3

محوريّة الحقّ والتوحيد أساس العلاقات

لماذا قُتل العرفاء؟

26
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1420

التاريخ 1420/09/13

جلسات المجموعة(6 جلسة)

التوضيح

على أيّ أساس يجب أن نبني علاقاتنا مع الآخرين؟ ما هو الميزان الذي لا يتغيّر في الصداقة والعداوة، وفي الإقبال والإدبار؟ ولماذا حارب بعض الفقهاء العرفاءَ وكفّروهم؟ تغوص هذه المحاضرة من سلسلة شرح دعاء أبي حمزة الثماليّ، التي ألقاها آية الله السيّد محمّد محسن الطهراني، في عمق هذه الأسئلة، مبيّنة أنّ التوحيد هو المحور الوحيد الثابت الذي يجب أن تدور حوله كلّ مواقف الإنسان وعلاقاته، مستعرضة قصصًا تاريخيّة تكشف خطورة الانحراف عن هذا المبدأ.

/۱۳
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

محوريّة الحقّ والتوحيد أساس العلاقات - لماذا قُتل العرفاء؟

1
  •  

  • هوالعلیم

  •  

  • محوريّة الحقّ والتوحيد أساس العلاقات 

  • لماذا قُتل العرفاء؟ 

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢۰ هـ - الجلسة الثالثة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

محوريّة الحقّ والتوحيد أساس العلاقات - لماذا قُتل العرفاء؟

2
  •  

  • ‌ 

  • أعوذُ بِاللهِ مِن الشّیطانِ الرّجیم

  • بِسمِ اللهِ الرّحمٰنِ الرّحیم

  • و صلّى اللهُ علَی سیّدنا و نبیّنا محمّدٍ

  • و علَی آلهِ الطّاهرینَ

  • و اللّعنةُ علَی أعدائِهم أجمَعینَ إلَی یَومِ الدّینِ

  • ‌‌ 

  •  

  • «وَ الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَدْعُوهُ فَيُجِيبُنِي وَ إِنْ كُنْتُ بَطِيئاً حِينَ يَدْعُونِي، وَ الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَسْأَلُهُ فَيُعْطِينِي وَ إِنْ كُنْتُ بَخِيلًا حِينَ يَسْتَقْرِضُنِي»

  • الحمد مختصٌّ بالله الذي كلّما أدعوه، يستجيب لي وإن كنتُ أُقصّر وأتكاسل عندما يدعوني هو! والحمد مختصٌّ بربٍّ كلّما أسأله، يعطيني وإن كنتُ بخيلًا عندما يطلب منّي شيئًا!

  • دوام الارتباط بالله 

  • تقدّم في المجلس السابق أنّ أحد الجوانب التي تبدو في هذه الفقرة هي مسألة دوام الحضور ودوام تعلّق الإنسان وارتباطه بالله، وأنّ مسألة دوام التعلّق والارتباط هذه لا وجود لها مع غير الله. فالعلاقات الدنيويّة القائمة على معايير وملاكات الأهواء والآراء في هذه الدنيا الدنيئة، تكون موجودة في بعض الأوقات ومنتفيّة في أوقات أخرى؛ لأنّها مقطعيّة ولا دوام لها. فالعلاقات القائمة على الروابط والمعاملات المادّيّة والنفع الشخصيّ، توجد يومًا وتنتفي في يوم آخر. والعلاقات القائمة على الروابط الداخليّة والمودّة الأسريّة، توجد يومًا وتنتفي في يوم آخر.

  • يومًا يكونون متآلفين وحميمين لأنّ مصالحهم تقتضي أن يكونوا كذلك، وعندما تتحقّق تلك المصالح ولا يرون ضرورةً في استمرار ذلك التعلّق، حينها تنقطع تلك العلائق وتُفسخ. طالما هم بحاجةٍ إلى الإنسان، يدورون حوله، ويُظهرون له المحبّة والتفاني، ويقولون: فديتك بروحي، أضحّي بنفسي من أجلك! من أنت! يا لك من جواد! ويا لك من سخيّ! ويا لك من كريم! ويا لك من محبّ! ويا لكَ من صاحب مروءة! ويا لك من شهم! لكن عندما تتحقّق المصالح ويبلغون مرادهم، ويتعارض الارتباط بالإنسان مع مصالح أخرى لهم، يتخلّون عنه ببساطة وكأنّها شربة ماء!

  • حسنًا، هذا لم يتغيّر ولم يختلف! هو نفس الذي كان، ويمتلك الخصائص نفسها، بل ربّما أُضيف إلى خصائصه وأصبح أفضل، فلماذا يتخلّون عنه؟ لأنّ مصالحهم لم تعد تقتضي ذلك، وقد بلغوا مرادهم.

  • التمسّك بالمبدأ: صفة رجال الله في كلّ حال

  • رجل الله هو الذي لا يفقد تلك المحوريّة والمبدأ في أيّ حال من الأحوال؛ لا فقط عندما تقتضي مصالحه ذلك. لا ينبغي له أن يتجاوز المبدأ في أيّ وقت! في وقت اليسر والعسر، في وقت الحاجة والفقر، في وقت الثروة والغنى، في وقت الصداقة وغير الصداقة، في أيّ حال، لا ينبغي لذلك المعيار أن يزول. لا ينبغي للشعارات والإشاعات أن تحكم الإنسان وتغلبه، ولا ينبغي للإنسان أن يتجاوز مسار الحقّ والعدالة وممشاهما.

محوريّة الحقّ والتوحيد أساس العلاقات - لماذا قُتل العرفاء؟

3
  • قصص من تاريخ التقليد الأعمى والتكفير

  • كان المرحوم السيّد محمّد مهدي بحر العلوم رجلًا عظيمًا جدًّا ومن علماء الطراز الأوّل، بل يمكننا القول إنّه كان عالِم زمانه الوحيد والفريد، وكان علمه علمًا عنايئيًّا، أي إنّ هذه العلوم قد أُفيضت عليه بعناية ولطف من الإمام الحجّة عليه السلام. وكان الميرزا القمّيّ يأتي ويمسح غبار نعل السيّد بحر العلوم بطرف عمامته وينظّفه.

