5

الإرادة الصادقة ومنطق الدائن في السلوك إلى الله

سراب المشاهدات الروحيّة: عندما تكون المكاشفات حجابًا عن الحقيقة

20
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1422

التاريخ 1422/09/25

جلسات المجموعة(8 جلسة)

التوضيح

التعريف بالمحاضرة: كيف نميّز بين الرجاء الحقيقيّ والمطالبة التجارية من الله؟ ما هو سرّ ثبات أولياء الله؟ وهل يمكن أن تكون المكاشفات الروحية فخًّا للسالك؟ تُجيبكم هذه المحاضرة التي ألقاها السيّد محمد محسن الطهراني في شرح دعاء أبي حمزة الثماليّ عن هذه الأسئلة المصيريّة في طريق السير والسلوك.

/۱۷
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

الإرادة الصادقة ومنطق الدائن في السلوك إلى الله - سراب المشاهدات الروحيّة: عندما تكون المكاشفات حجابًا عن الحقيقة

1
  •  

  • هوالعليم

  •  

  • الإرادة الصادقة ومنطق "الدائن" في السلوك إلى الله

  • سراب المشاهدات الروحيّة: عندما تكون المكاشفات حجابًا عن الحقيقة

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢٢ هـ - الجلسة الخامسة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

الإرادة الصادقة ومنطق الدائن في السلوك إلى الله - سراب المشاهدات الروحيّة: عندما تكون المكاشفات حجابًا عن الحقيقة

2
  •  

  •  

  • أعوذُ باللهِ منَ الشَّيطانِ الرَّجيم‌

  • بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم‌

  • وصلَّى اللهُ على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسمِ محمّدٍ

  • وعلى آلهِ الطيّبينَ الطّاهرينَ

  • واللعنةُ على أعدائِهِم أجمعينَ إلى يومِ الدِّين

  •  

  •  

  • ما هي حقيقة الرجاء والإرادة؟

  • «وَأعْلَمُ أَنَّكَ لِلرَّاجِي بِمَوْضِعِ إِجَابَةٍ، وَلِلْمَلْهُوفِينَ بِمَرْصَدِ إِغَاثَةٍ».

  • حقًّا، إنّي أعلمُ أنّ الذين يرجونك… «للراجي» أي: لمن كان راجيًا، والمقصود بالمرجوّ هنا أنت يا ربّ، وهذا واضحٌ من سياق العبارة. فمن يرجوك، فإنّك «بموضع إجابة» أي أنّك في مقام الإجابة، فلا تُخيِّبُ رجاءهم وأملهم.

  • أشرتُ سابقًا إلى أنَّ مسألة الرجاء حقيقةٌ نفسانيّة، وهذه الحقيقة، كغيرها من المسائل النفسانيّة مثل الإرادة والمشيئة والعزم، لها لوازم وتَبِعات تقتضيها؛ فلا يُمكن أن نمتلك إرادةً وعزمًا تجاه أمرٍ ما، ونكون في الوقت نفسه غير مبالين به؛ فهذان الأمران يتنافيان. ولا يُمكن أن تكون لدينا إرادة وعزمٌ على فعل شيء، ولكن لا نُولي أيَّ اهتمامٍ بمتابعته. ولا يمكن أن نمتلك العزم والإرادة للنجاح في امتحانات المدرسة، ولكن لا ندرس أبدًا، أليس كذلك؟ لا يُمكن ذلك، بل يجب أن ندرس. فالذي لديه إرادة وعزمٌ على أمرٍ ما، فإنّه يُتابعه، إلّا إذا لم يكن عازمًا عليه منذ البداية، فيكون لديه مجرّد ميل، فيقول: «لا بأس، إن حصل من تلقاء نفسه فبها ونعمت». وهذا، نظير الذي يقول: «يا كسول، لا تذهب إلى الظلّ، فالظلّ سيأتيك بنفسه»، حيث جلس أحدهم، فقيل له: «إنّ الشمس تُؤذيك»، فقال: «لا، فالشمس ستزول تدريجيًّا، وسيسقط ظلّ هذا الجدار عليّ، من دون أن أُكلّف نفسي عناء الذهاب». فهؤلاء ليست لديهم إرادة وعزم.

  • قصّة العزيمة التي رسّخت مسار الحياة

  • في أحد الأيّام بعد وفاة المرحوم العلاّمة، ذهبتُ لزيارة أحد أصدقائه الذي كان قد قدم إلى مشهد، وهو من العلماء المعروفين في طهران.. السيّد إبراهيم الكرمانشاهيّ الخسروشاهيّ، والذي ذُكر اسمه في كتاب «الروح المجرّد». فذهبت لزيارته برفقة أخي الأكبر على ما أظنّ، فنقل لنا قصّةً عن المرحوم العلاّمة الطهرانيّ كانت تُثير إعجابه الشديد.

  • قال: «عندما قدم والدكم السيّد محمد حسين إلى قمّ، كان طالبًا مُجدًّا، وكان منظّمًا جدًّا في أعماله ودرسه وانضباطه». وتابع قائلاً: «في أحد الأيّام، ذهبنا برفقته لحضور درسٍ في الأخلاق كان يُلقيه المرحوم الشيخ عبّاس الطهرانيّ»، حيث كان الشيخ رحمة الله تعالى عليه رجلاً عظيمًا وزاهدًا وعابدًا، ومن أصحاب الأحوال وأرباب القلوب والمكاشفات، وهو والد زوجة السيّد آية الله الخسروشاهيّ الموجود حاليًّا في طهران بعينه. قال: «ذهبت معه إلى درس الأخلاق الذي كان يعقده الشيخ عصر كلّ خميس، وكان يحضره نخبةٌ من الخواصّ. وبما أنّني كنت أتردّد على ذلك المجلس من قبل، فقد وافق بسببي على انضمام والدكم إليه، فذهبنا معًا».

الإرادة الصادقة ومنطق الدائن في السلوك إلى الله - سراب المشاهدات الروحيّة: عندما تكون المكاشفات حجابًا عن الحقيقة

3
  • ومن الجدير بالذكر أنّ الشيخ عبّاس الطهرانيّ يختلف عن الشيخ عباس القمّي صاحب كتاب «مفاتيح الجنان»، فلا يقعنَّ الاشتباه؛ لأنّ الشيخ عبّاس صاحب المفاتيح شخصٌ آخر، وكان هو أيضًا رجلاً صالحًا رحمه الله، لكنّ الشيخ عباس الطهرانيّ كان يختلف عنه وعن مسلكه، حيث كان من أهل العرفان والسير والسلوك، بينما لم يكن الشيخ عبّاس صاحب المفاتيح كذلك؛ أي لم يكن من أهل هذه المعارف، بل يظهر من كلامه أنّه ربما كان يُخالفها أيضًا.

  • قال السيّد الخسروشاهيّ: «عندما ذهبنا إليه، وبعد أن انتهى درس الأخلاق الذي كان يدور حول حقيقة العلم ونورانيّته، والالتزام بالعمل بمقتضى العلم، والإعراض عن الدنيا والمناصب، وما إلى ذلك من مسائل، التفت إليّ السيد محمد حسين وهو يقول: "يا سيّد إبراهيم، إنّ هذه الجلسة التي حضرناها اليوم عندالشيخ عبّاس قد حدّدت مساري حتّى آخر العمر"».

