8

رجاء الله أساس القبول وحقيقة التقدير

لماذا لم يمنح الأئمّة عليهم السلام التكنولوجيا الحديثة لأصحابهم؟

15
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1422

التاريخ 1422/09/24

جلسات المجموعة(8 جلسة)

التوضيح

ما معنى رجاء الله؟ وهل إنجازات الكفّار التكنولوجيّة مقبولة عند الله مع أنّهم لا يرجونه بها؟ وما هو سر عدم كشف الأئمة عليهم السلام لأسرار التكنولوجيا في زمانهم؟ كيف يستفيد العالم المدّعي للتحضّر من التكنولوجيا؟ ولماذا يعتبر البعض أن إنجلترا أخطر من أمريكا؟ وهل تصلح الشيوعيّة حليفًا للمسلمين لمحاربة الاستعمار الغربي؟ تجيبك هذه المحاضرة لسماحة العلامة آية الله السيد محمد محسن الحسينيّ الطهراني قدس سره عن هذه الأسئلة وغيرها، مبيّنة حقيقة الرجاء كشرط أساسي لقبول العمل الصالح.

/۱۷
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

رجاء الله أساس القبول وحقيقة التقدير - لماذا لم يمنح الأئمّة عليهم السلام التكنولوجيا الحديثة لأصحابهم؟

1
  •  

  • هوالعليم

  •  

  • رجاء الله أساس القبول وحقيقة التقدير

  • لماذا لم يمنح الأئمّة عليهم السلام التكنولوجيا الحديثة لأصحابهم؟

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢٢ هـ - الجلسة الثامنة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

رجاء الله أساس القبول وحقيقة التقدير - لماذا لم يمنح الأئمّة عليهم السلام التكنولوجيا الحديثة لأصحابهم؟

2
  •  

  •  

  • أعوذُ باللهِ مِنَ الشَّيطانِ 

  • الرَّجيمِ بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ 

  • الرَّحيمِ وصلَّى اللهُ على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسمِ محمّدٍ 

  • وآلِهِ الطاهِرينَ واللعنةُ على أعدائِهم أجمعينَ إلى يومِ الدِّين

  •  

  •  

  • «وَاعلَمْ أَنَّكَ لِلرَّاجِي بِمَوْضِعِ إِجابَةٍ، وَلِلمَلْهُوفِينَ بِمَرْصَدِ إِغاثَةٍ».

  • رجاؤنا للّه أساس القبول والتقدير

  • لقد تحدّثنا قليلاً عن حقيقةِ الرجاء وكيفيّةِ الرجاءِ الذي يجبُ أن يكونَ عند الإنسانِ تجاهَ اللهِ تعالى، ووصلت المسألةُ إلى أنّ اللهَ يقدّرُ ويشاءُ لكلِّ إنسانٍ بمقدارِ رجائهِ وأملهِ به. فمن كان رجاؤهُ قليلاً وأملُهُ ضعيفًا، فمن الطبيعيّ أن يكونَ توقّعُه من اللهِ قليلاً. ومن كان رجاؤهُ كبيرًا وأملُهُ عظيمًا، وسار على هذا الأساسِ وتحرّكَ، فمن الطبيعيّ أن يكونَ توقّعُه من اللهِ كبيرًا، وفي المقابل، سيكونُ لطفُ الله به وعنايتُهُ بهِ كبيرين. وأمّا من لم يكن له رجاءٌ بالله، ولم يكن اللهُ طرف معاملاته وأعماله، بل كانت هذه الأمورُ الظاهريّةُ والدنيويّةُ هي الطرف، فإنّ رجاءَهُ وأملَهُ باللهِ سيكونانِ منتفيين، ولا ينبغي له أن يتوقّعَ شيئًا من الله.

  • فلنفترضْ مثلاً أنّ إنسانًا يستيقظُ وبدلاً من أن يصلّي، يمارسُ الرياضةَ لمدّةِ ربعِ ساعة. حسنًا، هذا لم يقمْ بعملٍ للّه ولأنّ اللهَ قالَ يجبُ أن تصلّي. فالرياضةُ جيّدةٌ بالطبع، وأن يمارسَ الإنسانُ الرياضةَ صباحًا هو أمر جيّد، نحنُ لا نفعلُ ذلك، نحنُ نوصي بهِ الآخرين ولكنّنا لا نفعله. فهذا عمل جيّد، غير أنّ هذه الرياضةَ أنتَ تمارسُها من أجلِ صحّتكَ وسلامتك. فأيُّ أملٍ لكَ من اللهِ بعد ذلك؟ وما علاقةُ اللهِ بالقضيّة؟ يقول يومَ القيامةِ: «يا ربّ، اكتبْ لنا ربعَ ساعةٍ من الرياضةِ أيضًا في حسابنا». فيقولُ الله: «لقد كتبناها، كتبتَها من أجلِ سلامتك، فما علاقتي أنا؟ أنا قلتُ لكَ صلِّ. وللصلاةِ شروطٌ؛ شرطُها الطهارة، والوقوفُ تجاهَ القبلة، ولبسُ ثوبٍ طاهر، والوقوفُ بإخلاصِ نيّة، والتوجّهُ الباطنيّ، وألاّ تُشرِكَ معي أحدًا في الصلاة، وألّا تشتّتَ حواسّكَ هنا وهناك، وألّا تدورَ حولَ العالمِ والأفلاك». وفجأةً يقولُ الإنسان: «السلامُ عليكم ورحمةُ الله»، ولا يعلمُ متى بدأ ومتى انتهى؟ لقد دارَ حولَ الكرةِ الأرضيّةِ كلّها وتحدّثَ مع الجميع. وأجرى بضعَ معاملاتٍ في وسطِ الصلاة، ووقّع على الشيكّاتِ أيضًا، ثمّ قال: «السلامُ عليكم ورحمةُ الله». قال أحدهم: «كلُّ شيء أُضيعهُ أجدهُ في الصلاة»، وكان صادقًا. حسنًا، هذه الصلاةُ لا فائدةَ منها يومَ القيامة. ينظرُ الإنسانُ في صحيفةِ أعمالهِ فيرى أنّ الصلاةَ لم تُكتبْ، «يومَ الإثنين لم تصلِّ». «بلى! لقد صلّيتُ». «تلك الصلاةُ لا فائدة منها. أمّا الصلاةُ المفيدة، فلم تصل إليّ. لقد أمرت في هذه الصلاة، بأن تتوجّه إليّ، ولم آمرك بأن تفكّر بعمّتكَ أو خالتك، أو بأقاربكَ وشريكك، أو بالسفرة التي تريدُ أن تسافرها، أو بالمعاملةِ التي تريدُ أن تبرمَها. قلتُ لكَ تعالَ وقفْ باتّجاهي ووجِّهْ وجهكَ وقلبكَ نحوي، هذا ما قلتُهُ لك. فهل وقفتَ باتّجاهي؟ هل توجّهتَ إليّ؟! لم تتوجّهْ إليّ!».

رجاء الله أساس القبول وحقيقة التقدير - لماذا لم يمنح الأئمّة عليهم السلام التكنولوجيا الحديثة لأصحابهم؟

3
  • إشكال في مجلس العلماء: هل تُقبل أعمال غير المسلمين الصالحة؟

  • في إحدى المرّات، كنّا في مجلسٍ مع المرحومِ العلاّمة، وكان مجلسًا لعلماءِ طهران، وقد شاركنا في فيه بمناسبةٍ ما، في منزلِ أحدِ علماءِ طهرانَ المعروفين والذي انتقلَ إلى رحمةِ اللهِ الآن، وكان يحضرُ في ذلك المنزلِ حوالي أربعينَ أو أكثر من أئمّةِ الجماعات. وكان المرحومُ العلامة حاضرًا، وأخوه، ونحن. وكان هناك سيّدٌ قد توفّي مؤخّرًا حاضرًا في ذلك المجلس، وطرحَ هذا السؤال: «لقد سألَني البعضُ، وطُرحَ هذا السؤال في مكانٍ ما: هل تشملُ الآيةُ الشريفةُ في القرآن: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً﴾۱ اليهودَ والنصارى؟ وهل تشمل كلّ من يعملُ عملاً صالحًا، كلّ من يقومُ بعملٍ جيّدٍ ومحمود، فهؤلاء الذين يخترعون ويكتشفون ويخدمون البشريّة، مثلُ إديسون، ألم يُحدِثْ ثورةً في حياةِ الناسِ باكتشافِ قوّةِ الكهرباء؟ أو لنفترضْ ذاكَ الذي اخترعَ الهاتف، وذاكَ الذي اكتشفَ الميكروباتِ مثلُ باستور وأمثاله. هذه المساعداتُ التي يقدّمونها للبشريّة، أليست كلّها أعمالاً صالحة وصحيحة وليست عملاً خاطئًا؟ إذن، يجبُ أن يدخلوا الجنّةَ حتّى لو كانوا يهودًا. فالآيةُ عامّة، ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ﴾، أيًّا كان. الذين يخترعونَ اليومَ من أجلِ رفاهيّةِ البشريّة، نعم! يكتشفونَ من أجلِ رفاهيّةِ البشريّة».

