2

الشريعة السهلة السمحاء

هل المحبّة التي يظهرها لنا الآخرون حقيقيّة؟

19
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1420

التاريخ 1420/09/11

جلسات المجموعة(6 جلسة)

التوضيح

ما هو أساس الدين الحقيقيّ؟ هل هو المشقّة والتعسير أم اليُسر والتسهيل؟ كيف يجب على الفقيه أن يُفتي الناس؟ وكيف يصوّر لنا العرفاء الإلهيّون اللهَ على عكس ما يصوّره بعض المتشرّعة؟ تجيب هذه المحاضرة من سلسلة شرح دعاء أبي حمزة الثماليّ، لآية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ، عن هذه الأسئلة، كاشفةً عن حقيقة الدين القائم على الرحمة والاتّصال بالله.

/۱۲
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

الشريعة السهلة السمحاء - هل المحبّة التي يظهرها لنا الآخرون حقيقيّة؟

1
  •  

  • هوالعلیم

  •  

  • الشريعة السهلة السمحاء

  • هل المحبّة التي يظهرها لنا الآخرون حقيقيّة؟ 

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢۰ هـ - الجلسة الثانية

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

الشريعة السهلة السمحاء - هل المحبّة التي يظهرها لنا الآخرون حقيقيّة؟

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللهِ مِن الشّیطانِ الرّجیم

  • بِسمِ اللهِ الرّحمٰنِ الرّحیم

  • و صلّى اللهُ علَی سیّدنا و نبیّنا محمّدٍ 

  • و علَی آلهِ الطّاهرینَ

  • و اللّعنةُ علَی أعدائِهم أجمعینَ إلَی یَومِ الدّین

  •  

  •  

  • «الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَدْعُوهُ فَيُجِيبُنِي وَ إِنْ كُنْتُ بَطِيئاً حِينَ يَدْعُونِي» 

  • الحمدُ مختصٌّ بالله الذي كلّما أدعوه وأطلب لقاءه، يستجيب لي ويقبل دعوة لقائي؛ مع أنّني كلّما أكون مدعوًّا ويدعوني هو، أُقصِّر وأتباطأ وأتساهل وأعتذر!

  • تقدّم أنّ اختصاص الحمد بالله يعود أحد أسبابه، إلى ديمومة حالة الإجابة التي لا حدّ لها ولا حصر. فلو دعا الإنسانُ اللهَ وهو على طهارة، أجابه؛ وإن دعاه وهو على حَدَث، أجابه. حتّى لو لم يتمكّن الإنسان من تحصيل الطهارة وقت الصلاة، فيجب عليه أن يصلّي؛ وبالطبع عليه لاحقًا أن يقضي صلاته مرّة أخرى مع الطهارة. 

  • إن كان في بدنه دم، فإنّ هذا الدم لا يمنع دعاء الإنسان وإجابة الله له؛ ورغم أنّه يجب على الإنسان أن يزيل الدم، لكن إن لم يستطع فلا إشكال، وإن كان الإنسان مجروحًا، يمكنه أن يتوضّأ وضوء الجبيرة. وضوء الجبيرة هو أن يضع الإنسان ساترًا أو قطعة قماش على موضع الجرح ويتوضّأ بها۱. وحتّى لو كان الأمر صعبًا بعض الشيء، فإنّ قاعدة العسر والحرج٢ ترفع وجوب وضوء الجبيرة أيضًا، ويمكنه أن يصلّي بالتيمّم. 

  • فعلى سبيل المثال، لو كان في وجه الإنسان جرح، ويحتمل أن يصل ماء الوضوء إلى الجرح، أو على أيّ حال، الوضوء صعبٌ عليه بعض الشيء. يقول الله فورًا: لا حاجة للوضوء، اذهب وتيمّم! لماذا تتأخّر من أجل الوضوء؟! لماذا تريد أن تكلّف نفسك المشقّة؟! أنا في متناول يدك؛ لا داعي لأن تكلّف نفسك كلّ هذه المشقّة وتوقعها في العناء والكلفة! فالأمر بمنتهى السهولة! 

  • لذلك، كم هم بعيدون عن روح الدين ومغزى الشريعة أولئك الذين يسبّبون للناس المشقّة والكلفة! يكلّفون الناس العناء بلا مبرّر، ويقولون: يا عزيزي، صلاتك فيها إشكال ويجب أن تعيدها! وصومك باطل ويجب أن تقضيه! طهارتك في ذلك الموضع فيها إشكال ويجب أن تغسلها بالماء! يخلقون الوسواس والمتاعب ويزيدون من أعباء الناس. 

    1. بحار الأنوار، ج ۷۷، ص ٣٦٩:
      «عَن إسحٰق بنِ عمّارٍ عَن أبی‌عَبداللهِ علیه السّلام‌ فی الرّجُل يَنكَسِرُ ساعِدُهُ أو مَوضِعٌ مِن مَواضِعِ الوُضوءِ فَلا يَقدِرُ أن يَحُلَّهُ لِحالِ الجَبرِ إذا جَبَرَ كَيفَ يَصنَعُ؟ قالَ: ”إذا أرادَ أن يَتَوَضَّأ فَليَضَع إناءً فيهِ ماءٌ و يَضَعُ الجَبِيرَةَ فی الماءِ حَتّى يَصِلَ الماءُ إلَى جِلدِهِ و قَد أجزَأ ذَلِكَ مِن غَيرِ أن يَحُلَّهُ“.»
    2. من لایحضره الفقیه، ج ۱، ص ۱۰٣:
      و قالَ زُرارَةُ قلتُ لِأبي ‌جعفرٍ علیه السّلام: ألا تُخبِرُني مِن أينَ عَلِمتَ و قُلتَ إنّ المَسحَ بِبَعضِ الرَّأسِ و بَعضِ الرِّجلَينِ؟ 
      فَضَحِكَ و قالَ: «يا زُرارَةُ، قالَهُ رَسولُ اللهِ و نَزَلَ بِهِ الكِتابُ مِنَ اللهِ لِأنّ اللهَ عَزّ و جَلّ قالَ: فاغسِلوا وُجوهَكُم‌ فَعَرَفنا أنّ الوَجهَ كُلَّهُ يَنبَغي أن يُغسَلَ. ثُمّ قالَ: و أيدِيَكُم إلَى المَرافِقِ‌ فَوَصَلَ اليَدَينِ إلَى المِرفَقَينِ بِالوَجهِ فَعَرَفنا أنَّهُ يَنبَغِي لَهُما أن يُغسَلا إلَى المِرفَقَينِ ثُمَّ فَصَّلَ بَیْنَ الْکَلَامِ‌ فَقَالَ: وامسَحوا بِرُؤُسِكُم‌ فَعَرَفنا حِينَ قالَ‌ بِرُؤُسِكُم‌ أنَّ المَسحَ بِبَعضِ الرَّأسِ لِمَكانِ الباءِ ثُمّ َوصَلَ الرِّجلَينِ بِالرَّأسِ كَما وصَلَ اليَدَينِ بِالوَجه.‌»