  • قال السيّد الخسروشاهيّ: «لقد تعجّبتُ كثيرًا من طريقة تعبيره وكلامه، وكيف يمكن لإنسانٍ أن يكون بهذا القدر من الاطمئنان والاستقامة على مبدأ معيّن، فيقول بهذا الجزم القاطع: "لقد حدّدت مساري حتّى آخر العمر". لقد تعجّبتُ كثيرًا من إرادته هذه!». حيث يتطلّب الأمر الكثير حتّى يقول أحدهم مثل هذا الكلام؛ أجل، قد يقول شخصٌ آخر: «حسنًا، لقد استفدنا من هذا الكلام وهذا المجلس، وكان حديثًا جيّدًا جدًّا»، أمّا أن يأتي أحدٌ ويقول بهذه القوّة: «لقد حدّدت مساري حتّى آخر العمر»، فهذا يدلّ على أنّه يمتلك إرادةً قويّةً جدًّا تجاه هذا الأمر، وقد كنّا نرى هذه الإرادة فيه حقًّا. 

  • فعندما كان يريد أن يُنجز أمرًا ما، لم يكن لديه مجالٌ للتراجع أبدًا؛ أي لم يكن هناك شيءٌ يُمكن أن يمنعه من إنجاز ذلك العمل، وكانت كلّ الأمور الأخرى تتأثّر بقراره ذاك. وهذه الإرادة هي التي جعلته يقف صامدًا في وجه كلّ المشاكل التي كانت تعترضه بسبب علاقته بأستاذه، وما كان يُقال عنه من كلامٍ وما يُثار حوله من قضايا؛ فلم يكن يلتفت إلى كلّ ذلك، بل كان ذا إرادة قويّة جدًّا في إنجاز ما يصبو إليه. ومن الطبيعيّ أنّ من يكون بهذا النحو يصل إلى مبتغاه وأهدافه.

الإرادة الصادقة ومنطق الدائن في السلوك إلى الله - سراب المشاهدات الروحيّة: عندما تكون المكاشفات حجابًا عن الحقيقة

4
  • أمّا لو كان الإنسان متراخيًا ـ وأنا أتحدّث عن نفسي ـ فيقول مثلاً: «حسنًا، إن استيقظنا الليلة [للعبادة] فبها ونعمت، وإن لم نستيقظ فلا بأس. وإن قمنا بهذا العمل فهو أمر جيّد، وإلاّ، فلنؤجّله إلى الغد. يا عزيزي، كم من الناس أتوا وذهبوا، وكم منهم وصلوا؟ وهل كُتب اسمنا في قائمة أولياء الله؟! كم من الناس أتوا عند المرحوم العلاّمة، وكم منهم…؟ لقد رأينا العجائب بعد وفاته!». وهكذا يظلّ يردّد: «يا عزيزي، يا عزيزي…». فتجدنا نقول له من هذه الناحية: كذا، وهو يقول من تلك الناحية: كذا.

  • هل كان أولياء الله مختلفين عنّا في خلقتهم؟

  • إنّ أولياء الله لم تكن لديهم قرونٌ ولا ذيول منذ البداية، ولم يكن لديهم ذلك لاحقًا أيضًا، ولا أريد القول إنّهم كانوا منذ الأوّل... فلم يكونوا ظاهرين للعيان، بل كانت هيئتهم كهيئة الجميع. عندما وُلدوا، لم يتجاوز وزنهم ثلاثة أو أربعة كيلوغرامات، ولم يولدوا بوزن خمسة وعشرين كيلوغرامًا! كلّا، كانوا من حيث الوزن والشكل والهيئة مثلنا تمامًا. كما أنّ الإمكانيّات والقيود التي وضعها الله أمامهم كانت ضمن هذا النطاق، لا أنّه كانت لديهم إمكانيّات خاصّة أو خدمات منفصلة قدّمها الله لهم، كلّا!

  • كانوا في الوضع نفسه وبالكيفيّة ذاتها. لكن، ما كانوا يمتلكونه ـ وأنا أتحدّث عن نفسي، فأنا أفتقر إليه ـ هو همّةٌ وتصميمٌ وإرادةٌ في نفوسهم وبواطنهم، كانت تحفظهم عن اليمين واليسار والشمال والجنوب. تلك الإرادة والهمّة كانت تصونهم عن الانحراف يمينًا ويسارًا، صعودًا وهبوطًا، وكانوا يعتبرون مسار حياتهم كلّه مقدّمةً وطريقًا للوصول إلى ذلك الهدف.

  • لو قيل لأحدهم فجأة: «اترك هذه المدينة واذهب لتعيش في قرية»، لحمل حقيبته على ظهره وقال: «يا علي، في أمان الله»، حتّى لو كانت حياته في هذه المدينة مليئة بالنشاط والحركة ولديه مكانة ومنزلة؛ إذ لا شيء من هذا يهمّه! فيحمل حقيبته ويقول: «يا علي، في أمان الله»، ومعه سروالٌ وقميصٌ واحد، ويودّع الجميع، والباقي على الله. فلم يكونوا متعلّقين بهذه الدنيا ولا بهذه الحركة والمكانة.

  • لماذا ترك المرحوم العلاّمة مسجده في طهران؟

الإرادة الصادقة ومنطق الدائن في السلوك إلى الله - سراب المشاهدات الروحيّة: عندما تكون المكاشفات حجابًا عن الحقيقة

5
  • كان المرحوم العلاّمة يقول: «عندما توفّي والدي، سلّموني مسجد (القائم) لأؤمّ جماعته؛ لأنّ والدي بنى عدّة مساجد»، حيث بنى جدّي رحمه الله مساجد كثيرة، وكان يسلّمها لمن يرى أنّ لديهم الأهليّة، وبنى مسجدين أحدهما مسجد (لاله زار)، الذي كان يؤمّ جماعته، والآخر مسجد (القائم) الذي كان يؤمّ جماعته أحيانًا، وقد شيّده بعد مسجد (لاله زار)، حيث تبرّع بأرضه رجلٌ صالحٌ رحمه الله، وهو الميرزا علي الطهرانيّ، وقبره موجودٌ في زاوية مسجد (القائم) نفسه. أمّا البناء، فقد ساهم فيه أصدقاؤه ومحبّوه.

  • كان والدي رحمه الله يقول: «كنتُ في حياة والدي أذهب إلى مسجد (القائم) وألقي محاضرات في شهر رمضان، وكنتُ شغوفًا جدًّا بالخطابة، حتّى أنّي كنتُ أقول لوالدي: "سأصعد المنبر اليوم"، فكان يقول لي: "حسنًا، اذهب واصعد"؛ فكنت أصعد المنبر، وأحيانًا أخطئ في القراءة، ثم أنزل فيقول لي: "لقد أخطأتَ هنا، وهذا الإعراب قرأتَه بشكل خاطئ". وفي اليوم التالي كنت أذهب وأكرّر الأمر نفسه. وفي إحدى المرّات، نزلت من المنبر، فقال لي والدي: "يا سيّد محمد حسين ـ وكان صريحًا جدًّا ـ في المرّة القادمة إن أخطأتَ في القراءة، سأقول لك من أسفل المنبر إنّك أخطأت، فانتبه جيّدًا"». قال المرحوم العلاّمة: «فكنت أنتبه جيّدًا بعد ذلك حتّى لا أخطئ في قراءة الروايات».

  • عندما يصبح المنبر حجابًا

  • وبعد أن توفّي والده، تقرّر أن يأتي إلى مسجد (القائم)، فقال: «رأيتُ أنّ هذا المسجد حجابٌ لي وسدٌّ يمنع تكاملي، ويُلقيني في لعبة المريد والمحراب وما إلى ذلك، وأنا الآن بحاجةٍ للذهاب وإكمال دراستي». مع أنّه كان مجتهدًا قطعًا عندما أراد الذهاب إلى النجف، حيث ذهب إليها وهو مجتهد، ومع ذلك قال: «لا بدّ لي من الذهاب لإكمال دراستي، فلا تزال هناك مسائل أخرى في مواضيع مختلفة لم أتقنها بعد، وإذا بقيتُ في مسجد (القائم)، فإنّه سيصدّني عن ذلك».. قال: إنّه سيصدّه! إضافةً إلى ذلك، كانت هناك بعض المسائل العائليّة والداخليّة التي من الأفضل عدم ذكرها، وكما كان يقول هو نفسه: «لقد أغلقنا ذلك الملفّ الأسود، ولن نفتحه مرّة أخرى».

الإرادة الصادقة ومنطق الدائن في السلوك إلى الله - سراب المشاهدات الروحيّة: عندما تكون المكاشفات حجابًا عن الحقيقة

6
  • لذلك، ورغم إصرار أصدقائه وأقربائه عليه بالبقاء [في مسجد القائم]، قائلين: «يا سيّد محمّد حسين، ابقَ هنا، فهذا مسجد أبيك وسيضيع من أيدينا، ولقد بذلت لأجله العديد من المشاقّ»، ظنًّا منهم أنّه دكّانٌ أو خانٌ أو متجرٌ، وهو كذلك الآن في الواقع، لا أنّه ليس كذلك! قال: «حزمت أمتعتي وارتحلت إلى النجف عازمًا على عدم العودة أبدًا، بل على البقاء هناك».

  • دعاءٌ في سرداب الغيبة: الموت أو الوصول!

  • وكان يقول: «عندما وصلت إلى العراق، وقبل أن أصطحب والدتي معي ـ حيث ذهب أوّلاً لكي يعثر على منزل بالنجف ويُجهّزه، ثمّ يعود ليأخذ معه والدتي ـ ذهبت إلى سامرّاء، وفي سرداب حضرة وليّ العصر عجّل الله تعالى فرجه، صلّيت ركعتي صلاة الاستغاثة بإمام الزمان، ودعوتُ الله وتوسّلت بالإمام قائلاً: "إنّني قادم إلى النجف طلبًا للكمال، فإن كان قدومي إليها ودخولي في أوساط العلماء والدرس والبحث والمجالس سيمنعني من الوصول إلى ذلك الكمال، فاقبض روحي هنا، ولا تدع الأمر يصل إلى هناك، بحيث أقضي حياتي في هذه الأمور». فقد كان يعلم ما كان يجري هناك من أمور، وما يدور في حوزة النجف من أحاديث ومسائل وصفقات وتآمرات، والله وحده يعلم ما كانت تخبّئه تلك الأيّام. الله وحده يعلم ما كان يجري في تلك البيوت وما كان فيها من مسائل. لقد رأيت لمحةً من ذلك في قمّ في الأزمنة السابقة، لمحةً يسيرة… ففي فترةٍ ما، عندما كنت في قمّ، طغت عليّ نزعة الفضول، فدخلت في بعض المسائل وبعض البيوت، واطّلعت على بعض القضايا، فرأيت أمورًا عجيبة، بحيث كِدتُ أفقد ديني، فتركتُ كلّ شيء جانبًا بشكل كلّي، ولم أتفوّه عنها بكلمةٍ حتّى الآن، بل ولن أتكلّم عنها أبدًا. فقد رأيت أنّ الأوضاع كانت ممتازةً حقًّا! وعجيبةً جدًّا!

  • حسنًا، لقد رأى هو أيضًا هذه الأمور، وسمع عنها، وقال: «أنا الآن أريد أن أذهب إلى النجف من أجل أمير المؤمنين عليه السلام، أريد أن أذهب إلى هناك وأضع رأسي على عتبته وأقول له: "محبّتي خالصة لك، وأنا من خدّامك، فخُذ بيدي". فإذا أتيتُ إلى هنا وابتليتُ بهذه الأوضاع والأحوال، فالموت أفضل لي، فلماذا سأعيش حينئذ؟! وخلاصة القول، لقد التزمت بهذا العهد مع إمام الزمان عليه السلام، وشددت حزامي جيّدًا، وأتيت».

الإرادة الصادقة ومنطق الدائن في السلوك إلى الله - سراب المشاهدات الروحيّة: عندما تكون المكاشفات حجابًا عن الحقيقة

7
  • هل استُجيب الدعاء في عرض النهر؟

  • في السابق، لم يكن هناك جسرٌ للعبور من سامرّاء إلى الضفّة الأخرى، فكانوا يركبون القوارب الصغيرة لعبور نهر دجلة. قال: «ركبت أحد هذه القوارب، وفي وسط دجلة، ثارت الأمواج بقوّة حتّى كاد القارب… فقلت في نفسي: "لقد استُجيب دعائي، وها هو إمام الزمان عليه السلام يلبّي طلبي"، وقلتُ لنفسي: "أنت الذي طلبتَ هذا، فاستعدّ الآن!". ولكن لا، فقد مرّ الأمر على خير، وهدأت الأمواج، ووصلتُ إلى الضفّة الأخرى من دجلة»، هل هذا واضح؟ حسنًا، فهذه الأمور التي أذكرها هي لنا ولأمثالنا، وخاصّةً لسلك أهل العلم. 

  • [يقول:] لقد وضعت نصب عينيّ أن أهتمّ بشؤوني فقط، ولا ألتفت إلى أيّ شيء آخر. كان يقول: «لم أشارك في صلاة جماعةٍ واحدة، ولا في مجلس فاتحةٍ أو عزاءٍ، ولا في سهراتٍ ليليّة أو نهاريّة… أبدًا، لم تطأ قدمي هذه المجالس طوال سبع سنوات». فكان يذهب إلى الدرس فقط، ويتباحث، ثمّ في ليالي الخميس، حيث لا تكون هناك دروسٌ غالبًا، كان يذهب إلى مسجد السهلة، ويبيت فيه حتّى الصباح، ثمّ يعود إلى النجف.

  • كان لديه مجموعةٌ من الأصدقاء والرفقاء من أرباب القلوب، وقد توفّي بعضهم رحمهم الله، ولكن لا يزال بعضهم على قيد الحياة في أماكن متفرّقة، نسأل الله أن يُؤيّدهم جميعًا. وكانوا على مستوياتٍ مختلفة، فكانت علاقته ببعضهم جيّدة، وببعضهم الآخر ضعفت حتّى النهاية. فكان يجتمع مع نفرٍ قليلٍ منهم، وهذا كلّ ما في الأمر.