  • سؤال أعمق: لماذا لم يمنحنا الأئمة التكنولوجيا الحديثة؟

  • في إحدى المرّات، كنّا في مكانٍ ما، فسألَ أحدهم المرحومَ العلامة: «سيّدنا! هذه الاختراعاتُ التي نراها الآن، والتي تسبّبُ راحةَ الإنسانِ وتحسينَ حياته، مثلُ اكتشافِ الكهرباءِ واختراعِ الهاتفِ ووسائلِ النقلِ وهذه الكيفيّةِ من الاتّصالاتِ وأمثالِ ذلك، لماذا لم نرَها في زمنِ الأئمّة عليهم السلام، مع أنّ الأئمّةَ كانت لديهم إحاطةٌ كاملةٌ بجميعِ العلومِ والمسائل؟ ولماذا لم يفعلِ الأئمّةُ شيئًا حيالَ هذه الأمورِ ولم يعلّموا أصحابَهم هذه العلومَ والفنون؟ فبدلاً من السيف، لماذا لم يعلّموهم صناعةَ صواريخَ بطولِ تسعةِ أمتارٍ ليضربوا بها؟ أو بدلاً من مغليّ الأعشابِ ـ الذي تحدّثنا عنهُ للرفقاء، وذكرتُ أنّنا كنّا مبتلين بهِ في وقتٍ ما ـ لماذا لم تكنْ هناك تلك الأدويةُ التي اختُرعت واكتُشفت اليوم؟ولم تكن هذه المختبراتُ الحديثةُ جدًّا للأدويّة والتي تكتشفُ أفضلَ الأدويّة، فبعضُ هذه المختبراتِ يعملُ فيها ما يوازي سكّانَ مدينةٍ كاملة. وبعضُ هذه المختبراتِ في أمريكا أو أوروبا، كما ينقلون، يعملُ فيها متخصّصونَ وأفرادٌ وبروفيسوراتٌ بحيثُ تكونُ مدينةٌ بأكملها تابعةً لمصنعِ أدويةٍ واحد. فيجرونَ فيها التجاربَ ويصنعونَ الأدويةَ لتحسينِ حالِ الناس. فلماذا لم يعلّمِ الأئمّةُ عليهم السلام هذه الأمورَ في ذلك الزمان؟ وبدلاً من أن يركبَ الناسُ في ذلك الزمانِ الحميرَ والخيولَ والعرباتِ للتنقّلِ من مكانٍ إلى آخر، لماذا لم يركبوا الطائراتِ الأسرعَ من الصوتِ التي تقطعُ مسافةَ خمسمائةِ فرسخٍ في ساعةٍ واحدة؟ تتحرّكُ بسرعةٍ تفوقُ سرعةَ الصوتِ ثلاثَ أو أربعَ مرّات. لماذا لم تكنْ هذه الأشياءُ موجودة؟».

    1. الكهف (۱۸) الآية ٣۰

رجاء الله أساس القبول وحقيقة التقدير - لماذا لم يمنح الأئمّة عليهم السلام التكنولوجيا الحديثة لأصحابهم؟

4
  • المسألةُ المهمّةُ الجديرةُ بالاهتمامِ هنا، هي أنّ رفاهيّةَ الحياةِ وراحةَ الإنسانِ تكونُ مفيدةً فقط إذا استُخدمت في سبيلِ الوصولِ إلى الغاياتِ الرفيعة وأهدافِ الكمال. فالطائرةُ جيّدةٌ جدًّا، وبدلاً من أن يقطعَ الإنسانُ المسافةَ بين طهرانَ ومشهدَ في شهرٍ واحدٍ بالعربةِ والهودجِ كما في السابق، يقطعُها الآن في ساعةٍ واحدة. ومن الطبيعيّ أنّ الإنسانَ بدلاً من أن يقضيَ هذا الشهرَ في الصحاري، يقضيهِ في مشهدَ بجوارِ حرمِ الإمامِ الرضا عليه السلام. لا شكَّ في هذهِ الخصوصيّةِ وفي رجحانِ هذهِ المسألة. ولكنّ الكلامَ هو أنّ مسألةَ الاختراعِ والاكتشافِ هي عبارةٌ عن وسائطَ ووسائلَ تُوضعُ تحتَ تصرّفِ الإنسان للوصولِ إلى المقاصد. والمقاصدُ هي الأهدافُ المنبعثةُ من النفس، وعلينا أن نرى أيُّ نفسٍ هي هذه؟

  • إن كانت هذه النفسُ عقلانيّةً، وأعمالُها وملكاتُها قائمةً على أُسسٍ عقليّة، فمن الطبيعيّ أن تُستخدمَ هذه الوسائطُ والوسائلُ في إطارِ الأُسسِ العقليّةِ والمنطقيّة. أمّا إن لم تكنْ هذه النفسُ عقلانيّة، بل كانت نفسًا حيوانيّة، نفسًا شهوانيّة، نفسًا خبيثة، فمن الطبيعيّ أنّها ستستخدمُ هذه الوسائلَ والوسائطَ في مقاصدِها المشؤومةِ والحيوانيّة.

  • لا شكَّ أنّ نفسَ هذهِ الاختراعات تحقّق الرفاهية وتُسرّعُ الوصولَ إلى المقاصد، ولكنّها بمثابةِ سيفٍ ذي حدّين، قد تقطعُ بحدّهِ عنقَ منافق، وبحدّهِ الآخرِ عنقَ مؤمن، وهذه هي المسألةُ التي يجبُ الالتفاتُ إليها. فالمضادُ الحيويّ (Antibiotic) هو دواءٌ يُستخدمُ للقضاءِ على الميكروباتِ والحدِّ من تغذيتها، وبالتالي القضاءِ عليها. ولكنّ الجميعَ يقولون إنّ المضادَّ الحيويَّ بمثابةِ سكّينٍ ذي حدّين؛ فهو يقضي على الميكروباتِ وفي الوقتِ نفسهِ يقضي على الكائناتِ المفيدةِ في الدم. لذا يقولون تناولوا الفيتاميناتِ مع المضادِّ الحيويِّ لتعويضِ النقص. هذا الاختراعُ والاكتشافُ الذي حدثَ الآن، هو في نفسه أمر محمود، ولكن في أيِّ مجالٍ وتحتَ تصرّفِ أيِّ فردٍ يمكنُ أن يقع؟ الاختراعُ مثلُ السكّين، تارةً أعطيكَ السكّينَ فتقشّرُ بها تفّاحة، وتارةً أُخرى تُعطى هذه السكّينُ لمجنون، فيعتدي بها على الناسِ ويقتلُهم!

  • فماذا يجبُ أن نفعلَ إذن؟ هنا يجبُ أن نرى هل يرجحُ الجانبُ العقلانيُّ للمسألةِ أم الجانبُ الحيوانيُّ والشهوانيُّ؟ للأسف، البشرُ اليومَ أسرى في أحضانِ النفسانيّاتِ والأهواء، ويستخدمونَ هذا الاختراعَ وهذا الاكتشافَ في مقاصدَ حيوانيّة. يقولون إنّهُ عندما أُقيمَ احتفالٌ لأينشتاين في أمريكا، جاءَ وتحدّثَ، فقالَ جملةً واحدةً ولم يزدْ: «لم أكنْ أعلمُ أنّ اكتشافي هذا ـ وهو قاعدةُ النسبيّةِ وما تلاها من انشطارِ النواةِ الذي نتجت عنهُ القنبلةُ الذريّة ـ سيسبّبُ يومًا ما موتَ أبناءِ جنسي من البشر». أي أنّهُ جاءَ وقالَ هذهِ المسألةَ بكاملِ الخجل. والآن انظروا كيف وقعت هذهِ المسألةُ نفسُها في أيدي النفوسِ الشيطانيّةِ والمظلمةِ والنفوسِ التي تتبعُ الأهواء. فلنفكّرْ في هذهِ القضيّة، هل المقدارُ الذي يُستخدمُ من ذلك للأغراضِ السلميّةِ يُقارنُ بما يُستخدمُ في الأغراضِ غيرِ السلميّةِ وغيرِ المناسبة؟!

رجاء الله أساس القبول وحقيقة التقدير - لماذا لم يمنح الأئمّة عليهم السلام التكنولوجيا الحديثة لأصحابهم؟

5
  • الاستخدام الشيطاني للتكنولوجيا الحديثة

  • هذا الخطرُ الذي يهدّدُ العالمَ كلّهُ الآن، ليسَ خطرًا موجّهًا للإنسانِ والكيانِ البشريِّ من قِبَلِ عُقلاءِ بني البشر. هذا الخطرُ هو من مجانينِ البشرِ يهدّدُ البشرَ الآن. وإلّا، فإنّ خطرًا لم يهدّدْ يومًا مكانًا من المرحومِ آيةِ اللهِ البروجردي، ولا من أعاظمَ مثلَ المرحومِ القاضي، ولا من أمثالِ المرحومِ العلّامةِ الطباطبائيّ رضوانُ اللهِ عليه.

  • فمن أيِّ ناحيةٍ تتعرّضُ البشريّةُ للتهديد؟ من ناحيةِ اليهود، من ناحيةِ الصهاينة، من ناحيةِ الأفكارِ الشيطانيّة، من ناحيةِ النفوسِ الشيطانيّة، النفوسِ التي لا تفكّرُ إلّا في الاستيلاءِ على بني آدم، ولا تفكّرُ إلّا في السيطرةِ على بني آدم، ولا تفكّرُ إلّا في مصالحِها الشخصيّة.