الشريعة السهلة السمحاء - هل المحبّة التي يظهرها لنا الآخرون حقيقيّة؟

3
  • منهجان في التديّن: دين الفطرة ودين التنفير

  • أحد الأصدقاء، وهو من الجرّاحين المعروفين والمشهورين جدًّا، قال مرّة للمرحوم الوالد: أحيانًا أقوم بعمليّة جراحيّة تستغرق ثمان ساعات، وعندما أصل إلى المنزل، بالكاد أستطيع الوقوف؛ لدرجة أنّني لا أعلم هل أصلّي الركعات الأخيرة وأنا نائم أم مستيقظ! فماذا أفعل بصلاتي؟! ثمان ساعات وقتٌ طويل جدًّا! لا يبقى من طاقة الإنسان شيء!

  • فقال المرحوم الوالد: يا عزيزي، وأنت في فراشك، اضرب يدك على الفراش وتيمّم وصلِّ صلاتك ونَم! فأيّ فقيهٍ يُفتي بمثل هذه الفتوى؟! هذا هو الدين الذي يقبله الوجدان والفطرة. لماذا يقول هو: لا يوجد على وجه الأرض مثل أبيك؟ لأنّ كلامه يتطابق مع فطرته! لكنّ الآخرين قالوا له في جوابه عكس هذا الكلام تمامًا! قالوا له: يجب أن تنهض وتتوضّأ، وعندما تتوضّأ يجب أن يكون وعيك وإدراكك حاضرًا؛ أي لا تتوضّأ وأنت في حالة دوار، وانتبه جيّدًا كي يصل الماء تحت أظافرك ويشمل جميع مواضع وضوئك! فقال لي هذا الرجل: لو لم ألتقِ بوالدكم، لأُصبتُ بالجنون! 

  • ذاك دينٌ؛ وهذا دينٌ آخر! كلاهما دين؛ لكنّ ذاك الدين هو دينٌ يعود بالإنسان القهقرى إلى الجاهليّة، ويبعده عن الله، ويجعل الله في ذهن الإنسان كائنًا وحشيًّا ومريعًا ومثيرًا للنفرة، ويرسم صورةً للّه ككائنٍ مخيفٍ يجب تجنّبه! وهذا الدين، يأتي بالله، يجعله ليّنًا، قابلًا للملاطفة، قابلًا للمصاحبة، ويقرّبه إلى درجة أنّه يُجلسه في حضن الإنسان وبجواره! يتحدّث، يضحك، يأنس! يجعل الله أقرب إلى الإنسان من أحبّ الناس إليه؛ هذا أيضًا دين! يجعل الله ذلك المحبوب العاشق والمعشوق والمُحبّ، لدرجة أنّ الإنسان لا يدري ماذا يفعل، ويقول في نفسه: لنفعل شيئًا نؤذي به الله، نغيظه، نجعله يصرخ! فيقول هو: افعل ما تشاء، صوتي لن يخرج! هكذا يجعل الله. إلهنا هو هذا. 

  • ثمّ نأتي نحن ونخلق إلهًا مرعبًا، إلهًا مُخيفًا ومَخوفًا، ونسلّمه للناس ونقول: تعالوا واعبدوا هذا الإله! أيّ عبادة هذه؟! يقول الله: لم أُرِد أن تعبدوني هكذا أبدًا! فهل أنا هكذا؟! هل أنا مخيف؟! أيّ عبادة هذه التي لا تفهم فيها ما تقول؟! لا تفهم ما معنى ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾ فيها! وما معنى ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ فيها! ما هو ركوعها! ما هو سجودها! فأيّة عبادة هذه؟! هل تريد أن تؤدّي واجبك وتهرب؟! هل تريد أن تنجز عملًا بسرعة وتذهب؟! أنا لا أريد هذه العبادة! هذا الإله وهذا الدين وهذه الشريعة لا تنفع! 

الشريعة السهلة السمحاء - هل المحبّة التي يظهرها لنا الآخرون حقيقيّة؟

4
  • عدم الوصول إلى سرّ الشريعة هو سبب الفتاوى الصعبة

  • «لَا يَحِلُّ الْفُتْيَا لِمَنْ لَا يَسْتَفْتِي مِنَ اللهِ بِصَفَاءِ سِرِّهِ وَ بُرْهَانٍ مِنْ رَبِّهِ فِي سِرِّهِ وَ عَلَانِيَتِهِ»۱ لا يجوز الإفتاء لمن لم يتّصل سرّه بصقع الملكوت بعد، ولم يأخذ العلم من تلك الناحية! لم يكن المرحوم العلامة ينقل هذه الرواية عبثًا. السبب هو ألاّ تسلّموا للناس دينًا مزيّفًا! أخبروا الناس بالدين الذي بيّنه الإمام الصادق عليه السلام للناس! هل أنتم تفهمون أفضل أم النبيّ الذي أتى بالدين بنفسه؟! 