  • كان السيّد بحر العلوم في النجف، وقد جاء أحد الأولياء ـ واسمه نور علي شاه واسمه مذكور في كتب التراجم، وهو تلميذ الشيخ محمد رضا الدكني ومعصوم علي شاه ـ إلى كربلاء، وهناك جذب إليه أفرادًا. فرأى العلماء أنّه يقول أمورًا ويتحدّث بأحاديث ويجذب الناس إليه، وأنّ سوق أجهزتهم ودكاكينهم قد كسدت، وأنّهم إن تباطأوا قليلًا فسيخسرون المعركة! وخلاصة القول، كان لا بدّ من فعل شيء لإزالة هذا المانع من الطريق!

  • قال المرحوم العلامة الطباطبائيّ يومًا للمرحوم الوالد: هذه الحضارة الغربيّة، رغم ما حملته لنا من مفاسد في مسائل الحياة والأسرة وأمثال ذلك، كالتفلّت والفساد الأخلاقي والخروج والتعدّي على الحقوق، إلّا أنّ فيها نقطة مفيدة، وهي أنّها أزالت ذلك التعلّق الوثيق وتلك المتابعة والطاعة العمياء والمتحجّرة والتعبّديّة من الناس تجاه رجال الدين. في السابق، كان الناس يستمعون لكلّ ما يقوله رجال الدين، ولم يكونوا يفكّرون أصلًا هل ما يقوله رجل الدين صحيح أم خطأ؟ كان كلّ إنسان إذا أحبّ أحدًا أصغى إلى كلامه.

  • انحرافات الثورة الدستوريّة والتقليد الأعمى

  • في خضمّ الثورة الدستوريّة (المشروطة)، انقسم رجال الدين إلى فئتين: فئة مؤيّدة للدستور؛ وفئة مؤيّدة للملكيّة! على رأس المؤيّدين للدستور كان الآخوند (صاحب الكفاية)، والملا صالح المازندراني، والحاج ميرزا حسين الخليلي، والمرحوم النائيني، والشيخ فضل الله النوري. بالطبع، الشيخ فضل الله النوري كان في البداية مع المؤيّدين للدستور، ولكنّه لاحقًا عارضهم أيضًا، لكنّه لم يكن من ضمن المؤيّدين للملكيّة. في مقابل هؤلاء، كان هناك أفراد مثل السيد محمد كاظم اليزدي والمرحوم الاسترآبادي يتّبعون المؤيّدين للملكيّة. وفي طهران أيضًا، كان السيد عبد الله البهبهاني والسيّد محمّد الطباطبائيّ من المؤيّدين للحركة الدستوريّة.

محوريّة الحقّ والتوحيد أساس العلاقات - لماذا قُتل العرفاء؟

4
  • بطبيعة الحال، مال الناس كلٌّ إلى طرف، فريقٌ إلى هذا الجانب وفريقٌ إلى ذاك! وتاريخ الثورة الدستوريّة تاريخٌ أسود. والناس أيضًا، تبعًا لمرجعهم ورجل الدين الذي يتّبعونه، هاجموا بعضهم بعضًا وأشعلوا حربًا وقتالاً. قيل للمرحوم السيد مرتضى الكشميري: سيّدنا، أنت في أيّ طرف؟ فقال: فئةٌ قد انقضّت على بعضها البعض كالكلاب والذئاب، وأشعلوا القتال بين الناس أيضًا! الله أعلم ما هي القضايا التي كانت تدور هنا!

  • على أيّ حال، تاريخ الثورة الدستوريّة تاريخٌ أسود جدًّا! حينها، بعد فترة، أدركوا أيّ خدعة وقعوا فيها بسبب هذه المتابعة الخالية من التأمّل والتفكير والدقّة! وعندما قامت هذه المسرحيّة والقضايا، جاء فريقٌ آخر وأخذ هذه السفرة لأنفسهم وباسمهم، وقضوا على الجميع۱

  • على أيّ حال، كان العلامة الطباطبائي يقول إنّ هذه الثقافة والحضارة الغربيّة جاءت وأزالت تلك الطاعة العمياء والتعبّدية من الناس، بحيث أنّه على الرغم من أنّ فلانًا مجتهدٌ وصاحب رسالة، إلّا أنّه يخطئ أيضًا! لا أحد مجبرٌ على قبول كلّ ما يقوله. يجب على الإنسان أن يُبدي رأيه في مسائله في الحدود التي يترك له فيها العقل والتجارب القطعيّة مجالًا للبحث والتأمّل.

  • قتل العرفاء بتهمة وحدة الوجود

  • من هذه الأمور أنّه في السابق، كلّ من كان درويشًا، كانوا يُفتون بقتله! أي بمجرّد أن يُطيل شعره حتّى كتفيه ويحمل تبرزينًا على كتفه، ويقول «هو هو»، ويدور ويقول «يا علي»، وبمجرّد ألّا يفهموا كلامه ولا يصلوا إلى مراده ومغزى كلامه، كانوا يُفتون بقتله فورًا!

  • يا جناب السيد محمّد علي البهبهاني ابن الوحيد البهبهاني، ما هو ذنب معصوم علي شاه حتّى أفتيتم بقتله؟! لقد قتل هذا الشخص ثلاثةً منهم في كرمانشاه: أحدهم معصوم علي شاه؛ والآخر بُدَلا؛ والثالث السيد محمد رضا الدكني! قتل هذا الشخص أولاً معصوم علي شاه والسيد محمد رضا الدكني. عندما حان دور بُدَلا، قال له بُدَلا: «إن قتلتني، فستنزل تحت التراب قبلي!». 

  • فقال محمد علي البهبهاني: أساتذةٌ أعلى منك شأنًا لم يدّعوا مثل هذا الادّعاء. 