  • قرأتُ مرّةً مقالاً في صحيفةٍ تقريرًا يقدّر ويقول: لو أنّ فائضَ الاستهلاكِ الغذائيِّ في أمريكا، الذي يُرمى ويُتلفُ في القمامة، أُعطيَ لمدّةِ شهرٍ واحدٍ لقارّةِ أفريقيا بأكملِها، لأمّنَ غذاءَ أهلها لمدّةِ عامٍ كامل ـ فهل تلتفتون؟! ـ والجميعُ يعلمُ هذا. أمريكا تُلقي قمحَها في البحرِ لتحافظَ على قيمتهِ وسعرهِ المقبول، ولكنّها لا تُعطي هذا القمحَ لأفريقيا، لهؤلاءِ الناسِ الذين يموتونَ من الجوع.

  • وإنجلترا أسوأُ منها، إنجلترا أسوأُ من أمريكا، فلتطمئنّوا. أمريكا لعبةٌ في يدِ إنجلترا. فإن قالَ قائل: «الموتُ لأمريكا»، فأنا أقول: «الموتُ لإنجلترا». كان المرحومُ العلامة يقول: «الموتُ لإنجلترا، ثمّ الموتُ لإنجلترا، وفي النهايةِ الموتُ لإنجلترا». لا السوفييت، ولا أمريكا، ولا فرنسا، فكلّهم ألعوبةٌ في يدِ إنجلترا. إنّها لئيمةٌ تختبئُ وتدفعُ بالجميعِ إلى الأمام. فقولوا: «الموتُ لإنجلترا» قدرَ ما تستطيعون. ونحنُ نرى آثارَ ذلك... .

  • لماذا الأمرُ هكذا؟ لماذا يجبُ أن يكونَ هكذا؟ فالمصنعُ الذي أُنشئَ الآن كمصنعٍ ومختبرٍ للموادِّ الصحيّةِ والأقراصِ والكبسولات، لماذا يأتي هذا المصنعُ ويضعُ البكتيريا القاتلةَ للإنسانِ والمدمّرةَ للنسلِ البشريِّ، والأدويةَ والموادَّ التي تُهلكُ الحرثَ والنسل، في أيدي الدولِ ليقضوا بها على الآخرين؟ لماذا؟ هل لديكم علمٌ بأنّ جزءًا كبيرًا من أعمالِ هذهِ المصانعِ والمختبراتِ السريّةِ هو البحثُ عن موادَّ تقتلُ الإنسان؟ أحدُ هذهِ المصانعِ هو مصنعُ «هوست» الألمانيّ، ومصنعٌ آخرُ في أمريكا، وآخرُ في سويسرا. ماذا يفعل هؤلاء؟ إنّهم إلى جانبِ أبحاثِهم... لماذا يفعلونَ هذهِ الأشياء؟ لأنّ العقلَ الذي يصنعُ هذا الدواءَ الآن ليسَ عقلاً إلهيًّا. فأيُّ عقلٍ هو؟ هذا عقلٌ شيطانيّ، عقلٌ حتّى كبسولةَ الأموكسيسيلين التي يصنعُها الآن، يصنعُها من أجلِ مصالحهِ الخاصّة، لم يشفقْ قلبهُ عليَّ وعليكم. يصنعُ هذهِ الكبسولةَ لنعطيَهُ في مقابلِها المال، ونعطيَهُ النفط، ليأخذوا عصارةَ حياةِ الشعوبِ ويُسقطونا من الوجود. إنّهُ لهذا السبب.

رجاء الله أساس القبول وحقيقة التقدير - لماذا لم يمنح الأئمّة عليهم السلام التكنولوجيا الحديثة لأصحابهم؟

6
  • لا تظنّوا أنّ مصانعَ ألمانيا وفرنسا وإنجلترا وأمريكا قد أشفقَ قلبُها علينا وعليكم وتضعُ هذهِ الأدويةَ في متناولِ أيدينا. فلو كانت قلوبُهم قد أشفقَت علينا، فلماذا أقدموا هم أنفسُهم في حربِ إيرانَ والعراقِ على تسليم أسلحةَ الدمارِ الشاملِ للعراق؟! لماذا؟! ألم يقولوا ذلك لاحقًا؟! لقد اعترفَ مسؤولو الحكومةِ العراقيّةِ أنفسُهم. عندما قالوا يجبُ محاكمتُهم، قالَ المسؤولونَ أنفسُهم: «إن كنتم ستحاكمونَ أحدًا، فحاكموا هؤلاءِ الذين أعطونا إيّاها، كان بإمكانِهم ألّا يعطونا». ثمّ أسكتوا الصوت، فالأمرُ فاضحٌ جدًّا. متى يرتفعُ الصوتُ؟ عندما يضربُ العراقُ إسرائيلَ بنفسِ هذهِ الصواريخِ التي تحملُ موادَّ كيميائيّة. حينها يقولون: «آه، عجيب! يجبُ أن نذهبَ ونأخذَ تعويضًا من المصنعِ الذي أعطاها للعراق». لمدّةِ ثماني سنوات، كانوا يضربوننا بهذهِ الصواريخِ نفسها ولم يقلْ أحدٌ شيئًا. لا ألمانيا اعترضت، ولا إنجلترا، ولا أمريكا. أيٌّ منهم اعترض؟ ولا فرنسا. فهل قلوبُهم تشفقُ علينا؟ هل تشفقُ قلوبُهم على شعبِنا؟ لا يا عزيزي، كلّهم شياطين، كلّهم لديهم عقولٌ شيطانيّة، كلّهم لديهم أفكارٌ شيطانيّة. ما دامَ لدينا المال، فإنّهم يخضعونَ لنا، وبمجرّدِ أن ينقطعَ مالُنا، لن يعطونا قرصَ خبزٍ واحد. هؤلاءِ أنفسُهم لن يعطونا.

  • قصة المسؤول البريطاني وسر السياسة الغربية

  • كنّا بجانبِ المرحومِ العلامة، وكان أحدُ الأقاربِ، من الأقاربِ المقرّبين، يقصُّ عليهِ قصّة. قال: «عندما كنتُ في شركةِ نفطِ أراك ـ والقضيّةُ تعودُ إلى أربعينَ أو خمسةٍ وأربعينَ عامًا مضت ـ كان هناك أفرادٌ من الإنجليز. تعرّفتُ على أحدهم تدريجيًّا وأصبحنا أصدقاء، كان من المسؤولينَ رفيعي المستوى في شركةِ النفطِ تلك في الزمنِ السابق ».

  • ومضت فترةٌ من الزمن. وفي أحدِ الأيّام، قلتُ له: «لديَّ سؤالٌ لك». 

  • قال: «ما هو؟». 

  • قلتُ: «هل ستجيبني أم لا؟». 

  • قال: «قُلْ أولاً». 

  • قلتُ: «لماذا أنتم الإنجليز لا تتركوننا وشأننا؟». 

  • قال: «ما هذا الكلام؟ لا شأنَ لنا بكم». 

  • قلتُ: «لا، دعكَ من هذا الكلام، لماذا لا تتركوننا وشأننا؟». 

  • قال: «سأجيبكَ لاحقًا».

  • ومضى يومٌ على هذهِ القضيّة، وفي اليومِ التالي قال: «تعالَ». استدعاني إلى مكتبه، وقال: «تعالَ». فذهبتُ، فقال لي: «لقد قضيتُ يومًا كاملاً في صراعٍ بين ضميري وصداقتي لك». يا لهُ من رجلٍ ذي مروءة! الحمدُ للّه، يا لهُ من رجلٍ لئيمٍ ومنصف! ضمير! هل لديهم ضمير؟ فما هو ضميرُهم؟ ولكنّ هذا التصرّفَ منهُ كان أيضًا بسببِ شيطنتهِ لكي يتمكّنَ من التغلغل. لا تثقوا بهؤلاءِ الإنجليز أبدًا. أمريكا لا، الأمريكيّونَ أناسٌ بسطاءُ ومتسيّبون. يفسدونَ أمورَهم بأنفسِهم، ويُخدَعونَ بسرعة. أمّا هؤلاءِ الإنجليز، فكلُّ الشتائمِ التي لديكم وجّهوها إليهم.

رجاء الله أساس القبول وحقيقة التقدير - لماذا لم يمنح الأئمّة عليهم السلام التكنولوجيا الحديثة لأصحابهم؟

7
  • قال: «كنتُ في صراع، من جهةٍ رأيتُ أنّكَ صديقي، وحقُّ الصداقةِ يقتضي أن أقولَ لكَ الحقيقةَ إن كانت هناك حقيقة. ومن جهةٍ أخرى، رأيتُ أنّني إن قلتُ الحقيقةَ، فإنّني أخونُ وطني». ـ هذا الوقحُ كان يقولُ إنّهُ يخونُ وطنه ـ «ولكنّني في النهايةِ فضّلتُ صداقتكَ». نعم. كذبت، فضّلتَ صداقتي على خيانةِ وطنك؟! حسنًا. قال: «سأقولُ لكَ هذا، ما دمتم تملكونَ النفط، فأنتم تعساء. هذهِ هي خلاصةُ القضيّة. فهل التفتّم؟ ما دامَ لديكم النفط، فأنتم تعساءُ وبائسون. وعندما ينتهي نفطُكم، لن نعتنيَ بكم بعد ذلك، ولن يكونَ لنا شأنٌ بكم، افعلوا ما شئتم. ولكن بأيِّ طريقةٍ كانت، نريدُ أن نأخذَ منكم هذا النفط». وكيف يأخذونه؟ يشعلونَ الحروب، يخلقونَ الأمراض، يبتكرونَ ألفَ لعبةٍ ولعبة، وهم يعرفونَ جيّدًا كيف يفعلونَ ذلك.