  • كان النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في مِنى راكبًا على ناقته والناس قد اجتمعوا حوله، يسألونه عن الإشكالات التي واجهتهم في الحج، مثل: يا رسول الله، فعلنا كذا، حلقنا رؤوسنا هكذا، قدّمنا هذا العمل، أخّرنا ذاك العمل، ومسائل أخرى! وكانوا كلّما سألوا النبيّ شيئًا يقول: امضُوا، امضُوا، اذهبُوا، اذهبُوا! لا بأس، لا بأس! ٢ معنى هذا أنّ هذا الدين ليس دينًا يخلق للناس المشاكل ويزيد من أعبائهم بل هو دينٌ يجب على الناس أنفسهم أن يركضوا خلفه بعشق! 

  • حوار العلامة الطهرانيّ مع العالم الذي يستعدّ للمرجعيّة

  • أحد العلماء كانت أرضيّة مرجعيّته متوفّرة وفي طور الإعداد، وأصبح مرجعًا في النهاية ورسالته العمليّة موجودة هنا وهناك، كان كلّما يتشرّف بزيارة مشهد يزور منزل المرحوم العلاّمة، وكان هو أيضًا يزوره بالمقابل. في إحدى سفراته التي تشرّف فيها بزيارة مشهد، جاء إلى منزل المرحوم العلامة وحصل بينهما لقاء. أذكر أنّه عندما كانا يجلسان في فناء الدار، توجّه المرحوم الوالد العلامة إليه هكذا مرتجلًا وبدون مقدّمة وقال: لديّ سؤال. كان المرحوم الوالد العلامة يطرح المسألة بلطفٍ ورهافةٍ ومراعاةٍ ولطفٍ خاصّ والسؤال هو: لو أنّ شخصًا عامّيًا لا يعرف أحكام الغُسل وشروطه، ولم يراعِ الترتيب وأمثال ذلك، واغتسل وكان غُسله خاطئًا، وصلّى بهذه الكيفيّة لثلاثين عامًا، والآن لو تنبّه إلى أنّ كلّ الأغسال التي قام بها خلال هذه المدّة والصلوات التي أدّاها كانت باطلة، ثمّ سأل فماذا يجب أن يكون الجواب؟ 

  • هل تعلمون ما كان سبب سؤال المرحوم العلامة وما هي النقطة التي يذكّر بها؟ إنّه يشير إلى هذه النقطة: أنت الذي تريد أن تصبح مرجعًا الآن، فاعلم مع أيّ نوعٍ من الناس تتعامل، وكيف يجب أن تجيبهم، وكيف يجب أن توضّح لهم الدين! لكنّ ذلك المسكين لم يفهم أصلاً ما هو مقصد المرحوم العلامة! لذا أجاب: هذا لا إشكال فيه، لأنّ الموالاة ليست شرطًا في الغُسل. يعني أنّ الغسل الذي قام به في البداية يُحسب له بدلاً من رأسه، وفي الغُسل التالي الذي قد يؤدّيه بعد أيّام، يُغسل الجانب الأيمن، وفي الغُسل الثالث بعد أيّام يُغسل الجانب الأيسر، وبهذا يكون قد أتمّ غُسلاً كاملاً ولا يتوجّه إشكالٌ إلى صلواته! 

    1. .بحار الأنوار، ج ٢، ص ۱٢۰.
    2. الكافي، ج‌ ٤، ص ٥۰٤: عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي عليه السلام: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِنَا رَمَى الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ وَ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ فَقَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه و آله و سلّم) لَمَّا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ أَتَاهُ طَوَائِفُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَبَحْنَا مِنْ قَبْلِ أَنْ نَرْمِيَ وَ حَلَقْنَا مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذْبَحَ وَ لَمْ يَبْقَ شَيْ‌ءٌ مِمَّا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُقَدِّمُوهُ إِلَّا أَخَّرُوهُ وَ لَا شَيْ‌ءٌ مِمَّا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُؤَخِّرُوهُ إِلَّا قَدَّمُوهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وآله: لَا حَرَجَ لَا حَرَجَ».

الشريعة السهلة السمحاء - هل المحبّة التي يظهرها لنا الآخرون حقيقيّة؟

5
  • يا عزيزي، المسألة الأولى: حتّى يصحّ غُسله خلال شهرٍ واحد، يكون قد صلّى ثلاثين يومًا صلاة باطلة؛ فماذا تفعل بهذه الثلاثين يومًا من الصلاة الباطلة؟! إلّا أن يكون يغتسل اثنتي عشرة مرّة في اليوم والليلة، وهذا مستحيلٌ في العادة! بالطبع، المرحوم العلامة لم يعترض عليه مثلي ليقول إنّ كلّها باطلة، بل قال فقط على سبيل الإجمال إنّه في النهاية بعض هذه الصلوات تبطل. 

  • المسألة الثانية: قولهم: الموالاة لازمة في الوضوء وليست لازمة في الغُسل، هو مُنزَّلٌ على المفهوم العرفيّ أي لا يعني أنّه يجوز أن يفصل بين أجزاء الغُسل قرنٌ من الزمان، لأنّ هذه المسألة خارجةٌ موضوعًا أصلاً. بل المسألة هي أنّه عندما يتوضّأ الإنسان، بعد غسل اليد اليمنى، يجب أن يغسل اليد اليسرى فورًا؛ أمّا في الغُسل، فلو فصلت دقيقتان أو ثلاث بين هذا الجزء وذاك، فلا إشكال؛ لا أن يبدأ غُسلًا في العام الماضي، ثمّ يغسل الجانب الأيمن في العام التالي، والجانب الأيسر بعد ثلاث سنوات حتّى يصحّ غُسله! هذا ليس غُسلاً! فما هذا الكلام؟! في النهاية، عجز عن الإجابة ولم يستطع أن يجيب. 