  • فقال بُدَلا: أساتذتي كانوا كاملين، الموت والحياة بالنسبة لهم سيّان، لكنّني لستُ كاملاً وأريد أن أبقى في هذه الدنيا لأتمكّن من بلوغ المطلوب فيها قدر الإمكان؛ لذلك فإنّ تنهّداتي ودعائي عليك ستصيبك! 

    1. راجع: رساله اجتهاد و تقلید، ص ٣٥٩.

محوريّة الحقّ والتوحيد أساس العلاقات - لماذا قُتل العرفاء؟

5
  • فلم يستمع لقوله وأمر بقتله. فأعدموه وقتلوه. وفي صباح اليوم نفسه الذي كانت جثّته ملقاة على الأرض، كان محمد علي البهبهاني يمرّ من تحت رواق، فسقط سقف الرواق على رأسه ومات في الحال! كان أهل مدينة كرمانشاه يقولون:

  • رفت ز دار فنا حجةالإسلام ما***برس به فریاد ما مهدی صاحب زمان! 
  • والمعنى: 

  • رَحَلَ عَنْ دَارِ الْفَنَاءِ حُجَّةُ إِسْلَامِنَا *** أَغِثْ يَا صَاحِبَ الزَّمَانِ صَرْخَتَنَا!

  • أغثهم! لقد مات عالمهم! عندما كان الناس يذهبون لتشييعه، قال أحدهم: أرأيتم أنّه قال: هذا سيُدفن قبلي!

  • كان قتل الأولياء والكبار مثل شربة ماء! لم يقل أحدٌ: يا جناب السيّد، يا جناب الشيخ، يا جناب حجّة الإسلام، بأيّ دليل تقتل هذا الرجل؟! هل لأنّه يقول بوحدة الوجود؟! حسنًا، أنا أيضًا أقول بوحدة الوجود! ولتعلموا هذا: أنّكم ترون الآن أنّ تلك المسائل لم تعد موجودة، فذلك لأنّ السلطة ليست بأيديهم، وإلّا لكان الأمر الآن هكذا أيضًا! فمن يُفتي بأنّ القائل بوحدة الوجود نجس، لو وصلت السلطة إلى يده لأعدم القائلين بوحدة الوجود! ومن يكتب في رسالته أنّ القائل بوحدة الوجود نجس، لو وصلت السلطة إلى يده لأعدمه! الحمد للّه أنّ السلطة لم تصل إلى أيديهم، وإلّا لكنّا جميعًا الآن من المعدومين! هل تظنّون أنّ هذه النفس تترك الأمور هكذا؟! والحال نفسه في غير هذا الموضوع أيضًا. فإذا رأيتم في مكانٍ ما أنّ الأحوال هادئة، فاعلموا أنّ السلطة غير موجودة والخوف موجود، وإلاّ فالمسألة لا تختلف أبدًا! وبتوجيهٍ شرعيٍّ واحد، وصغرى وكبرى۱، وقضيّتين، تنتهي المسألة. فكان المرحوم العلامة الطباطبائيّ يقول: «لو قالوا عنّا يهود لكان أفضل من أن يقولوا: هم قائلون بوحدة الوجود!». أي لو قالوا إنّنا يهود، لكان تعاملهم معنا أسهل وأيسر من أن يقولوا قائلون بوحدة الوجود!

  • منهج العرفان: رؤية الحقّ في كلّ شخص وموقف

  • على الإنسان دائمًا وفي كلّ مكان وفي كلّ حال، أن يحافظ على معياره ومبدئه الأساسيّ؛ سواء في حال المودّة والصداقة أو في حال ذهاب المودّة والصداقة! لا يوجد أيّ ضمان بأنّ الذي هو حميمٌ مع الإنسان سيبقى حميمًا كذلك حتّى وفاته. هناك عللٌ وعوامل عديدة تجعل هذه المودّة تزيد تارة وتنقص أخرى. ولكن ما هو لازمٌ للإنسان في هذا المدّ والجزر، وفي هذا الصعود والهبوط، وفي هذه التغيّرات والتحوّلات، هو ألاّ يتخلّى عن معاييره ومبادئه؛ فإذا رأى حقًّا، فليقل: هذا حقّ، وإن لم يره، فليقل: هذا باطل! وليس صحيحًا أنّه عندما تكون هناك علاقة حميمة مع أحدهم يقول: إنّ كلّ ما يراه منه هو حقّ، وعندما لا يكون تكون العلاقة حميمة يقول: إنّ كل ما يراه منه ليس بحقّ!

    1. إشارة إلى الاستدلال المنطقي المؤلّف من قضيّة صغرى وقضيّة كبرى ونتيجة. وأنّ أمر الفقه إذا صار مجرّد تطبيق قواعد جافّة بلا روح سينتهي إلى مثل هذه النتائج. (م)

محوريّة الحقّ والتوحيد أساس العلاقات - لماذا قُتل العرفاء؟

6
  • إنّ منهج السلوك والعرفان دائمًا هو رؤية الحقّ ومشاهدته. على الإنسان أن يقول: هذا الأمر منه صحيح وهذا الأمر منه خطأ! لقد قال هذا الأمر هنا بشكل صحيح، وهناك بشكل باطل! هذا الأمر كان هنا على هذا النحو، وهناك على ذاك النحو! في كلّ حال، على الإنسان أن يقول الحقّ!

  • يُقدّر الله للإنسان امتحاناتٍ فيما يتعلّق بالمسائل الداخليّة والصداقة والشراكة والعلاقة مع الناس؛ حتّى هنا أيضًا يُقدّرها! كان المرحوم العلامة يقول: يظنّون أنّ الامتحانات التي تحدث لها حسابٌ وكتاب ووضعٌ خاصّ! كلّا، في كلّ دقيقة وساعة هناك امتحانٌ للسالك! في كلّ ساعة امتحان؛ هذه الساعة امتحان، وتلك الساعة امتحان آخر! خرجتَ من هذا الامتحان، يبدأ الامتحان التالي... وهكذا. بالنسبة للسالك، كلّ الخواطر وكلّ التصوّرات وكلّ ذهاب وإياب هو امتحان، ويجب على الإنسان أن يكون حذرًا في كلّ هذه الأمور! لا ينبغي أن يتجاوز الحدّ، وإلّا فإنّ هذه العلاقات توجد تارة وتنتفي تارة أخرى. أكثر الناس حميميّة يديرون ظهورهم للإنسان! الدنيا تُقبل على الإنسان يومًا وتُدبر عنه يومًا آخر.

  • قصص من إقبال الناس وإدبارهم: كيف نتعامل مع التقلّبات؟

  • كان المرحوم الوالد يقول: كان والدي۱ في حياته في مسجد لاله زار ذا شأنٍ كبير، وكانت له مجالس وجلسات. وعندما كان يعود من مكّة، كانت الناس تأتي وتذهب للوليمة لثلاثة أيّام من هنا وهناك، ومن أيّ حيٍّ إلى أيّ حيّ. وبما أنّه كان كثير العيال، كان يمتلك عدّة بيوت.٢ أُصيب بمرض في القلب، وقال الأطباء إنّه يجب أن يكون في مكانٍ جيّد الهواء. وكان يمتلك عقارات في نواحي "دركه" و"إوين"، فذهب إلى هناك في فصل الصيف٣. في هذه الأشهر الأربعة التي قضاها في إوين، لم يذهب أحدٌ لزيارته! حتّى شخصٌ واحد من علماء طهران هؤلاء لم يذهب! انتهى كلّ ذلك الصيت والجاه، وهؤلاء الناس أنفسهم تركوه حتّى توفّي.٤

  • عندما توفّي، كان تشييع جنازته في طهران منقطع النظير! حُملت الجنازة من شارع شاه آباد زقاق حمام وزير إلى مسجد لاله زار، ومن هناك إلى مسجد الشاه في ناصر خسرو، وهو الآن مسجد الإمام، شُيّعت على الأيدي. ومن هناك، نُقل بالسيّارة إلى قم، وصلّى عليه الحاج الشيخ عبد الكريم، ثمّ دُفن في مكانه الحاليّ، أمام قبر المرحوم العلامة الطباطبائي.

    1. المرحوم جَدُّنا، آية الله السيد محمّد صادق، الذي كان يُعرف بـ (اللاله زاري). كما كان يُطلق عليه أيضاً (السيد محمد صادق العربي)؛ نظراً لمجيئه مع والده من سامراء إلى إيران.
    2. كان المعلّم أبو القاسم المعمار ـ الذي كان يتولّى الأمور بنفسه، وكان رجلاً شجاعاً وكريماً ومن أهل الشهامة والمروءة رحمه الله ـ يقول لي: حينما كان جَدُّك يعود من مكة، كان يناديني ويقول: «يا معلّم أبو القاسم، لا تَبخل بالرُّزِّ والسَّمن!
    3. بما أنَّ أصلَنَا من منطقة (دَرَكِه)؛ أي إنَّ أجدادَنا كانوا يسكنون في منطقتي (إيفين) و(دَرَكِه)، حيث كان مَصِيفُهم هناك، بينما كانوا ينتقلون إلى شارع (بهارستان) في الشتاء. ويصلُ نَسَبُنا في الجَدِّ التاسع إلى سليل الأئمّة السيد محمّد ولي المدفون في (دَرَكِه)، وله هناك حُجرةٌ يَقصدُها الناسُ للزيارة.
    4. حينَ وفاتِه، كان المرحوم الوالد قد سافرَ إلى العِراق ليَستأجرَ داراً في النَّجف، ثم يَعود ليتزوَّجَ بوالدَتِنا ويَصحبَ عيالهُ إلى العِراق للتحصيلِ هناك؛ فقد كان قد عَقدَ قرانَهُ عليها لكنَّه لم يكن قد تزوّج بعد. وبينما كان في العِراق، جاءَهُ الخبرُ بأنَّ والدهُ قد تُوفيَ في طِهران! فعادَ إلى إيران، وبسَببِ مَسائلَ ومُشكلاتٍ عَجيبة، تأخَّرَ سفرُهُ إلى العِراق سَنةً كاملة.

محوريّة الحقّ والتوحيد أساس العلاقات - لماذا قُتل العرفاء؟

7
  • الناس هكذا! والدنا رأى هذه الأمور، رأى هذا الوضع، رأى تلك المسائل، وكان يبحث عن خلاصه ونجاته ونجاحه. هذه الأمور جيّدة لنا نحن أهل العلم، لنعلم ما هو وضع هؤلاء الناس والعوامّ ومكانتهم وموقعهم! فهذه أشياء رأيتموها أنتم أيضًا وجرّبتموها. ألم يكن من بين هؤلاء أنفسهم أفرادٌ وضعوا الإنسان في غير موقعه الصحيح والمناسب، واستخدموا تعابير لم يكن الإنسان نفسه راضيًا عنها، ولكنّهم أنفسهم عادوا بعد ذلك وتصرّفوا بشكلٍ ونهجٍ آخر؟! رأيتم بأنفسكم في هذه السنة أو السنتين الأخيرتين، وهذه المسألة كانت على مرأى ومسمع منّا.

  • هنا يقول الإمام السجّاد عليه السلام: افتح أذنك واستمع! أقول لك هذا الكلام: اتبع من «أَدْعُوهُ فَيُجِيبُنِي»؛ أي كلّما أردته كان موجودًا وحاضرًا.

  • لم تكونوا موجودين ولم تكونوا على علم، أنا أعلم كيف كان تلاميذ المرحوم الأنصاريّ يتهافتون على والدنا! كانوا يقولون: في كلّ مجلس يجب أن يكون السيّد محمّد حسين، وإن لم يكن موجودًا فلا يمكن، نذهب إلى هنا يجب أن يكون السيّد محمّد حسين، نذهب إلى هناك يجب أن يكون السيّد محمّد حسين! وبالطبع، لم تكن شخصيّته شخصيّة يمكن لأحد أن ينكرها، لم يكن هناك مثله، وعندما كان يقول أمرًا، كان يعني أنّ الأمر قد حُسم. وعلى الرغم من وجود الكثير من أهل العلم بين تلاميذ الشيخ الأنصاري، إلّا أنّ موقعيّة ووضع والدنا كانا مختلفين عن البقيّة. كانت حرارة مجالسهم بالمرحوم العلامة، وكان اتّكالهم على المرحوم الوالد العلامة. عندما كان المرحوم العلامة يأتي، كانوا يفرحون، يتحدّثون، يضحكون، يقولون الشعر ويقرؤونه؛ كانت هذه الأمور كثيرة جدًا، وهذه أشياء رأيناها بأعيننا. كانوا يقولون: كلّ ما يقوله السيد محمد حسين صحيح! في خلافاتهم ونزاعاتهم كانوا يقولون: لنذهب إلى السيّد محمّد حسين، وكلّ ما يقوله ينتهي به الأمر! ولكن عندما جاء امتحان السيد الحدّاد، تركوه جميعًا وذهبوا! لم يبقَ إلّا بضعة أفراد، وبعضهم كان في شكٍّ في البداية ثمّ أصبحوا راسخين.

  • لماذا كان الأمر كذلك؟ لأنّ السيّد محمّد حسين كان يقول: الحقّ هو هذا، ودليله هو هذا لا أن يقول فقط: الحقّ هو هذا، وسترى لاحقًا!، لا، فهذا كلامٌ فارغ! إذا قال أحدهم: الحقّ هو هذا وسترى لاحقًا، فاعلم أنّه مشكوكٌ فيه من البداية! يجب أن يقول: الحقّ هو هذا ودليله هو هذا. لكنّهم كانوا يرون أنّهم لا يستطيعون أن يكيّفوا أنفسهم مع الحقّ ويطبّقوه.

محوريّة الحقّ والتوحيد أساس العلاقات - لماذا قُتل العرفاء؟

8
  • طريق الحقّ محفوف بالأوامر والنواهي

  • عندما يكون الشيء حقًا، فإنّه يتبعه أمرٌ ونهي! يقول: افعل هذا، ولا تفعل ذاك! فهل الحقّ دائمًا مصحوبٌ بالضحك؟! لا، ليس الأمر أن نكون سعداء دائمًا! أحيانًا يقول: لا ينبغي أن تفعل هذا! لكنّ الطرف الآخر يقول: افعل ما يحلو لك! تاجر مع الناس كيفما تشاء! غشّ في المعاملة كيفما تشاء! تحدّث كيفما تشاء! تعامل مع الناس كيفما تشاء! لم تصلِّ صلاة الليل، لا بأس! لم تقرأ الذكر، لا بأس! ليكن ما كان! فقط تعال واجلس واقرأ غزلاً من حافظ وبضع فقرات من دعاء الجوشن وزيارةً وتوسّلاً وانتهى الأمر! فهذا لا يُعدّ عملاً!

  • السيد الحدّاد لتارك رعاية زوجته: الحسين لا يقبل زيارتك 

  • ذات يوم، جاء جماعة من طهران إلى كربلاء وذهبوا إلى منزل سيّد من الهند، وكانت لديهم مجالس حارّة ومفصّلة جدًّا. جاؤوا إلينا وقالوا: تعالوا أنتم أيضًا، فذهبنا نحن أيضًا إلى ذلك المجلس. وفجأة، التفت السيد الحدّاد رضوان الله عليه إلى أحد الأفراد في ذلك المجلس وقال: لماذا أتيت إلى كربلاء؟! الآن أهل بيتك في قلقٍ لغيابك، وهي على وشك الولادة، وهذا الغياب والفراق يثقل عليها! الإمام الحسين عليه السلام لا يقبل زيارتك هذه!

  • فالسيد الحدّاد رضوان الله عليه وليّ من أولياء الله، ومطّلعٌ على الأمور، والآن قد أخبر بالغيب، لأنّ أحدًا لم يخبره بهذا الأمر! ذلك السيّد الذي كان الناس في منزله، عندما رأى أنّ مريده على وشك أن يضيع منه، التفت إلى السيد الحدّاد وقال: لماذا تتدخّل في شؤونه؟! هذا الكلام الذي تقوله غير صحيح، وهي راضيةٌ تمامًا، فلا تتدخّل! 

  • فقال المرحوم السيد الحدّاد: لقد قلت كلمتي، فمن أراد أن يقبل فليقبل، ومن لم يرد فشأنه! في أمان الله. ونهض وخرج من المجلس. فمن يتبع السيد الحدّاد، سيلحقه أمرٌ ونهي. أمّا هناك، فالأمر ليس كذلك، بل هناك فقط صحون الأرزّ والحلوى، وليكن ما كان! هناك يقولون فقط: تعال واجلس واستأنس في المجلس، لا شأن لك بزوجتك ولا بأولادك، لا شأن لك بالمسائل الأخلاقيّة ولا بالمسائل التربويّة! حينها، فجأة، تجد نفسك قد انتهيت إلى مكان آخر!

محوريّة الحقّ والتوحيد أساس العلاقات - لماذا قُتل العرفاء؟

9
  • هل نأتي فقط، ونجلس، ونتحدّث، ونضحك، ولا يكون هناك أيّ نوعٍ من التربية، ولا أيّ نوعٍ من المراقبة، ولا أيّ نوعٍ من السيطرة؟! حسنًا، لزوجة الإنسان وأولاده حقٌّ أيضًا، وهم أيضًا يجب أن يكونوا تحت نظام وحساب وكتاب. فهذه واحدة من الحالات. يقولون: سيّدنا، نريد أن نسافر، فلا ينبغي أن تتدخّل في شؤوننا! لكنّ من يسير في طريق حقّ، يجب أن يطبّق كلّ أعماله على الحقّ؛ حينها يكون هناك أمرٌ ونهي! يقولون: يجب أن تفعل هذا ولا تفعل ذاك! ولكن هنا، نرى أنّ الإنسان لا يستطيع أن يخضع للحقّ ويريد أن يكون مرتاحًا، يريد أن يهرب، والسلوك لا ينسجم مع الراحة! في السلوك، لا يمكن للإنسان أن يهرب من عبء المسؤوليّة؛ لذلك، ترك الجميع المرحوم العلاّمة.

  • كانوا يريدون أستاذًا لا يأمرهم ولا ينهاهم، ولا يقول لهم «أنت»! لا يقول لهم: «فوق عينك حاجب!» كانوا يريدون فقط المجيء والجلوس والحديث وتناول عشاء أو غداء ثمّ الذهاب. أنا الذي أروي هذه الأحداث، كنتُ شاهدًا عليها كلّها.

  • ـ أين الجلسة الليلة؟

  • ـ في منزل فلان!

  • ـ إذن لنذهب!

  • ـ وأين المجلس غدًا ليلاً؟

  • ـ في منزل السيّد فلان!

  • ـ إذن لنذهب!

  • في أيّ ساعة كانوا يعودون إلى المنزل؟ الساعة الواحدة بعد منتصف الليل! ماذا كانوا يفعلون هناك؟ يتحدّثون ويضحكون، ولكي لا يكون المجلس فارغًا، يقرؤون غزلًا من ديوان حافظ.

  • ولكن في مجالس السيد الحدّاد، هناك خبزٌ وفجل! فهل تأتون إليها أيضًا؟! على حدّ قول المرحوم الوالد الذي كان يقول: كنّا نأكل هذا الخبز والخضار فنجد أنّه لا فائدة منه، فنذهب إلى المنزل ونأكل حساء اللحم ونقول: لا يمكن الصيام بالخبز والخضار والخبز والفجل! في مجالس السيد الحدّاد، هناك ماءٌ للشرب وشاي. وعندما لم يكن لديه مال، كان يستدين من أجل هؤلاء. كانوا يأتون إلى منزل السيد الحدّاد ولا يغادرون، ثمّ يريدون أرزًّا أيضًا! وكان هو يذهب ويستدين. حينها، كان هؤلاء أنفسهم يقولون: لقد أظهر كرامة ويُخرج المال من تحت الفراش! وهم لا يعلمون أنّ هذا المسكين قد ذهب ورهن إبريق الوضوء!

محوريّة الحقّ والتوحيد أساس العلاقات - لماذا قُتل العرفاء؟

10
  • كان المرحوم العلامة يرى هذه الأمور ويعلم بأيّ مشقّة وضيق يقوم بهذه الأعمال من أجل الأفراد القادمين من إيران. حسنًا، المرحوم العلامة لا يستطيع أن يقول هذه الأمور. هو يقول: أساس صداقتنا قائمٌ على السلوك؛ لستَ أختي ولا أخي! عندما يُفترض ألّا ترافقنا في السلوك الذي يشكّل أصل ومحوريّة حركتنا وارتباطنا، فعلى أيّ أساسٍ تكون صداقتنا معك؟! نعم، نكتفي بالسلام عليكم. لذلك، كان هؤلاء يأتون إلى منزله حتّى آخر عمر المرحوم العلامة، وكان هو يسلّم عليهم ويقدّم لهم الشاي... إلخ. وأحيانًا كان هو يذهب إلى منازلهم، ولم يكن الأمر أنّه تركهم؛ ولكن لم تعد تلك العُلقة وذلك الارتباط موجودين. وتلك مسألة أخرى!

  • الغاية النهائيّة: تأسيس كلّ العلاقات على محور التوحيد

  • إذن، على الإنسان الذكيّ في جميع الأحوال، أن يفكّر في نفسه. تقول الآية القرآنيّة: ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾۱ أي فكّروا في أنفسكم أولًا! ابحثوا عمّا له ثبات واستقرار في عالَم الوجود. في عالَم الوجود، الثبات يختصّ فقط بذات الله الأقدس، وإلّا حتّى النبيّ يذهب يومًا ما. يقول أمير المؤمنين عليه السلام: أصعب أيّام حياتي وأشدّها، يوم وفاة رسول الله٢ ؛ والثاني، يوم فقدتُ فاطمة٣! فهذا رسول الله أيضًا يذهب في النهاية ويبقى عليٌّ وحيدًا، لكنّ الله لا يذهب؛ الله موجود! رسول الله يُدفن تحت التراب ويُهال عليه التراب ويتساوى مع الأرض! بالطبع، حقيقته باقية، وفقط جسده يُدفن تحت التراب؛ أمّا الله فليس له جسد، وهو دائمًا موجود! ورسول الله نفسه يقول: اتبعوه هو؛ لا يقول: اتبعوني «أنا»! ولكن من باب أنّنا جهلة، والجاهل يحتاج إلى دليل، يحتاج إلى سراج، يحتاج إلى نور، ورسول الله هو النور، فيجب أن نتّبعه؛ وتلك مسألة أخرى. لكنّه يقول: اتّبعني لتصل إليه هو؛ لا يقول: لتصل إليّ أنا.

  • هذا المعنى هو معنى الحمد، وهو أن يسعى الإنسان وراء تلك الذات والحقيقة التي هي حقيقةٌ مستمرّة. فإذا استطاع الإنسان أن يمرّن نفسه على هذه المسألة حتّى تستقرّ في نفسه، ويجعل نفسه بحيث لا تتغيّر نفسه كثيرًا مع تحوّلات الأوضاع وتغيّراتها وتبدّلاتها، فقد قطع شوطًا طويلاً من الطريق. ففي النهاية، الأوضاع في مجرى الزمن عرضة للتغيير والتحوّل؛ يومًا يأتي هذا ويذهب ذاك، ويومًا يأتي ذاك ويذهب هذا، ويومًا صعود ويومًا هبوط، ويومًا مرض ويومًا صحّة، ويومًا موت ويومًا حياة وولادة! فإذا استطاع الإنسان أن يركّز هذه الحالة في نفسه ويقرّرها، فقد فعل الكثير!