  • الأمر المفاجئ بالعودة من النجف

  • وفجأةً، أمره أستاذه، السيد الحدّاد، بالعودة إلى إيران. لقد كانت لديه تلك الرغبة وذلك التصميم، وكان وضعه لا يسمح له حتّى بتخيّل العودة إلى إيران، بل كان يعتبر الأمر منتهيًا، وأنّ مُقامه هو بالنجف، ولا ينتظر شيئًا آخر. وفجأةً، وبشكلٍ غير متوقّع، وفي ظروفٍ خاصّة، أمره أستاذه بالعودة إلى إيران. يقول: «لقد وقع هذا الكلام على رأسي كالمطرقة!». كيف ذلك؟ يأمره بالعودة إلى إيران، وهو أمرٌ لم يكن يخطر على باله أبدًا، وخاصّةً بعد ماذا؟ بعد أن أمضى سبع سنواتٍ في النجف، بجوار أمير المؤمنين عليه السلام، وذاق طعم الإقامة هناك، ووصل إلى مطلوبه الحقيقيّ۱ بعد سبع سنوات، لا أنّه وصل إلى ذلك من بداية السنوات السبع.

    1. أي لقاء السيّد الحدّاد. المعرّب

الإرادة الصادقة ومنطق الدائن في السلوك إلى الله - سراب المشاهدات الروحيّة: عندما تكون المكاشفات حجابًا عن الحقيقة

8
  • من هو السيد الحدّاد في حياة العلاّمة الطهرانيّ؟

  • اسمعوا ما أقوله لكم: لقد كان المرحوم السيد الحدّاد هو كلّ وجود المرحوم الوالد، ولم تكن المسألة مجرّد محبّة لأستاذه، بل كانت مسألة وجود. كانت حياة والدي كلّها هي السيّد الحدّاد، ووجوده كلّه هو السيّد الحدّاد، وحياته كلّها هي السيّد الحدّاد. عندما كان يُذكر اسم السيد الحدّاد، كان يتغيّر لونه ويحمرّ وجهه؛ وإذا كان على الأرض، كان يقوم ويجلس، وكان حاله يتغيّر تمامًا، هل التفتم؟ هكذا كانت المسألة، لا أن يقول: «نعم، لديّ أستاذٌ أيضًا، رحمه الله، كان في مكان كذا، وهو رجلٌ صالحٌ جدًّا». هذا بغضّ النظر عن الأمور الأخرى، فعلى كلّ حال، كان يقول عن الصالحين: «نعم، إنّه رجلٌ عظيمٌ وصالحٌ جدًّا، يزورني أحيانًا في منزلي ويتفقّد أحوالي، إنّه رجلٌ صالحٌ جدًّا». أمّا السيد الحدّاد فكان كلّ حياته.

  • شخصٌ كهذا، وكما يقول عنه هو بنفسه، كان قد أمضى سبع سنواتٍ في الحيرة والضياع [في البحث عنه]، فاذهبوا واقرأوا عبارته في كتاب «الروح المجرّد»، في الصفحة التي يشرح فيها وصوله إلى السيد الحدّاد ـ لا أذكر رقم الصفحة الآن ـ حيث كتب تعليقةً من سطرين أو ثلاثة في هامش الصفحة، وهذه التعليقة تحمل الكثير من المعاني. يقول فيها ما مضمونه: «لقد كنتُ في هذه الفترة التي قضيتها في النجف في حيرةٍ وضياع». متى يقول هذا الكلام؟ يقوله بعد أن أمضى ثلاث سنوات ونصف من فترة إقامته الثانية في النجف ـ التي استمرّت سبع سنوات ـ مع المرحوم الشيخ الأنصاريّ.. ذلك الرجل صاحب اليد البيضاء. بعد كلّ هذا، يقول إنّه كان حائرًا. فماذا يكون حال هذا الإنسان عندما يلتقي بشخصٍ مثل السيّد الحدّاد؟ هل كان من الممكن أن يفارقه بعد ذلك؟

  • ومع ذلك، عندما قال له السيّد الحدّاد: «اخرج من النجف واذهب إلى إيران»، قال لي بنفسه: «لم أتردّد لحظةً واحدة». إلى هذا الحدّ كان مُصمّمًا في إرادته وعزمه على فعل الخير والصلاح، حيث لم يتردّد لحظةً في الامتثال. ولا يخفى أنّه قال بعد ذلك لأستاذه: «يا سيّدي، ما كِدتُ أتذوّق طعم مجالستك ومصاحبتك، فإلى أين ترسلني؟». فأجابه: «أينما تذهب فأنت معي». وهذه أمورٌ قد قرأتموها بأنفسكم، هل التفتّم؟!

الإرادة الصادقة ومنطق الدائن في السلوك إلى الله - سراب المشاهدات الروحيّة: عندما تكون المكاشفات حجابًا عن الحقيقة

9
  • ماذا نرجو من الله، وكيف نطلب؟

  • حسنًا، هذا النحو من الإرادة هو الذي يجعل الإنسان راجيًا. فالذي يرجو رحمة الله، فإنّ الله يعطيه، لا أنّه لا يعطيه، ولكنّه يعطيه بحسب درجته. فكلّما نزلنا درجة، أعطانا بمقدارها، فإذا لم تكن درجة مائة، فستكون تسعين، وإذا لم تكن تسعين، فستكون ثمانين، فليس من الضروريّ أن تكون مائة دائمًا. ولكن لماذا لا يطلب الإنسان الدرجة المائة من ذاتٍ هي في موضع الإجابة؟ فإذا كانت هناك خسارة، فإنّ سببها هو الإنسان نفسه، لا أنّ هناك منعًا أو بخلاً من ذلك الجانب؛ لأنّ الجانب الآخر يقول: «تفضّل». فمن يجلس بجانب البحر، ويأخذ منه مقدار كوب، كم ينقص من ماء البحر؟ لا شيء. ولو قال له: «لديّ برميلٌ هنا لأعطيك إيّاه»، لقال: «لا يا سيّدي، يكفيني فنجان». فيقول له: «حسنًا، خذ فنجانًا». ويأتي آخر فيطلب كوبًا، وآخر يطلب وعاءً، وآخر يطلب برميلاً، كلٌّ بحسب إرادته وتصميمه.

  • يقول أمير المؤمنين عليه السلام في المناجاة الشعبانيّة: «إِلَهِي أَقِمْنِي فِي أَهْلِ وَلَايَتِكَ مَقَامَ مَنْ رَجَا الزِّيَادَةَ مِنْ مَحَبَّتِكَ». أي: يا ربّ، اجعلني في مكانة من يرجو زيادة محبّتك. فالإمام عليه السلام يطلب من الله أن يجعله في أسمى المراتب، وفي مرتبة من يرجو زيادة محبّته له. وعندما تزداد محبّة الله له، فماذا سيترتّب على ذلك؟ سيترتّب عليه أنّه سيقترب، ويحصل له القرب.

  • حسنًا، هنا توجد عدّة أمور: أوّلاً، بماذا يجب أن يتعلّق الرجاء؟ وماذا يجب على الإنسان أن يطلب؟ هذه مسألة. المسألة الثانية هي: هل الدعاء والرجاء للوصول إلى الكمالات والرغبات صحيحٌ؟ وهل الطلب من الله صحيحٌ أم لا؟ لأنّنا نجد في بعض الموارد أنّه يجب على الإنسان أن يكون مُسلّمًا. والمسألة الثالثة هي: ماذا يجب على الإنسان أن يفعل مقابل هذا الرجاء الذي يرجوه من رحمة الله وفيوضاته؟ هذه مسائل مختلفة، يجب أن نشير إلى كلٍّ منها بإيجاز.

  • أحد هذه الأمور هو: ماذا نرجو؟ وماذا نطلب؟ فالنصّ هنا لم يحدّد، فالراجي، يرجو ماذا؟ يرجو الله، ويرجو لطفه، ولكن بالنسبة لأيّة مسألة؟ لا شكّ من الناحية العقليّة والبرهانيّة أنّنا يجب أن ننظر إلى الطرف المرجوّ لنعرف من أيّة مقولةٍ هو. فقد يكون المرجوّ هو الوالد الإنسان، حيث نجد أنّ الإنسان يرجو من والده أن يوفّر له وسائل العيش والدراسة، وأن يرسله إلى المدرسة ويؤمّن له طعامه وحياته، فهذه هي الآمال التي يعلّقها الإنسان على والده، وكذلك بالنسبة للمسائل المعنويّة.

الإرادة الصادقة ومنطق الدائن في السلوك إلى الله - سراب المشاهدات الروحيّة: عندما تكون المكاشفات حجابًا عن الحقيقة

10
  • لا تطلب الباطل من إله الحقّ

  • وقد يرجو الإنسان رئيسه في العمل، فماذا يرجو منه؟ يرجو أن يمنحه ترقيةً، أو إجازةً، أو زيادةً في الراتب.. هذه هي القاعدة، وإلّا فالإنسان ليس عاشقًا لعيون رئيسه! فالرجاء من رئيس العمل، والانحناء له، والتملّق، كلّ ذلك من أجل ماذا؟ من أجل أن يوافق له على إجازةٍ بسرعة عندما يطلبها، أو يمنحه ترقيةً أو مكافأة. نحن لم نعمل في الدوائر الحكوميّة، ولكن، هذه هي طبيعة الأمور هناك. أو أن يرسله في مهمّة إلى مكانٍ ذي طقسٍ لطيف، لا إلى أماكن حارّة وقائظة. هذه هي الآمال التي يعلّقها الإنسان على رئيس الدائرة، ولا أحد يرجو من رئيسه أن يدعو له في صلاة ليله؛ لأنّه من غير المعلوم أنّه يصلّيها أصلاً. ولو جاء مسؤول غرفة إلى رئيسه وقال له: «سيّدي، ادعُ لنا في صلاة ليلك»، لقال له: «اذهب لحال سبيلك سبيلك، فأنا صلاة الصبح عندي قضاءٌ». بالطبع، هذا كان في زمن الشاه، أمّا الآن فالوضع مختلف، فالحمد لله الجميع صالحون!!! أو أن يرجو الإنسان من رئيسه أن يدعو له تحت ميزاب الكعبة عند ذهابه للحجّ! سيقول له: «أيّ حجّ يا هذا؟ أتُمازحني؟». فلا يُرجى من رئيس الدائرة إلّا مثل هذه الأمور: ألّا يعزله، وأن يمنحه إجازةً وترقية.

  • افترض أنّ أحدًا يعمل لدى آخر، فماذا يرجو منه؟ يرجو أن يوفّر له عمله، ويرفع من مكانته، وما إلى ذلك. وأحيانًا، يرجو الإنسان أن تتحسّن أموره وحياته. وقد يكون المرجوّ هو الأستاذ العلميّ للإنسان، فماذا يرجو منه؟ يرجو أن يشرح له الدرس بشكلٍ أفضل، ويجيب عن إشكالاته، ويكون أكثر استعدادًا للمسائل العلميّة، وأن يبيّن له دقائق الدرس والإشكالات المحتملة. هذه هي أنواع الرجاء. اضربوا أنتم أمثلةً أخرى، فقد اكتفينا بذكر رئيس الدائرة، والباقي عليكم.

  • أمّا الطرف الذي نرجوه نحن، فمن أيّة مقولةٍ هو؟ هل هو رئيس دائرة؟ أم شخصٌ دنيويّ؟ أم من أهل الصفقات والمصالح؟ كلّا، إنّ الذي يقع في مقابلنا هو الحقّ المتعال، ومرجوّنا هو الحقّ المتعال.. ذاتٌ لامتناهية، مفيضٌة على الإطلاق، كلّ رغباتها وعناياتها وألطافها وأوامرها ونواهيها حقٌّ وصلاحٌ وعين الواقع؛ هل هذا واضح؟

الإرادة الصادقة ومنطق الدائن في السلوك إلى الله - سراب المشاهدات الروحيّة: عندما تكون المكاشفات حجابًا عن الحقيقة

11
  • هذه هي الذات التي نقف أمامها، فهل يمكننا أن نطلب منها الباطل، فتستجيب لنا؟ لا يمكن ذلك. فلو قلنا والعياذ بالله: «اللهمّ وفّقنا للزنا»، فماذا سيكون الجواب؟ سيقول: «اعرف من تُخاطب، واستحِ». ولو قلنا: «اللهمّ وفّقنا للسرقة»، فسيقول: «عفوًا، هذه الأمور عليك أن تتعلّمها من غيري، ومن أولئك الذين ذكرتهم في البداية، فهم سيعلّمونك طريقتها وكيفيّتها، وكيف تنهب أموال الناس دون أن يشعر أحد». ولا يخفى أنّ هذا كان في الزمن السابق، في زمن الشاه! ويُعلّمونك كيف تخدع الناس وتحتال عليهم، حتّى لا يكتشفوا أيّة خدعةٍ وقعوا فيها إلاّ بعد مرور عشرين أو ثلاثين عامًا. 

  • يقول الله: «أنا لست بهذا النحو، فلا تطلبوا منّي السرقة، ولا الرشوة». ولو قال أحدهم: «اللهمّ وفّقني لأرتشي من الناس عندما يراجعونني في الدوائر الحكوميّة»، فهل هذا موجودٌ الآن؟ سيقول الله: «لا، لن أوفّقك لهذه الأعمال أبدًا». «اللهمّ وفّقني لأخدع صديقي وأكذب عليه»، سيقول الله: «ليس في حضرتنا كذبٌ، بل صدقٌ». «اللهمّ وفّقني لأسوء الظنّ بصديقي وأهلي، وأدبّر لهم المكائد وأوقعهم في المهالك»، سيقول الله: «لا». «اللهمّ وفّقني لما هو خلاف صلاحي»، سيقول الله: «لا، لن أفعل هذا أيضًا، ولن أوفّقك لوضعٍ يكون خلاف صلاحك». لكن، تجدنا نُصرّ أحيانًا، ونقول: «اللهمّ افعل كذا وكذا»، حتّى يغضب الله فيقول: «حسنًا، سأفعل».

  • قصّة الرجل الذي أصرّ على طلب الولد الذكر

  • أعرف أحد الأشخاص قد توفّي رحمه الله، وكان رجلاً صالحًا، ولم يكن يُنجب ذكورًا، بل كانت كلّ ذريّته من الإناث، فألحّ على الله كثيرًا أن يرزقه ولدًا. قيل له مرارًا إنّ هذا ليس في صلاحه. لكنّه أصرّ وقال: «لا، أنا أريده»، ولم يتراجع، وكلّما زار مقام إمامٍ توسّل به، حتّى قيل له في النهاية: «حسنًا، سنعطيك إيّاه». فرُزق بولدٍ ذكر، ولا يزال هذا الولد مشلولاً حتّى الآن. فكان يقول بنفسه: «ليتني لم أطلب ذلك من الله»، فقد قيل له مرارًا إنّه ليس في صلاحه. أحيانًا يحدث هذا، وذلك عندما يصرّ الإنسان على أمرٍ ما. ويبقى أنّنا سنترك البحث عن مسألة الإصرار لوقت لاحق.

الإرادة الصادقة ومنطق الدائن في السلوك إلى الله - سراب المشاهدات الروحيّة: عندما تكون المكاشفات حجابًا عن الحقيقة

12
  • إذًا، كيف يجب على الإنسان أن يطلب؟ وما هو أسلوب الطلب؟ ومن هو الذي يقع في مقابلنا؟ الذي يقع في مقابلنا هو الله، الذي هو أرحم بنا من أيّ شخصٍ آخر، ويعرف مصالحنا أفضل منّا. هل اتّضح الآن إلى أين يتّجه الحديث؟ إذًا، ما دام الأمر كذلك، فليفوّض الإنسان أمره إلى الله، وليقل: «اللهمّ ما شئتَ أنت». والتفتوا، فنحن نتّجه نحو ذلك المعنى تدريجيًّا، ولكنّنا لم نصل إليه بعد، فلا يزال هناك بعض المقدّمات.

  • إذًا، من الناحية البرهانيّة، فإنّ مرجوّنا لا يصدر عنه الشرّ ولا الباطل. وما دام الأمر كذلك، يتّضح معنى قوله: «واعلم أنّك للراجي»، أي أعلم يقينًا أنّك لمن يرجوك، فأيّ رجاءٍ هذا؟ إنّه رجاء رحمته، ورجاء الوصول إلى لقائه في المراتب العليا. وفي المراتب الدنيا، هو رجاء الوصول إلى آثاره، ولوازم ذاته وصفاته. ولكن ليس الرجاء في الباطل، أو ما هو خلاف المصلحة، أو ما هو غير مفيدٍ للإنسان.

  • إذا كان الله يعرف الصلاح، فلماذا ندعو؟

  • أحيانًا، لا يطلب الإنسان من الله، بل يسعى وراء أمرٍ بنفسه، فيدخل فيه دون أن يطلبه من الله، وقد ينجح في ذلك، فالله يفتح له الطريق. ولكن أحيانًا، يطلب الإنسان من الله ثمّ يشرع في الأمر، فيجد فجأةً مانعًا يعترضه. فيقول: «يا سيّدي، كلّما حاولتُ لا أنجح، ادعُ لي»، أو «يا سيّدي، هل هناك دعاءٌ لقضاء ديوني؟». قد تقول له مرّةً: «لا»، ومرّتين، وثلاثًا، ثمّ يأتي ويقول: «يا سيّدي، ألا يمكن...؟». يا عزيزي، أنت الآن في وضعٍ… قبل ليلتين أو ثلاث، في الليلة التي كان فيها الرفقاء، أتى أحدهم وأصرّ قائلاً: «يا سيّدي، أعطنا وعدًا، أو دعاءً، لنعمل به حتّى لا يكون علينا دينٌ بعد الآن». قلتُ له: «يا عزيزي، لا ينبغي لك أن تقول هذا الكلام». فماذا عسى الإنسان أن يقول؟ هل يمكنه أن يقول: «أنت في وضعٍ روحيٍّ، لو تغيّرت فيه أحوالك، لوقعتَ في مشكلةٍ نفسيّة»؟ لا يمكنه قول ذلك، فلسانه مقيّد، فماذا يقول؟ «إن شاء الله، سيُصلح الله الأمور، وسيرفع عنك المشاكل»، وهكذا.

الإرادة الصادقة ومنطق الدائن في السلوك إلى الله - سراب المشاهدات الروحيّة: عندما تكون المكاشفات حجابًا عن الحقيقة

13
  • إذًا، ينبغي ألاّ يتعارض الرجاء مع مصالح الإنسان؛ فإذا كان معارضًا لها، اختلف الأمر. فما نطلبه من الله يجب أن يكون ما يراه هو صلاحًا لنا. ومن جهةٍ أخرى، قد نقول: ما دام هو يعلم صلاحنا، فلماذا نطلب منه؟ لماذا نُتعب أنفسنا؟ لنقل مرّة واحدة: «اللهمّ أعطنا ما تعلمه أنت»، وفي أمان الله! كلاّ! فهل نترك قول: «اللهمّ أعطنا ما تعلمه أنت»، أم نطلبه من الله باستمرار؟ فهل نكرّر قولنا: «اللهمّ، ثبّتنا في مواطن رضاك، وثبّتنا في الابتلاءات التي تُقدّرها لنا، وأعنّا على ما قدّرته لنا، ووفّقنا لما تراه مصلحةً لنا»؟ أم نسكت ونقول: «نريد ما يعلمه هو»؟ إنّ قول «نريد ما يعلمه هو» يعكس في الواقع تراخيًا في المسألة. فالذي يعلم أنّ الله يستجيب الدعاء، يجب أن يدعو، ويجب أن يُبقي هذا الرجاء حيًّا في نفسه دائمًا.

  • الرجاء يعني الطلب، فليطلب من الله باستمرار.. إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ رجلاًدَعَّاءً۱، أي يحبّ أن يكون عبده كثير الدعاء. وليس المقصود أن يدعو في كلّ مكانٍ يجلس فيه، لا، بل أن تكون هذه الحالة الخاصّة مشتعلةً في وجوده دائمًا.. حالة طلب تحقيق تلك المصلحة. عندما يقول الله: «يا عبدي، لقد أردتُ لك هذه المصلحة»، ثمّ يلتفت العبد إلى الله ويقول: «إن شئتَ فأعطِ، وإن شئتَ فلا تُعطِ»، سيقول الله: «عجبًا لهذا العبد الوقح!». يقول: «إن شئتَ فأعطِ، وإن شئتَ فلا تُعطِ»، وكأنّه لا يعجبه الأمر. لا، ما دام الله يقول إنّ هذه هي المصلحة، فإذا قال العبد ذلك، فقد يقول الله: «حسنًا، لن أعطيها». ليس الأمر «إن شئتَ فأعطِ، وإن شئتَ فلا تُعطِ». بل يجب على الإنسان أن يُبقي نفسه دائمًا في حالة اشتعالٍ والتهاب للوصول إلى تلك المصلحة والعافية وتلك المسألة؛ عندئذٍ، يصبح «عبدًا دعّاءً»؛ هذه مسألة.

  • الحذر من التعامل بمنطق «الدائن» مع الله!

  • المسألة الأخرى هنا هي: ماذا نفعل؟ إنّ الأعمال التي نقوم بها هي أوامر من الله وتكاليف للوصول إلى هذا المطلوب. حسنًا، هل نأتي ونطلب من الله: «اللهمّ أوصلنا إلى تلك الحقيقة والمرتبة الكماليّة مقابل هذا العمل الذي نقوم به الآن»؟ «إلهي، نحن الآن نؤدّي الحجّ، وبما أنّنا نتعب، فيجب أن تقبله منّا! وإن لم تقبله، فلن يصحّ الأمر. فبما أنّنا أنفقنا المال وذهبنا إلى الحجّ، فيجب أن تقبله. وبما أنّنا أنفقنا المال وذهبنا لزيارة الإمام الحسين عليه السلام وأمير المؤمنين عليه السلام، فقد أنفقنا المال وتعبنا، وابتعدنا عن أهلنا وأولادنا لمدّة أيّام، ففي المقابل، يجب أن تقبل زيارتنا هذه، وتمنحنا صكّ الجنّة كاملاً بسبعة تواقيع، منها توقيع رئيس البلديّة!!». أو: «هذه الصلاة التي نصلّيها الآن، يجب أن نرى أثرها بعدها مباشرةً، فأرِنا شيئًا لنفهم ما القضيّة». ماذا يسمّى هذا؟ يسمّى تصرّف الدائن، ويسمّى مقايضة مع الله.

    1. الكافي، الشيخ الكليني، ج ٢، ص ٤٧٨:
      عنه، عن الجاموراني، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن صندل عن أبي الصباح الكناني عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن الله عز وجل يحبّ من عباده المؤمنين كل [عبد] دعّاء، فعليكم بالدعاء في السحر إلى طلوع الشمس فإنّها ساعة تُفتح فيها أبواب السماء، وتُقسم فيها الأرزاق، وتُقضى فيها الحوائج العظام».

الإرادة الصادقة ومنطق الدائن في السلوك إلى الله - سراب المشاهدات الروحيّة: عندما تكون المكاشفات حجابًا عن الحقيقة

14
  • إنّ الله يكره أن يُقايضه عبدُه، فيقوم بعملٍ ما من أجل مقابل، فيقول: «بما أنّي فعلتُ هذا، فيجب أن تعطيني الجنّة! وإلّا، فسأحاسبك يوم القيامة! سآتي وأقف أمام الخلق جميعًا وأقول: أنا الذي قمتُ وصلّيتُ صلاة الليل، أنا الذي كنتُ أصلّي في أوّل الوقت، أنا الذي أنفقتُ المال وذهبتُ إلى مكّة، أليس كذلك؟! أنا الذي فعلتُ كذا وكذا». فورًا سيأتيه الجواب من الله: «ومن وفّقك للذهاب إلى مكّة؟ وكم من الناس كانوا يملكون المال، فذهبوا في أسفار اللهو واللعب، وقضوا أوقاتهم في مجالس الأنس والفسق، وأنت أتيتَ وصرفتَ مالك في المجيء إلى مكّة، فمن وفّقك؟». كم من الناس قضوا ليلهم حتّى الصباح في اللهو واللعب، وفي مجالس الأُنس والطرب، فمن وفّقك أنت لتقوم وتصلّي، وتحرم نفسك من النوم؟ من وفّقك؟ لو أنّي ألقيتُ حجاب الغفلة على عينيك وقلبك، فهل كنتَ ستقوم وتُصلّي؟

  • يجب علينا أن نبذل كلّ أعمالنا وأفعالنا ونيّاتنا للوصول إلى ذلك المطلوب، ولكن لا أن نفعل ذلك لنصبح دائنين نطالب الله بالمقابل إن لم يُعطنا؛ إذ هنا يكمن الخلل، أي أن نصلّي لنرى أثر الصلاة، ونحجّ لنرى أثر الحجّ، وبما أنّنا ذاهبون إلى كربلاء، فيجب على الإمام الحسين عليه السلام أن يأتي لاستقبالنا من مسافة عشرة فراسخ، ويذبح البقر والغنم تحت أقدامنا. وبما أنّنا نخطو خطوةً الآن، فيجب أن نشعر في المقابل أنّهم قبلونا واستقبلونا بالسلام والصلوات. هذا ليس جيّدًا، وهذا يصبح تجارة، والعبد لا يتاجر مع مولاه، أليس كذلك؟ العبد لا يُتاجر مع مولاه، فالعبد لا يملك شيئًا من نفسه.

  • سراب المشاهدات الروحيّة: عندما تكون الرؤى حجابًا

  • يجب على السالك أن يطلب من الله في اتّجاه واحد، ويقول: «اللهمّ أعطني، اللهمّ اشملني بلطفك، اللهمّ أعطني من رحمتك». وللوصول إلى هذا المطلوب، يجب أن يخطو كلّ خطوةٍ يعلم أنّها تُقرّبه، لا أن يقول: «بما أنّني خطوتُ هذه الخطوة، فيجب أن أرى ما بعدها! لقد خطونا خطوةً مهمّة!». أيّها المسكين، قد يضربك تعالى في نفس ذلك المكان بحجرٍ على قدمك، فتظلّ هذه القدم في الجبس لعامين، من دون أن تتمكّن من رفعها، فماذا تطلب من الله؟! قد يضع في طريق عملك وحياتك عقبتين، فتنشغل بهما لمدّة عشر سنواتٍ أو خمس، ثمّ نرى متى تعود! ما هذا الكلام؟ لا ينبغي أن نطلب من الله كالدائنين! أيّ دينٍ لنا عليه؟ هل بِعناه سلعةً سلفًا حتّى نُطالبه بثمنها؟ للوصول إلى ذلك المطلوب، يجب علينا أن نقوم بكلّ عملٍ لازم، ولكن دون أن نطلب شيئًا في المقابل، لماذا؟ لأنّ إرادته قد تعلّقت بأن نقوم بذلك العمل نفسه، وإلّا لما قمنا به، فممّن نطلب إذًا؟

الإرادة الصادقة ومنطق الدائن في السلوك إلى الله - سراب المشاهدات الروحيّة: عندما تكون المكاشفات حجابًا عن الحقيقة

15
  • إذا قلنا: «إلهي، إنّنا نصلّي صلاة الليل»، فقد لا يرنّ المنبّه في الليلة التالية، فهل ستقوم؟ هذا النحو من التفكير ليس تفكير عبدٍ، ولا سالكٍ، ولا شخصٍ راجٍ؛ لأنّ الذي يرجو رحمة الله، لا يتوقّع منه شيئًا، لماذا؟ لأنّه جعل المسألة في اتجّاه واحد.. في اتّجاه الله تعالى فقط، وانتهى الأمر. «صلّينا ولم نشعر بأيّ حال من الحالات المعنويّة»، وهل تصلّي من أجل الحالات المعنويّة؟ «صلّينا ولم نلاحظ شيئًا في أنفسنا»، وماذا كنت تريد أن ترى؟ «هذا الصيام الذي صمناه…»، نعم، أحيانًا يبحث الإنسان عن خطأ ارتكبه، أو نقصٍ فيه، أو عيبٍ يعتريه، فيسعى لإصلاح عيبه، وهذا أمرٌ لا إشكال فيه؛ كأن يقول: «هل صلّينا كذا وكذا؟»، فيُقال له: «حسنًا، هذا الموضع في صلاتك فيه إشكال، لا تفعل كذا، لا تفعل كذا». وأحيانًا، لا، يكون قد أدّى ما عليه من تكليف، ويبقى أنّ الإنسان محلّ الخطأ والنسيان، فهو معجونٌ بالخطايا والأخطاء، وذلك القدر يغفره الله تعالى.

  • أمّا أن يتوقّع الإنسان… يقول: «لقد أتيتُ لثلاث سنوات ولم أرَ شيئًا»؛ حسنًا، خذ هذه المسائل، واذهب لحال سبيلك. أو يقول: «لم يحدث شيء! حسنًا، لنذهب». أو يقول: «لقد أتيتُ لثلاث سنوات ولم أرَ شيئًا، فماذا حدث؟»، أ فهل أنا مدينٌ لك بشيء؟! اذهب وقل لله تعالى: «لماذا لم يحدث أيّ شيء؟»، لماذا تقول لي أنا ذلك؟! ثمّ يقول: «لماذا لم يحدث شيء؟»؛ أ فهل يجب أن يكون هناك شيءٌ خاصٌّ بالضرورة؟!

  • في زمن المرحوم العلاّمة، كان هناك أناسٌ يغبطهم سائر الرفقاء على أحوالهم، ولكنّني كنتُ قلقًا بشأن حالهم. كانوا يأتون ويقصّون على الآخرين: «أنا أرى مشهد كربلاء في السجدة»، «عندما أستيقظ صباحًا، أسمع من كلّ ورقة شجرٍ نداء (لا إله إلّا الله)» ـ ولم يكونوا يكذبون ـ «أنا في الركوع أسير في سماء كذا»، «رأيتُ النبيّ عيسى عليه السلام في مكان كذا»، وما إلى ذلك. ثمّ كانوا يأتون ويعترضون على سائر الأفراد قائلين: «ماذا فعلتم أنتم؟ ماذا أنجزتم في سيركم هذا؟ نحن أتينا إلى السيّد منذ سنتين أو ثلاث، وها نحن نرى هذه الأمور!». فما هي حقيقة هذا الأمر؟

الإرادة الصادقة ومنطق الدائن في السلوك إلى الله - سراب المشاهدات الروحيّة: عندما تكون المكاشفات حجابًا عن الحقيقة

16
  • كنتُ في ذلك الوقت أسعى لأفهمهم أنّ هذه مجرّد صورٍ برزخيّة تعرض للسالك في مرتبة البرزخ وعالم المثال، أمّا حقيقتك وسرّك فلا يزالان ناقصين، وطريقك لم يُصحَّح بعد. فأحيانًا، يسير الإنسان في الطريق المستقيم، وأحيانًا يسير بشكلٍ متعرّج، وأنت الآن تسير هكذا، ولا تمشي مستقيمًا. ولكنّهم كانوا يقولون لي: «أنت في الأساس لا تفهم هذا الكلام!». فماذا كانت النتيجة؟ هؤلاء الأفراد أنفسهم، بهذه الأحوال والخصوصيّات التي كانوا يُغبطون عليها، فجأةً تحدث قضيّةٌ ما، أو ثورةٌ، أو ضجّةٌ، ويخرج الناس إلى الشوارع يهتفون «يحيا فلان» و«يسقط فلان» و«وا إسلاماه»؛ وفجأةً، نرى هؤلاء الأفراد أنفسهم يقفون في وجه ذلك الأستاذ الذي كانوا يتبعونه لسنوات، ويُخطّئون عمله، ويشكّكون فيه، ويرون أنفسهم أعلم منه بالأمور، فما سبب ذلك؟ سببه أنّ طريقهم كان متعرّجًا، ولم يكن أمرهم سليمًا.

  • الاستقامة لا الكرامات

  • لو كان الطريق سليمًا منذ البداية، لما كانت هناك حاجةٌ لهذه الرؤى. ماذا حدث لهذه الرؤى؟ تقول: «رأيتُ عليًّا الأكبر عليه السلام في السجدة»، في حين أنّك تُشكّك الآن في عمل أستاذك! دع عنك عليًّا الأكبر عليه السلام الآن. أو يقول أحدهم: «أستيقظ صباحًا فأسمع جميع أوراق الشجر تسبّح الله وتهلّله» ، ولم يكونوا يكذبون، فقد كنتُ مع بعضهم في بعض الأماكن، فكانوا يقولون عند مرور الطيور: "هذا ذكره كذا، وهذا ذكره كذا"، ولم يكن ذلك كذبًا، بل القضيّة صحيحة، ولكنّها ليست كلّ المسألة.

  • المهمّ هو ذلك الباطن الذي تتحرّك نفسك على أساسه الآن، لا تلك الصور التي تُعرض عليك، فهذه صور مثاليّة، بينما عليك أن تتحرّك في الملكوت. أنت واقفٌ في عالم المثال، وكلّ هذه المشاهدات والتصوّرات هي في عالم المثال، بينما ملكوتك الآن فاسد؛ ولذلك، حينما تحدث مسألةٌ واحدةٌ، نراه يُغادر بعيدًا، ثمّ يعود مرّةً أخرى، [ثمّ يُغادر مرّة أخرى] لأنّ الإشكال لا يزال موجودًا. وفي نهاية المطاف، تجده فجأةً قد أصبح من أشدّ المُعاندين والمُغرضين والأعداء للمرحوم العلاّمة، ويموت على ذلك الحال. فما هو سبب ذلك؟ سببه أنّه أتى منذ البداية بمنطق المُطالبة.

الإرادة الصادقة ومنطق الدائن في السلوك إلى الله - سراب المشاهدات الروحيّة: عندما تكون المكاشفات حجابًا عن الحقيقة

17
  • «أنا أفعل هذا العمل لأصل إلى ذاك، وإن لم أصل، فسأفعل لله تعالى ما أفعل!». يظنّ أنّه من غير المعقول أن يقوم ليلاً ويصلّي صلاة الليل ثمّ لا يحصل على أيّ شيء! حينئذ، سيقول تعالى: «حسنًا، سأعطيك الآن حفنةً من المكسّرات، ولكن سأحرمك من الأصل، وسأعطيك الآن حفنةً من الحلوى»، فينهض ويأتي ويقصّ على الآخرين ويُسيل لعابهم: «نحن عندما نصلّي نكون هكذا وهكذا»، ويسقط على الأرض في الصلاة، بحالٍ أو بغير حال.

  • ولكن، لو كان الإنسان ذا فهمٍ، فما قيمة كلّ هذا؟ كلّ هذا ظاهر. وأمّا الإنسان الهادئ الذي لا يُصدر ضجيجًا، والذي يسير في طريقه لا يلتفت يمينًا ولا شمالاً، والذي لا يصرخ ولا يصيح، ولا يقول «أنا، أنا»، ولا يتباهى بحالٍ يعتريه، فما شأنه؟ إنّ عمله سليم.

  • وأقول لكم أيضًا، كان المرحوم العلاّمة من جملة الأفراد الذين كانت مشاهداتهم قليلة جدًّا، ونادرة للغاية. ولكن ماذا كان لديه؟ كان لديه بحرٌ من الاستقامة، والإرادة، والجدّية، والصلابة، والإيمان بالطريق والحقيقة. لم يكن يُطالب الله بالمقابل، ولم يكن يتعامل معه بمنطق الأخذ والعطاء. بالطبع، لو فعل أحدٌ ذلك، فقد يُمتّعه الله ببعض المواهب والألطاف، ولكنّ المسألة الأصليّة والقضيّة الأساسيّة تبقى في محلّها ولا تزول.

  • كانت هناك أمورٌ أخرى أردتُ أن أذكرها للرفقاء الليلة، ولكنّ المجلس قد انتهى.

  • تَمام گَشت و به آخَر رَسید عُمر ‌‌***ما همچنان دَر اَوَّلِ وَصفِ تو ماندِه‌ایم
  • يقول: 

  • لقد انقضى (المجلس) و تصرّم العمر *** ‌ *** ونحن ما زلنا حياري في أوّل وصفك‌

  • لقد مضى الوقت الآن، وإن شاء الله لن نُزعج الرفقاء أكثر من هذا، فلديهم أعمال وحياة شخصيّة ومنازل يعودون إليها، وقد يقولون: «كم يتكلّم!». وحتّى لو لم تقولوا أنتم ذلك، فإنّ الآخرين سيقولونه! على الإنسان أن يأخذ جميع الجوانب بعين الاعتبار، أليس كذلك؟! لهذا، إن وفّقنا الله ـ إن شاء تعالى ـ فسنتحدّث عن بقيّة المسائل في الليالي القادمة.

  •  

  • اللهمّ صلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّد