍ عن أكمليّة و أتمّيّة نبوّة رسول الله. و أثبت أنّ جميع الأنبياء و المرسلين تحت نبوّته و ولايته و سيطرته المعنويّة و سيادته و شفاعته في الدنيا و الآخرة، و أنّ هذا الأمر منحصر به لأقربيّته لمبدأ العلل و غاية الغايات.
      ثمّ يستمرّ في المطلب إلى منتصف ص ۱٤٤، فيقول: وَ ثَبَتَتْ لَهُ أيْضاً السِّيَادَةُ في الحُكْمِ حَيْثُ قَالَ: لَوْ كَانَ مُوسَى حَيَّاً مَا وَسِعَهُ إلَّا أنْ يَتَّبِعَنِي، وَ يُبَيَّنُ ذَلِكَ عِنْدَ نُزُولِ عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ وَ حُكْمِهِ فِينَا بِالقُرْآنِ فَصَحَّتْ لَهُ السِّيَادَةُ في الدُّنْيَا بِكُلِّ وَجْهٍ. إلى آخر ما أفاده إلى ص ۱٤۷.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

632
  • و من هنا فإنّ اتّباع الاستاذ غير الكامل ليس أولى من اتّباع الأنبياء اولي العزم؛ و حين لا يجوز ذاك فكيف يمكن أن يكون هذا جائزاً؟!

  • يصل السالك إلى حيث يفصل بينه و بين الخواطر سدّ كسدّ الإسكندر

  • و كان السيّد يقول: إذا حصل نفي الخواطر بصورة جيّدة لدى السالك، فإنّه سيوصله في نهاية الأمر إلى عالم الفناء الذي يمثّل الوجود المحض بحيث لا يتوقّف عنه ورود الخواطر فقط، بل إنّه سينتفي و يصبح أمراً غير ممكن، و سيصبح ذلك السالك مستغرقاً في عالم التوحيد بحيث لا يجد مجالًا للنزول إلى عالم الكثرات، و لا لمرور الخطرات عليه، لكأنّ سدّ الإسكندر قد شيّد بينه و بين الخواطر، ذلك السدّ المنيع الذي لا يستطاع نقبه و ثلمه. و في هذه الحال فإنّ الخواطر سترد عليه بإجازته و إذنه النفسانيّ، فإن أجاز لخاطرة ما بالخطور على ذهنه خطرت وَ إلَّا فَلَا.

  • و في هذا الإطار فإنّ حال السالك ستصبح معاكسة تماماً لحاله السابقة، فقد كانت الخواطر في الوهلة الأولى تهجم عليه بلا إذن أو سماح فتحتلّ زوايا قلبه، و حسب تعبيرنا فإنّها تحدث انقلاباً مدبّراً في قلبه ينبغي للسالك معه أن يتجشّم الأتعاب و المشاقّ ليستعيد حضور قلبه و ليدفع الخواطر عنه بشكل تامّ؛ أمّا في هذه الحال فإنّ السالك هو مع الله دوماً و في حرمه، فلا حقّ هنا لخاطرة ما في الورود عليه، و لربّما مرّت الأيّام و الشهور دون أن تخطر في ذهنه خاطرة ما إلّا الخواطر الحسنة و غير الضارّة التي تعدّ من لوازم الحياة، كلزوم شرب الماء عند العطش و ردّ السلام عند ما يسلّم عليه أحد و أمثال ذلك.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

633
  • و يتّضح هنا الفارق بين السالك الحقيقيّ و بين مدّعي السلوك، و يمتاز هنا الوارد في الحرم عمّن يدّعي الورود فيه، و من انتمى إلى حقيقة العبادة و العبوديّة عمّن يعدّ نفسه عابداً و زاهداً فينهمك بالقيام و القعود و الركوع و السجود دون إدراك لذّة العبادة.

  • وَ قُلْ لِقَتِيلِ الحُبِّ وَفَّيْتَ حَقَّهُ‌***وَ لِلْمُدَّعِي هَيْهَاتَ مَا الكَحَلُ الكَحِل‌۱
  • أبيات الشيخ محمود الشبستريّ في وجوب معرفة الإنسان حقيقة نفسه‌

  • برو اى خواجه خود را نيك بشناس‌***كه نبود فربهى مانند آماس‌
  • من و تو برتر از جان و تن آمد***كه اين هر دو ز أجزاى من آمد
  • به لفظ من نه إنسانست مخصوص‌***كه تا گوئى بدان جانست مخصوص‌
  • يكى ره برتر از كون و مكان شو***جهان بگذار و خود در خود جهان شو٢
    1. «ديوان ابن الفارض» ص ۱٣٤، طبعة بيروت، سنة ۱٣۸٢ هجريّة قمريّة، أنشده ضمن أبيات هُوَ الحُبُّ. الكَحَل بفتح الحاء: سواد في أشفار العين خلقة، و الكَحِل بكسر الحاء: بمعني المكحول أي: من كَحَلَ عينه بالكُحْل.
    2. «گلشن راز» بخطّ عماد الأردبيليّ، ص ٢۸ و ٢٩.
      يقول: «إذهب أيّها الإنسان فاعرفْ نفسك جيّداً، فليس الشحم و السمنة كالورم الفارغ.
      فإنّ «أنا» و «أنت» أفضل من الروح و البدن (أي أنّ حقيقة الإنسان أسمي من روحه و بدنه)، و لأنّ هذين الاثنين إنّما صارا جزءاً منّي.
      و لا يختصّ لفظ «أنا» بالإنسان لتقول بأنّ الروح مختصّة بلفظ «أنا».
      سر في طريق أفضل من الكون و المكان، و تخطّ العالم ودعه و كن عالماً في نفسك».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

634
  • ز خطّ وَهْمى هاء هويّت‌***دو چشمى مى‌شود در وقت رؤيت‌
  • نماند در ميانه رهرو و راه‌***چو هاى هو شود ملحق به الله‌
  • بود هستى بهشت، امكان چه دوزخ‌***من و تو در ميان مانند برزخ‌
  • چو برخيزد تو را اين پرده از پيش‌***نماند هيچ حكم مذهب و كيش‌۱
  • حتّى يصل إلى القول:

  • در اين مشهد يكى شد جمع و أفراد***چو واحد سارى اندر عين أعداد
  • تو آن جمعى كه عين وحدت آمد***تو آن واحد كه عين كثرت آمد
  • كسى اين سِر شناسد كو گذر كرد***ز جزوى سوى كلّى يك سفر كرد٢
    1. يقول: «إنّ الرؤية ستكون مزدوجة ثنائيّة في الخطّ الوهميّ لهاء الهويّة.
      و سوف لن يكون في البين سائرٌ و لا طريق، حين ستلتحق هاء «هو» بالله و تفني فيه.
      إنّ الوجود كالجنّة، و الإمكان كالجحيم، و «أنا» و «أنت» في البين كالبرزخ.
      و حين يرتفع حجاب «أنا» و «أنت» فلن يبقي حكم لمذهب أو طريقة».
    2. يقول: «و قد صار الجمع و الأفراد في هذا المشهد واحداً، لأنّ الواحد سارٍ في مراتب الأعداد، فهو في عين الكثرة واحد و في عين الوحدة كثرة.
      أنت ذلك الجمع الذي صار عين الوحدة، و أنت ذلك الواحد الذي صار عين الكثرة.
      و هذا السرّ يعلمه من تخطّي الجزء و الكثرات و سافر إلي الكلّ و الحقيقة المطلقة».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

635
  • و كان الشبستريّ قد قال قبل هذه الأبيات:

  • سؤال

  • كه باشم مَنْ؟ مرا از من خبر كن‌***چه معنى دارد اندر خود سفر كن‌۱
  • جواب

  • دگر كردى سؤال از من كه من چيست؟***مرا از من خبر كن تا كه من چيست؟
  • چه هستى مطلق آيد در إشارت‌***به لفظ مَنْ كند از وى عبارت‌
  • حقيقت كز تعيّن شد معيّن‌***تو او را در عبارت گفته‌اى من‌
  • من و تو عارض ذات وجودى‌***مشبّكهاى مشكوة وجوديم‌
  • همه يك نور دان أشباح و أرواح‌***گهى زائينه پيدا گه ز مصباح‌٢
    1. يقول: «من أكون أنا؟ أخبرني عن «أنا»، و ما معني السفر في النفس؟».
    2. يقول: «عُدتَ تسألني: من أكون أنا؟ أخبرني عن «أنا» حتّى أعلم من أنا!
      عند ما نريد الإشارة إلي الوجود المطلق فإنّنا نعبّر عنه في العبارة بلفظ «أنا».
      و الحقيقة التي عرض لها التعيّن فصارت محدّدة معيّنة عُبّر عنها في العبارة بلفظ «أنا».
      فأنا و أنت إنّما هو عارض لذات الوجود، شأننا شأن الشبكة في مشكاة الوجود (يعبر منها نور الوجود المطلق فتمثّل تعيّنات خاصّة).
      فاعلم أنّ كلّ هذه الأشباح و الأرواح نور واحد يوجد في المرآة تارة و تارة في المصباح».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

636
  • تو گوئى لفظ من در هر عبارت‌***به سوى روح مى‌باشد إشارت‌
  • چو كردى پيشواى خود خرد را***نمي‌دانى ز جزو خويش خود را۱
  • كلام الحدّاد: دع النجاسة على الغير لا على نفسك!

  • و كان السيّد يقول: دع النجاسة على غيرك! لِمَ تلقها على نفسك؟!

  • فحيثما شاهدتَ أنّ إصلاح أمر من الامور -بما فيها الامور العائليّة و الداخليّة و الامور الاجتماعيّة و الخارجيّة- يستوجب دوران الأمر بين أن يرد الفساد و التلوّث على نفسك أو على الغير، فلا تقبل ذلك الفساد لنفسك، لأنّه سيكون أمراً لا يمكن إصلاحه!

  • و إذا ما شاهدت في مكان ما أنّ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر الذي تقوم به سيجعلك عصبيّاً و يصيب أفكارك بالاضطراب و يهدم صفاء ذهنك، و أنّ هذا الضرر الذي يصيبك أكبر من الضرر الذي سيصيب ذلك الشخص إثر إتيانه لذلك الجرم و الجناية، فعليك أن تكفّ عن هذا العمل و تتجنّبه. إنّ هذا الضرر الوارد هو في حكم النجاسة التي ترد على نفسك، فَلِمَ تقبلها لنفسك؟ دع الضرر يصيب الغير، و عليك نفسك حيث لا يضرّك تنجّس الغير.

  • و إجمالًا، فإنّ أمر طهارة نفس الإنسان لها الأولويّة على كلّ شي‌ء، فلا يحقّ للإنسان أن يلوّث نفسه من أجل رعاية المصالح الخارجيّة. لأنّ تطهير النفس و تزكيتها في الفعل و الحال هو المطلوب من الإنسان و هو الذي سيؤاخذ عليه و يُسأل عنه، أما متابعة الامور الاجتماعيّة و السعي في حوائج الناس و التدريس و الكسب و أمثالها فهي امور يُسأل عنها و يُحاسب‌

    1. يقول: «و لفظ «أنا» الذي تورده في كلّ عبارة إنّما هو إشارة إلي الروح.
      لأنّك جعلتَ العقل دليلك و هاديك، فصرت لا تميّز بعضك (روحك) عنك».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

637
  • عليها إن أمكن القيام بها، أمّا حين تكون الظروف غير متاحة للعمل بها فإنّ المرء لن يُسأل عنها.

  • و من ثمّ فلو علم المرء و تيقّن أنّ نفسه لن تتلوّث إثر الدخول في هذه الامور، و أنّ هذه المسائل لن تُعيقه عن الرقيّ و التكامل و التوحيد و الإيمان و الإيقان و لن تسلب منه اطمئنان الخاطر و سكون القلب و الفكر، فمن المسلّم أنّ عليه المبادرة و السعي لقضاء حوائج خلق الله قدر الإمكان.

  • أمّا لو شاهد أنّ الدخول في مثل هذه الامور يستلزم إهدار رأس المال و إضاعة الثروات الإلهيّة، أي إذا استلزم الغفلة عن الله و التخبّط في امور الدنيا و زخارفها و الانغماس في عالم الكثرات، فلا يجوز له في هذا الفرض أن يبيع نفسه و يقايضها بهذه الامور.

  • و ذلك أوّلًا: لأنّ العمل الحسن في الخارج إنّما يصدر من الشخص الجيّد، أي من الإلهيّ الموحِّد صاحب اليقين، و ذلك العمل سيكون في الخارج منشأً للأثر الجيّد و للثمرات الجميلة الحسنة؛ أمّا لو صدر من الشخص المنغمس في الكثرات التي تستلزم الغفلة عن النفس و عن الله و العرفان الإلهيّ و عن الخلوة و حضور القلب عند الصلاة، فلن يكون ذلك العمل مستحبّاً آنذاك و لا مستحسناً، بل سيكون أمراً ملوّثاً و قبيحاً مهما بدا ظاهره جميلًا ملفتاً للأنظار، و مهما حسبه عامّة الخلق أنّه من أفضل المثوبات.

  • و علّة ذلك أنّ النتيجة تتبع أخَسَّ المُقَدَّمَتَيْنِ، و حين يزهو العمل في الظاهر و الخارج بجميع شروط الحسن و الجمال لكنّ فاعله يفعله رياءً أو اتّباعاً لهوى النفس أو للمقاصد غير الإلهيّة، فإنّ ذلك العمل قبيح في الحقيقة و غير جميل و لن يترك أثراً مفيداً و لن يكون في عداد ﴿ما يَنْفَعُ‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

638
  • النَّاسَ﴾‌۱، مهما عدّته الآراء و الأفكار العامّة جميلًا و حسناً، لأنّ المناط حقيقة العمل و واقعيّته، و هي حقيقة فاسدة في هذه الحال تستتبع عدم قبوله عند الله في موقف يوم القيامة.

  • إنّ العمل الحسن يصدر من الشخص الجيّد و لا يصدر من الشخص غير الجيّد مهما اصطنع الأخير في الخارج لظاهره أنواع التجميلات؛ ذلك لأنّ الكحل لن يهب النور للأعين العمياء، و الخضاب على حواجب العميان لن يؤثِّر في بصرهم و لا يزيد في نور أعينهم.

  • يقول الفرقان العظيم الإلهيّ: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾‌.٢

  • و يقول أيضاً: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً﴾.٣

  • معنى و مفهوم و مآل عدم تحمّل الإضرار بالنفس لمنفعة الغير

  • و ثانياً: يتّفق جميع عقلاء العالم على أنّه إذا دار الأمر بين إصابة الضرر القطعيّ للإنسان نفسه أو إصابته لغيره، فإنّ دفع الضرر عن النفس مقدّم على دفعه عن الغير. و بطبيعة الحال فإنّ جميع هذه المسائل تصدق حين يكون الضرر الوارد على الإنسان أكثر من الضرر الوارد على الغير أو من المنفعة الحاصلة له.

  • فلو اصيب شخص ما بالإفلاس -مثلًا- و خسر مليون دينار، و كان جميع رأس مال إنسان آخر ألف دينار و علمنا أنّه لو وهبه جميع أمواله في‌

    1. مقطع من الآية ۱۷، من السورة ۱٣: الرعد: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَ أَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ﴾.
    2. صدر الآية ۱۰٥، من السورة ٥: المائدة.
    3. صدر الآية ٦، من السورة ٦٦: التحريم.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

639
  • محاولة خيّرة لإنقاذه من الإفلاس فإنّ ذلك لن يكون مؤثّراً، لأنّ ألف دينار لا تنفع شيئاً أمام ألف أمثالها؛ مضافاً إلى أنّ ذلك لن يؤثّر بأيّ وجه في رفع اضطراب و قلق ذلك المفلس أو إنقاذه من الحبس و السجن، أو في بعث الطمأنينة في قلوب عائلته، بل سيجعل نفس الواهب فقيراً مُدقعاً و سيصيب عائلته بالفقر و الفاقة و القلق؛ و من ثمّ يتحتّم على هذا الشخص في هذه الحال أن يحفظ رأس ماله و ثروته و أن لا يوقع الضرر على نفسه و عائلته.

  • أما لو كانت خسارة ذلك المصاب بالإفلاس عشرة آلاف دينار، و كانت ثروة الإنسان المحسن ألف دينار فإنّ من المستحسن أن يعطيه نصفها لمساعدته على تجاوز محنته، إذ سيكون قد حلّ جزءاً من عشرين من هذه المحنة. و مع أنّ من المسلّم أنّ الضرر سيصيبه بذلك، لكنّه لن يسبّب هلاك أهله و عياله و سيكون بإمكانهم أن يقتصدوا في معيشتهم و نفقاتهم و يتحمّلوا النقص في ذلك، و أن يقتّروا على أنفسهم مقابل تلك المثوبة العظيمة في نجاة ذلك المفلس و نجاة عائلته.

  • يقول المحدِّث القمّيّ: ورد في «البحار» و غيره في جملة وصايا الإمام السجّاد عليه السلام لولده أنّه قال له:

  • يَا بُنَيّ! اصْبِرْ على النَّوَائِبِ، وَ لَا تَتَعَرَّضْ لِلْحُقُوقِ، وَ لَا تُجِبْ أخَاكَ إلى الأمْرِ الذي مَضَرَّتُهُ عَلَيك أكْثَرُ مِنْ مَنْفَعَتِهِ لَهُ.۱

  • عن أمير المؤمنين عليه السلام: وَ لَكِنِّي لَا أَرَى إصْلَاحَكُمْ بِإفْسَادِ نَفْسِي‌

  • و يقول أمير المؤمنين عليه السلام: وَ لَكِنِّي لَا أرَى إصْلَاحَكُمْ بِإفْسَادِ نَفْسِي.

    1. «منتهي الآمال» ج ٢، ص ۱۱ أحوال الإمام زين العابدين عليه السلام، طبعة علميّة إسلاميّة، عام ۱٣۷۱ هـ. ق، القطع الرحليّ.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

640
  • و هذه الفقرة وردت ضمن خطبة أوردها السيّد الرضي أعلى الله مقامه في «نهج البلاغة»:

  • وَ مِنْ كَلَامٍ لَهُ عَلَيهِ السَّلَامُ في ذَمِّ أصْحَابِهِ:

  • كَمْ ادَارِيكُمْ كَمَا تُدَارَى البِكَارُ العَمِدَةُ و الثِّيَابُ المَتَدَاعِيَةُ! كُلَّمَا حِيصَتْ مِنْ جَانِبٍ تَهَتَّكَتْ مِنْ آخَرَ؟!

  • أ كُلَّمَا أطَلَّ عَلَيكمْ مَنْسِرٌ مِنْ مَنَاسِرِ أهْلِ الشَّامِ أغْلَقَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بَابَهُ وَ انْجَحَرَ انْجِحَارَ الضَبِّ في جُحْرِهَا وَ الضَّبُعِ في وِجَارِهَا؟!

  • الذَّلِيلُ وَ اللهِ مَنْ نَصَرْتُمُوهُ، وَ مَنْ رُمِيَ بِكُمْ فَقَدْ رُمِيَ بَأفْوَقَ نَاصِلٍ. وَ إنَّكُمْ وَ اللهِ لَكَثِيرٌ في البَاحَاتِ، قَلِيلٌ تَحْتَ الرَّايَاتِ!

  • وَ إنِّي لَعَالِمٌ بِمَا يُصْلِحُكُمْ، وَ يُقِيمُ أوَدَكُمْ؛ وَ لَكِنِّي لَا أرَى إصْلَاحَكُمْ بِإفْسَادِ نَفْسِي.

  • أضْرَعَ اللهُ خُدُودَكُمْ، وَ أتْعَسَ جُدُودَكُمْ. لَا تَعْرِفُونَ الحَقَّ كَمَعْرِفَتِكُمُ البَاطِلَ، وَ لَا تُبْطِلُونَ البَاطِلَ كَإبْطَالِكُمُ الحَقَّ.۱

  • يقول ابن أبي الحديد في شرح فقرة: وَ إنِّي لَعَالِمٌ بِمَا يُصْلِحُكُمْ‌:

  • يقول: إنّما يصلحكم في السياسة السيفُ، و صَدَقَ. فإن كثيراً لا يصلح إلّا به، كما فعل الحجّاج بالجيش الذي تقاعد بالمهلّب، فإنّه نادى مناديه: من وجدناه بعد ثالثة لم يلتحق بالمهلّب فقد حلّ لنا دمه. ثمّ قتل عمير بن ضابئ و غيره فخرج الناس يُهرعون إلى المهلّب.

  • و أمير المؤمنين لم يكن ليستحلّ من دماء أصحابه ما يستحلّه مَن يريد الدنيا و سياسة الملك و انتظام الدولة. قال عليه السلام: وَ لَكِنِّي لَا أرَى‌

    1. «نهج البلاغة» الخطبة ٦۷، مطبعة عيسي البابي؛ و في الطبعة المصريّة مع تعليق الشيخ محمّد عبده: ج ۱، ص ۱۱۷ و ۱۱۸.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

641
  • إصْلَاحَكُمْ بِإفْسَادِ نَفْسِي، أي: بإفساد ديني عند الله تعالى - إلى آخر ما أورده هنا من الشرح.۱

  • إنّ مولى الموالي أمير المؤمنين عليه السلام كان يعلم طريق نفع امّته و دفع الضرر عنها، لكنّ قيامه بذلك العمل و شروعه به كان يستلزم الإضرار بوجود نفسه المقدّسة؛ لذا فإنّه لم يقم بإصلاح امورهم كما يعلم تلافياً لفساد النفس و دفعاً لتحمّل الضرر.

  • مدى تواضع السيّد هاشم مع جميع الخلائق، و خاصّة مع السالكين‌

  • و على أيّة حال فقد كان السيّد يتمسّك في هذا السفر بمراعاة الآداب الظاهريّة في حضور الناس عند التشرّف بالذهاب للحرم و الزيارة و الصلاة. فعند الورود إلى الحرم كنتُ أدخل فأقرأ الزيارة، و عند وقت الصلاة كنت أتقدّم فاصلّي بهم صلاة الجماعة في الحرم المطهّر.

  • و لم تكن هذه الحال من السيّد تصنّعاً، بل إنّه كان يلحظ نفسه دوماً بعين الخضوع و الخشوع، و كان الرفقاء هم الذين يشعرون نحوه باحترام خاصّ حسب إدراكهم له و مشاعرهم نحوه، بينما لم يكن ينظر إلى نفسه باعتباره أفضل منهم بوجه من الوجوه.

  • كما إنّه لم يكن ليتوقّف عن إبداء أيّة خدمة متصوّرة للرفقاء، بل كان مبادراً إلى هذا الأمر، ابتداءً من كنس الغرفة و غسل الأواني و تنظيفها إلى شراء لوازم البيت من الخارج و تهيئتها و أمثال ذلك من الامور، و كان فرحاً سعيداً بذلك للحدّ الذي كانت تخطر في ذهن الحقير في مثل هذه الموارد خواطر عن عيسى على نبيّنا و آله و عليه السلام.

  • فقد أورد في «منية المريد» رواية عن محمّد بن سنان مرفوعاً قَالَ:

    1. «شرح نهج البلاغة» ج ٦، ص ۱۰٣ و ۱۰٤، طبعة دار إحياء الكتب العربيّة، الطبعة الأولى، سنة ۱٣۷۸ هـ. ق.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

642
  • قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيهِ السَّلَامُ:

  • يَا مَعْشَرَ الحَوَارِيِّينَ، لِي إلَيْكُمْ حَاجَةٌ فَاقْضُوهَا لِي! قَالُوا: قُضِيَتْ حَاجَتُكَ يَا رُوحَ اللهِ!

  • فَقَامَ فَغَسَّلَ أقْدَامَهُمْ. فَقَالُوا: كُنَّا نَحْنُ أحَقُّ بِهَذَا يَا رُوحَ اللهِ.

  • فَقَالَ: إنَّ أحَقَّ النَّاسِ بِالخِدْمَةِ العَالِمُ؛ إنَّمَا تَوَاضَعْتُ هَكَذَا لِكَيْمَا تَتَوَاضَعُوا بَعْدِي في النَّاسِ كَتَوَاضُعِي لَكُمْ.

  • ثُمَّ قَالَ عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ: بِالتَّوَاضُعِ تَعْمُرُ الحِكْمَةُ لَا بِالتَّكَبُّرِ، كَذَلِكَ في السَّهْلِ يَنْبُتُ الزَّرْعُ لَا في الجَبَلِ‌.۱

  • و ما أسمى و أرقى ما نقله السيّد أخيراً في هذا الباب عن زبور آل محمّد عليهم السلام: «الصحيفة السجّاديّة»:

  • وَ لَا تَرْفَعْنِي في النَّاسِ دَرَجَةً إلَّا حَطَطْتَنِي عِنْدَ نَفْسِي مِثْلَهَا، وَ لَا تُحْدِثْ لِي عِزَّاً ظَاهِراً إلَّا أحْدَثْتَ لِي ذِلَّةً بَاطِنَةً عِنْدَ نَفْسِي بِقَدْرِهَا.٢

  • و نجد هنا أنّ روح التوحيد و الفناء المطلق تتجسّد حقيقة في سلوك آل محمّد عليهم السلام في ذات الحقّ القدسيّة، و نتنعّم بذكرى تلك الأرواح الطيّبة و النفوس المطهّرة التي طلعت بعد قرون أربعة عشر في مثل هذا السيّد المكرّم الجليل لتعلّمنا ذلك النهج و المنحى.

  • و نقف بأعين دامعة ترقب الدرب في فراق اولئك الرجال الأجلّاء و تلك المقامات و الدرجات في الخلوص و التوحيد، لعلّهم يرمقون بلمحة نظر بمحبّتهم و كرمهم القديمين مشتاقي درب اللقاء و وادي العشق و يسرّونهم بنكتة أو لفتة.

    1. «سفينة البحار» ج ٢، ص ٢٢٤ و ٢٢٥، الطبعة الحجريّة، مادّة علم.
    2. «الروح المجرّد» ص ٦۱٦، عن «الصحيفة الكاملة السجّاديّة» الدعاء العشرون.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

643
  • أبيات ابن الفارض في فراق الاحبّة و أولياء الله في مكّة و الخيف‌

  • هَلْ نارُ لَيْلَى بَدَتْ لَيْلًا بِذِي سَلَمِ‌***أمْ بَارِقٌ لَاحَ في الزَّوْرَاءِ فَالعَلَمِ‌
  • أرْوَاحُ نَعْمَانَ هَلَّا نَسْمَةٌ سَحَراً***وَ مَاءَ وَجْرَةَ، هَلَّا نَهْلَةٌ بِفَمِ‌
  • يَا سَائِقَ الظُّعْنِ يَطْوِي البيدَ مُعْتَسِفاً***طَيّ السِّجِلِّ بِذَاتِ الشِّيحِ مِنْ إضَمِ‌
  • عُجْ بِالحِمَى يَا رَعَاكَ اللهُ مُعْتَمِداً***خَمِيلَةَ الضَّالِ ذَاتَ الرَّنْدِ وَ الخُزُمِ‌
  • وَ قِفْ بِسَلْعِ وَ سَلْ بِالجِزْعِ هَلْ مُطِرَتْ‌***بِالرَّقْمَتَيْنِ اثَيْلَاتٌ بِمُنْسَجِمِ‌
  • ناشَدْتُكَ اللهَ إنْ جُزْتَ العَقِيقَ ضُحى‌***فَاقْرَ السَّلَامَ عَلَيهِمْ غَيْرَ مُحْتَشِمِ‌
  • وَ قُلْ: تَرَكْتُ صَرِيعاً في دِيَارِكُمُ‌***حَيَّاً كَمَيْتٍ يُعِيرُ السُّقْمَ لِلسَّقَمِ‌
  • فَمِنْ فُؤَادِي لَهِيبٌ نَابَ عَنْ قَبَسٍ‌***وَ مِنْ جُفُونِيَ دَمْعٌ فَاضَ كَالدِّيَمِ‌
  • وَ هَذِهِ سُنَّةُ العُشَّاقِ مَا عَلِقُوا***بِشَادِنٍ فَخَلَا عُضْوٌ مِنَ الالَمِ‌
  • يَا لَائِماً لَامَنِي في حُبِّهِمْ سَفَهاً***كُفَّ المَلَامَ فَلَوْ أحْبَبْتَ لَمْ تَلُمِ‌
  • وَ حُرْمَةِ الوَصْلِ وَ الوِدِّ العَتِيقِ وَ بِال***عَهْدِ الوَثِيقِ وَ مَا قَدْ كَانَ في القِدَمِ‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

644
  • مَا حُلْتُ عَنْهُمْ بِسُلْوَانٍ وَ لَا بَدَلٍ‌***لَيْسَ التَّبَدُّلُ وَ السُّلْوَانُ مِنْ شِيَمِي‌
  • رُدُّوا الرُّقَادَ لِجَفْنِي عَلَّ طَيْفَكُمُ‌***بِمَضْجَعِي زَائِرٌ في غَفْلَةِ الحُلُمِ‌
  • آهاً لأيَّامِنَا بِالخَيْفِ لَوْ بَقِيَتْ‌***عَشْراً وَ وَاهاً عَلَيهَا كَيْفَ لَمْ تَدُمِ‌
  • هَيْهَاتَ وَا أسَفَى لَوْ كَانَ يَنْفَعُنِي‌***أوْ كَانَ يُجْدِي على مَا فَاتَ وَا نَدَمِي‌
  • عَنِّي إلَيْكُمْ ظِبَاءَ المُنْحَنى كَرَماً***عَهِدْتُ طَرْفِيَ لَمْ يَنْظُرْ لِغَيْرِهِمِ‌
  • طَوْعاً لِقَاضٍ أتَى في حُكْمِهِ عَجَباً***أفْتَى بِسَفْكِ دَمِي في الحِلِّ وَ الحَرَمِ‌
  • أصَمَّ لَمْ يَسْمَعِ الشَّكْوَى وَ أبْكَمَ لَمْ‌***يُحْرِ جَوَاباً وَ عَنْ حَالِ المَشُوقِ عَمِي‌۱
  • هذه الأبيات للعارف الشهير و السالك الخبير، المطّلع على الأسرار و الإشارات، و العالم بالخفايا و الكنايات، و الواصل إلى الحقّ و الفاني في ذاته: ابن الفارض المصريّ؛ أنشدها بعد قضائه أيّاماً في مكّة و الخيف و منى في صحبة البعض من المخلصين و المتحرّرين، و ها هو يعود من هناك إلى مدينته و دياره و يبتعد عن تلك الأماكن المباركة، و ها هو يعاني اللوعة في ذكرى وادي العقيق و مكّة و الخيف و حالاته الحسنة مع اولئك الأحبّة و الأعزّة من أولياء الله، و يتحرّق و يتلهّف في عشقهم، و يقضي‌

    1. «ديوان ابن الفارض المصريّ» ص ۱٢۸ و ۱٢٩، طبعة بيروت، سنة ۱٣۸٤ هـ. ق.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

645
  • الأيّام و الليالي على أمل اللقاء، و يقنع بالرؤيا في المنام؛ لكنّهم لم يمنعوا طيفهم من المجي‌ء إليه في عالم الرؤيا فقط، بل كانوا كمعشوق يحكم بقتل عاشقه بدون أن يسمع شكوى، و بدون أن يلحظ شيئاً أو يتفوّه بجواب؛ حكموا بقتله و أردوه بقسوة في وادي الهجر و الغمّ و الحزن.

  • في محضر السيّد الحدّاد أيّام التوقّف في زينبيّة الشام‌

  • و عموماً فقد كانت أغلب أوقاتنا و بقيّة الرفقاء الذين كانوا في معيّة السيّد تنقضي غالباً في الحرم المطهّر، حيث لم يكن فصل الصيف الحارّ و لا فصل الشتاء القارس، بل كان فصل الخريف بأمطاره الغزيرة. و كانت مياه الأمطار تتجمّع أحياناً فتسدّ طريق الوصول من الصحن المطهّر إلى منزل المضيّف المحترم، فكنّا مجبرين على قضاء الليالي أيضاً في حجرات الصحن المبارك. و كان السيّد يجلس الساعات المتوالية في الحرم المطهّر يغلب عليه التأمّل و التفكّر، و كان الرفقاء يسألونه ما لديهم من الأسئلة فيجيبهم عليها.

  • و كان من بين أسئلتي له سؤال عن وضع العمل في طهران، فقد كنت مرهقاً جدّاً بسبب تزاحم الأعمال و المصادمات و النشاطات الكثيرة بعد الثورة في متابعة امور الناس و التبليغ و الوعظ في المسجد، و تطهيره من الأيدي الفاسدة و المفسدة، و كانت صحّتي قد انحرفت كلّيّاً، كما ارتفع ضغط دمي إلى العشرين درجة، و كان التهاب القصبات الهوائيّة المزمن قد تعسّر علاجه نتيجة الإصابة بالرشح المتناوب إثر الخُطَب و الكلمات و المواعظ التي كنت القيها على المنبر في مسجد القائم، و إثر التعرّق الزائد ثمّ الإصابة بالبرد و الرشح.

  • و من الألطاف الخاصّة بالسيّدة زينب سلام الله عليها أن كنت جالساً يوماً في الحرم المطهّر، فقال السيّد: إنّ سفركم إلى الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام و إقامتكم عنده أمر حسن، فاذهبوا إلى مدينة مشهد

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

646
  • و توطّنوا فيها. و لهذا السبب فقد تشرّف الحقير بالمجي‌ء إلى الأعتاب المقدّسة لثامن الحجج عليه السلام بعد عدّة شهور من عودتي من الشام، و ألقيت الرحال في هذه الأرض المقدّسة. ثمّ إنّ ولدي الحاجّ السيّد محمّد صادق كان قد عاد من الشام إلى طهران يوم الرابع عشر من المحرّم، كما سافر الحاجّ محسن شركت الإصفهانيّ إلى مكّة يوم الخامس عشر من المحرّم بعد أن استجاز السيّد للقيام بالعمرة المفردة، أمّا الحاجّ أبو أحمد فقد عزم على البقاء مدّة طويلة عند مضيّفه في الشام باعتبار أنّ زوجة الحاجّ أبي موسى محيي هي اخت الحاجّ أبي أحمد محيي.

  • هذا و قد قام السيّد بقطع تذكرة للعودة إلى بغداد في الساعة الخامسة و النصف بعد ظهر يوم السابع عشر، لذا فقد قام الحقير بجعل موعد عودته بعد سفر السيّد، و ذلك قبل أذان فجر يوم الثامن عشر بساعتين. و كان كلّ يوم ينقضي يجعل زمن الهجر قريباً و زمن الوصل بعيداً.

  • و ما أقرب مفاد الشعر المنسوب لأمير المؤمنين عليه السلام من هذه الحال:

  • احِبُّ لَيالِي الهَجْرِ لَا فَرَحاً***بِهَا عَسَى الدَّهْرُ يَأتِي بَعْدَهَا بِوِصَالِ‌
  • وَ أكْرَهُ أيَّامَ الوِصَالِ لأنَّنِي‌***أرَى كُلَّ شَي‌ءٍ مُولَعاً بِزَوَالِ‌۱
  • بيان حال السيّد هاشم الحدّاد في آخر يوم من التوقّف في زينبيّة الشام‌

  • و كانت حال السيّد منقلبة و متغيّرة كثيراً في اليومين الأخيرين من إقامته، فلم يكن له في الليل رقاد، و لا للطعام شهيّة، و كانت طلعته متوهّجة، و لم يكن يكلّم أحداً، بل كان مستغرقاً في التفكير و التأمّل المستمرّ.

    1. «الديوان المنسوب إلي أمير المؤمنين عليه السلام» بعد منتصف الديوان، باب ما آخره اللام (مخطوط).

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

647
  • و قد سبقت الإشارة إلى أنّني كنت ألحظ سيماه تتوهّج و حاله تتغيّر كلّما ودّعتُه و تحرّكت من كربلاء إلى الكاظميّة للعودة إلى إيران.

  • و كان الرفقاء يقولون: كان السيّد يسقط في الفراش بعد ذهابك لمدّة اسبوع بلا قدرة على الحركة، كما لم يكن يستقبل أحداً أو يتحدّث إلى أحد من الرفقاء، حتّى أنّ عائلته كانت تعلم أنّه يفقد في تلك الحال الرغبة في الكلام، لذا فقد كانوا يأتونه في أوقات الطعام فقط بغذاء من السوائل و عصير السكّر لعلمهم بعدم قدرته على المضغ و تناول الطعام. و كان يقول لهم و هو في تلك الحال: دعوني و شأني فلا يدخل علَيّ أحد.

  • و كنت لهذا السبب قد اتّفقت مع الرفقاء و مع عائلته على أن افارق محضره بلا توديع، و عليه فقد كان الحقير يتشرّف يوماً بالذهاب إلى الحرم ثمّ يأتي إلى الكاظميّة بدون العودة إلى المنزل و بلا إعلام مسبق. و كان ذلك صعباً علَيّ، بَيدَ أنّي كنت مجبراً عليه بعد ملاحظة حالات السيّد المرهقة، و كان السيّد قد رضي بذلك.

  • و لم أكن أدرك علّة هذا الانقلاب و التغيير، و لم أدرك ذلك حتّى الآن؛ كما لم يدركه أحد من الرفقاء.

  • و على أيّة حال، فقد عدنا في اليوم الأخير لتوقّفنا في الزينبيّة (أي في اليوم السابع عشر من محرّم الحرام) إلى الصحن المتّصل بالحرم المطهّر حيث يسكن الحاجّ أبو موسى و عائلته و حيث كان يجري تناول الطعام غالباً، و ذلك بعد أدائنا صلاة الظهر في الحرم المطهّر، و كان الحاجّ أبو موسى قد أعدّ في تلك المائدة الصغيرة التي ضمّت أفراداً قلائل مختلف أنواع الأطعمة. و لم يكن هناك من أحد غير السيّد و الحقير و المضيّف الحاجّ أبي موسى و الحاجّ أبي أحمد عبد الجليل، فلاحظتُ أنّ السيّد لم يتناول من الطعام و لو لقمة واحدة. و كان كمن يحاول إشغال الحاضرين‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

648
  • فيظهر لهم أنّه يتناول الطعام، فكان يتناول قطع الخبز الصغيرة من أمامه ثمّ يأخذها مع قليل من الخضر قرب فمه، و كان يكرّر ذلك إلّا أنّه لم يكن ليأكل شيئاً.

  • كانت طلعته متوهّجة أشدّ منها في السابق، و عيناه حمراوين ساخنتين، و الدموع تدور في مآقيه بدون أن تتساقط؛ و خلاصة الأمر فقد كان واضحاً جدّاً أنّ هذا التغيير و التأثّر أشدّ من كلّ ما سبقه، فلقد كان يعلم أنّ هذه الساعة آخر لقاء له في الدنيا لن يعقبه غيره.

  • و حين لاحظ الرفقاء تلك الحال منه فإنّهم لم يستطيعوا تناول الطعام كما ينبغي، و سرعان ما انتهى وقت تناول الطعام. ثمّ نهض السيّد بمجرّد أن كفّ الرفقاء عن الأكل فقال: أيّها السيّد محمّد الحسين! إنّي ذاهب! ثمّ غادر الغرفة.

  • و كان يتوجّب عليه أن يعبر من صحنين متتابعين كي يخرج من الباب الرئيسيّ و يذهب إلى المطار، فكيف سيمكنه أن يفعل ذلك بمفرده؟ مضافاً إلى أنّه لا تزال هناك ساعات عديدة على موعد الإقلاع. لهذا فقد أرسلت الحاجّ أبا أحمد عبد الجليل ليذهب في إثره فيرقبه عن كثب و لا يفارقه إلى وقت الإقلاع. و كنت أعلم أيضاً أنّ علَيّ أن أتحاشى التواجد في الأماكن التي يحتمل أن يقع نظره علَيّ فيها.

  • ثمّ عاد الحاجّ أبو أحمد عبد الجليل و قال: لقد ذهب السيّد لتجديد وضوئه ثمّ تشرّف بالذهاب إلى الحرم. و لذلك فلم أتشرّف بالذهاب إلى الحرم ذلك اليوم إلى غروب الشمس لئلّا يكون السيّد هناك، و بقيت في إحدى الغرف الواقعة في الجانب الشرقي من الصحن. ثمّ إنّي طلبتُ من الحاجّ أبي أحمد عبد الجليل أن لا يأتي لتوديعي بسبب مرضه و انحراف مزاجه و قلّة نومه ليلة البارحة و مراقبته الأكيدة لحال السيّد الحدّاد. و هكذا

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

649
  • فقد ودّعته فأخلد هو للنوم، ثمّ ذهب الحقير في معيّة المضيّف الكريم بعد منتصف الليل إلى مطار دمشق لأعود إلى طهران.

  • أشعار ابن الفارض المناسبة لوصف حال الحقير مع السيّد هاشم‌

  • أدِرْ ذِكْرَ مَنْ أهْوَى وَ لَوْ بِمَلَامِ‌***فَإنَّ أحَادِيثَ الحَبِيبِ مُدَامِي‌
  • لِيَشْهَدَ سَمْعِي مَنْ احِبُّ وَ إنْ نَأى‌***بِطَيْفِ مَلَامٍ لَا بِطَيْفِ مَنَامِ‌
  • فَلِي ذِكْرُهَا يَحْلُو على كُلِّ صِيغَةٍ***وَ إنْ مزَجُوهُ عُذَّلِي بِخِصَامِ‌
  • كَأنَّ عَذُولِي بِالوِصَالِ مُبَشِّرِي‌***وَ إنْ كُنْتُ لَمْ أطْمَعْ بِرَدِّ سَلَامِ‌
  • بِرُوحِيَ مَنْ أتلَفْتُ رُوحِي بِحُبِّهَا***فَحَانَ حِمَامِي قَبْلَ يَوْمِ حِمَامِي‌
  • وَ مِنْ أجْلِهَا طَابَ افْتِضَاحِي وَ لَذَّ لِي‌***اطِّرَاحِي وَ ذُلِّي بَعْدَ عِزِّ مَقَامِي‌
  • وَ فيهَا حَلَالِي بَعْدَ نُسْكِي تَهَتُّكِي‌***وَ خَلْعُ عِذَارِي وَ ارْتِكَابُ أثَامِي‌
  • اصَلِّي فَأشدُو حِينَ أتْلُو بِذِكْرِهَا***وَ أطْرَبُ في المِحْرَابِ وَ هي إمَامِي‌
  • وَ بِالحَجِّ إنْ أحْرَمْتُ لَبَّيْتُ بِاسْمِهَا***وَ عَنْهَا أرَى الإمْسَاكَ فِطْرَ صِيَامِي‌
  • وَ شَأنِي بِشَأنِي مُعْرِبٌ، وَ بِمَا جَرَى‌***جَرَى، وَ انْتِحابِي مُعْرِبٌ بِهَيَامِي‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

650
  • أرُوحُ بِقَلْبٍ بِالصَّبَابَةِ هَائِمٍ‌***وَ أغْدُو بِطَرْفٍ بِالكَآبَةِ هَامِ‌
  • فَقَلْبي وَ طَرْفِي ذَا بِمَعْنَى جَمَالِهَا***مُعَنَّىً وَ ذَا مُغرى بِلِينِ قَوَامِ‌
  • وَ نَوْمِي مَفْقُودٌ، وَ صُبْحِي لَكَ البَقَا***وَ سُهْدِيَ مَوْجُودٌ وَ شَوْقِيَ نَامِ‌
  • وَ عَقْدِي وَ عَهْدِي لَمْ يُحَلَّ وَ لَمْ يَحُلْ‌***وَ وَجْدِيَ وَجْدِي وَ الغَرَامُ غَرَامِي‌
  • يَشِفُّ عَنِ الأسْرَارِ جِسْمِي مِنَ الضَّنَى‌***فَيَغْدُو بِهَا معنى نُحُولُ عِظَامِي‌
  • طَرِيحُ جَوَى حُبٍّ جَرِيحُ جَوَانِحٍ‌***قَرِيحُ جُفُونٍ بِالدَّوَامِ دَوَامِي‌
  • صَرِيحُ هَوى جَارَيْتُ مِنْ لُطْفِيَ الهَوَا***سُحَيْراً فَأنفَاسُ النَّسِيمِ لِمَامِي‌
  • صَحِيحٌ عَلِيلٌ فَاطْلُبُونِي مِنَ الصَّبَا***فَفِيهَا كَمَا شَاءَ النُّحُولُ مُقَامِي‌
  • خَفِيتُ ضَنى حتّى خَفِيتُ عَنِ الضَّنَى‌***وَ عَنْ بُرْءِ أسْقَامِي وَ بَرْدِ اوَامِي‌
  • وَ لَمْ يُبْقِ مِنِّي الحُبُّ غَيْرَ كَآبَةٍ***وَ حُزْنٍ وَ تَبْرِيحٍ وَ فَرْطِ سَقَامِ‌
  • وَ لَمْ أدْرِ مَنْ يَدْرِي مَكَانِي سِوَى الهَوَى‌***وَ كِتْمَانَ أسْرَارِي وَ رَعْيَ ذِمَامِي‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

651
  • فَأمَّا غَرَامِي وَ اصْطِبَارِي وَ سَلْوَتِي‌***فَلَمْ يَبْقَ لِي مِنْهُنَّ غَيْرُ أسَامِي‌
  • لِيَنْجُ خَلِيّ مِنْ هَوَايَ بِنَفْسِهِ‌***سَلِيماً وَ يَا نَفْسُ اذْهَبِي بِسَلَامِ‌
  • وَ قَالَ: اسْلُ عَنْهَا لَائِمِي وَ هوَ مُغْرَمٌ‌***بِلَوْمِي فِيهَا قُلْتُ: فَاسْلُ مَلَامِي‌
  • بِمَنْ أهْتَدِي في الحُبِّ لَوْ رُمْتُ سَلْوَةً***وَ بِي يَقْتَدِي في الحُبِّ كُلُّ إمَامِ‌
  • وَ في كُلِّ عُضْوٍ في كُلُّ صَبَابَةٍ***إلَيْهَا وَ شَوْقٍ جَاذِبٍ بِزِمَامِي‌
  • تَثَنَّتْ فَخِلْنَا كُلَّ عِطْفٍ تَهُزُّهُ‌***قَضِيبَ نَقاً يَعْلُوهُ بَدْرُ تَمَامِ‌
  • وَ لِي كُلُّ عُضْوٍ فِيهِ كُلُّ حَشى بِهَا***إذَا مَا رَنَتْ وَقْعٌ لِكُلِّ سِهَامِ‌
  • وَ لَوْ بَسَطَتْ جِسْمِي رَأتْ كُلَّ جَوْهَرٍ***بِهِ كُلُّ قَلْبٍ فِيهِ كُلُّ غَرَامِ‌
  • وَ في وَصْلِهَا عَامٌ لَدَيّ كَلَحْظَةٍ***وَ سَاعَةُ هِجْرَانٍ عَلَيّ كَعَامِ‌
  • وَ لَمَّا تَلَاقَيْنَا عِشَاءً وَ ضَمَّنَا***سَوَاءُ سَبِيلَيْ دَارِهَا وَ خِيَامِي‌
  • وَ مِلْنَا كَذَا شَيْئاً عَنِ الحَيّ حَيْثُ لَا***رَقِيبٌ وَ لَا وَاشٍ بِزُورِ كَلَامِ‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

652
  • فَرَشْتُ لَهَا خَدِّي وِطَاءً على الثَّرَى‌***فَقَالَتْ: لَكَ البُشْرَى بِلَثْمِ لِثَامِي‌
  • فَمَا سَمَحَتْ نَفْسِي بِذَلِكَ غَيْرَةً***على صَوْنِهَا مِنِّي لِعِزِّ مَرَامِي‌
  • وَ بِتْنَا كَمَا شَاءَ اقْتِرَاحِي على المُنَى‌***أرَى المُلْكَ مُلْكِي وَ الزَّمَانَ غُلَامِي‌۱
  • مدّة حياة سماحة الحدّاد بعد العودة من الشام إلى ارتحاله في كربلاء في الثاني عشر من شهر رمضان لسنة ۱٤۰٤ هـ.

  • مدّة حياة الحاجّ السيّد هاشم الحدّاد

  • بعد العودة من الشام، و رحيله في كربلاء المشرّفة

  •  

  • كان رحيل السيّد في الثاني عشر من شهر رمضان المبارك لسنة ألف و أربعمائة و أربعة هجريّة قمريّة، و من هنا فإنّ مدّة بقائه في هذه الدنيا بعد العودة من الشام كانت أربع سنوات و سبعة أشهر و خمسة و عشرين يوماً، فقد علمنا أنّه عاد من الشام في اليوم السابع عشر من شهر محرّم الحرام لسنة ألف و أربعمائة هجريّة قمريّة، و كان رحيله في سنّ السادسة و الثمانين.

  • و كان السيّد قد استفسر بعد عودته من الشام بعدّة شهور من أحد المقيمين الإيرانيّين في العراق ممّن لهم معرفة سابقة بي: هل تشرّف السيّد محمّد الحسين بالذهاب إلى مشهد المقدّسة أم لا؟! فأجابه: لا علم لي بذلك في الوقت الحاضر. و كان الحقير قد عمل بعد العودة إلى طهران على ترتيب اموره بأسرع وقت، و تشرّفت بالذهاب إلى مشهد المقدّسة في اليوم السادس و العشرين من شهر جمادي الأولى لسنة ألف و أربعمائة

    1. «ديوان ابن الفارض» ص ۱٦٢ إلي ۱٦٥، طبعة بيروت، سنة ۱٣۸٤ هـ. ق.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

653
  • هجريّة قمريّة قاصداً الإقامة فيها، و كان قد انقضى على عودتي من الشام أربعة أشهر و عدّة أيّام. ثمّ كتبت فوراً بعد إقامتي في مشهد رسالة إلى السيّد أعلمته فيها خبر وصولي؛ و كنت قد كتبت إليه رسالة أخرى بيّنت له فيها عزمي على ذلك في أوّل فرصة ممكنة.

  • و حيث كان بريد العراق - إيران ممنوعاً، لم تكن رسائلي تصل إلى سماحته مباشرة فقد كنت غالباً ما أرسل إليه رسائل عبر طريق الكويت أو الشام، فتصل إلى سماحته بواسطة الرفقاء هناك، حيث كان عبورها ممكناً، لذا فقد كان الاطّلاع على أحوال سماحة السيّد و الحصول على المعلومات منحصراً برسائلهم، أمّا سماحته فلم يكتب للحقير أيّة رسالة بخطّ يده.

  • و قد صادف مرض السيّد و رحيله نفس زمن مرض الحقير، فقد ابتليت في أواخر شهر جمادي الأولى لسنة ألف و أربعمائة و أربع هجريّة قمريّة بمرض اليرقان الناشئ من انسداد كيس الصفراء. فرقدتُ في مستشفى «القائم» في مدينة مشهد المقدّسة أربعين يوماً، ثمّ خرجت منها في أوائل شهر رجب بعد إجراء عمليّة جراحيّة و استخراج كيس الصفراء، حيث تحسّنت صحّتي آنذاك.

  • و كان السيّد قد ابتلي بالمرض في نفس الوقت، و لم تثمر الجهود التي بذلها أولاده لمعالجته و خاصّة ولده السيّد حسن، حتّى أنّه أخذه إلى بغداد فرقد في المستشفى، لكنّ ذلك كلّه لم يُجدِ نفعاً.

  • و كان السيّد يقول: إنّ حالتي جيّدة، فَلِمَ تتعبون أنفسكم إلى هذا الحدّ؟ و لكن أنّى لأولاده الصبر على ذلك، و باعتقاد الحقير فإنّهم كانوا يسبّبون الأذى للسيّد، فيجرّونه إلى هذا الجانب أو ذاك من أجل تسكين خواطرهم و تهدئة قلوبهم. حتّى ارتحل أخيراً إلى فِناء الأبديّة، بعد شهرين من تحسّن حال الحقير، و أبدل ثيابه القديمة بخلعة دائميّة، و ارتدى تلك‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

654
  • الحلل من الإسْتَبْرَقِ وَ السُّنْدُسِ مع الذين هم على‌ ﴿سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ﴾.

  • هذا و قد قامت ابنته المخدّرة العلويّة فاطمة و أحفاده السيّد عبّاس و السيّد موسى أولاد السيّد حسن بالفرار من جور صدام اللعين إلى الأردن ثمّ إلى إيران، حيث يقيمون حاليّاً في مشهد المقدّسة. و قد نقلوا جميعهم أنّهم كانوا قد أرقدوا السيّد قرب رحيله في مستشفى كربلاء، و كان طبيبه الخاصّ المعالج هو الدكتور السيّد محمّد الشروفيّ و هو من المعارف و الأصدقاء.

  • ثمّ يقول السيّد للدكتور المعالج يوم الثاني عشر من شهر رمضان قبل الغروب بحوالي ثلاث ساعات: اسمح لي بالذهاب إلى المنزل، فالسادة قد شرّفوا بالحضور و هم ينتظرونني!

  • فيقول الدكتور: لا إمكان لذهابك إلى البيت مطلقاً.

  • فيقول له السيّد: اقسم عليك بجدّتي فاطمة الزهراء أن تدعني أذهب! إنّ السادة مجتمعون في انتظاري، و سأرحل عن الدنيا بعد ساعة!

  • و حين يسمع منه الدكتور قسمه المغلّظ و يطرق سمعه اسم فاطمة الزهراء عليها السلام فإنّه يسمح له بالذهاب و يقول لمن حوله: إن حالته مُرضية فعلًا، و لن يموت بهذه السرعة.

  • ثمّ يأتي السيّد فوراً إلى المنزل، و كان أولاد الحاجّ صمد الدلّال (عديله) و هم أبناء خالة أولاده في المنزل آنذاك. فيسألونه عن الآية الكريمة: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا﴾؛ ما المقصود بالقول الثقيل في هذه الآية؟ هل اريد به هبوط جبرائيل؟

  • فيقول مجيباً: ليس لجبرائيل ثقل أمام عظمة رسول الله ليُعبَّر عنه بالقول الثقيل، بل إنّ المراد بالقول الثقيل: هو؛ لَا هُوَ إلَّا هُو!

  • ثمّ يطلب أن يؤتي بحنّاء، و على عادة العرسان الشبّان العرب الذين‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

655
  • يقومون قبل زفافهم بخضب أيديهم و أرجلهم بالحنّاء، فإنّ السيّد يقوم بخضب أصابع و أظفار قدميه بالحنّاء، ثمّ يقول: أخلوا الغرفة!

  • ثمّ يرقد مستقبلًا القبلة، و تمرّ لحظات ثمّ يدخلون الغرفة فيجدونه قد أسلم الروح.

  • يقول الدكتور السيّد محمّد الشروفيّ: لقد ذهبت إلى منزل السيّد تبعاً لقوله «سأرحل بعد ساعة» لأرى ما سيحدث! فشاهدت السيّد نائماً مستقبلًا القبلة، فوضعت السمّاعة على قلبه فرأيته متوقّفاً عن الحركة.

  • و يضيف أولاد السيّد: ثمّ ينهض الدكتور و يخبط سمّاعته على الأرض و يجهش بالبكاء. ثمّ يشارك بنفسه في مراسم التكفين و التشييع.

  • و قد جرى غسل بدن السيّد و تكفينه ليلًا، و تجمّع عدد غفير غير متوقّع، سواء من أهالي كربلاء أم من المناطق الاخرى لا يعرفهم أحد، فحملوه و الفوانيس الكثيرة في أيديهم إلى الحرمين المطهّرينِ لأبي عبد الله الحسين و أبي الفضل العبّاس عليهما السلام و طافوا به تلك المراقد الشريفة، ثمّ واروه الثرى في «وادي الصفا» بكربلاء في المقبرة الخاصّة التي أعدّها له ولده السيّد حسن هناك. رَحْمَةُ اللهِ عَلَيهِ رَحمَةً واسِعَةً، وَ رَزَقَنَا اللهُ طَيّ سَبِيلِهِ وَ مِنْهَاجَ سِيرَتِهِ، وَ الحَشْرَ مَعَهُ وَ مَعَ أجْدَادِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ صَلَوَاتُ اللهِ وَ سَلَامُهُ عَلَيهِمْ أجْمَعِينَ.

  • عجب از كشته نباشد به در خيمة دوست‌***عجب از زنده كه چون جان بدر آورد سليم‌۱
  • ﴿رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى‌ نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ‌

    1. يقول: «لا عجب من القتيل بباب خيمة الحبيب، بل العجب من الذي ظلّ حيّاً بعد دخولها».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

656
  • يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾.۱

  • أشعار ابن الفارض المصريّ المناسبة لرحيل الحاجّ السيّد هاشم‌

  • قَلْبِي يُحَدِّثُنِي بِأنَّكَ مُتْلِفِي‌***رُوحِي فِدَاكَ عَرَفْتَ أمْ لَمْ تَعْرِفِ‌
  • لَمْ أقْضِ حَقَّ هَوَاكَ إنْ كُنْتُ الذي‌***لَمْ أقْضِ فِيهِ أسًى وَ مِثْلِي مَنْ يَفِي‌
  • مَا لِي سِوَى رُوحِي وَ بَاذِلُ نَفْسِهِ‌***في حُبِّ مَنْ يَهْوَاهُ لَيْسَ بِمُسْرِفِ‌
  • فَلَئِنْ رَضِيتَ بِهَا فَقَدْ أسْعَفْتَنِي‌***يَا خَيْبَةَ المَسْعَى إذَا لَمْ تُسْعِفِ‌
  • يَا مَانِعِي طِيبَ المَنَامِ وَ مَانِحِي‌***ثَوْبَ السَّقَامِ بِهِ وَ وَجْدِي المُتْلِفِ‌
  • عَطْفاً على رَمَقِي وَ مَا أبْقَيْتَ لِي‌***مِنْ جِسْمِيَ المُضْنَى وَ قَلْبِي المدنَفِ‌
  • فَالوَجْدُ بَاقٍ وَ الوِصَالُ مُمَاطِلِي‌***وَ الصَّبْرُ فَانٍ وَ اللِقَاءُ مُسَوِّفِي‌
  • لَمْ أخْلُ مِنْ حَسَدٍ عَلَيك فَلَا تُضِعْ‌***سَهَرِي بِتَشْنِيعِ الخَيَالِ المُرْجِفِ‌
  • وَ اسْألْ نُجُومَ اللَيْلِ: هَلْ زَارَ الكَرَى‌***جَفْنِي، وَ كَيْفَ يَزُورُ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ‌
    1. الآية ٢٣، من السورة ٣٣: الأحزاب.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

657
  • لَا غَرْوَ إنْ شَحَّتْ بِغُمْضِ جُفُونِهَا***عَيْنِي وَ سَحَّتْ بِالدُّمُوعِ الذُّرَّفِ‌
  • ثمّ يستمرّ ابن الفارض في نفس هذا المعنى و المضمون حتّى يصل إلى قوله:

  • يَا أهْلَ وُدِّي! أنتُمُ أمَلِي وَ مَنْ‌***نَادَاكُمُ يَا أهْلَ وُدِّي قَدْ كُفِي‌
  • عُودُوا لِمَا كُنْتُمْ عَلَيهِ مِنَ الوَفَا***كَرَماً فَإنِّي ذَلِكَ الخِلُّ الوَفِي‌
  • وَ حَيَاتِكُمْ وَ حَيَاتِكُمْ قَسَماً، وَ في‌***عُمْرِي بِغَيْرِ حَيَاتِكُمْ لَمْ أحْلِفِ‌
  • لَوْ أنَّ رُوحِي في يَدِي وَ وَهَبْتُهَا***لِمُبَشِّرِي بِقُدُومِكُمْ لَمْ انْصِفِ‌
  • لَا تَحْسَبُونِي في الهَوَى مُتَصَنِّعاً***كَلَفِي بِكُمْ خُلُقٌ بِغَيْرِ تَكَلُّفِ‌
  • أخْفَيْتُ حُبَّكُمُ فَأخْفَانِي أسَى‌***حتّى لَعَمْرِي كِدْتُ عَنِّي أخْتَفِي‌
  • وَ كَتَمْتُهُ عَنِّي فَلَو أبْدَيْتُهُ‌***لَوَجَدْتُهُ أخْفَى مِنَ اللُطْفِ الخَفِي‌
  • حتّى يصل إلى قوله:

  • غَلَبَ الهَوَي فَأطَعْتُ أمْرَ صَبَابَتِي‌***مِنْ حَيْثُ فِيهِ عَصَيْتُ نَهْيَ مُعَنِّفِي‌
  • مِنِّي لَهُ ذُلُّ الخُضُوعِ، وَ مِنْهُ لِي‌***عِزُّ المَنُوعِ، وَ قُوَّةُ المُسْتَضْعِفِ‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

658
  • ألِفَ الصُّدُودَ، وَ لِي فُؤَادٌ لَمْ يَزَلْ‌***مُذْ كُنْتُ غَيْرَ وِدَادِهِ لَمْ يَألَفِ‌
  • يَا مَا امَيْلِحَ كُلَّ مَا يَرْضَى بِهِ‌***وَ رُضَابُهُ يَا مَا احَيْلَاهُ بِفِي‌
  • لَوْ أسْمَعُوا يَعْقُوبَ ذِكْرَ مَلَاحَةٍ***في وَجْهِهِ نَسِيَ الجَمَالَ اليُوسُفِي‌
  • أوْ لَو رَآهُ عَائِداً أيُّوبُ في‌***سِنَةِ الكَرَى قِدْماً مِنَ البَلْوَى شُفِي‌
  • كُلُّ البُدُورِ إذَا تَجَلَّى مُقْبِلًا***تَصْبُو إلَيْهِ وَ كُلُّ قَدٍّ أهْيَفِ‌
  • إنْ قُلْتُ: عِنْدِي فِيكَ كُلُّ صَبَابَةٍ***قَالَ: المَلَاحَةُ لِي، وَ كُلُّ الحُسْنِ في‌
  • كَمَلَتْ مَحَاسِنُهُ، فَلَوْ أهْدَى السَّنَا***لِلْبَدْرِ عِنْدَ تَمَامِهِ لَمْ يُخْسَفِ‌
  • وَ على تَفَنُّنِ وَاصِفِيهِ بحُسْنِهِ‌***يَفْنَى الزَّمَانُ وَ فِيهِ مَا لَمْ يُوصَفِ‌
  • وَ لَقَدْ صَرَفْتُ لِحُبِّهِ كُلِّي على‌***يَدِ حُسْنِهِ فَحَمِدْتُ حُسْنَ تَصَرُّفِي‌
  • حتّى يصل إلى هذه الأبيات في خاتمة هذا الشعر الغزليّ:

  • يَا اخْتَ سَعْدٍ مِنْ حَبِيبِي جِئْتِنِي‌***بِرِسَالَةٍ أدَّيْتِهَا بِتَلَطُّفِ‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

659
  • فَسَمِعْتُ مَا لَمْ تَسْمَعِي، وَ نَظَرْتُ مَا***لَمْ تَنْظُرِي، وَ عَرَفْتُ مَا لَمْ تَعْرِفِي‌
  • إنْ زَارَ يَوْماً يَا حَشَايَ تَقَطَّعِي‌***كَلَفاً بِهِ، أو سَارَ يَا عَيْنُ اذرِفِي‌
  • مَا لِلنَّوَى ذَنْبٌ وَ مَنْ أهْوَى مَعِي‌***إنْ غَابَ عَنْ إنْسَانِ عَيْنِي فَهوَ فِي‌۱
  • الاشعار الغزليّة لحافظ الشيرازيّ المناسبة للمقام‌

  • سينه‌ام ز آتش دل در غم جانانه بسوخت‌***آتشى بود درين خانه كه كاشانه بسوخت‌
  • تنم از واسطة دورى دلبر بگداخت‌***جانم از آتش مهر رخ جانانه بسوخت‌
  • سوز دل بين كه ز بس آتش و اشكم دِل شمع‌***دوش بر من ز سر مهر چو پروانه بسوخت‌
  • ماجرا كم كن و باز آ كه مرا مردم چشم‌***خرقه از سر بدر آورد و بشكرانه بسوخت‌٢
    1. «ديوان ابن الفارض» ص ۱٥۱ إلي ۱٥٥، طبعة بيروت، سنة ۱٣۸٤ هـ. ق.
    2. «ديوان الخواجة حافظ الشيرازيّ» ص ۱٥، الغزل ٢۷، طبعة پژمان، انتشارات بروخيم، سنة ۱٣۱۸ هـ. ق.
      يقول: «قد تلظّي صدري بنار القلب من هجر الحبيب، فقد احترق العشّ و المأوى من نارٍ في هذا البيت شعواء.
      ذاب لبُعد مَن خطف القلب جسمي، و اصطلت بشمس و جنته المزهرة روحي.
      فتطلع إلي حرقة قلبي كيف رقّ لحرارة دمعي قلبُ الشمع، فتداعي كالفراشة محترقاً فيه.
      فدع الهجرَ و العذلَ و أقبِلْ، فقد جرّد سوادُ عيني رداءه و أحرقه شكراً (إشارة إلي عادة الندماء من العجم حين يصطلح منهم اثنان بعد كدر، فإنّ الساعي للصلح منهما يخلع رداءه فيُحرقه شكراً).

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

660
  • هر كه زنجير سر زلف گره‌گير تو ديد***دل سودا زده‌اش بر من ديوانه بسوخت‌
  • آشنائى نه غريبست كه دلسوز منست‌***چون من از خويش برفتم دل بيگانه بسوخت‌
  • خرقة زهدِ مرا آب خرابات ببرد***خانة عقل مرا آتش خمخانه بسوخت‌
  • چون پياله دلم از توبه كه كردم بشكست‌***همچو لاله جگرم بى مى و پيمانه بسوخت‌
  • ترك افسانه بگو حافظ و مى نوش دمى‌***كه نخفتم به شب و شمع به افسانه بسوخت‌۱
  • إنّ أحداً لم يدرك رموز الحاجّ السيّد هاشم و لطائفه و إشاراته و دلالاته، أو أنّه فهمها فتغافل عنها، لأنّه كان يحبّ ألّا يكفّ عن عادته المحضة و أعماله الرتيبة التي يقوم بها يوميّاً، مؤمّلًا نفسه بشكلٍ لا معنى فيه، و بظاهرٍ لا باطن له، و بمجازٍ لا حقيقة له، و بوهمٍ بلا عقل، و بانشغال‌

    1. يقول: «احترق لأجلي -أنا العاشق المجنون- قلبُ كلّ من شاهد غلّ ذؤابتك، و اصيبَ بالسوداء!
      لقد احترق لضياعي و ذهولي قلبُ الغريب، فلا غرابة إن رقّ لحالي الأصدقاء!
      جرف خرقة زهدي سيلُ مياه الخمّارة، و أحرق عقلي لهبُ الحانة المتّقد.
      انكسر من توبتي -كما يتحطّم الكأس- قلبي؛ و اشتعل لفراق الشراب و الحانة كبدي كشقائق نعمانٍ حمراء!
      فاترك الأساطير يا «حافظ» و ارشف الكأس هنيئةً، فقد سهرنا و احترق الشمع باسطورة واهية!».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

661
  • بلا شهود، و بأعمالٍ يسيرة بلا عمق مجاهدات و لا تذوّق لمرارة الصبر و الاحتمال و الاستقامة في مجاهدة النفس الأمّارة، متنصّلًا بذلك عن حمل الولاية الثقيل.

  • الحدّاد: أنت تذهب إلى مكّة و كربلاء باستمرار، فمتى تذهب إلى الله؟!

  • كان الحاجّ السيّد هاشم يقول: ذهبتُ يوماً لرؤية فلان في الفندق الذي كان يقيم فيه في الكاظميّة، فرأيته واقفاً مع زوجته و قد حزما حقائبهما و أمتعتهما و هما ينويان السفر إلى الحجّ بعد كرّات و مرّات لا يعلم إلّا الله عددها؛ فصرختُ به: أنت تسافر يوميّاً إلى كربلاء، و إلى مشهد، و إلى مكّة؛ فمتى إذاً تسافر إلى الله؟

  • و مع أنّه فهم كلامي حقّ الفهم و أدركه جيّداً، لكنّه تجاهله و تظاهر بعدم فهمه، فابتسم في وجهي و ودّعني قائلًا: اقرأ لي دعاء السفر! ثمّ أمسك بالحقائب ليخرجها استعداداً للسفر.

  • كان الحاجّ السيّد هاشم يقول: لقد شوهد من بعض الناس -حتّى اولئك الذين يُدعون بالسالكين و من الذين يدّعون انتهاج السبيل إلى اللهـ أنّ قصدهم الحقيقيّ من هذه الأسفار ليس الله تعالى، بل إنّهم يسافرون من أجل الانس الذهنيّ بمُدركاتهم السابقة و للانشغال بالتخيّل و الوهم و التصوّر، كما يسافر البعض الآخر لتحصيل مكان للخلوة زمناً مع رفقائهم أو أصدقائهم القدماء في تلك الأماكن المقدّسة.

  • و لأنّ هؤلاء لم يذهبوا و لا يذهبون و لا يريدون أن يذهبوا في قصد الله، فإنّك لو قدّمت لهم الله بكلتا يديك و العياذ بالله و أريته لهم كالشمس، فإنّهم لن يقبلوا بذلك، و أمثال هؤلاء لن يصلوا أبداً إلى الكمال.

  • و عليه، فإنّ هؤلاء لن ينهلوا في جميع هذه الأسفار شيئاً من منهل التوحيد، و لن يُسقوا من ماء الولاية العذب جرعة، و سيعودون ظماء، فيُنهون أعمارهم بتلك القصص و الحكايات و بيان أحوال الأولياء،

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

662
  • و بالانشغال بالأشعار العرفانيّة أو الأدعية و المناجاة الصوريّة بلا محتوى.

  • لقد كان الحاجّ السيّد هاشم في توحيد الحقّ رجلًا صريح اللهجة، قويّ البنيان، متين الإرادة، سريع النفوذ، و كان يوضّح و يتكلّم و يبيّن بالأدلّة بلا بخل و لا إغماض.

  • إنّ أولياء الحقّ لا يمكن للإنسان بألف حيلة و خُدعة أن يستخلص من أحدهم جُملة واحدة، فهم في الكتمان أقوياء بحيث إنّ بعضهم قد تجاوز الحدّ في ذلك إلى الإفراط. أمّا الحاجّ السيّد هاشم -روحي و أرواح جميع ولدي و اسرتي و كلّ من يتعلّق بي فداه حقّاً- فقد كان مبادراً في إعطاء تلك المعارف لا يبخل و لا يتضايق، بحيث يرد الشكّ على الإنسان: هل على وليّ الله أن يوسّع دعوته إلى هذا الحدّ؟ و أن يبحث عن أفراد يليقون بإدراك كلامه و يتحرّكون في مسار نهجه؟

  • لم يكن السيّد ليقول شيئاً لمن لا استعداد له و لا لياقة، لكنّه كان يحبّ أن يصبح الأفراد لائقين مؤهّلين، أو أن يوجد أفراد مستعدّون لائقون ليُلقي إليهم تلك المعاني الراقية و المدركات العالية التي تنشأ من عالم الملكوت الأعلى.

  • و لكن -و يا للأسف الشديد- فقد قال و عمل و تابع و دعا، و ذهب للقاء اولئك في الفندق، فلم يقبلوا أن ينفضوا أيديهم من حطام الدنيا و يعودوا إلى مولاهم الحقيقيّ بأيدٍ خالية.

  • إنّ السيّد لم يقل: لا تذهب للحجّ! لا تذهب إلى مكّة و المدينة! لا تذهب إلى كربلاء و النجف! فقد تذوّق هو حقيقة الحجّ و روح الولاية و فهم طعمها الواقعيّ، لكنّه كان يقول: ابحث لحظةً عن معرفة ذاتك و نفسك، و تأمّل دقيقةً في حالك لتجد نفسك فتجد ربّك، و ستصطبغ آنذاك جميع أسفارك بالصبغة الإلهيّة، و ستذهب مع الله و من الله و إلى الله. و لو

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

663
  • سرت حينذاك في جميع العالم بل في جميع العوالم، لما كان في ذلك ضرر لك، لأنّك ستكون قد سافرت مع الله عرفان ذاته القدسيّة.

  • لقد قال السيّد هاشم فلم يسمعوا، ثمّ رحل السيّد هاشم؛ فليأتوا و ليفتّشوا جميع العالم زاوية زاوية و لينيروها بالشمع، فأنّى لهم أن يجدوا السيّد هاشم؟ و أنّى أن يوجد السيّد هاشم؟ لقد مرّت أكثر من سنوات ثمان على رحيله، فما الذي وصلوا إليه و حصلوا عليه؟

  • كان ينبغي أن يكون هناك الخواجة حافظ ليفهم كلام السيّد هاشم، كما قد فعل السيّد بكلام الخواجة حافظ؛ و كان ينبغي أن يكون هناك ابن الفارض ليُدرك كلامه، تماماً كما كان هو الذي يُدرك كلام ابن الفارض.

  • لذلك ترون أن الحقير قد أكثر من ذكر اسم هذين العارفين المشهورَين الإيرانيّ و العربيّ، فقد كان ذلك باعتبار أنّ السيّد هاشم كان قد نال بِيَدِه مشارف ذلك الافق. لكنّه باعتبار أنّ معرفته بالعربيّة كانت أكثر منها بالفارسيّة فقد كان يُكثر من قراءة أشعار ابن الفارض و يأنس بها على وجه خاصّ.

  • أبيات ابن الفارض و الخواجة حافظ المناسبة لرحيل الحدّاد

  • و حسب عقيدة الحقير فإنّ أشعار ابن الفارض أقوى و أمتن من أشعار الخواجة حافظ، بَيدَ أنّ أشعار الخواجة أرقّ من أشعار ابن الفارض؛ أمّا في السير و السلوك و البداية و النهاية، فقد وصل كلاهما إلى غاية درجات العرفان و أتمّا الأسفار الأربعة. و علينا الآن أن نذهب إلى مزار السيّد هاشم مترنّمين بهذه النغمات الإلهيّة فنقول:

  • اى نسيم سحر آرامگه يار كجاست‌***منزل آن مه عاشق كش عيّار كجاست‌۱
    1. «ديوان الخواجة حافظ الشيرازيّ» ص ۱۸، الغزل ٣٥، طبعة پژمان، انتشارات بروخيم، سنة ۱٣۱۸ هـ. ق. يقول: «دُلّني يا نسيم الأسحار أين منزل الحبيب؟ و أين حطّ الرحال ذلك القمر الساحر قاتل العشّاق؟».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

664
  • شب تار است و ره وادى ايمن در پيش‌***آتش طور كجا موعد ديدار كجاست‌
  • هر كه آمد به جهان نقش خرابى دارد***در خرابات نپرسند كه هشيار كجاست‌
  • آن‌كس است أهل بشارت كه إشارت داند***نكته‌ها هست بسى محرم أسرار كجاست‌
  • هر سر موى مرا با تو هزاران كارست‌***ما كجائيم و ملامتگر بيكار كجاست‌
  • باز پرسيد ز گيسوى شكن در شكنش‌***كاين دل غم‌زده سرگشته گرفتار كجاست‌
  • عقل ديوانه شد آن سلسلة مشكين كو***دل ز ما گوشه گرفت ابروى دلدار كجاست‌۱
    1. يقول: «الليل بهيمٌ، و الوادي الأيمن تلقاء وجوهنا، فقل أين نار الطور، و أين موعد اللقاء؟
      كلّ من جاء إلي الدنيا فقد جاء ليفني، فأنشد الجلّاس في الحانة هل من رجل صاحٍ تبقّي؟
      إنّ اللبيب الفاهم بأدني إشارة أهلٌ للبشارة؛ و ما أكثر النكات و الأسرار، و لكن أين اللائق بحفظها؟
      لكلّ طرف شعرة منّي ألف رابطة بك؛ فأين منّا و العاذل الغارق في البطالة؟
      سَلْ طيّات ذؤابته الجعدة، أين تردّي هذا القلب المغموم الهائم الأسير؟
      جُنّ عقلي، فأين السلسلة السوداء (لذوائب الحبيب) لُاوثقه؛ و أعرض القلبُ فأين حاجب الحبيب أناشده عنه؟».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

665
  • ساقى و مطرب و مى جمله مهيّاست ولى‌***عيش بى‌يار مهيّا نشود يار كجاست‌
  • حافظ از باد خزان در چمن دهر مرنج‌***فكر معقول بفرما گل بى‌خار كجاست‌۱
  •  

  • غَيْرِي على السُّلْوَانِ قَادِرْ***وَ سِوَايَ في العُشَّاقِ غَادِرْ
  • لِي في الغَرَامِ سَرِيرةٌ***وَ اللهُ أعْلَمُ بِالسَّرَائر٢
  •  

  • يَا رَاحِلًا وَ جَمِيلُ الصَّبْرِ يَتْبَعُهُ‌***هَلْ مِنْ سَبِيلٍ إلى لُقْيَاكَ يَتَّفِقُ‌
  • مَا أنصَفَتْكَ جُفُونِي وَ هي دَامِيَةٌ***وَ لَا وَ في لَكَ قَلْبِي وَ هوَ يَحْتَرِقُ‌٣
  • خلاصة المطالب السابقة في معرفة سماحة الحاجّ السيّد هاشم الحدّاد

  • مجمل و خلاصة المطالب السابقة في‌ معرفة سماحة الحاجّ السيّد هاشم الحدّاد روحي فداه‌

    1. يقول: «حضر المطرب و الساقي و الخمر معاً، بَيدَ أنّ العيش من غير حبيبٍ سيُكدّر؛ أين خِلّي؟
      و يا «حافظ» لا يكدّرنّك الفراق و الهجر في مرتع الدهر، و تأمّل بعقلك أ كان لورد بلا شوكةٍ مِن مِثال؟».
    2. «ديوان ابن الفارض» ص ۱۸۰؛ و يقول في التعليقة عليه: نُسبت هذه القصيدة لابن الفارض، مع أنّها مثبتة في «ديوان البهاء» لزهير، و ذكر زمن إنشائها في يوم الخميس، الخامس من محرّم لسنة ٦٤۱ هجريّة. و هي أشبه بشعر البهاء منها بشعر ابن الفارض و اسلوبه؛ و دليلنا على هذا القول أن البورينيّ لم يذكر هذا الشعر في شرحه على ديوان ابن الفارض.
    3. «ديوان ابن الفارض» ص ۱۸٣.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

666
  • لقد كتب الحقير الفقير بعد ارتحال استاذنا المكرّم و فقيهنا الأعظم آية الله المعظّم العلّامة الحاجّ السيّد محمّد حسين الطباطبائيّ التبريزيّ قدّس الله نفسه و روحه الزكيّة، رسالةً في ذكراه باسم «مهر تابان» (=الشمس الساطعة) جرى طبعها و نشرها فطالعها جمع غفير من السادة الأعلام الأجلّاء، فبهتوا و تحيّروا أن: يا للعجب! أ كان العلّامة كذا و كذا و نحن لا نعلم؟! لما ذا لم يكن لدينا علم بهذه الامور؟! و كيف لم نطّلع عليها و قد كنّا نلتقي بالعلّامة يوميّاً في الطريق و في المجالس و المحافل؟! كيف فاتتنا هذه الحقائق و كان بيتنا في الشارع الذي يسكن فيه العلّامة؟!

  • و حين ذكرت مطالبَ و اموراً عن المرحوم آية الله الفقيه النبيل و المرجع الجليل في النجف الأشرف: سماحة السيّد جمال الدين الگلبايگانيّ أعلى الله تعالى مقامه في كتاب «معادشناسى» (=معرفة المعاد) و طالعها الأصدقاء المحترمون و الأعاظم المكرّمون فقد أثارت الدهشة كذلك أن: كيف يمكن أن نجهل هذه المطالب و قد كنّا في النجف الأشرف؟! كيف و كنّا بعض أرحامه القريبين؟!

  • و كان هناك أحد السادة الأعزّاء من أساتذة الحقير السابقين في قم -قرأت عليه قبل أربعين سنة قدراً من كتاب الطهارة و كتاب النكاح من «شرح اللمعة»- و ممّن كانت تربطني به طيلة هذه المدة علاقات المودّة و الاحترام التي استمرّت إلى حين موته، و كانت بيننا لقاءات متبادلة حميمة و كان التوفيق يحالفني للقائه في النجف أيضاً كلّما تشرّف بالقدوم للزيارة، و هو حجّة الإسلام و المسلمين الحاجّ الشيخ عبد الحسين الوكيليّ الذي التحق بديار الرحمة الأبديّة منذ عدّة سنوات.

  • و قد طرق سمعي أنّه حضر يوماً في منزل استاذنا الآخر: الصديق المفخّم و فخر العشيرة المكرّم آية الله المعظّم الحاجّ الشيخ مرتضى‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

667
  • الحائريّ اليزديّ أعلى الله تعالى مقامهما في جمع من الحاضرين، فقال في تعجّب و دهشة: ما هذه المطالب التي نجدها في كتب السيّد محمّد الحسين؟ إنّنا نعرف العلّامة بالصدق و الحقّ، و نعرف المرحوم آية الله السيّد جمال الدين بصدق القول الذي لا شكّ فيه.

  • و ممّا يثير العجب أنّ السيّد محمّد الحسين ينقل عن هذين الجليلين المعظّمين بلا واسطة؛ و نحن لا نشكّ في صدق كلامه، فكيف إذاً لم تطرق هذه المطالب أسماعنا حتّى الآن؟! و كيف لم نطّلع عليها من قبل؟!

  • إذا كان أمثال العلّامة مجهولًا في الحوزة، أ نتوقّع معرفة أمثال الحدّاد؟

  • لقد كان الحقير يعود يوماً من الحرم المطهّر لثامن الأئمّة عليهم السلام، فشاهدتُ من بعيد في أحد ممرّات الحرم القريبة من الشارع المدعو بـ «بالا خيابان» شيخاً ضعيفاً متهالكاً يرتدي نظّارات سميكة و قد شاب شعر رأسه و لحيته، و هو يسير بوقار و احترام آتياً صوب الحرم المطهّر للتشرّف بالزيارة.

  • و لم نشخّص بعضنا من بعيد، لكنّنا حين اقتربنا من بعضنا فقد اعتنقنا و قبّل أحدنا الآخر.

  • سألتُه: أ لستم الحاجّ الشيخ عبد الحسين الوكيليّ؟ فقال للحقير فوراً: أ لستم السيّد محمّد الحسين الطهرانيّ؟

  • و كان ذلك باعثاً على العجب، لأنّ آخر لقاء للحقير معه -خلال زيارتهـ حصل في زمن لم يكن الشيب قد تسرّب إلى رأسه و لحيته أو إلى رأسي و لحيتي و لو بشعرة واحدة، و قد انقضى على ذلك حتّى الآن بحمد الله و مننه و آلائه زمنٌ طويل بحيث لم تعد تُرى في رأسه و لحيته و لا في رأسي و لحيتي شعرة سوداء واحدة، و قد صارت نظّارتي سميكة أنا الآخر؛ لذا فإنّ عدم تشخيصنا لبعضنا البعض من بعيد ثمّ تعرّف أحدنا على الآخر من قريب و معانقتنا لبعضنا و إبداء مشاعر المحبّة من جانب الحقير و الكرامة

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

668
  • و الجلالة من قِبله لم يكن بالأمر المستبعد.

  • و على أيّة حال فقد قال الشيخ الوكيليّ للحقير في تلك الدقائق المعدودة بعد تبادل السلام و الاستفسار عن الأحوال: لقد استعرتُ بعض كتبكم من سماحة آية الله الحاجّ السيّد حسن سيّدي القمّيّ (و هو ابن عمّة الحقير) ثمّ أعدتها له، و أرغب في الحصول على كتبكم الباقية لمطالعتها و إعادتها. فوعده الحقير أن أقوم عند عودته بإرسال دورة كاملة من جميع مؤلّفاتي إليه في قم إن شاء الله تعالى للنقد و التحليل و الجرح و التعديل، و للّه الحمد و المنّة فقد وفّيتُ بوعدي، ثمّ إنّه ارتحل بعدها بسنوات.

  • و حين يكون أكثر الفضلاء بل معظمهم غافلين عن مثل هذه المطالب و الأبحاث، فما هو المتوقّع من أواسط الطلّاب؟

  • و حين يكون الأعلام المشهورون أمثال العلّامة السيّد محمّد حسين الطباطبائيّ و السيّد جمال الدين الگلبايگانيّ مجهولين غير معروفين، فما هو المتوقّع في شأن أمثال السيّد هاشم الحدّاد (النعلجيّ) الذي قضى عمره منزوياً لا يعلم جاره شيئاً عنه، و الذي يُعدّ رجلًا متوسّط الحال أو فقيراً من عامّة الناس، و الذي كان يُعدّ عند العلماء و الفضلاء من عوامّ الناس غير ذوي الفضل و المكانة؟!

  • ضرورة تدريس الحكمة العمليّة في الحوزات‌

  • ممّا يثير الأسف أنّ الدروس الأخلاقيّة العمليّة و السلوك و السير إلى الله و العرفان الشهوديّ و الوجدانيّ غدت مهجورة و متروكة كلّيّاً في الحوزات العلميّة هذه الأيّام.

  • أمّا في الحوزة العلميّة المقدّسة في قم، فقد وصلت فيها دروس الحكمة المتعالية مرحلة النضج إلى حدّ ما، و راجت فيها دروس العرفان (النظريّ لا العمليّ) في مستوى ضعيف جدّاً، بَيدَ أنّ ذلك ليس مغنياً و لا كافياً، لأنّ دروس الحكمة لا تكفي لوحدها في إبلاغ الإنسان هدفه‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

669
  • و مقصوده، و لأنّ الأهمّ من هذه الامور هو مسألة تعليم و تربية الطلّاب بدروس تزكية و تهذيب الأخلاق العمليّة و العرفان الشهوديّ التي تعرّفنا حقيقة الإسلام و النبوّة و المعاد و الولاية و القرآن، و تكشف لنا عن إنسانيّتنا في خاتمة المطاف.

  • و لم تكن هذه الدروس تفتقد فقط مَن يطلبها و يسعى إليها طوال المدة التي كان الحقير مشغولًا فيها بالتحصيل في النجف الأشرف، بل إنّها كانت ممنوعة أيضاً، فلم يكن هناك حوزة لدروس الأخلاق و لا مجمع للتفسير و بيان المعارف، و كانت هذه الامور ممنوعة في مستوى الأفكار الحوزويّة العامّة.

  • لم يكن من أحد غير السيّد جمال، و كان هو الآخر يغطّي رأسه بعباءته حين يأتي للصلاة. و لم يكن لأحد اطّلاع على هذه المعاني منه، و إلّا لكانوا أخرجوه من النجف. و كان بعض أصحاب المكتبات الذين يعدّون بيع كتب الحكمة و الفلسفة و شراءها حراماً استناداً إلى رأي بعض المراجع، إذا ما شاهدوا ضمن مجموعة الكتب التي يشترونها، كتابَ «الأسفار» للملّا صدرا أو منظومة السبزواريّ فلا يمسكونها إلّا بملقط خوفاً من تنجّس أياديهم!

  • و عليه، فقد كان ضروريّاً آنذاك أن يتخفّى من يريد دراسة المعارف و الإلهيّات، و أن يعمل بالتقيّة. و إذا ما أراد طالب علم أن يبيت ليلة في مسجد الكوفة أو في مسجد السهلة، فإنّ عليه أن يفعل كما يفعل المهرّبون كي لا يشكّ به أحد و لئلّا يتغيّر نظر الحوزة إليه كلّيّاً.

  • و الله وحده يعلم كم رُمينا بأنواع التُّهم، و كم أصبحنا هدفاً لأنواع الرمي و الافتراء خلال مدّة إقامة الحقير في النجف، و كم تحمّلنا من المشاكل، و ما واجهنا من المرارات الحقيقيّة للحياة، مع أنّ دروسنا

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

670
  • و جدّيّتنا كانت مشهودة. على أنّ ما جرّ إلينا هذه الويلات و المصائب كان مجرّد عدم مشاكلتنا للوضع الظاهريّ. و كان من المؤمّل أن تقام بعد الثورة الإسلاميّة تنظيمات و هيئات جديدة في الحوزات لتدريس الأخلاق العمليّة و المعارف الشهوديّة، بَيدَ أنّ ذلك لم يحصل.

  • و كان الحقير قد كتب بعد الثورة بسنة أو سنتين رسالة «لُبّ اللباب في سير و سلوك اولي الألباب» جرى نشرها فحظيت باهتمام البعض. و قد قدم يوماً إلى الحقير في مشهد جماعة من الحوزة العلميّة في قم نيابة عن بعض المسئولين و القائمين على عمليّة التغيير الفكريّ و إحياء الحكمة و العرفان، و نقلوا رسالةً شفويّة لي أن: اكتبوا كتابين آخرين، أحدهما مختصر إلى «لبّ اللباب» و الآخر أكثر منه عمقاً و تفصيلًا ليُدرّسا و يكونا مورد استفادة الطلّاب في جميع مراحل الدراسة الابتدائيّة و المتوسّطة و النهائيّة.

  • فقلتُ: لا مانع من كتابتها، لكنّ قراءة هذه الكتب مفيدة إلى حدّ ما و ليست مفيدة بتمام المعنى؛ فالذي يبعث الروح في الحوزات و ما يحيي روح النبوّة و الولاية و الإسلام و القرآن و يخلّدها، تدريس الحكمة العمليّة و إيجاد حوزات لتربية الطلّاب بالعرفان الشهوديّ و الوجدانيّ، فهو الذي يغيّر البناء الأساسيّ للنفوس و يسوقها إلى الطهارة الحقيقيّة و الواقعيّة، و هو الذي سيجعل الامّة الإسلاميّة تمتلك في هذه المرحلة الخاصّة أفراداً كاولئك المخلصين الذين ربّاهم الرسول الأكرم و كحواريي أمير المؤمنين عليهما السلام، فاولئكم هم القادرون بطهارتهم الذاتيّة و نفوسهم الزكيّة تلك على إحداث تغييرات عميقة جدّاً في نفوس الناس قاطبةً في هذه الدولة و في جميع العالم، و على أن يجسّدوا للعالم الروح الحقيقيّة لرسول الله صلّى الله عليه و آله، و في الحقيقة فإنّهم يسوقون أنفسهم و الآخرين إلى الإسلام الحقيقيّ الواقعيّ.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

671
  • و قد عاد هؤلاء الأشخاص بعد مدّة بجواب جاء فيه: إنّ الأخلاق و العرفان العمليّ لا حدود لهما ليمكن تجزئتها و تقسيمها و تدريسها، لذا فإنّ في صالح الحوزة في الوقت الحاضر أن يجري تدريس الحكمة و الفلسفة فيها، و أن يصار إلى تربية تلامذة خبراء ممحّضين في خصوص هذا الفنّ.

  • و من الواضح أنّ هذا الجواب ليس مُقنعاً، إذ كما أنّ الفقه و الاصول و الحكمة و الأدب العربيّ لها حدود عند أهل الخبرة فيها، فإنّ العرفان العمليّ و الأخلاق الشهوديّة لها -بدورها- حدود عند أهل الخبرة فيها، أمّا عند غير ذوي الخبرة فإنّها بأجمعها لا تمتلك حدوداً. و ينبغي -لهذا- أن يُبحث عن أهل الخبرة في هذه الامور، و أن لا تترك الحوزات -لمثل هذه الأعذار- خالية من علوم خطيرة أساسيّة كهذه العلوم.

  • و على أيّة حالٍ، فإنّ علّة خفاء مطالب أمثال العلّامة و أمثال الگلبايگانيّ ستتّضح بهذه المطالب التي ذكرناها باختصار هنا.

  • المعارف الإلهيّة كالجواهر النفيسة مصونة و محفوظة عن أنظار الاجانب‌

  • و هناك أمر آخر جدير بالذكر، و هو أنّ هذه المطالب قيّمة و ثمينة لا تُكتسب بسهولة، و ينبغي على المرء -من أجل الحصول عليها- أن يتحمّل المحن و المصاعب و المتاعب و أن يشدّ إليها الرحال، لأنّها بمنزلة الجواهر الثمينة التي تحفظ في أعماق الصناديق و الخزائن المقفلة لتُصان من التلف و الضياع.

  • إنّ المتاع الرخيص يؤتى به إلى السوق فيُنادى عليه: تعالوا، تعالوا، اشتروا، خذوا... لدينا بنجر، لدينا بنجر.

  • إنّ الرجل يأتي بالبنجر و قد صبّه في عربته الخشبيّة فينادى عليه صباح أيّام الشتاء القارس في رأس الزقاق و في السوق و يدور به على أبواب البيوت: لديّ بنجر للفطور! و يصرّ على أن يشتروا منه شيئاً و يسعى‌

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

672
  • لإفراغ عربته من أجل أن يذهب في اليوم التالي فيجلب بنجراً آخر ليبيعه بنفس الطريقة.

  • أمّا جوهرة الزمرّد أو الياقوت أو الألماس الثمين فلا تعرض في الواجهات أمام أنظار الناس، بل تخفى في الصناديق الفولاذيّة المقفلة بالأقفال الرمزيّة و في حاويات تفتح هي الاخرى برمز معيّن، و هذه الاخرى موضوعة في صندوق مقفل بقفل رمزيّ، انتظاراً لمجي‌ء مشترٍ واحد من بين الآلاف، ممّن يعرف قيمتها و قدرها ليراها و يدفع ثمنها وفق قيمتها.

  • لذلك فإنّ من الشاقّ أن يتعرّف الإنسان على قدر و قيمة مجوهرات معيّنة و يتمكّن من اقتنائها، إذ ينبغي له أن يجد السنخيّة و المماثلة من جميع الجهات مع تلك الجواهر، و أن يتقبّله اولئك الجواهريّون فيدنونه منهم و يعاملونه كأبنائهم أو كخادمهم الذي صار موضع سرّهم و اعتمادهم فيأتمنونه على أسرارهم، تلك الأسرار الإلهيّة لا الأسرار الدنيويّة.

  • و نفهم الآن كم يتوجّب على الإنسان أن يسعى ليصبح من أهل بيتهم و يكون له حكم الابن أو الخادم، أمّا في غير هذه الحال، أي في غير حال الاتّحاد و الوحدة في السلوك و النهج و الزيّ و الطعام، و في جميع الامور المختصّة بأهل ذلك البيت؛ فإنّه لن يكون بإمكانه أن يستفيد من روح أهل ذلك البيت.

  • عُلَمَاءُ أُمَّتِي كَأَنبِيَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ‌

  • لقد جاء الحقير من النجف الأشرف إلى همدان لزيارة و لقاء سماحة آية الله الحاجّ الشيخ محمّد جواد الأنصاريّ الهمدانيّ تغمّده الله برضوانه و كنتُ أسير وحدي يوماً إلى حيث يصلّي الظهر في المسجد المسمّى‌ بمسجد النبيّ‌، و كنت قد وصلت إلى «سبزه ميدان» (=ساحة خضراء) حين خطر في ذهني خاطر: كم يبلغ اعتقادي به؟ فرأيتُ أنّ اعتقادي به هو

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

673
  • في حدود اعتقادي بنبيّ إلهيّ، لما لي في كماله و شرفه و توحيده و فضائله الأخلاقيّة و المعنويّة من اعتقاد و إيمان في حدود إيماني و اعتقادي بنبيّ إلهيّ. و لو بُعث الآن أيّاً من يوسف أو شعيب أو موسى أو عيسى على نبيّنا و آله و عليهم السلام فجاؤوا و أمروا و نهوا، فسيكون لي في الحقيقة انقياد و طاعة و إيقان بحقّانيّة اولئك الأنبياء مماثل لاعتقادي بهذا الرجل الإلهيّ الجليل.

  • و لدينا شاهد على ذلك، فقد ذكر البعض أن: عُلَمَاءُ امَّتِي كَأنْبِيَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ.۱

    1. لم نعثر أبداً مع كثرة تتبّعنا في هذا المجال على سند لهذه الرواية المتداولة و الشائعة على الألسن. و قد أورد المحدِّث و العالم المتضلِّع الخبير: السيّد عبد الله شبّر في كتاب «مصابيح الأنوار في حلّ مشكلات الأخبار» ج ۱، ص ٤٣٤، طبعة مطبعة الزهراء، بغداد، حديث رقم ۸٣، قوله:
      ما روي عن النبيّ صلّى الله عليه و آله أنّه قال: عُلَمَاءُ امَّتِي أنْبِيَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ، أو: كَأنْبِيَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ، أو: أفْضَلُ مِنْ أنْبِيَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ؛ و هذا الحديث لم نقف عليه في اصولنا و أخبارنا بعد الفحص و التتبّع، و الظاهر أنّه من موضوعات العامّة. و ممّن صرّح بوضعه من علمائنا: المحدِّث الشيخ الحرّ العامليّ في «الفوائد الطوسيّة»، و المحدِّث الشريف الجزائريّ. و كيف كان فيمكن توجيهه بوجهين - إلى آخر ما ذكره السيّد شبّر هنا.
      و قد راجع الحقير كتاب «الجامع الصغير» للسيوطيّ، و «كنوز الحقائق» للمناويّ، و «نهج الفصاحة» لپاينده، و «وهج الفصاحة» للأعلميّ التي دُوّنت فيها الأحاديث القصار لسيّد البشر، فلم يكن هناك شيئاً من هذا القبيل عن طريق العامّة أيضاً.
      و قد أورد الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء في كتاب «جنّة المأوى» ص ۱٩۷، الطبعة الأولى، مكتبة الحقيقة، تبريز، سنة ۱٣۸۰ هـ، ضمن ردّه على سؤال قدّم إليه كتباً عن معنى هذا الحديث، احتمالات خمساً في تفسير هذا الحديث و معناه.
      و قد صرّح المرحوم آية الله الحاجّ السيّد محمّد علي القاضي الطباطبائيّ في هامش الكتاب بما قلناه و ذكر أنّ هذا الحديث من موضوعات العامّة. و يقول آية الله القاضي في كتاب «تحقيق دربارة أول أربعين سيد الشهداء عليه السلام» (بحث حول الأربعين الأولى لسيّد الشهداء عليه السلام) ص ٤٦۸، الطبعة الثالثة، تبريز، تحت عنوان «مَن المراد من آل محمّد» يقول الفيروزآباديّ (صاحب كتاب اللغة): و قَولُ رَسُولِ اللهِ صلّى اللهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: عُلَمَاءُ امَّتِي كَأنْبِيَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ. و في لفظٍ: عُلَمَاءُ هَذِهِ الامَّةِ أنْبِيَاءُ سَائِرِ الامَمِ؛ وَ إنْ كَانَ في إسْنَادِهِ مَقَالٌ وَ لَكِنْ يُسْتَأنَسُ بِهِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

674
  • و حين نطبّق هذا الحديث على علماء الامّة، فأيّ عالم أصدق و أكثر توحيداً و أقرب إلى المعارف الحقّة الحقيقيّة الإلهيّة من هذا الرجل؟

  • و علّة ذلك أنّ مناط الرسالة و النبوّة ليس بالامور الظاهريّة من الكسب و العمل و الثروة و الحسب و النسب و العلوم الظاهريّة و الفنون الدنيويّة.

  • و لو غضضنا النظر عن كون الشيخ الأنصاريّ معمّماً و فقيهاً و إماماً للجماعة و نظائر هذه الامور، فإنّ ملاك عظمة هذا الرجل و إخلاصه في التجلّيات الإلهيّة التي اكتسبها بالجهاد الأكبر في هذا المسار الطويل، فهي التي جعلته في حدود عارف إلهيّ و أجلسته في مقام و منزلة التمكين، و لو أنّ جميع أهل همدان قد عدّوه صوفيّاً و كالوا له التهم الظالمة و غير اللائقة، فصار جاره يلقي النفايات على باب داره. فلقد رأينا جميع هذه المصائب بعينها تُصبّ على الأنبياء كما ورد في أحاديثنا ما يفوق هذه المصائب، و لقد روينا على لسان رسول الله: مَا اوذِيَ نَبِيّ مِثْلَ مَا اوذِيتُ قَطُّ.۱

    1. روي الحقير هذا الحديث بعين هذه العبارة عن اللسان المبارك لُاستاذنا الذي لا بديل له سماحة آية الله العلّامة الطباطبائيّ رحمة الله عليه في رسالة «الشمس الساطعة» القسم الثاني، المقابلات، الأبحاث العرفانيّة، صفحة رقم ٣۰٥ حسب الترقيم أسفل الصفحات، الطبعة الأولى.
      لكنّ السيوطيّ أورده في «الجامع الصغير» ج ٢، ص ۱٤٤، مطبعة مصطفي البابي، بهذه العبارة: مَا اوذِيَ أحَدٌ مَا اوذِيتُ (عد) و ابن عساكر عن جابر (رض) مَا اوذِي أحَدٌ مَا اوذِيتُ في اللهِ (حد) عن أنس (ح ض). و روى المناويّ في «كنوز الحقائق» المطبوع في هامش «الجامع الصغير» ص ۸٢، عبارة: مَا اوذِيَ أحَدٌ مَا اوذِيتُ، عن (عد)، و أورد الحديث أبو القاسم پاينده في «نهج الفصاحة» انتشارات جاويدان، سنة ۱٣٦۷ هـ. ش، ص ٥٤٣، تحت الرقم ٢٦٢٦، بعبارة: مَا اوذِيَ أحَدٌ مَا اوذِيتُ في اللهِ... و ذكره الأعلميّ في «وهج الفصاحة» الطبعة الأولى، مؤسّسة الأعلميّ، بيروت، سنة ۱٤۰۸ تحت الرقم ٢٦٢٢، ص ٥٦۱، بعين هذا اللفظ.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

675
  • أ فعلينا في مثل هذه الحال أن نلتفت إلى كلام الناس، أم نتوجّه إلى علمنا و يقيننا فنضع نصب أعيننا: ﴿قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ‌﴾.۱

  • لقد كان الحاجّ السيّد هاشم الحدّاد ربيب اليد المباركة للمرحوم الحاجّ السيّد الميرزا علي آقا القاضي، فهو وحده الذي كان يعلم من هو ربيب يده، و ما هي درجاته و مقاماته، و أيّة ذروة سماها إيقانه و ارتقاها عرفانه.

  • ما الذي أفهمه أنا؟ لقد كان ذلك الرجل الإلهي الكبير هو الخبير المتضلّع في هذا الفنّ.

  • لقد كنتُ أجد في الحدّاد عبادة و التفاتاً و مراقبة و التزاماً بتعاليم الشرع، و أرى فيه متانة و و قاراً و تمكيناً و صبراً و تحمّلًا و أمثال ذلك، لكنّني لم أكن أعلم عن منشأ هذه الخصائص و الآثار و مصدرها.

  • كنت أشاهد النور، بَيدَ أنّي لا أعلم شيئاً عن المحطّة التي تولّده. أمّا المرحوم القاضي فكان واسطة في إيصال النور، و كان خبيراً بالمفاتيح و المخازن الواقعة وسط الطريق، و بكيفيّة تحويل نور عظمة ستّين ألف فولت إلى الكهرباء التي يمكن الاستفادة منها في المدن. و هو الذي كان‌

    1. الآية ٩۱، من السورة ٦: الأنعام: ﴿وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى‌ بَشَرٍ مِنْ شَيْ‌ءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى‌ نُوراً وَ هُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَ تُخْفُونَ كَثِيراً وَ عُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَ لا آباؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ﴾.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

676
  • يعلم حقيقة الأمر حين كان يذهب إلى محلّ الحدادة، فيجلس على الأرض بين الدخان و اللهب و الحرارة فيقول له: «أيها السيّد هاشم! سيأتي اليوم الذي يأتون فيه من الأطراف و الأكناف لتقبيل عتبة دارك».

  • نعم! إنّ الطفل لا يميّز الجواهر النفيسة الثمينة، فيفضّل الزجاج الملوّن على معدن الفيروزج، و يرغب في الذهب المزيّف أكثر من الحقيقيّ. كما أن الشخص العامّيّ الامّي لا يقيم وزناً لخطّ المير عماد الحسنيّ الجميل المكتوب على ورقة ما و يرجّح عليه الخطّ المشوّش المغلوط المكتوب بماء الذهب.

  • أمّا الخبير بالخطّ، الماهر بدقائق فنونه فما أحراه أن يشتري صفحة من ذلك الخطّ بملايين التومانات، و ما أحراه أن يرسل هذه الصفحات الذهبيّة أو المذهّبة ذات الخطّ القبيح إلى الفرن لإتلافها.

  • ما الذي يعلمه ذلك القرويّ بائع اللفت عن لوحة رسم و زخرفة منقوشة باللازورد ضمّت أسرار هذا الفنّ و دقائقه؟ أمّا ذلك الاستاذ الرسّام الماهر بالزخرفة و النقوش اللازورديّة، و الذي قضى عمره في دراسة هذا الفنّ، فهو الذي يدرك ما تنطوي عليه هذه اللوحة من إعجاز و خوارق.

  • و ما أكثر ما يحصل في أن يرجّح ذلك القرويّ بعض اللوحات الحمراء المرسومة بلا فنّ و لا مهارة على تلك الرسوم و النقوش اللازورديّة، مع أنّ استاذ الرسم و الزخرفة يمكن أن يبيع بيته و كلّ ما يمتلك من أجل اقتناء لوحة منها. و يتّضح هنا تدريجيّاً مَن كان الحاجّ السيّد هاشم الحدّاد! مع أنّه و الله و بالله لم يتّضح لي أنا.

  • أي أنّني سعيت -في حدود إمكاني- في تقديم السيّد و تعريفه أكثر من خلال هذا الكتاب الكريم، و في تقديم الشي‌ء الأهمّ لأرباب السلوك و مشتاقي سبيل الله و معرفته، لكنّني أرى أنّ الكميت أعرج في هذا

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

677
  • المضمار، مع أنّني قضيت ثلاثة أشهر كاملة في كتابة هذا الكتاب، ألغيت خلالها جميع أعمالي الاخرى و لم أدوّن شيئاً سواه، و لكن مع ذلك كلّه فإنّ كياني و باطني يضجّان بنداء:

  • اى برتر از خيال و قياس و گمان و وهم‌***و ز هر چه گفته‌اند و شنيديم و خوانده‌ايم‌
  • مجلس تمام گشت و به آخر رسيد عمر***ما همچنان در أوّل وصف تو مانده‌ايم‌۱
  • لا تقولوا إنّ هذا البيت قد أورده الشيخ سعدى في الله سبحانه، فكيف استخدمته في شأن الحدّاد؟ أو هل الحدّاد إله؟ وَ العِيَاذُ بِاللهِ؛ بل الحدّاد عبد الله.

  • بيان شخصيّة الحدّاد وفق خطبة أمير المؤمنين عليه السلام‌

  • لم نستطع فهم حقيقة عبوديّة الحدّاد و فنائه في ذات الله، و لم نستطع معرفة الحدّاد في مقام العبوديّة و حقيقة العبوديّة، و لم نستطع تقديمه على حقيقته في هذه الرسالة. و نجد لزاماً في الختام أن نتوسّل بخطبة أمير المؤمنين عليه السلام التي أوردها في انتقال و تدرج الرسول الأكرم صلّى الله عليه و آله من آدم عليه السلام نَسْلًا بَعْدَ نَسْلٍ حتّى ولادته. فيقول ضمن الخطبة مخاطباً ربّه:

  • سُبْحَانَكَ أيّ عَيْنٍ تَقُومُ نُصْبَ بَهَاءِ نُورِكَ، و تَرْقَى إلى نُورِ ضِيَاءِ قُدْرَتِكَ؟! وَ أيّ فَهْمٍ يَفْهَمُ مَا دُونَ ذَلِكَ إلَّا أبْصَارٌ كَشَفْتَ عَنْهَا الأغْطِيَةَ،

    1. «كلّيّات سعدي» ص ٣، طبعة و تصحيح فروغي، گلستان.
      يقول: «يا من هو أسمي من الخيال و القياس و الظنّ و الوهم، و أعلى من كلّ ما قيل و ما سمعنا و قرأنا.
      انتهي المجلس و بلغ العمر منتهاه، لكنّنا لا نزال في أوّل وصفنا إيّاك عاجزين».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

678
  • وَ هَتَكْتَ عَنْهَا الحُجُبَ العَمِيَّةَ.

  • فَرَقَتْ أرْوَاحُهَا إلى أطْرَافِ أجْنِحَةِ الأرْوَاحِ، فَنَاجَوْكَ في أرْكَانِكَ وَ وَلَجُوا بَيْنَ أنْوَارِ بَهَائِكَ، وَ نَظَرُوا مِنْ مُرْتَقَى التُّربَةِ إلى مُسْتَوَى كِبْرِيَائِكَ.

  • فَسَمَّاهُمْ أهْلُ المَلَكُوتِ زُوَّاراً، وَ دَعَاهُمْ أهْلُ الجَبَرُوتِ عُمَّار (إلى‌ آخرها).۱

  • و نلحظ في هذه الخطبة ذات المضمون الرشيق و المحتوى الدقيق أنّ الإمام سلام الله عليه يعتبر حقيقة مقام العرفان بذات الله الأحديّة بواسطة رفع الحجب متحقّقة لفئة خاصّة من أولياء الله المقرّبين و المخلصين، و أنّ الله سبحانه يوصل جماعةً خاصّةً من زمرة عباده الصالحين إلى حقيقة معرفته، لينظروا من حضيض عالم الناسوت و من مستوى التراب إلى مقام كبريائيّة الحقّ، و لتكون لأعينهم و إدراكهم الثبات و المثابرة على تحمّل تجلّى أنوار بهاء حضرته، و لينالوا ذلك المقام بل و أعلى منه وصولًا إلى مقام روح القدس، فيتكلّمون مع الله -كما فعل الكليم- في سرّ عالم الكون و المكان، قائمين راسخين وسط الأشعّة الساطعة لنور الذات المنشعبة عن جماله و جلاله.

  • على أنّ وجودهم لا يضمحلّ و لا يفنى قبل الوصول إلى هذه الذروة

    1. أورد المؤرّخ الشهير و الأمين المسعوديّ هذه الخطبة الشريفة في كتاب «إثبات الوصيّة» ص ٩٤ إلي ٩٩، الطبعة الحجريّة؛ و هي خطبة مفصّلة جدّاً، و قد أوردنا منها هنا الفقرة الواقعة في ص ٩۷.
      و قد أورد هذه الفقرة أيضاً سماحة استاذنا المكرّم آية الله العلّامة الطباطبائيّ قدّس الله روحه الزكيّة في كتاب «الشيعة» ضمن المحادثات مع هنري كُربَن، ص ۱٩٦، الطبعة الثانية، نقلًا عن «إثبات الوصيّة». كما أوردنا هذه الفقرة أيضاً في الصفحة الأخيرة من كتاب «التوحيد العلميّ و العينيّ».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

679
  • العالية، بل إنّهم سيسيرون إلى حدّ الفناء في نفس الذات القدسيّة للحقّ تعالى، فيصيرون بعد الفناء فيها وجوداً بحتاً بسيطاً لم يزل و لا يزال و يتحقّقون ببقاء الحقّ، و يخلدون إلى الأبد في جنان خلد الفناء و البقاء. و لم يجد الحقير غير هذه الخطبة لتقديم و تعريف الحاجّ السيّد هاشم روحي فداه، لذا فقد أوردتها في ختام كتابي ليكون‌ ﴿خِتامُهُ مِسْكٌ﴾‌۱، و لأقدّمها إلى تلك الروح المقدّسة لذلك الساكن في العرش و المقيم في علّيّين.

  • اشَاهِدُ معنى حُسْنِكُمْ فَيَلَذُّ لِي‌***خُضُوعِي لَدَيْكُمْ في الهَوَى وَ تَذَلُّلِي‌
  • وَ أشْتَاقُ لِلْمَغْنَى الذي أنْتُمُ بِه‌***وَ لَوْلَاكُمُ مَا شَاقَنِي ذِكْرُ مَنْزِلِ‌
  • فَلِلَّهِ كَمْ مِنْ لَيْلَةٍ قَدْ قَطَعْتُهَا***بِلَذَّةِ عَيْشٍ وَ الرَّقِيبُ بِمَعْزَلِ‌
  • وَ نَقْلِي مُدَامِي وَ الحَبِيبُ مُنَادِمِي‌***وَ أقْدَاحُ أفْرَاحِ المَحَبَّةِ تَنْجَلِي‌
  • وَ نِلْتُ مُرَادِي فَوْقَ مَا كُنْتُ رَاجِياً***فَوَا طَرَبَا لَوْ تَمَّ هَذَا وَ دَامَ لِي‌
  • لَحَانِي عَذُولِي لَيْسَ يَعْرِفُ مَا الهَوَى‌***وَ أيْنَ الشَّجِيّ المُسْتَهَامُ مِنَ الخَلِي‌
  • فَدَعْنِي وَ مَنْ أهْوَى فَقَدْ مَاتَ حَاسِدِي‌***وَ غَابَ رَقيبِي عِنْدَ قُرْبِ مُوَاصِلِي‌٢
    1. اقتباس من الآية ٢٦، من السورة ۸٣: المطفّفين.
    2. «ديوان ابن الفارض» ص ۱۷٩، طبعة بيروت، سنة ۱٣۸٤ هـ. ق.

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

680
  • أشعار حافظ المناسبة لعظمة الحاجّ السيّد هاشم المعنويّة

  • اى قصّة بهشت ز كويت حكايتى‌***شرح جمالِ حور ز رويت روايتى‌
  • أنفاس عيسى ز لب لعلت لطيفه‌اى‌***آب خِضر ز نوش لبانت كنايتى‌
  • كِى عِطرساى مجلس روحانيان شدى‌***گل را اگر نه بوى تو كردى رعايتى‌
  • هر پاره از دل من و ز غُصّه قِصّه‌اى‌***هر سطرى از خصال تو و ز رحمت آيتى‌
  • در آرزوى خاك درِ يار سوختم‌***يادآور اى صبا كه نكردى حمايتى‌
  • اى دل به هرزه دانش و عمرت به باد رفت‌***صد مايه داشتى و نكردى كفايتى‌۱
    1. «ديوان الخواجة حافظ الشيرازيّ» ص ٢۰٩، الغزل ٤٥۷، طبعة پژمان، انتشارات بروخيم، سنة ۱٣۱۸ هـ. ق.
      يقول: «يا من كانت قصّة الجنّة حكايةً من حكايات دربك، و وصف جمال الحور رواية عن طلعتك!
      و يا من كانت أنفاس عيسي إشارة إلي شفتك الزمرّديّة، و ماء الخضر (ماء الحياة) كناية عن جرعة ترشفها شفتك.
      أنّي للورد أن يفوح في مجلس الروحانيّين، لو لم تهبه نفحة من عبير رائحتك!
      كلّ بضعة من قلبي قصّة حزن؛ و كلّ سطر من خصالك آية من آيات رحمة الحقّ.
      شبّت النار في رجاء تراب أعتاب ديار الحبيب؛ فتذكّري يا صبا أنّك لم تسعفينا بحمايتك.
      و يا قلب ضاع علمك و عمرك عبثاً، فقد امتلكتَ ألف ثروة فلم تغنِ عنك شيئاً».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

681
  • بوى دل كباب من آفاق را گرفت‌***اين آتش درون بكند هم سرايتى‌
  • در آتش ار خيال رخش دست مى‌دهد***ساقى بيا كه نيست ز دوزخ شكايتى‌
  • دانى مراد حافظ ازين درد و غصّه چيست‌***از تو كرشمه‌اىّ و ز خسرو عنايتى‌۱
  •  

  • حَدِيثُهُ أوْ حَدِيثٌ عَنْهُ يُطْرِبُنِي‌***هَذَا إذَا غَابَ أوْ هَذَا إذَا حَضَرَا
  • كِلَاهُمَا حَسَنٌ عِنْدِي اسَرُّ بِهِ‌***لَكِنَّ أحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ النَّظَرَا٢
  •  

  • چراغ روى تو را شمع گشت پروانه‌***مرا ز خال تو با حال خويش پروا نه‌
  • به بوى زلف تو گر جان به باد رفت چه شد***هزار جان گرامى فداى جانانه‌٣
    1. يقول: «طبّق الآفاق رائحة احتراق قلبي، و ستمتدّ خارجاً -لا ريب- هذه النار من قلب المتيّم بك.
      لو زارني في النار خيالُ طلعة الحبيب، فعجّل أيّها الساقي بها فليس في جهنّم من شكوى.
      أتعلم مراد «حافظ» من هذا الألم و الحزن؟ غنجٌ منك و التفاتةٌ من الملك!».
    2. «ديوان ابن الفارض» ص ۱۸٣، طبعة بيروت، سنة ۱٣۸٤ هـ. ق.
    3. «ديوان الخواجة حافظ» ص ۱٩٤، الغزل ٤٢٥، طبعة پژمان، انتشارات بروخيم، سنة ۱٣۱۸ هـ. ق. يقول: «صيّر ضياءُ طلعتك الشمعَ فراشةً تحوم حوله، و صيّرني خالُك لا ابالي ما حلّ بي.
      ما ذا يضير لو ضاعت الروح من عطر ذؤابتك؟ فألف نفس كريمة فداء نفس الحبيب».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

682
  • خرد كه قيد مجانين عشق مى‌فرمود***به بوى سنبل زلف تو گشت ديوانه‌
  • به مژده جان به صبا داد شمع در نفسى‌***ز شمع روى تو اش چون رسيد پروانه‌
  • مرا به دور لب دوست هست پيمانى‌***كه بر زبان نبرم جز حديث پيمانه‌
  • بر آتش رخ زيباى او به جاى سپند***به غير خال سياهش كه ديد بِهْ دانه‌
  • حديث مدرسه خانقه مگوى كه باز***فتاده در سر حافظ هواى ميخانه‌۱
  • خاتمة كتاب «الروح المجرّد» في ذكرى الحاجّ السيّد هاشم الحدّاد

  • اللهُمَّ صَلِّ وَ سَلِّمْ وَ زِدْ وَ بَارِكْ على سَيِّدِ المُرْسَلِينَ وَ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ مُحَمَّدٍ، وَ على أخِيهِ وَ وَصِيِّهِ وَ صَاحِبِ سِرِّهِ وَ لِوَائِهِ وَ وَزِيرِهِ وَ وَلِيّ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَ مُؤْمِنَةٍ مِنْ بَعْدِهِ وَ خَلِيفَتِهِ في امَّتِهِ: عَلِيّ بْنِ أبي طَالِبٍ أمِيرِ المُؤْمِنِينَ، وَ على البَتُولِ العَذْرَاءِ الصِّدِّيقَةِ الكبرى فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ، وَ على الحَسَنِ وَ الحُسَيْنِ وَ عَلِيّ بْنِ الحُسَيْنِ وَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيّ وَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ موسَى‌

    1. يقول: «لقد صار العقل -و هو وثاق مجانين العشق- نفسه مجنوناً من عبير سنابل ذؤابتك المجعّدة.
      حين حملت الصبا للشمع رسالة ملوكيّة من طلعتك الوضّاءة (كالشمع)، فقد وهب روحه لها في البشارة.
      عقدتُ العهد أن لا أفوه عند شفاه الحبيب، إلّا حديث الراح و القدح.
      مَن رأي أفضل من خاله الأسود بدلًا عن الحَرْمَل في مجمر لهيب طلعته؟
      صَهْ؛ و لا تَنْبِس عن المدرسة و معبد الدراويش شيئاً، فقد دار هوي الحانة برأس «حافظ» من جديد».

الروح المجرّد - في ذكرى الموحد العظيم والعارف الكبير الحاج السيد هاشم الموسوي الحداد آفاض الله علينا من بركات تربته

683
  • ابْنِ جَعْفَرٍ وَ عَلِيّ بْنِ موسَى وَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيّ وَ عَلِيّ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ الحَسَنِ بْنِ عَلِيّ وَ الخَلَفِ القَائِمِ المَهْدِيّ عَجَّلَ اللهُ تعالى فَرَجَهُ وَ سَهَّلَ مَنْهَجَهُ وَ جَعَلَنَا مِنْ شِيعَتِهِ وَ تَابِعِيهِ وَ نَاصِرِيهِ وَ الذَّابِّينَ عَنْهُ وَ المُحَامِينَ لِدَوْلَتِهِ وَ شَوْكَتِهِ.

  • اللهُمَّ الْعَنْ أعْدَاءَ هُمْ وَ مُخَالِفِيِهمْ وَ مُعَانِدِيِهِمْ وَ غَاصِبِي حُقُوقِهِمْ وَ مُنْكِرِي فَضَائِلِهِمْ وَ مَنَاقِبِهِمْ إلى يَوْمِ الدِّينِ.

  • اللهُمَّ أعْلِ دَرَجَةَ اسْتَاذِنَا وَ وَلِيِّنَا وَ مُرَبِّينَا وَ الهَادِي إلى الحَقِّ صِرَاطَنَا: المَرْحُومِ المَبْرُورِ الحَاجِّ السَّيِّدِ هَاشِمِ الحَدَّادِ، وَ اجْعَلْنَا مِنْ سَالِكِي سَبِيلِهِ وَ الثَّابِتِينَ على مَنْهَجِهِ في صِرَاطِكَ المُسْتَقِيم، وَ اجْعَلْنَا مِنَ المُوَفَّقِينَ لأدَاءِ شُكْرِهِ وَ مِنَ المُؤَدِّينَ لِحُقُوقِهِ، وَ احْشُرْهُ في زُمْرَةِ مُحَمَّدٍ وَ عِتْرَتِهِ الأطْيَبِينَ الأكْرَمِينَ. اللهُمَّ اجْعَلْهُ عِنْدَكَ في أعْلَى عِلِّيِّينَ، وَ اخْلُفْ على عَقِبِهِ في الغَابِرِينَ، وَ ارْحَمْنَا بِرَحْمَتِكَ يَا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

  • انتهت بحمد الله و منّه هذه الرسالة المسمّاة بـ «الروح المجرّد» في ترجمة أحوال و حياة المرحوم، استاذ العرفان و مربّي الأخلاق و السلوك لجمع كثير من الوالهين المتحمّسين بلا بضاعة في طريق الحقّ و السبيل إلى الله تعالى، ضُحى (قبل الظهر بساعتين) اليوم الخامس عشر من شهر شوّال المكرّم لسنة ألف و أربعمائة و اثني عشر هجريّة قمريّة في مكتبة الحقير في مدينة المشهد الرضويّ المقدّس على ثاويه و شاهده أفضل السلام و الإكرام.

  • وَ أنَا العَبْدُ الحَقِيرُ الفَقِيرُ المِسْكِينُ المُسْتَكِينُ‌

  • المُسَمَّى بالسَّيِّدِ مُحَمَّد الحُسَيْن الحُسَيْنِيّ الطِّهْرَانِيُ‌

  • غَفَرَ اللهُ لَهُ وَ لِوَالِدَيْه‌