  • من الذي فعلَ كلَّ هذهِ الأشياء؟ هل هذهِ التجهيزاتُ الموجودةُ في العالمِ الآن في خدمةِ العقلاءِ أم في خدمةِ المجانين؟ في خدمةِ من هي؟ لقد أنشأوا الآن دولةً باسمِ إسرائيل، ووضعوا فيها ما لا يقلُّ عن خمسمائةِ صاروخٍ نوويّ. فلمن وضعوها؟ هل وضعوها للمتحف؟ للديكور؟ أم لا! وضعوها لكي لا تتمكّنَ أيُّ دولةٍ عربيّةٍ من أن تتكلّم، ولكي لا يرتفعَ أيُّ صوت. ومن الذي وضعَها؟ لقد وضعَها هؤلاء، أمريكا وإنجلترا وفرنسا. ووضعها هؤلاء، روسيا والسوفييت. كلُّ هذا للقضاءِ علينا، كلُّ هذا لإبادتِنا.

  • في الحربِ العربيّةِ الإسرائيليّةِ الأولى، هل تعلمونَ ما الذي سبّبَ هزيمةَ عبدِ الناصر؟ الوعدُ الذي قطعهُ السوفييتُ لعبدِ الناصر بإرسالِ أسلحةٍ تمكّنهُ من مواجهةِ إسرائيل. ولأنّهُ لم يكنْ لديهِ أمنٌ جويّ، أعادَ السفنَ التي أرسلَها من منتصفِ الطريق. انتظرَ وانتظر. كان يعلمُ متى ستهاجمُ إسرائيل. وعندما هاجمت إسرائيل، دمّرت جميعَ المطاراتِ والطائرات. ثمّ بقوّتِها الجويّة، وبعد أن دمّرت كلَّ شيء، بدأت صواريخُ السوفييتِ تدخلُ تدريجيًّا. دخلت السفنُ بعد أن استولت إسرائيلُ على صحراءِ سيناء، وسوريا، وبيتِ المقدسِ في حربِ ۱٩٦۷. من فعلَ ذلك؟ هؤلاءِ السوفييتُ الذين نتسابقُ لكسبِ ودّهم. طبعًا، السوفييتُ السابقون، والآن لا فرق، فهم لا يزالونَ كما هم، لا يوجدُ أيُّ اختلافٍ في القضيّة.

رجاء الله أساس القبول وحقيقة التقدير - لماذا لم يمنح الأئمّة عليهم السلام التكنولوجيا الحديثة لأصحابهم؟

8
  • كلُّ هذهِ الصراعاتِ التي يتحدّثونَ عنها، الكتلةُ الشرقيّةُ والكتلةُ الغربيّة، كلّها من أجلِ نهبِنا ونهبِكم. لا تظنّوا أنّهم يفكّرونَ فينا أبدًا.

  • في أحدِ الأيّام، كنّا عندَ أحدِ السادة، ولا يزالُ على قيدِ الحياةِ في طهران. قالَ إنّ أحدَ السادةِ الذين ما زالوا موجودين حاليًّا قد جاءَ إليهِ قبلَ بضعةِ أيّام ـ والقضيّةُ تعودُ إلى حوالي ثلاثينَ عامًا مضت. نعم! في ذلك الوقتِ الذي كان فيهِ الكثيرونَ يجاهدونَ ويناضلون. قالَ إنّهُ جاءَ إليهِ وبدأَ يستدلُّ: «هل أمريكا عدوٌّ لنا أم لا؟». 

  • فقلت: «نعم». 

  • ـ «وهل يفعلونَ كذا وكذا؟». 

  • فقلت: «نعم». 

  • ـ «ألا يجبُ أن ندافعَ في المقابل؟». 

  • قلت: «نعم». 

  • ـ «ألا يجبُ أن نفعلَ كذا؟». 

  • قلت: «نعم». 

  • ـ «ألا يجبُ أن تكون لدينا قوة للمواجهة؟» 

  • قلت: «بلى». 

  • ثمّ فجأةً قال: «وأيُّ قوّةٍ أفضلُ من السوفييتِ يمكنُ أن تقفَ في وجهِ أمريكا؟ إذن، يجبُ أن نتّجهَ نحو السوفييتِ ونطلبَ منهم المساعدة». 

  • قالَ: «فالتفتُّ إليهِ وقلتُ: "إذن أين ذهبت مدنُ إيران؟ القوقازُ والجمهوريّاتُ الأخرى التي كانت في إيران، والتي أخذها هؤلاء. فمن أخذَها؟ لقد أخذَها السوفييتُ منّا". قلتُ لهُ: "أتريدُ أن تحاربَ أمريكا بدولةٍ أسوأ منها، قد عقدت العزمَ على هدمِ الإسلام؟ [لأنّ الاتحاد السوفيتي] شيوعيّ! والشيوعيّةُ أسوأُ من اليهوديّةِ والنصرانيّة. أتريدُ أن تحاربَ أمريكا بهذهِ الدولة؟"». أي أنّ الإسلامَ يريدُ أن يحاربَ أمريكا بالاعتمادِ على الإلحادِ والشيوعيّة. هذا عينُ الخروجِ من حفرةٍ والوقوعِ في بئر. فأيُّ أملٍ لديكم؟ وكان الحقُّ معهُ.

  • سرّ التطوّر العلميّ في عصر الإمام المهديّ عجل الله فرجه

  • والآن، لو أنّ الإمامَ الصادقَ عليه السلام في زمانهِ قد وضعَ هذهِ الاختراعاتِ والاكتشافاتِ في أيدي الناس، فمن كان سيستخدمُها؟ كان بنو العبّاسِ سيستخدمونها. ما الذي فعلهُ بنو العبّاسِ بالناسِ بالسيوفِ والخناجرِ والفؤوس؟ فماذا كان سيحدثُ لو أنّ الإمامَ الصادقَ عليه السلام قد أعطاهم صواريخَ بطولِ تسعةِ أمتارٍ؟! ولو أنّ الإمامَ الصادقَ عليه السلام قد أعطى قنابلَ ذريّةً وهيدروجينيّةً لهارونَ الرشيدِ والمأمونِ والمنصور، فماذا كانت النتيجة؟ لم يكونوا ليتركوا بعوضةً تطيرُ في الهواء. صحيح؟!

رجاء الله أساس القبول وحقيقة التقدير - لماذا لم يمنح الأئمّة عليهم السلام التكنولوجيا الحديثة لأصحابهم؟

9
  • لهذا السببِ وردَ في الروايةِ أنّ العلمَ في زمنِ الإمامِ المهديّ عليه السلام سيتقدّمُ إلى اثني عشرَ ضعفًا أو أكثرَ ممّا كانَ عليهِ قبلَ ظهوره. فهل تعلمونَ ماذا يعني اثنا عشرَ ضعفًا؟ هل تعلمونَ كم تقدّمَ العلمُ الآن؟ هل لديكم علمٌ بذلك؟ هل تعلمونَ كم سيتقدّمُ في العامِ القادم؟ أو بعدَ عشرِ سنوات؟ إن شاء الله يظهرُ الإمامُ المهديّ عليه السلام قريبًا، وتتضاعف هذهِ التكنولوجيا الموجودة اليوم إلى اثني عشرَ ضعفًا. فهل هذا قابلٌ للتصوّرِ بالنسبةِ لنا أم لا؟ هل يمكنُنا أن نتصوّرهُ؟ هذهِ التكنولوجيا التي تتقدّمُ تقدّمًا مذهلاً، بحيثُ يقالُ إنّ كيفيّةَ إنتاجِها تتغيّرُ كلَّ شهر لا كلَّ عام. فهذهِ مسائلُ تصلُ إلى مسامعِنا قليلاً، وما وصلت إليهِ التكنولوجيا اليومَ سيصلُ إلى مسامعِنا في السنواتِ القادمة. وما وصلَ إلينا حاليًّا هو من الماضي، لا من الحاضر.

  • وفي زمنِ الإمامِ المهديّ عليه السلام، سيكونُ اثني عشرَ ضعفًا. لماذا؟ لأنّ التكنولوجيا ستقعُ في أيدي العقلاءِ والحكماء، في أيدي أصحابِ الإمامِ المهديّ عليه السلام. ولن يصنعوا منها قنابلَ ذريّةً بعد ذلك، ولن يصنعوا بكتيريا أو جرثومةَ الجمرةِ الخبيثةِ التي ينشرونها هنا وهناك. لن يعتدوا على حياةِ الناسِ بالتكنولوجيا. وسترونَ ما سيحدثُ في المستقبل، وكيف أنّ الفخَّ الذي نصبهُ البشرُ للقضاءِ على المسلمينَ والمؤمنين، سيوقعُهم هم أنفسُهم. قريبًا سنرى أنّ هذا الفخَّ سيكونُ لهم.

  • فحقيقة الأمرُ هي هكذا، والقاعدة تقول إنّ الوصولِ إلى أمرٍ ما والقيامِ بعملٍ والتقدّمِ بخطوةٍ هو أمرٌ جيّد. ولكنّ الكلامَ هو: أيُّ نيّةٍ تتبعُ هذا الأمر؟ أيُّ نيّةٍ تقفُ خلفَ هذا العمل؟ هل تلك النيّةُ تنبعُ من قلبٍ صافٍ أم من قلبٍ ملوّثٍ ونفسٍ ملوّثة؟!

  • حسنًا، لا أريدُ أن نتحدّثَ عن هذهِ القضيّةِ أكثرَ من هذا، عن فضائحِ الحضارةِ الغربيّةِ والكوارثِ التي جلبتها هذهِ الحضارةُ للبشريّة. نكتفي بهذا المقدار.

  • الجواب الحاسم: الرجاء هو شرط قبول العمل الصالح

  • كان ذلك الرجلُ يقولُ في ذلك المجلس: «حسنًا، بناءً على هذا، فإنّ الإسلامَ والإيمانَ باللهِ لا يقتصرانِ على الإيمانِ الخاصّ. ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصّٰلِحٰتِ﴾، فالذين آمنوا وآمنوا بالله تشمل اليهود، فقد آمنوا بالله، والنصارى آمنوا بالله، ويعملونَ الصالحاتِ أيضًا، والله يقول ﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجرَ مَن أَحسَنَ عَمَلاً﴾. نحنُ لا نُضيعُ أجور العاملين. فكيفَ يكونُ هذا؟».

رجاء الله أساس القبول وحقيقة التقدير - لماذا لم يمنح الأئمّة عليهم السلام التكنولوجيا الحديثة لأصحابهم؟

10
  • كلُّ من كانَ في ذلك المجلسِ قالَ شيئًا. أحدهم قال: «الإيمانُ بآدمَ عليه السلام يستلزمُ الإيمانَ بالخاتم صلّى الله عليه وآله، أي أنّ من آمنَ بحضرةِ موسى عليه السلام يجبُ أن يؤمنَ بالنبيِّ محمّدٍ صلّى الله عليه وآله». وقالَ آخر: «إنّ ﴿الَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾ تنصرفُ إلى الإيمانِ برسولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله والإسلام».

  • وكان الحديثُ يدورُ حولَ هذهِ القضيّة، والمرحومُ العلامة لم يقلْ شيئًا وكانَ جالسًا بصمت. وبعد أن انتهى المجلسُ وخرجنا، سألَ أحدهم المرحومَ العلامة: «سيّدنا، ما رأيُكم فيما قالوه؟».

  • فقالَ المرحومُ العلامة: «أليسَ لدينا آيةِ في القرآن: ﴿لِّمَن كَانَ يَرْجُوا ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلْآخِرَ﴾۱؟ فمن كانَ يأملُ باللهِ ويرجوهُ ويرجو اليومَ الآخر، ويعملُ عملاً صالحًا فله أجره، فمسألةَ العملِ قائمةٌ على أساسِ الرجاءِ بالله. وما معنى الرجاءِ بالله؟ يعني أنّ من يقومُ بهذا العمل، يكونُ مقصدهُ الله. هذا هو المقصود. فبناءً على ذلك، لو لم يكنْ لأحدٍ رجاءٌ بالله، وقامَ بعملٍ مجرّد، فلن يكونَ لهُ أن يطلب من الله شيئًا. له أن يطلب من الله إن كان عمله ينبعُ من الله. أمّا إن كانَ العمل للوصولِ إلى دنيا أفضل، فقد وصلتَ إلى دنيا أفضل. وإن كانَ الطلبُ لتحسينِ الحياة، فقد تحسّنت الحياة وانتهى الأمر».

  • يجبُ أن نرى رجاءَ الإنسانِ هذا لأيِّ غاية هو ولأيِّ مطلوبٍ حصل؟ وما الذي يبحثُ عنهُ الراجي في رجائه؟ اللهُ تعالى من جهةٍ يقول: «كلُّ من يبحثُ عنّي، فلن أضيعَ أجرهُ. وكلُّ من يأتي إليّ ويأملُ بي، فإنّي أكون في خدمته». ولكنّ النقطةَ التي يجبُ الالتفاتُ إليها هنا، هي أنّهُ مع ضعفِنا ونقصِنا، ماذا نفعل؟ فنحنُ ناقصون، وفي إدراكاتِنا ضعف، ولا نملكُ تلك النيّةَ الخالصةَ التي يجبُ أن نقدّمَها بين يدي الله. فأيُّ حالةٍ يجبُ أن تعتريَنا؟

  • معضلة السالك: كيف يتغلب على اليأس بالرجاء؟

  • هل يجبُ أن تعتريَنا حالةُ اليأس؟ الآنَ وبعدَ أن أصبحنا لا نملكُ مثلَ هذهِ الهمّةِ والقدرةِ والأملِ الذي كانَ لدى أصفياءِ الله، فهل نتركُ كلَّ شيء؟ هل نجلسُ في بيوتِنا ونقرأُ على أنفسِنا آياتِ اليأس؟ هل نجلسُ ونقول: «يا سيّدي، من الذي ذهبَ ووصل؟ ومن الذي سلكَ هذا الطريقَ ووصلَ إلى هذهِ الأمور؟ كم من الناسِ جاؤوا وذهبوا؟!»

    1. الأحزاب (٣٣) الآية ٢۱

رجاء الله أساس القبول وحقيقة التقدير - لماذا لم يمنح الأئمّة عليهم السلام التكنولوجيا الحديثة لأصحابهم؟

11
  • أم لا، إن كانَ اللهُ من جهةٍ قد قالَ يجبُ أن تصحّحَ رجاءَكَ بي، فإنّهُ من الجهةِ الأخرى قد قالَ إنّني غفورٌ رحيم، وأسترُ خطايا عبادي وأجبرُ نقصَهم. إن كانت حالةُ اليأسِ تعترينا من هذهِ الجهة، فلماذا نتجاهلُ نعمَ اللهِ ووعودَهُ من الجهةِ الأخرى؟ ألم يعدْنا الله؟ ألم يقلْ: ﴿قُلْ يَٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ﴾۱؟ فلماذا أصبحنا نأخذُ بكلامِ الشيطانِ الذي يقرأُ علينا آيةَ اليأس، ولا نأخذُ بكلامِ اللهِ الذي وسعت رحمتُهُ كلَّ شيء؟!

  • لماذا يجبُ علينا دائمًا في علاقتِنا بطريقِنا أن نركّزَ على جانبِ الضعفِ هذا، ولا نلتفتُ إلى جانبِ التقوية؟ لديكَ مرضٌ، ومرضُكَ سيّئٌ أيضًا. تذهبُ إلى طبيبٍ لم يدرسْ إلّا ثلاثَ أو أربعَ سنوات، وبمجرّدِ أن يراكَ يقول: «يا ويلتاه! اذهبْ واكتبْ وصيّتَك، لقد انتهى أمرُك، أمامَكَ شهرٌ واحدٌ فقط». ولكن هناك طبيبٌ آخر، متخصّصٌ في هذا المجال نفسِه يقول: «لا يا عزيزي! هذا المرضُ قابل للعلاج». فأيُّ طرفٍ سترجّحُ في علاقتِكَ بهذينِ الاثنين؟ من الطبيعيّ أنّ الإنسانَ يغلّبُ الجانبَ الراجح.

  • فلماذا نميلُ هنا دائمًا نحو جانبِ النقص؟ هذا بسببِ ضعفِنا. هذا بسببِ عدمِ اتّكالِنا، وعدمِ حُسنِ ظنّنا بالله. نحنُ لا نحسنُ الظنَّ بالله. يقولُ في آية من القرآن: ﴿وَءَاخَرُونَ ٱعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَٰلِحًا وَءَاخَرَ سَيِّئًا عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾٢. هناك فئةٌ أخرى من الناسِ أذنبوا، وفعلوا الخيرَ والشرَّ معًا، ولكنّهم اعترفوا بذنوبِهم وتقصيرِهم، ولم يقفوا في وجهِي، ولم يتكبّروا عليّ، رؤوسُهم منخفضة. يقولون: «يا ربّ، لقد فعلنا الخيرَ والشرَّ معًا». ﴿عَسَى ٱللَهُ أَن يَتُوبَ عَلَيهِم﴾، هؤلاءِ إن شاء الله سنجعلُهم موضع رحمتِنا.