    1. سورة التحريم الآية ٦
    2. نهج البلاغة، خطبه ٢٣٥: وَمِنْ كَلَامٍ لَهُ عليه السلام قَالَهُ وَهُوَ يَلِي غُسْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَتَجْهِيزَهُ
      «بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدِ انْقَطَعَ بِمَوْتِكَ مَا لَمْ يَنْقَطِعْ بِمَوْتِ غَيْرِكَ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالْإِنْبَاءِ وَأَخْبَارِ السَّمَاءِ خَصَّصْتَ حَتَّى صِرْتَ مُسَلِّياً عَمَّنْ سِوَاكَ وَعَمَّمْتَ حَتَّى صَارَ النَّاسُ فِيكَ سَوَاءً وَلَوْلَا أَنَّكَ أَمَرْتَ بِالصَّبْرِ وَنَهَيْتَ عَنِ الْجَزَعِ لَأَنْفَدْنَا عَلَيْكَ مَاءَ الشُّئُونِ وَلَكَانَ الدَّاءُ مُمَاطِلًا وَالْكَمَدُ مُحَالِفاً وَقَلَّا لَكَ وَلَكِنَّهُ مَا لَا يُمْلَكُ رَدُّهُ وَلَا يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي اذْكُرْنَا عِنْدَ رَبِّكَ وَاجْعَلْنَا مِنْ بَالِكَ».
    3. نهج البلاغة، خطبه ٢۰٢: وَمِنْ كَلَامٍ لَهُ عليه السلام رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَهُ عِنْدَ دَفْنِ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ فَاطِمَةَ عليها السلام كَالْمُنَاجِي بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله عِنْدَ قَبْرِهِ:
      «السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنِّي وَعَنِ ابْنَتِكَ النَّازِلَةِ فِي جِوَارِكَ وَالسَّرِيعَةِ اللَّحَاقِ بِكَ قَلَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنْ صَفِيَّتِكَ صَبْرِي وَرَقَّ عَنْهَا تَجَلُّدِي إِلَّا أَنَّ فِي التَّأَسِّي لِي بِعَظِيمِ فُرْقَتِكَ وَفَادِحِ مُصِيبَتِكَ مَوْضِعَ تَعَزٍّ فَلَقَدْ وَسَّدْتُكَ فِي مَلْحُودَةِ قَبْرِكَ وَفَاضَتْ بَيْنَ نَحْرِي وَصَدْرِي نَفْسُكَ فَ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ فَلَقَدِ اسْتُرْجِعَتِ الْوَدِيعَةُ وَأُخِذَتِ الرَّهِينَةُ أَمَّا حُزْنِي فَسَرْمَدٌ وَأَمَّا لَيْلِي فَمُسَهَّدٌ إِلَى أَنْ يَخْتَارَ اللَّهُ لِي دَارَكَ الَّتِي أَنْتَ بِهَا مُقِيمٌ وَسَتُنَبِّئُكَ ابْنَتُكَ بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ عَلَى هَضْمِهَا فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ وَاسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ هَذَا وَلَمْ يَطُلِ الْعَهْدُ وَلَمْ يَخْلُ مِنْكَ الذِّكْرُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمَا سَلَامَ مُوَدِّعٍ لَا قَالٍ وَلَا سَئِمٍ فَإِنْ أَنْصَرِفْ فَلَا عَنْ مَلَالَةٍ وَإِنْ أُقِمْ فَلَا عَنْ سُوءِ ظَنٍّ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ الصَّابِرِينَ».

محوريّة الحقّ والتوحيد أساس العلاقات - لماذا قُتل العرفاء؟

11
  • لهذا السبب، يجب أن يكون أساس حياة الإنسان وارتباطه وتعلّقه قائمًا على التوحيد.

  • علاقة السالك بالناس قائمة على محور التوحيد والحقّ

  • ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾۱، فإذا بنى الإنسان في هذه الدنيا علاقته مع الناس على أساس التوحيد والعقيدة وعلى أساس الاشتراك في المسير، فإنّ هذا الأمر مفيدٌ له، ولو ليومٍ واحد؛ أي ولو ارتبط بشخصٍ ليومٍ واحد على أساس التوحيد، فإنّ ذلك اليوم مفيدٌ له، حتّى لو حدث تغييرٌ وتحوّلٌ في اليوم التالي! الآن، فإذا كان ذلك الإنسان بالمقابل كذلك، فإنّ العلاقة تدوم؛ أي إذا كانت علاقة الإنسان بآخر قائمة على الاشتراك في المسير، وعلاقة ذلك بالمقابل مع الإنسان قائمة على الاشتراك في المسير، فإنّ هذه المحبّة والأنس تدوم، وإلّا فلا تدوم!

  • في هذه الحالة، لا يكون الإنسان مغبونًا أبدًا؛ أي إذا حدث بعد سنتين أو ثلاث سنوات خلافٌ وتغييرٌ وتحوّلٌ لأيّ سبب من الأسباب وبردت العلاقات، فإنّ الإنسان ليس فقط ليس مغبونًا، بل هو سعيدٌ جدًا لأنّ علاقاته خلال هاتين السنتين أو الثلاث كانت قائمة على أساسٍ صحيح. ولكن إذا كانت العلاقة من البداية قائمة على أساسٍ دنيويّ، فبعد عمرٍ يضرب الإنسان كفًا بكف ويقول: يا ويلاه، انظروا إلينا كم عملنا من أجله وكم بذلنا له؛ لقد ذهب ولم ينظر خلفه حتّى! إذا كانت العلاقة دنيويّة فالأمر هكذا. هو أيضًا يقول: لو أردتَ لم تفعل! كلّ هذه المشاكل في الدنيا وهذه الصراعات سببها العلاقة المادّيّة. 

  • جنگ هفتاد و دو ملت همه را عذر بنه***چون ندیدند حقیقت ره افسانه زدند٢
  • يقول: 

  • اعذُرْ صِرَاعَ الاثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فرقة *** فَإِذْ لَمْ يَرَوْا الْحَقِيقَةَ سَلَكُوا طَرِيقَ الْأُسْطُورَة.

  • عندما لم يصلوا إلى حقيقة التوحيد ولم يجعلوها نصب أعينهم ووجهةً لأعمالهم، وقبلةً وأسوةً لبرامج حياتهم، ووقعوا في مسائل تختلف أنواعها، تكون النتيجة هي ما ترونه! بدلًا من ذلك، ينشغلون بالرئاسات والأخذ والعطاء والصعود والهبوط والمسائل العقائديّة، وتُضمّ إليها مسائل أخرى! كم صحيفة تُوزّع في هذا البلد الآن؟ اشترِ كلّ هذه المجلّات والصحف ليومٍ واحد وضعها في هذه الغرفة، سترى أنّ ارتفاعها يبلغ مترًا! هذا يهاجم ذاك، وذاك يهاجم هذا! يرسلون مراسليهم إلى المصانع وأماكن مختلفة ليجدوا نقاط ضعف الآخرين، ثمّ يقولون للطرف المقابل: إمّا أن تعطينا مالًا أو ننشر نقطة ضعفك في صحيفتنا!

    1. سورة الزخرف الآية ٦۷.
    2. دیوان حافظ، غزل شماره ۱۸٤.

محوريّة الحقّ والتوحيد أساس العلاقات - لماذا قُتل العرفاء؟

12
  • محوريّة علاقات أهل الباطل قائمة على الأوهام والتخيّلات

  • ثمّ يكتبون في أعلى صحيفتهم آية قرآنيّة: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ...﴾۱ المنافقون أيضًا كانوا يقولون: ﴿فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾٢. هم يتمسّكون بالقرآن، ونحن أيضًا نتمسّك به؛ لكن لا يُعلم من منّا يقول الصدق في العالم الآخر! كلّنا مثل بعضنا البعض، فقط الوجوه تختلف. كان المنافقون يتصارعون مع الآخرين على السلطة ويقولون: لنكن نحن ولا تكونوا أنتم، حسنًا، هؤلاء أيضًا كذلك! هذا الذي هو متعطّشٌ الآن لدم الآخر، لماذا؟ لقد أطلقنا عليه اسم منافق وعدوّ الله وعدوّ النبيّ، وهذا صحيح؛ هم منافقون، لا دين لهم، لا إيمان لهم؛ ولكن في نهاية المطاف، إذا نظرنا إلى نهاية القضيّة نرى أنّ كلّ الصراعات هي على السلطة! كلّهم يقولون: لِتَذْهَب أنت وَأَبْقَى أنا!

  • كان المرحوم الوالد رضوان الله عليه يقول: عندما يُرفع الحجاب في العالم الآخر، حينها يُعلم من هو في الأمام ومن هو في الخلف، هنا لا يُعلم! هنا يجلسون في صدر المجلس صفًا وراء صف بعمائم كبيرة ولحى طويلة، ولكن من يعلم ما الذي يدور الآن في ذلك الباطن وفي ذلك السرّ، وما هي المسائل والتصوّرات والتخيّلات التي تحدث وتمرّ؟ هذا يعلمه الله والمتّصلون به. أولئك الذين يعرفون الباطن، هم على علمٍ بحقيقة الباطن. هم فقط المطّلعون!

  • كنتُ يومًا في خدمة المرحوم العلامة رضوان الله عليه وكان المرحوم آية الله المطهّري موجودًا أيضًا. هو بنفسه نقل عن المرحوم آية الله السيد أحمد الخوانساري أنّ المرحوم الشيخ حسن علي النخودكي الأصفهاني كان يقول: أنا أرى بعض أعاظم مراجع النجف على صورة خنزير! فمن يفهم هذه الأمور؟! يأتي بعصاه وعمامته الكبيرة ولحيته الكذا وعشرين من الحواريّين والمرافقين من حوله، فيذهب ويجيء، يُلقي الدرس، يبلّغ علوم الإمام جعفر الصادق عليه السلام! ولكن هناك واحد مثل الشيخ حسن علي النخودكي الأصفهاني يفهم ما الذي يدور في هذا الباطن وما هي أفكاره وما هي روحيّته وما هي الضجّة والحرب والصراع الجاري في هذه النفس! بالطبع، كان الشيخ المطهّري يقول إنّه يعلم من هو ذلك الرجل، ولكن السيّد أحمد الخوانساري لم يخبره باسمه!

    1. سورة الاحزاب الآية ٣٩.
    2. سورة النساء الآية ٩٥.

محوريّة الحقّ والتوحيد أساس العلاقات - لماذا قُتل العرفاء؟

13
  • حسنًا، هكذا هو الأمر! فجأة، يرى الإنسان أنّه يقضي عمرًا يلطم صدره من أجل الإمام الصادق، لكنّ شكله شكل خنزير! إذن، ماذا فعل بك هذا الإمام الصادق؟! ماذا فعلت بك روايات الإمام الصادق هذه؟! أيّ تأثيرٍ أحدثته فيّ علوم الإمام الصادق هذه؟! القضيّة غير واضحة في هذا الجانب، لكنّها واضحة في الجانب الآخر!

  • هنا تقول الآية: ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾ كلّ الأصدقاء يوم القيامة، بعضهم عدوٌّ لبعض، إلّا أولئك الذين كان أساس حركتهم وحياتهم قائمًا على التقوى!

  • إن شاء الله، نأمل أن يجعلنا الله من زمرة أولئك الذين لا يشعرون بالغبن والندم عند الرحيل من هذه الدنيا. هذه مسألة مهمّة! مَنْ تَسَاوَى يَوْمَاهُ فهو مَغْبُونُ۱، أمّا من كان يومه التالي أسوأ من يومه السابق، فذاك أمرٌ آخر!

  • نأمل إن شاء الله، في ظلّ عنايات الأئمّة عليهم السلام، وبتلك النيّات التي دعا بها الإمام السجّاد بهذه الأدعية، أن يغفر الله ذنوبنا ببركة تلك الأنفاس القدسيّة، وأن يتجاوز عن تقصيرنا وتكاسلنا بكرمه وبذله وعناية أوليائه!

  •  

  • اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ

    1. بحار الأنوار، ج ٦۸، ص ۱۷٣.