  • لكنّ النقطة هي أنّه يريد أن يقول: أنت الآن تريد أن تصبح مرجعًا، والذين يتّصلون بكم ويقلّدونكم لديهم استيعابات مختلفة، كلّ واحد منهم له سعة معيّنة، والحكم الذي تريدون أن تبلّغوهم به له مراتب مختلفة بحسب اختلافهم. فكيف تريد أن تصدر رسالة عمليّة واحدة وتوزّعوها على الجميع بالتساوي؟! فهل مثل هذا الأمر ممكن؟! يجب على من يُصدر رسالة ويكون على اتّصال بالناس أن يبيّن المسألة بطريقة تجعل الناس في يسرٍ وراحةٍ في تعاملهم معها. كيف يمكنك أن تقول لهذا العامّيّ: اذهب واقضِ صلاة ثلاثين سنة؟! سيقول: لا أريد إلهه أصلاً! 

  • هذه الحقيقة والمسألة الواقعيّة موجودة، وهي أنّ من يصل إلى معنى ومفهوم الدين والشريعة هو من تمكّن من الوصول إلى المصالح والمفاسد وملاكات الأحكام، وإلّا فلا أحد غيره يستطيع! نعم، من باب الأهمّ فالأهمّ، والأولى فالأولى، في حال فقدان الأهمّ والأولى، يمكن الرجوع إلى من يليه. 

الشريعة السهلة السمحاء - هل المحبّة التي يظهرها لنا الآخرون حقيقيّة؟

6
  • لماذا ألّف العلامة الطهرانيّ كتاب «معرفة الله»؟

  • عندما أراد المرحوم العلامة أن يكتب كتاب «معرفة الله»، كنتُ في خدمته يومًا، فقلت له: سيّدنا، ما هو قصدكم من كتابة (معرفة الله) وما هو هدفكم؟

  • فقال: رأيت أنّهم منذ ألف وأربعمائة عام وهم يبعدون الناس عن الله، وألف وأربعمائة عام وهم يضعون مسافة بين الناس والله، وقد ألقوا بالله في عالَمٍ من الهورقليا! من الترهات التي كان يقولها الشيخ أحمد الأحسائيّ عن الإمام المهديّ عليه السلام: ”إِنَّ سَيِّدَنَا الْمَهْدِيَّ لَمَّا خَافَ مِنْ أَعْدَائِهِ فَرَّ إِلَى عَالَمِ الْهُورقلْيَا وَ يَتَمَثَّلُ بِصُورَةِ مَنْ يَشَاءُ“۱. أمّا أين يقع عالَم الهورقليا هذا، وعلى أيّ كوكب يوجد، وفي أيّ من هذه المنظومات والمجرّات كدرب التبّانة والشمسيّة يقع، فغير معلوم! على أيّ حال، هذه ترّهات قالها هو! 

  • لقد ألقوا بالله أيضًا في عالَمٍ كهذا! اخترعوا الركن الرابع وجعلوه واسطة بين الخلق والخالق! قطعوا صلة الإنسان بالخالق، واعتبروا وصول الإنسان إلى مقام المعرفة والسير نحو تلك الكمالات أمرًا محالاً ومستحيلاً! يقولون: لا تذهبوا أصلاً! لا تقفوا في مقابله! هذا إلهٌ لا يمكن رؤيته أصلاً، ولا يمكن لمسه، ولا يمكن إدراكه أصلًا! ﴿أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾٢؛ يجب أن تدعوه من مسافة بعيدة جدًّا، ولا تتوجّهوا إلى هناك أصلاً! لَا تُفَكِّرُوا فِي ذَاتِ اللهِ؛ لا تفكّروا في ذات الله أصلًا! لأنّكم ستُجنّون وسيصيبكم الجنون! 

  • قال المرحوم الوالد العلامة:فقلت: فلنُصلح بين الله وبينهم. فكتبنا (معرفة الله) هذا لنقرّب الله إلى درجة أن نضعه في أحضان الناس. كان أساس كتاباتنا و(معرفة الله) هو أن نقول: يا أيّها الناس، إلى أين أنتم ذاهبون؟ كلّ هذا الكلام الذي قالوه هو كذبٌ وكلّه هراء! هو أقرب إليكم من أيّ أحد، هو أرفق بكم من أيّ أحد، هو آنس بكم من أيّ أحد، هو أحبّ إليكم من أيّ أحد، هو آلف بكم من أيّ أحد! هو أقرب إليكم من أنفسكم! يقول في آية القرآن: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾٣ وريد حياتكم! لدينا إلهٌ كهذا! 

  • حسنًا، أليس هذا الإله بهذه الكيفيّة جديرًا بالثناء والحمد؟! إلهٌ مفتاح كلّ المشاكل بيده، وهو أقرب إلى الإنسان من أيّ أحد؛ سواء قبلتم أم لم تقبلوا! هذا الأمر الذي أقوله لكم، أُصرّ عليه: هذا الإله قريبٌ منّا إلى درجة، ويحبّنا إلى درجة، أنّ المحبّة والاهتمام من تلك الناحية تجاهنا تفوق اهتمامنا ومحبّتنا تجاهه بمليارات المرّات! نحن نتراجع باستمرار، وهو يتقدّم باستمرار! نحن نهرب، ولكنّه في الوقت نفسه لا يستسلم! 

    1. جوامع الکلم (رساله رشتیه)، ص ۱۰٣.
    2. سورة فصلت الاية ٤٤.
    3. سورة ق الآية ۱٦.

الشريعة السهلة السمحاء - هل المحبّة التي يظهرها لنا الآخرون حقيقيّة؟

7
  • كيف لا يستسلم؟! انظروا إلى يوم عاشوراء، الإمام الحسين عليه السلام يحتضر، جسده كلّه مقطّع، الدم قد نزف من كلّ مكان، ولو تركوه وشأنه لبضع دقائق ولم يقتلوه، لمات من تلقاء نفسه؛ لكنّه في تلك اللحظة ينادي ليرى هل يأتي أحدٌ أم لا! ظهور الله في سيّد الشهداء! الإمام الحسين عليه السلام يقول للذي يضربه بالسيف: اسْقنِي شَرْبَةً مِنَ الْمَاءِ! هو هكذا أقرب إلينا، وهكذا يريد أن يجذبنا إليه، وهكذا يريد أن يفصلنا عن هذه العلائق، وإلّا فإنّه يعلم أنّه سيموت بعد أربع دقائق! كم هي طاقة الإنسان؟! لقد أصابوا جبينه بسهم، وأصابوا قلبه بسهم! ذلك السهم الذي في قلبه كان كافيًا! كم يمكن للإنسان أن يتحمّل؟!

  • فالإله الذي هو بهذه الرحمة والمحبّة جديرٌ بالثناء والحمد، إلهٌ لا تحتاج أصلًا إلى أن تبحث عنه؛ بل بمجرّد أن تتوجّه، تجده في وجودك! عندما فرغنا من زيارة العتبات وكنّا عائدين، سألني أحد الأصدقاء في مطار دمشق سؤالًا. قال: سيّدنا، كيف نعرف أنّ زيارتنا مقبولة أم لا؟ 

  • قلت: وإن لم تكن مقبولة، فماذا ستفعل؟! ها أنتم الآن عائدون إلى إيران! يجب على الإنسان في مقام العبوديّة أن يؤدّي عمله، لا أن يبحث هل قُبل أم لم يُقبل! فهل نحن في صفقة أخذ وعطاء؟! لقد أتينا للزيارة والعودة!». يا عزيزي، الإمام دعاك وأزال ألف مانع حتّى أتيت وعدت، ثمّ بعد كلّ هذا الكلام تسأل هل زيارتنا مقبولة أم لا؟! 

  • الاتّصال بالله في كلّ حال: وصايا العرفاء في الذكر الدائم

  • في أيّ وقتٍ تريد أن تتوجّه، هو حاضرٌ في ذلك الوقت! كلّما استشرته، يجيب استشارتك! أنتم لا تعلمون أنّه في هذه الفترة بعد وفاة المرحوم الوالد، حيث ابتُلينا بأنواع الابتلاءات، كنّا كلّما أردنا أن نقوم بعمل، كان الجواب حوله يأتينا، وكان الأمر واضحًا كالشمس! فلو أنّ أيّ إنسان، في أيّ وضع، وفي أيّ مكان، وبأيّ لباسٍ وكيفيّة ـ بالطبع إن لم يتمكّن من التغيير ـ دعا الله، فإنّ الله حاضرٌ هناك ويجيبه! 

  • فما معنى هذا؟ ولماذا لم يكن الأمر كذلك في الأمم السابقة؟ هذا لطفٌ من الله على عباده في أمّة النبيّ صلّى الله عليه وآله. وهذا عبارة عن غلبة جانب الربط وارتباط سرّ الإنسان بالله على جانبه المُلكيّ وجانبه الناسوتيّ وعالَم الشهادة؛ أي إنّ جانب الربط ذاك وتعلّق السرّ وتعلّق الباطن بالله في أمّة النبيّ، يغلب على الجانب الناسوتيّ والشهادة وعالَم المُلك! في أيّ مكانٍ وزمان، ذلك التعلّق موجود، ولم يعد مرتبطًا أو خاضعًا أو محكومًا بقانون الزمان والمكان، وليس محكومًا بالصور والإعداد والعُدّة والعِدّة، بل هو موجودٌ في كلّ مكان! لذا، يتعامل الله مع الإنسان بواسطة جانب الربط والتعلّق ذاك ويقول: بيني وبينك صلة وربط، وهذا يكفيني! أنا لا أنظر إلى الصورة؛ بل أنظر إلى الباطن!۱ 

    1. صحيح مسلم ح ٢٥٦٤:عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: إِنَّ اللهَ تعالى لَا ينظرُ إلى صُوَرِكُمْ وَأمْوالِكُمْ ، ولكنْ إِنَّما ينظرُ إلى قلوبِكم وأعمالِكم.

الشريعة السهلة السمحاء - هل المحبّة التي يظهرها لنا الآخرون حقيقيّة؟

8
  • لذلك، هو دائمًا وفي كلّ حال «أَدْعُوهُ فَيُجِيبُنِي!» حتّى في حال الحدث والجنابة يمكن للإنسان أن يدعو الله. يمكن للإنسان في حال الجنابة أن يذكر الله ويقرأ القرآن. بالطبع، لا إشكال حتّى سبع آيات۱، وما بعد السبع آيات مكروه. والمرأة الحائض يمكنها أن تذكر الله وتتوجّه في حال الحيض، لأنّ الارتباط لم ينقطع٢! فما ذنب المرأة في فترة استراحتها؟! هي أيضًا يمكنها أن تحافظ على صِلَتها وارتباطها بالله. 

  • ولدينا ذكرٌ عند الجلوس، وذكرٌ عند القيام٣، وذكرٌ عند الوضوء٤، وذكرٌ في بيت الخلاء: «الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى»٥. لدينا ذكرٌ عندما نريد أن ننام٦، وذكرٌ عندما نستيقظ: «الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَحْيَانِي بَعْدَ مَا أَمَاتَنِي وَ إِلَيْهِ النُّشُورُ»۷. فلأيّ شيءٍ هذه الأذكار؟ ليكون الإنسان دائمًا في حالة ارتباطٍ بربّه. 

  • سُئل المرحوم العلامة مرّة: عندما نتحرّك ونمشي إلى مكان ما، بماذا يجب أن نكون مشغولين؟ فقال: لا ينبغي للإنسان أن يخلو من الذكر. على السالك حيثما يستطيع ويرى أنّه مناسبٌ له أن يشتغل بذكر «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» وليس من الضروريّ أن يجهر الإنسان بالذكر، بل يقوله بهدوء: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ». كلّ هذا له تأثيرٌ تكوينيّ وليس لقلقة لسان، ليس شريط تسجيل! مع كلّ قول «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ»، ينشأ أثرٌ تجرّديٌّ في النفس. 

  • قال المرحوم السيد الحدّاد: إذا لم يستطع الإنسان أن يقول الذكر الفلانيّ (مثل الذكر اليونسيّ) في السجود، فليقله وهو يتحرّك وليتصوّر نفسه في حالة سجود. أيّ طريقٍ رأيتموه أقرب وأسهل وأيسر من طريق السلوك؟! بهذه السهولة، وبهذه التبعات والنتائج والمواهب! يقولون: إن استطعت، فليكن هذا الذكر في حال السجود؛ وإن لم تستطع، فليكن في أيّ حال! إن استطعت، فافعله في وقته؛ وإن لم تتمكّن، فاقضه! إن استطاع الإنسان أن يصلّي نافلته قائمًا فبها، وإن لم يستطع فجالسًا، وإن لم يستطع ففي الطريق والمسير، وليتصوّر نفسه في حالة صلاة وليصلِّ! أي إنّ الأثر نفسه موجود. هذا المعنى هو معنى «الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَدْعُوهُ فَيُجِيبُنِي.» 

  • فهل تظنّون أنّ هذه الحالات التي تحدث لبعض الناس في غير أوقات العبادة هي صدفة؟! كلّا، ليست صدفة! مثل هذه المسألة لا تحدث بلا سبب. مثلاً، يكون الإنسان في حالة مشي وإذا بقضيّة تنكشف له فجأة. فهذه ليست صدفة؛ بل هو الآن في حالة مكّنته من تلقّي هذه التجلّيات والجذبات. 

    1. وسائل الشیعه، ج ٢، ص ٢۱۸: «عَن عُثمانَ بنِ عِيسَى عَن سَماعَةَ عن أبي عبد الله علیه  السّلام قالَ:‌ سَألتُهُ عَنِ الجُنُبِ هَل يَقرَأُ القرآنَ قالَ: ما بَينَه وبَينَ سَبعِ آياتٍ.»
    2. وسائل الشيعة، ج ٢، ص ٢۱٦: «عَن حَرِيزٍ عَن زُرارَةَ ومُحَمَّدٍ عَن أبِي جَعفَرٍ عليه  السّلام فِي حَدِيثٍ قالَ‌ قُلتُ لَهُ الحائِض والجُنُبُ هَل يَقرَءانِ مِنَ القُرآنِ‌ شَيئًا قالَ: نَعَم ما شاءا إلّا السَّجدَةَ ويَذكُرانِ اللهَ عَلَى كُلِّ حالٍ.»
    3. وسائل الشيعة، ج ۷، ص ۱٥٤: «قالَ أبو جَعفَرٍ عليه  السّلام:‌ مَن أرادَ أن يَكتالَ بِالمِكيالِ الأوفَى فَليَقُل إذا أرادَ أن يَقومَ‌ مِن مَجلِسِهِ: سُبحانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمّا يَصِفونَ وسَلَأمٌ عَلَى المُرسَلِينَ والحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ.»
    4. وسائل الشيعة، ج ۱، ص ٤٢٣: «عَن يونُسَ عَن مُعاوِيَةَ بنِ عَمّارٍ عَن أبِي عَبدِ اللَّهِ عليه  السّلام فِي حَدِيثٍ قالَ: فَإذا تَوَضَّأتَ‌ فَقُل أشهَدُ أن لا إلَهَ إلّا اللهُ اللَّهُمَّ اجعَلنِي مِنَ التَّوّابِينَ واجعَلنِي مِنَ المُتَطَهِّرِينَ والحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ.»
    5. .من لا یحضر الفقیه، ج ۱، ص٢٣.
    6.  وسائل الشيعة ج ٥ ص ٣٤۱: محمد بن علي بن الحسين في (العلل) عن أبيه، عن سعد، عن إبراهيم بن هاشم، عن النوفلي، عن السكوني، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه قال: قال النبي صلّى الله عليه وآله: إذا آوى أحدكم إلى فراشه فليمسحه بطرف إزاره فإنه لا يدري ما حدث عليه، ثم ليقل: اللهم إن أمسكت نفسي في منامي فاغفر لها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين».
    7. من لا یحضر الفقیه، ج ۱، ص ٤۸۰.

الشريعة السهلة السمحاء - هل المحبّة التي يظهرها لنا الآخرون حقيقيّة؟

9
  • تجلّي الجذبات الإلهيّة في الأيّام الخاصّة

  • بالطبع، في بعض الأيّام مثل شهر رجب ورمضان، وخاصّة في العشر الأواخر من شهر رمضان، يكون جانب الربط أكبر. أنا بنفسي، كنتُ شاهدًا على أحوال المرحوم العلامة  رضوان الله عليه، وكنت أرى أنّ عنايته بالعشر الأواخر من شهر رمضان كانت أكبر بكثير؛ خصوصًا ليلة السابع والعشرين، التي هي أيضًا تتمّة لليلة القدر، وبناءً على بعض الروايات، هي ليلة قدر۱، وإحياؤها مستحبٌّ قطعًا٢. فليلة السابع والعشرين هي إحدى الليالي الأربع التي يُستحبّ إحياؤها. ويُستحبّ الإحياء أيضًا في ثلاث ليالٍ أخرى خلال العام؛ إحداها ليلة السابع والعشرين من رجب، والثانية ليلة النصف من شعبان، والثالثة ليلة عيد الأضحى! والبعض يقول خمس ليالٍ ويحسب ليلة عيد الفطر منها. خلاصة القول، الجذبات والتجلّيات الإلهيّة في هذه الليالي تكون أقوى. الجذبات في العشر الأوائل من شهر ذي الحجّة وفي شهر رجب تكون أقوى! 

  • صحيحٌ أنّ هذه الليالي اكتسبت امتيازات بسبب ظروف الزمان والمكان والخصوصيّات التي حدثت في ذلك الوقت، ولكن على أيّ حال، هذا الجانب من التعلّق والارتباط موجودٌ دائمًا! 

  • الحمد هو أثمن هديّة للّه، فلماذا لا يستحقّها غيره؟

  • هذا المعنى هو معنى الحمد. الحمد يعني الثناء، الحمد يعني أثمن هديّة يمكن للإنسان أن يهديها لمحبوبه. الثناء يعني وضعه في مرتبة أسمى من العلل والعوامل المادّيّة والتخيّلات والتصوّرات! معنى الحمد هو تنزيهه، وتقديسه. هذا الحمد يختصّ بهذا الإله. 

  • من هو الذي يمكنكم أن تتّصلوا به متى شئتم؟! مَن هو الذي تعرفون أنّه أقرب إلى الإنسان من الإنسان نفسه؟! من بين هؤلاء الذين نراهم في هذه الدنيا ونتعامل معهم، مَن هو الأقرب إلى الإنسان؟! هل هي زوجة الإنسان؟! هل هو زوج الإنسان؟! إذا أهملت زوجتك ليومين، فإنّها تذهب! وإذا اختلف الزوج قليلًا، فإنّه يترك الحياة ويذهب! لماذا تحدث حالات الطلاق هذه؟ في البداية يقولون: لقد فهمنا بعضنا، لكن بعد يومين يطرد بعضهم بعضًا! الآن حان وقت الطرد! في البداية يقولون: أحلى من العسل، ولديهم حكايات! ثمّ يبدأون بالتنزّل تدريجيًا إلى السكّر والدبس، ثمّ إلى الخلّ والدبس، وفي النهاية ينتهي بهم المطاف في الخلّ! فماذا حدث؟! ألم تكونوا تقولون كذا وكذا؟! لا تنخدعوا أبدًا! بالطبع، المسألة متبادلة، لا هم ينخدعون بنا ولا نحن ننخدع بهم! يجب أن نحكم بعدل، نحن أيضًا هكذا، مع قليلٍ من الزيادة أو النقصان؛ هل نحن نلتزم بالوعود والعهود التي نقطعها؟! 

    1. بحار الأنوار، ج ٩٥، ص ٦٢.
    2. مصباح المتهجد، ج ٢، ص ٦٤۸؛ وسائل الشیعه، ج ۷، ص ٤۷۸.

الشريعة السهلة السمحاء - هل المحبّة التي يظهرها لنا الآخرون حقيقيّة؟

10
  • حكاية طريفة تكشف زيف المحبّة الدنيويّة

  • ذات مرّة في زمان المرحوم العلامة كنّا في مشهد، حكيتُ قصّة طريفة على المنبر، وتعرّضتُ لاعتراضٍ شديدٍ من النساء المحترمات. في ذلك الزمن الغابر، ذهبنا مع المرحوم العلامة وأصدقائه القدامى لعيادة مريض. كان الوقت شتاءً وكنا نجلس تحت الكرسيّ. كان في طهران رجلٌ يدعى حاج آقا عزيز الله، كان يقرأ أحيانًا وكان يقرأ بحالٍ جيّدٍ جدًّا. كان ذا قامةٍ رشيقة وعينين زرقاوين. لقد توفّي الآن، رحمه الله. هناك، كان يروي قصّة للمرحوم العلامة والآخرين. بالطبع، كان صريحًا جدًّا، والآن لا أستطيع أن أطرح ما طرحه مثله، ولكن على أيّ حال، سأنقل ما أمكن. 

  • كان يقول: رأى شخصٌ صديقه يومًا وقال له: يا فلان، نحن سعداء جدًّا في هذا البيت، هذه زوجتي ليس لها أحدٌ غيري، كلّ ثنائها لي، وكلّ وردها على لسانها هو أنا، تمشي وتفديني بروحها، وتضحّي من أجلي، تموت وتحيا من أجلي مائة مرّة في اليوم! 

  • فقال له: يا فلان، لا تنخدع! كلّ هذا خدعة! 

  • قال: لا، أنت لا تعلم كيف هي، عندما أدخل من الباب يتسلّق أطفالي على كتفي ورأسي وينادون بابا بابا! البنت هكذا، والابن هكذا! 

  • قال له: يا سيّدي، كلّ هذا تمثيل؛ ولكن ما دمت لا تقبل، فتظاهر بالمرض لبضعة أيّام، وفي النهاية استلقِ مواجهًا القبلة، حينها سآتي أنا عند رأسك وأنت تحتضر وأخبرك مَن يريدك حقًّا! 

  • ففعل ذلك. وفجأة، شاع في الحيّ أنّ فلانًا قد مرض، وكان الناس يأتون لزيارته ويقولون إنّ حاله سيّئ. في اليوم الأخير، أرسل خلف صديقه الحميم ليأتي ويسلّمه كلّ شيء ويوصيه. وعندما وصل، كان هو قد أسلم الروح لبارئها ومات! جاء صديقه وكان يظهر الحزن باستمرار. كانت زوجته تلطم رأسها وتقول: أصبحتُ بلا زوج! كان الأطفال يبكون ويقولون: أصبحنا بلا أب! جاء أحدهم وقال: غطّوه بسجّادة صغيرة الآن. وجلس صديقه عند رأسه وجلس الباقون أيضًا. 

  • توجّه إلى طفله الصغير وقال: يا بُنيّ، لمَ تبكي؟.

  • قال: لقد فقدتُ أبي. 

  • قال: وما المشكلة؟ أنا سأكون لك أبًا! 

الشريعة السهلة السمحاء - هل المحبّة التي يظهرها لنا الآخرون حقيقيّة؟

11
  • قال: يعني هل ستشتري لي المقرمشات؟! 

  • قال: نعم يا بُنيّ! إن كان أبوك يشتري لك واحدة، فأنا سأشتري لك ثلاثًا كلّ يوم! خلاصة القول، توقّف بكاؤه بكيس واحد من المقرمشات! فوخز صديقه وقال: هاك، هذا أوّلهم! 

  • توجّه إلى ابنته التي كانت تبكي وتقول: يا ويلاه، من سيشتري لي الآن حقيبة وحذاءً ويرسلني إلى المدرسة؟! 

  • فالتفت وقال لها: الصديق لمثل هذا الموقف. لقد أوصاني والدك، وأنا سأفعل لك كلّ هذه الأمور وسأرسلك إلى أفضل مدرسة. بعد أن تحدّث معها قليلاً، تحسّن حالها تدريجيًّا، وجفّ الدمع من عينيها وارتسمت الابتسامة على شفتيها! فقال لصديقه: هاك، وهذه ثانيتهم! 

  • ابنه الأكبر كان يريد الزواج، فوعده بالزواج! ابنته الكبرى كانت تريد زوجًا، فوعدها بزوج! حتّى وصل إلى الشخصيّة الرئيسيّة، أي زوجته، وخلاصة القول، زوّجها هي أيضًا! وما إن وعد زوجته أيضًا، حتّى بدأت تضحك! فقال لصديقه: هاك، وهذه هي الشخصيّة الرئيسيّة! 

  • بعد أن قُضيت حاجات الجميع، نهض فجأة ذلك الشخص الذي مات وأظهر للجميع حقيقة القضيّة! 

  • ضحككم الآن هو لأنّ هذه القصّة واقعيّة؛ لو لم تكن واقعيّة لما ضحكتم ولما أيّدتموني. اذهبوا إلى محاكم الأسرة وانظروا كم شخصًا يراجع من أجل الطلاق يوميًّا! هل أولئك الذين يراجعون من أجل الطلاق، كانوا في هذه الحال يوم تعارفوا؟ لو كانوا بهذه الحال لما تزوّجوا أصلًا! 

  • لماذا تقوم كلّ علاقاتنا الدنيويّة على الأوهام؟

  • هذا لأنّ كلّ هذه الأمور قائمةٌ على التخيّلات؛ فالمحبّة تخيّلات، والعداوة تخيّلات، والصداقة تخيّلات! والحقيقة شيءٌ آخر، لا يتّسع المجال في هذه الجلسة للحديث عنه، وهو على أيّ أساسٍ يجب أن تكون المحبّة! هؤلاء الذين هم أقرب الناس إلينا، يأتون يومًا ويذهبون آخر. ليسوا ممّن «أَدْعُوهُ فَيُجِيبُنِي» بحيث كلّما أردناهم استجابوا؛ بل طالما نسير في اتّجاه مصالحهم، يُجِيبُونَنا! وعندما لا نسير، لَا يُجِيبُونَا! شريك الإنسان كذلك؛ طالما يعطيه حقوقه ويزيد عليها، يقول: يا له من شريكٍ جيّد! لا مثيل له في السوق! لكن بمجرّد أن يشدّد عليه قليلاً ويدقّق في الأمور، يقول: كم هو بخيلٌ وشحيح! وشيئًا فشيئًا يقول: هذا لا يصلح للشراكة، وينفصل ويذهب. ومهما قال له: لقد كنّا شريكين لعشرين عامًا، فلا فائدة! جار الإنسان كذلك، وصديق الإنسان كذلك، لا فرق. 

الشريعة السهلة السمحاء - هل المحبّة التي يظهرها لنا الآخرون حقيقيّة؟

12
  • الحمد للّه، لقد فهمنا هذه القضيّة جيّدًا! وإن كان هناك من لم يفهم، فأنا فهمتها جيّدًا جدًّا! مَن يبقى للإنسان؟! وبعد هذا، فهل هؤلاء هم الذين «نَدْعُوهُمْ فَيُجِيبُونَا»؟! هل إذا دعوناهم يستجيبون؟! لا، القضيّة ليست هكذا! لذلك، حتّى في الوقت الذي يكون فيه الإنسان حميمًا ودافئًا معهم، يجب أن يكون منتبهًا ولا يفكّر بشكلٍ مقطعيّ! 

  • هنا كان المرحوم العلامة والمرحوم السيد الحدّاد يقولان: لا ينبغي للدنيا أن تحرف السالك عن ذلك المحور إلى هذا الاتّجاه وذاك! هما يفكّران في نهاية القضيّة وفي نهاية المطاف. لماذا يضع الإنسان كلّ وجوده من البداية ليحدث بعد ذلك ما يخالف توقّعه؟! فليحتفظ بشيءٍ لنفسه، وليوجّه شيئًا نحو الجانب الآخر. المسائل كثيرة جدًّا. فكّروا قليلاً فيما ذكرنا حتّى نبيّن إن شاء الله مسائل أكثر في المجلس القادم إذا وفّق الله. 

  • نسأل الله إن شاء الله أن يبدّل هذه المحبّات والعلائق المجازيّة إلى تعلّقٍ ومحبّةٍ حقيقيّةٍ به. 

  •  

  • اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