  • حسنًا، نحنُ على الأقلِّ من هؤلاء. نحنُ من الذين يفعلونَ الخيرَ والشرَّ معًا، ومن جهةٍ أخرى نعترفُ بالتقصيرِ والذنبِ والخطأ. فلماذا لا نعتبرُ أنفسَنا هنا مشمولينَ برحمةِ الله؟

  • قصّة نصيحة الشيطان الخادعة وبصيرة العارفين

  • في الروايةِ أنّ الشيطانَ جاءَ يومًا إلى النبيّ داوودَ أو إبراهيمَ عليهما السلام ـ أنا أشكُّ ـ وبدأَ يخطبُ فيهِ قائلاً: «يا إبراهيم، لا تغترَّ أبدًا بما تفعلُهُ من أعمال، لا تنخدعْ. انظرْ إليَّ الآن، لقد وصلتُ إلى هذا الحال، وأنا الذي كنتُ عندما أُسبّحُ الله، كانت المسبحةُ تسقطُ من يدي أحيانًا». ـ لا نعلمُ كيفَ كانت تلك المسبحة، ربّما كانت كلُّ حبّةٍ منها بحجم... ـ «وكانَ أربعةُ آلافِ ملَكٍ يأتونَ ويلتقطونَ تلك المسبحةَ ويعطونَني إيّاها». ـ لنفترضْ أنّ مسبحتَهُ كانت مصنوعةً من المجرّات، فأربعةُ آلافِ ملَكٍ لا يأتونَ لالتقاطِ مسبحةٍ في جيبي، فالطفلُ يستطيعُ التقاطَها! ـ. قال: «خطأٌ واحدٌ ارتكبتُهُ، تمرّدٌ واحدٌ، فانظرْ إلى أيِّ حالٍ وصلت؟ أسقطَني اللهُ من ذلك المقامِ، وشمَلَني نداءُ: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكَ ٱللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَومِ ٱلدِّينِ﴾٣. فلا تغترَّ!»

    1. الزمر (٣٩) الآية ٥٣
    2. التوبة (٩) الآية ۱۰٢
    3. الحجر (۱٥) الآية ٣٥

رجاء الله أساس القبول وحقيقة التقدير - لماذا لم يمنح الأئمّة عليهم السلام التكنولوجيا الحديثة لأصحابهم؟

12
  • كانَ الشيخ الأنصاريُّ رحمه الله ينقلُ هذهِ القصّة للمرحومِ العلاّمة، ثمّ كانَ الشيخ الأنصاريُّ نفسُهُ يقول: «حتّى هذا العملَ الذي يقومُ بهِ الشيطان، هو لا يريدُ أن ينصح. الشيطانُ هنا يريدُ أن يزرعَ اليأسَ في قلبِ النبيّ إبراهيم عليه السلام. يريدُ أن يقول: "انظرْ، كلُّ عباداتي التي قمتُ بها قد ضاعت بخطأٍ واحد، فلا تأملْ برحمةِ اللهِ أبدًا، اذهبْ في سبيلِك". لأنّ الشيطانَ هو تجسيدٌ للفسادِ والشرّ، ومن تجسيدِ الفسادِ لا ينبعُ الخيرُ أبدًا. فأن يأتيَ وينصحَ أحدًا، فلا بدّ أنّ هناك شيئًا خلفَ القضيّة، مثلُ إنجلترا. عندما تريدُ أن تفعلَ شيئًا، انظرْ ما وراءَ المسألة، ماذا تفعل؟ عندما ترى قلبَها قد أشفقَ علينا، وجاءت إلى هنا، انظرْ أيُّ برنامجٍ تدبّرهُ لنا نحنُ المساكين؟ ونحنُ نُخدَع، نحنُ بسطاء. نعم، أنا أتحدّثُ عن نفسي، نحنُ بسطاء، أمّا السادةُ فليسوا كذلك، فهم يدركونَ الأوضاع. فالشيطانُ لا ينبعُ منهُ الخيرُ أبدًا. إذا رأيتَهُ يومًا ينصح، فانظرْ ما وراءَ ذلك؟ ماذا تريدُ أن تفعل؟».

  • كانَ الشيخ الأنصاريُّ رحمه الله يقولُ ـ وكانَ صادقًا ـ: «إنّهُ يأتي ليلقّنَ النبيّ إبراهيمَ عليه السلام اليأس، لكي لا يأملَ برحمةِ الله. مهما كنتَ، فلستَ أفضلَ منّي. أربعةُ آلافِ ملَكٍ كانوا يسبّحونَ تحتَ يدي، وبخطأٍ واحدٍ منّي، أصبحت القضيّةُ لعنةً وإبعادًا إلى يومِ الدِّين».

  • الطريق الأعلى: لماذا يجب على السالك المتقدم أن يتجاهل الشيطان؟

  • والآن، كلامُنا هو: في كفّتي الميزانِ هاتين، اليأسِ والأمل، أيُّ كفّةٍ يجبُ أن نرجّح؟ في كفّةٍ يوجدُ الله، وأنبياءُ الله، ونبيُّنا، وأئمّتُنا عليهم السلام. هؤلاءِ يبشّرونَ برحمةِ الله، يبشّرونَ بالجنّة. وفي الكفّةِ الأخرى يوجدُ الشيطان، يجلبُ اليأسَ والضعفَ والكسلَ والخمول، ويقول: «لماذا تصلّي؟ انظرْ إلى فلان، كم صلّى، وماذا كانت نهايته؟ انظرْ إلى بلعمَ بنِ باعوراء، كم صلّى، كانَ رجلاً صالحًا، وفي النهايةِ خالفَ مرّةً واحدةً فوصلَ إلى ما وصلَ إليه. يا سيّدي، اذهبْ في سبيلِك. كلُّ هذا الذكرِ والوردِ والإخلاصِ والمراقبة، ماذا ستكونُ نتيجتُهُ؟ كلّهُ سيذهبُ هباءً. تخطئُ مرّةً واحدة، فيرمونَكَ جانبًا وكأنّكَ لم تفعلْ شيئًا». من يقولُ هذا؟ هل اللهُ يقولُ هذا؟ اللهُ لا يقولُ ذلك. من يقولُ ذلك؟ الشيطانُ يقوله. حسنًا، ومن يقولُ في الجانبِ الآخر؟ في الجانبِ الآخر، اللهُ يقول: «أخطأتَ، فلمن وضعتُ التوبةَ إذن؟ اشتبهتَ، فلمن وضعتُ الرجوع؟ أذنبتَ، فلمن وضعتُ العودةَ والانتباهَ والتنبّه؟». هذا هو الجانبُ الآخرُ من القضيّة، والأدلّةُ والشواهدُ على ذلك من الرواياتِ والآياتِ موجودةٌ بكثرةٍ لا تُحصى. صحيح؟!

رجاء الله أساس القبول وحقيقة التقدير - لماذا لم يمنح الأئمّة عليهم السلام التكنولوجيا الحديثة لأصحابهم؟

13
  • لماذا نحنُ ـ ويا لهُ من مرضٍ فينا! وأنا أسمعُهُ باستمرار، كلّما أرادَ أحدٌ أن يفضفضَ لنا، يأتي بجانبِ اليأسِ هذا وينمّيهِ في ذهنهِ وقلبه ـ لماذا لا نرى جانبَ رحمانيّةِ اللهِ ونورانيّته؟ يا عزيزي! لو كانَ اللهُ بمقدارِ الشيطانِ فقط، لكانَ ترجيحُ جانبِ اليأسِ على جانبِ الرحمةِ ترجيحًا بلا مرجّح، فكيفَ والكفّةُ الأخرى فيها الله، الذي قالَ إنّ رحمتَهُ تشملُ كلَّ شيء؟ ثمّ نأتي ونأخذُ بكلامِ الشيطانِ هذا الذي لا يساوي حبّةَ حصى أمامَ هذهِ المسائل. ما نقطةُ الضعفِ هذهِ فينا؟ لماذا يجبُ أن يكونَ الأمرُ هكذا؟ أليسَ هذا سوءَ ظنٍّ بالله؟

  • هنا كانَ المرحومُ السيّد الحدّاد رضوانُ اللهِ عليه يقول: «السالكُ لا ينبغي لهُ أصلاً أن يفكّرَ في الشيطان. فالتفكيرُ في الشيطانِ يعني وضعَ اللهِ جانبًا. من هو الشيطانُ يا عزيزي؟ لا ينبغي لكَ أصلاً أن تفكّرَ في الشيطان، وتقول: "آه، هناك شيطانٌ الآن يريدُ أن يخدعَنا، فلنحذرْ!". السالكُ يجبُ أن يسلكَ طريقهُ بشكلٍ صحيح، يتقدّم، يؤدّي تكليفَهُ ويتقدّم، تكونُ نيّتُهُ للّه في العمل. لا ينبغي لهُ أصلاً أن يلتفتَ إلى هذا الجانبِ من القضيّة، جانبِ الشيطان. لا ينبغي لهُ أصلاً أن يُدخِلَ الشيطانَ في ذهنه. لماذا؟ أليسَ من المؤسفِ أن يدخلَ الشيطانُ في ذهنِ الإنسان؟ نستيقظُ ونذهبُ إلى حرمِ النبيِّ صلّى الله عليه وآله، وبدلاً من أن نفكّرَ في النبيِّ صلّى الله عليه وآله، نفكّرُ في فلان وفلان. من هما أصلاً لتُفسِدَ فكرَكَ وذهنَكَ ودعاءَك؟ هذه هي التوجيهاتُ الأساسيّةُ في السلوكِ التي شرحَها لنا الأعاظمُ ليعبُروا بنا هذهِ الممرّاتِ فلا نتوقّف. إذا توقّفنا، فقد غلبَنا الشيطان. قائلاً: "أمسكتُ بك! مجرّدُ تفكيرِكَ بي يكفيني، لا حاجةَ لأن تذنب، مجرّدُ دخولي في قلبِكَ الشريفِ، وأن أفتحَ لي مكانًا فيه، فهذا وحده يكفيني". صحيحٌ يا عزيزي أم لا؟ إن كنت مخطئًا فأخبروني. إذن، الهجومُ المضادُّ الذي يجبُ أن نشنّهُ فورًا هو أن نقول: "نحنُ لا نفكّرُ بكَ أصلاً. من أنتَ لكي تأتي؟! ثمّ نخافَ منكَ ونتحرّزَ منك في أعمالِنا؟". لا، بل نفترضُ أنّهُ لا وجودَ للشيطانِ أصلاً. ما يذكرهُ اللهُ في آياتِ القرآنِ عن الشيطانِ من تحذير: ﴿يَٰبَنِىٓ ءَادَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَٰنُ﴾۱، هو للإدراكِ الأوّليّ للمسألة. نعم، هناك شيطان يُغوي ويفتنُ ويُوقعُ الإنسانَ في الخطأ. ولكن إذا أدركَ الإنسانُ هذهِ النقطةَ وفهمَ أنّ هذا هو الحقُّ وهذا هو الباطل، فلا ينبغي لهُ بعد ذلك أن يفكّرَ في الباطل. حينها، يصبحُ هذا النوع من التفكير للمرتبةِ الأعلى.

    1. الأعراف (۷) الآية ٢۷

رجاء الله أساس القبول وحقيقة التقدير - لماذا لم يمنح الأئمّة عليهم السلام التكنولوجيا الحديثة لأصحابهم؟

14
  • إذن، فمراتبُ المعرفةِ والعمل مختلفة. فالمرتبةُ الأولى هي الإدراكُ الصحيحُ للحقِّ والباطل، والتمييزُ بين الطريقِ الرحمانيِّ والشيطانيّ، وبين القوّةِ الإلهيّةِ والأهريمنيّة، وجنودِ الملائكةِ والشيطان. وكما يقولُ الإمامُ الكاظمُ عليه السلام في روايةِ العقلِ والجهلِ في أوّلِ أصولِ الكافي ـ والتي يجبُ علينا جميعًا أن نقرأَها ـ إنّ جنودَ الشيطانِ هي جنودُ الجهل، وجنودَ الرحمنِ هي جنودُ العقل. جنودُ الرحمنِ هي الاستعداداتُ التي وضعَها اللهُ في ضميرِنا وسرّنا للوصولِ إلى التجرّد، ويجبُ أن نستخدمَها لنحقّقَ حقيقةَ نفوسِنا وسرّنا ووجدانِنا. وفي المقابل، هناك ما يهيّئ لنفوذِ الشيطانِ في القلبِ والنفسِ والسرّ والمثالِ والظاهر، وهي التعلّقاتُ والأهواءُ والغرائزُ والكثرات.

  • فعندما يعي الإنسانُ هذهِ المسائل، يصلُ إلى مرتبةٍ أخرى لا ينبغي لهُ فيها أصلاً أن يلتفتَ إلى الشيطان. فمن هو الشيطان؟! فالتفكير به كانَ للمرتبةِ الأولى. حسنًا، الآنَ فهمنا. 

  • فالشيطانُ يقول: «أنا في خدمتِك». 

  • فنقولُ لهُ: «تفضّلْ، اذهبْ إلى الآخرين، اتركني وشأني». 

  • فيقول: «لا، أريدُ أن أكونَ في خدمتِك، أنا عاشقٌ لجمالِك». 

  • فنقول: «يا عزيزي، هناك من هم أجملُ منّي، تفضّلْ واذهبْ إليهم». وكلّما جاءَ، قلنا لهُ: «نحنُ بالمرصاد»، فيُصابُ بخيبةِ أمل. وبعدَ فترة، ينظرُ الإنسانُ إلى نفسهِ فلا يجدُ الشيطانَ في وجوده، ولا يشعرُ بوجودِ قوّةٍ أهريمنيّة. ويصبحُ ذهنُهُ وفكرُهُ في اتّجاهٍ واحد. هنا يكمنُ مقصودُ كلامِ المرحومِ السيّد الحدّاد. لا تقولوا لماذا يتعارضُ كلامُهُ مع آياتِ القرآن؟ آياتُ القرآنِ تقولُ احذروا الشيطان، وهو يقولُ لا تلتفتوا إليهِ أصلاً. ما يقولُهُ بأنّ السالكِ لا ينبغي لهُ أن يفكّرَ في الشيطانِ هو للمرتبةِ الثانيةِ من المعرفة، حيثُ يكونُ الالتفاتُ إلى الشيطانِ توقّفًا ووقوفًا على الطريق. هنا يجبُ على الإنسانِ أن يلتفتَ إلى اللهِ فقط ويتقدّم. وحينها، في المواضعِ التي يُحتملُ فيها الخطأ، فإنّ اللهَ نفسَهُ هو الذي يُلقي للإنسانِ الطريقَ الصحيح، ويُلهمهُ في نفسهِ. طبعًا، الخطأُ والزللُ لا إشكالَ فيهما، فقد يصدرانِ عن الإنسانِ بسببِ قصورِ نفسه، ثمّ يستغفر. ولكنّهُ لا يلتفتُ بعد ذلك إلى الشيطانِ وأمثاله.

  • القلق المحمود والخوف المذموم: كيف تكون مراقبة السالك؟

رجاء الله أساس القبول وحقيقة التقدير - لماذا لم يمنح الأئمّة عليهم السلام التكنولوجيا الحديثة لأصحابهم؟

15
  • في مثلِ هذهِ البيئة، يجبُ علينا أن نوجّهَ انتباهَنا إلى الله، وأن نضعَ رحمتَهُ في ضميرِنا، وأن نتوجّهَ دائمًا إلى غفرانه. ليسَ مقصودي أن لا يكونَ لدينا أيُّ قلقٍ واهتمام بشأنِ مآلِنا! لا، فالسالكُ يجبُ أن يكونَ قلقًا ومهتمًّا بشأنِ مآله، وهذا يعني المراقبة، لا أن يكونَ غيرَ مبالٍ، وليسَ معناهُ الاضطرابُ والخوف، فالخوفُ يسبّبُ السقوط، ويمنعُ الإنسانَ من الحركة. ولكنّ القلقَ على الحالِ والاهتمام يعني المتابعة. فمن يريدُ أن يتقدّمَ للامتحان، لا يخافُ منهُ ولكنّهُ يقلقُ بشأنه ويهتمّ به. فإن لم يقلقْ، لذهبَ يلعبُ كرةَ القدمِ بدلاً من الدراسة. ويقول: «اللهُ كريم». فهذا دليلٌ على أنّهُ غيرُ قلق وغيرُ مبالٍ. ولكنّ من يدرسُ للامتحان، لا يُقالُ إنّهُ يخافُ منه. القلقُ يعني المراقبة. والسالكُ يجبُ أن يكونَ مراقبًا، لا خائفًا. الخوفُ خطأ. يجبُ أن يكونَ مراقبًا وحذرًا. لماذا؟ لئلّا تضيعَ منهُ هذهِ النعمة، نعمةُ الوصولِ إلى المطلوب. فهذهِ هي المراقبة. والمراقبةُ والقلقُ هما أصلُ الحركة، ومن لا يراقبْ لا يتحرّك، ومن لا يقلقْ لا يخطو خطوة. وكما يقولُ الإمامُ الكاظم موسى بنُ جعفرٍ عليهما السلام، عندما كانَ بشرٌ الحافي يعزفُ في منزله، وكانت الموسيقى آنذاك حرامًا!، وخرجت جاريته، فقالَ لها الإمامُ عليه السلام: «بيتُ من هذا؟». 

  • قالت: «بيتُ بِشْر». 

  • قال: «صاحب هذه الدار حرّ أم عبدٌ؟» 

  • قالت: «حرّ». 

  • فقالَ عليه السلام: صدقت، لو كانَ عبدًا لما صدرت منهُ هذهِ الأفعال، ولما أقامَ مجالسَ اللهوِ واللعبِ هذهِ أمامَ الله.

  • ثمّ تعودُ الجاريةُ وتخبرهُ بما جرى، فينقلبُ حالهُ ويصبحُ بشرًا الحافي۱.

  • فمن لا يقلقُ بشأنِ مآلهِ ليسَ بسالك. يجبُ على الإنسانِ أن يقلق، ولكنّ الخوفَ من عدمِ الوصولِ هو خلافُ السلوك. السالكُ لا ينبغي لهُ أن يخاف. لا، سنذهبُ وسنصلُ إن شاء الله. فلمن وضعَ اللهُ رحمتَهُ إذن؟ ولمن وضعَ غفرانَه؟ هل نعتبرُ اللهَ عاجزًا إلى هذا الحدّ، وأنّهُ لا يستطيعُ أن يوصلَ إلّا عبدًا واحدًا إلى لقائه؟! فلماذا لا يوصلُ الجميع؟! أيُّ قانونٍ هذا الذي يحتّمُ على اللهِ أن يريدَ إيصالَ عبد واحدٍ فقط؟!

    1.  راجع حول بشر الحافي نور ملكوت القرآن ج٣  ص ٢٢۱ وفي منهاج الکرامة للعلامة الحليّ، ص ٥٩: على يده عليه السلام تاب بشر الحافي، لأنه عليه السلام اجتاز على داره ببغداد، فسمع الملاهي وأصوات الغناء والقصب تخرج من تلك الدار، فخرجت جارية وبيدها قمامة البقل، فرمت بها في الدرب: فقال لها: يا جارية! صاحب هذه الدار حر أم عبد؟ فقالت: بل حر .
      فقال: صدقت، لو كان عبدا خاف من مولاه!.
      فلما دخلت قال مولاها وهو على مائدة السكر: ما أبطأك علينا؟ فقالت: حدثني رجل بكذا وكذا، فخرج حافيًا حتى لقي مولانا الكاظم عليه السلام فتاب على يده.

رجاء الله أساس القبول وحقيقة التقدير - لماذا لم يمنح الأئمّة عليهم السلام التكنولوجيا الحديثة لأصحابهم؟

16
  • لذا، أهمُّ مسألةٍ قالَها الأعاظمُ فيما يتعلّقُ بالسالك، هي أن يزيدَ رجاءَهُ بالله. فهذهِ مسألةٌ مهمّة. «يا ربّ، إن أردتَ أن تمتحنَنا، فأخرجْنا من الامتحانِ بنجاح. يا ربّ، إن أردتَ أن تعذّبَ أحدًا، فلا تجعلنا في زمرة المعذّبين». هذا هو الرجاء.

  • ذروة الدرس: المعنى العميق لدعاء الإمام الصادق

  • هناك عبارةٌ للإمامِ الصادقِ عليه السلام ـ كنتُ أظنّها للإمامِ السجّاد عليه السلام، ولكنّها مرويّةٌ عن الإمامِ الصادقِ عليه السلام من قِبَلِ أبي بصير ـ في دعاءٍ يُستحبُّ قراءتُهُ كلَّ ليلةٍ في شهرِ رمضان، وكانَ المرحومُ العلامة يقرأُهُ كلَّ يوم. يقولُ الإمامُ عليه السلام في ذيلِ فقراتِ هذا الدعاء: «وَأَسْأَلُكَ أَنْ تُكْرِمَنِي بِهَوَانِ مَنْ شِئْتَ مِنْ خَلْقِكَ، وَلا تُهِنِّي بِكَرَامَةِ أَحَدٍ مِنْ أَوْلِيَائِكَ»۱.

  • ماذا يريدُ الإمامُ الصادقُ عليه السلام أن يقولَ هنا؟ أذكرُ أنّنا كنّا في شهرِ رمضانَ على مائدةِ إفطارٍ في منزلِ أحدِ الأقارب، وكانَ المرحومُ العلامة حاضرًا، وذلك في زمانِ الشاهِ السابق. وكانَ هناك عددٌ من السادةِ المعروفين، وكانَ أحدُهم قد خرجَ للتوّ من السجنِ في السنةِ الأخيرةِ من حكمِ الشاه، وهو الآنَ في طهرانَ ويتولّى بعضَ الأمور، فالتفتَ إلى المرحومِ العلاّمةِ وقال: «سيّدنا، ما معنى هذهِ العبارةِ التي يقولُها الإمامُ الصادقُ عليه السلام في هذا الدعاء؟»

  • فظاهرُ العبارةِ يدعو للتعجّب: «وَأَسْأَلُكَ أَنْ تُكْرِمَنِي بِهَوَانِ مَنْ شِئْتَ مِنْ خَلْقِكَ»، أي أكرمني بسببِ الهوانِ الذي تُصيبُ بهِ الآخرين، أي أذِلَّ الآخرينَ وأكرمني فوقَهم. «وَلا تُهِنِّي بِكَرَامَةِ اَحَدٍ مِنْ أَوْلِيَائِكَ»، أي لا تُهنّي بسببِ الكرامةِ التي تمنحُها لبعضِ أوليائك.

  • كانَ هناك شخصٌ من أئمّةِ الجماعات، رجلٌ وجيهٌ جدًّا، وقبلَ أن يتكلّمَ المرحومُ العلامة، قفزَ في وسطِ الكلامِ وبدأَ يُفيضُ، ويا لها من إفاضة! فقال: «المقصودُ هو أنّ الأئمّةَ يقولونَ ألبسْنا لباسَ الكرامة. فإذا ألبستَنا لباسَ الكرامة، فإنّ البقيّةَ سينزلونَ إلى الأسفل. أي نصبحُ نحنُ الرؤساء، والأئمّة والأعاظم».

  • فقالَ السائل: «إذن لم تتغيّرِ القضيّة، المعنى هو: ارفعْنا وانزلْ بالبقيّة». 

  • فقال: «لا! ليسَ هذا هو المقصود، المقصودُ هو أن تجعلَنا أئمّة، وأمّا الآخرونَ فلينزلوا إلى الأسفل، إلى الجحيم». ثمّ التفتَ إلى المرحومِ العلامةِ وقال: «أليسَ كذلك يا سيّدنا؟». فاستاءَ ذلك الرجلُ جدًّا وقال: «طبعًا، لا تظنّوا أنّنا نتكلّمُ من فراغ، لقد حُقّقت هذهِ المعاني». ولم يقلِ المرحومُ العلامة شيئًا، وكانَ يراعي الأدبَ والاحترامَ في مثلِ هذهِ المسائل.

    1. مفاتيح الجنان، ص ٢٤٦؛ الاقبال ج ١ ص ١٠٤ فصل ١٣ ، والبلد الامين، ص ٢٢٢ ، والمقنعة ص ٣١٤ ، باب ١٠.

رجاء الله أساس القبول وحقيقة التقدير - لماذا لم يمنح الأئمّة عليهم السلام التكنولوجيا الحديثة لأصحابهم؟

17
  • ومضت فترةٌ، ثمّ قالَ المرحومُ العلامة في تفسيرِ هذهِ العبارةِ ـ وانظروا إلى هذا المعنى السامي، في مقابلِ ذلك التفسيرِ الذي قدّمهُ ذلك المجتهدُ الذي درسَ ثلاثينَ عامًا في الحوزة ـ قال: «المقصودُ هو: إذا تعلّقت مشيئتُكَ يا إلهي بأن تُذِلَّ فئةً من الناس، فلا تجعلنا في زمرتِهم». فانظروا إلى هذا المعنى! «أَنْ تُكْرِمَنِي بِهَوَانِ مَنْ شِئْتَ مِنْ خَلْقِكَ»، فالباءُ هنا بمعنى «مع». يا إلهي، أسألُكَ أن تكرمني مع الهوانِ الذي يصيبُ فئةً من خلقِك، أي ألاّ تجعلني منهم. فيا لهُ من دعاءٍ رفيع! «وَلا تُهِنِّي بِكَرَامَةِ أَحَدٍ مِنْ أَوْلِيَائِكَ»، أي لا تُهنّي مع الكرامةِ التي تمنحُها لأوليائك، أي عندما تريدُ أن تُلبسَ أحدَ أوليائِكَ لباسَ الكرامة، فألبسْني أنا أيضًا معهم. فما الذي ينقصُ منكَ؟ أنتَ الله، جالسٌ على بحرٍ من الكرم. ترفع أحدًا من أوليائك وتنعمُ عليهِ وتفتحُ عينيهِ على عالمِ الغيب، فافعلْ ذلك بي أيضًا.

  • هذا هو التفسيرُ الذي يمنعُنا من نسبةِ البخلِ إلى الله، بأن نحصرَ الكرامةَ في شخصٍ واحد. وعندما قالَ السائلُ: «نعم، هذا المعنى هو الصحيح»، ثارت ثائرةُ ذلك الرجلِ وخرجَ من المجلس. رحمه الله، فقد توفّي.

  • إذن، كيفَ يجبُ أن يكونَ أملُنا بالله؟ يجبُ أن نقول: «يا ربّ، أنتَ لستَ بخيلاً، ولا شُحَّ في نفسِك، ولا ينقصُ منكَ شيء. إذا تعلّقت مشيئتُكَ بإذلالِ فئةٍ من الناس، فامنحْنا كرامةَ ألّا تجعلَنا منهم». هذا هو الرجاء.

  • فالرجاءُ الذي يقولهُ الإمامُ السجّادُ عليه السلام: «وَاعلَمْ أَنَّكَ لِلرَّاجِين بِمَوْضِعِ إِجابَةٍ»، معناهُ حسبَ ما يصلُ إليهِ الذهنُ القاصر: «أنا أعلمُ أنّكَ للذين تعلّقوا بكَ وساروا على أملِكَ، حتّى لو أخطأوا، ما داموا يأملونَ في رحمتِك، فإنّكَ لن تتركَهم». فيصبحُ هذا رجاءً عامًّا ورحمةً إلهيّةً عامّةً تشملُ هؤلاءِ الأفراد.

  • في النهاية، مهما تحدّثنا عن هذهِ الفقرات، فهو قليل. نكتفي بهذا المقدار، وإن شاء الله، ابتداء من الليلةِ القادمةِ، ننتقلُ إلى فقرةٍ أخرى.

  •  

  • اللهمَّ صلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّدٍ